أحدث الأخبار مع #مارسيلخليفة


أخبارنا
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- صحة
- أخبارنا
الحنين..إلى خبز أمي
برعلا زكريا يبدو أن أمنية الفنان الكبير مارسيل خليفة قد تحققت، لكن بطريقة لم نكن نتمناها، حين غنى بحرقة "أحن إلى خبز أمي". فذلك الحنين الذي لامس قلوب الملايين لم يعد مجرد اشتياق عابر، بل أصبح واقعا نعيشه بمرارة. فلم يعد ذلك الخبز المنزلي الدافئ، المجبول بحب وعناية ورائحة الأصالة، يزين موائدنا إلا نادرا. لقد أصبح الاعتماد شبه كلي على خبز المخابز، الذي تحوم حوله الشكوك الصحية، من غياب النظافة أحيانا، إلى استخدام مواد قد تكون غير سليمة، ودقيق أبيض مُكرر يحذر الأطباء من أنه قد يكون أحد الأسباب المساهمة في انتشار أمراض العصر كالسكري. إن الحنين إلى "خبز الأم" ليس مجرد حنين لمذاق، بل هو رمز لتحولات أعمق تمس قلب الأسرة المغربية ودور الأم المركزي فيها. هذا التحول في عاداتنا الغذائية، المتمثل في غياب "خبز الأم"، ليس إلا وجها واحدا للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي ألقت بظلالها الثقيلة على مؤسسة الأسرة المغربية، وبشكل خاص على الدور الحيوي للأم في رعاية الأبناء وتنشئتهم. فلقد باتت "أمهات العصر" كما أصبح يطلق عليهن يتخلين تدريجيا عن أدوارهن الجوهرية في التربية والرعاية، متأثرات بموجات التغيير التي تجتاح المجتمع. ويتجلى هذا الانشغال المتزايد بالعالم الرقمي بشكل مقلق، حيث كشف تحقيق ميداني أجراه باحثون من كلية العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس أن نسبة الأمهات اللواتي يقضين أكثر من أربع ساعات يوميا على منصات التواصل الاجتماعي قد ارتفعت بنسبة 73% خلال السنتين الأخيرتين. هذا الانغماس الرقمي أدى بالضرورة إلى تراجع ملحوظ في وقت التفاعل المباشر والحميمي مع الأطفال، ذلك التفاعل الذي كان يمثل جوهر الرعاية الأمومية ونسيج العلاقة الأسرية. ومن أبرز مظاهر هذا التحول وتأثيره المباشر على نمط الحياة، نجد الاعتماد المتزايد على الوجبات السريعة والأطعمة الجاهزة. لقد أضحت هذه الخيارات بديلا سهلا ومتاحا عن الطهي المنزلي الذي يتطلب وقتا وجهدا لم يعد متوفرا للكثيرات في خضم انشغالاتهن المتعددة، ليحل محل الطبخ التقليدي الصحي الذي كان يميز المائدة المغربية بأطباقه المتوازنة مثل الطاجين والكسكس المحضر بعناية وخضروات طازجة. ولم يعد الأمر مقتصرا على الخبز، بل طال نمط الغذاء في البيت المغربي ككل. فالوجبات الجاهزة، المليئة بالدهون المشبعة والسكريات المكررة، باتت تحتل الصدارة. ويتأكد هذا التحول الجذري من خلال مشهد المطاعم التي تفيض بالأسر في المدن الكبرى وتضاعف حركة عمال توصيل الوجبات إلى المنازل بشكل لافت، وهو ما يمثل تحولا ثقافيا عميقا في مجتمع كان يعتبر المطبخ قلب البيت وتحضير الطعام فيه قيمة أساسية من قيم الأمومة. وجه آخر لهذا التحول الاجتماعي يظهر في الاعتماد المتزايد