أحدث الأخبار مع #معاناة_السكان


الشرق الأوسط
منذ 2 أيام
- أعمال
- الشرق الأوسط
600 يوم على حرب غزة... أرقام وحقائق صادمة لواقع مأساوي
بعدما أتمّت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 600 يوم، لا يزال سكانه يكابدون معاناة هي الأقسى منذ عقود، يذوقون فيها كل يوم مرارة الفقد والموت والتدمير والتجويع، وذهاب أطفال نتيجة سوء التغذية. وعلى الرغم من أن الحياة في القطاع قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كانت مليئة بظروف اقتصادية صعبة، مع اعتماد أكثر من 80 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية، لكن المأكل والمشرب والعمل... كلها كانت أموراً متاحة للسكان بسهولة أكبر مما عليه الحال حالياً. كانت هناك أزمات كهرباء ونسبة بطالة عالية، لكن ليس بنفس سوء الوضع الحالي. فما إن بدأت الحرب على القطاع، حتى أجبرت القوات الإسرائيلية أهله على النزوح من مناطق سكنهم. ولم تكتفِ بالقصف الجوي والمدفعي والبحري، بل تعمدت تدمير البنية التحتية، بما في ذلك مصادر الماء والكهرباء والمنازل والمباني وغيرها، في خطوة هدفت في الأساس إلى إعادة غزة للعصر الحجري. كانت في العديد من مناطق قطاع غزة أحياء راقية يقطنها من يُطلق عليهم أصحاب الطبقة العليا، كما كان هناك الكثير من الأبراج والعمارات السكنية التي تم تعميرها على مدار سنوات، وتسكنها طبقات من المتوسطة إلى العليا، لكن كل هذه المناطق، ومنها أحياء الرمال، وتل الهوى، والنصر، والكرامة، والمخابرات، والمشتل، والعودة، تحولت إلى أكوام من الركام. كانت تلك الأحياء تنبض قبل الحرب بالحياة، كانت عامرة بالمطاعم والمقاهي والمتنزهات والمحال التجارية التي تعرض أفخم الماركات العالمية، لكنها جميعاً أصبحت لا تضم سوى خيام تؤوي نازحين. ومن بين هذه الخيام نبتت مقاهٍ بسيطة تقدم مشروبات خفيفة، لكن عملها متقطع لا يدوم بسبب نقص الاحتياجات الأساسية. وهناك أحياء أخرى ظلت لسنوات وعقود رمزاً لقطاع غزة، مثل الشجاعية والزيتون، وكانت توجد بلدات ومخيمات، مثل بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، وصولاً إلى مخيمات الوسط وخان يونس وبلداتها الشرقية ورفح التي كان يُطلق عليها البعض «عاصمة التجارة الحرة»، قبل أن تتحول جميعها إلى خرابة بعد تعمُّد هدم مبانيها ومنازلها، بالقصف الجوي تارة، وبالنسف باستخدام أطنان من المتفجرات تارة أخرى. وتشير إحصائيات حكومية غير نهائية إلى أن نسبة الدمار الشامل وصلت إلى 88 في المائة. صورة للدمار بشمال غزة التُقطت من الجانب الإسرائيلي من الحدود في 17 مايو 2025 (رويترز) ربما كان التدمير في بعض فترات الحرب عشوائياً؛ لكنه في معظم الفترات، وخاصةً بعد أول اتفاق لوقف إطلاق النار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 والذي استمر سبعة أيام فقط، أصبح أكثر منهجية من خلال تدمير شامل تضاعف وتكثف خلال آخر ثلاثة أشهر سبقت هدنة مؤقتة دخلت حيز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني) 2025. غلب الركام والدمار على مشاهد الأحياء والمخيمات والبلدات المختلفة في قطاع غزة، فنادراً ما يوجد منزل سليم؛ فمن بين كل عشرة منازل هناك منزلان فقط يصلحان للسكن بعد إجراء إصلاحات بسيطة، بينما الأخرى إما متضررة ضرراً بالغاً وإما مدمَّرة بالكامل. وخلال فترة وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية في يناير الماضي، عاد الغزيون لمناطق سكنهم، ونصبوا خيامهم فوق الركام وفي الساحات، لكن سرعان ما