أحدث الأخبار مع #ماكيصال


ساحة التحرير
٠٣-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- ساحة التحرير
الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة 'النّاعمة' ( ج2) !
الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة 'النّاعمة' – الجزء الثاني! نماذج من التّأثيرات السّلبية للدّيون في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الطاهر المعز* السنغال عند إعداد هذه الورقة أعلنت الحكومة السنغالية إن التحقيق الذي أشرف عليه ديوان المحاسبة أظْهَر إن نظام الرئيس السابق ماكي صال أخْفَى بعض الحقائق ومن بينها المبلغ الحقيقي للدّيْن العام، واتّفق صندوق النقد الدّولي مع نتائج تدقيق ديوان المحاسبة، مما يعني إن خبراء الصندوق كانوا متواطئين مع الحكومة السابقة… أصبح السنغال بلدًا منتجًا للمحروقات، ويتقاسم حقل الغاز البحري مع موريتانيا، لكنه لا يزال بلدًا فقيرًا ، وترتفع نسبة الفقر إلى حوالي 58% من سُكّان البلاد، فيما انتشر الفساد داخل أجهزة الدّولة، منذ عُقُود، وأعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تصنيف الاقتصاد السنغالي في ' درجة ضعيفة ومحفوفة بالمخاطر'، بعد صدور تقرير ديوان المحاسبة السنغالي ( 13 شباط/فبراير 2025) الذي كشف عن خروقات وتزييف في البيانات الاقتصادية التي كانت تقدم للمؤسسات الدولية والشركاء الماليين، خلال الفترة الممتدة من سنة 2019 إلى 31 آذار/مارس 2023، وسوف يُؤثّر ترتيب وكالة موديز الجديد على معدلات الفائدة للقروض التي قد تطلبها حكومة السنغال باعتبار الإقتصاد 'محفوفًا بالمخاطر'، كما قد يتسبب في انخفاض الإستثمارات الأجنبية … أَعلن الوزير الأول في السنغال عثمان سونكو 'إن الدين العام مثّل سنة 2023 نسبة 99,67% من الناتج المحلي، بينما كان نظام الرئيس السابق ماكي صال يقول إنه يبلغ 70% فقط، وتعتزم السلطات السنغالية فتح تحقيقات قضائية ضد المسؤولين عن تسيير البلاد في الفترة السابقة، لارتكابهم 'جرائم التزوير والاختلاس، وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع'، وأعلن وزير القضاء، يوم 14 شباط/فبراير 2025: ' إن مرتكبي هذه الجرائم لن يفلتوا من العقاب، وسيطبق القانون على الجميع من دون استثناء'، وكشف تقرير ديوان المحاسبة السنغالي تزييف التقارير التي كانت تقدم للشركاء والدّائنين بخصوص الوضع المالي للدولة، فيما تختفي حوالي 153 مليون دولار من عائدات الضرائب سنويا ولا تصل إلى خزينة الدّولة بسبب الاحتيال و'الإستدانة بدون ضوابط، فضلا عن تزوير الأرقام'، مما أغرق البلاد في المشاكل المالية، وفق تعبير رئيس الوزراء عثمان سونكو. أكّد صندوق النقد الدولي أن حكومة الرئيس السنغالي السابق ماكي صال أخفت ديونا بقيمة حوالي سَبْع مليارات دولار بين سنتَيْ 2019 و2024، وهو ما يتوافق إلى حد كبير مع ما خلص إليه التقرير الصادر في وقت سابق عن محكمة الحسابات في البلاد، و 'كان هناك قرار واع بشأن التقليل من حجم الديون خلال السنوات الخمس الماضية، لذلك يتفق خبراء الصندوق مع ما انتهى إليه تقرير محكمة الحسابات… إن إخفاء جزء من الديون أتاح للسلطات السابقة إمكانية اقتراض أكبر، وإعطاء إشارة أكثر إيجابية للأسواق المالية، وجعلها قادرة على الاقتراض بأسعار فائدة أفْضَل مما كان مُتاحًا لو كان الدين أعلى، وإن الدين الحقيقي يقترب من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وليس نسبة 70% التي كانت تعلنها الحكومة السابقة '، وفق رئيس بعثة صندوق النّقد الدّولي إلى السنغال، وذكرت مجلة 'إيكونوميست' البريطانية إن العديد من الحُكومات تلجأ إلى الاقتراض السري لتجنب الرقابة العامة. أدى هذا الفارق إلى تفاقم العجز المالي، مما دفع الصندوق إلى تعليق برنامج القروض للسنغال، مع الإشارة إلى عِلْم خبراء صندوق النّقد الدّولي بهذا التلاعب والتزييف لأن البعثات المتتالية تٌقيم في أي بلاد مُقترضة عدة مرات سنويا ( على حساب المواطنين) وتراقب وثائق كل الوزارات، وأعلن الرئيس باسيرو جوماي أفاي ورئيس حكومته عثمان صونكو إن الحكومة بصدد معالجة الأزمة المالية وضمان الشفافية في إدارة المال العام، كخطوة ضرورية لإصلاح الاقتصاد، في مواجهة التحديات الكبيرة لإعادة ضبط الموازنة وسط تداعيات هذه الأزمة. يُمثّل ما تم الإعلان عنه في السنغال عيّنة من تداعيات الدّيُون التي تشمل السرقة والفساد وتهريب الأموال والثروات إلى الخارج وما إلى ذلك، بتواطؤ من المُؤسّسات المالية ومن الدّول الإمبريالية التي تعتبر التزوير والإستيلاء على المال العام مُكافأة للعُملاء من حُكّام الدّول الواقعة تحت الهيمنة، فيما يُسدّد الكادحون والفقراء ثمن التزوير والإختلال وتهريب الأموال والثروات والثراء غير المشروع… الدّيُون = تَبَعِيّة وفقر تدّعي مؤسسات التمويل الدّولية 'إن القروض وسيلة رئيسية لدعم اقتصادات الدول النامية'، لكن هذه المؤسسات تفرض شروطًا مجحفة لا تُساعد على تحقيق أو تعزيز التنمية، بل تُساعد على استنزاف الموارد، بفعل نسبة الفائدة المرتفعة على مبالغ القُروض و الشروط القاسية – التي تشمل الإملاءات السياسية – ومن بينها التّقشف وخفض الإنفاق الحكومي والخصخصة وإلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية وتوجيه الإنتاج نحو التصدير بدلًا من تلبية حاجة المواطنين… في كينيا، كان أكثر من نصف إيرادات الدولة مخصصًا لسداد الديون الخارجية بنهاية سنة 2022، خلال فترة رئاسة ويليام روتو الذي أعلن برنامج تقشف يقضي بزيادة الضرائب، ورفع الدعم عن بعض السلع ولكن فُقراء البلاد انتفضوا ضد هذه الإجراءات. في مالي، طبّق ' ألفا عمر كوناري' الذي انتُخِبَ رئيساً سنة 1992 تعليمات صندوق النّقد الدّولي بحذافيرها، بذريعة 'استعادة التوازنات الاقتصادية الكلية الرئيسية'، من خلال دعم القطاع الخاص وخصخصة مؤسسات القطاع العام، وخفض عدد الموظفين كجزء من خفض الإنفاق الحكومي، وانخفض عدد الموظفين المدنيين من 45 ألف موظف سنة 1991 إلى 37700 موظف سنة 1998، وانخفضت القيمة الحقيقية لرواتب موظفي القطاع العام بنسبة تتراوح بين 11% و18%، وارتفعت نسبة الضريبة على الرواتب وعلى الإستهلاك وانخفضت النفقات