أحدث الأخبار مع #موراكامي


العرب اليوم
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- العرب اليوم
«أبوظبي الدولي للكتاب» ومتغيرات الثقافة
يحفل معرض أبوظبي الدولي للكتاب بالكتب الجديدة في شتى الحقول، لكنه صار يفسح مجالاً واسعاً لمنتجات وسائل الاتصال والذكاء الاصطناعي. ونحن القراء القدامى نظلُّ موزَّعين في اهتماماتنا بين الكتب الجديدة، الفكرية والفلسفية والأدبية والروائية والمترجمة من جهة، وبين الندوات الكثيرة والعامرة بمشاهير المؤلفين من جهة ثانية. وقد استمتعنا بالاستماع إلى مشاهير الكتّاب والروائيين والفنانين من مثل الياباني موراكامي الحاصل على جائزة مثقف العام، كما استمعنا إلى سمير ندا الذي حصل على جائزة البوكر العربية عن روايته الغرائبية «صلاة القلق»! كانت هناك محاضرة عن الانتقال الثقافي والحوار بين الأديان. والانتقال الثقافي مصطلح صار قديماً منذ كتب الفيلسوف الألماني كارل ياسبرز في خمسينيات القرن العشرين كتابَه عن «الزمن المحوري»، وهو عنده القرن الثامن قبل الميلاد. وبحسب هذه الأطروحة فإنّ منتجات الثقافة والحضارة صارت منذ ذلك الزمن مثل الأنابيب المستطرقة التي تتساوى سطوحها وأعماقها وتلقائية انتشارها. لقد صار واضحاً منذ قرون أنّ الانتشار الثقافي والحضاري يحدث بأحد أسلوبين: إمّا الانتشار بطريقة الاستيلاء أو بطريقة الاحتياج. فالحضارة الغربية انتشرت بالاندفاع والاستيلاء في القرون الثلاثة الأخيرة حتى صارت نظام العالم اليوم. بيد أنّ العديد من موجات الاستجابة حدثت وتحدث بسبب الحاجة إليها، مثل حركة الترجمة في العصور الوسطى من اليونانية والسريانية إلى العربية. فهل انتشرت الأديان بهذا الأسلوب أم ذاك؟ وبغضّ النظر عن أسباب الانتشار، كيف ظهرت فكرة أو ممارسة الحوار بين الأديان، وعلى وجه الخصوص بين المسيحية والإسلام؟ الواضح أنّ الحوار صار ممكناً عندما ما عاد الاجتياح والاستيلاء مقدوراً عليه ولو بالتبشير. ثم إنّ الحوار يكون ناجماً عن الاعتراف المتبادل. وهكذا بدأ الأمر، فاعترفت الكنيسة الكاثوليكية بالإسلام في المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) باعتباره ديانةً إبراهيمية. ولذا صار الحوار ممكناً بعد عصورٍ من النزاع. يقول المفكر الكاثوليكي هانس كينغ (توفي 2021): لا سلام في العالم إلاّ بالسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إلا بالحوار، ويكون موضوع الحوار التوافق على قيم أخلاقية مشتركة. والذي حدث من حوارات جاء نتيجة الوعي بالحاجة من أجل التشارك والتعاون بين الطرفين، وصولاً إلى وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقّعها البابا الراحل وشيخ الأزهر بأبوظبي عام 2019 برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. لقد أطلت في قراءة شكلٍ من أشكال الانتقال الثقافي لأنّ الفكرة أعجبتني بسبب قُربها من اختصاصي ومجالات اهتمامي. لكن كان من زملائي من أثارت اهتمامه تطورات الأدب الروائي العربي. وهو فنٌّ عريقٌ أوروبي الأصل، وجاء الانتقال تدريجياً نتيجة المتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية، خلال أكثر من قرن. ولا يزال كل محاضرٍ عن تطورات الرواية العربية يذكر حصول الروائي المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام 1988 دليلاً على بلوغ هذا الفن إحدى ذراه في الثقافة العربية. فهل لا يزال لائقاً أو ملائماً الحديث عن الانتقال الثقافي، أم أنّ العرب دخلوا في المشترك الثقافي العالمي مثل أدباء أميركا اللاتينية على سبيل المثال؟ إنّ المجال الآخر الذي لفت اهتمامي هو مجال الاحتفاء بتوقيع الكتب الجديدة من جانب مؤلفيها. وبالطبع هناك روايات من بينها، لكن هناك كتب جديدة أيضاً في الفلسفة والعلوم الاجتماعية والتربية والتاريخ والفنون. إنها فسحة قصيرة من الزمان للاستمتاع بالكتاب الورقي وثقافته وصناعته وإن تهدده الذكاء الاصطناعي!