تبدد وقف إطلاق النار بعد نحو شهرين، ليعاودوا النزوح من مكان إلى آخر تحت نيران القصف المتجدد. أما شواطئ القطاع التي كانت تعج بالمصطافين والاستراحات والمطاعم والمقاهي وصالات الأفراح، فقد تحولت، خاصةً في مناطق الوسط والجنوب، إلى أماكن لاستيعاب مئات الآلاف من النازحين الذين أقاموا في خيام وسط ظروف بالغة القسوة. وبات ميناء غزة في الأسابيع القليلة الماضية ساحة كبيرة من آلاف الخيام بعد نزوح سكان الشمال. وفي أحيان، كانت هذه الشواطئ - خاصة في شمال القطاع ومدينة غزة - مسرحاً للعمليات العسكرية تمر عبره القوات الإسرائيلية وتستخدمه ممراً لدخولها وخروجها. جاءت الحرب فقلبت واقع حياة الغزيين رأساً على عقب، ومع اختفاء مصادر المياه النظيفة، اضطروا في مرات عديدة لشرب مياه لا تصلح حتى للاستهلاك الآدمي، ما تسبب بأزمات صحية وبيئية خطيرة، خاصةً في مناطق النزوح، مثل مواصي رفح وخان يونس جنوب قطاع غزة. ومع الانقطاع الكامل للكهرباء، باتوا يعتمدون على ما يتوفر من طاقة شمسية لدى بعض المقتدرين منهم، الأمر الذي فتح لهؤلاء تجارة، ليست دائمة ولا بالكبيرة، لكنها تجلب لهم جزءاً من قوت يومهم. واختفت غالبية أنواع الطعام؛ وبعدما كان من النادر أن ينام أحد جائعاً في السابق، لا تجد الآن الغالبية - صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً - ما يسد رمقهم. ووصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأربعاء، قطاع غزة بأنه «أكثر الأماكن جوعاً على وجه الأرض»، محذراً من أن الوقت ينفد بسرعة كبيرة، «والأرواح تزهق كل ساعة». تَدافُع للحصول على غذاء من تكية خيرية في منطقة المواصي بخان يونس يوم الجمعة الماضي (أ.ب) وخلال فترات الحصار المتكرر في الحرب، فقد أكثر من 60 طفلاً حياتهم نتيجة سوء التغذية، فيما تُوفي 242 بسبب نقص الغذاء والدواء، كما تؤكد إحصائية لمكتب الإعلام الحكومي بغزة التابع لـ«حماس». ضاع التعليم في قطاع غزة مثلما ضاعت أشياء كثيرة، فأصبح الطلاب بلا مدارس أو معاهد أو جامعات، وتحولوا من دارسين إلى مشردين أو منتظرين في طوابير طويلة أملاً في الحصول على لقمة طعام أو شربة ماء لهم ولأهليهم. وتحول القليل الذي بقي من المدارس والجامعات لمراكز إيواء لم تسلم هي الأخرى من القصف بمن فيها، وحاصرت القوات الإسرائيلية مباني تعليمية أخرى وعملت على تجريفها بعد اقتحامها واعتقال من بداخلها أو إجبارهم على النزوح في أعقاب التحقيق معهم. مخيمات نازحين في مدرسة تابعة للأونروا بمدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز) ووفقاً لإحصائيات متطابقة من مصادر مختلفة، فقد نحو 13 ألف طالب حياتهم خلال الحرب التي حاولت إسرائيل من خلالها إنشاء جيل جديد بغزة لا يعرف القراءة أو الكتابة؛ لكن سرعان ما تدارك المعلمون وبعض المنظمات الشبابية والدولية ذلك، فصنعوا من الخيام والصفيح صفوفاً يذكّرون بها الجيل الصاعد بمناهج الدراسة، لكن القصف كان يلاحقهم في كل مرة، الأمر الذي صعَّب من مهمتهم. وبحسب الإحصائيات، دمرت القوات الإسرائيلية 149 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية كلياً، و369 جزئياً، وقتلت 800 من المعلمين والكوادر التربوية. لم تقتصر الهجمات الإسرائيلية على استهداف المسلحين أو عناصر «حماس» وحسب، بل طالت عامة المدنيين في منازلهم أو خيامهم، إضافة إلى أطباء وصحافيين وأكاديميين، فقُتل المئات منهم في هجمات مباشرة. وتشير إحصائيات متطابقة إلى أن 1581 من الكوادر الطبية قُتلوا خلال الحرب، فيما