أحدث الأخبار مع #كيكل

سودارس
١٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- سودارس
(حميدتي).. ماذا بينك وبين الله أيها الرجل؟
ولأن أبا عاقلة كيكل، قائد ميليشيا ما يسمى ب"درع السودان"، وهي – وهو – صنيعة استخباراتية ومنتج خالص من إنتاج الجيش، لكنه منتج رخيص السعر، رديء الصنعة، إذ تمّت صناعته على عجل، وأُلحِق (جاسوسًا) داخل قوات الدعم السريع حتى اكتسب ثقة قائدها، ثم هرب معلنًا انسحابه منها – بعد اكتمال المهمة – وعاد إلى (صانعه)، ولهذا السبب قام قائد الجيش أمس بمحاولة جريئة لتلميع صورته في الإعلام. نثر كنانته من الصحافيين بين يديه، واختار أكثرهم ضعةً وفجوراً وحقارة، وكوزنة أيضاً، ورماهم إلى كيكل، فحضروا بين يديه وهم يحملون كل أدوات ال(Polish) لزوم التلميع، ولكن لله جنوداً من المنظفات. أظهر كيكل في اللقاء، وهو بدوي بسيط وقاطع طريق، أنه لا يزال على (سليقته) وفطرته السليمة، فأطاح بالخطة الإعلامية وفجّرها داوية، ونسف رواية الكيزان عن قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، التي بذلوا لها أموالًا طائلة ودعاية إعلامية مكثفة، كلفت مبالغ طائلة وزمنًا أطول اقتطعته قناة الجزيرة من وقتها على حساب (إخوان غزة). فإذا بقائد ميليشيا "درع السودان" يؤثر على نفسه (وإن لم يكن يقصد ذلك)، فمدحه وأطنب في مدحه من حيث أرادوا منه ذمَّه، ووصفه من حيث لا يريد مرؤوسوه. انبرى الرجل للدفاع عن (حميدتي) بطريقة وصفها البعض – وهم محقون – بأنها تفوق ما قام به إعلام الدعم السريع ومستشارو حميدتي، بل ومجلسه الاستشاري بأكمله. فقد أصاب كيكل سردية "موت حميدتي" في كبدها وقلبها، وأماتها إلى الأبد. كيكل لم يؤكد فقط أن حميدتي حيّ يُرزق، بل أضاف أنه لم يتعرض لأي إصابة طوال الحرب التي دخلت عامها الثالث، وأن ما بدا عليه من نحافة إنما كان بسبب صيامه المتواصل منذ أن شنت ميليشيات الحركة الإسلامية وقيادة الجيش الحرب عليه. وفي هذا إشارة إلى تدينه وورعه وتقواه وخشيته من الله. وأضاف كيكل أن حميدتي ظل في ميدان المعركة (الخرطوم) يقودها بنفسه، ولم يخرج منها إلا مرة واحدة ولمدة أسبوعين لتلقي العلاج، لأنه كان يعاني مرضًا في البطن منذ سنوات طويلة. لم يكتف كيكل بذلك، بل أوغل في مدح الرجل وسرد صفاته وكرمه وحسن أخلاقه، إذ قال: "عندما كنا نخبره عن ارتكاب عناصر الدعم السريع للانتهاكات، كان يبكي." "كانت دموعه تجري، وكان يصمت عن التعليق". وقد صدق الرجل، فهذا هو (حميدتي) الذي عرفته من مكان هو أقرب من المكان الذي عرفه فيه كيكل: (الرجولة)، والشهامة، والشجاعة، والفراسة فيه طبع أصيل لا تغيرها حرب ولا سلم. قد تختلف معه سياسيًا أو عسكريًا، ولكن قطعًا لن تختلف في نُبله وكرمه وكريم أخلاقا قال كيكل إن حميدتي ظلّ موجودًا بضاحية الخرطوم (2) طوال سنوات الحرب، إلى أن غادرها نهائيًا في فبراير المنصرم، بعد عبور الجيش جسر سوبا، أي بعد انسحاب الدعم السريع من الخرطوم. أي شجاعة وبسالة هذه؟ فبينما هرب قادة الجيش الذين يلعلعون الآن في بورتسودان ، يتعنترون منها مهددين السياسيين والمدنيين العزّل، ظلّ قائد الدعم السريع بين جنوده وقواته، يقاتل في الخرطوم إلى آخر لحظة قبل الانسحاب التكتيكي. بل إنه، وفقًا لحديث كيكل، كان حميدتي يدير كل صغيرة وكبيرة في الحرب بنفسه، وكان يقف على (نواقص) قواته ويتابع رفدها بالإمدادات ساعة بساعة. لم ينسف أبو عاقلة كيكل رواية الكيزان عن (حميدتي) فحسب، بل هدّم الصورة التي روّجوا لها عنه منذ اليوم الأول للحرب، وأنه محض قاتل ومنتهك وسفّاح. هذه الصورة، التي بذلت جماعة الهوس الديني الغالي والنفيس لترسيخها في أذهان الناس، تمّ ضعضعتها وإماتتها في مؤتمر صحفي واحد. الآن، وقد حصحص الحق وزهق الباطل، ونبتت الحقائق خضراء غضّة ومزهرة، وأن قائد الدعم السريع لم يمت، ولم يُبعث من الموت (بعاتي) – والعياذ بالله – ولم يكن في ظهوره المتكرر محض شبح مفبرك بالذكاء الاصطناعي، بل كان يقود قواته بنفسه من قلب الخرطوم ، ولم يهرب منها كما فعل قادة الجيش وقادة ميليشيات الكيزان الإرهابيين أمثال علي كرتي وأحمد هارون وزمرتهم، وأنه لم يكن يُقرّ أية انتهاكات يقوم بها بعض جنوده، بل كان يذرف الدمع سخينًا عندما يسمع عنها. الآن، وبعد رواية وشهادة (كيكل)، وهي شهادة صادرة عن رجل فارق الدعم السريع وخانها وحاربها ويقاتل ضدها الآن، فما قول الكيزان الكذَبة الأفاكين في ذلك؟ ما قولهم في روايتهم القذرة، وفي إعلامهم المتعفن الحقير، وفي كذبهم على الشعب السوداني، وشنّهم الحرب عليه، وتشريده من بيوته من أجل سلطة دنيوية لا تسوى مثقال حبّة خردل في موازين رب العالمين، الجبّار، فاضح الكذابين، المنتقم، الذي يُنطق الخونة والأفاكين وكل شيء، وهو على كل شيء قدير؟. لقد أنطق الله "كيكل"، وجعله يُنصف قائده السابق من حيث لا يريد، وسينطق من هم بعده ليدلوا بشهاداتهم ويقولوا الحقيقة للتاريخ، وحينها سيعلم الكيزان أي منقلب ينقلبون. كن بخير أيها الرجل .. أنت الفارس وسواك المسوخ.