الاتحاد
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الاتحاد
«أبوظبي الدولي للكتاب» ومتغيرات الثقافة
«أبوظبي الدولي للكتاب» ومتغيرات الثقافة يحفل معرض أبوظبي الدولي للكتاب بالكتب الجديدة في شتى الحقول، لكنه صار يفسح مجالاً واسعاً لمنتجات وسائل الاتصال والذكاء الاصطناعي. ونحن القراء القدامى نظلُّ موزَّعين في اهتماماتنا بين الكتب الجديدة، الفكرية والفلسفية والأدبية والروائية والمترجمة من جهة، وبين الندوات الكثيرة والعامرة بمشاهير المؤلفين من جهة ثانية. وقد استمتعنا بالاستماع إلى مشاهير الكتّاب والروائيين والفنانين من مثل الياباني موراكامي الحاصل على جائزة مثقف العام، كما استمعنا إلى سمير ندا الذي حصل على جائزة البوكر العربية عن روايته الغرائبية «صلاة القلق»! كانت هناك محاضرة عن الانتقال الثقافي والحوار بين الأديان. والانتقال الثقافي مصطلح صار قديماً منذ كتب الفيلسوف الألماني كارل ياسبرز في خمسينيات القرن العشرين كتابَه عن «الزمن المحوري»، وهو عنده القرن الثامن قبل الميلاد. وبحسب هذه الأطروحة فإنّ منتجات الثقافة والحضارة صارت منذ ذلك الزمن مثل الأنابيب المستطرقة التي تتساوى سطوحها وأعماقها وتلقائية انتشارها. لقد صار واضحاً منذ قرون أنّ الانتشار الثقافي والحضاري يحدث بأحد أسلوبين: إمّا الانتشار بطريقة الاستيلاء أو بطريقة الاحتياج. فالحضارة الغربية انتشرت بالاندفاع والاستيلاء في القرون الثلاثة الأخيرة حتى صارت نظام العالم اليوم. بيد أنّ العديد من موجات الاستجابة حدثت وتحدث بسبب الحاجة إليها، مثل حركة الترجمة في العصور الوسطى من اليونانية والسريانية إلى العربية. فهل انتشرت الأديان بهذا الأسلوب أم ذاك؟ وبغضّ النظر عن أسباب الانتشار، كيف ظهرت فكرة أو ممارسة الحوار بين الأديان، وعلى وجه الخصوص بين المسيحية والإسلام؟ الواضح أنّ الحوار صار ممكناً عندما ما عاد الاجتياح والاستيلاء مقدوراً عليه ولو بالتبشير. ثم إنّ الحوار يكون ناجماً عن الاعتراف المتبادل. وهكذا بدأ الأمر، فاعترفت الكنيسة الكاثوليكية بالإسلام في المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) باعتباره ديانةً إبراهيمية. ولذا صار الحوار ممكناً بعد عصورٍ من النزاع. يقول المفكر الكاثوليكي هانس كينغ (توفي 2021): لا سلام في العالم إلاّ بالسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إلا بالحوار، ويكون موضوع الحوار التوافق على قيم أخلاقية مشتركة. والذي حدث من حوارات جاء نتيجة الوعي بالحاجة من أجل التشارك والتعاون بين الطرفين، وصولاً إلى وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقّعها البابا الراحل وشيخ الأزهر بأبوظبي عام 2019 برعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله. لقد أطلت في قراءة شكلٍ من أشكال الانتقال الثقافي لأنّ الفكرة أعجبتني بسبب قُربها من اختصاصي ومجالات اهتمامي. لكن كان من زملائي من أثارت