قُتل أكثر من 220 صحافياً، وأكثر من 150 عالِماً وأكاديمياً من أصحاب العلوم المميزة في جامعات غزة. تعبيرات الوجيعة في جنازة فلسطينيين قتلوا في ضربات إسرائيلية في خان يونس بجنوب قطاع غزة يوم الأربعاء (رويترز) وبحسب وزارة الصحة في غزة، خرج 22 مستشفى من أصل 38 من الخدمة، وأصبح رصيد 47 في المائة من قائمة الأدوية الأساسية، و65 في المائة من قائمة المستهلكات الطبية صفراً. ولا يعمل حالياً سوى 30 مركز رعاية أولية من أصل 105 مراكز، وتوفي 41 في المائة من مرضى الفشل الكلوي خلال الحرب. لا يكاد يخلو منزل في قطاع غزة من شخص فُقد ضحية لقصف هنا أو هناك، أو جريح أصيب، أو أسير، أو مفقود لا يُعرف مصيره. آخر الإحصائيات كما تعلن وزارة الصحة بغزة تفيد بمقتل 54 ألفاً و84 فلسطينياً وإصابة أكثر من 123 ألفاً آخرين منذ السابع من أكتوبر 2023، ولا يزال آلاف الضحايا في عداد المفقودين. وتشير بيانات الوزارة إلى أن إسرائيل ارتكبت «14 ألف مجزرة بغزة، وتسببت بمسح 2483 عائلة من السجل المدني بالكامل»، فيما بقيت 5620 عائلة ليس بها إلا ناجٍ واحد. ووفقاً للإحصائية ذاتها، يسقط طفل قتيل كل 40 دقيقة، وسيدة كل 60 دقيقة. كما تشير إلى مقتل 16854 طفلاً منذ بداية الحرب بواقع 31.5 في المائة من أعداد الضحايا، مشيرةً إلى أن من بين هؤلاء 931 طفلاً كانت أعمارهم أقل من عام واحد. فلسطيني يحمل جثمان جنين قُتلت أمه في ضربة إسرائيلية بمدينة غزة الأربعاء (رويترز) وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بأن أكثر من 950 طفلاً قتلوا في غضون شهرين فقط، فيما كانت قد أشارت سابقاً إلى أن نحو 50 ألف طفل قُتلوا وأُصيبوا منذ بداية الحرب. قبل الحرب، كانت حركة «حماس» قوية تبسط سيطرتها على القطاع حكومياً وعسكرياً وسياسياً، لكن الأمر اختلف بعد هجومها المفاجئ في السابع من أكتوبر 2023، فمرت بالكثير من المنعرجات، وحالات ضعف ثم قوة ثم ضعف. ارتبط هذا بطرق الاستهداف الإسرائيلي لقياداتها وكوادرها، والذي بقي لأشهر ضعيفاً غير قادر على اغتيال أو قتل أبرز قياداتها والوصول إليهم. غير أن إسرائيل تمكنت من القضاء على أبرز الوجوه، خاصةً في أعقاب استئناف الحرب في 18 مارس (آذار) الماضي، وشن أكبر الهجمات وأخطرها على الحركة، والتي يقول كثيرون إنها أضعفتها فعلياً بعد سلسلة اغتيالات مؤثرة. فلسطينيون يحملون مساعدات تلقوها من «مؤسسة إغاثة غزة» في خان يونس بجنوب القطاع يوم الأربعاء (رويترز) وطوال فترة الحرب، كانت لدى «حماس» القدرة على توفير رواتب لموظفيها وعناصرها من مختلف المستويات الحكومية والعسكرية والتنظيمية، ولو بالحد الأدنى؛ لكن منذ استئناف الحرب، لم تعد قادرة على ذلك، وباتت تجد صعوبة بالغة في توفير أي مبالغ مالية بسيطة لهم. وأصبحت الحركة تعاني فراغاً إدارياً ومالياً، حتى على المستوى العسكري وتوفير القدرات اللازمة لعناصرها؛ لكنها ما زالت تحاول إظهار تماسكها من خلال عمليات تنفذها بين الفينة والأخرى ضد القوات الإسرائيلية، وإن لم تكن بذات الزخم السابق. وفعلياً، فقدت «حماس» قدرتها على إدارة الوضع الحكومي بغزة؛ كضبط الأسعار في الأسواق، أو القدرة على حماية المساعدات أو ضبط اللصوص وغير ذلك. وباتت الحركة تعمل فعلياً بشكل غير منظم تنظيماً كاملاً. ومع هذا، لا تزال الحركة متماسكة في بعض المناطق، لكن ليست بذات القوة التي كانت تتمتع بها من قبل، ما سهَّل على خصومها أمر انتقادها، بل التهجم عليها علناً، والخروج بمسيرات ضدها، وهو ما لم يكن معهوداً من قبل.


