logo
#

أحدث الأخبار مع #للاتحادالعالميلعلماءالمسلمين

أبو بكر الصديق
أبو بكر الصديق

إيطاليا تلغراف

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • منوعات
  • إيطاليا تلغراف

أبو بكر الصديق

إيطاليا تلغراف د. علي محمد محمد الصّلابي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أخذ المسلمون يوم حنين درساً قاسياً؛ إذ لحقتهم هزيمةٌ في أوَّل المعركة، جعلتهم يفرُّون من هول المفاجأة، وكانوا كما قال الإمام الطبريُّ: فانشمروا، لا يلوي أحدٌ على أحدٍ (الطبري، 1987، ص 3/74)، وجعل رسول الله (ﷺ) يقول: « أين أيُّها الناسُ ؟! هلما إليَّ، أنا رسول الله، أنا رسول الله، أنا محمَّد بن عبد الله.. يا معشر الأنصار! أنا عبد الله ورسوله». ثمَّ نادى عمَّه العبّاس وكان جهوريَّ الصَّوت، فقال له: «يا عبّاس! نادِ: يا معشر الأنصار! يا أصحاب السَّمُرة!» (مسلمٌ، كتاب الجهاد والسير، رقم:1775). كان هذا هو حال المسلمين في أوَّل المعركة، النبيُّ وحده، لم يثبت معه أحدٌ إلا قلَّة، ولم تكن الفئة التي صبرت مع النبيِّ إلا فئةً من الصَّحابة يتقدَّمهم الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ ثمَّ نصرهم الله بعد ذلك نصراً عزيزاً مؤزَّراً (لماضة، 1993، ص 43). وكانت هناك بعضُ المواقف للصِّدِّيق منها: 1ـ فتوى الصِّدِّيق بين يدي رسول الله: قال أبو قتادة: لمّا كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين، واخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله، فرفع يده ليضربني، وأضرب يده، فقطعتها، ثمَّ أخذني فضمَّني ضمّاً شديداً حتى تخوَّفت، ثمَّ ترك، فتحلَّل، ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله، ثمَّ تراجع الناس إلى رسول الله، فقال رسول الله: «من أقام بينةً على قتيلٍ قتله؛ فله سلبه». فقمت لألتمس بيِّنةً على قتيلي فلم أرَ أحداً يشهدُ لي، فجلست، ثمَّ بدا لي فذكرت أمره لرسول الله (ﷺ)، فقال رجلٌ من جلسائه: سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي، فأرضه منه، فقال أبو بكر: كلاّ لا يعطه أصيب من قريشٍ، ويدع أسداً من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله (ﷺ) . قال: فقام رسول الله (ﷺ) فأدّاه إليَّ، فاشتريت منه خرفاً، فكان أوَّل مالٍ تأثلت في الإسلام (البخاريُّ، كتاب المغازي، رقم: 4322). إنَّ مبادرة الصِّدِّيق في الزَّجر، والرَّدع، والفتوى، واليمين على ذلك في حضرة رسول الله (ﷺ)، ثمَّ يصدقه الرَّسول فيما قال، ويحكم بقوله خصوصية شرفٍ، لم تكن لأحدٍ غيره (محبّ الدين الطبري، ص 185). ونلحظ في الخبر السَّابق: أنَّ أبا قتادة الأنصاريَّ ـ رضي الله عنه ـ حرص على سلامة أخيه المسلم، وقتل ذلك الكافر بعد جهدٍ عظيم، كما أنَّ موقف الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ فيه دلالةٌ على حرصه على إحقاق الحقِّ، والدِّفاع عنه، ودليلٌ على رسوخ إيمانه، وعمق يقينه، وتقديره لرابطة الأخوَّة الإسلاميَّة، وأنَّها بمنزلةٍ رفيعة بالنِّسبة له (الحميدي، 1998، ص 8/26). 2ـ الصِّدِّيق، وشعر عبّاس بن مرداس: حين استقلَّ العبّاس بن مرداس عطاءه من غنائم حنين، قال شعراً عاتب فيه رسول الله (ﷺ)، حيث قال: كانتْ نِهاباً تلافَيْتُها بِكَرِّي على المُهْرِ في الأجْرَعِ وإيقاظيَ القومَ أنْ يَرْقُدُوا إذا هَجَعَ الناسُ لم أَهْجَعِ فأصبحَ نَهْبِي ونَهْبُ العَبِيـ ـدِ بينَ عينة والأقْرَعِ وقد كنتُ في الحرب ذا تُدْرَأٍ فلمْ أُعْطَ شيئاً ولم أمنع الا أَفَائِلَ أُعْطيْتُها عديدَ قوائِمِها الأرْبَعِ وما كان حِصْنٌ ولا حَابِسٌ يَفُوقان شَيْخِيَ في المجمع عوما كنتُ دونَ أمرئ منهُما ومَنْ تَضَعِ اليومَ لا يُرْفَعِ فقال رسول الله (ﷺ): «اذهبوا، فاقطعوا عنِّي لسانه». فأعطوه؛ حتّى رَضِيَ، فكان ذلك قطعُ لسانه الذي أمر به رسول الله (ﷺ). وأتى العبّاسُ رسول الله (ﷺ) فقال له رسول الله (ﷺ): أنت القائل: «فأصبح نهبي ونهبُ العبيد بين الأقرع وعينة»؟ فقال أبو بكر: بين عينة والأقرع. فقال رسول الله (ﷺ): «هما واحِدٌ». فقال أبو بكر: أشهدُ أنَّك كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يسس: 69] (ابن هشام، 1997، ص 4/147). ج ـ في الطَّائف: في حصار الطَّائف وقعت جراحاتٌ في أصحاب النبيِّ وشهادةٌ، ورفع رسول الله (ﷺ) عن أهل الطَّائف الحصار، ورجع إلى المدينة، وممَّن استشهد من المسلمين في هذه الغزوة عبد الله بن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ رُمِي بسهمٍ، فتوفي منه بالمدينة بعد وفاة النبيِّ (ﷺ) (ابن هشام، 1997، ص 4/193). وعندما قدم وفد ثقيف للمدينة ليعلنوا إسلامهم، فما إن ظهر الوفد قرب المدينة حتّى تنافس كلٌّ من أبي بكرٍ، والمغيرة على أن يكون هو البشير بقدوم الوفد للرَّسول (ﷺ)، وفاز الصِّدِّيق بتلك البشارة، وبعد أن أعلنوا إسلامهم، وكتب لهم رسول الله (ﷺ) كتابهم، وأراد أن يؤمِّر عليهم أشار أبو بكر بعثمان بن أبي العاص ـ وكان أحدثهم سنّاً ـ فقال الصِّديق: يراسل الله! إني رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التففه في الإسلام، وتعلُّم القران (المصري، 1987، ص 151)، فقد كان عثمان بن أبي العاص كلَّما نام قومه بالهاجرة، عمد إلى رسول الله (ﷺ) فسأله في الدين واستقراه القران حتّى فقه في الدِّين، وعلم، وكان إذا وجد رسول الله (ﷺ) نائماً عمد إلى أبي بكرٍ، وكان يكتم ذلك عن أصحابه، فأعجب ذلك رسول الله (ﷺ)، وعجب منه، وأحبَّه (تاريخ الإسلام للذهبي، المغازي، ص 670). وعندما علم الصِّدِّيق بصاحب السَّهم الذي أصاب ابنه كانت له مقولة تدلُّ على عظمة إيمانه، فعن القاسم بن محمَّد، قال: رُمِيَ عبد الله بن أبي بكرٍ ـ رضي الله عنهما ـ بسهمٍ يوم الطائف، فانتقضت به بعد وفاة رسول الله (ﷺ) بأربعين ليلةً، فمات، فقدم عليه وفد ثقيف، ولم يزل ذلك السَّهم عنده، فأخرجه إليهم، فقال: هل يعرف هذا السَّهْمَ منكم أحدٌ؟ فقال سعيد بن عبيد، أخو بني عجلان: هذا سهمٌ أنا بَرَيْتُهُ، ورشته، وعقبته، وأنا رميت به . فقال أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ: فإنَّ هذا السَّهم الذي قتل عبد الله بن أبي بكرٍ، فالحمد لله؛ الذي أكرمه بيدك، ولم يُهِنك بيده، فإنَّه أوسع لكما (عاشور، ص 118). المراجع: 1. ابن هشام، (1997)، السِّيرة النَّبوية، دار إِحياء التراث، الطَّبعة الثَّانية 1417هـ 1997م. 2. الطبري، أبو جعفر، (1987)، تاريخ الأمم والملوك، دار الفكر بيروت، الطَّبعة الأولى 1407هـ 1987م. 3. لماضة، عاطف، (1993)، مواقف الصِّدِّيق مع النَّبي في المدينة، دار الصَّحابة للتُّراث، الطبعة الأولى 1413هـ 1993م. 4. محبّ الدين الطبري، أبو جعفر أحمد، الرِّياض النَّضرة في مناقب العشرة، المتوفى 694هـ، المكتبة القيِّمة، القاهرة. 5. الحميدي، عبدالعزيز عبدالله، (1998)، التَّاريخ الإِسلاميُّ مواقف وعبر، دار الدَّعوة، الإِسكندريَّة، دار الأندلس الخضراء، جدَّة، الطَّبعة الأولى 1418هـ 1998م. 6. المصري، جميل عبدالله، (1987)، تاريخ الدَّعوة الإِسلاميَّة في زمن الرَّسول (ﷺ) والخلفاء الرَّاشدين، مكتبة الدَّار بالمدينة المنوَّرة، الطَّبعة الأولى 1407هـ 1987م. 7. عاشور، محمد أحمد، خطب أبي بكرٍ الصِّدِّيق، جمال عبد المنعم الكومي، دار الاعتصام. إيطاليا تلغراف السابق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا : الأخطر على سلامة الصحافيين