اهتمامه تطورات الأدب الروائي العربي. وهو فنٌّ عريقٌ أوروبي الأصل، وجاء الانتقال تدريجياً نتيجة المتغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية، خلال أكثر من قرن. ولا يزال كل محاضرٍ عن تطورات الرواية العربية يذكر حصول الروائي المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام 1988 دليلاً على بلوغ هذا الفن إحدى ذراه في الثقافة العربية. فهل لا يزال لائقاً أو ملائماً الحديث عن الانتقال الثقافي، أم أنّ العرب دخلوا في المشترك الثقافي العالمي مثل أدباء أميركا اللاتينية على سبيل المثال؟ إنّ المجال الآخر الذي لفت اهتمامي هو مجال الاحتفاء بتوقيع الكتب الجديدة من جانب مؤلفيها. وبالطبع هناك روايات من بينها، لكن هناك كتب جديدة أيضاً في الفلسفة والعلوم الاجتماعية والتربية والتاريخ والفنون. إنها فسحة قصيرة من الزمان للاستمتاع بالكتاب الورقي وثقافته وصناعته وإن تهدده الذكاء الاصطناعي! *أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية


24 القاهرة
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- 24 القاهرة
هاروكي موراكامي.. عدّاء سبرينت يحصد الماراثون
من بين كل الجوائز العالمية التي فاز بها الروائي الياباني هاروكي موراكامي على مدار عقود من الكتابة الإبداعية سعدتُ بشكلٍ خاص بفوزه بجائزة شخصية العام الثقافية أحد فروع جائزة الشيخ زايد للكتاب للعام 2025، ذلك أن مفهومي الشخصي عن "شخصية العام الثقافية" ينبثق من كون هذه الشخصية تُعدُّ مُصدر إلهام وتحفيز لكلِّ مُنتَمٍ للمجال الثقافي، وهو ما أَحتَفي به في موراكامي بانفصالٍ تامّ عن القيمة الفنية لأعماله. هاروكي موراكامي الذي أراه هو رجل حكيم أدرك مبكرًا أي المراكب يجب أن يقفز منها وأي المراكب تلك التي عليه أن يبحر فيها مهما كلفه ذلك من ثمن. ذلك الرجل الذي اتَّبع تلك الرغبة الغريبة التي راودته في الساعة الواحدة والنصف من ظهر الأول من أبريل عام 1978 حين قرر فجأة كتابة رواية، مع اقتناعه وقتها بأن لن يصبح روائيًا لكنه سيحصل على نتيجة مُرضِيَة له إن اتّبع تلك الرغبة التي تلحّ عليه الآن، وهذا هو جوهر موراكامي العدّاء والروائي: التركيز على الـ سبرينت وليس على الماراثون. الفرق بين الماراثون والسبرينت أن الأخير هو جري المسافات القصيرة بحد أقصى 400 متر تقريبًا، وهو ما يُجَنِّب ممارِس الجري إنهاك ومخاطرة المسافات الطويلة لكنه مع ذلك يعمل على تقوية عضلات الساق وعضلة القلب ويوسّع مدى تحمّلهما للألم تريجيًا، وبالتدريب على السبرينتات تدريجيًا يطمح العدّاء لدخول الماراثون. أي أنه -موراكامي- يفكّر ويخطط وينفّذ على المدى القريب، على مدى الرواية التي يعمل عليها، السباق الذي يخوضه، ورغم أنه لخّص فكرته عن نفسه بأنه "حصان حمولة" أي شديد التحمّل للتعب والإجهاد في العمل وليس "حصان سباق" فإنني أرى بعد هذا العُمر من الدأب والقدرة على الاستمرار في الجري والكتابة يحتاج