الجزيرة
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- منوعات
- الجزيرة
عدن في قبضة الظلام و أزمة كهرباء تخنق الحياة
عدن- في حي شعبي مكتظ بمدينة عدن، يقف منصور سفيان (45 عاما) أمام منزله الغارق في الظلام، محاطا بأطفاله الثلاثة، باحثا بيأس عن نسمة هواء تخفف لهيب صيف قائظ في المدينة التي تتخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا عاصمة مؤقتة للبلاد. هذا المشهد لا يشكّل استثناءً، بل يعكس معاناة يومية يعيشها سكان عدن، الذين يرزحون تحت وطأة أزمة كهرباء خانقة، حوّلت حياتهم إلى جحيم لا يُطاق، ودَفعت بالمدينة المنهكة نحو كارثة إنسانية تلوح في الأفق. يعيش منصور في منطقة الشيخ عثمان مع أسرته المكوّنة من 5 أفراد، يتناوبون في ليالٍ خانقة بين جدران المنزل وسطح يعجّ بالبعوض، كحال آلاف السكان الذين يُجبرون على قضاء لياليهم في العراء أو فوق الأسطح، هربا من غرفٍ تحوّلت بفعل الحر وانقطاع الكهرباء إلى أفران تخنق الأنفاس وتسلب النوم. فصول المعاناة تعاني عدن من انهيار شبه تام في منظومة الكهرباء، مع انقطاع يتجاوز 22 ساعة يوميا، في أزمة تُعدّ الأسوأ في تاريخ المدينة التي كانت أول من عرفت خدمة الكهرباء في شبه الجزيرة العربية خلال عشرينيات القرن الماضي. يقول منصور للجزيرة نت واصفا معاناته: "النوم صار حلما بعيد المنال.. الليل جحيم من الحر، والنهار أشد وطأة"، ويضيف بنبرة يائسة: "نعيش في جحيم لا يُطاق، لا أحد يسمعنا.. وكأننا خارج حسابات الدولة تماما". ولا تقتصر المعاناة على الحر والأرق، بل تحوّلت الأزمة إلى كابوس يهدد حياة السكان، بعدما ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة، وأدّت إلى تعطيل الخدمات الحيوية، كالمياه والصرف الصحي والرعاية الصحية، لتُصبح من أشد فصول المعاناة التي مرت بها المدينة. وأدى استمرار الانقطاعات خلال الأيام الماضية إلى تصاعد موجة من الغضب الشعبي، حيث خرج السكان في احتجاجات غاضبة شملت إشعال إطارات السيارات وإغلاق الشوارع، تنديدا بتدهور الخدمات العامة، وفي مقدمتها الكهرباء. والاثنين الماضي، شهدت عدن حادثة مأساوية، حيث تُوفي مواطن وزوجته اختناقًا بغاز أول أكسيد الكربون داخل سيارتهما، بعد لجوئهما إليها للنوم هربًا من الحر الشديد. ورغم أن أزمة الكهرباء المزمنة تتكرر كل عام في عدن، خاصة خلال فصل الصيف، فإن المدينة لم تشهد من قبل انقطاعا شاملا وطويل الأمد كما يحدث اليوم، ما يهدد حياة السكان ويشلّ المرافق الحيوية. يصف وكيل محافظة عدن لقطاع المشاريع، المهندس غسان الزامكي، الوضع الراهن بـ"الكارثي والمأساوي"، في ظل ارتفاع درجات الحرارة والانهيار شبه الكامل لمنظومة الطاقة، مؤكدا في حديثه لـ"الجزيرة نت" أن الأزمة تؤثر بشكل مباشر على خدمات المياه والصرف الصحي، ما يستدعي تحركا عاجلا من الجهات المعنية لمنع تفاقم الوضع. جذور الأزمة يُرجع مسؤولون السبب الرئيسي لتفاقم الأزمة إلى تهالك البنية التحتية، وتراجع الطاقة الإنتاجية مقارنة بالاحتياج الفعلي، إلى جانب العجز المزمن في توفير الوقود وقطع الغيار اللازمة، وتكاليف التشغيل الباهظة. وتعتمد مدينة عدن على مزيج من المحطات العاملة بالمازوت والديزل والنفط الخام، إلى جانب حقل للطاقة الشمسية. ومن أصل 17 محطة توليد، تعمل حاليا 5 فقط، بينما توقفت 12 محطة عن الخدمة بسبب نفاد الوقود وغياب الصيانة، وفقا لمسؤولين في القطاع. وتقول الحكومة اليمنية إن كلفة تشغيل الكهرباء في عدن تبلغ نحو 55 مليون دولار شهريا، بمعدل 1.8 مليون دولار يوميا، بينما لا تغطي الإيرادات الشهرية كلفة تشغيل يوم واحد، ما يزيد من تعقيد الأزمة المالية والخدمية. ويشير المهندس الزامكي إلى أن جذور الأزمة تعود إلى توقف مصافي عدن عقب حرب صيف 2015، والتي كانت المصدر الرئيسي لتكرير وتوزيع المشتقات النفطية لمحطات الكهرباء، ما أجبر الحكومة على استيراد الوقود بأسعار باهظة، لا سيما أن معظم المحطات تعتمد على الديزل، وهو من أكثر أنواع الوقود كلفة. ويضيف أن مشروع "محطة الرئيس"، الذي يعمل بالنفط الخام بطاقة 64 ميغاواتا، ساهم جزئيا في تخفيف الأزمة، إلا أن إمدادات الوقود الخام غير منتظمة بسبب توقف الإنتاج في حقول حضرموت وشبوة ومأرب نتيجة هجمات الحوثيين، ما زاد الوضع تعقيدا. فجوة كبيرة وبحسب الزامكي، تحتاج عدن إلى نحو 600 ميغاوات يوميا لتلبية الطلب وتجاوز الأزمة، في حين أن الطاقة التوليدية المتاحة حاليا لا تتجاوز في أفضل الأحوال 138 ميغاواتا، ما يخلق فجوة كبيرة ويزيد من معاناة السكان. ويُفاقم الأزمة تردّي الخدمات العامة والانهيار الاقتصادي الحاد الذي تعاني منه المدينة، إلى جانب التدهور المستمر في قيمة العملة المحلية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار واتساع رقعة الفقر، وجعل اللجوء إلى المولدات أو شراء الوقود ترفا لا تقدر عليه غالبية الأسر المنهكة أصلا. وتتزايد المخاوف من تفشي الأوبئة والأمراض، خاصة بعد إعلان مكتب إدارة الترصد الوبائي منتصف أبريل/نيسان الماضي تسجيل أكثر من 50 ألف حالة اشتباه بالملاريا، وألف حالة مؤكدة بحمى الضنك، بالإضافة إلى 12 حالة وفاة. ويخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار الأزمة من دون تدخل عاجل لتوفير الوقود وإعادة تأهيل البنية التحتية لقطاع الكهرباء إلى مزيد من التدهور الإنساني، ما قد يعقد الأوضاع بشكل أكبر. تداعيات كارثية في هذا السياق، يُحذر الصحفي والمحلل الاقتصادي ماجد الداعري من تداعيات كارثية لأزمة الكهرباء، مشيرا إلى أن تأثيرها لا يقتصر على الجوانب المعيشية، بل يمتد ليشكّل أزمة اقتصادية وصحية وإنسانية شاملة. وقال في حديثه لـ"الجزيرة نت" إن غياب الكهرباء يعطّل مختلف الأنشطة الاقتصادية، بدءا من بائعي البقالة الذين تتلف بضائعهم في الثلاجات، مرورا بأصحاب الورش والمطاعم والبوفيهات الذين تتوقف أعمالهم، وصولا إلى الأسر التي تفتقر إلى أبسط مقومات الراحة. وأشار إلى أن اللجوء إلى المولدات الخاصة يزيد من الأعباء المالية، إذ تتجاوز تكاليف التشغيل ما يمكن تحقيقه من أرباح، خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي المتواصل وتدهور سعر العملة المحلية.