logo
#

أحدث الأخبار مع #لوسيبارسخيان

التمثيل المسيحي في قضاء عاليه حاضر رغم التهميش
التمثيل المسيحي في قضاء عاليه حاضر رغم التهميش

IM Lebanon

time٠٥-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • IM Lebanon

التمثيل المسيحي في قضاء عاليه حاضر رغم التهميش

كتبت لوسي بارسخيان في 'نداء الوطن': متخفّفة من السياسة وبالتالي تأثير أحزابها التي شكلت رأس حربة معاركها السابقة، هكذا بدت انتخابات قضاء عاليه البلدية يوم أمس، فسيطر على أجوائها هدوء، انعكس أيضاً على أقلام الاقتراع، التي لم تشهد تقاطراً كبيراً للناخبين في معظم القرى، ولا سيما في القرى التي شهدت معاركها توافقاً بين القوى السياسية والعائلية. المهم أن اليوم الانتخابي مر في 50 بلدة في قضاء عاليه من دون تسجيل ضربة كف. علماً أن عدد بلديات القضاء هي 58، ثماني منها فازت بالتزكية، ومن بينها بلدية القماطية التي شهدت توافقاً تاماً على مجلسها بين 'الثنائي الشيعي'. أما البلديات التي جرى توقع حماوة في انتخاباتها، فاجتازت المعركة بروح تنافسية ديمقراطية وهذا ما جعل القضاء يتميز في هذا النهار بنقاط مشتركة أبرزها على الشكل التالي: توافق حزبي ينفخ على الحماسة أولاً: التوافق الذي قام في عدة بلدات بين الحزب 'التقدمي الاشتراكي' والحزب 'الديموقراطي'، والذي أمّن أجواء انتخابات مريحة للمرشحين، كادت تؤدي في بعض الأحيان إلى فوز بلدياتها بالتزكية، مثلما حصل في عاليه المدينة، بينما هي خلقت انطباعات بعدم تكافؤ فرص التنافس في بلدات أخرى مثلما حصل في بلدة الشويفات مثلاً. أكبر بلديتي القضاء اللتين يضم مجلس كل منهما 18 عضواً شهدتا ارتياحاً عاماً طيلة النهار. فمع إغلاق صناديق الاقتراع للمباشرة بعملية التصويت، كان مندوبو لائحة 'عاليه بالقلب' يتلقون التهاني بالفوز أمام مركز الاقتراع في ثانوية مارون عبود. فاللائحة المكتملة دخلت بمعركة شكلية مع المرشحين طارق عبدالله شهيب ومنى يوسف عقل، 'وهما من خيرة شباب البلدة' كما قال أحدهم، ولكن البلدية لا تتسع لأكثر من 18 عضواً. فيما انسحب 15 عضوا آخر بعد توافق قضى بتوزيع المقاعد بين سبعة مقاعد لمسيحيي عاليه و11 مقعداً لدروزها. ولكن ظروف معركة الشويفات جاءت مختلفة تماماً. وعلى رغم التوافق الحزبي المشابه الذي شهدته بين أكبر حزبين في الجبل، فقد فرض عدد المرشحين الذي فاق عدد مقاعد البلدية، معركة جدية 'رفضاً للإسقاطات الفوقية' كما قال أحدهم. ثورة على الإسقاطات الفوقية ثانياً: حماسة المجتمع المدني لخوض المعركة تحت عناوين الخروج من التركيبات المقولبة للبلديات، باتجاه تشكيلات تشرك أبناء القرى في القرارات الإنمائية المتخذة. كما حصل في عين عنوب. أبرز مظاهر الثورة على التقليد والإسقاطات في البلدة برزت بترشيح سيدة لرئاسة البلدية، إلى جانب ثلاث مرشحات أخريات لـ 12 مقعداً يتألف منها المجلس البلدي مقابل غياب المرشحات السيدات عن اللائحة 'التوافقية' في اللائحة المنافسة. هذا الترشيح عكر على رئيس البلدية المرشح منذ 21 سنة، الفوز بالتزكية مجدداً. الأحزاب المسيحية تتحالف وتتنافس ثالثاً: تجمع مرشحو الأحزاب المسيحية في لوائح واحدة، في ما شكل توافقاً غير معلن بين جميع الأطراف. هذه الصفة ميزت تحديداً بلدة الكحالة، هذه البلدة التي تحمل رمزية مسيحية خاصة وسط بحر من دروز عاليه، نجحت في تقديم الطابع العائلي للمعركة على الطابع السياسي، عندما جمعت في كل من لائحتيها المتنافستين مرشحين من 'القوات اللبنانية' و'التيار الوطني الحر' وحزب الكتائب. وإن جاء دعم الأحزاب لواحدة على الأخرى من تحت الطاولة. وهذا التنوع في الانتماءات الحزبية بالمقابل انعكس على الناخبين لتشكيل لوائح خاصة بهم، واختيار الأنسب من بين الأسماء المطروحة، وهذا ما جعل نتائج المعركة غير محسومة في الكحالة قبل انتهاء عملية الفرز حتى آخر مقترع. المسيحيون بيضة قبان رابعاً: الحرص على المكون المسيحي في معظم البلديات. ترجم هذا الحرص حتى في البلديات التي لم تشهد توافقاً، وأبرزها كفرمتى، إحدى أكبر مدن قضاء عاليه، التي لم يتمكن المكون الدرزي فيها من التوصل إلى توافق، بخلاف المكون المسيحي، فكان أن رشح المسيحيون خمسة أعضاء من أصل خمسة عشر، أضيفت أسماؤهم إلى أسماء المرشحين الدروز على كل من اللائحتين المتنافستين. أما الخلاف فيبدو أنه وقع بين فريقين: أحدهما، يريد أن يحافظ على عرف قائم في البلدة ويقضي بتناوب رئاسة البلدية بين عائلة خداج وعائلة غريب في كل دورة. وبينما كان يفترض أن تذهب الرئاسة هذه المرة لآل غريب، تمردت مجموعة من الشباب، وقررت كسر احتكار العائلتين للرئاسة. يؤكد جميع الأطراف أن الأحزاب السياسية لم تتدخل لا في تقريب وجهات النظر ولا في دعم فريق على آخر، وإن كان الحزب 'الديمقراطي' الذي يتمتع بقاعدة شعبية أوسع في البلدة يؤيد الحفاظ على العرف. وبنتيجة ذلك وُضعت كفرمتى، ومسيحيوها خصوصاً، أمام تحديات تخطي عرف تقسيم المقاعد في المجلس، خصوصاً أن الربح الصافي للأعضاء الخمسة لم يعد مضموناً بظل هذا الانقسام، وهو ما رفض الكثيرون التعليق عليه، بانتظار فرز أصوات الناخبين التي إما أن تعزز الثقة بين المكونات الطائفية في البلدة أو تكسرها. في بشامون بالمقابل، بدا أن المكوّن المسيحي حسم المعركة التي كانت مصنّفة من أصعب المعارك لمصلحة إحدى لائحتيها برئاسة المغترب عزات عيد. إذ أن حصر ترشيحات العائلات المسيحية في لائحة 'التوافق والإنماء' دفع باللائحة الثانية إلى الانسحاب من المعركة. الأجواء المعارضة للائحة المتفوقة تحدثت عن عامل المال الذي دخل بقوة، فعيد الملقب بـ 'عم عزات' متمول مغترب، ورئيس الجالية اللبنانية في ليبيريا ووفقاً لما يصفه مناصروه مفضِل على شباب البلدة الذين وجد لمعظمهم الوظائف في الاغتراب. هذه المعركة غير المتكافئة، لم تؤمن لعيد مع ذلك فوزاً بالتزكية، إذ بقي في منافسته ثلاثة مرشحين منفردين من بينهم سيدة وحيدة هي ليلى حسان، والتي ظهرت في مراكز الاقتراع كمندوب جوال يتابع احتياجات المندوبين الثابتين. وهي كما قالت لـ 'نداء الوطن' فضّلت أن تخسر في ساحة المعركة على أن تهزم في خارجها. بيت مسيحي مهجور تحول مركز اقتراع خامساً: ضعف مراكز الاقتراع أو القدرة على تأمينها في بعض القرى. برز هذا الأمر في عدة قرى، كالكحالة التي أقيم أحد مراكزها في دار لرعاية المسنين وآخر في البلدية، أو في الشويفات حيث أظهر استحداث مركز اقتراع في بلديتها هوة في التجهيزات اللوجستية، تسبب بتململ في صفوف مندوبي اللوائح خصوصاً. أما في كفرمتى فكان لافتاً أن يقام مركز الاقتراع في بيت مهجور هو بيت الأستاذ إدمون أبي عبدالله الذي كان مديراً لمدرسة كفرمتى، وقد قدم أولاده البيت كمركز للاقتراع. البيت تضرر خلال الحرب، ولم يرمم بعد، وبدت حالته مرآة لواقع مسيحيي الجبل الذين لم يعودوا إلى قراهم على رغم المصالحة التي تمت بعد اتفاق الطائف بين مكوناته الطائفية. بين عاليه والشويفات، وكذلك عاليه وكفرمتى عشرات القرى المتناثرة، شهدت انتخابات بلدية هادئة، هي قرى رائعة بعذرية الطبيعة التي تحافظ عليها، وبما يشكله كل منها من شرفة تطل على مشهد خلاب من لبنان، يؤمن مقومات سياحية تتيح استثمارها في سياحة داخلية، فيما لو منحت البلديات الأموال واللامركزية الإدارية… فهل يحقق عهد رئيس الجمهورية هذا الإصلاح الجذري المطلوب لتفعيل عمل البلديات في المرحلة المقبلة؟