سودارس
١٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- سودارس
اعترافات كيكل تنسف سردية إخوان الشياطين عن حرب أبريل
"وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" "الآية: 21 سورة فصلت" من عجائب حرب أبريل التي لا تكاد تتوقف عن ولادة العجائب، أن أطل قاطع الطريق القاتل "أبو عاقلة كيكل" في لقاء صحفي – تم الترتيب له بعناية – للحديث عن تجربته ك"جاسوس"، تم زرعه في قوات الدعم السريع. ولا أدري مبعث الفخر في كون المرء "جاسوساً سابقاً"، وقاتلاً شهدت على جرمه الإخوانية "سناء حمد" – وهي تضحك – قائلة إن تسجيلاً صوتياً يوكد ارتكاب كيكل لجريمة قتل القائد "عبد الرحمن البيشي"، هو ما أدى به للاستسلام لقوات الجيش، بعد تهديده بنشره. لكن بعض الصحفيين البلابسة، وجدوا في هذه "الجيفة الحية" ومخازيها، ما يبعث على الاحتفاء، "والشئ من مأتاه لا يُستغرب". وكان الحدث الأبرز في تلك الجلسة هو "اعترفات كيكل" حينما كان الصحفيون البلابسة من حوله يستنطقونه ليتحدث عن رحلة "تجسسه" على قوات الدعم السريع، ليأتي ذكر قائدها الفريق أول "محمد حمدان دقلو"، ويتحدث عنه كيكل، فينسف كامل سردية إخوان الشياطين عن حربهم، وعن قوات الدعم السريع وقائدها، والتي عكفوا عليها لما يزيد عن العامين، فسبحان من أنطق ألسنتهم الكذوبة بصدق المقال، عبر عفوية قاطع طريق، أرادوا له أن يكون زعيماً بين عشية وضحاها هكذا ضربة لازب، وفي التو والحال! وكان أول ما نسفه "كيكل" من سرديات إخوان الشياطين وأكاذيبهم عن الحرب، والتي ظلوا يرددونها لعامين في دأب مريض، هي سردية "مقتل حميدتي بعد إصابته إصابة خطيرة"، والتي شغلوا بها الناس لما يزيد عن العامين، بل ووقع في فخ تبني هذه الكذبة سياسيون من شاكلة "مبارك الفاضل"، ذلك الصغير الذي لا يكبر، فكانت كذبة منبره المشهودة في حرب أبريل. وها هي الأيام تمضي ليؤكد "كيكل" عدو حميدتي الأبرز، والذي لم يتوانى عن قتل خيرة قادته الميدانيين بالتأمر، أن "حميدتي" حي يرزق، بل أنه لم يصب خلال الحرب على الإطلاق. وأرجع "كيكل" نحافة جسمه لصيامه المتواصل منذ اندلاع الصراع، ليرسم صورة لرجل ورع زاهد، توافقت مع ما نقله عنه المقربون من سماحة الخلق وفطرية التدين، فبهت إخوان الشياطين. وأضاف "كيكل" إن حميدتي ظل في الخرطوم يقود معاركها بنفسه، ولم يخرج منها إلا مرة واحدة ولمدة أسبوعين لتلقي العلاج، لأنه كان يعاني مرضاً في البطن منذ سنوات طويلة. فمن كان يتوقع وجود القائد على خط المواجهة؟ هرب البرهان والكباشي وقادة الجيش إلى بورتسودان ، يتحصنون بالأبواب ويقاتلون باستدعاء الأجنبي واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وبقى قائد قوات الدعم السريع على الجبهة بشهادة عدوه، وكفاه بذلك فخراً. ونسف "جاسوس" الإخوان الفاشل سرديتهم عن شخصية قائد الدعم السريع نفسه، وقد أرادوا أن يعيدوا معه تجربتهم في شيطنة قائد الحركة الشعبية الراحل د. "جون قرنق" عبر تصويره بأنياب وقرون، وحش متعطش للقتل والدماء، فقال كيكل عن حميدتي: "عندما كنا نخبره عن ارتكاب عناصر من الدعم السريع لانتهاك، كان يبكي. كانت دموعه تجري، وكان يصمت عن التعليق"، وشهد له بالعين التي بكت من خشية الله، والتي لا تمسها النار بنص الكتاب. وعلى وجه العموم فقد خالفت رواية قاطع الطريق "كيكل" أكاذيب إخوان الشياطين، والتي انهارت كقطع الدومينو على وقع الحقائق الساطعة والمجردة، ابتداء من أكذوبة أن الدعم السريع هو من أشعل الحرب للاستيلاء على السلطة، مروراً بفرية مقتل قائد الدعم السريع، وإيهام الناس أنها حرب قصيرة الأمد "أسبوع أسبوعين"، وإنكار حقيقة أن من أشعل الحرب هم إخوان الشياطين للعودة للسلطة على الجثث والجماجم، وإيهام الدعم السريع نفسه بإمكانية قبولهم للتفاوض من أجل استغلال الهدنة لتحسين وضعهم العسكري عبر جلب السلاح والدعم من الدول المارقة، والمنظمات الإرهابية حول العالم. لكن الخبر الجيد أنه لم تعد في