الجارية، وانخفض عدد شركات القطاع العام من 90 سنة 1985 إلى 36 شركة سنة 1998، وتمت تصفية 26 شركة وخصخصة 28 شركة، وأمر صندوق النقد الدّولي، سنة 2000، بخصخصة صندوق التقاعد والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتم بيع 60% من رأس مال شركة كهرباء مالي وبيع فندق 'الصداقة' وخصخصة 35% من شركة التبغ والكبريت الوطنية، مع إمكانية الخصخصة الكاملة مستقبلا، وتصفية شركة معدات الأشغال العامة ومكتب النقل السياحي والشركة الوطنية للبحث والاستغلال المعدني… لم يتحسّن مستوى معيشة السكان، بل بلغ معدّل التحاق الأطفال بالمدارس الإبتدائية 56% وارتفع متوسط عدد الطلاب لكل معلم في المدرسة الابتدائية ويُعاني 27% من الأطفال دون سن الخامسة من سوء التغذية، ولا يتجاوز عدد المواطنين الذين يمكنهم الوصول إلى مركز صحي على مسافة 15 كيلومترا نسبة 59% من السكان، وبخصوص الخدمات الضرورية فإن 17% من المنازل لديها مياه جارية و12% لديها كهرباء ( أرقام سنة 2000، بعد ثماني سنوات من تطبيق 'توصيات صندوق النقد الدّولي) في مدغشقر، حصلت الدّولة على قرض (تموز/يوليو 1999) من صندوق النقد الدّولي بشروط أهمها: تنفيذ 'إصلاحات هيكلية'، تتضمن خصخصة ثاني مصرف عام في البلاد (بنك زراعي) وخصخصة قطاعات الاتصالات وصيد الأسماك والتعدين، وتمت خصخصة شركة النفط المملوكة للدولة (سوليما) لاحقًا خلال شهر حزيران/يونيو2000، كشرط للحصول على الدفعة الأولى من قرض 'التكيف الهيكلي' الجديد من البنك العالمي… فاتورة ديون مضاعفة تعاني العديد من دول 'الجنوب' من ارتفاع الدّيُون الخارجية، ومن بينها الدّول الأفريقية، وفق بيانات البنك العالمي التي تُؤَكِّدُ ارتفاع إجمالي أرصدة الديون الخارجية للبلدان العربية ( ومعظمها في إفريقيا) من 243,2 مليار دولار سنة 2013 إلى 442,7 مليار دولار سنة 2023، وارتفعت مدفوعات الفوائد من 5,4 مليار دولار سنة 2013 إلى 7,3 مليار دولار سنة 2020، وفي إفريقيا جنوب الصّحراء الكبرى التي تتميز بأعلى معدّلات فَقْر السُّكّان، رغم الثروات الهائلة، تضاعف حجم الدين العام بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ سنة 2010، ليصل إلى حوالي 1,14 تريليون دولار بنهاية سنة 2022، مما تسبب في مخاطر اقتصادية لما لا يقل عن 22 دولة إفريقية، بسبب تراكم الدُّيُون بين سنتَيْ 2010 و 2018 ( أي قبل وباء كوفيد ) وارتفاع حجمها إلى 665 مليار دولار، وارتفعت بسبب جائحة كوفيد19 والحرب في أوكرانيا وارتفاع نسبة الفائدة بنحو 180%، وفق بيانات البنك العالمي… ادّعى صندوق النقد الدّولي 'إطلاق مبادرات لمساعدة هذه البلدان لتجاوز محنة الديون'، خصوصًا خلال جائحة كوفيد، لكن هذه المبادرات أدّت إلى ارتفاع معدلات الدين العام والتضخم إلى مستويات غير مسبوقة، ويُؤثّر ارتفاع الأسعار والتّضخم على الفئات الأكثر هشاشة، فضلا عن ارتفاع أسعار الدولار الأمريكي الذي ضاعف من حجم مدفوعات خدمة الديون المقومة بالدولار، وتضاعفت مدفوعات الفائدة كحصة من الإيرادات في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء على مدى عقد واحد، وعلى سبيل المثال وكلما ارتفع حجم القروض الخارجية زاد استنزاف الموارد، ورغم المستوى المنخفض نسبيا لديون الدول الإفريقية مقارنة بمجموعة السّبع الغنية، ترتفع تكاليف الاقتراض مما يُؤَدِّي إلى تخصيص نسبة كبيرة من الإيرادات الحكومية لخدمة الديون، فعلى سبيل المثال، تُخصّص حكومة غانا 26% من إيراداتها لمدفوعات الفائدة، فيما تُخصص فرنسا نسبة 3% رغم ارتفاع مستوى ديون فرنسا، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، لأن الدّول الإفريقية تدفع أسعار فائدة أعلى بنحو 2 إلى 4 مرات مقارنةً بالدول الغنية، وعمومًا تضطر حكومات دول أفريقيا جنوب الصحراء لدفع نحو 300 مليون دولار من الفوائد الإضافة سنويًا، أي فوائد غير مُستحقة يتم فَرْضُها من قِبَل الدّائنين بعنوان 'ارتفاع المخاطر'، وتسببت هذه الشروط المجحفة وارتفاع نسبة الفائدة وقِصَر مدّة القُروض إلى خسارة ميزانيات دول إفريقيا جنوب الصحراء نحو 2,2 مليار دولارا سنويا، وارتفعت 'مدفوعات خدمة الدّيون' للدّول الإفريقية مجتمعة من 17 مليار دولارا سنة 2010 إلى 74 مليار دولارا سنة 2024 وفق بنك التنمية الإفريقي ( فرع من البنك العالمي)، وكان يمكن توجيه هذه المبالغ أو جزء منها نحو مشاريع البنية التحتية والصحة والتّعليم… قدّرت مجموعة المصرف الإفريقي للتنمية ( أحد فروع مجموعة البنك العالمي ) إجمالي الدّيْن الخارجي لقارّة إفريقيا بنحو 1,12 تريليون دولاررا سنة 2022 وبنحو 1,152 تريليون دولارا سنة 2023، فيما بلغت أسعار الفائدة أعلى مستوى لها خلال أربعين سنة، وسدّدت دول القارة مبلغ 61 مليار دولارا بعنوان 'خدمة الدّيُون' سنة 2010، وارتفع المبلغ (خدمة الدُّيُون فقط) إلى 163 مليار دولارا سنة 2024 ويُقدّر المصرف الإفريقي للتنمية عدد الدّول الإفريقية المُعَرّضة لخطر 'المديونية الحَرِجَة'، أو المُهدّدة بخطر العجز عن السداد ب 25 بلد، وبلغ متوسّط الدّيْن العام للبلدان الإفريقية 61% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2019 ( قبل جائحة كوفيد ) وارتفع إلى 68% سنة 2021 ثم بلغ 65% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2023، أي إن مستوى دُيُون البلدان الإفريقية لا يزال أعلى مما كان عليه قبل كوفيد 19، وقد يؤدي العبء المتزايد لخدمة الديون إلى تقويض أهداف التنمية المستدامة في القارة، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية، في ظل تغيّر هيكل الديون الأفريقية بشكل كبير حيث انخفضت نسبة الدّيون الثنائية من نحو 52% من إجمالي الدُّيُون سنة 2000 إلى 27% من الديون سنة 2023، وشكّلت 'الدّيون التجارية ' نحو 20% سنة 2000 وارتفعت إلى 43% من إجمالي الديون سنة 2023. يُشكّل ارتفاع تكاليف الإقتراض وقِصَر فترة سداد الدّيون جزءًا من العقبات التي قد تؤدّي إلى ارتفاع حالات التخلف عن السداد المُقدّرة سنة 2023 بنسبة 5,5% من إجمالي القروض في إفريقيا وبنسبة 8,5% في أمريكا الجنوبية وبنسبة 13% في أمريكا الجنوبية، وعانت بعض الدّول الإفريقية من عبء الدّيون