أكبر أنهر لبنان يختنق
أكبر أنهر لبنان يختنق

IM Lebanon

time٢٨-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • IM Lebanon

أكبر أنهر لبنان يختنق

كتبت لوسي بارسخيان في 'نداء الوطن': بينما يخوض اللبنانيون تحدّياً انتخابياً بلديّاً سيرسم ملامح الإنماء المحلي للسنوات الست المقبلة، من المتوقع أن يقف الفائزون بالمجالس، وخصوصاً في بلديات البقاع، على ضفاف تحدّ أكبر وربما أكثر إلحاحاً: التلوث المزمن في نهر الليطاني. أكبر أنهر لبنان ليس بخير. وتتسبب 69 بلدة على ضفافه الممتدة من بعلبك إلى البقاع الغربي بتلوثه سنوياً بنحو 46 مليون متر مكعب من المياه المبتذلة، بسبب غياب محطات تكرير الصرف الصحي أو تعطلها، ما جعل أجواء البقاع تعبق برائحة المجارير باكراً هذا العام نتيجة لتراجع كمية الهطولات المطرية. فانفضح مجدداً جرح صفقات وتلزيمات توالى تنفيذها بهبات وقروض من ضمن استراتيجية وطنية لإدارة الصرف الصحي، وعدلت مرات عدة حتى العام 2020، لكنها لم تؤدّ إلى النتائج المرجوة في الحد من هدر الموارد المائية كما المالية. مليارات الدولارات أُنفقت والحل مفقود وفقاً لتقرير صدر خلال شهر آذار الماضي عن ديوان المحاسبة، فإن حجم الأموال التي أنفقت حتى العام 2020 بمشاريع بناء محطات التكرير على مجرى الليطاني اقتربت من المليار دولار، بينما حدد مجمل حجم الإنفاق على ما نفذه مجلس الإنماء والإعمار من محطات في مختلف الأراضي اللبنانية بين عامي 2001 و2020 بـ 763.5 مليون دولار، تضاف إليها كلفة تشغيل وصيانة بعض المحطات والتي بلغت 43.5 مليون دولار. وتبدو نتائج هذا الإنفاق كارثية، ولم تحقق النتائج المتوقعة لجهة معالجة مياه الصرف الصحي، بما يتيح إعادة استخدامها بطرق تخدم البيئة والصحة العامة. لا بل يتحدث تقرير الديوان عن أموال هدرت في محطات بقيت معطلة أو غير مكتملة أو تفتقر إلى شبكات تصريف مناسبة. وما زاد الطين بلّة، كان الانهيار المالي الذي اختبره لبنان، بحيث بلغت القيمة الإجمالية لمحطات التكرير التي بقيت خارج الخدمة منذ العام 2022، وفقاً لتقرير الديوان، حوالى 194 مليون دولار. وهذا ما كشف عن عجز مجلس الإنماء والإعمار عن إدارتها بسبب عدم توفر اعتمادات تمويل عقود الصيانة والتشغيل، مقابل عجز مالي في مؤسسات المياه حال أيضاً دون وضعها بتصرفها. هذا في وقت استمر الإنفاق على هذه المحطات لصيانتها، ضماناً لعدم توقفها نهائياً عن العمل، فبلغت تكلفة هذه الصيانة نحو تسعة ملايين دولار تقريباً. ما ذكر يجعل من أزمة الصرف الصحي معضلة وطنية شاملة. وعليه أوصى ديوان المحاسبة بإصلاح منظومة إدارة الصرف الصحي بدءاً من التخطيط إلى التنفيذ والاستلام، مشيراً إلى ضرورة إشراك البلديات ضمن آليات شفافة وخاضعة للمساءلة. تواطؤ ثلاثي قائم إلا أنه وفق قراءة خبيرة، فإن مجرد عرض المشكلات والتوصيات بحلولها، من دون محاسبة فعلية للمنظومة التي هدرت المال العام، لن يؤدي إلى الإصلاح المطلوب في منظومة الصرف الصحي. تطرح القراءة تساؤلات عديدة حول السبب الذي يجعل معظم ملفات تلزيم الصرف الصحي التي أطلقها مجلس الإنماء والإعمار، تنتهي بواقع تنفيذ محطة من دون شبكة موصولة بها، أو تنفيذ شبكات من دون وصلها بمحطة، أو تنفيذ جزئي للشبكات أو للمحطات.، لتضيء على واقع التعديلات التي يسعى إليها المقاولون بعد فوزهم بالصفقات، وهي تعديلات تنتهي واقعياً إلى عدم استكمال المشاريع. هذا بالإضافة إلى التلاعب ببنود دفاتر الشروط والمواصفات. لتخرج القراءة باستنتاج مفاده أن التمويل الخاطئ للمشاريع ليس صلب المشكلة الحقيقية، إنما هو في المنحى الذي اتّخذ منذ سنوات، بإرساء الصفقات على متعهدين يحرقون أسعار أحد البنود، سواء أكان متعلقاً بالشبكة أو بالمحطة، ليرفعوا سعر بند آخر، فيفوزون بعرض أدنى، يعرّض الصفقة عند تنفيذها لخلل مالي، وتكون النتيجة تنفيذ جزء من المشروع، عبر تحويل الأموال من بند إلى آخر، تحت ذريعة فروقات الأسعار. غير أن هذه التعديلات لم تكن لتنجح، وفقاً للقراءة الخبيرة، لولا تواطؤ ثلاثي قائم بين المتعهد، الاستشاري ومجلس الإنماء والإعمار. وهذا ما يعزز المطالبة بتكليف جهة تدقيق مستقلة بكافة مشاريع الصرف الصحي، ودراسة دفاتر الشروط، ملفات التلزيم، محاضر الاستلام، قرارات مجلس إدارة مجلس الإنماء والإعمار ذات الصلة، الكشوفات وملفات تعديل الكميات أو الأسعار او الأعمال الإضافية، وإحالة نتائجها للنيابة العامة التمييزية وهيئة مكافحة الفساد، لتلافي مثل هذا التواطؤ في المشاريع المستقبلية، وإخضاع جميع الصفقات لرقابة الجهات المعنية ومن بينها هيئة الشراء العام. توصيات ديوان المحاسبة: إصلاحات على الورق؟ مع أن تقرير ديوان المحاسبة لم يتحدث مباشرة عن مثل هذا التواطؤ، لكنه اعتبر «أن تحديد المسؤوليات في الإنفاق المالي على مشاريع المحطات والشبكات، يستوجب تدقيقاً مالياً لكل مشروع على حدة، وذلك لترتيب المسؤوليات وفقاً للصلاحيات المناطة بكل طرف معني في المنظومة». ووجه الديوان في المقابل بوصلة تقريره نحو خطوات مستدامة وآليات مشتركة للعمل أوصى بها، لتفادي تكرار الإخفاقات، وخصوصاً بعد ما كشف عن غياب التنسيق بين الجهات المعنية بإدارة الصرف الصحي، أدى إلى ازدواجية في الأدوار وتضارب في الصلاحيات. وبانتظار أن يقلّع العهد الجديد بخطواته الإصلاحية التي يؤمل أن تشمل هذا القطاع الحيوي في لبنان، لا بد من الإضاءة المستمرة على واقع الليطاني الحالي. فبين فساد إداري متجذر، وضعف التخطيط، وضغوط النزوح، يقف نهر الليطاني اليوم على شفير كارثة بيئية وصحية تهدد مستقبل البقاع ولبنان ككل. ووفقاً للتقرير الذي وضعته المصلحة الوطنية بتصرف الديوان، في إطار صلاحياتها بتسليط الضوء على الخطر البيئي الحاصل في حوض نهر الليطاني، تقدر مساحة الأراضي الزراعية الواقعة ضمن مسافة كيلومترين على جانبي النهر بـ 8396 هكتاراً، وأكثر من 1000 هكتار منها يروى من النهر. ضغوط النزوح السوري: عبء إضافي على حوض الليطاني هذا في وقت يفاقم تواجد النازحين في منطقة حوض الليطاني الضغوطات على البنية التحتية لخدمات الصرف الصحي. إذ يقدر العدد التقريبي للنازحين المقيمين على ضفاف نهر الليطاني وروافده بـ 68645 نسمة. وقدرت كميات الصرف الصحي الناتجة عن هذه التجمعات السكانية في الحوض الأعلى بـ 2,104,655 متراً مكعباً سنوياً، و135,000 متر مكعب سنوياً في الحوض الأدنى. أعرب الديوان عن قلقه تجاه هذه الملاحظات والأرقام، وخصوصاً في ظل غياب الحوكمة، أو حتى رؤية واضحة للحل بالتعاون بين وزارة الطاقة ومؤسسات المياه والبلديات، وهذا ما اعتبر الديوان أنه يعزز فكرة انعدام النية بإيجاد حل. في المقابل أصر الديوان على مشاركة البلديات بدور أساسي في منظومة رفع التلوث عن الليطاني، وخصوصاً بظل العجز الذي تعانيه مؤسسات المياه، وأوصى بتلزيمها أشغال صيانة شبكات الصرف الصحي والجباية لصالح مؤسسات المياه لقاء عمولات. وإذ أعربت مصلحة الليطاني عن خشيتها من أن يشكل ذلك تخلّياً من قبل مؤسسات المياه عن دورها لبلديات عاجزة أساساً، ما يمكن أن يعيد عقارب الساعة إلى مرحلة العشوائية التي سادت في إدارة القطاع سابقاً، اعتبر الديوان أن سوء الإدارة في الماضي لا يجب أن يغيّب دور البلديات الأساسي في التخفيف من حدة المركزية بإدارة هذا الملف، مع ضرورة توزيع الصلاحيات وبالتالي المسؤوليات بين الأطراف المعنية من ضمن شروط ضمان الشفافية والمساءلة، على أن تعقد البلديات والحكومة ورشة عمل فعلية لإرساء هذه الإصلاحات بعد الانتخابات البلدية. #حمّل تقرير ديوان المحاسبة مسؤولية محطات التكرير التي هدرت الأموال إلى الحكومات المتعاقبة ولا سيما وزارتي الطاقة والمياه والداخلية والبلديات، وإلى مجلس الإنماء والإعمار ومؤسسات المياه.

