logo
#

أحدث الأخبار مع #معمر_القذافي

المجلس الرئاسي أعلى سلطة تنفيذية في ليبيا
المجلس الرئاسي أعلى سلطة تنفيذية في ليبيا

الجزيرة

timeمنذ 5 أيام

  • سياسة
  • الجزيرة

المجلس الرئاسي أعلى سلطة تنفيذية في ليبيا

هيئة سياسية عليا مكلّفة بإدارة شؤون الدولة في ليبيا ، استنادا إلى الاتفاق السياسي الموقع في العاصمة طرابلس في ديسمبر/كانون الأول 2015. إذ يُشرف المجلس على الحكومة المؤقتة، ويضطلع بدور السلطة التنفيذية العليا في الدولة. ويتولى مسؤولية إدارة الملفات الداخلية والعلاقات الخارجية للبلاد، بما يعزز من جهود تحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام السياسي القائم، وتُتخذ قراراته بالإجماع. مقدمات ودواعي التأسيس شهدت ليبيا سلسلة من التغيرات السياسية أفضت إلى تشكيل حكومات عقب سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، بدءا من حكومة محمود جبريل ، التي تشكلت في 23 مارس/آذار 2011، وتلتها حكومة علي الترهوني في أكتوبر/تشرين الأول 2011، ثم عبد الرحيم الكيب الذي تولى رئاسة حكومة انتقالية من نوفمبر/تشرين الثاني 2011 حتى أغسطس/آب 2012، وشهدت ولايته تأسيس برلمان انتقالي وهو المؤتمر الوطني العام. وفي أغسطس/آب 2012، تسلم المؤتمر الوطني السلطة، وكلف مصطفى أبو شاقور بتشكيل حكومة لكنه فشل، فوقع الاختيار على علي زيدان الذي شكّل حكومة وفاق استمرت حتى مارس/آذار 2014. وبعد سقوط زيدان، تولى عبد الله الثني مهمة تسيير الأعمال، ثم انتُخب أحمد معيتيق لكنه استقال في يونيو/حزيران 2014. وعقب انتخابات مجلس النواب في أغسطس/آب 2014، وقرار المحكمة الدستورية ببطلانه، انقسمت البلاد سياسيا بين مجلس منتخب ومؤتمر منتهية ولايته. في المقابل، كلف المؤتمر عمر الحاسي بتشكيل حكومة في طرابلس، ثم خليفة الغويل ، وهما حكومتان لم تحظيا باعتراف دولي. أما عبد الله الثني، فقد أعاد مجلس النواب تكليفه برئاسة الحكومة الشرعية، التي اتخذت من طبرق مقرا لها. وفي إطار تسوية برعاية الأمم المتحدة ، تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2015. النشأة والتأسيس تأسس المجلس الرئاسي الليبي استنادا إلى الاتفاق السياسي الليبي الذي تم توقيعه برعاية الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2015، بهدف إعادة توحيد مؤسسات الدولة وإنهاء الانقسام المؤسسي. ويتخذ المجلس من العاصمة طرابلس مقرا رسميا له منذ 30 مارس/آذار 2016. بموجب هذا الاتفاق، أُوكل إلى المجلس مهمة الإشراف على حكومة الوفاق الوطني، والتي تُعد الذراع التنفيذية له، في إطار السلطة المعترف بها دوليا في المرحلة الانتقالية، ويضطلع المجلس بمهام إدارة الشؤون الداخلية والخارجية للدولة. ويتكون المجلس من 3 أعضاء يمثلون الأقاليم الليبية الثلاثة، وهي: طرابلس (المنطقة الغربية)، برقة (المنطقة الشرقية)، وفزان (المنطقة الجنوبية). رئيس المجلس الرئاسي يُناط برئيس المجلس الإشراف العام على أعمال المجلس وترؤس الاجتماعات، إضافة إلى توقيع القرارات الصادرة عنه. ويُمثل الدولة الليبية بروتوكوليا في علاقاتها الخارجية، ويضطلع بمهام التمثيل الرسمي في المناسبات والمحافل الدولية. ويعد فايز السراج، أول من ترأس المجلس في الفترة بين 12 مارس/آذار 2016 والخامس من فبراير/شباط 2021، وهو عضو سابق في مجلس النواب بطبرق، وكان ممثلا عن إحدى دوائر مدينة طرابلس. المهام والتخصصات يتولى المجلس الرئاسي مجموعة من المهام السيادية والتنفيذية التي تنظمها التشريعات الليبية النافذة والاتفاق السياسي الليبي، وتشمل: يؤدي المجلس الرئاسي مهام القائد الأعلى للجيش الليبي، بما في ذلك التعيين في المستويات القيادية داخل المؤسسة العسكرية، بما يتماشى مع القوانين المعمول بها. كما يختص بإعلان حالة الطوارئ ، واتخاذ قرارات الحرب والسلم، وذلك بعد الحصول على موافقة مجلس النواب. وفي المجال الدبلوماسي، يُعنى المجلس باعتماد ممثلي الدول والهيئات الأجنبية لدى الدولة الليبية، إضافة إلى تعيين وإعفاء سفراء ليبيا وممثليها في المنظمات الدولية، بناء على اقتراح من رئيس الحكومة، ووفقا لما نص عليه الاتفاق السياسي والتشريعات الليبية. كما يُصادق المجلس على البعثات الدبلوماسية الجديدة. وعند تشكيل الحكومة، يتولى المجلس الرئاسي بالتشاور مع وزيري الدفاع والخارجية، إحالة التشكيلة الوزارية إلى مجلس النواب لاعتمادها. ومن مهامه أيضا، إطلاق مسار المصالحة الوطنية وتشكيل مفوضية وطنية عليا. ويمتلك المجلس الرئاسي صلاحية حصرية في تعيين أو إقالة شاغلي المناصب السيادية الحساسة، بما في ذلك رئيس جهاز المخابرات العامة ورئيس وأعضاء المفوضية الوطنية العليا، وكذلك رؤساء الأجهزة التابعة لرئاسة الدولة.

تسجيل نادر يهز الأسطورة.. متى فاوض عبد الناصر إسرائيل في السر؟
تسجيل نادر يهز الأسطورة.. متى فاوض عبد الناصر إسرائيل في السر؟