قبعة ساحر الإخوان مزيداً من الحيل. لم يعد في قبعة ساحر الإخوان المزيد من الحيل، سواءٍ محاولة إيهام الناس بقبولهم للتفاوض من أجل كسب الوقت لجلب المزيد من السلاح، أو مغازلة قوات الدعم السريع عبر إلقاء عظم إمكانية الوصول لاتفاق الحرب إن تخلى الدعم السريع عن حلفاؤه من السياسيين، بل صارت مثل تلك المحاولات مما يتندر به الناس. وصار جلياً أن اقتلاع إخوان الشياطين من الجذور هو السبيل الوحيد لإخراج البلاد من نفق الحروب والدمار، وإن تصديق إمكانية التوصل معهم لحل سلمي بأي شكل من الأشكال، هو محض تأجيل لحرب أشد عنفاً وأكثر ضراوة. ألا لعنة الله على إخوان الشياطين.


الجزيرة
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
ما وراء التسريب المفاجئ لقائد سابق في الدعم السريع
لقد خلّف المشهد الذي ارتسم في بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة في السودان، حيث جلس اللواء أبو عاقلة كيكل قائد ما يعرف بقوات درع السودان المتحالفة مع الجيش السوداني، وهو محاط بنخبة منتقاة من الصحفيين، موجةً من الاستياء العارم في أوساط الشعب السوداني. لم يكن مجرد انعقاد هذا اللقاء الصحفي هو المستفز، بل تحديدًا ما تضمنه من تصريحات بالغة الغرابة وربما السطحية، والتي وصفها البعض بأنها محاولة باهتة لاستخفاف بوعي الشعب السوداني وذاكرته المضرجة بدماء لا تزال تنزف. لقد خرج كيكل، الذي لم يمضِ وقت طويل على كونه جزءًا لا يتجزأ من منظومة مليشيا الدعم السريع، ليقدم شهادة "إنسانية" مفاجئة ومثيرة للدهشة في حق قائد التمرد، محمد حمدان دقلو "حميدتي". إذ وصفه بأنه كان "رقيق القلب"، و"كثير الصيام"، بل وذهب إلى أبعد من ذلك زاعمًا أنه "كان يذرف الدموع عند سماع أخبار الجرائم التي ترتكبها قواته"! وكان واضحًا من خلال ردود الفعل الشعبية والنخبوية الرفض الشديد لهذا النوع من المحاولات الذي اعتبر على نطاق واسع بأنه نوع من التلاعب المستفز بمشاعر الشعب السوداني، الذي اكتوى بنيران هذه الحرب وشاهد بأم عينيه فظائعها. حيث إنه سعْي لتجميل صورة شخص تلطخت يداه بدماء الأبرياء التي أُزهقت بلا ذنب. فهل تحول التعبير العاطفي إلى بديل مقبول للعدالة الغائبة؟ الأمر الأكثر إثارة للقلق والانتباه، ألا يكون حديث كيكل مجرد كلام عابر أو انطباعات شخصية عفوية، بل قد يكون جزءًا من محاولة مُحكمة لإعادة تدوير صورة حميدتي، وتقديمها في سياق جديد. هذا السياق يبدو مرتبطًا بشكل وثيق بمساعي تسوية سياسية يجري الحديث عنها وتم تداولها في الخفاء والعلن، على المستويين؛ الإقليمي، والدولي. متى ما تحوّل العسكري فجأة إلى راوٍ عاطفي، يسرد قصصًا مؤثرة عن خصمه، فلنعلم يقينًا أن هناك جهة ما تحاول أن تقول لك بصوت خفيض: "انظر، لا يزال بإمكانك أن تصدّق هذا الوجه الآخر من القسوة". هل كان كيكل "صنيعة استخباراتية" للجيش؟ في محاولة لفهم أعمق للدوافع الكامنة وراء تصريحات اللواء كيكل، وتداعياتها المحتملة على المشهد السياسي السوداني، يمكن طرح سؤالين محوريين: إلى أي مدى يمكن اعتبار تصريحات اللواء كيكل "تسريبات مدروسة" أو "اعترافات تلقائية"؟ وهل كانت هذه الإفادات تهدف حقًا إلى تبييض صورة حميدتي المشوهة، أم إنها جزء من إستراتيجية أوسع لإعادة تشكيل صورته بما يخدم مصلحة طرف أو أطراف معينة في هذه الحرب؟ على الرغم من النبرة التي بدت في ظاهرها عفوية للواء كيكل، وهو يسرد بعض التفاصيل المتعلقة بقائد التمرّد حميدتي، فإن السياق العام الذي أدلى فيه بهذه التصريحات، والتوقيت الحسّاس الذي يمر به السودان، والمنبر الإعلامي الذي اختير بعناية لنقل هذه "الاعترافات"، كلها عوامل تجعل من الصعب تصديق أنها مجرد "اعترافات تلقائية" أو انطباعات شخصية عابرة. إن اللغة المُنمّقة التي استخدمها كيكل في تصوير الجانب "الإنساني" لحميدتي تحمل في طياتها دلالات أعمق بكثير مما تبديه كلماتها السطحية. إنها إفادات تبدو مشحونة بدلالات ناعمة ومُعدّة بعناية