بلديات لبنان في 'زنقة' فلا تُسرفوا في الوعود الانتخابية
بلديات لبنان في 'زنقة' فلا تُسرفوا في الوعود الانتخابية

صوت لبنان

time١٤-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • صوت لبنان

بلديات لبنان في 'زنقة' فلا تُسرفوا في الوعود الانتخابية

"كتبت لوسي بارسخيان في 'نداء الوطن': إذا أردنا أن نعرف مدى قابلية الوعود الانتخابية للتحقيق، علينا أن نعرف أولاً ماذا في صناديق البلديات وكيف تدار ميزانياتها. المعادلة بسيطة وموضوعية، وتنطبق على مجمل بلديات لبنان. قد تختلف أرقام موازناتها، إلا أن ركيزة عملها واحدة، وقائمة على طرح المشروع وتحديد كلفته أولاً، ومن ثم على توفير الموارد التي يحتاجها. وإذا كانت حالة الإفلاس في البلديات، الكلي والجزئي، أمراً واقعاً لا يمكن نكرانه، فتصبح الانتخابات واجباً دستورياً، لا بد أن تضخ الحيوية في شرايين مجالس مدد لها ثلاث مرات متتالية. لكن حذارِ الوعود 'الفضفاضة' التي قد يصطدم المنتخَبون بعدم قدرتهم على تحقيقها، فتتحول بالنسبة لناخبيهم وعوداً فارغة. 1065 هو العدد الإجمالي للبلديات التي ستشهد انتخابات على ثلاث مراحل متتالية في شهر أيار. نحو نصف هذه البلديات انهارت قيمة مخصصاتها من الصندوق البلدي المستقل والتي لا تتجاوز الـ 250 مليون ليرة، إلى نحو ثلاثة آلاف دولار تقريباً، وفقاً لإحصاءات الدولية للمعلومات. هذا في وقت باتت حصة البلديات الكبرى من هذا الصندوق، مجرد فتات من ميزانياتها التي حلقت إلى مئات مليارات الليرات. أما الوفر فيكاد يكون معدوماً في معظم صناديق البلديات الخاصة. وهذا ما يضع المجالس المنتخبة في السنة الأولى من استلامها مهامها، في مواجهة مع تداعيات الأزمة المالية المستمرة، لتفرض على تقليعتها ميزانية المجالس السابقة، والمفصلة في معظمها على قياس تأمين نظافة المدن ومعالجة نفاياتها، بالإضافة إلى دفع رواتب الموظفين. مع تطلع لأن تترافق ولاية المجالس التي ستمتد ست سنوات، مع إصلاحات تعيد التوازن المفقود سواء في ماليات البلديات أو في آليات عملها وكوادرها الوظيفية. فماذا عن نفقات البلديات ووارداتها؟ وما هو حجم الوفر في صناديقها، وبأي كوادر بشرية تدار البلديات؟ بين الطموحات والعجز… الصدمة آتية ثلاثة نماذج اختارتها 'نداء الوطن'، تشعبت إجابات رؤساء البلديات من خلالها، نحو تسليط الضوء على حجم الضغوطات التي تعانيها، والتي لا بد أن تخلف تداعياتها على أولى خطوات المجالس المنتخبة في المرحلة المقبلة. يجمع رؤساء بلديات مدن كبرى كما البلديات الصغرى على أن نحو ستين في المئة من وارداتهم تنفق في سبيل تسديد رواتب الموظفين التي على رغم تدني قيمتها بالنسبة للموظف، تضخم حجمها بالنسبة لميزانية البلديات. هذا في وقت فتح قرار الحكومة بمنع التوظيفات في القطاع العام منذ عام 2019، باب التدخلات السياسية في تمرير عقود وظيفية حرة، شكلت امتيازاً للبلديات المدعومة، لكنها أتخمت بلدياتها بما يفوق إمكانياتها المالية، فكان ذلك عاملاً من عوامل إفشالها وفقاً لما يقوله محمد أيوب رئيس جمعية 'نحن' التي عملت على تنظيم ورش عمل عديدة ناقشت شؤون البلديات وسبل تطوير عملها. في مقابل عرقلة ملفات بلديات أخرى، فرغت كوادرها، وكان ذلك أيضا سبباً من أسباب فشلها الذي أدى إلى حلها، وفقا لما يشكو منه محافظون انتقلت إليهم مسؤوليات إدارتها. يشكل قصور البلديات على أبواب انتخاباتها مادة استثمار دسم في السباق الانتخابي إلى مجالسها. ولكن 'تكبير حجر الوعود' لن يكون صحياً في الحفاظ على مصداقية المنتخَبين، من هنا يكاشف رئيس بلدية المختارة واتحاد بلديات الشوف روجيه العشي المتحمسين لخوض المعركة 'بأن صدمتهم وناخبيهم ستكون كبيرة متى تسلموا المهمة'. بالنسبة لأيوب 'ليست المشكلة في الوعود. فهي تبقى دون حجم صلاحيات البلديات الحقيقية. وهذه الصلاحيات ترتبط بكل منفعة عامة بيئية، صناعية، زراعية، اجتماعية، ثقافية، ديموغرافية وغيرها'. إلا أنه في ظل الواقع الاقتصادي الذي يعيشه لبنان 'تبقى العين بصيرة واليد قصيرة' وهذا ما يجعل الموازنات الموضوعة لإدارتها مجرد التفاف على مالياتها لتأمين صمودها ولو بالحدّ الأدنى. بلدية طرابلس: أزمة عملاقة بلدية طرابلس ثاني أكبر مدن لبنان، تشكل نموذجاً جيداً لما طرح. عبء بلديتها المالي الكبير، يدفع برئيس مجلسها الحالي رياض يمق إلى مكاشفة صريحة، بأن كل الوفر المحقق في صندوقها، لا يغطي كلفة رواتب الموظفين لشهرين. ينتقد يمق البيروقراطية والمركزية الحادة التي منعت البلديات حتى من محاولة إنقاذ أموالها المدخرة قبل الأزمة، سواء عبر تبديلها بدولارات أو شراء العقارات. 600 موظف في بلدية طرابلس. وهي بالتالي أكبر بلدية من حيث كادرها البشري. ونصف الكادر من الشرطة، بينما نصف عددهم تخطى سن الـ 55 وبالتالي فإن نطاق البلدية الواسع يتطلب مزيداً من التوظيفات. وانطلاقاً من هنا انصبت جهود البلدية في موازنة عام 2025 على تأمين رواتب الموظفين، بعد أن حددت ميزانيتها بـ 600 مليار ليرة، 300 منها تذهب مباشرة لتسديد الرواتب، و300 تتضمن نفقات أساسية أخرى ومن ضمنها اشتراكات الضمان الاجتماعي ورسوم الطبابة والاستشفاء وبعض المصاريف التشغيلية والأعمال الطارئة كتنظيف المجاري أو سد جور وغيرها. من هنا لا يعِد رئيس البلدية بأي وفر في صندوق البلدية، لكنه على الأقل كما يقول 'سيسلم المجلس المقبل مدينة خالية من العشوائيات التي بوشر بإزالتها بعد ثلاثين سنة من غض النظر عنها'. بلدية زحلة في 'زنقة'… والتوازن على الحافة منذ عام 2019 تعمل البلديات بموازنات افتراضية، تتوقع مشاريع، تبقى ترجمتها عملياً محفوفة بمعوقات، أبرزها ما يتعلق بالقدرة على تأمين واردات موازية فعلياً لنفقاتها. وعليه يقول رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب 'إن هذا الواقع حتم علينا أن نتقشف بنفقاتنا كما كل عائلة تمر 'بزنقة''. أربعة وأربعون مليار ليرة كانت ميزانية بلدية زحلة عام 2019، وهي ارتفعت حالياً إلى ما يفوق الـ 800 مليار ليرة أي نحو عشرين ضعفاً. إلا أن مبدأ الحفاظ على توازنها المالي، حصر نفقاتها بتسديد رواتب الموظفين، وتأمين الإدارة السليمة للنفايات، خصوصا في المطمر الصحي ومعمل الفرز التابع له. تجنّب التوظيفات الفضفاضة لم يكن خياراً بلدياً فقط، إنما أيضا لكون البلدية حيّدت إدارتها عن التدخلات السياسية، حتى لو كسبت عداوتها. إلا أن كادرها الوظيفي، شغر في ثلاث دوائر أساسية بسبب تقاعد موظفيها، وهي الدائرة المالية، الدائرة الإدارية والدائرة الفنية، علماً 'أن النقص في الكادر الوظيفي ببلدية زحلة يصل وفقاً لزغيب إلى 50 في المئة، والمطلوب برأيه ملأه بالكفاءات لا بالمحسوبيات من ضمن امتحانات شفافة تجرى عبر مجلس الخدمة المدنية'. يتحدث زغيب في المقابل عن وفر في خزينة البلدية التي سيتسلمها المجلس المقبل مع 135 مليار ليرة. ولكن لا تغالوا بالتفاؤل، فكلفة معالجة طن النفايات في مطمر زحلة الصحي، من دون احتساب كلفة استعادة مبالغ الاستثمار تتراوح بين 35 و40 دولارا. ويصل مجمل الكلفة النهائية لإدارة هذا المطمر مع تأمين نظافة المدينة من كنس وجمع ونقل إلى 137 مليار ليرة سنوياً. 