هذا الكاتب الفذّ أن يغيِّر فكرته عن نفسه، خاصة أن الكتابة ليست عملًا سهلًا وأن الروائي (حسب رؤيته) يجلس منعزلًا في غرفته بالساعات وربما لنهارٍ كامل كي يُحسِّن سطرًا واحدًا، هذا مع أنه يرى في نفسه- كحصان حمولة- أنه أيضًا صَبور صَبر بَنّاء يضع قالبًا فوق قالب حتى يكتمل البِناء. "هي نظرية بسيطة جدًا لكنني تعلّمتُها بالتجربة الشخصيّة؛ عليك أن تدير قوّتك البدنية وقوّتك الروحية معًا إلى درجة من التوازن كي تعزز إحداهما الأخرى، وكلما امتدّ زمنُ المعركة زادت أهمية هذه النظرية".. موراكامي هاروكي موراكامي في كتابه "ما أتحدث عنه حين أتحدثُ عن الجري" وكذلك في كتابه "مهنتي هي الرواية" يقول موراكامي أن كل ما تعلّمه عن الكتابة تعلّمه من ممارسة الجري الذي بدأه بشكل يوميّ في خريف 1982 وكان عمره وقتها 33 عامًا ثم لم ينقطع عنه أبدًا إلا في أيام معدودة. يمكنك أن تتوّقع الفشل لشاب يبدأ في ممارسة رياضة جسدية في عمر الـ33 أو على الأقل أن يصبح ممارسًا عاديًا لهذه لرياضة، لكن أن يُصبح عداءً رسميًا ممن يحملون رقمًا على صدورهم ويشارك في بطولات عالمية بشكل سنوي! كذلك حين توقّع له أصدقاؤه وأقرباؤه أن يفشل مشروع مطعم ونادي الچاز الذي افتتحه كمشروع خاص وهو بعيدٌ كل البُعد عن إدارة الأعمال لكنه أيضًا نجح على عكس المتوقع ثمّ قرر كتابة روايته الأولى ثم أغلق نادي الچاز وتفرّغ للكتابة وحصل لنفسه على مكتب بدلًا من الكتابة على طاولة المطبخ كل ليلة حتى الصباح. "أعلمُ علم اليقين إني سأندمُ دومًا إن قمتُ بأمرٍ تعوزُه الحماسة".. موراكامي حين أغلق موراكامي نادي الچاز اتفق مع زوجته على تغيير نمط حياتهما تمامًا. توقّعتُ هنا أن يحكي عن قراءاته؛ جدول مقابلات مع ناشرين، جولات لترويج الأعمال، تحرير قائمة بأفكار للروايات…. لكن أول وأبرز ما ذكره من تغيير لنمط حياته كان النوم المبكر بعد دخول الليل بوقت قصير والاستيقاظ مع الشروق أو قبله والحصول على قيلولة في وسط اليوم. فقط؟ أهذا هو التغيير الذي طرأ على حياتك! تعجَّبتُ حقًا؛ لكنني بعدما أصبحتُ أتتبعه وأتتبع كلامه عن نفسه من ناحية ووقعتُ في شِباك رواياته من ناحية أدركتُ أنه يضع عينيه على ما يمكنه فعله هنا والآن. وربما هذا هو سرُّه الذي لا يعتبره سرًا ويُلمح إليه في عدة كتابات. أحد أسباب تفرُّد موراكامي هو الالتزام بنمط حياة سهل بسيط محدد وواضح بالنسبة إليه. يكتب عندما يشعر برغبة حقيقية في الكتابة ولا يجبر نفسه على التطرق لموضوعات سياسية أو اجتماعية بعينها. حياته تجمع بين الحرية المطلقة التي تجعله يتخيَّل قطًا يتكلّم في "كافكا على الشاطئ" أوشَبَح يعود من الماضي في "مقتل الكومنداتور"، لكنه أيضًا يمارس التزامًا خاصًا تجاه عاداته اليوميّة سواء الجري أو الكتابة "حين العمل على كتابة رواية" أو القراءة والترجمة حتى يبدأ العمل في الرواية الجديدة. "يتطلّبُ تعلُّم أمرٍ جوهريّ في الحياة ألمًا جسديًا في معظم الحالات. فمنذ ذلك الحادث على الدراجة وأنا أبقي رأسي وعيني على الطريق أمامي مهما بلغ منّي التعب".. موراكامي