على المدارس الخاصة والحضانات لساعات طويلة تتجاوز الفترة الدراسية المعتادة. فكثير من الأطفال في الأسر المغربية يقضون النهار بأكمله في مؤسسات تعليمية تقدم خدمات "الرعاية الممتدة"، ليعودوا إلى منازلهم في ساعات متأخرة من المساء، منهكين ذهنيا وجسديا، مما يقلص فرص التواصل الأسري الهادئ والعميق. وفي قلب هذه التغيرات، يبرز إدمان وسائل التواصل الاجتماعي كظاهرة تستحق وقفة جادة. فالأمهات اللواتي كن في الماضي القريب يقضين ساعات في رعاية أطفالهن وتعليمهم وغرس القيم فيهم، بتن اليوم أسيرات الشاشات الصغيرة. هذا الاستغراق في عالم "التيك توك" و"الفيسبوك" و"الواتساب" الافتراضي يترك الأطفال، في كثير من الأحيان، فريسة سهلة للإهمال العاطفي والفكري، حتى وإن كانت الأم حاضرة جسديا. ومن المفارقات المؤلمة أن هذا التحول يتزامن مع انتشار خطاب "تمكين المرأة" و"المساواة"، الذي قد يُساء فهمه وتطبيقه أحيانا. فبدلا من أن يكون هذا الخطاب داعما لدور الأم في بناء أسرة قوية ومجتمع متماسك، قد يصبح في بعض تجلياته مبررا للتخلي عن مسؤوليات الأمومة الأساسية. يبدو أن البعض وقع في فخ تفسير تحرير المرأة على أنه تحرر من مسؤولياتها الأسرية، بينما الحرية الحقيقية تكمن في القدرة على الموازنة بين الأدوار المختلفة دون التضحية بجوهر الأمومة والأسرة. إن هذه التحولات المتشابكة لم تمر دون أن تترك بصماتها العميقة والخطيرة على المجتمع المغربي. فالنتائج الكارثية بدأت تظهر بوضوح، حيث سجلت وزارة العدل ارتفاعا غير مسبوق في معدلات الطلاق، مشيرة إحصاءاتها الرسمية إلى ارتفاع النسبة بنسبة 32% خلال السنوات الخمس الأخيرة. كما تزايدت حالات العنف الأسري بنسبة مقلقة، وظهرت أنماط سلوكية مضطربة لدى الأطفال والمراهقين تعكس حالة من الضياع والإهمال العاطفي الذي يعيشونه. وعلى الصعيد الصحي، تتوازى هذه المؤشرات الاجتماعية المقلقة مع أخرى لا تقل خطورة. فتقارير وزارة الصحة المغربية تشير إلى ارتفاع مقلق في معدلات الإصابة بالسمنة والسكري بين الأطفال، كما تزايدت حالات الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب والتوحد الاجتماعي، وهي مؤشرات ترتبط بشكل أو بآخر بنمط الحياة الجديد، بما في ذلك التغذية غير السليمة ونقص التواصل العاطفي الفعال. فهل يعكس كل ما سبق اختلالا حقيقيا في المنظومة القيمية للمجتمع المغربي؟ هل تراجعت قيمة الأمومة كدور اجتماعي محوري لصالح قيم الاستهلاك والمظهرية والفردانية؟ مما لا شك فيه أن غياب التواصل العاطفي المستمر والعميق بين الأم والطفل في السنوات الأولى من حياته، والذي يتأثر بكل هذه العوامل، يؤدي إلى اضطرابات نفسية عميقة قد ترافقه طوال حياته. ولكن، من الإنصاف الإشارة إلى أن هذا التحول في دور الأم المغربية لم يأت من فراغ، بل هو أيضا نتيجة لتغيرات اقتصادية واجتماعية عميقة. فارتفاع تكاليف المعيشة وضغوط الحياة الحديثة دفعت الكثير من النساء إلى الانخراط