'المختارة' الوفرة استثناء لا قاعدة لا يختلف هذا الواقع طبعاً في بلديات لبنان الأخرى، وبحسب روجيه العشي فإن معظم صناديق بلديات الاتحاد مفلسة وكذلك كوادرها الوظيفية. من هنا يستنتج 'أنه على الرغم من تحمل البلديات مسؤوليات الدولة في كافة الميادين الخدماتية والإنمائية منذ بدء الأزمة المالية، فهي ليست مؤسسات بالمعنى الفعلي. فبعض البلديات يدار من خلال رئيس البلدية والشرطي البلدي وحده، وبعضها بالكاد فيه موظف أو اثنين. وبالتالي بقيت البلديات واقفة على رجليها بفضل جهود رؤسائها، وتوظيف الخبرات والعلاقات في المصلحة العامة'. يبدو العشي مرتاحا لكون بلديته 'المختارة' من بين بلديات قليلة ستترك وفرا بمبلغ 800 مليون ليرة في صندوقها، وقد جمع هذا المبلغ بجهد شخصي، إلى جانب تفاعل أبناء بلدته معه، وهذا ما سمح بفرض ضرائب إضافية فاقت معدلات الزيادة التي أقرت من ضمن ميزانية عام 2024 على رسم القيمة التأجيرية. فهل تستمر 'قبة الباط' هذه للمرحلة المقبلة؟ الجباية بالليرة والنفقات بالدولار: وصفة مضمونة للعجز ضاعفت موازنة عام 2024 رسوم القيم التأجيرية عشر مرات للوحدات السكنية وخمسة عشر ضعفا لغير السكنية، لكنها بحسب رؤساء البلديات لم تأت سوى بحل ترقيعي لماليات البلديات. وهي برأيهم لم تواكب حجم التضخم الذي حصل، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من المنازل مكلف بالأساس بمبالغ صغيرة. يشرح زغيب، أنه في زحلة مثلاً هناك 45 في المئة من البيوت التي لم تكن تدفع أكثر من 30 ألف ليرة سنوياً وذلك كان يوازي الـ 20 دولارً سابقاً. مع مضاعفة الرقم عشر مرات، بقي دون الحد الأدنى المسموح به لقيمة التكليف، لذلك رفع المبلغ إلى 600 ألف ليرة، أي ما يوازي سبعة دولارات فقط. 'المشكل الكبير الذي أوقع معظم البلديات في عجز 'هو في أن معظم جباية البلديات هي بالعملة اللبنانية بينما نفقاتها بالدولار، وهنا تبرز الهوة الكبيرة في ميزانيات البلديات' وفقا لمحافظ البقاع كمال أبو جودة. هذا في وقت يجمع رؤساء البلديات على أن الدولة لم تبذل جهداً لتحسين مداخيل البلديات. حتى أن وعودها بتمكين البلديات خلال فترة التمديد لها، بقيت حبراً على ورق. فتخاذلت عن تأمين تغطية قانونية لتحصيل نفقات معالجة النفايات على قاعدة 'الملوث يدفع' العالمية، فبقي هذا الطرح قيد الدرس طيلة فترة الأزمة المالية. وهي أيضاً صمت آذانها على مطالبات البلديات بتعديل قيمة المبالغ المستحقة لها من الصندوق البلدي المستقل بما يتناسب مع الارتفاع الكبير لسعر الدولار، فاستمرت بتسديد آخر المبالغ المستحقة عن عام 2022 على تسعيرة 1500 ليرة للدولار. بالمقابل أعفت السلطة المركزية المكلفين من موجب الاستحصال على شهادة 'براءة الذمة' التي تمنح من البلديات، فحرمت البلديات من فرصة إلزام المكلفين بتسديد مستحقاتهم قبل الحصول على هذه الشهادة. حلول مرحلية… لا أرض صلبة الإيجابية التي سادت خلال هذه المرحلة، كانت في مسارعة المكلفين لتسديد المتأخرات مع غراماتها إثر انهيار قيمة الليرة، بالإضافة إلى فورة البناء التي زادت عدد رخص البناء المطلوبة من البلديات، وهذا ما أمن موارد سمحت للبلديات بتغطية نفقاتها الأساسية، لكن كل هذا لم يحقق لها التوازن المالي المستدام الذي يسمح بوضع المشاريع والرؤى المستقبلية لتطور المدن. إنطلاقا مما ذكر يعتبر زغيب أن المهمة الأساسية للمجالس المقبلة ورؤسائها، يجب أن تكون إعادة التوازن المالي للبلديات، وهذا يتحقق من خلال إجراء تخمينات جديدة للوحدات السكنية، تؤمن العدالة بين المواطنين في تسديد رسوم القيم التأجيرية، وترفع هذه الرسوم إلى مستوياتها الموضوعية، وإنما بشكل تصاعدي لا يلقي عبئاً كبيراً على كاهل المواطنين. وإلا كما يقول زغيب 'سيبقى الواقع على ما هو عليه وستبقى البلديات دون مستوى طموحات أبنائها'. معولاً على العقلية الإصلاحية التي انطلق معها العهد الجديد. التشاركية في تذليل البيروقراطية غير أن المال ليس وحده ما يحجّم طموحات البلديات، وإنما أيضا بيروقراطية معقدة تصادر صلاحيات البلديات، وتحاول تقليصها من خلال لامركزية حادة، تمارسها السلطة السياسية، في محاولة لإبقاء البلديات تحت عباءتها. والسبب كما يقول أيوب 'أن الطبقة السياسية تخشى أن تتحول البلدية مصنعاً لقيادات سياسية جديدة، لذلك تتجنب تقوية المؤسسات، وتسعى لإبقاء خدماتها محصورة بيد الزعيم'. مع أن معظم الناس واعون لهذه الحقيقة فإن ذهنية 'أي عائلة أكبر من الثانية ومَن زعيمه أقوى' لم تتبدل في إدارة المعارك الانتخابية في معظم القرى والتنافس ليس على الخدمة فعلياً' وفقاً لما قاله العشي. وهذا ما يعزز فرص وصول العناصر غير الكفوءة إلى المجالس، ويرسخ القناعات بالتالي بأن الوعود لن تكون بالضرورة صادقة. هذا الواقع وفقا لأيوب 'يتطلب وعياً أكبر من المجتمعات الناخبة، لإيصال مجالس بلدية موثوقة بسمعتها ورغبتها التشاركية مع المجتمع، هذه التشاركية أساسية في تذليل العقبات والبيروقراطيات، شرط ألّا يعتبر الناخب أن مهمته تنته عند وضع صوته في صندوق الانتخابات'. في المقابل يشدد محافظ البقاع كمال أبو جودة على أهمية تطور بعض المعايير بما يحمي البلديات من مخاطر الفشل. إذ لا يجوز برأيه أن تكون بلديات العام 2025 خاضعة لقانون وضع منذ عام 1977 وعدل – منذ ذاك الحين – مرة واحد، وهو لا يشترط بالمرشح سواء لعضوية المجلس البلدي ورئاستها أو للمخترة مثلاً، سوى أن يكون ملماً بالقراءة والكتابة، بينما سائر القوانين التي ترعى شؤون البلديات وشفافيتها كقانون الشراء العام، في تطور مستمر وتتطلب فهماً واستيعاباً يفوق قدرة من يقرأ ويكتب فقط. الورشة كبيرة أمام البلديات، كذلك التحديات. وفي ظل الانهيارات المالية التي يعانيها لبنان يعتبر أيوب 'أن الأولية المشتركة للمجالس المنتخبة أيا كانت مشاريعها، يجب أن تبقى في الحفاظ على الإنسان والأرض وقيمتها الإجتماعية والثقافية والإقتصادية'. من هنا دعوته إلى' أن يكون للمدن مخططات توجيهية تضمن استخدام الموارد في التنمية المحلية. وعندما يصبح لدى البلديات هذا الوعي في فهم قيمة الأرض وقيمة الإنسان، فإن مشاريعها ستصب حتماً في مصلحة مدنها، وهذا أفضل مشروع يمكن أن تنجزه أي بلدية'.