أبو بكرٍ الصديق ـ رضي الله عنه ـ في بدر الكبرى
أبو بكرٍ الصديق ـ رضي الله عنه ـ في بدر الكبرى

إيطاليا تلغراف

time٠٨-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

أبو بكرٍ الصديق ـ رضي الله عنه ـ في بدر الكبرى

د. علي الصلابي نشر في 8 مايو 2025 الساعة 8 و 04 دقيقة إيطاليا تلغراف د. علي محمد محمد الصّلابي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ذكر أهل العلم بالتَّواريخ والسِّيَر أنَّ أبا بكرٍ شهد مع النبيِّ (ﷺ) بدراً، والمشاهد كلَّها، ولم يفته منها مشهدٌ، وثبت مع رسول الله (ﷺ) يوم أحدٍ حين انهزم الناسُ، ودفع إليه النبيُّ (ﷺ) رايته العظمى يوم تبوك، وكانت سوداء (ابن سعد، ص 1/124) (ابن الجوزي، ص 1/242). وقال ابن كثير: ولم يختلف أهل السِّيَر في أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ لم يتخلَّف عن رسول الله (ﷺ) في مشهدٍ من مشاهده كلها (الجزري، 1996، ص ص 3/318). وقال الزَّمخشريُّ: إنَّه ـ يعني: أبا بكرٍ رضي الله عنه ـ كان مضافاً لرسول الله (ﷺ) إلى الأبد، فإنَّه صحبه صغيراً وأنفق ماله كبيراً، وحمله إلى المدينة براحته، وزاده، ولم يزل ينفق عليه ماله في حياته، وزوَّجه ابنته، ولم يزل ملازماً له سفراً، وحضراً، فلمّا توفي دفنه في حجرة عائشة أحبِّ النساء إليه (ﷺ). وعن سلمة بن الأكوع: غزوتُ مع النبيِّ (ﷺ) سبع غزواتٍ، وخرجتُ فيما يبعث من البعوث تسع غزواتٍ مرَّةً علينا أبو بكرٍ، ومرَّةً علينا أسامة (البخاريُّ، كتاب المغازي، رقم: 4270). شارك الصِّدِّيق في غزوة بدرٍ، وكانت في العام الثاني من الهجرة، وكانت له فيها مواقف مشهورةٌ، من أهمِّها: 1ـ مشورة الحرب: لمّا بلغ النبيَّ (ﷺ) نجاة القافلة، وإصرار زعماء مكَّة على قتال النبيِّ؛ استشار رسول الله (ﷺ) أصحابه في الأمر (صحيح البخاري، رقم: 3952)، فقام أبو بكرٍ، فقال وأحسن، ثمَّ قام عمر، فقال وأحسن (ابن هشام 1997، ص 2/447). 2ـ دوره في الاستطلاع مع النبيِّ (ﷺ): قام النبيُّ (ﷺ) ومعه أبو بكرٍ يستكشف أحوال جيش المشركين، وبينما هما يتجوَّلان في تلك المنطقة، لقيا شيخاً من العرب، فسأله رسول الله (ﷺ) عن جيش قريشٍ، وعن محمَّدٍ (ﷺ)، وأصحابه، وما بلغه من أخبارهم، فقال الشيخ: لا أخبركما حتّى تُخبراني ممَّن أنتما. فقال له رسول الله (ﷺ): «إذا أخبرتنا أخبرناك». فقال: أو ذاك بذاك؟ قال: «نعم». فقال الشَّيخ: فإنَّه بلغني: أنَّ محمداً، وأصحابه خرجوا يوم كذا، وكذا، فإنْ كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا، وكذا ـ للمكان الذي به جيش المسلمين ـ، وبلغني: أنَّ قريشاً خرجوا يوم كذا، وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا، وكذا ـ للمكان الذي فيه جيش المشركين فعلاً ـ، ثمَّ قال الشَّيخ: لقد أخبرتكما عمّا أردتما، فأخبرانِي ممَّن أنتما؟ فقال رسول الله (ﷺ): «نحن من ماءٍ». ثمَّ انصرف النبيُّ (ﷺ) وأبو بكر عن الشَّيخ، وبقي هذا الشَّيخ يقول: ما من ماء؟ أمن ماء العراق (ابن هشام، 1997، ص 2/228). وفي هذا الموقف يتَّضح قرب الصِّدِّيق من النبيِّ (ﷺ)، وقد تعلَّم أبو بكر من رسول الله (ﷺ) دروساً كثيرةً. 3ـ في حراسة النبيِّ (ﷺ) في عريشه: عندما رتَّب (ﷺ) الصُّفوف للقتال؛ رجع إلى مقرِّ القيادة، وكان عبارةً عن عريشٍ على تلٍّ مشرفٍ على ساحة القتال، وكان معه فيه أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ وكانت ثُلَّةٌ من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون عريش رسول الله (ﷺ) (ابن هشام، 1997، ص 2/233)، وقد تحدَّث عليُّ بن أبي طالبٍ ـ رضي الله عنه ـ عن هذا الموقف، فقال: يا أيُّها النَّاس! مَنْ أشجع النَّاس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين! فقال: أما إنِّي ما بارزني أحد إلا انتصفتُ منه، ولكن هو أبو بكرٍ: إنّا جعلنا لرسول الله (ﷺ) عريشاً، فقلنا: من يكون مع رسول الله (ﷺ)؛ لئلاّ يهوي إليه أحدٌ من المشركين؟ فوالله ما دنا منه أحدٌ إلا أبو بكرٍ شاهراً بالسَّيف على رأس رسول الله (ﷺ)، لا يهوي إليه أحد من المشركين إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس (ابن كثير، 1988، ص 3/271-272). 4ـ الصِّدِّيق يتلقَّى البشارة بالنَّصر، ويقاتل بجانب رسول الله (ﷺ): بعد الشُّروع في الأخذ بالأسباب اتَّجه رسول الله (ﷺ) إلى ربِّه يدعوه، ويناشده النَّصر؛ الذي وعده ويقول في دعائه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً»، وما زال (ﷺ) يدعو ويستغيث حتّى سقط رداؤه، فأخذه أبو بكرٍ، وردَّه على منكبيه؛ وهو يقول: يراسل الله! كفاك مناشدتك ربَّك فإنَّه منجزٌ لك ما وعدك (مسلمٌ، كتاب الجهاد، رقم: 1763)، وأنزل الله عزَّ وجلَّ في رواية ابن عباسٍ ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ﴾، قال النبي (ﷺ) يوم بدر: « اللهم إني أنشدك عهدك، ووعدك! اللهم إن شئت لم تعبد!» فأخذ أبو بكرٍ بيده، فقال: حسبك الله، فخرج (ﷺ) وهو يقول: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ (البخاريُّ، كتاب المغازي، رقم:3953)، وقد خفق النبيُّ خفقةً وهو في العريش، ثمَّ انتبه، فقال: أبشر يا أبا بكرٍ! أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه، يقوده، على ثناياه النَّقع؛ يعني: الغبار . قال: ثمَّ خرج رسول الله (ﷺ) إلى النَّاس، فحرَّضهم (ابن هشام، 1997، ص 2/457). وقد تعلَّم الصِّدِّيق من هذا الموقف درساً ربانياً مهمّاً في التَّجرد النَّفسيِّ، والخلوصَ واللجوءَ للهِ وحدَه، والسجودَ والجثيَّ بين يدي الله سبحانه، لكي ينزل نصره، وبقي هذا المشهد راسخاً في ذاكرة الصِّدِّيق، وقلبه، ووجدانه يقتدي برسول الله (ﷺ) في تنفيذه في مثل هذه السَّاعات، وفي مثل هذه المواطن، ويبقى هذا المشهد درساً لكلِّ قائدٍ، أو حاكمٍ، أو زعيمٍ، أو فردٍ يريد أن يقتدي بالنبيِّ (ﷺ) وصحابته الكرام. ولمَّا اشتدَّ أوار المعركة وحمي وطيسها؛ نزل رسول الله (ﷺ)، وحرَّض على القتال، والناس على مصافِّهم يذكرون الله تعالى، وقد قاتل (ﷺ) بنفسه قتالاً شديداً، وكان بجانبه الصِّدِّيق (ابن كثير، 1988، ص 3/278)، وقد ظهرت منه شجاعةٌ، وبسالةٌ منقطعةُ النَّظير، وكان على استعدادٍ لمقاتلة كلِّ كافرٍ عنيدٍ، ولو كان ابنه، وقد شارك ابنه عبد الرحمن في هذه المعركة مع المشركين، وكان من أشجع الشُّجعان بين العرب، ومن أنفذ الرُّماة سهماً في قريش، فلمّا أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي (أي ظهرت أمامي كهدف واضح) يوم بدرٍ، فملت عنك، ولم أقتلك . فقال له أبو بكر: ولكنَّك لو أهدفت لي؛ لم أَمِلْ عنك (السيوطي، 1997، ص 94). 5ـ الصِّدِّيق، والأسرى: قال ابن عباسٍ ـ رضي الله عنه ـ: فلمّا أسروا الأسارى؛ قال رسول الله (ﷺ) لأبي بكرٍ، وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟». فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العمِّ، والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فديةً، فتكون لنا قوَّةً على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام. فقال رسول الله (ﷺ): «ما ترى يأبن الخطاب؟». قال: لا والله لا يراسل الله! ما أرى الذي يراه أبو بكرٍ، ولكنِّي أرى أن تمكِّننا منهم، فنضرب أعناقهم، فتمكِّن عليّاً من عقيل، فيضرب عنقه، وتمكِّنني من فلانٍ (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه، فإنَّ هؤلاء أئمَّة الكفر، وصناديدها. فهوى رسول الله (ﷺ) إلى ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلتُ، فلمّا كان الغد جئت، فإذا برسول الله (ﷺ)، وأبو بكرٍ قاعدين يبكيان، قلت: يراسل الله! أخبرني من أيِّ شيءٍ تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكـاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله (ﷺ): «أبكي لِلذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهـم الفداء ولقـد عرض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشَّجرة». ـ شجرة قريبة من النبيِّ (ﷺ) ـ وأنزل الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى﴾ [الأنفال: 67] إلى قوله: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا﴾ [الأنفال: 69] فأحلَّ الله لهم الغنيمة (مسلم، كتاب الجهاد والسِّير، رقم: 1763). وفي روايةٍ عن عبد الله بن مسعودٍ ـ رضي الله عنه ـ قال: لمّا كان يوم بدرٍ قال رسول الله (ﷺ): «ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟» فقال أبو بكرٍ: يا رسول الله! قومك، وأهلك، استبقهم واستأن بهم، لعلَّ اللهَ أن يتوب عليهم. وقال عمر: يراسل الله! أخرجوك، وكذَّبوك، قرِّبهم، فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة: يراسل الله! انظر وادياً كثير الحطب، فأدخلهم فيه، ثمَّ أضرم عليهم ناراً، فقال العبّاس: قطعت رحمك، فدخل رسول الله (ﷺ) ولم يردَّ عليهم شيئاً، فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكرٍ، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عمر، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، فخرج عليهم رسول الله (ﷺ) فقال: «إن الله ليلين قلوب رجالٍ فيه حتى تكون ألين من اللَّبن، وإن الله ليشدُّ قلوب رجالٍ فيه حتى تكون أشدَّ من الحجارة، وإنَّ مثلك يا أبا بكر! كمثل عيسى ـ عليه السلام ـ إذ قال: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *﴾ [المائدة: 118] وإن مثلك يا عمر! كمثل نوحٍ، إذ قال: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: 26] وإن مثلك يا عمر كمثل موسى إذ قال: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾ [يونس: 88] » (مسند أحمد،1/383)؛ (تفسير ابن كثير، 2/325). وكان النبيُّ (ﷺ) إذا استشار أصحابه أوَّلُ من يتكلَّم أبو بكرٍ في الشُّورى، وربما تكلَّم غيره، وربما لم يتكلَّم غيره، فيعمل برأيه وحده، فإذا خالفه غيره اتَّبع رأيه دون رأي من يخالفه (مال الله، 1989، ص 325). المراجع: 1. ابن سعد، الطَّبقات الكبرى، دار صادر، بيروت. 2. ابن الجوزي، أبو الفرج، صفة الصَّفوة، للإِمام دار المعرفة، بيروت. 3. الجزري، أبو الحسن علي بن محمد، (1996)، أُسْد الغابة في معرفة الصَّحابة، دار إِحياء التُّراث العربيِّ، الطبعة الأولى 1417هـ 1996م. 4. ابن هشام، (1997)، السِّيرة النَّبوية، دار إِحياء التراث، الطَّبعة الثَّانية 1417هـ 1997م. 5. ابن كثير، الحافظ الدمشقي، (1988)، البداية والنِّهاية، أبو الفداء الحافظ بن كثير الدِّمشقي، دار الرَّيَّان، القاهرة، الطَّبعة الأولى 1408هـ 1988م. 6. السيوطي، جلال الدين، (1997)، تاريخ الخلفاء، عُني بتحقيقه إِبراهيم صالح، دار صادر، بيروت، الطَّبعة الأولى 1417هـ 1997م. 7. مال الله، محمد، (1989)، أبو بكرٍ الصِّدِّيق، مكتبة ابن تيميَّة، الطبعة الأولى 1410هـ 1989م. إيطاليا تلغراف د. علي محمد محمد الصّلابي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين السابق أصوات من غزة| نازحون بلا جدران.. شظايا القصف تحاصرهم حتى داخل خيامهم