الجزيرة

timeمنذ 6 أيام

  • سياسة
  • الجزيرة

تسجيل نادر يهز الأسطورة.. متى فاوض عبد الناصر إسرائيل في السر؟

مؤخرا، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، وحتى خارجها، إثر نشر تسجيل منسوب إلى الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر يعود إلى شهر أغسطس/آب عام 1970، يجمعه مع نظيره الليبي معمر القذافي ، ولم يكن الجدل مرتبطا فقط بتاريخ التسجيل أو وقت ظهوره، بقدر ما تعلق بمحتواه، حيث ظهر فيه عبد الناصر "متقمِّصا" لشخصية خلفه محمد أ نور السادات الذي لطالما صُوِّرت ممارساته في السياسة الخارجية على أنها انقلاب تام وجذري على السياسات الناصرية. لم تؤكد ولم تنفِ أي جهة رسمية مصرية صحته، لكن عبد الحكيم عبد الناصر، نجل الرئيس المصري الراحل، أكد صحة محتواه في حديث لصحيفة الشروق المصرية. في التسجيل المنتشر يتحدث ناصر بصوت متهدج، ويحاول أن يشرح لنظيره الليبي أن الحرب الشاملة مع إسرائيل ومحاولة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر هي سياسة مستحيلة عمليا، وأن الأفضل هو الانخراط في مبادرات السلام، وأخذ ما يمكن أخذه من الأراضي المحتلة عبر الاتفاقيات مهما كانت شروطها مُرَّة، منوِّها أن اليهود "متفوقون على العرب في كل شيء"، وفقا لما نُسب إليه في التسجيل المسرب. أردف عبد الناصر بالقول إنه لو كان مكان ملك الأردن، وعُرض عليه أن يسترد الضفة الغربية ، حتى ولو كانت منزوعة السلاح، فإنه سوف يقبل ذلك، لأنه لا يوجد حل آخر، وأنه سئم من الانتقادات العراقية والسورية والجزائرية والفلسطينية واليمنية التي تريد منه أن يحارب ويسترد الأرض العربية كاملةً، وألا يقبل بأي تسوية صغيرة ترد له الأراضي المصرية المحتلة، وهو ما رآه ناصر ضربا من العبث كما يظهر في حديثه مع القذافي. وأضاف ناصر، فيما يمكن تفسيره بأنه "تهكم" واضح، أنه في حال كانت هذه الأطراف "العربية" تريد الحرب الشاملة والقتال والتحرير، فلتذهب هي بنفسها وسوف يعطيهم هو 50 مليون جنيه مصري معونة لجهودهم، لكنه لن يرسل جنوده للقتال لأنه "يخاف على أولاده"، وأضاف قائلا: "احنا بنبعد (نحن نبتعد) عن العملية كلها، احنا بتوع (نحن أصحاب) الحل السلمي الانهزامي الاستسلامي، واتفضلوا الناس اللي عايزة (تريد) تحارب… واحنا مش هنتكلم (لن نتكلم) في المفاوضات إلا على سيناء بس (فقط)، ليس لنا دخل بالقضية الفلسطينية". بدا عبد الناصر في تلك التسجيلات وكأنه يردد حججا مسوغة للاعتراف بإسرائيل، أو على الأقل للتعامل ببراغماتية معها، مختارا محاولة استرجاع الأراضي التي استولت عليها إسرائيل في حرب 1967 بمفاوضات السلام، لأنه لا يوجد حل آخر، نظرا لفرق القوة العسكرية الضخم، وهي نبرة أبعد ما تكون عن الصورة المتخيلة عن الرئيس المصري الأسبق، مردفا في حواره مع القذافي أن العرب لو ظلوا متمسكين بتحرير الأرض كاملة فلن يحدث إلا ما حدث في عام 1948 (عام النكبة) مرة أخرى، نظرا لفرق الإمكانيات، ولأن الموقف الدولي والدعم الأميركي في صالح دولة الاحتلال، ومن ثم فإن الحكمة تدعو إلى البدء بمحاولة استرجاع الأراضي المستولى عليها بعد (النكسة) بالمفاوضات، ثم بعد ذلك محاولة استرجاع الأراضي المفقودة خلال النكبة. أثار التسجيل المنسوب لناصر العديد من التفسيرات المتباينة، بين مَن رأوا أنه يعبر عن تناقض بين خطاب الإدارة الناصرية المعادي لإسرائيل وبين سياساتها الحقيقية "الأكثر براغماتية"، وبين مَن يرون أن الحوار جاء في حقبة متأخرة من عُمْر عبد الناصر وحياته السياسية -قبل أقل من شهرين من وفاته-، وهي فترة عانى خلالها انكسارات الهزيمة ومرارات الخذلان العربي، وربما اليأس من قدرته على مضاهاة القوة الإسرائيلية المدعومة أميركيا. غير أن التسجيل يفتح في الواقع ملفا أكثر عمقا حول طبيعة النظام الناصري نفسه ورؤيته للقضية الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وقبل هذا وذاك رؤيته وعلاقته بالولايات المتحدة الأميركية الداعمة الأكبر لإسرائيل، كما أنه يطرح العديد من الأسئلة التي ما زالت إجاباتها بحاجة لبحث ونظر أعمق حول السبب الحقيقي وراء ظهور هذا التسجيل في هذا التوقيت بالذات. فهل حقا يُعبِّر هذا التسجيل عن تحول جرى بعد "النكسة" في موقف ناصر الراديكالي السابق من إسرائيل ومن الولايات المتحدة و"الإمبريالية" الغربية بشكل عام، أم أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك؟ الحقيقة هي أننا لا يمكننا فهم هذا الملف بشكل معمق، واستكشاف الجذور البعيدة لهذا الخطاب الناصري غير المعتاد، إلا عبر محاولة فهم طبيعة علاقة "ثورة يوليو" بالولايات المتحدة منذ البداية ورؤيتها المبكرة لإسرائيل، بعيدا عن المقولات الجاهزة، وذلك من خلال الإبحار في تاريخ مركب ومعقد من الوثائق والشهادات. رواية أخرى لـ"ثورة" الضباط "إذا ظن الأميركيون أنهم يمكنهم التحكم فينا وفي سياستنا مقابل المعونة التي يعطوننا إياها، فأنا أقول لهم سنقلل من استهلاكنا في مقابل أن نحافظ على استقلالنا". الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر في خطاب للشعب المصري تبدو تلك اللهجة التي كان يتحدث بها الرئيس جمال عبد الناصر حول الولايات المتحدة الأميركية أمام الجماهير المصرية والعربية في ستينيات القرن العشرين مختلفة إلى حدٍّ بعيد عن اللغة التي كتب بها مقاله المنشور في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية الشهيرة بتاريخ 1 يناير/كانون الثاني 1955 تحت عنوان "الثورة المصرية"، وذلك بعد عامين ونيف من إطاحة حركة الضباط الأحرار بالملكية المصرية، وتأسيس النظام الجمهوري بقيادة ناصر ورفاقه. في ذلك المقال المطوَّل، سعى الرئيس عبد الناصر إلى طمأنة الولايات المتحدة بشأن توجهات النظام الجديد في البلاد، مؤكدا أن الولايات المتحدة إذا ما أمدّت مصر بالسلاح فإن القاهرة لن تسعى لبدء أي صراع مع إسرائيل، ومنوِّها كذلك بأن تلكؤ واشنطن في دعم الأنظمة الوطنية مثل نظام "ثورة يوليو"، وظنها بأن مثل تلك الأنظمة قد تكون بوابة للشيوعية، هو ما قد يمنح الشيوعيين الفرصة في السيطرة على الحركات التي تبدأ في البداية بوصفها حركات وطنية خالصة. وشدَّد ناصر في مقاله على أن السبيل الوحيد لمنع "التسلل الشيوعي" إلى حركات الاستقلال الوطنية، سواء في مصر أو أفريقيا، هو أن تدعم الولايات المتحدة تلك الأنظمة التحررية الوليدة. ليس هذا فحسب، بل إن ناصر اختتم مقاله المكتوب بالإنجليزية بكلمات ذات مغزى ولا تخلو من المعاني المبطنة، قائلا: "إن الاستقلال الحقيقي سيُمثِّل أفضل حائط صد ضد أي تسلل، سواء كان شيوعيا أو غيره، فالأحرار هم أشد المدافعين عن حريتهم، كما أنهم لا ينسون بسهولة مَن ساندهم في نضالهم من أجل الاستقلال"، في مغازلة لا تخطئها عين للدعم الأميركي. بيد أن هذه اللغة "المتصالحة" مع الولايات المتحدة خفتت تماما في خطاب ناصر العلني الذي يمكن وصفه بأنه مناهض للولايات المتحدة في العموم، ولا نقصد هنا الخطاب السياسي البحت فحسب، ولكن حتى البروباغندا الشعبية الإعلامية التي عكسها الفن خلال تلك الحقبة. يذكر المصريون على سبيل المثال أغنية "ابنك يقولك يا بطل" للمغني المصري الشهير عبد الحليم الحافظ والملقب بـ"مطرب الثورة"، ويأتي في كلماتها: "ابنك يقولك يا بطل هاتلي نهار.. ابنك يقولك يا بطل هاتلي انتصار.. ولا فيش مكان للأميركان بين الديار"، في تقريع واضح للولايات المتحدة كان من أهم سمات الخطاب القومي الناصري، الذي طالما ندد بالإمبريالية وجهر بالعداء للولايات المتحدة. طبعا من المهم استدعاء السياق الذي طفت فيه تلك الصورة ونقصد بذلك مرحلة الستينات والقرب الناصري من المعسكر الشرقي، لاسيما بعد أن رفضت الولايات المتحدة تمويل السد العالي، فضلا عن مسار الاندفاع الوحدوي نحو سوريا والقومية العربية، ثم الهزيمة عام 67، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن صورة جمال عبد الناصر بوصفه زعيما قوميا "عروبيا" تشكَّلت جزئيا بفعل هذا الخطاب. لكن هناك رواية أخرى غير سائدة، تتجاوز السياقات وتحولاتها، وتستعين بالكثير من المعلومات والوثائق، وتدّعي أن عبد الناصر لم يكن عدوا صريحا لأميركا كما يظهر، وأن واشنطن ربما رأت أن "ثورة الضباط" تخدم شيئا من مصالحها وقامت بالتواصل مع أطرافها حتى قبل أن يقوموا بحركتهم، وهي رواية ظلت قليلة الرواج عربيا حتى ثمانينيات القرن العشرين. كان الصحافي والباحث المصري محمد جلال كشك (الذي كان مقربا من النظام الناصري في البداية قبل أن يتحول ضده لاحقا) من أوائل مَن طرحوا هذه الرواية عربيا في كتابه "كلمتي إلى المغفلين"، ثم بعد ذلك بشكل أكثر تفصيلا في كتاب "ثورة يوليو الأميركية". في الكتابين، قدم كشك للقارئ العربي نظرية تربط بين "ثورة" يوليو 1952 وبين المخابرات الأميركية، ورغم أن تلك الرواية كانت حاضرة في المصادر والشهادات الأجنبية (الأميركية خصوصا) قبل ذلك، فإن رواجها أثار ضجة في العالم العربي، إذ خالفت التصورات واسعة الانتشار حول ناصر ونظامه، فحتى أعداء الناصرية في ذلك الحين من الاتجاهات المختلفة كان يمكنهم أن يتهموا عبد الناصر بالكثير من المثالب، لكن لن يصل أحد إلى مرحلة اتهام ثورته بأنها كانت جزءا من "مؤامرة أميركية" مزعومة. رأى كشك أن الوثائق والشهادات الأميركية ضرورية للغاية لفهم "ألغاز" أساسية مرتبطة بصعود الناصرية، وهي وحدها القادرة على تقديم إجابات لأسئلة محيرة، فمن خلال استكشاف علاقة عبد الناصر بالولايات المتحدة، يمكن بحسب كشك فهم كيف نجح الضباط في الاستيلاء على السلطة بسهولة شديدة، ولماذا امتنعت القوات البريطانية عن التدخل ضد حركة الجيش آنذاك، ولِمَ انسحبت من السودان لاحقا، ناهيك بأسئلة أخرى مثل لماذا عارضت الولايات المتحدة حرب 1956 (العدوان الثلاثي) وضغطت على الدول المعتدية من أجل الانسحاب، وغيرها من الأسئلة التي لا يمكن حلها -بحسب كشك- إلا إذا فهمنا العلاقات "السرية" بين مجموعة جمال عبد الناصر في مجلس قيادة الثورة وبين الأجهزة الأميركية وعملها في المنطقة. بيد أن ما طرحه كشك في كتابَيْه -بغض النظر عن آرائه الشخصية اللاحقة- لم يكن اتهاما مباشرا للرئيس جمال عبد الناصر وتنظيم الضباط الأحرار بالعمالة للولايات المتحدة كما قد يُفهم للوهلة الأولى، وإنما ما يطرحه هو أنه كانت هناك لعبة معقدة حاول فيها عبد الناصر ومجموعته أن يستفيدوا من الولايات المتحدة لتحقيق أهدافهم، حيث تقاطعت أفكار عبد الناصر وطموحاته مع طموحات الولايات المتحدة. اعتمد كشك على قدر لا بأس به من تحليل الوثائق والشهادات، بما فيها شهادات أهم رموز الحقبة الناصرية الكاتب محمد حسنين هيكل المكتوبة باللغة الإنجليزية، ليُثبت أنه في الوقت الذي كان يعمل فيه عبد الناصر على وأد الحركة الوطنية والزج بالمثقفين والشباب والساسة في المعتقلات، فإن رفاقه كانوا قريبين من الولايات المتحدة. لدرجة أن السفير البريطاني في مصر عندما كان يفشل في عقد لقاء مع مجلس قيادة الثورة وكان يلجأ للإدارة الأميركية لترتب له لقاءات مباشرة مع عبد الناصر، ولدرجة أنه حين استقر القضاء المصري على إعدام بعض اليهود المصريين المتورطين في فضيحة لافون (وهي خطة إسرائيلية سرية لتفجير أهداف محلية وغربية في مصر)، تواصل الرئيس الأميركي أيزنهاور مع عبد الناصر لوقف هذا الإجراء، لكن رد عبد الناصر كان أنه قد أعدم للتو بعض الإخوان المسلمين، ومن ثم لن يستطيع أن يوقف عمليات الإعدام بحق اليهود الذين تورطوا في تلك العملية الخطيرة. استشهد كشك فيما طرحه ببعض المصادر الغربية التي يجب التعامل معها بحذر لاسيما أن بعضها كتبه رجال مخابرات، مثل كتاب "أميركا والثورة المصرية 1950-1957" لباري روبين، وكتاب "صعود وسقوط المخابرات الأميركية" لجون رافيلانغ، وشهادة ويلبر كرين إيفلاند رجل المخابرات المركزية الأميركية، ليدلل على أن علاقات عبد الناصر ومجموعته من الضباط الأحرار بالولايات المتحدة الأميركية قد بدأت بقوة منذ مارس/آذار 1952، وأن المخابرات الأميركية كانت قريبة للغاية من تنظيم الضباط الأحرار ودعمتهم وباركت سيطرتهم على السلطة، وأن غرض الولايات المتحدة آنذاك كان تفكيك النفوذ البريطاني والفرنسي في الشرق الأوسط وإحلال الهيمنة الأميركية بدلا منه، ومنع وصول حكم راديكالي شيوعي في بلد مركزي مثل مصر. وبحسب كشك -وغيره من المؤرخين المصريين لحقبة ما قبل "ثورة 1952"- فإن مصر كانت حبلى ببذور ثورة تحلم بتحويل البلاد إلى مجتمع ديمقراطي وصناعي ومستقل، وأن "ثورة 1952" قد قضت على الحركة الوطنية المصرية وقضت معاها على ممكنات التنمية الذاتية، ومن ثم يرى كشك ومؤيدو رؤيته أن "حركة الضباط" لو كانت حركة وطنية خالصة مرتبطة الجذور بالحركة الوطنية الناشئة في البلاد منذ القرن التاسع عشر، ولو لم تكن قد بدأت طريق وصولها إلى السلطة بعلاقة مستترة مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية، لما قضت على الرأسمالية الوطنية بشقَّيْها المادي والفكري، ولما قضت على الديمقراطية، ولم تكن لتتنازل فيما يتعلق بانفصال السودان الذي كان هناك إجماع وطني على كونه جزءا لا يتجزأ من الوطن. وفي هذا الصدد، لا تفوتنا الإشارة إلى النظرية القائلة إن عبد الناصر