فائقة، ويبدو أنها تهدف إلى إعادة تركيب الصورة الذهنية لقائد باتت صورته مشوهة تمامًا في أذهان السودانيين والعالم أجمع، وذلك بفعل جرائم الحرب والانتهاكات الموثقة التي ارتكبتها قواته. إن الطرح الذي يتردد في بعض الأوساط، والذي يفترض أن كيكل كان في الأصل "صنيعة استخباراتية" لصالح الجيش السوداني، وأن وجوده السابق في مليشيا الدعم السريع كان جزءًا من مهمة اختراق أو مراقبة مُخطط لها بعناية، هو سيناريو مثير للاهتمام بلا شك. لكن في الوقت نفسه، يتطلب التعامل مع هذا السيناريو قدرًا كبيرًا من الحذر والتحليل الواقعي الذي يستند إلى السياقات والمعطيات المتاحة. فمن الضروري أن نتذكر أن كيكل لم يكن مجرد ضابط عادي أو عنصر هامشي في مليشيا الدعم السريع، بل شغل موقعًا حساسًا ومهمًا داخلها، وكان مقربًا من الدائرة الضيقة المحيطة بقائد التمرد. وهذا يشير بوضوح إلى أنه كان يتمتع بثقة عالية من قبل حميدتي شخصيًا- وهو أمر لا يُمنح عادةً لأي شخص يُشتم منه أدنى شك في ولائه أو ارتباطه بجهات أخرى. لكن في المقابل، يجب أن نأخذ في الاعتبار النقاط التالية: إن وجود ضباط من الجيش أو الأجهزة الأمنية داخل تشكيلات عسكرية غير نظامية أو خارجة عن القانون، لأغراض الرصد وجمع المعلومات أو حتى محاولة التأثير، ليس سابقة جديدة في تاريخ السودان، أو في تاريخ الدول الأخرى التي شهدت صراعات مماثلة. لقد شهد تاريخ الانقلابات والتحولات الأمنية في مختلف دول العالم العديد من الشخصيات التي لعبت أدوار "الاختراق" المعقدة تحت غطاء من الولاء الظاهري للطرف الآخر. إن ما أدلى به كيكل مؤخرًا من إفادات وتصريحات، من الصعب وصفه بالعفوي تمامًا أو مجرد "اعتراف إنساني" عفوي، بل يبدو منسقًا ومُدارًا بقدر كافٍ يسمح له بالظهور دون أن يتعرض للمساءلة أو المنع، ويُسمع دون أن يتم تجاهل كلامه. وهذا الأمر يعزز بشكل كبير نظرية مفادها أنه إما: عاد إلى صفوف الجيش بغطاء كامل ودعم من المؤسسة العسكرية، بعد أن أدى مهمة معينة داخل الدعم السريع (إذا كان بالفعل جزءًا من خطة استخباراتية). تمت إعادة توجيهه بشكل إستراتيجي من قبل جهات معينة ليخدم السردية العسكرية الجديدة، أو على الأقل ليقدم رواية بديلة تخدم مصالح الجيش وحلفائه. تم "إطلاقه" في هذا التوقيت تحديدًا كجزء من عملية "إعادة كسب" للرأي العام السوداني الذي بات يكنّ كراهية شديدة لمليشيا الدعم السريع وقادتها، أو كجزء من إستراتيجية أوسع لتفكيك صورة العدو من الداخل وزعزعة ثقة عناصره في قيادتهم. إعلان إذا صحّت الفرضية بأن كيكل كان بالفعل "عينًا استخباراتية" في قلب المليشيا طوال الفترة الماضية، فإن ما يفعله الآن قد يكون بمثابة كشف للفصل الأخير من مهمة طويلة ومعقّدة. إن السؤال المُلحّ هو: هل يمكن ربط "التسريبات" التي أدلى بها كيكل بما يدور في الكواليس من حديث متزايد عن وجود ترتيبات سياسية وتفاوضات محتملة لإنهاء الحرب الدّائرة في السودان؟ في هذا السياق، يمكن طرح عدّة سيناريوهات محتملة: هل تصرّف كيكل بمبادرة شخصية وبشكل منفرد، محاولًا اللحاق بـ "بازار التسوية" المحتمل، وتلافيًا لغضب حميدتي بسبب انشقاقه عنه وانضمامه إلى الجيش؟ أم هل يمكن أن تكون هذه "التسريبات" قد تمت باتفاق وتنسيق مسبق مع قيادة الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، بهدف تمهيد الرأي العام السوداني تدريجيًا لقبول فكرة مشاركة حميدتي في أي تسوية سياسية مستقبلية، وذلك بعد حالة الغضب الشعبي العارم ضده بسبب الجرائم التي ارتكبتها قواته؟ في ضوء ذلك، يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات رئيسية: السيناريو الأول: مبادرة فردية للنجاة: هل تصرف كيكل بمفرده، مدفوعًا برغبة شخصية في تجميل صورته بعد انشقاقه عن الدعم السريع وانضمامه إلى الجيش، ومحاولةً منه للعودة إلى حظيرة حميدتي أو على الأقل تخفيف حدة الغضب تجاهه، إذا شعر بأن هناك صفقة سياسية قادمة لا محالة سيتم فيها تجاهل موقفه الحالي؟ السيناريو الثاني: تنسيق مع الجيش لـ "تلميع" صورة حميدتي في أذهان الرأي العام السوداني، بهدف تمهيد الطريق لقبوله طرفًا في تسوية سياسية قادمة، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة لإنهاء الحرب بأي ثمن. السيناريو الثالث: بالون اختبار سياسي: هل كانت تصريحات كيكل بمثابة "بالون اختبار" سياسي أطلقته جهة ما (ربما إقليمية أو دولية) لقياس رد فعل الرأي العام السوداني تجاه أي محاولة لإعادة دمج حميدتي في المشهد السياسي المستقبلي، أو على الأقل تخفيف حدة العداء تجاهه؟ إعلان كيف يقنع البرهان شعبًا موجوعًا بتسوية مع الجلاد؟ إن التحدي الأخطر الذي سيواجه البرهان إذا ما أقدم فعلًا على الدخول في تسوية سياسية تشمل مليشيا الدعم السريع وقادتها، إذ كيف يمكنه أن يقنع شعبًا بأكمله موجوعًا ومثخنًا بالجراح، وقوات نظامية ومستنفرين يقاتلون ببسالة ويقدمون أرواحهم فداءً للوطن، بأن يجلسوا إلى طاولة واحدة مع أولئك الذين ارتكبوا أفظع الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين والأرض؟ إن هذا التحدي يتطلب إستراتيجية سياسية وإعلامية وأخلاقية متكاملة ومحكمة تتمثل في وجوب أن يؤسس البرهان خطابه بشكل واضح وصريح على قاعدة أخلاقية متينة لا تقبل الشك أو التأويل، بحيث تُقدم أي تسوية محتملة للرأي العام السوداني ليس باعتبارها مكافأة للمليشيا المتمردة أو تبرئة لجرائمها، بل كآلية ضرورية لوقف نزيف المدنيين الأبرياء، ومنع تفكك الدولة السودانية وانهيار مؤسساتها، مع التأكيد في الوقت نفسه على أن ملف المحاسبة سيظلّ مفتوحًا، وسيتم التعامل معه لاحقًا عبر آليات عدلية وقضائية مستقلة، سواء كانت وطنية أو دولية، تضمن تحقيق العدالة الناجزة لجميع الضحايا. يجب على البرهان أن يتوجّه بخطاب مباشر وقوي إلى القوات النظامية والمستنفرين الذين يسطرون أروع ملاحم البطولة في ساحات القتال، قائلًا لهم بصدق وتقدير: "إنكم لم تقاتلوا عبثًا ولم تُرق دماؤكم هدرًا، بل قاتلتم بشرف وبسالة دفاعًا عن عزة وكرامة الوطن، وعن أرواح وممتلكات أهلكم. ولولا صمودكم الأسطوري وتضحياتكم الجسام، لما كان هناك أي حديث عن تسوية في الأساس.. أنتم من فرضتم بشجاعتكم شروط أي حل سياسي مشرف". كذلك لا يمكن تصور أي تسوية سياسية مستدامة دون تقديم ضمانات أمنية قوية وواضحة تمنع تكرار الكارثة تتمثل في: إعادة هيكلة (الدعم السريع) بشكل كامل ودمجها تحت إشراف صارم من الجيش، بما يضمن ولاءها الكامل للدولة ومؤسساتها. إبعاد القيادات المتورطة في ارتكاب الجرائم والانتهاكات بشكل نهائي من المشهد العسكري والسياسي، وتقديمهم للعدالة. سيكون هناك جدول زمني واضح ومُلزم للانتقال التدريجي من مرحلة حمل السلاح إلى مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية والمؤسسات القوية. أيضًا لضمان قبول أي تسوية محتملة من قبل القوات المسلحة والقوات المتحالفة معها، لا بدّ من إشراك قيادات هذه القوات وممثلين عنهم في عملية صنع القرار وصياغة أي وثيقة للتسوية. يجب أن يشعر هؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم أن ما قاتلوا من أجله يتم الحفاظ عليه ولا يتم التنازل عنه في غرف مغلقة أو تحت ضغوط خارجية. خلاصة القول: إذا كان الجنرال البرهان يسعى حقًا إلى تحقيق تسوية سياسية تحظى بقبول شعبي وعسكري واسع، فعليه أن يقدم هذه التسوية للشعب السوداني باعتبارها ضرورة مؤقتة وملحة لحماية الكيان الوطني من الانهيار الكامل، وليس باعتبارها ترضية سياسية لطرف دولي أو إقليمي. يجب أن تكون أي تسوية مصحوبة بوضوح تام في ملف المحاسبة، وشفافية كاملة في الترتيبات الأمنية والسياسية المستقبلية، وصدق مطلق في الخطاب الموجّه للشعب. الجروح التي أحدثتها هذه الحرب لا تزال مفتوحة ونازفة، ولن تلتئم إلا بالحقيقة والعدالة، وليس بالصفقات المشبوهة أو محاولات تجميل صورة من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء.