في سوق العمل، ليس فقط بدافع تحقيق الذات، بل كضرورة اقتصادية ملحة للمساهمة في إعالة الأسرة. غير أن المشكلة الجوهرية لا تكمن في خروج المرأة للعمل بحد ذاته، فهذا حق ومكسب، بل في غياب آليات الدعم الاجتماعي والأسري الفعالة التي تمكنها من التوفيق بين مسؤولياتها المهنية ودورها كأم. فدول كثيرة استطاعت أن تحقق هذا التوازن من خلال سياسات اجتماعية داعمة كإجازات الأمومة المدفوعة، وتوفير حضانات ذات جودة عالية وبأسعار معقولة، ومرونة في ساعات العمل للأمهات، مما يخفف الضغط ويتيح لهن القيام بأدوارهن دون الشعور بالتقصير في أحد الجانبين. أمام هذا الواقع، بات من الضروري دق ناقوس الخطر والتنبيه إلى ما يتهدد المجتمع المغربي من تفكك أسري وانهيار قيمي محتمل. فالأسرة هي اللبنة الأولى في بناء أي مجتمع، وصلاحها واستقرارها مرهونان بشكل كبير بصلاح دور الأمومة كقيمة ودور اجتماعي محوري. فلا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة أو نهضة حقيقية في ظل تراجع هذه القيمة وانحسار الدور التربوي والرعائي للأم. وإذا كان طموح الدول السائرة في طريق النمو هو تحقيق التقدم الاقتصادي، فلا يجب أن يأتي هذا التقدم على حساب النسيج المجتمعي والأسري الذي هو أساس كل تقدم حقيقي ومستدام. فلا خير في دواء قد يسبب أعراضا جانبية أخطر من الداء نفسه. إن استعادة دفء "خبز الأم" ليس مجرد حنين للماضي، بل هو دعوة لإعادة التفكير في أولوياتنا وبناء مستقبل لا يضحي بأغلى ما نملك: الأسرة.


العرائش أنفو
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- صحة
- العرائش أنفو
هكذا أصبح 'خبز الدار' في طريقه للانقراض
هكذا أصبح 'خبز الدار' في طريقه للانقراض العرائش أنفو يبدو أن أمنية الفنان الكبير مارسيل خليفة قد تحققت، لكن بطريقة لم نكن نتمناها، حين غنى بحرقة 'أحن إلى خبز أمي'. فذلك الحنين الذي لامس قلوب الملايين لم يعد مجرد اشتياق عابر، بل أصبح واقعا نعيشه بمرارة. فلم يعد ذلك الخبز المنزلي الدافئ، المجبول بحب وعناية ورائحة الأصالة، يزين موائدنا إلا نادرا. لقد أصبح الاعتماد شبه كلي على خبز المخابز، الذي تحوم حوله الشكوك الصحية، من غياب النظافة أحيانا، إلى استخدام مواد قد تكون غير سليمة، ودقيق أبيض مُكرر يحذر الأطباء من أنه قد يكون أحد الأسباب المساهمة في انتشار أمراض العصر كالسكري. إن الحنين إلى 'خبز الأم' ليس مجرد حنين لمذاق، بل هو رمز لتحولات أعمق تمس قلب الأسرة المغربية ودور الأم المركزي فيها. هذا التحول في عاداتنا الغذائية، المتمثل في غياب 'خبز الأم'، ليس إلا وجها واحدا للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي ألقت بظلالها الثقيلة على مؤسسة الأسرة المغربية، وبشكل خاص على الدور الحيوي للأم في رعاية الأبناء وتنشئتهم. فلقد باتت 'أمهات العصر' كما أصبح يطلق عليهن يتخلين تدريجيا عن أدوارهن الجوهرية في التربية والرعاية، متأثرات بموجات التغيير