مثل الحبشة وتشاد وغانا وزمبيا وطلبت إعادة هيكلة ديونها… بدأت الصين تستثمر في إفريقيا وتُصدّر لها السلع، خلال العقد الأخير من القرن العشرين، وحصلت 47 دولة أفريقية ( من إجمالي 53 ) على قروض من الصّين، معظمها مُخصّص للبنية التحتية مثل خط السكة الحديدية الرابط بين الحبشة، التي ليست لها حدود بحرية و جيبوتي الواقعة على البحر الأحمر، وتهيئة وتعميق ميناء مومباسا في كينيا، أو لاستخراج المعادن أو للبناء، ولا تُملي الصين شروطًا اقتصادية أو سياسية لكنها تستهدف الأصُول والموارد التي تحتاجها شركاتها، كما تستهدف أسواق إفريقيا، كما بدأت الصّين تهتم ببعض المواقع الإستراتيجية فأنشأت أول قواعد عسكرية لها في الخارج، في غينيا الإستوائية وجيبوتي… أدّت الدّيون والفساد والسياسات النيوليبرالية وزيادات الضرائب وارتفاع الأسعار إلى احتجاجات عنيفة في غانا وكينيا ونيجيريا وغيرها، وشهدت دول غرب إفريقيا 577 احتجاجًا سنة 2020، بسبب سوء الأوضاع… إن منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي المنطقة الأكثر تأثراً بأزمة الديون، إلى جانب منطقة جنوب آسيا، وعانت شعوب إفريقيا أكثر من غيرها من تدفق رؤوس الأموال من القطاع الخاص بالدّول الغنية (الصناديق الإنتهازية وصناديق الاستثمار والمصارف وشركات التأمين وغيرها) بهدف الحصول على أسعار فائدة وعوائد أعلى من تلك الموجودة في البلدان الغنية، فاقترضت زامبيا من خلال إصدار السندات الحكومية سنة 2012. وغانا سنة 2013، وكينيا والحبشة وساحل العاج سنة 2014، وأنغولا والكاميرون سنة 2015، وبنين سنة 2019، وأصبحت زامبيا والحبشة وغانا، في صعوبات مالية كبيرة حالة تخلف عن سداد ديونها، سنة 2023 بعد أقل من عشر سنوات، لأنها اقترضت بأسعار فائدة مُتغيرة ( غير ثابتة) وعندما ارتفعت الأسعار في البلدان الغنية وانخفضت عائدات التصدير وزادت نفقات الاستيراد أصبحت العديد من البلدان الإفريقية ( وغير الإفريقية) المُقترضة في مأزق بسبب الإنفجار في مدفوعات الفائدة، وفي الفترة ما بين سنتَيْ 2006 و2014، دفعت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء نحو خمسة مليارات دولار من الفوائد سنويا وارتفع هذا المبلغ إلى نحو عَشْر مليارات دولار في الفترة 2016-2017، وإلى 15 مليار دولار خلال الفترة 2019-2022، ثم إلى ما حوالي عشرين مليار دولار سنة 2023، ولا يزال الإرتفاع السّنَوِي مستمرًّا مع استحقاق القروض التي تم الحصول عليها في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وقيام الدول الأفريقية بإعادة تمويلها (الاقتراض لسداد القروض السابقة) بأسعار فائدة أعلى، وخصوصًا منذ الحرب في أوكرانيا سنة 2022. يزعم صندوق النقد الدولي أنه ينقذ العديد من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي تعاني من ظروف أدت إلى تعميق التفاوت وإفقار السكان، وارتفع حجم قروض الصندوق سنة 2023 إلى 37,1 مليار دولارا إلى جنوب أفريقيا وأنغولا ونيجيريا وغانا وساحل العاج وبلدان أخرى، ويشترط صندوق النقد الدولي تطبيق نموذج التصدير الاستخراجي