ورفاقه كانوا مدفوعين بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال المصالح الأميركية في المنطقة، وقد طُرحت في كتاب مثير للجدل للمسؤول السابق في وكالة المخابرات الأميركية مايلز كوبلاند المسمى "لعبة الأمم" والصادر عام 1969. في الكتاب، زعم كوبلاند أن الولايات المتحدة بالفعل رأت في عبد الناصر في البداية فرصة جيدة لتصفية النفوذ البريطاني في المنطقة ومنع الصعود الشيوعي تمهيدا للزمن الأميركي. لكن كوبلاند، بخلاف كشك ومروجي نظرية "ثورة يوليو الأميركية"، لم يدّعِ أن الولايات المتحدة هندست "الانقلاب العسكري" الذي قام به الضباط الأحرار، وإنما تحدث عن تأثير وتواصل مع المجموعة المركزية التي هندست الحركة قبل قيامها، وعن دعم أميركي اقتصادي وسياسي للنظام الوليد، بما في ذلك تقديم المشورة حول كيفية التعامل مع الإخوان المسلمين والشيوعيين من خلال استهداف قيادتهم بالسجن أو النفي وليس القتل، مع إعطاء قواعدهم الشعبية مساحة مضبوطة للحركة والتعبير. والحقيقة كما أسلفنا أن هذه المصادر كانت عرضة لمعارك كثيرة وتشكيك في مصداقيتها. وربما من الجدير بالذكر هنا أنه حتى فيما يتعلق بملف دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبعيدا عن نظرية "ثورة يوليو الأميركية"، لا يبدو أن إدارة الرئيس عبد الناصر كانت صاحبة موقف عدائي راديكالي يتناقض مع موقف الولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بهذا الملف بالأخص في الخمسينيات. فكما تُظهر الوثائق، وكما يؤكد المؤرخ الإسرائيلي الشهير إيلان بابيه ، أستاذ العلوم الاجتماعية والعلاقات الدولية بجامعة إكستر البريطانية، فإن نظام الرئيس جمال عبد الناصر كان قد عقد مفاوضات سرية مكثفة مع دولة الاحتلال في خمسينيات القرن العشرين، وفي هذه المفاوضات كان عبد الناصر يقبل بوجود دولة الاحتلال، وإنما فقط لم يكن يقبل حجمها وطموحاتها التوسعية، وأن شرط هذا القبول بموافقة إسرائيل على عودة اللاجئين والتخلي عن النقب، لأنه يريد جسرا بريا بين مصر وبين بقية العالم العربي. يشارك بابيه العديد من المؤرخين في العالم في وجهة نظرهم القائلة إن عبد الناصر لم يكن ينوي الدخول في حرب مع إسرائيل عام 1967، وهو ما يتوافق مع شهادة أحد أهم أعمدة النظام الناصري الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، التي تفيد بأن عبد الناصر قد رفض أكثر من مرة محاولات إقناعه من أنظمة عربية أخرى بشن حرب مشتركة ضد الدولة الصهيونية. ومع ذلك، يظل هناك لغز صعب الحل عند أصحاب نظرية "ثورة يوليو الأميركية" بمعناها الواسع، الذي يقول إن عبد الناصر ومجموعته قد وصلوا إلى الحكم بفضل تفاهمات مع الولايات المتحدة الأميركية، وإن علاقتهم بواشنطن كانت محددا أساسيا لهم في بوصلتهم، هذا اللغز هو أن ناصر دخل بالفعل في خلافات كبيرة حقيقية مع الولايات المتحدة، وأدخل مصر جزئيا في فلك الاتحاد السوفياتي إلى حدٍّ كبير، ورغم أنه تبنّى فكرة عدم الانحياز، فإنه كان أميل بشكل عام إلى المعسكر الشرقي. إعلان وبحسب كشك، فإن ما تسبب في إفساد العلاقات المصرية الأميركية في ستينيات القرن العشرين كان أن إسرائيل قد عملت بجد على إفساد العلاقات بين نظام ناصر وواشنطن، لأنها كانت مهتمة بألا تكون هناك دولة عربية في المنطقة لها علاقات بهذه القوة مع أميركا، وهو يرى أن إسرائيل نجحت في ذلك لأن العلاقة من البداية لم تكن صحية، حيث غلب عليها الخفاء والسرية، وأُديرت بواسطة أجهزة الاستخبارات، ومن ثم كان من السهل على دولة الاحتلال إفسادها من خلال التأثير على متغيرات أخرى في المشهد السياسي. "لو لم تحدث هذه الثورة كانت الراية الحمراء سترتفع". على مدار العقود القليلة الماضية، أُسيل الكثير من الحبر حول "العلاقات السرية" المزعومة بين تنظيم الضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبد الناصر من جهة والمخابرات الأميركية من جهة أخرى، وفي هذا الجانب تبارى المصطفون مع التجربة الناصرية والكارهون لها في تقديم الأدلة والأدلة المضادة، لكن هناك شيء واحد يكاد يكون واضحا لجميع المؤرخين تقريبا، وهو أن علاقة الولايات المتحدة بتنظيم الضباط الأحرار قد شهدت شهر عسل في البداية، وأن أميركا كانت متفائلة تجاه تحرك الجيش الذي يُمثِّل الطبقة الوسطى المتنورة في البلاد. وهناك أمر آخر يتفق عليه أغلب المؤرخين أيضا، وهو أن سياسة جمال عبد الناصر -على الأقل في البداية- حاولت أغلب الوقت ألا تستعدي الولايات المتحدة بشكل سافر، إذ حاول ناصر دائما أن يستفيد من الصراع الكبير بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فيُطبِّق خطته الاقتصادية التي تُوصف بالاشتراكية، ويأخذ السلاح والدعم من الاتحاد السوفياتي في الوقت الذي يعتقل نظامه ويعذب الشيوعيين في القاهرة. وفي الوقت نفسه الذي يتلقى فيه الدعم من الاتحاد السوفياتي، فإنه كان يحصل على معونة اقتصادية من الولايات المتحدة الأميركية (قبل عام 1956 وبعد عام 1962)، وكل هذا بفضل اللعب ببراعة على الحبال دون الاصطدام التام بقوة أو الوقوع التام في أحضان قوة أخرى. يدعونا ذلك للعودة إلى الوراء بهدف محاولة فهم طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وحركة ضباط يوليو 1952. في بدايات عام 1952، كان المسؤولون عن الملف المصري في جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية يتابعون عن كثب تطور الأحداث في البلاد، ويشعرون بأن أمرا ضخما قد يحدث في هذا البلد المهم، ما دفع مسؤول الملف كيرميت روزفلت للهرولة إلى القاهرة لمراقبة التطورات هناك عن قرب. كانت واشنطن حتى تلك اللحظة مقتنعة بأن عليها إرشاد الملك المصري فاروق لقيادة إصلاح من الداخل بهدف منع انهيار النظام وصعود الشيوعيين أو الراديكاليين، وقد أنصت الملك لطلبات واشنطن جيدا في مارس/آذار من ذلك العام، إذ قَبِل بتعيين أحمد نجيب الهلالي الإصلاحي في رئاسة الحكومة، لكن سخط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على الملك فاروق قد بلغ مداه بحلول يونيو/حزيران بعدما أبعد الملك أحمد نجيب الهلالي، خاصة في ظل ما دار حول هذا الإبعاد من شبهات فساد طالت عمق دوائر الحكم. في الوقت نفسه، يبدو من الشهادات المتعددة للمسؤولين الأميركيين عن الملف المصري آنذاك، سواء من مسؤولي السفارة الأميركية بالقاهرة أو المسؤولين الاستخباراتيين، أن واشنطن كانت تعلم جيدا بحركة الاضطراب داخل الجيش، إلى درجة أن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية قابلوا أفرادا محسوبين على تنظيم "الضباط الأحرار"، لكن هناك خلاف حول إذا ما كان جمال عبد الناصر كان واحدا من هؤلاء الذين قُوبلوا، حيث تشير الروايات الراجحة إلى أنه لم يكن كذلك. فعلى سبيل المثال، يُصرّ بيل ليكلاند، وهو الملحق السياسي في السفارة الأميركية بالقاهرة طوال العام الذي سبق انقلاب 1952 وحتى بعده بعامين ونصف، على أن مَن قُوبلوا من الضباط الأحرار لم يكونوا من أعضاء الإدارة المركزية للحركة. من جانبه، تتبع المؤرخ كمال خلف الطويل في كتابه "زيارة جديدة لتاريخ عربي.. عبد الناصر كما حكم" قصة العلاقات الأميركية بالضباط الأحرار، وخلص إلى أن عبد الناصر اختار علي صبري، الذي شغل منصب نائب رئيس الجمهورية بعد ذلك، ليكون رسول الحركة لدى الأميركيين بحكم دراسته للعلوم العسكرية بالولايات المتحدة. وبحسب تتبع خلف للتاريخ ووثائقه وشهاداته، فإن رسائل صبري "الناصرية" لمَن قابلهم من المسؤولين الأميركيين (قبل الثورة) كانت تدور حول أمرين أساسيين، أولهما التقليل من شأن حركة الضباط الأحرار، والثاني تأكيد خلو هذا التنظيم من الراديكاليين، وفي أحد لقاءات علي صبري مع الكولونيل ديفيد إيفانز، الملحق الجوي الأميركي بمصر "قبل الثورة"، أكد إيفانز لعلي صبري مباشرة أن الأميركيين لن يقفوا حجر عثرة أمام هذا التنظيم وطموحاته في الاستيلاء على الحكم ما دام لا يضم بين صفوفه الإخوان المسلمين أو الشيوعيين، بل إن الولايات المتحدة ستمنع بريطانيا من الوقوف حجر عثرة أمامهم إذا توفر هذا الشرط. هناك ملاحظة لا يمكن إغفالها في هذا المقام، تتعلق بالمقال الذي كتبه الرئيس جمال عبد الناصر لـ"فورين أفيرز" في يناير/كانون الثاني 1955، ففي هذا المقال الذي نُشر بعد فترة قليلة من حل جماعة الإخوان المسلمين في مصر واعتقال عدد كبير من قياداتها وأعضائها، كان الرئيس ناصر يبسط أمام الرأي العام الأميركي إنجازات الثورة المصرية، مُفرِدا مساحة مهمة للحديث عن الإخوان المسلمين والشيوعيين تحديدا، إذ كتب في المقال إن أكبر أعداء الشعب داخليا هم الشيوعيون الذين يخدمون القوى الأجنبية، بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي تسعى للوصول إلى الحكم من خلال الاغتيالات، بحسب قوله. أفرد ناصر في مقاله مساحة كبيرة لوصم جماعة الإخوان، زاعما أن هدفها النهائي هو السلطة فقط، وفي سبيل غايتها تلك تنتهج أساليب متعارضة مع روح الإسلام ومع روح العصر، فهي -حسب قوله- لا تتبع نهج الإسلام القائم على التسامح ومراعاة حقوق الإنسان، وتعتمد التحيز والتعصب والإرهاب والكراهية المنظمة، في حين أن الإسلام على خلافها يُشكِّل من خلال تعاليمه جوهر الديمقراطية الحقيقية. أما فيما يخص الشيوعيين، فقد سعى ناصر من خلال المقال الموجه للنخبة الأميركية إلى التأكيد أن حركته الوطنية لن تسمح بـ"التسلل الشيوعي"، وأن على الولايات المتحدة أن تُعينها على ذلك من خلال الدعم. ولم ينسَ ناصر في مقاله، الذي يخاطب الرأي العام لدولة يُنظر لها باعتبارها زعيمة ما يسمى بالعالم الحر وممثلة القيم الديمقراطية الغربية، أن يؤكد أنه يتمنى إزالة "القيود" التي وضعها نظامه في البلاد في أسرع وقت، مؤكدا أنه كان مضطرا لوضعها خوفا على الشعب من تسميم أفكاره من قِبَل تلك الجماعات وغيرها، وأن هدفه النهائي هو إقامة حكومة ديمقراطية وتمثيلية حقيقية، لكن هذا لن يحدث إلا بعد رفع مستوى معيشة وفكر الجماهير، وتحسين تعليمهم وتطوير وعيهم حتى يكونوا مؤهلين لفهم واجبات وحقوق المواطنة والديمقراطية، بحسب قوله. وبالعودة إلى مسار الأحداث، ففي أعقاب نجاح "ثورة يوليو"، تلاقى الضباط الأحرار ورجلهم الأقوى الذي لم يكن قد ظهر للعامة بقوة بعد، جمال عبد الناصر، مع الولايات المتحدة الأميركية في شهر عسل واضح استمر على الأقل لمدة عام، كان النظام الجديد في مصر يريد فيه من أميركا أن تمنحه السلاح والدعم الفني والأمني، فضلا عن المساعدة في تصفية النفوذ البريطاني في مصر، وفي المقابل كانت واشنطن تريد من النظام الجديد اتخاذ إجراءات اقتصادية تصحيحية لسد المنافذ على الشيوعيين، بالإضافة إلى الصلح مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والدخول في حلف عسكري إسلامي حليف للغرب يمنع الخطر الشيوعي. كما نرى، فإن رغبة واحدة عند كل طرف كانت مقبولة تماما عند الطرف الآخر، فمن ناحية لم تجد الولايات المتحدة غضاضة في المساعدة من أجل تصفية النفوذ البريطاني لإحلال نفسها مكانه، وكذلك لم يجد أعضاء النظام الجديد مشكلة مع فكرة الإصلاحات الاقتصادية. بيد أنه، حسب بيل ليكلاند، سرعان ما بدأت العلاقات الأميركية مع "ثورة" يوليو في الانهيار، والسبب في ذلك يعود إلى أمرين أساسيين، الأول هو أن جمال عبد الناصر تيقن أن الولايات المتحدة الأميركية عازمة على ألا تمد مصر بالسلاح إلا إذا أبرمت القاهرة معاهدة سلام شاملة ومستقرة مع إسرائيل، والأمر الثاني أن الولايات المتحدة كانت في البداية تتصوّر إقامة حلف مواجه للشيوعية تكون مصر هي قاعدته، ومن ثم تقوم بتسليحها لحماية المنطقة من المد الشيوعي، لكنها رأت لاحقا أن هذا الحلف لا بد أن يكون أقرب إلى حدود الاتحاد السوفياتي، ومن ثم نشأ حلف بغداد الذي ضم العراق وتركيا وإيران وباكستان، وجرى على إثره تهميش دور مصر في الخطط الأميركية، وهو ما دفع العلاقة بين البلدين تدريجيا إلى حافة العداء. على الأرجح إذن أن نظام الرئيس عبد الناصر لم يكن منذ البداية نظاما راديكاليا معاديا للإمبريالية بالمعنى الذي سُوِّق للجماهير فيما بعد، ويمكن القول إن هذا النظام كان يحمل بذورا "ساداتية" بالفعل في داخله حتى قبل تولي الرئيس السادات لزمام الأمور خلفا لناصر، وأن اللهجة التي ظهرت في حوار ناصر مع القذافي هي في الواقع كانت اللهجة المؤسسة والمحركة للنظام منذ البداية، وكان يمكن بالفعل أن يصل إلى معاهدة سلام مع إسرائيل منذ خمسينيات القرن الماضي، بل وكان يمكن أن يكون حليفا رئيسيا للولايات المتحدة ومشاركا في حلف مؤيد لها يحمي المنطقة من الشيوعية. لا يعني ذلك قطعا التسليم لنظرية أن ثورة يوليو كانت "مؤامرة أميركية"، لكن المؤكد أن مصالح الضباط الأحرار حكام مصر الجدد ومصالح الولايات المتحدة تلاقت عند نقطة ما من التاريخ. ومن ثم فإن نظرة في الخلفية التاريخية العميقة للنظام الناصري لا تجعل حوار ناصر مع القذافي اكتشافا غريبا من نوعه وتحولا كبيرا ما بعد الهزيمة في 1967، بقدر ما يمكن قراءته في إطار رؤى عبد الناصر وسياساته منذ البداية، التي لم تتضمن بحال التخطيط لاسترداد فلسطين من البحر إلى النهر أو معاداة الولايات المتحدة جذريا، على عكس الصورة التي ترسخت لعقود في أذهان الجماهير.