التي تجتاح المجتمع. ويتجلى هذا الانشغال المتزايد بالعالم الرقمي بشكل مقلق، حيث كشف تحقيق ميداني أجراه باحثون من كلية العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس أن نسبة الأمهات اللواتي يقضين أكثر من أربع ساعات يوميا على منصات التواصل الاجتماعي قد ارتفعت بنسبة 73% خلال السنتين الأخيرتين. هذا الانغماس الرقمي أدى بالضرورة إلى تراجع ملحوظ في وقت التفاعل المباشر والحميمي مع الأطفال، ذلك التفاعل الذي كان يمثل جوهر الرعاية الأمومية ونسيج العلاقة الأسرية. ومن أبرز مظاهر هذا التحول وتأثيره المباشر على نمط الحياة، نجد الاعتماد المتزايد على الوجبات السريعة والأطعمة الجاهزة. لقد أضحت هذه الخيارات بديلا سهلا ومتاحا عن الطهي المنزلي الذي يتطلب وقتا وجهدا لم يعد متوفرا للكثيرات في خضم انشغالاتهن المتعددة، ليحل محل الطبخ التقليدي الصحي الذي كان يميز المائدة المغربية بأطباقه المتوازنة مثل الطاجين والكسكس المحضر بعناية وخضروات طازجة. ولم يعد الأمر مقتصرا على الخبز، بل طال نمط الغذاء في البيت المغربي ككل. فالوجبات الجاهزة، المليئة بالدهون المشبعة والسكريات المكررة، باتت تحتل الصدارة. ويتأكد هذا التحول الجذري من خلال مشهد المطاعم التي تفيض بالأسر في المدن الكبرى وتضاعف حركة عمال توصيل الوجبات إلى المنازل بشكل لافت، وهو ما يمثل تحولا ثقافيا عميقا في مجتمع كان يعتبر المطبخ قلب البيت وتحضير الطعام فيه قيمة أساسية من قيم الأمومة. وجه آخر لهذا التحول الاجتماعي يظهر في الاعتماد المتزايد على المدارس الخاصة والحضانات لساعات طويلة تتجاوز الفترة الدراسية المعتادة. فكثير من الأطفال في الأسر المغربية يقضون النهار بأكمله في مؤسسات تعليمية تقدم خدمات 'الرعاية الممتدة'، ليعودوا إلى منازلهم في ساعات متأخرة من المساء، منهكين ذهنيا وجسديا، مما يقلص فرص التواصل الأسري الهادئ والعميق. وفي قلب هذه التغيرات، يبرز إدمان وسائل التواصل الاجتماعي كظاهرة تستحق وقفة جادة. فالأمهات اللواتي كن في الماضي القريب يقضين ساعات في رعاية أطفالهن وتعليمهم وغرس القيم فيهم، بتن اليوم أسيرات الشاشات الصغيرة. هذا الاستغراق في عالم 'التيك توك' و'الفيسبوك' و'الواتساب' الافتراضي يترك الأطفال، في كثير من الأحيان، فريسة سهلة للإهمال العاطفي والفكري، حتى وإن كانت الأم حاضرة جسديا. ومن المفارقات المؤلمة أن هذا التحول يتزامن مع انتشار خطاب 'تمكين المرأة' و'المساواة'، الذي قد يُساء فهمه وتطبيقه أحيانا. فبدلا من أن يكون هذا الخطاب داعما لدور الأم في بناء أسرة قوية ومجتمع متماسك، قد يصبح في بعض تجلياته مبررا للتخلي عن مسؤوليات الأمومة الأساسية. يبدو أن البعض وقع في فخ تفسير تحرير المرأة على أنه تحرر من مسؤولياتها الأسرية، بينما الحرية الحقيقية تكمن في القدرة على الموازنة بين الأدوار المختلفة دون التضحية بجوهر الأمومة والأسرة. إن هذه التحولات المتشابكة لم