وخفض الإنفاق الاجتماعي والخصخصة، والحصول على العملات الأجنبية بسرعة لسداد ديون القطاع الخاص، والتخصص في تصدير المنتجات الخام ذات القيمة المضافة المنخفضة، على عكس دول الشمال التي تصدر في الغالب المنتجات المصنعة ذات القيمة الزائدة المرتفعة، والتّخصّص في الإنتاج الزراعي المُعدّ للتصدير لتلبية احتياجات أسواق أوروبا وأمريكا، وتبلغ نسبة السلع المصنعة 21,4% فقط من صادرات دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فيما تبلغ صادرات الأغذية غير المصنعة والوقود والمعادن الخام نسبة 78,6% من صادراتها، وبذلك تخصصت هذه البلدان في استخراج المواد الخام والسياحة، على حساب السيادة الغذائية وإهمال حاجيات المواطنين من غذاء وسكن وصحة وتعليم، مما أثار غضب المواطنين واحتجاجاتهم في كينيا ونيجيريا، على سبيل المثال وتم تم قمع المتظاهرين بشدة ( ستون قتيلا في كينيا) لكن تضطر الحكومات إلى التراجع مُؤقّتًا وإلى التخلي عن بعض التدابير التي فرضتها المؤسسات المالية الدوليةيتبع2025-04-03 The post الدّيون، إحدى أدوات الهيمنة 'النّاعمة' ( ج2) ! first appeared on ساحة التحرير.


الجزيرة
٢٠-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
التنقيب في ماضي الخصوم.. هل يعرقل مستقبل حكومة السنغال؟
في أبريل/نيسان القادم سيكون الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي ، ووزيره الأول عثمان سونكو قد أكملا سنة في قيادة البلاد بعد أن خاضا طريقا شاقا كان السجن والحرمان من الحقوق المدنية أحد منعرجاته البارزة. وعلى وقع الوعود بتحقيق الرخاء، والوعيد بمحاسبة رموز النظام السابق، أمضى الرئيس ربع المأمورية البالغة 5 سنوات، والقابلة للتجديد مرة واحدة. مطبات وانتخابات ومع بداية تعيينه في منصب رئيس الوزراء بدأ عثمان سونكو في عرض مقترح تعديلات دستورية طفيفة أمام البرلمان لإلغاء بعض المناصب التي يرى أنها هدر للمال العام ولا تقدم خدمات ملموسة للمواطنين مثل المجلس الأعلى للجماعات المحلية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. لكن البرلمان – الذي كان حينها محسوبا على الرئيس السابق ماكي صال – شكل عقبات ومطبات في وجه طموحات رئيس الوزراء وإصلاحاته، إذ أسقط مقترح التغيير الدستوري، وبدأ الخلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يتزايد حتى قرر تحالف نواب "بينو بوك ياكار" (التحالف من أجل السنغال) تقديم ملتمس لحجب الثقة عن الحكومة وإسقاطها. وفي خطوة اعتبر مراقبون أنها جريئة، أصدر الرئيس فاي مرسوما رئاسيا يقضي بحل البرلمان ويدعو لانتخابات تشريعية مبكرة، وحقق فيها حزب "الوطنيون الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة" (باستيف) اكتساحا كبيرا للساحة، إذ حصل على 130 مقعدا من أصل 165. وإثر صدور نتائج الانتخابات التشريعية، أعاد رئيس الجمهورية تكليف سونكو بقيادة الحكومة من جديد، وأدخل فيها قيادات بارزة كانت معارضة للنظام المنصرف. اتهامات متبادلة ينحدر سونكو من الطبقات الهامشية، وعاش جزءا من شبابه في منطقة كازامانس