بلديات لبنان في 'زنقة' فلا تُسرفوا في الوعود الانتخابية
بلديات لبنان في 'زنقة' فلا تُسرفوا في الوعود الانتخابية

IM Lebanon

time١٤-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • IM Lebanon

بلديات لبنان في 'زنقة' فلا تُسرفوا في الوعود الانتخابية

كتبت لوسي بارسخيان في 'نداء الوطن': إذا أردنا أن نعرف مدى قابلية الوعود الانتخابية للتحقيق، علينا أن نعرف أولاً ماذا في صناديق البلديات وكيف تدار ميزانياتها. المعادلة بسيطة وموضوعية، وتنطبق على مجمل بلديات لبنان. قد تختلف أرقام موازناتها، إلا أن ركيزة عملها واحدة، وقائمة على طرح المشروع وتحديد كلفته أولاً، ومن ثم على توفير الموارد التي يحتاجها. وإذا كانت حالة الإفلاس في البلديات، الكلي والجزئي، أمراً واقعاً لا يمكن نكرانه، فتصبح الانتخابات واجباً دستورياً، لا بد أن تضخ الحيوية في شرايين مجالس مدد لها ثلاث مرات متتالية. لكن حذارِ الوعود 'الفضفاضة' التي قد يصطدم المنتخَبون بعدم قدرتهم على تحقيقها، فتتحول بالنسبة لناخبيهم وعوداً فارغة. 1065 هو العدد الإجمالي للبلديات التي ستشهد انتخابات على ثلاث مراحل متتالية في شهر أيار. نحو نصف هذه البلديات انهارت قيمة مخصصاتها من الصندوق البلدي المستقل والتي لا تتجاوز الـ 250 مليون ليرة، إلى نحو ثلاثة آلاف دولار تقريباً، وفقاً لإحصاءات الدولية للمعلومات. هذا في وقت باتت حصة البلديات الكبرى من هذا الصندوق، مجرد فتات من ميزانياتها التي حلقت إلى مئات مليارات الليرات. أما الوفر فيكاد يكون معدوماً في معظم صناديق البلديات الخاصة. وهذا ما يضع المجالس المنتخبة في السنة الأولى من استلامها مهامها، في مواجهة مع تداعيات الأزمة المالية المستمرة، لتفرض على تقليعتها ميزانية المجالس السابقة، والمفصلة في معظمها على قياس تأمين نظافة المدن ومعالجة نفاياتها، بالإضافة إلى دفع رواتب الموظفين. مع تطلع لأن تترافق ولاية المجالس التي ستمتد ست سنوات، مع إصلاحات تعيد التوازن المفقود سواء في ماليات البلديات أو في آليات عملها وكوادرها الوظيفية. فماذا عن نفقات البلديات ووارداتها؟ وما هو حجم الوفر في صناديقها، وبأي كوادر بشرية تدار البلديات؟ بين الطموحات والعجز… الصدمة آتية ثلاثة نماذج اختارتها 'نداء الوطن'، تشعبت إجابات رؤساء البلديات من خلالها، نحو تسليط الضوء على حجم الضغوطات التي تعانيها، والتي لا بد أن تخلف تداعياتها على أولى خطوات المجالس المنتخبة في المرحلة المقبلة. يجمع رؤساء بلديات مدن كبرى كما البلديات الصغرى على أن نحو ستين في المئة من وارداتهم تنفق في سبيل تسديد رواتب الموظفين التي على رغم تدني قيمتها بالنسبة للموظف، تضخم حجمها بالنسبة لميزانية البلديات. هذا في وقت فتح قرار الحكومة بمنع التوظيفات في القطاع العام منذ عام 2019، باب التدخلات السياسية في تمرير عقود وظيفية حرة، شكلت امتيازاً للبلديات المدعومة، لكنها أتخمت بلدياتها بما يفوق إمكانياتها المالية، فكان ذلك عاملاً من عوامل إفشالها وفقاً لما يقوله محمد أيوب رئيس جمعية 'نحن' التي عملت على تنظيم ورش عمل عديدة ناقشت شؤون البلديات وسبل تطوير عملها. في مقابل عرقلة ملفات بلديات أخرى، فرغت كوادرها، وكان ذلك أيضا سبباً من أسباب فشلها الذي أدى إلى حلها، وفقا لما يشكو منه محافظون انتقلت إليهم مسؤوليات إدارتها. يشكل قصور البلديات على أبواب انتخاباتها مادة استثمار دسم في السباق الانتخابي إلى مجالسها. ولكن 'تكبير حجر الوعود' لن يكون صحياً في الحفاظ على مصداقية المنتخَبين، من هنا يكاشف رئيس بلدية المختارة واتحاد بلديات الشوف روجيه العشي المتحمسين لخوض المعركة 'بأن صدمتهم وناخبيهم ستكون كبيرة متى تسلموا المهمة'. بالنسبة لأيوب 'ليست المشكلة في الوعود. فهي تبقى دون حجم صلاحيات البلديات الحقيقية. وهذه الصلاحيات ترتبط بكل منفعة عامة بيئية، صناعية، زراعية، اجتماعية، ثقافية، ديموغرافية وغيرها'. إلا أنه في ظل الواقع الاقتصادي الذي يعيشه لبنان 'تبقى العين بصيرة واليد قصيرة' وهذا ما يجعل الموازنات الموضوعة لإدارتها مجرد التفاف على مالياتها لتأمين صمودها ولو بالحدّ الأدنى. بلدية طرابلس: أزمة عملاقة بلدية طرابلس ثاني أكبر مدن لبنان، تشكل نموذجاً جيداً لما طرح. عبء بلديتها المالي الكبير، يدفع برئيس مجلسها الحالي رياض يمق إلى مكاشفة صريحة، بأن كل الوفر المحقق في صندوقها، لا يغطي كلفة رواتب الموظفين لشهرين. ينتقد يمق البيروقراطية والمركزية الحادة التي منعت البلديات حتى من محاولة إنقاذ أموالها المدخرة قبل الأزمة، سواء عبر تبديلها بدولارات أو شراء العقارات. 600 موظف في بلدية طرابلس. وهي بالتالي أكبر بلدية من حيث كادرها البشري. ونصف الكادر من الشرطة، بينما نصف عددهم تخطى سن الـ 55 وبالتالي فإن نطاق البلدية الواسع يتطلب مزيداً من التوظيفات. وانطلاقاً من هنا انصبت جهود البلدية في موازنة عام 2025 على تأمين رواتب الموظفين، بعد أن حددت ميزانيتها بـ 600 مليار ليرة، 300 منها تذهب مباشرة لتسديد الرواتب، و300 تتضمن نفقات أساسية أخرى ومن ضمنها اشتراكات الضمان الاجتماعي ورسوم الطبابة والاستشفاء وبعض المصاريف التشغيلية والأعمال الطارئة كتنظيف المجاري أو سد جور وغيرها. من هنا لا يعِد رئيس البلدية بأي وفر في صندوق البلدية، لكنه على الأقل كما يقول 'سيسلم المجلس المقبل مدينة خالية من العشوائيات التي بوشر بإزالتها بعد ثلاثين سنة من غض النظر عنها'. بلدية زحلة في 'زنقة'… والتوازن على الحافة منذ عام 2019 تعمل البلديات بموازنات افتراضية، تتوقع مشاريع، تبقى ترجمتها عملياً محفوفة بمعوقات، أبرزها ما يتعلق بالقدرة على تأمين واردات موازية فعلياً لنفقاتها. وعليه يقول رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب 'إن هذا الواقع حتم علينا أن نتقشف بنفقاتنا كما كل عائلة تمر 'بزنقة''. أربعة وأربعون مليار ليرة كانت ميزانية بلدية زحلة عام 2019، وهي ارتفعت حالياً إلى ما يفوق الـ 800 مليار ليرة أي نحو عشرين ضعفاً. إلا أن مبدأ الحفاظ على توازنها المالي، حصر نفقاتها بتسديد رواتب الموظفين، وتأمين الإدارة السليمة للنفايات، خصوصا في المطمر الصحي ومعمل الفرز التابع له. تجنّب التوظيفات الفضفاضة لم يكن خياراً بلدياً فقط، إنما أيضا لكون البلدية حيّدت إدارتها عن التدخلات السياسية، حتى لو كسبت عداوتها. إلا أن كادرها الوظيفي، شغر في ثلاث دوائر أساسية بسبب تقاعد موظفيها، وهي الدائرة المالية، الدائرة الإدارية والدائرة الفنية، علماً 'أن النقص في الكادر الوظيفي ببلدية زحلة يصل وفقاً لزغيب إلى 50 في المئة، والمطلوب برأيه ملأه بالكفاءات لا بالمحسوبيات من ضمن امتحانات شفافة تجرى عبر مجلس الخدمة المدنية'. يتحدث زغيب في المقابل عن وفر في خزينة البلدية التي سيتسلمها المجلس المقبل مع 135 مليار ليرة. ولكن لا تغالوا بالتفاؤل، فكلفة معالجة طن النفايات في مطمر زحلة الصحي، من دون احتساب كلفة استعادة مبالغ الاستثمار تتراوح بين 35 و40 دولارا. ويصل مجمل الكلفة النهائية لإدارة هذا المطمر مع تأمين نظافة المدينة من كنس وجمع ونقل إلى 137 مليار ليرة سنوياً. 