تمر دون أن تترك بصماتها العميقة والخطيرة على المجتمع المغربي. فالنتائج الكارثية بدأت تظهر بوضوح، حيث سجلت وزارة العدل ارتفاعا غير مسبوق في معدلات الطلاق، مشيرة إحصاءاتها الرسمية إلى ارتفاع النسبة بنسبة 32% خلال السنوات الخمس الأخيرة. كما تزايدت حالات العنف الأسري بنسبة مقلقة، وظهرت أنماط سلوكية مضطربة لدى الأطفال والمراهقين تعكس حالة من الضياع والإهمال العاطفي الذي يعيشونه. وعلى الصعيد الصحي، تتوازى هذه المؤشرات الاجتماعية المقلقة مع أخرى لا تقل خطورة. فتقارير وزارة الصحة المغربية تشير إلى ارتفاع مقلق في معدلات الإصابة بالسمنة والسكري بين الأطفال، كما تزايدت حالات الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب والتوحد الاجتماعي، وهي مؤشرات ترتبط بشكل أو بآخر بنمط الحياة الجديد، بما في ذلك التغذية غير السليمة ونقص التواصل العاطفي الفعال. فهل يعكس كل ما سبق اختلالا حقيقيا في المنظومة القيمية للمجتمع المغربي؟ هل تراجعت قيمة الأمومة كدور اجتماعي محوري لصالح قيم الاستهلاك والمظهرية والفردانية؟ مما لا شك فيه أن غياب التواصل العاطفي المستمر والعميق بين الأم والطفل في السنوات الأولى من حياته، والذي يتأثر بكل هذه العوامل، يؤدي إلى اضطرابات نفسية عميقة قد ترافقه طوال حياته. ولكن، من الإنصاف الإشارة إلى أن هذا التحول في دور الأم المغربية لم يأت من فراغ، بل هو أيضا نتيجة لتغيرات اقتصادية واجتماعية عميقة. فارتفاع تكاليف المعيشة وضغوط الحياة الحديثة دفعت الكثير من النساء إلى الانخراط في سوق العمل، ليس فقط بدافع تحقيق الذات، بل كضرورة اقتصادية ملحة للمساهمة في إعالة الأسرة. غير أن المشكلة الجوهرية لا تكمن في خروج المرأة للعمل بحد ذاته، فهذا حق ومكسب، بل في غياب آليات الدعم الاجتماعي والأسري الفعالة التي تمكنها من التوفيق بين مسؤولياتها المهنية ودورها كأم. فدول كثيرة استطاعت أن تحقق هذا التوازن من خلال سياسات اجتماعية داعمة كإجازات الأمومة المدفوعة، وتوفير حضانات ذات جودة عالية وبأسعار معقولة، ومرونة في ساعات العمل للأمهات، مما يخفف الضغط ويتيح لهن القيام بأدوارهن دون الشعور بالتقصير في أحد الجانبين. أمام هذا الواقع، بات من الضروري دق ناقوس الخطر والتنبيه إلى ما يتهدد المجتمع المغربي من تفكك أسري وانهيار قيمي محتمل. فالأسرة هي اللبنة الأولى في بناء أي مجتمع، وصلاحها واستقرارها مرهونان بشكل كبير بصلاح دور الأمومة كقيمة ودور اجتماعي محوري. فلا يمكن الحديث عن تنمية مستدامة أو نهضة حقيقية في ظل تراجع هذه القيمة وانحسار الدور التربوي والرعائي للأم. وإذا كان طموح الدول السائرة في طريق النمو هو تحقيق التقدم الاقتصادي، فلا يجب أن يأتي هذا التقدم على حساب النسيج المجتمعي والأسري الذي هو أساس كل تقدم حقيقي ومستدام. فلا خير في دواء قد يسبب أعراضا جانبية أخطر من الداء نفسه. إن استعادة دفء 'خبز الأم' ليس مجرد حنين للماضي، بل هو دعوة لإعادة التفكير في أولوياتنا وبناء مستقبل لا يضحي بأغلى ما نملك: الأسرة. برعلا زكريا