الجزيرة
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
تسريب مفاجئ لقائد سابق في الدعم السريع.. لماذا الآن؟
لقد خلّف المشهد الذي ارتسم في بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة في السودان، حيث جلس اللواء أبو عاقلة كيكل قائد ما يعرف بقوات درع السودان المتحالفة مع الجيش السوداني، وهو محاط بنخبة منتقاة من الصحفيين، موجةً من الاستياء العارم في أوساط الشعب السوداني. لم يكن مجرد انعقاد هذا اللقاء الصحفي هو المستفز، بل تحديدًا ما تضمنه من تصريحات بالغة الغرابة وربما السطحية، والتي وصفها البعض بأنها محاولة باهتة لاستخفاف بوعي الشعب السوداني وذاكرته المضرجة بدماء لا تزال تنزف. لقد خرج كيكل، الذي لم يمضِ وقت طويل على كونه جزءًا لا يتجزأ من منظومة مليشيا الدعم السريع، ليقدم شهادة "إنسانية" مفاجئة ومثيرة للدهشة في حق قائد التمرد، محمد حمدان دقلو "حميدتي". إذ وصفه بأنه كان "رقيق القلب"، و"كثير الصيام"، بل وذهب إلى أبعد من ذلك زاعمًا أنه "كان يذرف الدموع عند سماع أخبار الجرائم التي ترتكبها قواته"! وكان واضحًا من خلال ردود الفعل الشعبية والنخبوية الرفض الشديد لهذا النوع من المحاولات الذي اعتبر على نطاق واسع بأنه نوع من التلاعب المستفز بمشاعر الشعب السوداني، الذي اكتوى بنيران هذه الحرب وشاهد بأم عينيه فظائعها. حيث إنه سعْي لتجميل صورة شخص تلطخت يداه بدماء الأبرياء التي أُزهقت بلا ذنب. فهل تحول التعبير العاطفي إلى بديل مقبول للعدالة الغائبة؟ الأمر الأكثر إثارة للقلق والانتباه، ألا يكون حديث كيكل مجرد كلام عابر أو انطباعات شخصية عفوية، بل قد يكون جزءًا من محاولة مُحكمة لإعادة تدوير صورة حميدتي، وتقديمها في سياق جديد. هذا السياق يبدو مرتبطًا بشكل وثيق بمساعي تسوية سياسية يجري الحديث عنها وتم تداولها في الخفاء والعلن، على المستويين؛ الإقليمي، والدولي. متى ما تحوّل العسكري فجأة إلى راوٍ عاطفي، يسرد قصصًا مؤثرة عن خصمه، فلنعلم يقينًا أن هناك جهة ما تحاول أن تقول لك بصوت خفيض: "انظر، لا يزال بإمكانك أن تصدّق هذا الوجه الآخر من القسوة". هل كان كيكل "صنيعة استخباراتية" للجيش؟ في محاولة لفهم أعمق للدوافع الكامنة وراء تصريحات اللواء كيكل، وتداعياتها المحتملة على المشهد السياسي السوداني، يمكن طرح سؤالين محوريين: إلى أي مدى يمكن اعتبار تصريحات اللواء كيكل "تسريبات مدروسة" أو "اعترافات تلقائية"؟ وهل كانت هذه الإفادات تهدف حقًا إلى تبييض صورة حميدتي المشوهة، أم إنها جزء من إستراتيجية أوسع لإعادة تشكيل صورته بما يخدم مصلحة طرف أو أطراف معينة في هذه الحرب؟ على الرغم من النبرة التي بدت في ظاهرها عفوية للواء كيكل، وهو يسرد بعض التفاصيل المتعلقة بقائد التمرّد حميدتي، فإن السياق العام الذي أدلى فيه بهذه التصريحات، والتوقيت الحسّاس الذي يمر به السودان، والمنبر الإعلامي الذي اختير بعناية لنقل هذه "الاعترافات"، كلها عوامل تجعل من الصعب تصديق أنها مجرد "اعترافات تلقائية" أو انطباعات شخصية عابرة. إن اللغة المُنمّقة التي استخدمها كيكل في تصوير الجانب "الإنساني" لحميدتي تحمل في طياتها دلالات أعمق بكثير مما تبديه كلماتها السطحية. إنها إفادات تبدو مشحونة بدلالات ناعمة ومُعدّة بعناية فائقة، ويبدو أنها تهدف إلى إعادة تركيب الصورة الذهنية لقائد باتت صورته مشوهة تمامًا في أذهان السودانيين والعالم أجمع، وذلك بفعل جرائم الحرب والانتهاكات الموثقة التي ارتكبتها قواته. إن الطرح الذي يتردد في بعض الأوساط، والذي يفترض أن كيكل كان في الأصل "صنيعة استخباراتية" لصالح الجيش السوداني، وأن وجوده السابق في مليشيا الدعم السريع كان جزءًا من مهمة اختراق أو مراقبة مُخطط لها بعناية، هو سيناريو مثير للاهتمام بلا شك. لكن في الوقت نفسه، يتطلب التعامل مع هذا السيناريو قدرًا كبيرًا من الحذر والتحليل الواقعي الذي يستند إلى السياقات والمعطيات المتاحة. فمن الضروري أن نتذكر أن كيكل لم يكن مجرد ضابط عادي أو عنصر هامشي في مليشيا الدعم السريع، بل شغل موقعًا حساسًا ومهمًا داخلها، وكان مقربًا من الدائرة الضيقة المحيطة بقائد التمرد. وهذا يشير بوضوح إلى أنه كان يتمتع بثقة عالية من قبل حميدتي شخصيًا- وهو أمر لا يُمنح عادةً لأي شخص يُشتم منه أدنى شك في ولائه أو ارتباطه بجهات أخرى. لكن في المقابل، يجب أن نأخذ في الاعتبار النقاط التالية: إن وجود ضباط من الجيش أو الأجهزة الأمنية داخل تشكيلات عسكرية غير نظامية أو خارجة عن القانون، لأغراض الرصد وجمع المعلومات أو حتى محاولة التأثير، ليس سابقة جديدة في تاريخ السودان، أو في تاريخ الدول الأخرى التي شهدت صراعات مماثلة. لقد شهد تاريخ الانقلابات والتحولات الأمنية في مختلف دول العالم العديد من الشخصيات التي لعبت أدوار "الاختراق" المعقدة تحت غطاء من الولاء الظاهري للطرف الآخر. إن ما أدلى به كيكل مؤخرًا من إفادات وتصريحات، من الصعب وصفه بالعفوي تمامًا أو مجرد "اعتراف إنساني" عفوي، بل يبدو منسقًا ومُدارًا بقدر كافٍ يسمح له بالظهور دون أن يتعرض للمساءلة أو المنع، ويُسمع دون أن يتم تجاهل كلامه. وهذا الأمر يعزز بشكل كبير نظرية مفادها أنه إما: عاد إلى صفوف الجيش بغطاء كامل ودعم من المؤسسة العسكرية، بعد أن أدى مهمة معينة داخل الدعم السريع (إذا كان بالفعل جزءًا من خطة استخباراتية). تمت إعادة توجيهه بشكل إستراتيجي من قبل جهات معينة ليخدم السردية العسكرية الجديدة، أو على الأقل ليقدم رواية بديلة تخدم مصالح الجيش وحلفائه. تم "إطلاقه" في هذا التوقيت تحديدًا كجزء من عملية "إعادة كسب" للرأي العام السوداني الذي بات يكنّ كراهية شديدة لمليشيا الدعم السريع وقادتها، أو كجزء من إستراتيجية أوسع لتفكيك صورة العدو من الداخل وزعزعة ثقة عناصره في قيادتهم. إعلان إذا صحّت الفرضية بأن كيكل كان بالفعل "عينًا استخباراتية" في قلب المليشيا طوال الفترة الماضية، فإن ما يفعله الآن قد يكون بمثابة كشف للفصل الأخير من مهمة طويلة ومعقّدة. إن السؤال المُلحّ هو: هل يمكن ربط "التسريبات" التي أدلى بها كيكل بما يدور في الكواليس من حديث متزايد عن وجود ترتيبات سياسية وتفاوضات محتملة لإنهاء الحرب الدّائرة في السودان؟ في هذا السياق، يمكن طرح عدّة سيناريوهات محتملة: هل تصرّف كيكل بمبادرة شخصية وبشكل منفرد، محاولًا اللحاق بـ "بازار التسوية" المحتمل، وتلافيًا لغضب حميدتي بسبب انشقاقه عنه وانضمامه إلى الجيش؟ أم هل يمكن أن تكون هذه "التسريبات" قد تمت باتفاق وتنسيق مسبق مع قيادة الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان، بهدف تمهيد الرأي العام السوداني تدريجيًا لقبول فكرة مشاركة حميدتي في أي تسوية سياسية مستقبلية، وذلك بعد حالة الغضب الشعبي العارم ضده بسبب الجرائم التي ارتكبتها قواته؟ في ضوء ذلك، يمكن طرح ثلاثة سيناريوهات رئيسية: السيناريو الأول: مبادرة فردية للنجاة: هل تصرف كيكل بمفرده، مدفوعًا برغبة شخصية في تجميل صورته بعد انشقاقه عن الدعم السريع وانضمامه إلى الجيش، ومحاولةً منه للعودة إلى حظيرة حميدتي أو على الأقل تخفيف حدة الغضب تجاهه، إذا شعر بأن هناك صفقة سياسية قادمة لا محالة سيتم فيها تجاهل موقفه الحالي؟ السيناريو الثاني: تنسيق مع الجيش لـ "تلميع" صورة حميدتي في أذهان الرأي العام السوداني، بهدف تمهيد الطريق لقبوله طرفًا في تسوية سياسية قادمة، خاصة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة لإنهاء الحرب بأي ثمن. السيناريو الثالث: بالون اختبار سياسي: هل كانت تصريحات كيكل بمثابة "بالون اختبار" سياسي أطلقته جهة ما (ربما إقليمية أو دولية) لقياس رد فعل الرأي العام السوداني تجاه أي محاولة لإعادة دمج حميدتي في المشهد السياسي المستقبلي، أو على الأقل تخفيف حدة العداء تجاهه؟ إعلان كيف يقنع البرهان شعبًا موجوعًا بتسوية مع الجلاد؟ إن التحدي الأخطر الذي سيواجه البرهان إذا ما أقدم فعلًا على الدخول في تسوية سياسية تشمل مليشيا الدعم السريع وقادتها، إذ كيف يمكنه أن يقنع شعبًا بأكمله موجوعًا ومثخنًا بالجراح، وقوات نظامية ومستنفرين يقاتلون ببسالة ويقدمون أرواحهم فداءً للوطن، بأن يجلسوا إلى طاولة واحدة مع أولئك الذين ارتكبوا أفظع الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين والأرض؟ إن هذا التحدي يتطلب إستراتيجية سياسية وإعلامية وأخلاقية متكاملة ومحكمة تتمثل في وجوب أن يؤسس البرهان خطابه بشكل واضح وصريح على قاعدة أخلاقية متينة لا تقبل الشك أو التأويل، بحيث تُقدم أي تسوية محتملة للرأي العام السوداني ليس باعتبارها مكافأة للمليشيا المتمردة أو تبرئة لجرائمها، بل كآلية ضرورية لوقف نزيف المدنيين الأبرياء، ومنع تفكك الدولة السودانية وانهيار مؤسساتها، مع التأكيد في الوقت نفسه على أن ملف المحاسبة سيظلّ مفتوحًا، وسيتم التعامل معه لاحقًا عبر آليات عدلية وقضائية مستقلة، سواء كانت وطنية أو دولية، تضمن تحقيق العدالة الناجزة لجميع الضحايا. يجب على البرهان أن يتوجّه بخطاب مباشر وقوي إلى القوات النظامية والمستنفرين الذين يسطرون أروع ملاحم البطولة في ساحات القتال، قائلًا لهم بصدق وتقدير: "إنكم لم تقاتلوا عبثًا ولم تُرق دماؤكم هدرًا، بل قاتلتم بشرف وبسالة دفاعًا عن عزة وكرامة الوطن، وعن أرواح وممتلكات أهلكم. ولولا صمودكم الأسطوري وتضحياتكم الجسام، لما كان هناك أي حديث عن تسوية في الأساس.. أنتم من فرضتم بشجاعتكم شروط أي حل سياسي مشرف". كذلك لا يمكن تصور أي تسوية سياسية مستدامة دون تقديم ضمانات أمنية قوية وواضحة تمنع تكرار الكارثة تتمثل في: إعادة هيكلة (الدعم السريع) بشكل كامل ودمجها تحت إشراف صارم من الجيش، بما يضمن ولاءها الكامل للدولة ومؤسساتها. إبعاد القيادات المتورطة في ارتكاب الجرائم والانتهاكات بشكل نهائي من المشهد العسكري والسياسي، وتقديمهم للعدالة. سيكون هناك جدول زمني واضح ومُلزم للانتقال التدريجي من مرحلة حمل السلاح إلى مرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية والمؤسسات القوية. أيضًا لضمان قبول أي تسوية محتملة من قبل القوات المسلحة والقوات المتحالفة معها، لا بدّ من إشراك قيادات هذه القوات وممثلين عنهم في عملية صنع القرار وصياغة أي وثيقة للتسوية. يجب أن يشعر هؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم أن ما قاتلوا من أجله يتم الحفاظ عليه ولا يتم التنازل عنه في غرف مغلقة أو تحت ضغوط خارجية. خلاصة القول: إذا كان الجنرال البرهان يسعى حقًا إلى تحقيق تسوية سياسية تحظى بقبول شعبي وعسكري واسع، فعليه أن يقدم هذه التسوية للشعب السوداني باعتبارها ضرورة مؤقتة وملحة لحماية الكيان الوطني من الانهيار الكامل، وليس باعتبارها ترضية سياسية لطرف دولي أو إقليمي. يجب أن تكون أي تسوية مصحوبة بوضوح تام في ملف المحاسبة، وشفافية كاملة في الترتيبات الأمنية والسياسية المستقبلية، وصدق مطلق في الخطاب الموجّه للشعب. الجروح التي أحدثتها هذه الحرب لا تزال مفتوحة ونازفة، ولن تلتئم إلا بالحقيقة والعدالة، وليس بالصفقات المشبوهة أو محاولات تجميل صورة من تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء.

سودارس
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- سودارس
بكرى المدنى يكتب: مع كيكل – الحقائق والوقائع!!
تلك المظان والتى كنت ارسلها إشارات في شكل منشورات أو منثورات هناك وهناك هي ما دفعت -ربما-بمن يسمى نفسه نائب كيكل في المواقع الافتراضية للتواصل والتحاور معي والذي ظللته بعلم السلطات حتى لا اؤخذ حين غرة في أحد الارتكازات وانا صحفي كثير الأسفار !! أمس لما التقيت القائد كيكل رفقة عدد من الزملاء الأعزاء أسرعت بطرح اسئلتي عليه وكأني أسابق اللحظة!! كنت في مدنى وكان هناك شيء ما خطأ – يا رجل كيف سقطت المدينة بتلك السهولة وماهية تفاصيل هلاك البيشي؟! وسألته أيضا عن آخر مرة التقى فيها حميدتى وان ما كان سيلتقي جبريل في بورتسودان؟! إجابات القائد كيكل على الأسئلة أعلاه إفادات ليست جديدة بل هي مطروحة في المواقع والقنوات ولكن في زمان الذكاء الاصطناعي أردت أن أتأكد منها كفاحا منه ! مدنى أسقطها الخونة والطوايير الذين كانوا بالجزيرة أما الشهادة الكاملة فلقد كانت ببراءة اللواء أحمد الطيب -نعم اللواء أحمد الذي يختلف معه كيكل جدا لكنه شهد له أمامنا بالأمانة وحمدت الله في سري أن الجيش بخير ! هلاك البيشي كانت نتيجة إصابة برميل متفجر ألقته طائرة انتوف على ركبه فمات بقدره و بسوء تقديره ولم يعلم كيكل بالتفاصيل إلا في اليوم التالي من عبدالرحيم دقلو! من خلال حديث كيكل عن البيشي أحسست أنه يحس بالأسى عليه وهو عنده قد وصل حقيقة المليشيا لولا أن أدركته الخاتمة! عن لقاء حميدتى قال إنه التقاه قبل خروجه -اي كيكل -من الدعم السريع بأيام -ربما 12-وقد علم بخروجه من الخرطوم قبل يومان من دخول كيكل إليها والإعمار بيد الله !! قبل أن نصل مقر كيكل كان قد سبقنا إليه مرحبا وفدا من الحركات المسلحة والرجل سيلتقي الدكتور جبريل ابراهيم وغيره من قادة الحركات في بورتسودان -لم لا ؟! مع تغير المجلس كنت اهمس للقائد كيكل بضرورة أن يمد جسور الدرع إلى النيل الأبيض ونهر النيل والشمالية فقال لي وصلت حتى شمال كردفان وأمس استقبلت قائد لواء نهر النيل العمدة عبدالباسط وأزهري المبارك في الشمالية زولي وختم :- شوف انا مستعد أبقى حرس في سبيل توحيد هذه القوات فهتفت دواخلي ليته واصل!