'المختارة' الوفرة استثناء لا قاعدة لا يختلف هذا الواقع طبعاً في بلديات لبنان الأخرى، وبحسب روجيه العشي فإن معظم صناديق بلديات الاتحاد مفلسة وكذلك كوادرها الوظيفية. من هنا يستنتج 'أنه على الرغم من تحمل البلديات مسؤوليات الدولة في كافة الميادين الخدماتية والإنمائية منذ بدء الأزمة المالية، فهي ليست مؤسسات بالمعنى الفعلي. فبعض البلديات يدار من خلال رئيس البلدية والشرطي البلدي وحده، وبعضها بالكاد فيه موظف أو اثنين. وبالتالي بقيت البلديات واقفة على رجليها بفضل جهود رؤسائها، وتوظيف الخبرات والعلاقات في المصلحة العامة'. يبدو العشي مرتاحا لكون بلديته 'المختارة' من بين بلديات قليلة ستترك وفرا بمبلغ 800 مليون ليرة في صندوقها، وقد جمع هذا المبلغ بجهد شخصي، إلى جانب تفاعل أبناء بلدته معه، وهذا ما سمح بفرض ضرائب إضافية فاقت معدلات الزيادة التي أقرت من ضمن ميزانية عام 2024 على رسم القيمة التأجيرية. فهل تستمر 'قبة الباط' هذه للمرحلة المقبلة؟ الجباية بالليرة والنفقات بالدولار: وصفة مضمونة للعجز ضاعفت موازنة عام 2024 رسوم القيم التأجيرية عشر مرات للوحدات السكنية وخمسة عشر ضعفا لغير السكنية، لكنها بحسب رؤساء البلديات لم تأت سوى بحل ترقيعي لماليات البلديات. وهي برأيهم لم تواكب حجم التضخم الذي حصل، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من المنازل مكلف بالأساس بمبالغ صغيرة. يشرح زغيب، أنه في زحلة مثلاً هناك 45 في المئة من البيوت التي لم تكن تدفع أكثر من 30 ألف ليرة سنوياً وذلك كان يوازي الـ 20 دولارً سابقاً. مع مضاعفة الرقم عشر مرات، بقي دون الحد الأدنى المسموح به لقيمة التكليف، لذلك رفع المبلغ إلى 600 ألف ليرة، أي ما يوازي سبعة دولارات فقط. 'المشكل الكبير الذي أوقع معظم البلديات في عجز 'هو في أن معظم جباية البلديات هي بالعملة اللبنانية بينما نفقاتها بالدولار، وهنا تبرز الهوة الكبيرة في ميزانيات البلديات' وفقا لمحافظ البقاع كمال أبو جودة. هذا في وقت يجمع رؤساء البلديات على أن الدولة لم تبذل جهداً لتحسين مداخيل البلديات. حتى أن وعودها بتمكين البلديات خلال فترة التمديد لها، بقيت حبراً على ورق. فتخاذلت عن تأمين تغطية قانونية لتحصيل نفقات معالجة النفايات على قاعدة 'الملوث يدفع' العالمية، فبقي هذا الطرح قيد الدرس طيلة فترة الأزمة المالية. وهي أيضاً صمت آذانها على مطالبات البلديات بتعديل قيمة المبالغ المستحقة لها من الصندوق البلدي المستقل بما يتناسب مع الارتفاع الكبير لسعر الدولار، فاستمرت بتسديد آخر المبالغ المستحقة عن عام 2022 على تسعيرة 1500 ليرة للدولار. بالمقابل أعفت السلطة المركزية المكلفين من موجب الاستحصال على شهادة 'براءة الذمة' التي تمنح من البلديات، فحرمت البلديات من فرصة إلزام المكلفين بتسديد مستحقاتهم قبل الحصول على هذه الشهادة. حلول مرحلية… لا أرض صلبة الإيجابية التي سادت خلال هذه المرحلة، كانت في مسارعة المكلفين لتسديد المتأخرات مع غراماتها إثر انهيار قيمة الليرة، بالإضافة إلى فورة البناء التي زادت عدد رخص البناء المطلوبة من البلديات، وهذا ما أمن موارد سمحت للبلديات بتغطية نفقاتها الأساسية، لكن كل هذا لم يحقق لها التوازن المالي المستدام الذي يسمح بوضع المشاريع والرؤى المستقبلية لتطور المدن. إنطلاقا مما ذكر يعتبر زغيب أن المهمة الأساسية للمجالس المقبلة ورؤسائها، يجب أن تكون إعادة التوازن المالي للبلديات، وهذا يتحقق من خلال إجراء تخمينات جديدة للوحدات السكنية، تؤمن العدالة بين المواطنين في تسديد رسوم القيم التأجيرية، وترفع هذه الرسوم إلى مستوياتها الموضوعية، وإنما بشكل تصاعدي لا يلقي عبئاً كبيراً على كاهل المواطنين. وإلا كما يقول زغيب 'سيبقى الواقع على ما هو عليه وستبقى البلديات دون مستوى طموحات أبنائها'. معولاً على العقلية الإصلاحية التي انطلق معها العهد الجديد. التشاركية في تذليل البيروقراطية غير أن المال ليس وحده ما يحجّم طموحات البلديات، وإنما أيضا بيروقراطية معقدة تصادر صلاحيات البلديات، وتحاول تقليصها من خلال لامركزية حادة، تمارسها السلطة السياسية، في محاولة لإبقاء البلديات تحت عباءتها. والسبب كما يقول أيوب 'أن الطبقة السياسية تخشى أن تتحول البلدية مصنعاً لقيادات سياسية جديدة، لذلك تتجنب تقوية المؤسسات، وتسعى لإبقاء خدماتها محصورة بيد الزعيم'. مع أن معظم الناس واعون لهذه الحقيقة فإن ذهنية 'أي عائلة أكبر من الثانية ومَن زعيمه أقوى' لم تتبدل في إدارة المعارك الانتخابية في معظم القرى والتنافس ليس على الخدمة فعلياً' وفقاً لما قاله العشي. وهذا ما يعزز فرص وصول العناصر غير الكفوءة إلى المجالس، ويرسخ القناعات بالتالي بأن الوعود لن تكون بالضرورة صادقة. هذا الواقع وفقا لأيوب 'يتطلب وعياً أكبر من المجتمعات الناخبة، لإيصال مجالس بلدية موثوقة بسمعتها ورغبتها التشاركية مع المجتمع، هذه التشاركية أساسية في تذليل العقبات والبيروقراطيات، شرط ألّا يعتبر الناخب أن مهمته تنته عند وضع صوته في صندوق الانتخابات'. في المقابل يشدد محافظ البقاع كمال أبو جودة على أهمية تطور بعض المعايير بما يحمي البلديات من مخاطر الفشل. إذ لا يجوز برأيه أن تكون بلديات العام 2025 خاضعة لقانون وضع منذ عام 1977 وعدل – منذ ذاك الحين – مرة واحد، وهو لا يشترط بالمرشح سواء لعضوية المجلس البلدي ورئاستها أو للمخترة مثلاً، سوى أن يكون ملماً بالقراءة والكتابة، بينما سائر القوانين التي ترعى شؤون البلديات وشفافيتها كقانون الشراء العام، في تطور مستمر وتتطلب فهماً واستيعاباً يفوق قدرة من يقرأ ويكتب فقط. الورشة كبيرة أمام البلديات، كذلك التحديات. وفي ظل الانهيارات المالية التي يعانيها لبنان يعتبر أيوب 'أن الأولية المشتركة للمجالس المنتخبة أيا كانت مشاريعها، يجب أن تبقى في الحفاظ على الإنسان والأرض وقيمتها الإجتماعية والثقافية والإقتصادية'. من هنا دعوته إلى' أن يكون للمدن مخططات توجيهية تضمن استخدام الموارد في التنمية المحلية. وعندما يصبح لدى البلديات هذا الوعي في فهم قيمة الأرض وقيمة الإنسان، فإن مشاريعها ستصب حتماً في مصلحة مدنها، وهذا أفضل مشروع يمكن أن تنجزه أي بلدية'.

سقوط الأسد يفقد 'الحزب' امتيازاته الحدودية
سقوط الأسد يفقد 'الحزب' امتيازاته الحدودية

IM Lebanon

time٢٥-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • IM Lebanon

سقوط الأسد يفقد 'الحزب' امتيازاته الحدودية

كتبت لوسي بارسخيان في 'نداء الوطن': لم يكن التدهور الأمنيّ الذي شهدته الحدود اللبنانية الشرقية لجهة منطقة حوش السيد علي في الأسبوع الماضي تفصيلاً، ولا هي أيضاً إجراءات السلطات اللبنانية السريعة التي تلته. بل جاءت هذه الأحداث المتسارعة في سياق تاريخيّ، يصعب معه قبول ادّعاءات الجانب السوري بأنه تاه عن الخرائط المرسّمة لحدود بلاده عندما سيطر على الجزء اللبناني من البلدة لساعات معدودة. كما أنه يجعل من السذاجة التسليم بأنّ تدخّل الجيش لاسترداد البلدة 'المحتلة' فوراً، ليس سوى تدبيرٍ أمنيّ لتدارك مزيد من إشكالات المهرّبين. فهل تؤسّس قافلة ملالات الشرعية العسكرية التي شقّت طريقها إلى الحدود الشرقية، خطوة أولى باتجاه نزع السلاح من شمال الليطاني؟ الحوش اليوم تحت المجهر، فلنراقب وننتظر. لطالما كانت مساحة الحدود الشاسعة الفاصلة بين لبنان وسوريا في منطقة الهرمل تحديداً، مغرية لتجّار الحدود. وهذا ما جعلها في نشاط دائم، تناغم من خلاله مهرّبو البلدين لفترة طويلة، ونوّعوا بضائعهم المهرّبة طبقاً لتبدّل حاجات الجارين. غير أنّ ذروة هذا النشاط التجاري، غير الشرعي، برزت في ثمانينات القرن الماضي. وحينها اكتسب حوش السيد علي شهرته، كـ port أو مرفأ جاف، أمّن انتقالاً سهلاً للبضائع على طرفي الحدود. فكان المهرّبون يبيعون سوريا مواد غذائية وإلكترونيات وأدوات كهربائية، في مقابل استقدامهم المازوت والغاز. وبدا إبداعهم خارقاً في الالتفاف على كل محاولات الردع الأمنية، حتى عندما ثبّت الجيش حواجزه التابعة لفوج الحدود على فم الحوش ومشارفها. فلم يُغلَق منفذ غير شرعي في البلدة، وخصوصاً من تلك المنافذ التي تتمتّع بأهميّة استراتيجية. دور استراتيجي موازٍ للدور التجاري منذ الأسبوع الأول من شهر نيسان 2013، صارت حركة التنقل 'غير الشرعي' بين البلدين عبر ممرّات الحوش والقصر أكثر استراتيجية. فقد تورّط 'حزب اللّه' إلى جانب نظام الأسد في المعركة التي شنّها ضد القوات المعارضة له في محافظة حمص، وكان دوره جلياً في مساندته بعمليات قطع طريق الإمداد الرئيسي للجيش السوري الحرّ والمتمرّدين على النظام، الذين تعرّضوا، مدنيين ومقاتلين، لعملية تهجير واسعة من منطقة القصير ومختلف قراها. فائض القوة الذي تمتّع به 'حزب اللّه' على حدود المنطقة خلال هذه المرحلة فرض أمراً واقعاً، عزّز دور معابره غير الشرعية، كخطوط إمداد لوجستي للمعارك التي خيضت من ضمن المحور الإيراني في مساندة نظام بشار الأسد. في معرض 'حرب الإسناد' التي خاضها 'حزب اللّه' إلى جانب نظام الأسد، كانت زيارة استطلاع ميدانية صحافية خاصة للمنطقة. فظهرت حينها حوش السيد علي كما منطقة القصر الملاصقة، كـ NO MAN'S LAND. لم يكن ذلك بسبب غياب كل مظاهر الدولة عنهما، وحتى تلك الخجولة التي كانت سابقاً توحي بسيطرة شرعية ما على المعابر غير الشرعية، إنما بسبب الحركة المريبة التي أحاطت بسكانها غير المرحّبين بأيّ غريب في بلدتهم. فتحوّل هؤلاء جميعاً مخبرين لـ 'حزب اللّه'، الذي أضيفت إلى مهام عناصره مرافقة زائر المنطقة وإبقاؤه تحت المراقبة حتى اصطحابه إلى خارجها. السيّارات التي كانت تجوب طرقات الحوش مع لوحات محجوبة وزجاج داكن حينها، جزمت بتحوّل المحيط إلى منطقة عمليات مخابراتية حزبية، وسط بيئة حامية، وفّرت الانتقال السهل للمقاتلين مع أسلحتهم. فبدا واضحاً أن دور البلدة الجيوسياسي- الأمني أصبح أكبر بكثير من دورها في التجارة غير الشرعية، وأبعد من مساحتها الممتدّة على عشرين كيلومتراً من الأراضي اللبنانية. وهذا ما أثبتته أيضاً الأحداث اللاحقة. بيئة حاضنة للسلاح والمخدّرات مع توسّع نفوذ 'حزب اللّه' في الطرف السوري من الحدود، منع على أهالي منطقة القصير السورية تفقّد ممتلكاتهم التي سيطر 'حزب اللّه' على جزء كبير منها، فدفع بهؤلاء باتجاه بلدة عرسال ومنطقة مشاريع القاع اللبنانيتين. لأعوام، اقتنع النازحون السوريون من محافظة حمص، أنّ عودتهم إلى قراهم صارت مستحيلة، ولم يكن أحد يقدر على تبديل المعادلات بهذه السهولة بعد أكثر من عشر سنوات على هجرتهم القسرية. السيطرة الأمنية ترافقت أيضاً مع سيطرة على الحركة التجارية للحدود، التي لزّمت للبيئة الحاضنة، وبدت في تماهٍ تامّ مع جيش نظام الأسد. وانسحب هذا التعاون في عمليات نوعية غير شرعية، احتضنت من خلالها البيئة أيضاً معامل تصنيع المخدّرات النازحة من الداخل السوري، وأحاطتها بسلاح سمّي 'سلاح العشائر' التي حمت 'الموبقات' مقابل غضّ النظر عن كل نشاط موازٍ أمّن الأرباح لمهرّبين احتموا أيضاً بعباءة العشائر. إلّا أن الأخطر كان في الدور الذي لعبته منطقة الحوش ومعابرها غير الشرعية في هدر ودائع اللبنانيين في المصارف من خلال استنزاف دعم مصرف لبنان لبعض المنتجات المهرّبة، وبكميات كبيرة إلى سوريا، وسط ترحيب من 'حزب اللّه' بفكّ عزلة سوريا الاقتصادية المفروضة بموجب 'قانون قيصر'. وقاحة الدويلة المذيّلة بعبارات 'خوش آمديد' الكلّ يذكر صهاريج البنزين والمازوت في اجتيازها مسافات طويلة من بيروت إلى أقاصي الحدود اللبنانية باتجاه منطقة الهرمل، لتباع بأسعار ملأت جيوب المهرّبين بأرباح غير شرعية خلال تلك المرحلة. بدا الأمر حينها مستفزاً لكلّ اللبنانيين، الذين كانوا يراقبون أيضاً هدر ودائعهم في دعم منتجات تشاركوها مع النازحين السوريين على الأراضي اللبنانية. حاول 'حزب اللّه' لاحقاً تبييض صفحته مع المجتمع اللبناني. فروّج لصهاريج المازوت التي استحضرها من إيران عبر معبره غير الشرعي، كخدمة للمجتمع اللبناني. مذيّلة بعبارة 'خوش آمَديد' الفارسية، والتي تعني 'أهلاً وسهلاً'، كشفت قوافل المازوت الإيراني التي استقدمها 'حزب اللّه' تحت شعار 'صهاريج فكّ الحصار'، الوقاحة التي بلغتها الدويلة من خلال شقّ أوتوسترادات رديفة للمعابر الحدودية الشرعية. ففضح 'الحزب' أبرز ثغرة حدودية مستغلّة استراتيجياً وأمنياً من قبله، وفي منطقة حوش السيد علي تحديداً. ومن بوّابتها حرّر أموالاً 'فريش' تقاضاها من السوق اللبنانية من جرّاء بيعه المازوت الإيراني بأقلّ من سعره، وربّما تكون قد موّلت أنشطته الحزبية، سواء الأمنية والعسكرية أو حتى الاجتماعية. بدا هذا المعبر عصياً إذاً حتى