أبو الغيط: إسرائيل لا تريد بقاء الجامعة العربية واستمرارها مقرون بإرادة دولها
أبو الغيط: إسرائيل لا تريد بقاء الجامعة العربية واستمرارها مقرون بإرادة دولها

جريدة المال

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • جريدة المال

أبو الغيط: إسرائيل لا تريد بقاء الجامعة العربية واستمرارها مقرون بإرادة دولها

أكد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن العالم العربي لا يزال موجودًا بقوة رغم التباينات السياسية، مشيرًا إلى أن اللغة والثقافة العربية المشتركة تظل دليلاً على وجود أمة عربية واحدة. و قال أبو الغيط خلال لقاء مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامج كلمة أخيرة على قناة أون ، أنه من الطبيعي أن تختلف المصالح، تمامًا كما اختلفت مصالح بريطانيا والولايات المتحدة. هذا لا يعني غياب الوحدة الثقافية أو التاريخية.' وعن عدم تحول الجامعة إلى كيان يشبه الاتحاد الأوروبي، كشف أبو الغيط أن النقاش دار منذ تأسيس الجامعة عام 1945 حول هذا الأمر، طرح رئيس الوزراء المصري آنذاك، النحاس باشا، فكرة إنشاء جهاز فوقي للجامعة بسلطة توافقية على الدول، لكن بعض الدول رفضت هذا المقترح.' وأضاف: بالتالي جاء ميثاق الجامعة العربية بصيغة تنسيقية بين الدول، وليس بصيغة إلزامية أو اتحادية كما حدث لاحقًا مع الاتحاد الأوروبي. وأوضح أن محاولات تطوير الجامعة العربية باتجاه كيان اتحادي طُرحت من قبل، منها محاولة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، لكن: 'البعض من الدول العربية ترى نفسها دولاً ذات استقلال حديث، بعضها لا يتجاوز 50 عاماً وتتمسك بقرارها المستقل ، ولا ترغب بتجاوز مبدأ التنسيق إلى سلطة فوقية.' وأكد أبو الغيط أن استمرار الجامعة العربية بعد 80 عامًا يتوقف على إرادة الدول العربية، قائلا: الحفاظ على الجامعة يجب أن يكون هدفًا جماعيً، كما أن هناك من لا يريد بقاء الجامعة، وعلى رأسهم إسرائيل وبعض دول الجوار.

عمرو موسى: مبارك كان وطنياً جداً وليس بالسوء الذي صُوّر به
عمرو موسى: مبارك كان وطنياً جداً وليس بالسوء الذي صُوّر به