حيث الخلافات والتمرد وعدم الخضوع لأوامر الدولة. وعندما أراد دخول المعترك السياسي، رفع شعار محاربة الفساد وضرورة محاسبة المسؤولين، فانجذب إليه الشباب، والحالمون بالتغيير وتحسين الأوضاع المعيشية. وفي عام 2018 ألف كتابا تحت عنوان "البترول والغاز في السنغال.. النهب المزمن" ركز فيه على الفساد المتعلق بصفقات استخراج ثروة البلاد. وقد ظلت هذه الشعارات لصيقة بذهنه وجزءا من أفكاره ومبادئ حزبه، وعندما أصبح رئيسا للوزراء بدأ في تجسيدها على أرض الواقع، فدخل في صدام مع رجال السياسة والنفوذ وأصحاب رؤوس الأموال. قررت الحكومة تشكيل لجنة من الخبراء الماليين والقانونيين لمراجعة عقود النفط والغاز التي أبرمت في العهد السابق للنظر في مدى مطابقتها لمصالح الأمة. وبعد فترة وجيزة أعلن رئيس الوزراء في نهاية سبتمبر/أيلول 2024 نتائج المراجعة والتدقيق، إذ زعم وجود خروقات مالية وتزوير للأرقام في سجلات الحكومة. وفي 13 فبراير/شباط الجاري أصدر مجلس التدقيق في محكمة الحسابات تقريرا عن الوضع المالي للبلاد يشمل الفترة الممتدة من سنة 2019 وحتى 31 مارس/آذار 2024، وهي الولاية الأخيرة للرئيس السابق ماكي صال الذي كان خصما للنظام الحالي وأدخل قياداته إلى السجن. وتحدث التقرير عن خروقات واسعة في التسيير، وتزوير الأرقام التي كانت تقدم للشركاء الدوليين، إذ كشف أن الديون المستحقة على ميزانية الدولة حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2023 تصل إلى 18 ألف مليار فرنك غرب أفريقي أي نحو 28 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 99.67 من الناتج المحلي، وهي نسبة تفوق ما قدمته الحكومة السابقة إذ قالت إن الدين العام يمثل 74% من الناتج. كما قال التقرير إن العجز في الموازنة العامة لسنة 2023 وصل 12.3% وهو يخالف 4.9% التي تم إعلانها في الحقبة الماضية. واتهم مالك أندور الوزير السابق والقيادي في حزب التحالف من أجل الجمهورية السلطات بالسعي إلى تشويه صورة الخصوم، واعتبر أن التقرير الصادر من محكمة الحسابات لا يتضمن إدانة لأي شخص رغم أن النظام هو من يقف خلفه. أبواب المحاكم وقال وزير العدل عثمان دياني إن التقرير المالي كشف عن تجاوزات قد تشكل جرائم غسيل الأموال، والإثراء غير المشروع، وكذلك الاحتيال على الأموال العمومية. وأضاف الوزير أن المتورطين في هذه التجاوزات إذا أثبتت التحقيقات جرمهم سيعرضون على المحاكم من دون استثناء، رغم أنه لم يذكر أحدا باسمه. وفي 16 فبراير/شباط الجاري عقد حزب التحالف من أجل الجمهورية المحسوب على ماكي صال مؤتمرا صحفيا، قال فيه إنه يطالب بعرض تقرير محكمة الحسابات على المحاكم القضائية العادية والمجلس الدستوري والمحكمة العليا، وكذا المحاكم الإقليمية والدولية. وقال الحزب إنه سيتقدم بشكوى ضد محكمة الحسابات في السنغال بتهمة التزوير وتشويه شرف المواطنين الذين تولوا مناصبة عامة وحساسة في الدولة. ويرى عضو الجمعية الوطنية "تيرنو حسن صال" أن تقرير محكمة الحسابات ليس سوى أداة لتنفيذ أمر السلطة التنفيذية الجديدة، لأنه قام بفرز