البلاد البحرينية
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- البلاد البحرينية
تأثير عابر للثقافات: موراكامي نموذجا
لا شك أن تكريم الأدباء الذين تجاوز تأثيرهم حدود أوطانهم يمثل تقليدًا ثقافيًّا راقيًا، يُسهم في ترسيخ قِيَم الحوار الإنساني والتبادل المعرفي. فالأدب، بصفته مرآة للروح البشرية، يمتلك فرادةً في القدرة على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية، ليطوي البَوْنَ بين التجارب الإنسانية المختلفة، ويصبح جسرًا واصِلًا بين الشعوب. في هذا السياق، جاء اختيار الأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي شخصية العام الثقافية في الدورة التاسعة عشرة من جائزة الشيخ زايد للكتاب، تكريسًا لهذا المفهوم؛ إذ يشكّل هذا التكريم احتفاءً بمسيرة أدبية أثّرت في الوعي الأدبي العالمي، وتركَت بصمتها الواضحة في الثقافة العربية، قراءةً وترجمةً وتلقّيًا. جائزة الشيخ زايد للكتاب تُعدّ واحدة من أبرز الجوائز الأدبية والثقافية في العالم العربي، اكتسبت مكانة مرموقة على الساحة الدولية بفضل رؤيتها المنفتحة على الثقافات العالمية، وحرصها على تكريم التجارب التي تسهم في بناء المشترك الإنساني، وتغني المحتوى الثقافي العربي. كما أنها تُعنى بدعم التأليف، والنشر، والترجمة، وتشجيع الكُتّاب والباحثين على مَدّ جسور المعرفة بين العرب والعالم. وموراكامي نموذجٌ حيٌّ للأديب الذي تَمثّل ثقافاتٍ متعددة في رحلته الإبداعية، ومنها الثقافة العربية التي طالما أبدى إعجابًا خاصًّا بها، لا سيّما بحكايات 'ألف ليلة وليلة'، بما تحمله من رمزية سردية وثراءٍ خياليٍّ أسهم في تشكيل ملامح عالمه الروائي القائم على التداخل بين الواقع والغرابة، والحلم واليومي. وقد عبّر موراكامي في أكثر من مناسبة عن انبهاره ببنية السرد الدائري والمتشابك في 'ألف ليلة وليلة'، حيث تتداخل الحكايات داخل بعضها البعض، وتنسج طبقات من المعنى تتجاوز ظاهر النص. هذه التقنية السردية ألهمته في بناء عوالمه الروائية المتعددة الطبقات، التي تتيح للقارئ التّوغّل في مستويات من الواقع النفسي والميتافيزيقي، كما يظهر بوضوح في أعمال مثل 'كافكا على الشاطئ'، أو 'الغابة النرويجية'، حيث تتشابك الوقائع مع العوالم الداخلية والرمزية، في نسق سرديّ لا يخلو من الغموض والتأمل الوجودي. ولعلّ من أبرز تجليات هذا التأثر المباشر بالحكايات العربية القديمة قصة كتبها موراكامي بعنوان 'شهرزاد'، ضمن مجموعته القصصية 'رجال بلا نساء'. في هذه القصة، يستحضر شخصية شهرزاد لا بوصفها راويًا فقط، بل كرمزٍ للنجاة عبر الحكي، حيث تستخدم البطلةُ فِعلَ الحكي اليومي كوسيلة للتواصل والبقاء، تمامًا كما كانت تفعل شهرزاد الأصلية لتنجو من الموت. لكن موراكامي يعيد توظيف هذه الشخصية في سياق معاصر، محمِّلًا إيّاها