النهار
١١-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- النهار
أميمة الخليل إلى الحرب الأهلية: غلبت الموتَ الحياةُ
في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، لم تكن الأغنية مجرّد تعبير فني، بل تحوّلت صوتًا عالياً: مرةً صوتاً للحياة التي غمرها الركام، ومرات صوتاً للحرب نفسها، حين انتشرت الأغنية السياسية والثورة والحماسة. وكانت في الحالتين مرآةً تعكس تفاصيل واقع يوميّ لانقسام طال اللبنانيين 15 عاماً، وما زال بعد خمسين عاماً على اندلاع الحرب. اللبناني مؤدلج، أي غلبت طبعه المثقف – الإيديولوجي الميال إلى التورّط في حركات التحرر على تطبعه المدني الذي ساد عقوداً، كان فيها لبنان "سويسرا الشرق". هذه "الأدلجة" حوّلت كلّ شعار إلى أغنية، وكل أغنية إلى "مانيفستو" للحرية. فما كان بالإمكان فصل الفن عن سياقه السياسي والاجتماعي، فشكّلت الأغنية في تلك المرحلة وسيلة لعبث يقاوم عبثاً، ومنبراً لنقل وجع الإنسان وآماله. انبثقت أغنيات سياسية تعبويّة تماهت مع خطابات المرحلة، وأخرى إنسانية رفضت الاصطفاف وراحت تبحث عن الإنسان في زمن غابت فيه ملامحه. فكانت الأغنية الملتزمة صوتاً بديلاً، وحالة فنية مقاومة للفوضى، تستنطق الضمير وتستحضر الذاكرة. في قلب هذه المعركة الرمزية، برزت أسماء فنية باتت جزءاً من الذاكرة الجماعية. مارسيل خليفة بأغنياته التي حوّلت القصيدة إلى نشيد إنساني، خالد الهبر بصوته الجارح للحقيقة، أحمد قعبور الذي غنّى "أناديكم" وكأنه ينقذ أرواحاً من الغرق، زياد الرحباني الذي استخدم السخرية ليعرّي عبثية الواقع، وأميمة الخليل التي جعلت من صوتها مساحة للتأمل. هؤلاء لم يكونوا مجرّد فنّانين، بل شهوداً على زمن، وصنّاعاً لذاكرة وطن. بعد خمسين عاماً على اندلاع هذه الحرب، قدّمت أميمة الخليل شهادتها الإنسانية عن حقبة خلت من عناصر الإنسانية. هكذا بدأت الحكاية... منذ تأسيس مارسيل خليفة فرقة "الميادين" في عام 1976، شعرت أميمة الخليل بأن الأغنية لا تُوجّه ضد لبناني آخر. بدأت الغناء في عام 1979، واعتلت المسارح في الثمانينيات بأعمال مثل: "نامي يا صغيري"، "عصفور"، "يا معلمتي"، و"قمر المراية". حملت صوتها رسالة، لا سلاح، وغنّت للإنسان كما فعلت السيدة فيروز والأخوان رحباني في مسرحياتهم. تقول: "لم أشعر يوماً بأنّ هذه الأغنيات موجهة ضدّ أحد. بفطرتي الطفولية، كنت أغنّي للإنسان، لا لأحزاب أو طوائف. كنت أؤمن بأن الأغنية تُوحِّد الذين يتقاتلون حول إنسانيتهم. لا رابح في تلك الحرب، الجميع خاسر... ما حصدناه كان القتل والمجازر". وتضيف: "رغم أن انتماء مارسيل خليفة الفكري يساري، فإن يساريته كانت أممية، إنسانية، لا طائفية ولا محلية. كان ولا يزال مؤمناً بالقضية الفلسطينية من منطلق إنساني". تؤكّد خليل أن الأغنيات التي قدّمتها وصلت