الملفات بشكل انتقائي ليحاكم أشخاصا معينين، واعتبر أن التقرير ليس له مصداقية لأن محكمة الحسابات سبق لها أن صادقت على مشروع قانون تسوية الميزانية للسنوات المذكورة، وقد ناقضت نفسها. سياسة الإلهاء وتساءل عضو الجمعية الوطنية النائب تيرنو ألاسان عن الوعود التي قدمها رئيس الوزراء السنغالي للشعب قائلا إنه مضى أكثر من 8 أشهر على انتظار تحسن الأوضاع المعيشية وخلق فرص اقتصادية. واعتبر النائب أن الوعود التي التزم بها سونكو تبين أنها ليست دقيقة، وأصبح النظام يبحث عن طرق لاستهداف خصومه عبر انتقاء ملفات معينة والانشغال بها بدلا من واجباته التي تتمثل في إحداث نهضة تنموية. من جانبه، قال النائب من كتلة " تاكو والو" عبدو أمبو إن الدول لا تتطور بالانتقام من الأشخاص والإساءة للرموز والقضاء على تاريخهم، معتبرا أن ما يقوم بها رئيس الوزراء الحالي ليس سوى نوع من سياسة الإلهاء، مقابل عجزه عن تقديم بديل لهجرة المواطنين الذين يموتون في البحر ويعاملون كعبيد في إسبانيا وأوروبا. وشبه النائب التقرير الذي صدر مؤخرا عن الحالة الاقتصادية بأنه "غطاء للبؤس" الذي تعيشه البلاد ومحاولة للتستر على مشاكل المواطنين. وقد شهدت الأيام الأخيرة توسعا ملحوظا في صفوف المناوئين للحكومة، إذ تم تشكيل تحالف جديد أطلق عليه "جبهة الدفاع عن الديمقراطية والجمهورية"، ويتألف من 76 مكونا يضم أحزابا سياسية وهيئات نقابية وحقوقية، وتكتلات شبابية، وتسعى جميعها إلى رص الصفوف من أجل الوقوف أمام حزب باستيف. ويضم التحالف الجديد شخصيات سياسية وازنة من بينها عمدة بلدية دكار السابق خليفة صال، ورئيس الوزراء الأسبق إدريسا سك، ورئيس حزب "البديل من أجل الوطن" أنتا بابكر. ويقول أصحاب التحالف المذكور إنهم سيوحدون أصواتهم ضد هيمنة الحزب الحاكم الذي يسعى إلى التفرد بالساحة عبر استهداف الرموز السياسية في البلاد. مستقبل الساحة وفي حديث للجزيرة نت يقول المحلل السياسي والخبير في الشأن الأفريقي الحسين ولد حمود إن الخلافات السياسية والتباين في وجهات النظر من مظاهر الحكم الديمقراطي، لكن السنغال ليس في صالحه العمل على التأزيم والانسداد، حيث كان حديث عهد بالتوترات التي تسببت في مقتل وإصابة العشرات في سنة 2023. ويرى ولد حمود أن حزب باستيف عليه الاستفادة من أخطاء النظام السابق، وتركيز الجهود على إنجاز المشاريع التي على أساسها تم انتخابه من قبل الجماهير الشبابية العريضة في السنغال، حتى يبقى متحكما في الساحة السياسية على المدى البعيد. ويرى أمادو تيديان الباحث في معهد العلوم السياسية في بوردو بفرنسا أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة برهنت على أن حزب باستيف بفضل شخصية سونكو يمتلك الكلمة في الميدان السياسي على الأقل في الوقت الحالي. ويضيف في مقال نشرته صحيفة "أفريك كونفيدنتييل" أن سونكو تحول من رمز للأمل إلى عنوان للعجز وسوء التقدير، ولن يكون له حضور بعد هذه المأمورية، لأن الثقة التي تبنى على مدى عقود تنهار بسرعة إذا ما استمر السياسي في تكرير نفس الخطاب دون أن يجسده على أرض الواقع.