دلالات جديدة عن العزلة، والرغبة في الفهم، والحاجة للبوح الإنساني في وجه الصمت القاسي. وبهذا التفاعل العميق مع الإرث السردي العربي، لا يقدّم موراكامي مجرد انفتاح عابر على ثقافة أخرى، بل يعيد دمجها في نسيجه الإبداعي الخاص، بأسلوب متفرّد يجمع بين العجائبي والوجودي، بين تراث الشرق وأسئلة الإنسان المعاصر. ولعلّ ما يُعمّق من فهْم تأثير 'ألف ليلة وليلة' في مشروع موراكامي، هو مقارنته بتجربة أديب نوبل نجيب محفوظ، الذي ظلّ هو الآخر مأسورًا بسحر هذا العمل السردي الخالد. كلا الكاتبين نهل من معين الحكاية العربية، لكنّهما ترجما هذا التأثير بأسلوبين مختلفين وجوهريين. نجيب محفوظ، ابن القاهرة وأزقتها القديمة، جعل من الحكاية الشعبية بنيةً للواقع الاجتماعي، وانطلق منها ليؤسّس مشروعًا روائيًّا يزاوج بين الواقعي والأسطوري، كما في ثلاثيته الشهيرة أو في رواياته الرمزية مثل 'أولاد حارتنا'. أما موراكامي، القادم من الشرق البعيد، فقد استثمر البنية الحكائية لـ 'ألف ليلة وليلة' ليبني عالمًا يطفو على الحافة بين الواقع واللاواقع. ولعلّ المفارقة الطريفة، والمعبّرة في الوقت نفسه، تكمن في طقسي الكتابة لدى كلٍّ منهما: فقد كان نجيب محفوظ يكتب في المساء، بعد أن ينهي عمله في جهاز الدولة، حيث يجد في الليل سكينةً تمنحه عمق التأمل في النفس والناس، بينما موراكامي يكتب في ساعات الفجر الأولى، بعد أن يستيقظ باكرًا ويمارس الركض، مُفضّلًا الصباح كزمنٍ صافٍ وخالٍ من ضجيج العالم، يسمح له بالتوغّل في طبقات اللاوعي. وكأن كلًّا منهما يستدعي روح شهرزاد في زمن مختلف: أحدهما في الليل كما كانت تفعل هي، والآخر في الصباح، حين تتبدد ظلال الحكاية لتفسح المجال لدهشةٍ جديدة. وإذا كان موراكامي قد بدأ قارئًا مفتونًا بالسرد العربي، فإنه اليوم أحد أبرز الكُتّاب الذين أثّروا في الذائقة العربية الحديثة، حيث تُقرأ أعماله على نطاقٍ واسع، وتُترجم إلى العربية باهتمامٍ متجدّد، وتُدرّس في جامعات عربية، وتُلهم عددًا متزايدًا من الكتّاب الشباب، بل والقرّاء، وتُثري الذائقة الإنسانية في العموم. إن هذا النوع من التكريم لا يكرّس فقط الاعتراف بالمنجز الإبداعي، بل يؤكد أهمية الأدب بوصفه قوة ناعمة قادرة على صناعة التفاهم وتشكيل وعيٍ إنساني مشترك. كما يشجع على قراءة الأدب العالمي بروح الانفتاح، بوصفه جزءًا من التجربة البشرية الكونية لا نقيضًا لها، ومُراكِمًا لخبراتها المشتركة، وإن اختلفت الثقافات التي تنطلق من أرضيتها، ففي الحقيقة يبقى الإنسان واحدًا، وإن اختلفت الألوان. وفي زمن تتصاعد فيه الحواجز السياسية والثقافية، يصبح الأدب واحدًا من أنبل المسارات التي تذكّرنا بإنسانيتنا المشتركة، وتمدّنا بالقدرة على التلاقي، لا التصادم، وعلى البناء، لا العزلة. ومن هنا تأتي أهمية تكريم أمثال موراكامي، ليس فقط لما كتب، بل لما مثّل من جسور أدبية وإنسانية تعبر العالم، وتفتح نوافذ جديدة للفهم والتواصل.