إلى كل المناطق، لأنها لم تكن تحريضية، بل عبّرت بلغة جامعة، واستمرت على هذا النهج حتى بعد الانفصال الفني عن خليفة: "أنا غنيت للإنسان". وتضيف: "لم أحرّض على القتال، بل سعيت لمدّ الجسور بين الناس، حتى المتخاصمين. أؤمن أن الفن لا يصطف، بل يجمع. لم أتبنَّ خطاب أي حزب لبناني، أردت فقط أن أخاطب الإنسان من خلال الأغنية". غصّة في "شوارع بيروت" اليوم، حين تغني "يا شوارع بيروت"، لا يشبه الإحساس إحساس البدايات. تقول إن الأغنية التي كانت تنبض بالأمل باتت تخرج بغصّة: "كنّا نغني بإصرار كي نصل إلى ما هو أفضل. اليوم، لا أحد يريد أن يسمع. الأغنية، كما الفن والثقافة، وُضعت جانباً، بينما يعلو صوت السلاح والفوضى والسياسي المستفيد". تشير إلى أن شوارع بيروت باتت منهكة، وأن المدينة تمرّ بحزن عميق. وتضيف: "كل طرف يحاول سرقة الأغنية لصالحه، لكنها ليست لأحد. هي عن الإنسان المعتر بكل الأرض، كما يقول زياد الرحباني، الإنسان المستقلّ الذي بات اليوم معزولاً، بلا فاعلية". عن الأغاني السياسية حين يُطرح السؤال عن الأغاني السياسية وما إذا كانت تساهم في تأجيج الحروب، تتريّث في الإجابة: "أغنية 'عصفور' تتحدث عن الحرية، 'نامي يا صغيري' عن العامل الفقير، 'يا بحرية' عن معروف سعد، الذي استشهد وهو يدافع عن الفقراء. مثل هذه الأغنيات لا أتنكّر لها". "ذاكرتي بلا ألوان... إلا المسرح" عندما تعود بالذاكرة خمسين عامًا، لا ترى ألواناً: "حتى حين كنت أسافر مع فرقة مارسيل خليفة، لم يكن المشهد ملوناً. كنت أرى الجرحى والقتلى أمامي في ضيعتي، الفاكهة، بالبقاع الشمالي. كنت أخاف من العودة من بيروت، من الطرقات المقطعة. كنت قليلة الابتسام. وحده المسرح كان ملاذاً، والنور في عتمة الحرب". وتستذكر لحظة مؤثرة: "كنت صغيرة، أغني "يا رفاقي الشهداء" بلا موسيقى، والجمهور صامت تماماً... تلك اللحظة لا تُنسى". وتضيف: "حين بدأنا نبصر الألوان، سلبتها الأحزاب". "الأمل ضرورة" بحنان الأم التي تفكّر في ابنها المغترب، تقول إن جيلها عاش من صدمة إلى أخرى: "لا شيء يُحلّ، بل كل شيء يتراكم... المشهد ملون رمادي". وترى أن الأمل هو ما يُبقي الإنسان متماسكًا: "لو ما في أمل، كنا صرنا كلنا مجانين... لأننا فعلاً نعيش في عصفورية". وتتحدث عن أغنيتها الأخيرة "نتفة عتم"، من كلمات ماهر يمّين وألحان هاني سبليني، بوصفها امتدادًا للأمل: "ماهر كتب بصدق، وهاني لحّن بموسيقى حقيقية. لا خيار أمامنا إلا الاستمرار، والموسيقى أحد السبل لفعل ذلك، تماماً كما على كل شخص أن يقوم بعمله بصدق". إلى جيل ما بعد الحرب إلى الجيل الذي يسمع عن 13 نيسان من روايات متضاربة، تقول: "الله يساعدكم... في كتير تشويش عليكم"، وتتمنى أن ترافق الحكمة لحظات الحماس القصوى لديهم. وتختم أميمة الخليل برسالة إلى الحرب: "غلبت الموت الحياة"، رغم كل ما فُتح من أبواب للموت، بقيت الحياة أقوى. هكذا تمضي أميمة، بصوتٍ حمل الأغنية... لا البندقية.