على أبراج مراقبة الحدود البرية المجهّزة بتمويل بريطاني، ولم تتمكّن أفواج الحدود اللبنانية من إخضاعه لسلطتها، خلافاً لما أظهرته من حزم على طرف الحدود الفاصلة بين منطقة عرسال وجاراتها إثر معركة 'فجر الجرود'. وهذا ما أبقى معابر الحوش في دائرة شبهات أمنية وسياسية، إلى جانب التهم الموجهة إليها بتعميق الأزمة الاقتصادية وخلق منافذ لتجارات غير شرعية ومسيئة للأنظمة المرعيّة، سواء للمازوت والغذاء وحتى للدواء، وكل ذلك في سعي حثيث من 'الحزب' لتأمين نوع من الاستقلالية 'الصحية' و 'الغذائية' لبيئته. ضريبة الثلاثية في جولة ميدانية على المعابر البرية غير الشرعية منتصف العام 2023، كان واضحاً توقف الإجراءات العسكرية على باب معبر 'الحزب' في الحوش. فلم تخف مصادر عسكرية مواكبة أن ضبط هذا المعبر تحديداً مقرون بقرار سياسي يسقط ثلاثية 'الجيش والشعب والمقاومة' التي شرّع بذريعتها شقّ طرقات موازية لأكثر من معبر شرعي. إلى أن جاءت ضريبة هذه الثلاثية في عقر دار الخزان البشري واللوجستي لـ 'الحزب' في منطقة بعلبك الهرمل، فوقع الحوش أيضاً في مرمى الأهداف الأساسية للطيران الإسرائيلي، مع توسّع عدوانه على لبنان إثر تورّط 'حزب اللّه' في حرب 'المشاغلة'. في 11 حزيران 2024 كانت أولى الغارات الإسرائيلية التي استهدفت بتسعة صواريخ ناقلات نفط، ومبنى دمّر بالكامل في منطقة الحوش وفقاً لما نقلته وكالة 'فرانس برس'، لتكرّ السبحة من بعدها باستهدافات متكرّرة تنوّعت بين غارات على خزانات وقود وصهاريج نفط، وشاحنات، ومراكز حزبية ومستودعات أسلحة، وسيارات وحتى دراجات نارية، وفقاً لما تناولته صفحات الناشطين، بالإضافة إلى ما نشره الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، من دون أن تتمكن الصحافة من بلوغ هذه الأهداف للتأكد من حقيقة ما هو مستهدف. استمرّت الحوش في مرمى نيران الطيران الإسرائيلي حتى اليوم الأخير الذي سبق إعلان وقف العدوان، لا بل تكرّرت الاعتداءات بعده، وكان آخرها في شهر شباط من العام الجاري. تقهقر معبر 'الحزب' المرافق لتقهقر نظام الأسد كان واضحاً أن العدوان الإسرائيلي المتكرر على المنطقة لم يوقف نهائياً حركة التهريب، التجاري والاستراتيجي، عبر هذه المنطقة. إلى أن سقط نظام بشار الأسد في سوريا. فاستشعر أهالي المنطقة كما 'حزب اللّه' أنهم فقدوا امتيازاتهم على هذه الحدود. وصار فائض القوة الذي تمتّعوا به، على الجانب السوري من الحدود، معززاً بخلفيات انتقامية تغذّت من كل الأحداث التي سبقت سقوط الأسد ونظامه. عشية الثامن من كانون الأول من العام 2024 تحدّثت معلومات صحافية عن تعزيزات قتالية حاول 'حزب اللّه' أن يمدّ بها نظام الأسد للحفاظ على صموده، انطلقت من منطقة حوش السيد علي باتجاه محافظة حمص، لكنّ العناصر ما لبثوا أن عادوا أدراجهم مع تقهقر المحور الإيراني بسرعة قياسية فاقت سرعة هروب بشار الأسد من قصره. لم تهدأ حركة معابر الحوش بعد تاريخ سقوط الأسد أيضاً. لكنّ المفارقة كانت في تبدّل الهوية المذهبية للهاربين. شهدت المدن والقرى السورية المتاخمة للحدود اللبنانية في هذه المرحلة هجرة جماعية لسكانها 'الشيعة'، من لبنانيين وسوريين، ولا يزال جزء كبير من هؤلاء يملأ حسينيات منطقة الهرمل، وقسم كبير يتخوّف من أن يكون قد فقد ممتلكاته على الناحية الأخرى من الحدود نهائياً. تبدّل موازين القوى على الحدود كانت تلك علامات تبدّل موازين القوى في هذه المنطقة، التي دفعت بـ 'حزب اللّه' إلى التنصّل من كل احتكاك يقع على الحدود، وآخرها نفي ضلوعه في المواجهات التي تطوّرت إلى احتلال جيش الإدارة السورية الموقتة الجزء اللبناني من أراضي الحوش، قبل انسحابه منه بعد اتصالات مباشرة جرت بين السلطات الشرعية في البلدين. حاول الطرف السوري أن يبرر فائض القوة الذي استخدمه في حرق منازل المدنيين وإلحاق الأذى بممتلكات أهالي الحوش وقاطنيها اللبنانيين خلال فترة احتلاله القصيرة للبلدة، من خلال نشر صور لمراكز مراقبة أمنية، ادّعى الناشطون إلى جانب الإدارة السورية أنها تابعة لـ 'حزب اللّه'، متحدثين أيضاً عن اقتحام مستودعات للأسلحة، والكبتاغون. وعلى الرغم من تظهير الطابع الأمني 'العصاباتي' للحوش، لم تمانع الإدارة السورية الموقتة لاحقاً الرضوخ للشواهد الجغرافية التي قدّمها الطرف اللبناني، والتي أظهرت لبنانية الأراضي التي دخل إليها. فانسحبت قواتها خلال ساعات، ليبسط الجيش سطوته على المنطقة للمرة الأولى، وتصبح مع جاراتها تحت إمرة السيادة الوطنية، بصرف النظر عن هتافات التخوين التي حاولت أن ترتفع على صوت ملالاته. إنجاز يسجل لبداية العهد فهل يستكمل؟ انطلاقاً من هذا التسلسل التاريخي لسيرة حوش السيد علي الحديثة، يصبح دخول الجيش إلى المنطقة إنجازاً يسجل لعهد الرئيس جوزاف عون، وقائد الجيش الجديد العماد رودولف هيكل في أولى مهماته المنفذة بعد توليه منصبه. إلّا أن العبرة لا شك تبقى في مدى صمود الهدنة على هذه الحدود ومنع تكرر الاشتباكات في المرحلة المقبلة، مثلما هي في فرض سيادة الشرعية التامة على مختلف المعابر غير الشرعية، والتي ارتفعت الشكوى أخيراً من الخروقات التي تتسبّب فيها، سواء في منطقة مشاريع القاع بقاعاً، والتي تشكل امتداداً للمنطقة الحدودية الفاصلة بين البلدين، أو في شمال لبنان. فعلى الرغم من إغلاق بعض المنافذ غير الشرعية عبر منطقة مشاريع القاع باتجاه الأراضي السورية، ما زالت معابر التهريب مشرّعة في هذا الطرف من الحدود، بتسهيل من الإدارة السورية الموقتة وقواتها العسكرية. وهذا ما يضع الدولة وأجهزتها الأمنية الشرعية، تحت ضغط مضاعف لفرض هيبتها على كل الأراضي اللبنانية، منعاً لسيادة منقوصة تبقي الباب مشرعاً للفتنة المتسلّلة عبر الحدود. وعلى الرغم من بعض أصوات النشاز، يتطلع أبناء البلدات المجاورة للحدود، إلى استعادة السلطات الشرعية اللبنانية زمام المبادرة، ليس فقط في فرض سيطرتها على الحدود، وإنما أيضاً في تطبيق أنظمتها في ترحيل كل السوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية، وخصوصاً بعدما انتصر هؤلاء لقضيّتهم في إسقاط نظام الأسد. وهذا يتطلّب بحسب أبناء المنطقة قراراً سياسياً يتجاوز مجرّد التدابير الأمنية، ليمنع تكرّر مثل هذا الانفلات الأمني الذي يكاد في كل مرة يورّط لبنان في حرب جديدة، ويفرض هيبة الدولة سواء في حوش السيد علي أو في غيرها من القرى الملاصقة للحدود.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store