مختارات من كتاب سنة الله في الأخذ بالأسباب فقه سليمان (عليه السلام) في إدارة الدولة
مختارات من كتاب سنة الله في الأخذ بالأسباب فقه سليمان (عليه السلام) في إدارة الدولة

إيطاليا تلغراف

time٢٠-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • إيطاليا تلغراف

مختارات من كتاب سنة الله في الأخذ بالأسباب فقه سليمان (عليه السلام) في إدارة الدولة

إيطاليا تلغراف نشر في 19 أبريل 2025 الساعة 5 و 26 دقيقة إيطاليا تلغراف د. علي محمد الصلابي (الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) إنّ القصص القرآني في سيرة سليمان عليه السلام أشار إلى أساليبه في إدارة الدولة، والمحافظة على التمكين، وهذا الفقه يظهر في النقاط الآتية: 1. دوام المباشرة لأحوال الرعية، وتفقد أمورها، والتماس الإحاطة بجوانب الخلل في أفرادها وجماعاتها، كان هذا هوحال سليمان عليه السلام، ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ [النمل: 20]، وذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك، والاهتمام بكل جزءٍ فيه، والرعاية بكلِّ واحدةٍ فيها وخاصّةً الضعفاء. ولا شك أنّ القيادةَ تحتاجُ إلى لجانٍ ومؤسساتٍ وأجهزةٍ حتى تستطيعَ أن تقومَ بهذه المهمة العظيمة، وإنَّ سليمان عليه السلام كان مهتماً بمتابعة الجند وأصحابِ الأعمالِ، وخاصّةً إذا رابَه شيءٌ في أحوالهم، فسليمانُ عليه السلام لمّا لم ير الهدهدَ بادر بالسؤال ﴿ مَالِي لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ ﴾، كأنّه يسأل عن صحة ما لاح له، ثم قال: ﴿ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾[النمل: 20]، سؤالٌ آخر ينمُّ عن حزمٍ في السؤال بعد الترفق، فسليمان عليه السلام أراد أن يُفهم منه أنه يسأل عن الغائب لا عن شفقةٍ فقط، ولكن عن جِدِّ وشدّةٍ، إذا لم يكن الغياب بعذر. لا بد للدولة من قوانين حتى تضبط الأمور بحيث يعاقب المسيء، ويحسن للمحسن، ولا بدّ من مراعاة التدرج في تقرير العقوبة، وأن تكونَ على قدر الخطأ وحجم الجرم، وهذا عينُ العدالة، ولهذا لم يقطع سليمان عليه السلام بقرار واحد في العقاب عند ثبوت الخطأ، بل جعله متوقّفاً على حجم الخطأ ﴿لأَعِذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ﴾ [النمل: 21]، وقد استدلَّ أهلُ العلم بهذه الآية على أنّ العقابَ على قدر الذنب، وعلى الترقّي من الشدة إلى الأشد قدر ما يحتاجه إلى إصلاح الخلل (سنة الله في الأسباب، الصلابي، ص32). 2. الاهتمام بالأجهزة الأمنية: فلا بدّ للدولة المسلمة أن تهتمَّ بالأجهزة الأمنية، وتحرص أشدَّ الحرص على الاهتمام بالأخبار والمعلومات، حتى توظَّفَ لخدمة الدين وعقيدة التوحيدِ، ونشرِ المبادئ السامية والأهداف النبيلة، والمثل العليا، وأن تحرصَ على تحبيب الجهاد لأبنائها، بواسطة الأجهزة الإعلامية والوسائل التربوية، وأن تعد النفوس للظروف المناسبة لإقامةِ الدين وإعلاء كلمة الله، وهكذا كان شأن سليمان عليه السلام. كما قال القرطبي رحمه الله: فإنّما صار صِدْقُ الهدهد عذراً له، لأنَّه أخبر بما يقتضي الجهاد، وكان سليمان عليه السلام قد حُبِّبَ إليه الجهاد. 3. الاهتمام بنصر دعوة التوحيد: فلا بدّ للقيادة في الدولة المسلمة أن تهتمَّ بنصر دعوة التوحيد، وبذل الوسع في تبليغها لكل مكلف، فإنَّ سليمان عليه السلام لمّا استمع إلى خبر القوم المشركين، شمّر عن ساعد الجد لإيصال البلاغ إليهم، وبدأ معهم بالحجة والبيان، قال تعالى: ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: 28]. قال القرطبي رحمه الله: في هذه الآية دليلٌ على إرسال الكتب إلى المشركين، وتبليغهم الدعوة، ودعائهم إلى الإسلام، وقد كتب النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وإلى كل جبّار. ولقد كان كتاب سليمان عليه السلام لملكة سبأ يبدأُ بالرحمة، وتتخلله الكرامة، وآخره الدعوة إلى الاستجابة لله، والاستسلام له سبحانه: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: 30 31] (تفسير القرطبي، م13، ص189). 4. الترفُّع على حطام الدنيا: فملكة سبأ عندما أعملت الحيلة لاختبار سليمان عليه السلام، تفتّقَ ذهنُها عن بعث هديةٍ له تمتحِنُ بها حبه للدين، فأظهرَ عدم الاكتراث بهذا المال، وأعلمَ من جاؤوا به أنّ الله تعالى آتاه الدين الذي هو السعادة القصوى، وآتاه من الدنيا ما لا مزيدَ عليه، فكيفَ يُستمال مثلُه بمثل هذه الهدية، وصارحهم بأنّهم هم الذين من شأنهم الفرح بتلك الهدية، التي ظنّوا أنه سيفرحُ بها، أما هو فلن يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، قال تعالى: ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾[النمل: 36]. 5. المقدرةُ على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب والمكان المناسب: وعدم التردد في القرار الصعب للتغلب على الحال الأصعب، فعندما وجد سليمان عليه السلام أنَّ القوم مازالوا على الشرك، بل يريدون استمالته وتنحيته عن صلابته في الحق، قال للوفد الذي جاء بالهدية: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[النمل: 37] ولا مانع من ركوب الشدة مع المعاند، واستعمال القوة في إرهاب من يصد عن الدعوة، فإنّ ذلك قد لا ينفعُ غيره في إنقاذِ الناس من الشرك، بل من المعادن البشرية ما لا يلينُ إلا تحتَ وهج السيف وسنابك الخيل، وكان هذا الأسلوبُ سبباً في إسلام ملكة سبأ، وانقيادها وجنودها لسليمان، ولا مانع من استعمال الذكاء والعقل النير ودقة التدبير في استجلاب قلوب المدعوين إلى الدين، واستخدام نعم الله في دلالة الخلق على الله، ومخاطبة الناس بالكيفية التي تستهوي قلوب عوامهم، وتجلب احترام خواصهم، فسليمان عليه السلام لمّا بلغه خبرُ مجيء ملكة سبأ في جمعٍ من حاشيتها وجنودها، أراد أن يُعْلِمَها مدى ما أعطاه الله من قوة، حتى إنّ عرشهـا الذي تركتـه في حمايـة عظيمـة وحرس كثيف سبقها إليه (الحكم والتحاكم في خطاب الوحي، عبد العزيز كامل، (9/193). 6. الاستفادة من المهارات والمواهب: على الدولة المسلمة أن تستفيدَ من المهاراتِ والمواهبِ وإمكانات الخاصة في أفراد الرعية، ووضع الفرد المناسب في مكانه الصحيح. إنّ مملكة سليمان عليه السلام كان فيها من الإنس والجن وغيرهم ما كان يمكن أن يؤدّي مهمة الهدهد، ولكنّ سليمان عليه السلام اختاره مع ضعفه وصغره لتأدية هذه المهمة، فـتخصيصه عليه السلام إيّاه بالرسالة دون سائر ما تحت ملكه من أمناء الجن الأقوياء على التصرف والتعرف، لما عاين فيه من مخايل العلم والحكمة (سنة الله في الأسباب، الصلابي، ص35). المراجع: • سنة الله في الأسباب، علي الصلابي، دار ابن كثير. • الحكم والتحاكم في خطاب الوحي، عبد العزيز مصطفى كامل، دار طيبة للنشر والتوزيع، طبعة: الأولى، ١٤١٥ هـ – ١٩٩٥ م • تفسير القرطبي. إيطاليا تلغراف السابق يا للهول الجميع صار يريد الديمقراطية للسوريين! التالي مسيرة روسية تدمر نقطة عسكرية أوكرانية بسومي

من أسماء الله الحسنى (الواحد)
من أسماء الله الحسنى (الواحد)

إيطاليا تلغراف

time١٦-٠٤-٢٠٢٥

  • منوعات
  • إيطاليا تلغراف

من أسماء الله الحسنى (الواحد)

إيطاليا تلغراف د. علي محمد الصلابي (الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) اسم 'الواحد' هو اسم من أسماء الله الحسنى التي تدل على تفرده سبحانه وتعالى بالوحدانية، فهو الواحد الذي لا ثاني له، ولا مثيل ولا نظير، وهو الواحد في ألوهيته، فلا معبود بحق سواه، وهو الواحد في ربوبيته، فلا خالق ولا رازق إلا هو، وهو الواحد في صفاته، فلا يشبهه شيء من خلقه، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وقد ورد اسم الله الواحد في أكثر من عشرين موضعاً في القرآن الكريم ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ ]الرعد: 16[، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ ]النحل:51[، وقوله تعالى: ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ ]غافر:16[. ويقول الشيخ السعدي رحمه الله: 'الواحد الأحد' هو الذي توحد بجميع الكمالات، وتفرد بكل كمال، وجلال وجمال، وحمد وحكمة ورحمة وغيرها من صفات الكمال؛ فليس فيها مثيل، ولا نظير ولا مناسب بوجه من الوجوه، فهو الأحد في قيوميته وعلمه وقدرته وعظمته وجلاله وجماله وحمده وحكمته وغيرها من صفاته، موصوفٌ بغاية الكمال، ونهايته من كل صفة من هذه الصفات، فيجب على العبيد توحيده عقلاً وقولاً وعملاً بأن يعترفوا بكماله المطلق وتفرده بالوحدانية، ويفردوه بأنواع العبادة ( قصة بدء الخلق، الصلابي، ص1136). قال القرطبي: 'اسم الله الواحد جاء في الكتاب والسنة وأجمع عليه علماء الأمة، وهو من أعظم أسماء الله الحسنى وأولاها بالاختصاص به، وعدم المشاركة فيه، فالله تعالى متعال عن أن يشبه شيئًا من الحادثات، أو يمازجه شيء من الكائنات، بل هو بذاته متفرد عن جميع المخلوقات، وأنه ليس بجوهر ولا عرض ولا جسم، خلافًا للنصارى، تعالى الله عن قولهم وتسميتهم، وأنه لا تحلّه الكائنات، ولا تمازجه الحادثات، ولا له مكان يحويه، ولا زمان هو فيه، …. فالله تعالى هو الواحد لا نظير له، وهو الذي يعتمد عليه عباده ويقصدونه' ولا يتَكلون إلا عليه جل وعز. (أسماء الله الحسنى، القرضاوي، ص73). يقول الشيخ ابن عثيمين: «الواحد هو الفرد الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر، وهو الفرد المتفرد في ذاته وصفاته وأفعاله وألوهيته، فهو واحد في ذاته لا يتجزأ أو لا يتفرق، أحد صمد لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. وهو واحد في صفاته لا شبيه له على الوجه اللائق به من غير أن يماثله أحد فيما يختص به، وهو واحد في أفعاله لا شريك له، واحد في ألوهيته لا معبود حق إلا هو» (تقريب التدميرية، ابن عثيمين، ص138). وقد ورد اسم الله «الواحد» في اثنتين وعشرين آية من كتاب الله، وورد اسم «الأحد» في سورة الإخلاص، وأصل اشتقاق الاسمين واحد، فكلاهما من جذر واحد من كلمة (وحد)، وهي تدلُّ على وحدانية الذات، فلا إله إلا الله، ووحدانية الصفات، فليس له شبيه ولا سَمِيٌّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11]، وتدل على انفراده من الأشياء، وانفراد الأشياء منه، قال الخطابي رحمه الله: (الواحد: الفرد الذي لم يَزَلْ وحده). فالقرآن الكريم والسنة أوضحا غاية الإيضاح تَفَرُّد الخالق عن المخلوق. وفي كتاب الله جل وعز سورة تُسمَّى: «الإخلاص»: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص:1-4]، وقد سُمِّيت هذه السورة بالإخلاص؛ لأنها اشتملت على إثبات الكمال والحدانية لله سبحانه وتعالى، فأثبتت اسمه العظيم وهو: «اللَّه»، وأثبتت وحدانيته، وأثبتت صَمَدِيَّته، ثم نَفَت عنه ما كانوا يَدَّعونه من وجود الوالد أو الولد، أو أن يكون له كُفُو أو شريك أو مُشابِه، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه السورة في الركعة الثانية من راتبة الفجر، وراتبة المغرب، ويقرؤها في صلاة الوتر، وركعتي الطواف (مع الله، العودة، ص235). مراجع: * قصة بدء الخلق، علي محمد الصلابي، طبعة دار ابن رجب. * أسماء الله الحسنى، يوسف القرضاوي، ط1، الدار الشامية، تركيا، 2017م. * شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة، سعيد علي القحطاني، السعودية، 1988 * تقريب التدميرية، ابن عثيمين * مع الله الاسم الأعظم، سلمان العودة، ط5، مؤسسة الإسلام اليوم للنشر، السعودية، 2010م. إيطاليا تلغراف

نماذج علمائية ملهمة (38) الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله " إمام أهل الأندلس "
نماذج علمائية ملهمة (38) الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله " إمام أهل الأندلس "

إيطاليا تلغراف

time١٣-٠٤-٢٠٢٥

  • منوعات
  • إيطاليا تلغراف

نماذج علمائية ملهمة (38) الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله " إمام أهل الأندلس "

نشر في 13 أبريل 2025 الساعة 8 و 48 دقيقة إيطاليا تلغراف الكاتب: د. علي الصلابي (الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) هو الإمامُ والمجتهد الكبير، بحر العلوم، وجامع الفنون، وإمام المذهب الظَّاهريِّ وأبرز أعلامه، الفقيه الحافظ، الأديب الوزير، المؤرِّخ الناقد، العالم الموسوعيُّ، صاحب التَّصانيف الباهرة والأقوال الظَّاهرة، أجمعَ أهلِ الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهُم معرفةً، مع توسُّعه في علم اللِّسان، ووفور حظِّه من البلاغة، والمعرفة بالسِّيَر والأخبار، الإمام أبو محمَّدٍ عليُّ بن أحمد بن سعيد بن حزمٍ الأندلسيُّ، الشَّهير بابن حزم الظاهري. أولاً: مولده اسمه ونسبه: هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد. ولد أبو محمد قبل طلوع الشمس، آخر ليلة الأربعاء آخر يوم من شهر رمضان من سنة (٣٨٤هـ)، وقد كانت ولادته بقرطبة. ويرى معظم من ترجم له أنه فارسي الأصل، وأن جده الأقصى يزيد هو أول من أسلم من أجداده، وأنه مولى ليزيد بن أبي سفيان. ويرى بعض من ترجم له أنه ليس كذلك، وأنه إسباني الأصل، قال ابن سعيد: (وادعى أنه من الفرس، وهو خامل الأبوة من عجم لبلة)، ويكنى أبو محمد. (معجم الأدباء، ياقوت الحموي، ج12 ص237) ثانياً: نشأته العلمية ورحلته في طلب العلم: وصف الحافظ الذهبي (رحمه الله) نشأة ابن حزم فقال: 'نشأ في تنعم ورفاهية، ورزق ذكاء مفرطاً، وذهناً سيالاً، وكتباً نفيسة كثيرة'، وهذا يحدد العوامل المساعدة لابن حزم على تلقي العلم، من غنىً يتيح له التفرغ لطلب العلم إلى ذكاءٍ متوقد وحافظة قوية، إلى مكتبة ينهل منها، ولقد أتيح له أن تربيه النساء، يحدثنا (رحمه الله) عن هذا فيقول: 'لقد شاهدت النساء، وعلمت من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيري لأني ربيت في حجورهن، ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب، وحين تنيَّل وجهي، وهُنَّ علمنني القرآن، وروينني كثيراً من الأشعار، ودربنني في الخط' (طوق الحمامة، ضمن رسائل ابن حزم، ص16) ورحل ابن حزم في طلب العلم، وجال الأندلس، وقد حدثنا مترجموه أنه: 'قد انتقل من شرق قرطبة إلى غربها، ومن قرطبة إلى ألمرية'. وقد لوحظ أن رحلته في غالبها ليست باختياره بل كانت إجبارية، وفي هذا يقول العلامة أبو زهرة رحمه الله: ' هذه إشارة إلى رحلات ابن حزم، ولم تكن اختيارية في كثير منها، بل كانت إجبارية في أحيان كثيرة' (ابن حزم خلال ألف عام، عبد الرحمن الظاهري، ج2 ص47 – 48). ثالثاً: مذهبه الفقهي: اتجه ابن حزمٍ في بداية أمره إلى دراسة الفقه المالكي، باعتباره المذهب السائد بالأندلس، فقد ثبتَ عنه أنه درس الموطأ على أبي عبد الله بن دحون، فبدأ بدراسته نحو ثلاثة أعوام وبدأ بالمناظرة، ثم انتقل بعد ذلك (رحمه الله) إلى مذهب محمد بن إدريس الشافعيّ، وناضل عن مذهبه وانحرف عن مذهبِ سواه، حتى وسم به ونسب إليه (معجم الأدباء، مرجع سابق، ج4 ص1652). ويبدو أنه وجد في المذهب الشافعي ما يتماشى مع منهجه في تعظيم النصوص، والتمسك بها، فانتقل إليه وتبناهُ، وفي هذا يقول أبو زهرة: 'ولعل الذي أعجبه في المذهب الشافعي شدة تمسكه بالنصوص، واعتباره الفقه نصاً أو حملاً على النص، وشدة حملته على مالك عندما كان يفتي بالاستحسان والمصالح المرسلة، وكتابته كتاباً خاصاً في إبطـــال الاستحسان (ابن حزم، حياته وعصره، لأبي زهرة، ص35). إلا أن هذا الانتقال سرعان ما تبعهُ انتقال آخر إلى المذهب الظاهري، وكان آخِرَ ما استقر عليه في حياته، يقول ياقوت الحموي: 'ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظاهر مذهب داود بن علي ومن اتبعه من فقهاء الأمصار، فنقّحه ونهجه وجادل عنه ووضع الكتب في بسطه وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله' (معجم الأدباء، مرجع سابق، ج4 ص1655). وفي السياق ذاته يقول الذهبي: 'إنه تفقه أولاً للشافعي، ثم أداه اجتهاده إلى القول بنفي القياس كله جليه وخفيه، والأخذ بظاهر النص وعموم الكتاب والحديث، والقول بالبراءة الأصلية، واستصحاب الحال، وصنف في ذلك كتباً كثيرة، وناظر عليه، وبسط لسانه وقلمه' (سير أعلام النبلاء، للذهبي، 18/186). وهكذا، انتقل ابن حزم بين هذه المذاهب الثلاثة، باحثاً عن أكثرها تعظيماً لنصوص القرآن والسنة، وعن أبعدها عن العقل والرأي، فوجد ضالتهُ في المذهب الظاهري، الذي سيضطر للدفاع والجدال عنه فيما بعدُ. رابعاً: علوم ابن حزم: من المعروف أن أبا محمد بن حزم كان موسوعي الثقافة، متعدد جوانب المعرفة، فهو الفقيه والأصولي التحرير، وهو المحدث المدقق، وهو المنطقي البارع، وهو اللغوي، وهو الشاعر المجيد، وهو المؤرخ الأمين، وهو التربوي والمربي الدارس لأغوار النفس، والمدرك لحقيقتها بحسب الطاقة البشرية، إلى غير ذلك. – ابن حزم المحدث: عرف ابن حزم بالمحدث عند مترجميه، فقد وصفه ابن ماكولا بأنه: «حافظاً للحديث مصنفاً فيه» (جذوة المقتبس، للإمام عبد الله الحميدي، ص308). وهو محدث كبير، فقد ذكره السخاوي في رسالته في المتكلمين في الرجال فقال: 'ثم بعدهم ابن عبد البر، وابن حزم الأندلسيان'. هذا كلام أهل التقعيد من المحدثين بخصوص اعتبار ابن حزم الظاهري أحد الذين تكلموا في الرجال جرحاً وتعديلاً، وأحد الذين اعتمد كلامهم في نقد الرجال، وكان له نقد لرجال الحديث في ثنايا كتبه عبر مناقشاته لمخالفيه ومنافحاته عن رأيه ومذهبه الذي هو عليه، وقد تناقل من جاء بعده من المحدثين كلامه في الرجال جرحاً وتعديلاً في مصنفاتهم في الرجال، كما هو صنيع الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال، والإمام ابن حجر في لسان الميزان، وتهذيب التهذيب (الإمام ابن حزم، محمد أبو صعيليك، ص51). هذا وقد كان من عادته في كتبه نقد الأحاديث التي يرويها بسنده، بذكر الكلام في رواتها، ولا شك أن هناك عدداً لا يستهان به قد تكلم فيه ابن حزم في كتبه جرحاً وتعديلاً، وقد أغرى هذا المعاصرين على جمع الرواة الذين تكلم فيهم ابن حزم، فكان عددهم ثمانين رجلاً، ولا شك أن هذا عدد لا يستهان به لرجل ناقد تكلم فيما يقارب ألف رجل (ابن حزم خلال ألف عام، مرجع سابق، ج4 ص8). – ابن حزم الفقيه: بنى ابن حزم اجتهاده على أصول محددة، قد نص عليها في كتبه في الأصول، وقد اعتمد عليها في كتابه (المحلى)، يقول أبو محمد بن حزم (رحمه الله): 'لا يحل لأحد أن يفتي، ولا أن يقضي، ولا أن يعمل في الدين إلا بنص قرآن، أو نص حكم صحيح عن رسول الله، أو إجماع متيقن من أولي أمر منا لا خلاف فيه من أحد منهم'. ويقول أيضاً: ' الأصول التي لا يعرف شيء من الشرائع إلا فيها، وأنها أربعة وهي: نص القرآن، ونص كلام رسول الله ﷺ الذي إنما هو عن الله تعالى كما صح عنه نقل الثقات أو التواتر، وإجماع جميع علماء الأمة، أو دليل منها لا يحتمل إلا وجهاً واحداً ' (الأحكام، للإمام ابن حزم، ج1 ص71). وابن حزم، فقد اعتمد فقط على الكتاب والسنة والإجماع؛ بل إنه يصرح بأنه لا يصح لأحد أن يقلد أحداً، ولو كان صحابياً؛ وصريح ذلك أنه لم يبح تقليد الصحاب. أما الأئمة الأربعة، فقد اتفقوا على القول برأي الصحابي، قال ذلك أبو حنيفة ومالك، وكتبه الشافعي في الرسالة، وأخذ به أحمد، وكان ذلك من أعمدة فقهه التي قام عليها. وبهذا كانت مناهج ابن حزم مخالفة لمناهج الأئمة الأربعة في استنباطهم، وقد حمل فقهه اسم الفقه الظاهري؛ لأنه لم يعتمد إلا على ظاهر الكتاب والسنة، ولم يعتمد على نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية معللة، بحيث تعرف علتها، ويقاس عليها غيرها. كما أن ابن حزم يأخذ الحكم من النص، ولا يعلل النص، ولذلك يسمى هذا المنهاج المنهاج الظاهري أو الفقه الظاهري. وابن حزم هو فقيه شديد المراس، ولا شك أن من جاء بعده قد تأثر به، ونسج على منواله، كما أن بعضاً من أهل العلم قد نكب عن طريقه، وأساء الظن به وإن كان الخطب في الخلاف يسيراً، وقد تأثر أئمة أعلام بآراء ابن حزم الفقهية، وكانت لهم موافقات له، يقول العلامة أبو عبد الرحمن بن عقيل: ومن المتعاطفين مع ابن حزم وأهل الظاهر الإمامان الأمير الصنعاني والشوكاني، فكانا كثيري النقل من مذهب ابن حزم وأهل الظاهر، بل كان الشوكاني كثير التنديد بمعارضي أهل الظاهر (ابن حزم، حياته وعصره، مرجع سابق، ص261). – ابن حزم المؤرخ: ومن جوانب نبوغ ابن حزم معرفته بالتاريخ وبحثه فيه، وقد وصفه مترجموه بذلك، يقول الدكتور عبد الكريم خليفة: «أما في مجال التاريخ والأخبار، فابن حزم مؤرخ مبرز، واسع الاطلاع، عميق المعرفة، درس تاريخ مختلف الشعوب في المشرق والمغرب، وكان له إلمام واسع بحوادث الأندلس مما جعل تلميذه الحميدي يروي عنه معظم الحوادث والأخبار في كتابه (جذوة المقتبس)، وهذا يلقي ضوءاً على ثقافته التاريخية، وماله فيها من باع طويل، كما يدل على مقدرته في النقد والتمييز. ولذا فقد وصفه الدكتور زكريا إبراهيم بالمؤرخ الممتاز لاجتماع صفات الصدق والضبط والدقة وقوة الملاحظة، وحسن الاستدلال بما جعل منه راوية أميناً، ومحققاً نزيها، ومؤرخاً واسع الأفق'. (ابن حزم الأندلسي حياته وأدبه، عبد الكريم خليفة، ص110) – المعرفة بالأنساب: لابن حزم معرفة بعلم الأنساب، فقد صنف فيه كتابه «جمهرة أنساب العرب»، وقد قال في مقدمته: فجمعنا في كتابنا هذا تواشج أرحام قبائل العرب، وتفرع بعضها من بعض، وذكرنا من أعيان كل قبيلة مقداراً يكون من وقف عليه خارجاً من الجهل بالأنساب، ومشرفاً على جمهرتها'، وعن أهمية الأنساب يقول (رحمه الله): «فوجب بذلك أن علم النسب علم جليل رفيع، إذ به يكون التعارف (جمهرة أنساب العرب، للإمام ابن حزم، ج1 ص6). – معرفته بالسيرة النبوية: فقد صنف ابن حزم فيها تصنيفاً، وقد كان كتابه (جوامع السيرة) نموذجاً طريفاً للتأليف في السيرة، وقد حدثنا عنه الدكتور زكريا إبراهيم فقال: ' ومن هنا فقد قدم لنا ابن حزم في كتابه جوامع السيرة عرضاً طريفاً للسيرة النبوية كشف لنا به عن سعة اطلاعه، ودقة ضبطه في تقييد التواريخ، ووضوح منهجه في معالجة المسائل التاريخية من حيث موضوعها وزمنها، وقد وصف ابن حزم في هذا الكتاب باتخاذه منهجاً واضحاً في معالجة السيرة النبوية، وذلك بتفصيله الحديث على كل رواية من روايات أصحاب المغازي' (جوامع السيرة، للإمام ابن حزم، ص10 – 11). خامساً: وفاته: غادر أبو محمد ابن حزم (رحمه الله) إشبيلية إلى قريته (منت ليشم) التي كان يمتلكها ويتردد عليها، وظل بها يمارس التصنيف والتدريس حتى وافته المنية عشية يوم الأحد 28 شعبان 456 هـ /15 يوليو 1063 م (سير أعلام النبلاء، مرجع سابق، ج18 ص211). المراجع: 1- ابن حزم حياته وعصره، آراؤه وفقهه، للشيخ محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي للطباعة -بمصر، ط1، ١٩٥٤م. 2- ابن حزم خلال ألف عام، جمع وتحقيق :الشيخ أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، دار الغرب الإسلامي – بيروت، ط1، ۱۹۸۲م. 3- ابن حزم الأندلسي حياته وأدبه، د عبد الكريم خليفة، الدار العربية – بيروت. 4- الأحكام في أصول الإحكام، للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، طبعة دار الآفاق الجديدة – بيروت، بتحقيق الشيخ أحمد شاكر. 5- طوق الحمامة في الألفة والألاف، للإمام أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، مؤسسة العربية للدراسات والنشر، ضمن مجموعة رسائل، بتحقيق: الدكتور إحسان عباس، ط2 ١٩٨٧م. 6- معجم الأدباء : لياقوت الحموي – طبعة مطبعة هندية بالموسكي بمصر سنة ١٩٢٨ . 7- سير أعلام النبلاء، للإمام أبي عبد الله الذهبي – مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر – بيروت، بتحقيق جماعة من المحققين. 8- ابن حزم الكبير ، 'دراسات في الادب والفلسفة' د. عمر فرّوخ، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، ط1، 1400ه – 1980م. 9- الإمام ابن حزم الظاهري، 'أعلام المسلمين'، محمد عبد الله أبو صعيليك، دار القلم – بيروت، ط1، 1415ه – 1995م. إيطاليا تلغراف السابق هناك ما يبعث على القلق في سورية التالي عندما تتحوَّل الجُغرافيا إلى عُقوبةٍ إداريَّةٍ..

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store