المدن
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- المدن
في ذكرى اغتيال جنبلاط: أين قصيدة "الذكريات" لحسن عبدالله؟
من المفارقات، على هامش ذكرى اغتيال الزعيم الدرزي كمال جنبلاط (1977) سألني الزميل علي سفر عن صاحب كلمات أغنية "الذكريات"(*) بصوت الفنان مارسيل خليفة من ألبوم "فرح" صدر في بداية الثمانينيات، وكتبت في رثاء جنبلاط، كانت الوجهة الأولى للبحث والتأكد من صاحب الكلمات في محرك البحث "غوغل". لم نتوصل إلى نتيجة، نص الأغنية منشور في الكثير من المواقع من دون توقيع، أو إمضاء أو أي إشارة لصاحبها، حتى النائب السابق وليد جنبلاط استعمل كلمات الأغنية عام 2024 من دون ذكر اسم صاحبها. كان الظنّ الأول أن الكلمات ربّما تكون للشاعر محمد العبدالله، ابن بلدة الخيام وأحد الذين غنى مارسيل خليفة الكثير من قصائده. هذا الظن أو التخمين، مرده أن أجواء القصيدة متشابهة مع الأجواء التي يكتبها العبدالله، ولم يكن في محله. فأجواء القصائد في تلك المرحلة أحياناً تتشابه بين محمود درويش ومحمد العبدالله والكثير من شعراء الجنوب والقضية الفلسطينية والمناخ الثورجي. في المحصلة، فشلت المحاولات الفضولية الأولى في معرفة من كتب قصيدة "الذكريات". عدنا إلى المؤرخ والباحث محمود الزيباوي الفضولي أيضاً في هذا المجال، قال إنه لا يذكر، وبعد البحث في كاسيتاته القديمة تحديداً في كاسيت "فرح"، قال إن الأغنية غير موقعة، وعلمنا من أكثر من مصدر أن مارسيل خليفة لم يكن يوقع بعض الأغاني، يعدّها عملاً جماعياً ضمن فِرْقَة "الميادين" التي اشتهرت في السبعينيات والثمانينيات حتى التسعينيات. كان اللجوء أخيراً إلى الشاعر شوقي بزيع، وهو له أغنية "جبل الباروك" ضمن البوم "فرح"، سألناه هل هذه قصيدة "الذكريات" لمحمد العبدالله؟ أجاب: "لا، "الذكريات" هي مقطع من قصيدة طويلة عن كمال جنبلاط لحسن عبد الله، وهو لم ينشرها للأسف في أي من مجموعاته". وبات السؤال أين قصيدة "الذكريات" كاملة، هل من يتبرع في إيجادها ونشرها من جديد، وهي تفتح الجدل حول القصائد المغناة غير الموقعة، التي ربما تصبح مشكلة في المستقبل. (*) الذكريات الذكريات تجيء ولا تؤذي ويأتي راضياً في الذكريات متألقاً في زيّه حربيّ لم يتعب ولم يذهب ويلعب ضد كل لاعبين على المكان ما غادر الميدان لا في السلم مفتقد ولا في الحرب مفتقد ولا في المهرجان مفتقد ما غادر الميدان يخضر اخضراراً أحمراً فوق الخنادق أخضراً فوق الصنوبر أزرقاً فوق الزمان لتنام لتنام وتنام نمشي حاملين إليك صفصاف الكرى لتنام ملئ الصور حراً مطمئنا كالحقول على بساط الفجر نمشي باتجهاك بقوة الآلام نمشي باتجهاتك تطرد خوفنا منا وتطرد ضعفنا غضبي يرابط في ممر ضيق بين الخيانة والأمانة فاحذروا منّي أنا المترنح الصامد أنا المتراجع العائد أنا المتهدم الصاعد وأنا النهار المطفئ الشاهد من أول الصحراء حتى البحر ملحمتي التي انتظرت طويلاً قادمة ودمي اعتراض ثابت لا يلدغ ومقاومة.