الشرق الأوسط

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشرق الأوسط

عمرو موسى: مبارك كان وطنياً جداً وليس بالسوء الذي صُوّر به

استوقف أداء الضابط حسني مبارك الرئيس جمال عبد الناصر وبعده الرئيس أنور السادات. انفتحت أمامه أبواب الصعود. لكن شروط التميز في المؤسسة العسكرية تختلف عنها في قصر الرئاسة، خصوصاً إذا طالت الإقامة فيه، وأطلق العمر سهامه على قدرات سيد القصر. عاين المصريون مشهداً غير مسبوق. السيد الرئيس صانع المصائر يَمثُل متعباً ومريضاً أمام القضاة، وبات «قصره» وراء القضبان. كان باستطاعة مبارك النجاة من هذه المشاهد لكنه رفض دخول التاريخ هارباً إلى المنفى وحسم الأمر: «وُلدتُ على أرض مصر وعليها سأموت». ربما كان يعتقد أن من زيّن أكتافهم بالنجوم وصدورهم بالأوسمة سيبعدون كأس المَشاهد المؤلمة عن شفتيه لكنَّ ذلك لم يحدث. كان هدير الشارع واسعاً وعنيفاً، وكان الحل عدم اعتراض الموجة بل الالتفاف عليها. لم يراود حلم الزعامة العربية مبارك وكان يرى أن «كل ده عك»، لافتاً إلى أنه ليس السادات أو عبد الناصر. وهو كان يقدِّر الأول ويحب الثاني. غياب حلم الزعامة لدى مبارك أثلج صدر معمر القذافي الذي رأى نفسه وريث عبد الناصر في الزعامة. والحقيقة أن مبارك كان «مكبَّر دماغه»، كما يقول عمرو موسى وزير الخارجية المصري السابق والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية. أنور السادات وحسني مبارك على متن مروحية رئاسية عام 1977 (غيتي) يرى موسى في الحلقة الثانية من مقابلته مع «الشرق الأوسط» أن السنوات العشر الأولى من القرن الحالي كانت كارثية في مصر. تقدَّم مبارك في السن، وفقد الاهتمام اليومي بإدارة البلاد، وبدأ الابتعاد عن اتخاذ أي قرارات تحتاج إلى جهد ومتابعة ومبادرات. ثم جاء موضوع التوريث الذي لم يكن موضع ترحيب من مسؤولين بارزين وإن ترددوا في المجاهرة بموقفهم. سألت عمرو موسى عن علاقة مبارك بالسادات وعبد الناصر، فأجاب: «كان مبارك مؤمناً بأن ما قام به أنور السادات شيء سليم. وكان يحب جمال عبد الناصر جداً. عبد الناصر، ليس من اصطفاه، إنما كانت عينه عليه، وأنور السادات أيضاً كانت عينه عليه، ربما بالتفاهم بينهما. كانا يتكلمان عن الضباط، وكان لحسني مبارك نوع من التقدير، سواء عبد الناصر أو السادات. من المؤكد كان يحب عبد الناصر، وإنما كان يقدِّر أنور السادات». هل كانت نهاية مبارك مؤلمة؟ وهل ظُلم؟ يجيب موسى: «نعم، طبعاً. لم يكن بالسوء الذي صُوّر للناس. هذا الرجل كان وطنياً جداً، ويعرف ماذا يفعل. لم يكن ساذجاً أبداً. ربما موضوع التوريث، وهذه كلمة سخيفة. موضوع احتمال أن يكون ابنه وريثه لم يكن مقبولاً من أحد. ليس هناك سبب يجعل أي أحد يقبل بمثل هذا. إخراج هذا الموضوع كان إخراجاً سيئاً جداً. الغريب أن حسني مبارك لم يكن من أنصار هذا. لم يكن يريد أن يعرض ابنه لحكم مصر. وحكم مصر ليس مسألة بسيطة. هذه بلاد كبيرة جداً، ومعقدة جداً، والرئاسة تقتضي خبرة كبيرة جداً، وسلطة يستطيع بها أن يفرض رأيه وقيادته. هذه السلطة تعني أن الكل يؤدي لك سلاماً بمن فيهم الجيش، والمدنيون، والقضاة... المسألة ليست بسيطة. لم يكن هذا ممكناً أن يُفرَض على مصر. مبارك في قاعة محكمة عام 2018 وخلفه نجله جمال (غيتي) تسألني عن موقف عمر سليمان؟ لم يكن مؤيداً كثيراً. كان ضابطاً وأدّى سلاماً. لم تكن هناك تعليمات بالتوريث، كانت هناك حركة تؤيد التوريث. كلهم مجموعات من الشباب ومجموعات من بعض رجال الأعمال وغيره، وهو لم يكن منهم. إنما لم يعترض. لم يعترض. لا أظن أن أحداً من الحلقة الضيقة اعترض. أفضِّل ألا أجزم لأنني لم أكن من الحلقة الضيقة». أوحى موسى أحياناً بأنه صانع سياسات وليس منفِّذ سياسات، فهل كانت جاذبيته سبب الحذر منه؟ قال: «أولاً، وزير الخارجية يجب أن يكون أحد صناع السياسات. في الظروف التي نحن فيها هناك المخابرات تعمل، وهناك مجلس الأمن القومي يعمل، ووزير الخارجية، وهو رئيس المؤسسة التي تتعامل مع السياسة الخارجية، له دور. وإذا كان مجرد منفذ فلن يكون له دور لا في تاريخ الدبلوماسية ولا في السياسة، ولا حتى الوزن المفروض أن يكون لدى وزير الخارجية في أن يبادر ويفكر ويتصرف بسرعة وليس محتاجاً في مواجهة أزمة صغيرة طرأت إلى أن يتصل بالتليفون ويسأل: ماذا أفعل؟ يجب أن يفعل. حديث بين حسني مبارك وعمرو موسى خلال قمة للدول النامية في القاهرة عام 2000 (أ.ف.ب) هذا كان في اعتقادي، إنما لا أستطيع أن أقول إنني كنت من صناع السياسة المصرية. إنما مؤكَّد أنا أسهمت في كثير من الخطوات السياسية والتفكير السياسي. ما الأولويات مثلاً؟ أولوية جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي. هذا كان عمل الدبلوماسية المصرية التي كنت رئيسها، وكنت مصرّاً على هذا الأمر. ربما لم يكن هذا مقبولاً جداً من الرئيس، وانتهى الأمر إلى رأيه». «موضوع، مثلاً، العلاقة السورية - التركية، هذا تحدثت فيه مع الرئيس شخصياً، وأذكر أنه كان مساءً، وكنت أذهب إلى مكتبي مساءً ساعتين أو ثلاثاً، وعندما كلَّمته قلت له إن هذا الوضع كبير وخطير، ولدينا فرصة أن نتدخل، لأن علاقتنا بالأتراك جيدة، وعلاقتنا بالسوريين جيدة، مَن غيرنا يمكنه أن يقوم بذلك؟ فجلس يفكر. قلت له: أنا مستعد أن أذهب غداً إلى الأتراك وأتكلم معهم وأرى ماذا يمكن أن نفعل بتدخل سيادتك شخصياً. فوافق، وذهبت فعلاً إلى تركيا ورتَّبت موعداً لزيارة الرئيس في اليوم التالي، وذهب والتقى الرئيس سليمان ديميريل وقال له: نعم يجب أن نعمل معاً، والأتراك مستعدون لمساندة مصر في وساطتها. وقرر الاثنان إرسالي في أثناء وجودنا في تركيا للقاء الرئيس الأسد. لم أذهب وحدي. بعد قليل قال الرئيس سأذهب أنا وعمرو. ذهبنا معاً إلى مطار دمشق ووجدنا في استقبالنا الرئيس الأسد وعبد الحليم خدام وفاروق الشرع، ودخلنا إلى قاعة في المطار. الرئيس مبارك ووزير خارجيته، والرئيس الأسد ووزير خارجيته، ولم يُسمح لعبد الحليم خدام نائب الرئيس بالدخول. لم يكن موجوداً رغم مشاركته في الاستقبال. وقيل لي إنه غادر بسرعة غاضباً. تكلمنا في هذا الموضوع الذي جئنا من أجله ووجدنا أذناً صاغية، وأيضاً مقدِّرة. كان الأتراك قد هدَّدوا بالتدخل عسكرياً في سوريا. هدَّدوا بذلك. هل (اتخذوا) القرار أم لا؟ لا أعرف. إنما نحن أسرعنا، كمصر، لنلحق الموضوع ونعطِّل هذا القرار، وكي لا ينتقل الكلام إلى فعل. فوّضت تركيا الرئيس مبارك وأنا للتحدث مع السوريين، وتقبَّل السوريون هذا وخلال أسبوع بدأت المفاوضات السورية - التركية. حافظ الأسد وعمرو موسى خلال زيارة للأخير إلى دمشق عام 2000 (أ.ف.ب) أحد الشروط التي وضعتها تركيا كانت خروج عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، من سوريا. نحن ذكرنا ذلك. قال (الرئيس مبارك) إن أوجلان يفعل كذا... وهو مقيم في سوريا وعنوانه كذا. هذا ما قاله ديميريل، وكرره الرئيس مبارك للأسد في الجلسة الرباعية. كان لدى الرئيس مبارك حس ساخر، فقال: إحنا عارفين عنوانه... وبدأ التفاوض، وانتهت صفحة من صفحات التوتر السوري - التركي في ذلك الوقت». سألت عمرو موسى عمَّا إذا كان مبارك قد نصح بشار الأسد بالانسحاب من لبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، فقال: «لست أدري، أنا كنت الأمين العام للجامعة العربية. أنا نصحت. أنا ذهبت أولاً. يومها كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الجامعة العربية سيجتمع في عدن باليمن، والأمين العام سيلحق (بهم). في هذا اليوم بالذات، كان اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي. أنا اتخذت قراراً أن نجتمع في مدن عربية بما فيها الفاشر في السودان، أخذت مجلس الجامعة كله إلى هناك من أجل أن يشعر الناس بأن الجامعة لهم ومعهم. نحن أنتم، وأنتم نحن. صباح ذلك اليوم، كان 14 فبراير (شباط) 2005، كنت أشاهد التلفزيون وسمعت أن هناك انفجاراً حصل لموكب رفيق الحريري. اتصلت بالرئيس علي عبد الله صالح وقلت له إنني لن أستطيع المجيء، فقال: لماذا؟ قلت له: حصل كذا وكذا. قال: الجنازة ستكون غداً. قلت له: يستحيل. هذا حدث ضخم جداً يا سيادة الرئيس، أنا أستأذنك، ولن أحضر. فقال لي: هل أذهب وألقي كلمة والأمين العام غير موجود؟ قلت له: الجامعة كلها موجودة، ونحن أمام حدث كبير جداً، أنا ذاهب الآن إلى لبنان. ذهبت إلى بيروت، وأول شخص قابلته هناك كان وزير خارجية اليمن. ذهبت وتقبلت العزاء مع العائلة وبقيت يوماً واثنين. يوم الجنازة، كان الحديث عن الجيش السوري، وهذا ما كان ليحدث لولا (وجوده). قررت أن ألتقي الرئيس الأسد. طلبت من أحد مساعديَّ أن يطلب دمشق ويقول لهم إن الأمين العام يريد أن يزور الرئيس بأسرع ما يمكن. وقد كان. انتهت الجنازة، واستمررنا في استقبال المعزين وأذكر أنني التقيت وفداً عسكرياً أردنياً كأحد الذين يتلقون العزاء أيضاً. وجاء الرد من سوريا بأن آتي غداً الساعة كذا. الساعة كذا يعني خلال النهار، كي أتمكن من اللحاق بالطائرة المصرية التي تغادر مساءً من بيروت. بشار الأسد مستقبلاً عمرو موسى في دمشق عام 2003 (أ.ف.ب) ذهبت إلى دمشق. قلت: صباح الخير سيادة الرئيس، أنا آتٍ من لبنان، وهناك حديث عن مسؤولية الجيش السوري، ولا بد من سحب الجيش السوري، وإلخ. وأنا أنقل إليك هذا الكلام لأن مصلحتنا الآن أن نعالج الأمور بكل ما نستطيعه، وأنت الأساس يا سيادة الرئيس. فقال لي: انظر يا أخ عمرو، أنا أريدك أن تعرف أنني حينما توليت الحكم كان الجيش السوري في لبنان فوق الـ60 ألفاً، والآن 35 ألفاً. أنا سحبتهم، ومستعد أن أسحب الباقي لأنني لا أرى أن العلاقة السورية - اللبنانية تنبع من وجود الجيش السوري في لبنان وإنما من الاعتقاد المشترك بالمعيشة المشتركة، ولا يمكن لسوريا ولبنان العيش بمعزل، بعضهما عن بعض، وليست هناك حاجة للجيش السوري. قلت له: أنت مستعد لسحب الجيش السوري؟ قال لي: نعم. قلت له: هل أستطيع أن أقول ذلك علناً للصحافة؟ قال لي: نعم. الذي كان موجوداً فاروق الشرع، لا أذكر إن كان عبد الحليم خدام موجوداً أم لا، لكن فاروق الشرع كان موجوداً مؤكداً. خرجنا وعدت إلى بيروت واستقللت الطائرة ورجعت إلى مصر. وعندما صعدت إلى السيارة في المطار، قلت للسائق أن يفتح «بي بي سي» وكانت (أخبارها) على (رأس) الساعة. فجأة أسمع خبراً يقول إن المتحدث الرسمي باسم الحكومة السورية كذَّب ما ذكره الأمين العام للجامعة العربية من أن الرئيس بشار الأسد قال إن سوريا على استعداد للانسحاب. أنا جُننت. كيف ذلك؟ اتصلت بفاروق الشرع ونحن في السيارة، وقلت له: هذا الكلام لم يحصل يا فاروق، يا أبا مضر هذا لم يحصل، الذي حصل وأمامك أن الرئيس قال: نعم سوف أسحب القوات، وأعطاني حرية التصريح بذلك، ومن ثم أنا صرحت لأن الرئيس عندما سألته قال لي: نعم تستطيع أن تقول ذلك. قال لي: ماذا تريدنا أن نفعل؟ قلت له: أولاً تقول للرئيس هذا الكلام، لأنني بعد هذا التكذيب سأضطر إلى أن أرد، وسندخل في كلام خاص برفيق الحريري، وإلخ. نحن في غنى عن ذلك، أنا أريد أن يسحب هذا التكذيب. اتصل بالرئيس بشار الذي أعطى تعليمات لوزير الإعلام بأن يقول لي: أنت ماذا تريدنا أن نقول؟ لأن الرئيس قال: نعم أنا أعطيته ذلك، وهذا التكذيب ليس صحيحاً... وانتهى الأمر بسحب التكذيب وإعادة إذاعة تصريحي». سألته إن كان يعتقد اليوم أن الحريري اُغتيل على خط التماس الإقليمي فأجاب: «خط التماس الإقليمي كلمة عامة جداً، إنما هو اُغتيل لأنه كان أكبر من لبنان. كان شخصية عربية كبرى. يستطيع أن يلتقي رئيس الولايات المتحدة في أي وقت، ورئيس فرنسا في أي وقت وربما غيرهما. كان صاحب حيثية دولية وإقليمية وعربية وإسلامية ولبنانية. اجتمعت كلها في رفيق. هم استكثروا على لبنان أن يكون لديه مثل هذا الزعيم، الذي يضيف إليه ثقلاً كبيراً جداً في الموازين الإقليمية. ربما أيضاً، ربما، أن يكون في بدايات النزاع الشيعي - السني، وهو أمر مؤسف جداً، لأن رفيق كان سيمنع مثل هذا (النزاع) أو يعطي للسُّنة قوة كبرى في مثل هذا التنافس. أنا أقول ذلك لأننا هنا في مصر لسنا من أنصار الصراع السني - الشيعي. تعرف في التاريخ، إمبراطور إيران تزوج من أخت ملك مصر، والذي عقد القران شيخ الأزهر. ليست لدينا هذه التفرقة وهذه المشاعر حتى اللحظة. ليست لدينا. ربما يكون هذا أيضاً من ضمن ترتيبات هذا الصراع. الله أعلم. لو أردنا أن نحلل فإننا نستطيع أن نحلله بالطريقة التي نتحدث بها وأن نصل إلى قرار معين. إنه نعم كانت هناك قوى معينة تستفيد من اختفاء رفيق الحريري، ومن السهل أن تعدِّد هذه القوى. إنما الأمر ذهب ونحن لسنا مؤرخين». عمرو موسى مع رفيق الحريري خلال زيارة الأخير للقاهرة عام 2004 (أ.ف.ب) وهل اشتكى رفيق الحريري لك يوماً من تعامل سوريا معه؟ قال: «نعم، طبعاً. وذكر لي أن الضباط على الحدود يتعاملون معه تعاملاً غير لطيف، تعاملاً فظاً. اشتكى من هذا أو ذكر لي هذا. لا أظن أن علاقته بالحكم في دمشق كانت جيدة، لكن هذا لا يعني ولا أقصد به اتهام سوريا بالضلوع في اغتياله، لأن هناك قوى أخرى تتنافى مع الحذر السوري المعروف في مثل هذه الأمور. فهم أكثر حذراً وذكاءً من أن يكونوا وراء العملية، خصوصاً أن هناك قوى أخرى لها مصلحة وتستطيع أن تقوم بهذه العملية». سألت عمرو موسى إن كان العمل السياسي يؤدي إلى نوع من الإدمان، فقال: «نعم، طبعاً. أنت تسميه إدماناً، إنما أنا أسميه حياة. المرء، وليس نحن فقط في المجال السياسي أو الإعلامي، فالطبيب يعي حياته كطبيب، في الصباح وفي المساء، في عيادته وفي بيته. المهندس يفكر طوال الوقت. نحن كذلك. سمِّه إدماناً، ولكن أنا أسميه شيئاً طبيعياً جداً أن يعيش الإنسان مهنته من البداية إلى النهاية». قلت له إنني سمعت من الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح أنه لن يترشح في الانتخابات الرئاسية وإنه مشتاق لملاعبة أحفاده. سمعت الكلام نفسه من الرئيس عمر البشير، لكن كل منهما بقي في السلطة حتى واجه مصيره. هل صعب على المرء أن يخرج من الأضواء؟ أجاب: «أحياناً الخروج من الأضواء يُشعرك بالراحة، لأنك أمام الأضواء تصبح مسؤولاً عن كل شيء تقوله أو كل حركة تقوم بها. يجب أن ترتاح من هذا. هذا الشعور عند الكل، عند الجميع. فيما يتعلق بالرئيس صالح، الله يرحمه، وكان شخصية ظريفة للغاية، قال لي هذا الكلام، وقال: يعني الواحد تعب. فقلت له: تعبت من ماذا يا سيادة الرئيس؟ فقال لي: تعبت من ماذا؟ طوال الوقت المرء يبدأ بمعالجة مشكلة سياسية، ومشكلة بين اثنين أو ثلاثة في عائلتك، ومشكلة بين ثلاثة أو أربعة من المرافقين لك، ومشكلة مع جيرانك، ومشكلة... راح يشرح. فقلت له: هذا أمر يجعل الذهن يقدح وينشط، وغير ذلك فإننا نُصاب بكسل وخمول... واستمررنا في هذا الكلام لأنه كان ظريفاً جداً، وحينها كانت إريتريا قد احتلت جزيرة يمنية، وكنت حينها الأمين العام، ذهبت إليه لأناقشه ونرى كيف نساعده. حكاية أحفاده، كان يلاعبهم وهو رئيس. والرئيس أحياناً يشعر بفراغ في لحظة ما. يقال في الإنجليزية: وحيد في القمة. كان الرئيس مبارك، الله يرحمه، يسألني عندما نكون في لندن أو باريس: ماذا ستفعل اليوم؟ فأقول له: سأذهب لتناول العشاء في مطعم، وهو جميل جداً أحب أن أذهب إليه، والله يا سيادة الرئيس لو فكرت تتعشى في الخارج، فهو أمر جميل جداً، تفضل. فيقول لي: أنت تعرف من أجل أن تتفضل سيكون معي على الأقل 50 شخصاً يتفضلوا، الحرس والسائقون ورجال المباحث والمخابرات... لا، لا، أنا لا أقدر... تذكَّرني عندما تكون هناك. حسني مبارك وعمرو موسى خلال لقاء تمهيدي للقمة العربية في 2008 (أ.ف.ب) في واشنطن مثلاً، وكانت نهاية أسبوع، إذ كان دائماً يسافر السبت ويستريح الأحد ثم يعمل الاثنين، أنا كوزير خارجية كنت أذهب الخميس أو الجمعة من أجل ترتيب الاجتماعات. قال لي: ماذا ستفعل غداً؟ فقلت له: سأذهب للتسوق، أنا أحب التسوق في أميركا جداً. فقال: إلى أين ستذهب؟ فقلت له: توجد هنا أشيك محلات الدنيا يا سيادة الرئيس، وهو كان يحب الشياكة جداً. قال: حسناً. غادرت وما كدت أصل إلى الفندق، وهو كان في بيت الضيافة، حتى تلقيت اتصالاً من سكرتيره وقال لي إن الرئيس سيخرج غداً للتسوق، أنت وهو. وفعلاً ذهبنا معاً للتسوق، والحرس لم يصحبوه، وإنما كانوا على أبعاد مختلفة. دخلناً محلاً، وطلبت من البائع أن يقفل الباب، فدُهش قليلاً، فقلت له: هل تعرف مَن هذا؟ هذا فلان، والحرس في الخارج. نحن نحتاج على الأقل إلى نصف ساعة. وكان مرتاحاً جداً، خلع الحذاء وخلع السترة وراح يلف على ربطة العنق هذه وهذا القميص... كان في منتهى السعادة لفترة قاربت على الساعة. نسي (مَن يكون)... ما رأيك بهذا القميص؟ وهذا يُظهر لك إلى أي حد يكون فيه الرؤساء في وضع يبعث على الملل، ليس مللاً من السلطة، إنما في الحياة نفسها. ولذلك، السلوى الكبيرة للرئيس مبارك، الله يرحمه، كان حفيده. سلوى كبيرة جداً تشغله عن، أو على الأقل تفتح له أبواباً من الحنان غير موجودة في أسلوب الحكم أو بناء الحكم. أنور السادات وحسني مبارك في زيارة لمدينة الإسماعيلية عام 1977 (غيتي) الرئيس أنور السادات كان يحب مشاهدة فيلم أميركي كل يوم، كما يقال وكُتب ونُشر، وأكثر الأفلام الأميركية التي كانت تريحه أفلام رعاة البقر الذي يجري بعضهم وراء بعض. ليس هناك موضوع، إنما أناس يجري بعضهم وراء بعض ويطلقون رصاصاً... فكان يتسلى جداً بهذا الأمر، في اليوم يُمضي ساعة أو اثنتين. ربما لم يكن منتبهاً إليها (الأفلام) كثيراً إنما (كان) يفكر، وهكذا... وهناك رؤساء يقرأون كثيراً، ورؤساء يتجولون كثيراً، وهكذا». وهل كان مبارك يهتم بأناقته الشخصية؟ أجاب: «نعم. هذه مسألة يبدو أن فيها إحساساً أو جينات معينة يولَد المرء بها. كان يعرف ماذا يلبس مع ماذا، وكان يقدِّر الأناقة جداً، وهو كانت عنده نظرة في الناس، وغالباً ما كان على حق في هذا. لو رأى شخصاً مبهدلاً (غير منتظم في ملابسه) يظن أو يعتقد فوراً أن هذا الرجل ربما يكون أيضاً غير منتظم في فكره، وكثيراً ما كان يوفَّق في هذا، ليس على أساس الأناقة إنما في الترتيب. ويسأل أسئلة بسيطة والإجابات عنها يأخذها في اعتباره أيضاً: نبيه. إجابة طريفة. إجابة ذكية. إجابة سخيفة... من هذا النوع. كان مصرياً تماماً، أي يحب القفشات والسخرية ويسمع النكتة ويضحك بنشاط كبير جداً وبصوت مرتفع عندما تُذكَر له، ومعه مجموعة من الظرفاء، ثم فجأة يعود الرئيس. كان يستيقظ باكراً ويجلس في كشك لطيف في الحديقة ويقرأ الجرائد وما يرسَل إليه من الأجهزة من أخبار وأنباء ويأخذ وقته، وبعدما ينتهي يكون في الصورة بالنسبة إلى أمور كثيرة جداً. هذا لم يُنشَر كثيراً عن حسني مبارك الشخص، إنما له أمور تختص به هو نفسه منها الأناقة». مَن كان يحب مِنَ الزعماء العرب؟ قال: «ملوك السعودية. كان على علاقة طيبة جداً بالأسرة السعودية، وبكثير من أمراء وشيوخ الخليج. كان على علاقة طيبة بحافظ الأسد، وعلى علاقة طيبة بالقذافي. درجة العلاقة الطيبة مختلفة هنا وهناك، إنما كان قادراً على أن يتعامل مع الكل: أهل المغرب وشمال أفريقيا. أهل الخليج. أهل الهلال الخصيب. وهنا فوارق ما بين هؤلاء وأولئك، احتفظ بعلاقات جيدة جداً معهم، مما سهَّل عليه الحكم وسهَّل عليه أن يقود مصر واحتياجاتها وظروفها وسط هذه الأنواء». حسني مبارك في خيمة معمر القذافي عام 1992 (غيتي) وعن نقاط ضعف حسني مبارك، قال: «نقطة الضعف ليست فيه هو شخصياً. كلنا فينا نقاط ضعف، وليس من المنصوح به أن أتحدث عن نقاط الضعف بالنسبة إلى رئيس انتقل إلى رحمة الله، إنما نقطة الضعف كانت نقطة الضعف المصرية، وهي أننا أخطأنا كثيراً في عدم بناء مصر الاقتصادية مع هذه الثروة الهائلة في مصر؛ مساحةً، وجواً، وبحاراً تحيط بها من كل جانب، ونهراً يسري فيها بنشاط كبير من الجنوب إلى الشمال، وصحراء مليئة بالثروات، وأناساً متعلمين كثيرين جداً، قادرين على الإنتاج وعلى الأداء الطيب. كل هذا لم يوضع في بوتقة واحدة لتُنتج منتجاً جيداً متميزاً يقدَّر على المستوى الإقليمي والعالمي. نحن أخطأنا في هذا، من دون أي كلام. وهو ما أسميه بالحكم الرشيد. وأرى أننا أخطأنا في غياب الحكم الرشيد لسنوات طويلة تربو على 70 سنة».

عمرو موسى: عاملني القذافي في البداية بوصفي جاسوساً أميركياً ثم تغيرت الأمور
عمرو موسى: عاملني القذافي في البداية بوصفي جاسوساً أميركياً ثم تغيرت الأمور

الشرق السعودية

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشرق السعودية

عمرو موسى: عاملني القذافي في البداية بوصفي جاسوساً أميركياً ثم تغيرت الأمور

يقول وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، في الحلقة الثالثة من مقابلته مع "الشرق الأوسط"، إن الرئيس الأسبق حسني مبارك "لم يكن دموياً ولم يكن فرعوناً ولم يحاول أن يكون". ويلفت إلى قول الرئيس أنور السادات: "أنا وجمال (عبد الناصر) آخر الفراعنة". ويعترف بأن التعامل مع معمر القذافي لم يكن سهلاً، خصوصاً أن الزعيم الليبي استقبله في البداية بوصفه "جاسوساً أميركياً"، وراح يتحدث من دون أن ينظر مباشرة إليه. ويصف الرئيس صدام حسين بأنه "شخصية صعبة جداً وصاحب مهابة خاصة به". ويضيف أن صدام كان قلقاً من المفتشين الدوليين، ويعدّهم عملاء لوكالة المخابرات الأميركية، خصوصاً حين طرحوا على مواطنين عراقيين أسئلة عن مستوى معيشتهم وأحوالهم. سألت عمرو موسى: إن كانت أغنية المغني الشعبي شعبان عبد الرحيم (شعبولا) التي تقول: "أنا بكره إسرائيل وبحب عمرو موسى" أثارت حساسية الرئيس حسني مبارك والمحيطين به؟ فقال: "الحقيقة، لا أعتقد أن حسني مبارك وحده شعر بالحساسية، فهو الرئيس، ومهما كان وزير الخارجية أو غير وزير الخارجية فليس هناك من ينافس الرئيس في شعبيته. لم يكن هذا هو المقصود، إنما بعض المحيطين، ليس المحيطين المباشرين، بعض المحيطين وأنا أعرفهم جيداً، ولم أرد أن أتدخل وعددت الأمر شيئاً من قبيل الدعابة، ونجلس ليلاً ونضحك، إنما بعض الجهات جعلت شعبان عبدالرحيم يقول: أنا بكره إسرائيل وبحب حسني مبارك. إنما كانت الأغنية الأولى هي التي اشتهرت وتبيع شرائط، وكانت موجودة فعلاً؛ إذ قال أحد أصحابي الدبلوماسيين من أميركا اللاتينية، أظن أنه كان أرجنتينياً، ما هي هذه الحكاية فنحن نرقص عليها هنا؟". قلت له إن الروس يطلقون على رئيسهم لقب القيصر، فهل كان حسني مبارك أو أنور السادات قريباً من ملامح الفرعون؟ أجاب: "أنور السادات نعم، ولكن في مقابل لقب القيصر كان هناك لقب الزعيم، لكن هذا كان خاصاً بعبد الناصر. الزعيم، والرئيس. أما أنور السادات فاكتفى بلقب الرئيس، ولكنه هو الذي قال: أنا وجمال (عبد الناصر) آخر الفراعنة، ولن يكون هناك فرعون آخر. الفرعون ماذا يعني؟ أو من ضمن سلطات الفرعون، الحياة. يبقي حياتك أو ينهي حياتك. هذا لم يكن في تكوين حسني مبارك. لم يكن عنيفاً ولا دموياً إنما كان يمكن أن يعاقب طبعاً بصفته رئيساً، معاقبة قاسية تقصر عن أن يسيح دماً. هل هناك حوادث معينة أو حالات معينة قبل فيها توصية بإنهاء حياة أحد، لا أظن، وإنما قد تكون. ولكن في عرفي وفي تحليلي للرئيس مبارك أنه لم يكن دموياً ولم يكن يريد أن يسمح بالدموية في تعامل السلطة. ربما حصلت استثناءات لهذا من كيفية إدارة السجون، الله أعلم، ولكن أنا أجزم أنه هو شخصياً لم يكن من ضمن تصرفاته وأخلاقه أن يكون دموياً". العلاقة مع القذافي كان لمصر جار متعب اسمه معمر القذافي، كيف تعامل الرؤساء معه وكيف تعامل عمرو موسى؟ يقول: "بالنسبة إلى الرؤساء العرب كانوا إما يسخرون منه أو يستصغرون شأنه. إنما كلهم حاولوا، باستثناء ملك السعودية، أن يهدئوه ولربما أن يستفيدوا منه أو يتقوا شره. هذه قصة وحدها، وتحتاج إلى موضوع حول معمر القذافي وعلاقاته بالرؤساء والشعوب والثورات. هذه تحتاج إلى بحث طويل عريض. من ضمن ما قاله لي شخصياً إنني صرفت مالاً كثيراً على أناس أيام الثورة الفلانية والثورة الفلانية؛ ولذلك أصبح بخيلاً في الثلث الأخير من حكمه ولم يعد يصرف مالاً بسهولة، ولا يهمه أن تكون هناك ثورة أو غير ثورة. تعلّم. قال لي هذا الكلام. ذكر ذلك لي هذا في معرض حديث في موضوع الثورات. كان عندما تذهب إليه تجده جالساً في خيمة، وهذه الخيمة بجانبها سيارة كبيرة، مثل حافلة، وفيها الدوش والتكييف وكل شيء. إنما هو جالس في خيمة وهواؤها لطيف. على شماله كراسات منها النوتة الصفراء المشهورة في أميركا، وكتب وأقلام كثيرة، أزرق وأحمر وأخضر وأصفر وكل ما تريده. وهو جالس وطاقيته معوجة فتجلس معه ويكون بحسب رضاه عنك. إذا كان راضياً عنك يتحدث إليك، وإذا لم يكن راضياً فيتكلم ووجهه إلى ناحية ثانية ولا ينظر إليك، وأنتم أناس كذا وكذا. وأنا رأيته في الوضعين. أحياناً راضٍ فيكلمني مباشرة، وأحياناً غير راضٍ فيتكلم ووجهه لناحية ثانية وكأنني غير موجود. وأنا وجدت في هذا نوعاً من المرح وكنت أراهن مع نفسي يا ترى هذه المرة سيكلمني مباشرة أم يتكلم في ناحية ثانية؟ أول ما عُيّنت قيل له: هذا جاسوس أميركي وآتٍ من واشنطن. أنا طبعاً لم أكن في واشنطن، وكنت سفيراً في نيويورك. وتردد هذا الكلام أن هذا جاسوس آتٍ بخطة أميركية، ولما رأى الأداء غير ذلك بدأ يلين بعض الشيء، ثم بدأ يطلب، عندما يكون جالساً مع الرئيس مبارك، هل يمكن أن نأتي بعمرو موسى لنتحدث معه. وحصل مرة، وكنا في طبرق، على ما أظن، نتغدى وكانت هناك أكثر من مائدة. الرئيس مبارك والعقيد جالسان إلى مائدة معينة، ونحن إلى موائد كثيرة، وزراء ومسؤولون من الجانبين، فقال معمر القذافي للرئيس مبارك لنستدعِ عمرو موسى ونتحدث معه في موضوع، وانتهينا نحن الثلاثة إلى مائدة واحدة نتكلم والباقون إلى موائدهم، وكنت عارفاً أن الأمر سيؤدي إلى شيء من عدم الارتياح لدى آخرين. إنما هذا تكرر غير مرة. عندما جاء مرة إلى القاهرة في زيارة رسمية وكنت وزيراً للخارجية، نصبت له خيمة في حدائق قصر القبة، القصر فيه كل شيء ولماذا تنام هنا؟ لم يكن ينام هناك إنما يستقبل في الخيمة. ذهبت، وكان وقتها يعتبرني جاسوساً أميركياً، فنظر إلى كل جوانب الخيمة إلا الجانب الذي أجلس فيه. طبعاً بالنسبة إلي الأمر مرح. نعم، كان أحياناً قاسياً، منها مرة، مثلاً، أنت لست فاهماً أن الرجعية العربية ستودي العرب في داهية؟ أنت لست فاهماً هذا الكلام؟ وأنت تقول لي - أنا لم أقل له - إنك من الناس المؤمنين بالوحدة العربية؟ هكذا بهذه القسوة. أحكي لك موضوع الكتب؛ لأنه قارئ يترجمون له ويأتون له بكتب. كان يتكلم عن علاقة الدول العربية المتوسطية بالدول الأوروبية. فقلت له: أخيراً قرأت كتاباً يتحدث عن كذا وكذا، فقال لي: ما هو هذا الكتاب؟ لم يخبرني عنه أحد. فأعطيته عنوان الكتاب، فاستدعى سكرتيره وقال له اشترِ لي هذا الكتاب وترجمه لي. كان يريد أن يقرأ ويريد أن يعرف. هذه من طرائف العقيد، وأنا أرى أنه كان شخصية استثنائية في طرافته وفي ذكائه وتصرفه. لا جدال في أنه كان ذكياً. تصرفه، سواء كان صحيحاً أو غير صحيح، إنما كان شخصية خاصة. لم يكن يسدد المساهمات الخاصة بالجامعة العربية، فتراكمت عليه، وليبيا من أكبر المساهمين مثلها مثل مصر، والجزائر، والمغرب والسعودية. وجاء دور ليبيا لتترأس الجامعة العربية، إنها تستضيف القمة العربية، فأرسل لي مبعوثاً إلى القاهرة. جاءني في مكتبي، بصفتي أميناً عاماً، وقال لي: القائد بعث لك بهذه اللائحة، نحتاج كذا وكذا وكذا. قلت له: حاضر. قفلتها وقمت إلى المكتب ووضعتها في درج وقفلته وعدت. فقال لي: ماذا أقول له؟ قلت له ما حصل إنني أخذت الرسالة ولم أقرأها ووضعتها في درج ورجعت. فعل فاستدعاني، وأرسل لي طائرة لكي أذهب إليه. كان جالساً في خيمة في سرت. وبينما كنت جالساً وإذ بسكرتيره بشير صالح، وكان من جنوب ليبيا وأسمر، ماشياً يغني أراك عصي الدمع شيمتك الصبر. كان ماشياً ويغنيها، فقلت له: يا بشير، قل للقائد، أراك عصي الدفع، وليس عصي الدمع. فقال لي: والله سأقول له. ذهب إليه فضحك وكان عنده رئيس أفريقي وعندما خرج، دخل إليه بشير وأخبره بهذه الحكاية وقال لي تفضل فدخلت عليه ووجهه كالطماطم لأنه يكتم الضحك. فقال لي: أنا عصي الدفع؟ قلت له: طبعاً، 3 سنين لم تدفع. دفع الأموال وكنت سعيداً جداً بذلك. عندما كنا في القمة، كان سعيداً بوجود هذه القمة عنده وأظهر أنه يتعامل بمسؤولية. أذكر أننا كنا نتكلم عن جيش عربي وكان اجتماع فيه الرئيس مبارك والرئيس علي عبد الله صالح، الله يرحمهم جميعاً، وأظن أن رؤساء آخرين شاركوا أيضاً. الرئيس مبارك قال: نبحث بعقلانية أولاً... علي عبد الله صالح: لا يمكن، الجيش العربي يقرر الآن. فقال له القذافي: بالراحة يا علي بالراحة. كلمة أن رئيس اليمن علي عبد الله صالح يتحدث عن فورية للجيش، ورد معمر القذافي بالراحة يا علي، يفتح لك آفاقاً للتحليل. بالراحة يا علي أو شيء من هذا القبيل لكي أكون دقيقاً، إنما كانت مسألة فارقة تماماً". هل ترى نفسك محظوظاً لأن القدر لم يلزمك بالعمل مع رئيس مثل القذافي؟ قال: "نعم، بالتأكيد لأنني رأيت ماذا يحصل لعبد الرحمن شلقم وعلي التريكي. الاثنان وزيرا خارجية مشهود لهما. أناس أذكياء جداً، ولكن كان يمكن أن يقول له لخطأ ما، اجلس في البيت ولا تخرج حتى أقول لك. يجلس سنة، سنتين، إلى أن يتذكره. ولكن عبد الرحمن شلقم، وهو مفكر محترم جداً، وكذلك علي التريكي، قالا لي: مُرتبك يصلك إلى البيت وتظل محافظاً على مزاياك ولكن لا تتحرك إلا حين يقول لك. وهناك عقوبة إنزال الرتبة. علي التريكي كان وزير خارجية ثم أصبح وزيراً للشؤون الأفريقية والوزير كان شلقم. والمبعوث الذي أرسله إليّ كان وزير خارجية وأصبح وكيلاً للخارجية. عقوبات معينة على رجاله". أحد الذين عملوا مع القذافي قال لي إنه تحدث مرة عن السادات ومبارك، وقال: كانا يقفان في الصف عندما أذهب لزيارة معلمهما ويقصد عبد الناصر، هل كانت لديه عقدة عبد الناصر؟ أجاب: "لا، كان لديه كره للسادات. يكره السادات. ذهبنا إليه مرة، مجموعة من وزراء الخارجية العرب والدكتور عصمت عبد المجيد، أمين عام الجامعة العربية، ذهبنا في أحد الرمضانات لنتحدث في مسائل عربية، فوجدناه معتكفاً في أحد المساجد. ولا يلتقي أحداً. قالوا له جاء 10 أشخاص، وزراء خارجية بطائرة خاصة، فقال لهم بعد تأخير، وكان معنا عبد السلام جلود الذي كان يعطينا محاضرات فيها كثير من الطرافة، فليأت أمين عام الجامعة ولا لزوم لوزراء الخارجية، فذهب أمين عام الجامعة. وربما أدركوا أن ذلك لا يصح، فقال: تفضلوا. وصلنا بعد دقيقتين أو ثلاث من (وصول عصمت عبد المجيد). كان القذافي جالساً وفي يده سبحة رخيصة، وراح يتكلم عن السادات (ويشد السبحة بيده) فرطت منه السبحة، ونحن جالسون متربعين في الخيمة. فقلت له: نحن عندنا، المصريين، تقدير كبير له لأنه حرر الأرض، والأمور الثانية يمكن أن نناقش فيها أي شخص إلا دوره في تحرير الأرض ووطنيته. فغيَّر كلامه، وقال لي: أنا فاهم هذا الكلام، متفهم لهذا الكلام. وفاتت". لقاء مع صدام حسين قبل الغزو طلبت من موسى أن يتحدث عن شخصية صعبة أخرى تعامل معها، فقال: "صدام حسين، شخصية صعبة جداً. عندما انتُخبت أميناً عاماً للجامعة العربية، لا أقول عُينت انتُخبت؛ لأنه كان اقتراحاً مصرياً عُرض على الرؤساء في قمة عمان سنة 2001. قلت أمين عام جديد، وزير سابق للخارجية في مصر الجامعة، يفترض أن ألتقي الزعماء العرب كلهم، وفعلاً أعددت جدولاً ووضعت صدام حسين آخر واحد؛ لأنني أعرف التعقيدات والحساسيات، وبدأت من موريتانيا، والمغرب، والجزائر والسودان، وكلهم بالدور ولم يبق إلا صدام حسين. هذا سنة 2002، أي السنة التالية لتسلمي منصبي، في 19 يناير 2002. قبل ذلك كنت في الأمم المتحدة وقلت لكوفي أنان، ونحن صديقان منذ الشباب الباكر، أنا الآن أمين عام الجامعة العربية وذاهب لزيارة صدام وهناك مشكلة بين الأمم المتحدة وبينه، ولا بد من أن أذهب برسالة منك، فقال لي: أي رسالة؟ قلت له: خاصة بالمفتشين، خاصة بمسألة تطمئنه. فقال لي: قل له نحن على استعداد لاستئناف التفاوض وإن كانت لديه شكاوى ننظر فيها. قلت له: عظيم، متشكر جداً. ذهبت وقلت ذلك، وكان غرضي أن يشعر بأن الزيارة ليست فقط زيارة تحيات وتمنيات من أمين عام الجامعة، بل إنني آتٍ إليه بعمل معين. استقبلني في قصر من قصوره، صغير، وجاءني مساعده عبد حمود، وهو رجل ممشوق وشواربه كثة جداً، وفي الصباح قال: تفضل، سيارة وموكب. قبل أن يأتي، انتقلت من الاستراحة التي كنت فيها بموكب سيارات، إلى مكان ما، قاعدة عسكرية أو شيء مشابه، ومن هناك قابلني الفريق عبد حمود، وركبت معه في سيارة "تويوتا" بيج، هو يقودها وأنا بجانبه، ولم يكن أحد أمامنا ولا وراءنا. وذهبنا إلى قصر. مرافقي أخذوهم بطريق أخرى. دخلت، بيت صغير وقربه بحيرة فيها بجع. نزلت درجتين إلى قاعة ممتدة وصدام مشى إلى منتصفها وأنا مشيت إلى منتصفها وسلمنا بعضنا على بعض، سلام رجل لرجل، لا قبلات ولا أحضان. هو كان معه الفريق عبد حمود ووزير الخارجية ناجي صبري الحديثي، رجل جيد جداً، وأنا معي أحمد بن حلي، نائب الأمين العام وحسين حسون، السفير وكان رئيس البعثة في واشنطن. بدأت بالحديث عن خطورة الموقف، وأنه لا بد من تليين الموقف العراقي وفي أوقات كثيرة، حتى في القمة العربية، هناك صمت في حين الأمور تحتاج إلى مرونة وإلخ. وجرى الحديث بهذا الشكل. ثم انتقلت إلى الحديث عن رسالة كوفي أنان، وقلت له: يا سيادة الرئيس، أنا أحمل رسالة من أمين عام الأمم المتحدة خاصة بالمفتشين، وبإمكانية أن نحرك الأمور من أجل أن نقلل من الاضطراب والتوتر الذي يمكن أن ينفجر. وقلت له: تحدي الولايات المتحدة ليس فيه حكمة وفي لحظة ما لن يقف معك أحد. هذا موجود في المحضر الذي كتبه بن حلي، رحمه الله. طلبت أن نمشّي الأمور بالراحة. نعم، هناك مواقف خطيرة جداً للولايات المتحدة في قضايا معينة، إنما الأمور تقتضي أن نكون حذرين في مثل هذا الأمر، وبالمناسبة الأمين العام ليس لديه مانع من استئناف المفاوضات. يا سيادة الرئيس، هل أنت لديك مفاعلات نووية أو أسلحة نووية؟ فقال لي: لا. قلت له: هل تسمح لي أن أسأل مرة ثانية هذا السؤال؟ هل لديك أسلحة نووية؟ فقال لي: لا. في هذه اللحظة، نظرت إلى بن حلي بطرف عيني. وجدت بن حلي يكاد يضطرب لأنني سألت صدام حسين السؤال نفسه مرتين؟ ربما توقع أننا لن نخرج من هنا. عندما رأيت بن حلي زاد الموقف لدي طرافة، فقلت له: يا سيادة الرئيس، ما هي شكواك من المفتشين إذا لم يكن لديك شيء؟ فقال لي: لا، هؤلاء ليسوا مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هؤلاء يأتون ويذهبون إلى المقاهي وفي الشوارع يسألون (الناس) أنتم ماذا تأكلون؟ وهل هناك طعام كافٍ؟ وما هو رأيك في الحكومة؟ ما هي علاقتهم بهذه الأمور؟ قلت له: المسألة بسيطة، أنا أبلغ الأمين العام بهذا الكلام، حتى عندما تتفاوضون ويتم اختيار المفتشين بعد ذلك يكون فيه عناية. فقال لي: نعم، أنا أفوّضك بأن تقول ذلك. وفعلاً قلت لأنان وبدأت مفاوضات عراقية مع الأمم المتحدة في هذا الشأن، وهذه قصة أخرى، وانتهت إلى الغزو. في هذا الوقت، أقدر أقول إن صدام كان متقبلاً ولكن من أناس هو متأكد أنهم غير مدسوسين عليه، أي لست أقول له ذلك من أجل أن آخذ منه شيئاً أنقله لكي يحسب عليه. ولذلك؛ في رأيي، كان مرتاحاً للحديث معي». وعن هيبة صدام حسين، قال: "نعم، ليس هناك كلام. ليس هناك كلام. لديه هيبة خاصة به. يخشونه، يخشونه جداً. ولكن في ذلك الوقت لا أظنه أنه كان مستعداً لاستخدام هذه الهيبة... كان هناك وضع جديد وفيه تحسب كبير جداً؛ لأنه في الليلة السابقة على هذا اللقاء، كان هناك عشاء أقامه طارق عزيز، وكان نواب الرئيس وغيرهم حاضرين، في برج مطل على القصر الملكي القديم. ليس قصراً، بل (منزل) صغير. فقلت مثل هذا الكلام، أي أنتم ليس لديكم مرونة في حين الدنيا متغيرة، فقال لي أحدهم قل له غداً هذا الكلام. مرتين ثلاث، قالوا لي قل له، قل له، أي أنهم كانوا يريدونه أن يسمع هذا الكلام. وأنا تشجعت وقلت له هذا الكلام، كل الذين يريدونني أن أقوله قلته". وما هو انطباعك عن طارق عزيز؟ أجاب: "طارق عزيز كان دبلوماسياً ذكياً جداً، وسياسياً أيضاً ذكياً جداً. ذهب بعيداً في تأييده لصدام من حيث كل شيء. أي أن طارق عزيز كان مسماراً رئيسياً في المرحلة هذه من نظام صدام حسين. إنما، وهو يعلم تمام العلم، أن الذين هم فيه هذا، مغامرة لن تنتهي على خير، إنما لم يستطع أن يقول له هذا الكلام خوفاً على نفسه، وعلى عائلته. لو كان يدري الغيب، لربما قالها لأن الشيء نفسه حصل معه بعد قليل. إنما كان اختياراً موفقاً من حيث المهنية والقدرة على الحديث والتواصل مع الناس. يعكس قوة العراق في حديثه. وهو شخصية محببة أيضاً ويمكنك ان تجلس معه وتتحدث معه وتسهر معه وتتعشى معه وتأخذ وتعطي معه. هذا هو طارق عزيز". قلت إن بعض الذين عملوا في القصر مع صدام حسين يقولون إن طارق عزيز كان مدركاً مثلاً لأخطار غزو الكويت؟ فأجاب موسى: "هذا لا يحتاج إلى كلام. كانت مسألة حياة أو موت لأي شخص أن يقول رأياً في تلك الظروف. كان يمكن أن يُستأصل، والله أعلم. إنما هو قطعاً، عندما نتكلم في ذكائه وقدرته السياسية الواضحة كان ضرورياً أن يستخدمها ويستخدم هذا الذكاء في أن يعرف كيف يتكلم مع صدام، في ظروف معينة. افترض نحن نتحدث في مثل هذا ولا أريد أن أقول إنني ضد، فأقول لنؤجل المسألة على الأقل أسبوعاً أو اثنين أو شهراً، ليس لأنك ليس لديك الاستعداد العسكري، بل يا سيادة الرئيس، الاستعداد الإعلامي في العالم. هناك أبواب يمكنك أن تدخل منها. لكنه لم يستخدمها. نحن نتحدث ونحن جالسون مستريحين، إنما هو كان يجلس على مسامير في كرسيه". هذا المحتوى من صحيفة "الشرق الأوسط"

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store