مجلة سيدتي
٠٩-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- مجلة سيدتي
من هو هاروكي موراكامي شخصية العام 2025 الثقافية لجائزة الشيخ زايد للكتاب
لطالما شُغل الكاتب الياباني الشهير هاروكي موراكامي بالشأن الإنساني العالمي وهمومه، متجاوزاً الحدود الثقافية وتشابكاتها، والنطاقات الأدبية وتعقيداتها ومتوغلاً بالفضاءات الإبداعية الرحبة متخطياً حدود السرد التقليدية برواياته السريالية والمحفزة للتفكير، التي تمزج عناصر الواقعية السحرية بالواقع المعاصر، واليوم وفي ظل الاعتراف بقدراته الفريدة في سرد القصص وأسلوبه المدهش في صياغة علاقات وتشابكات دراماتيكية تتوغل في صلب المجتمع الإنساني العالمي، وتعبر عنه وتخاطب ضمير البشرية، تم اختيار هاروكي موراكامي كشخصية ثقافية لهذا العام لجائزة الشيخ زايد للكتاب لعام 2025. كاتب فريد يمزج الأدب الياباني والتأثيرات العالمية عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Haruki Murakami (@haruki_murakami_) يُعد هاروكي موراكامي هذا الرمز الأدبي الياباني، والمولود في مدينة كيوتو اليابانية ضمن طفرة مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، أيقونة ثقافية عالمية حيث يتميز أدبه بعالميته، متخطياً حدود المحلية بمزيج فريد من الأدب الياباني والتأثيرات العالمية، وتُعرف كتاباته بقدرتها على استكشاف قضايا الهوية والانتماء والحرية الفردية بأسلوب سردي مميز يجمع بين الواقعية والخيال، وهو يرى أن الفن جزء لا يتجزأ من المجتمع، فهو بمثابة وسيلة للتعليق الاجتماعي وحافز للتغيير (حسب Bungei Shunjū، ونغي شونجو هي مجلة شهرية يابانية مقرها طوكيو ، اليابان). ولد هاروكي ابناً وحيداً لأبويه، وقد تأثر كثيراً منذ حداثة أظافره بالثقافة الغربية تأثراً شديداً، خاصة بالموسيقى والأدب الغربي إضافة إلى الروسي، فقد نشأ يقرأ سلسلة واسعة من أعمال الكتاب الأوروبيين والأمريكيين، من أمثال فرانس كافكا وجوستاف فلوبير وتشارلز ديكنز وكورت فونيجت وفيودور دوستويفسكي وريتشارد بروتيغان وجاك كيروك، ويميّز هذا التأثر الغربي موراكامي عن الأغلبية العظمى من بقية الكتّاب اليابانيين. والسياق التالي يعرفك إلى: 5 كتاب مصريين في القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2023 كاتب مبدع في مقدرته على طمس الحدود بين الأحلام والواقع بحسب موقع . يُبدع هاروكي موراكامي في طمس الحدود بين الأحلام والواقع، ناشراً حكاياتٍ يلتقي فيها الدنيوي بالغامض، حيث تتنقل شخصياته بين العالمين، مستكشفةً مواضيع الوحدة والحب والرعب من خلال عناصر سريالية وتأملات ذاتية، وهي مواضيع تتكرر في جميع أعماله، وتدعو روايات موراكامي القراء إلى أعماق النفس البشرية، فهي مزيجٌ من البساطة والتعقيد، حيث تتشابك الأحلام والواقع، متحديةً تصوراتنا عن العالم الدنيوي، على أن اللافت في أسلوب موراكامي السردي سلاسته وعذوبته لدرجة أن القراء غالباً ما يجدون أنفسهم منغمسين في جوانب قصصه الشبيهة بالأحلام دون أن يدركوا متى حدثت هذه القفزة كما أن شخصيات روايات موراكامي غالباً ما يجدون أنفسهم على عتبة عالمين، فهم يعيشون حياة عادية، بوظائفهم وعلاقاتهم وروتينهم اليومي، لكنهم أيضاً يتجولون في عوالم تتحدى المنطق. ومن خلال هذا، يُشير موراكامي إلى أن ماضينا، كما