أحدث الأخبار مع #لجنةبيل


الجزيرة
٠٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
لجنة بيل البريطانية.. اللبنة الأولى في مشروع تقسيم فلسطين
لجنة تحقيق شكلتها بريطانيا بعد الثورة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت عام 1936، وبدأت بإضراب عام استمر عدة شهور. سميت رسميا "اللجنة الملكية لفلسطين"، وتسمى كذلك "لجنة بيل" نسبة لرئيسها إيرل بيل، وهو عضو المجلس الخاص للمملكة المتحدة، ووزير الدولة البريطاني لشؤون الهند سابقا. بعد أشهر من التحقيق والاستماع إلى شهادات فلسطينيين ويهود، أصدرت اللجنة تقريرا من مئات الصفحات خلصت فيه إلى أن أفضل اقتراح لحل القضية الفلسطينية هو إنهاء الانتداب البريطاني وتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وفلسطينية. اندلاع الثورة بين عامي 1936 و1939 تحرك الفلسطينيون وحملوا السلاح بوجه الاحتلال البريطاني مطالبين بالاستقلال وإنهاء سياسة الانتداب واستقطاب اليهود وتوطينهم وبيع الأراضي. وفي تلك الفترة اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى التي خلفت آلاف الشهداء والجرحى، وشهدت فلسطين الإضراب الكبير الذي استمر نحو 6 أشهر وشل العديد من القطاعات، وقد استخدم الجيش البريطاني أساليب وحشية لسحق الثورة، منها الاعتقال الجماعي وهدم المنازل والإعدامات. كبدت الثورة البريطانيين خسائر فادحة، فشكلوا ما عرفت بـ"اللجنة الملكية لفلسطين" لدراسة أسباب الثورة، واعتبرها كثيرون محاولة لامتصاص غضب الثوار وتهدئة الأوضاع، وتلميع صورة بريطانيا. أوصت اللجنة في تقريرها المقدم إلى الحكومة البريطانية في 7 يوليو/تموز 1937 بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وضمنته مطالب الشعب الفلسطيني وقلقه من نوايا اليهود إنشاء وطن قومي في فلسطين بمساعدة الحكومة البريطانية. ودعت اللجنة أيضا إلى ضرورة تعويض نظام الانتداب بنظام المعاهدات الذي اتبعته بريطانيا في العراق ، و فرنسا في سوريا ، وأيدت الحكومة البريطانية بشدة التوصية بشأن تقسيم فلسطين ، ورأت أنه الحل الأمثل للقضية الفلسطينية. لجنة من بين لجان أخرى مع تعدد الثورات الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني وأعمال العنف التي مارستها المنظمات الصهيونية، تعددت اللجان التي شكلتها بريطانيا لدراسة إجراءات حكومتها في فلسطين وتقديم توصيات، ومنها لجنة هايكرافت عام 1921م ولجنة شو عام 1929م ولجنة جون هوب عام 1930م ولجنة لويس فرنش عام 1931م ولجنة بيل عام 1936م، ثم لجنة وودهيد عام 1938م. بدأت الثورة الفلسطينية عام 1936م بإعلان الإضراب الشامل في 20 أبريل/نيسان، وتأسست أثناءها اللجنة العربية العليا التي ضمت جميع الأحزاب الفلسطينية في ذلك الوقت، وكان يرأسها الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين. دعت الثورة إلى استمرار الإضراب حتى تحقيق ثلاثة مطالب هي: وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين ومنع انتقال أراضي الفلسطينيين إلى اليهود وتشكيل حكومة وطنية. استمر الإضراب 178 يوما، وأصبح أطول إضراب عام في التاريخ، واستمر معه العصيان المدني وأشكال أخرى مختلفة من النضال، حتى لجأت بريطانيا إلى الحكام العرب للتوسط وإقناع الشعب الفلسطيني بوقف الثورة. فقد وجه العاهل السعودي الملك عبد العزيز آل سعود -نيابة عن الحكام العرب- برقية إلى اللجنة العربية العليا في أكتوبر/تشرين الأول 1936م يدعوهم فيها إلى "الإخلاد للسكينة حقنا للدماء، واعتمادا على حسن نوايا الصديقة بريطانيا ورغبتها المعلنة في تحقيق العدل". واستجابت القيادة الفلسطينية وتوقف الإضراب، وفي هذا السياق أعلنت بريطانيا تشكيل "لجنة بيل" للتحقيق في أسباب وأحداث الثورة العربية الكبرى. اجتماعات لجنة بيل بعد توقف الثورة شكلت بريطانيا لجنة بيل -التي تعرف رسميا باسم "اللجنة الملكية لفلسطين"-، وكانت لجنة تحقيق ملكية رفيعة المستوى، وخلصت إلى اقتراح تغييرات على "الانتداب البريطاني على فلسطين"، وكان يرأسها إيرل بيل، وهو عضو المجلس الخاص للمملكة المتحدة، ووزير الدولة البريطاني لشؤون الهند سابقا. عينت الحكومة البريطانية لجنة بيل في شهر أغسطس/آب 1936م ومنحتها صلاحيات عديدة منها: التثبت من الأسباب الأساسية للثورة، والتحقيق في كيفية تنفيذ صك الانتداب على فلسطين، والنظر في مدى التزام ممثلي الدولة البريطانية نحو العرب ونحو اليهود. ووصلت اللجنة إلى فلسطين في الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1936م، في فترة ساد فيها بعض الهدوء، واستمر عملها ستة أشهر عقدت أثناءها 46 اجتماعا، منها 31 اجتماعا علنيا، واستمعت إلى أربعين شاهدا يهوديا، أما الفلسطينيون فقد قاطعوا أعمالها في بداية الأمر بسبب عدم وقف الهجرة اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية. ثم تغير الموقف بعدما أقنع كل من ملك الأردن عبد الله الأول وملك السعودية عبد العزيز آل سعود ورئيس وزراء العراق نوري السعيد اللجنة العربية بالإدلاء بشهادتها، وقد أدلى بشهادات علنية أمام اللجنة كل من مفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني و محمد عزة دروزة و عوني عبد الهادي وجمال الحسيني، إضافة إلى 24 شاهدا. وبذل القادة الفلسطينيون كل ما في وسعهم لتقديم حجج مفصلة ودقيقة في سبيل إثبات حقوقهم، وفي الوقت نفسه أعربوا عن قلة ثقتهم بالتزام بريطانيا بـ"المعاملة العادلة". عادت لجنة بيل إلى بريطانيا بعد أن قضت شهرين في فلسطين، ولم يصدر تقريرها إلا في يوليو/تموز 1937م، أي بعد نحو 6 أشهر من مغادرتها فلسطين. واستمعت اللجنة إلى مئات الإفادات والشهادات في جلسات علنية وأخرى مغلقة سرية، ومنها شهادة زعيم الحركة الصهيونية في ذلك الوقت حاييم وايزمان. ولم يشارك الفلسطينيون في الجلسات السرية، رغم أن اللجنة سمحت لهم بطلب ذلك، لكن القيادة الفلسطينية خشيت أن يُنظر إليها على أنها تتفاوض مع البريطانيين خلف الأبواب المغلقة. شكلت الجلسات السرية الإطار الذي جرت فيه مناقشة وإعداد تفصيلات التقسيم، وكان ريغنالد كوبلاند، العضو الأكاديمي في اللجنة، من أشد مؤيدي الفكرة، وقد عمل بشكل وثيق مع المسؤولين البريطانيين المقيمين في فلسطين، بمن فيهم دوغلاس هاريس مستشار حكومة الانتداب في شؤون الرأي، ولويس أندروز حاكم لواء الجليل (اغتيل في أيلول/سبتمبر 1937م)، من أجل الدفع بفكرة تضمين التقرير النهائي للجنة توصية بالتقسيم باعتباره الحل الوحيد الكفيل بحل الصراع بين العرب واليهود في فلسطين. أعضاء لجنة بيل إضافة إلى رئيسها إيرل بيل، كان من بين أعضاء اللجنة الآخرين لوري هاموند، الذي كان في أواخر العشرينيات من القرن العشرين حاكم ولاية آسام ، وهي إحدى الولايات الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من الهند، وكان رئيس لجنة ترسيم الحدود الهندية في سنتي 1935 و1936م. وكان ضمن اللجنة العضو الأكاديمي ريغنالد كوبلاند، وهو أستاذ التاريخ الاستعماري في جامعة أكسفورد، كما كان خبيرا بالشؤون الأفريقية، ومحررا في مجلة "الطاولة المستديرة" في الفترة بين 1917 و1919م. كما كان من أعضاء اللجنة أيضا موريس كارتر، الذي شغل في أوائل العشرينيات من القرن العشرين منصب حاكم إقليم تنجانيقا شرق أفريقيا ، الذي أصبح يعرف فيما بعد بجمهورية تنزانيا الاتحادية، كما كان رئيس لجنة أراضي كينيا سنتي 1932 و1933م. أما الخبير القانوني للجنة فكان هارولد موريس، وكان يشغل حينئذ منصب رئيس المحكمة الصناعية في لندن ، في حين كان خبير شؤون الشرق الأوسط هوراس رامبولد كذلك عضوا في اللجنة، وهو دبلوماسي سابق عمل في القاهرة و طهران. وأقام أعضاء اللجنة في فندق الملك داود ، لكنهم استمعوا إلى معظم الشهادات في مبنى حكومي بريطاني كان في الأساس فندق بالاس في شارع أغرون بحي مأمن الله (حي ماميلا بالعبرية) بالقدس الغربية. وفي يوليو/تموز 1937م، قدمت اللجنة تقريرها الذي جاء في أكثر من 400 صفحة وأرجع انتفاضة المواطنين الفلسطينيين إلى رغبتهم في الاستقلال القومي وإلى مخاوفهم من إقامة الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين. وتحدث التقرير عن استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين واستيلاء المستوطنين على الأراضي العربية، فضلا عن عدم تكافؤ الفرص بين الفلسطينيين واليهود في عرض قضيتهم أمام الحكومة والبرلمان في بريطانيا، مما جعل الجانب العربي يشكك في قدرة ورغبة الحكومة البريطانية في تنفيذ وعودها. وخلصت اللجنة إلى أن استمرار الانتداب البريطاني على فلسطين يعني مزيدا من التذمر إلى أجل غير مسمى، وقالت إن الانتداب هو الذي بث العداء بين الفلسطينيين واليهود نظرا لتناقض الالتزامات الواردة في صكه، بشكل يستحيل معه تحقيق المطلب الرئيسي لكل طرف دون الإخلال بالالتزام تجاه الطرف الآخر. ولهذا أوصت اللجنة بأن تتخذ الحكومة البريطانية الخطوات اللازمة لإنهاء الانتداب وتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية مع بقاء القدس و بيت لحم و الناصرة تحت الانتداب البريطاني. وكانت تلك هي المرة الأولى التي ترد فيها فكرة التقسيم، وكانت مقدمة لسلسة مستمرة من مشاريع التسوية التي دعمتها الدول الكبرى، والتي ركزت على تأسيس دولة يهودية في فلسطين، وتوفير أسباب البقاء لها، دون اعتبار للأغلبية العربية. كما أوصى التقرير بترحيل أكثر من 200 ألف فلسطيني من منازلهم لفسح المجال أمام قيام الدولة اليهودية الجديدة. وخلص تقرير اللجنة الملكية البريطانية حول فلسطين كذلك إلى أن بنود الانتداب غير عملية وأنه لا يمكن فرضها إلا بقمع السكان العرب، واقترحت بعض التعديلات لتهدئة خواطر الطرفين، فأوصت بتقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم (كانتونات)، واقترحت منح اليهود أجزاء يحكمونها ذاتيا في الجليل والجزء الأكبر من السواحل الغربية، وإقليما تحتفظ به الإدارة البريطانية يضم القدس وبيت لحم وصولا إلى يافا على البحر الأبيض المتوسط ، على أن يتم توحيد القسم الباقي مع شرق الأردن ويكونان دولة عربية. في 7 يوليو/تموز 1937م نشر التقرير النهائي للجنة وجاءت التوصية بالتقسيم بصورة موجزة في آخره مرفقة بخريطة، وقد تمت استشارة الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية بشأن الحدود المرسومة في الخريطة قبل إصدار التقرير، الأمر الذي مكنهما من إقناع البريطانيين بإدراج مناطق محددة ذات أهمية كبيرة ضمن حدود الدولة اليهودية، شملت جميع مناطق الجليل والسهل الساحلي الغربي. وحددت اللجنة بدقة مساحة المنطقة المخصصة لليهود وتلك التي ستبقى تحت الانتداب، بينما تركت الباقي المخصص للعرب دون تحديد بما يشمل القسم الأكبر من فلسطين مع شرق الأردن. واعترفت اللجنة أيضا بأن توصياتها لا تكفي لمواجهة أسباب الثورة، فدعت إلى عدم التردد في فرض الحكم العسكري وانتهاج أسلوب العنف في حال تجددها. ردود الفعل بعد إصدار تقرير اللجنة وتباينت ردود الفعل تجاه تقرير لجنة بيل، ففي حين رأت الحكومة البريطانية أن مشروع التقسيم هو أفضل حل للمشكلة، أعرب الفلسطينيون عن رفضهم تقسيم فلسطين أو التنازل عن أي جزء منها، وذلك في مؤتمر بلودان في سبتمبر/أيلول 1937م. أما الحركة الصهيونية، فقد أجمع ممثلوها في المؤتمر الصهيوني العشرين على رفض انتقادات لجنة بيل لنظام الانتداب، ولكنهم اختلفوا فيما بينهم بشأن موضوع التقسيم وطالبوا بمزيد من الضمانات للدولة اليهودية. ونددت اللجنة العربية بتقرير بيل وبخطة التقسيم، وأصرت على الاحتفاظ بفلسطين دولة موحدة، وفي سبتمبر/أيلول 1937م عقد مؤتمر في بلودان بسوريا حضره 400 مندوب، وقرر المؤتمر أن فلسطين جزء من الوطن العربي ولا يمكن التنازل عن أي جزء منها، وخيّر بريطانيا بين صداقة العرب أو صداقة اليهود. لم تنفذ توصيات تقرير بيل في ذلك الحين، لكن لجنة وودهيد، التي زارت فلسطين سنة 1938م، درست لوجستيات التقسيم عن كثب، وقررت أنه غير قابل للتنفيذ. أما قيادات الحركة الصهيونية، فقد رأت في تقرير بيل دليلا واضحا على استعداد البريطانيين (على المستوى الرسمي) لدعم مبدأ الدولة اليهودية في فلسطين. وقد استخدمت فيما بعد خريطة التقسيم المدرجة في تقرير بيل أساسا لخريطة التقسيم التي وافقت عليها الأمم المتحدة سنة 1947م. وعلى الرغم من أن الأمر استغرق عشر سنوات إضافية لتقسيم فلسطين، بعد حرب عام 1948م ، و التطهير العرقي الذي راح ضحيته 750 ألف فلسطيني، فإنه يمكن اعتبار توصيات لجنة بيل نقطة تحول وبداية فكرة تقسيم فلسطين. المرحلة الثانية من الثورة في البداية لجأت بريطانيا إلى أشد أنواع العنف لقمع المرحلة الثانية من الثورة، التي استأنفها الفلسطينيون بعد أن ثبتت مخاوفهم بشأن السياسة الاستعمارية البريطانية، ولكنها اضطرت تحت تأثير الضغط الثوري الذي امتد من سبتمبر/أيلول 1936 إلى الشهر نفسه من 1939م، إلى التخلي عن مشروع بيل للتقسيم، وخاصة بعد صدور قرار لجنة وودهيد، الذي أعلن عدم إمكانية تطبيق اقتراح اللجنة الملكية حول التقسيم، وطالب بإلغائه. بعد أن تأكدت الحكومة البريطانية أن فكرة التقسيم غير عملية لما خلفه القرار من مصاعب إدارية وسياسية ومالية، قررت عقد مؤتمر دعت إليه ممثلي الوكالة اليهودية وممثلي الفلسطينيين والدول العربية المجاورة، بهدف التباحث حول "سياسة المستقبل"، وضمنها موضوعات الهجرة إلى فلسطين، وأعلنت أنه "إذا لم تتوصل الأطراف إلى اتفاق في فترة معقولة فإن الحكومة البريطانية ستتخذ قرارها الخاص". وقد درست لجنة الانتدابات التابعة ل عصبة الأمم تقرير اللجنة، ورغم اعترافها بمساوئ الانتداب، إلا أنها اعتبرت قيام دولتين مستقلتين عملا غير حكيم قبل مضي فترة أخرى من إدارة الانتداب. وأوصت "في حالة قبول مشروع التقسيم" ببقاء الدولتين العربية واليهودية تحت نظام الانتداب في مرحلة انتقالية إلى أن تبرهن كل منهما على أحقيتها بالاستقلال. وفي سبتمبر/أيلول 1937م، اتخذ مجلس عصبة الأمم قرارا بتفويض بريطانيا بوضع خطة مفصلة لتقسيم فلسطين، وأجل بحث جوهر الموضوع إلى حين تقديم هذه الخطة. ويمكن القول بوجه عام بأن تقرير لجنة بيل كان محاولة بارعة لحل مأزق السياسة البريطانية الاستعمارية في المنطقة، فهو حقق للحركة الصهيونية مطلبها الأساسي في تأسيس "وطن قومي لليهود"، وحاول في الوقت نفسه امتصاص الغضب العربي عن طريق منح الفلسطينيين استقلالا شكليا يضمن استمرار السيطرة الاستعمارية البريطانية.


مصر 360
٢٧-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- مصر 360
الترانسفير.. أو هولوكوست الفلسطينيين ٤-البيئة الدولية
إذا كان الخذلان العربي للشعب الفلسطيني في مواجهة مشروع التطهير العرقي هو الأرجح، كما أوضحنا في مقالنا السابق هنا، فماذا عن البيئة الدولية، التي يسعي فيها اليمين الأمريكي والإسرائيلي إلى تنفيذ هذا المشروع الإجرامي، المشبع بروح استعمارية عنصرية بغيضة؟ وهي روح حسبنا أن تطور التاريخ الإنساني لفظها، بعد أن خسرت آخر معاركها في جنوب إفريقيا في العقد الأخير من القرن الماضي. أهمية دراسة البيئة الدولية تأتي من أهمية معرفة الحلفاء أو الأصدقاء المحتملين للشعب الفلسطيني في معركته النهائية ضد الهولوكوست الصهيو- أمريكي لإخلاء فلسطين التاريخية من غير اليهود، وذلك بالإكراه تحت مسمى الهجرة الطوعية، باستعمال وسائل الإبادة الجماعية، كما يحدث في غزة بصفة يومية، وفي الضفة الغربية بصفة متقطعة (حتى الآن)، أو بالتجويع والحصار والتشريد والاعتقال لجعل الحياة مستحيلة، وجعل الصمود والمقاومة، بما في ذلك المقاومة السلمية مواقف ميئوس منها مقدما ونهائيا. ينبغي التفكير في البيئة الدولية الراهنة على مستويين: الأول هو الحكومات والسياسات الرسمية، والثاني هو الرأي العام داخل الدول المهمة، والرأي العام العالمي. بالطبع، فإن مجيء دونالد ترامب إلى رأس السلطة في الولايات المتحدة قد غيّر البيئة الدولية سلبا ضد الحق الفلسطيني، فالرجل يمثل أكثر تيارات أو جماعات اليمين الأمريكي (بل والأوروبي) رجعية وعنصرية واستعمارية رأسمالية، وهذا التيار يعتقد بسياسة القوة والإملاء، وبسمو أو سيادة العرق الأبيض على جميع السلالات البشرية، وبتفوق الثقافة الأنجلوساكسونية البروتستانتية على جميع الثقافات، كما يتحالف هذا التيار مع مجموعات، ما يسمى بالصهيونية المسيحية التي ازدادت قوتها في العقود الأخيرة في الولايات المتحدة، وهذه المجموعات تؤمن، بأن وجود إسرائيل هو تحقيق للإرادة الإلهية كشرط حتمي، ومقدمة للنزول أو التجسد الثاني للمسيح، ومن ثم فإن مساندتها في مواجهة كل أعدائها هي الخير في مواجهة الشر، والحق في مواجهة الباطل. أكثر من ذلك، فهذا اليمين الذي يمثله دونالد ترامب وقاعدته الانتخابية الأصلية (بخلاف من يؤيدونه عرضا)، هو الامتداد الطبيعي لليمين العنصري التاريخي، وربما تغنينا مقولة مشهورة لونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العتيد عن شرح عقيدة ذلك التيار نحو الشعوب والأجناس الأخرى، وهي مقولة مرتبطة أصلا بالشعب الفلسطيني، ففي شهادة له أمام لجنة بيل البرلمانية البريطانية لتقصي الحقائق واقتراح الحلول في فلسطين في أعقاب الثورة العربية الكبرى عام ١٩٣٦، قال تشرشل، إنه لا يشعر بأي تأنيب ضمير، إذا وافق على أن يقوم جنس أرقي من البشر بطرد جنس أدنى، والحلول محله، وأن معيشة الكلب (يقصد الفلسطينيين) طويلا في المعلف (أي فلسطين) لا تجعل له حقا في هذا المعلف الذي هو أصلا للبقر (أي اليهود). لذا وكما ذكرنا في مقالنا الأول في هذه السلسلة، أصبح ترامب هو أول رئيس أمريكي يتبنى علنا ورسميا مشروع التوسع الإسرائيلي بضم الضفة الغربية بالكامل، (وربما غزة وأجزاء من سوريا ولبنان فيما بعد)، وكذلك تهجير الفلسطينيين أولا من غزة، بل ومطالبة مصر والأردن باستقبالهم، والضغط على دول أخرى لهذا الغرض، منها دولة أرض الصومال مثلا. وإذ نواصل النظر على مستوى الحكومات في البيئة الدولية الحالية المحيطة بالقضية الفلسطينية، فمن الواضح أن التأثير السلبي للسياسة الأمريكية تحت رئاسة دونالد ترامب، قد أرغم بقية الدول المؤثرة على خذلان الحق الفلسطيني، وبسرعة مفاجئة، وذلك كما رأينا في خلو بيان الدول السبع الكبرى مؤخرا من المطالبة بحل الدولتين، والاكتفاء بنص سقيم يتحدث عن تلبية حاجات الفلسطينيين. وبالطبع، فمن المتوقع ألا يتأثر الموقف المؤيد للحق الفلسطيني في بقية دول العالم كبيرها وصغيرها، بهذا التوجه الأمريكي السلبي، للأسف مع استثناء الخذلان العربي الذي تحدثنا عنه في مقالنا السابق، لكن إسرائيل لا تعبأ إلا بالموقف الأمريكي، ومواقف أصدقائها العرب الجدد، وقد تهتم قليلا بمواقف أوروبية هنا وهناك. إذن وبكل أسف، فإن البيئة الدولية على مستوى الحكومات والسياسات الرسمية مواتية لإسرائيل، وللمشروع الصهيو- أمريكي الترانسفير. ولكن هل هذه هي كل القصة؟ قطعا لا، فإنه لا يزال هناك رادع معنوي كبير لكل من ترامب وبنيامين نيتنياهو عن اللجوء للإبادة الجماعية الشاملة- خصوصا في الضفة الغربية- لإجبار الفلسطينيين على الخروج، ذلك أن روح العصر لا تسمح بذلك، وأن الرجلين يخشيان ثورة الرأي العام في الداخل والخارج، إذا ارتكبا مذابح جماعية ضد المدنيين، دون ذريعة كذريعة طوفان الأقصى مثلا، وهو احتمال غير وارد في الضفة لأسباب كثيرة، في مقدمتها أن حركة حماس لا تحكم الضفة، ومن ثم فإن صمود الفلسطينيين في أرضهم- رغم شراسة العدو وخذلان بعض الأشقاء- يبقى هو مفتاح النصر أو الهزيمة لمشروع الترانسفير، سيما وأن ترامب لن يبقي في البيت الأبيض إلى ما لا نهاية، بل هي سنوات أربع، لا تعد فترة طويلة في تاريخ القضية الفلسطينية الممتد عبر قرن من الزمان تقريبا. هذا الرادع المعنوي هو أول العوامل المواتية للحق الفلسطيني في البيئة الدولية، وهو كما نرى من صنع الشعوب، وكما رأينا أيضا فقد حدث تغير ثوري في اتجاهات الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وفي أنحاء أوروبا لصالح الحقوق الفلسطينية، خصوصا في الجامعات والصحافة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي ينقلنا إلى ما نعتبره فرصة تاريخية لصالح الشعب الفلسطيني، وهي توحد نضاله مع نضال كل القوي التقدمية في العالم ضد ذلك اليمين الاستعماري العنصري الرأسمالي، وبالطبع فستكون قيادة هذا النضال للقوي التقدمية الأمريكية والأوروبية، وهي كلها ترفض ما ينتهجه ترامب وجماعته من سياسات، وما يمثله من قيم، تعيد التاريخ كثيرا وكثيرا جدا إلى الوراء، حتى فيما يتعلق بالحقوق المدنية، والعدالة الاجتماعية، وثقافة التنوع داخل الولايات المتحدة نفسها، وذلك أكثر الأفكار بؤسا وعفونة، أي تفوق الذكورية البيضاء الأنجلو سكسونية البروتستانتية، وهذا هو موضوع مقال الأسبوع المقبل. اقرأ أيضا: الترانسفير.. أو هولوكوست الفلسطينيين ا- حل ترامب النهائي في الشرق الأوسط اقرأ أيضا: الترانسفير.. أو هولوكوست الفلسطينيين ٢- ماذا يفعل العرب؟ اققرأ أيضا : الترانسفير.. أو هولوكوست الفلسطينيين ٣- اللحظة الخليجية