أحلامنا، هو واقع يُشكِّلنا، ويؤثر على أفعالنا وإدراكاتنا في الحاضر. يُعدّ استخدام موراكامي للعناصر السريالية كالقطط الناطقة، والعوالم الموازية، والاختفاءات الغامضة أكثر من مجرد أدوات حبكة، إنها رموزٌ للاضطرابات الداخلية، والرغبات، والمخاوف التي تواجهها شخصياته، ومن خلال طمس الخطوط الفاصلة بين الأحلام والواقع، يدعو موراكامي القراء إلى التأمل في حياتهم الخاصة، والتساؤل عما هو حقيقي وما هو مُتخيّل، وما إذا كان هذا التمييز ذا أهمية. أحد أبرز الروائيين المعاصرين وأكثرهم شعبية تكريماً لمسيرته الإبداعية وتأثيره الأدبي العابر للحدود، استحق الأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي الفوز عن جدارة بـ #جائزة_الشيخ_زايد_للكتاب في دورتها التاسعة عشرة – فرع #شخصية_العام_الثقافية ، وذلك عن كتاباته التي عُرفت بقدرتها على استكشاف قضايا الهوية والانتماء والحرية... — Zayed Book Award (@ZayedBookAward) April 8, 2025 بدأ موراكامي بكتابة الأعمال الخيالية حين بلغ التاسعة والعشرين، وهو أحد أبرز الروائيين المعاصرين وأكثرهم شعبية، كما أنه من أبرز المرشحين للفوز ب جائزة نوبل للآداب، اختارته مجلة تايم ضمن أكثر 100 شخصية تأثيراً لعام 2015، وقد لاقت أعماله نجاحاً مذهلاً فقد تصدرت قوائم أفضل الكتب مبيعاً سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وترجمت إلى أكثر من 50 لغة، حصل موراكامي أيضاً على عدة جوائز أدبية عالمية منها جائزة عالم الفنتازيا (2006) وجائزة فرانك أوكونور العالمية للقصة القصيرة (2006) وجائزة فرانز كافكا (2006) وجائزة القدس (2009)، وجائزة الشيخ زايد للكتاب (2025). أشهر أعماله: اشتهر هاروكي موراكامي برواياته الأكثر مبيعاً مثل الغابة النرويجية، كافكا على الشاطئ، ومن أعماله الشهيرة أيضاً: اسمع صوت أغنية الريح، مطاردة الخراف الجامحة، أرض العجائب الحارة ونهاية العالم، الغابة النرويجية، جنوب الحدود، غرب الشمس، ما بعد الظلام، تسكورو تازاكي عديم اللون وسنوات حجه، ومقتل قائد الفرسان وغيرها... هاروكي موراكامي شخصية العام الثقافية ومن المقرر أن يتسلم الكاتب الياباني الشهير، جائزة الشيخ زايد للكتاب لعام 2025، خلال حفل يقام ضمن فعاليات معرض أبو ظبي الدولي للكتاب في الفترة من 26 أبريل إلى 5 مايو القادم، ووفقاً لموقع الجائزة الرسمي فقد أشاد مركز أبوظبي للغة العربية، الجهة المشرفة على الجائزة، بموراكامي وتأثيره الأدبي العالمي، حيث سينضم موراكامي إلى شخصيات مرموقة أخرى نالت جائزة شخصية العام الثقافية، من بينهم الشاعرة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي والفيلسوف المغربي عبد الله العروي. يذكر أن جائزة الشيخ زايد للكتاب تُكرّم الكُتّاب والباحثين والمترجمين ورواد الثقافة والمؤسسات الثقافية منذ ما يقرب من عشرين عاماً، وينتمي الفائزون لعام 2025 إلى سبع دول مختلفة، هي المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان وفرنسا والمغرب والإمارات العربية المتحدة، وبحسب موقع الجائزة فقد شهدت دورة هذا العام منافسة غير مسبوقة، عكست المكانة الرائدة والمرموقة للجائزة، التي استطاعت استقطاب أعمال أدبية وعلمية متميزة قدمت إسهامات قيمة للمكتبات العربية والإقليمية والعالمية. قد ترغبين في التعرف أكثر إلى: