أحدث الأخبار مع #ميسلون


Independent عربية
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- Independent عربية
3 سيناريوهات ترسم ملامح العلاقات السورية- الأردنية
لم تكن العلاقات السورية-الأردنية يوماً سهلة أو مستقرة، فالجغرافيا تفرض التفاعل والتاريخ يثقل بكثير من الشكوك، بينما المصالح تدفع دوماً نحو التعاون، ومع سقوط نظام بشار الأسد يقف البلدان على مفترق طريق يمكن أن يتحول إما إلى شراكة إستراتيجية جديدة أو استمرار لحال الانتظار الحذر. ويمكن القول إن مستقبل العلاقات بين الجارتين العربيتين مرهون بنجاح السوريين في إدارة شؤونهم الداخلية، وبمدى قدرة عمّان على موازنة مصالحها الأمنية والاقتصادية والإنسانية. التأسيس تحت الانتداب بعد انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى (1918)، دخلت القوى الاستعمارية وتحديداً بريطانيا وفرنسا المشرق العربي وفق اتفاقية سايكس–بيكو التي قسمت بلاد الشام والعراق بينهما، حصلت باريس على سوريا ولبنان، ولندن على العراق وشرق الأردن وفلسطين، وهذه المرحلة تميزت بغياب دول مستقلة ذات سيادة حقيقية في المنطقة، مما جعل الحدود بين الكيانات الجديدة مرنة ومحل نزاع سياسي وأيديولوجي. كان هناك اختلاف جذري في شكل الانتداب الفرنسي على سوريا عن نظيره البريطاني على الأردن، ففي سوريا بعد معركة ميسلون وهزيمة السوريين، دخل الفرنسيون دمشق بالقوة واستمرت الثورات ضدهم حتى الاستقلال، أما في الأردن فحاول الأمير عبدالله بن الحسين في البداية دعم شقيقه الملك فيصل في سوريا، إلا أن اتفاق القوتين (لندن وباريس) وتفوقهما العسكري والميداني أجبر الأمير عبدالله على التوصل إلى تسوية مع البريطانيين، فتأسست في الـ11 من أبريل (نيسان) 1921 إمارة شرق الأردن رسمياً، تحت الوصاية البريطانية، مع تعهد بدعم الحكم المحلي. خط الرمل بالنسبة إلى الأمير عبدالله بن الحسين، وعلى رغم توليه حكم الأردن بقي معارضاً بشدة لفكرة "تقسيم بلاد الشام"، وكان يعتبر أن "سوريا الطبيعية" يجب أن تكون واحدة وتحت حكم الهاشميين، فحاول مرات عدة إقناع بريطانيا وفرنسا بإعادة توحيد سوريا والأردن ويتولى الحكم في دمشق، لكن جميع جهوده في هذا الاتجاه باءت بالفشل. مشروع الوحدة تحت حكم الهاشميين في العاصمة دمشق كان يلقى رفضاً من النخبة القومية السورية، مما تسبب في توتر بين البلدين استمر إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، على رغم أن الفكرة الأساسية التي كان يريدها الأمير عبدالله بن الحسين هي "سوريا الكبرى" التي تشمل سوريا ولبنان وفلسطين والأردن. وعلى رغم الخلافات بين الفرنسيين والنخبة القومية السورية اتفقا على رفض مشروع الأمير عبدالله، إذ كان المشروع يتعارض مع مصالح فرنسا في سوريا ولبنان. على الصعيد الاجتماعي، خلال فترة الانتداب، وعلى رغم التوتر السياسي كانت الحركة التجارية والاجتماعية بين دمشق وعمّان نشطة للغاية، كما أن القبائل العربية في البادية الجنوبية في سوريا مثل الحويطات وبني خالد وغيرها كانت تتنقل بين سوريا والأردن بحرية من دون عوائق. في الـ17 من أبريل 1946 جرى إعلان استقلال سوريا ومغادرة الفرنسيين، وبعد أقل من شهر ونصف الشهر وتحديداً في الـ25 من مايو (أيار) 1946 استقل الأردن بتتويج الملك عبدالله بن الحسين ملكاً على "المملكة الأردنية الهاشمية"، فوجد فرصة لإعادة إحياء مشروع "سوريا الكبرى" فزار دمشق بعد أيام قليلة من الاستقلال وعرض مشروع الوحدة بين البلدين، إلا أن القيادة القومية في دمشق رفضت المشروع مجدداً، بل اتهمت الملك عبدالله بمحاولة "استغلال الفراغ السياسي بعد الاستقلال"، وأسفر عن ذلك توتر بين البلدين، تطور بسرعة وأدى إلى تجميد العلاقات الدبلوماسية. حسين وعبدالناصر... صراع المشاريع في الشام فترة ما بعد الاستقلال في سوريا اتسمت بغياب الاستقرار السياسي يقابله استقرار نسبي في الأردن، وتسببت الخلافات حول مشروع "سوريا الكبرى"، بقطيعة وتدهور شديدين في الخلافات بين البلدين. وفي الـ20 من يوليو (تموز) 1951 تعرض الملك عبدالله لعملية اغتيال أثناء دخوله المسجد الأقصى في القدس، وبقيت العلاقات باردة مع سوريا في عهد خلفه الملك طلال (1951–1952)، ثم بدأت بالتحول في عهد الملك الحسين بن طلال الذي تولى العرش عام 1952. خلال الفترة ما بين 1949 و1963، شهدت سوريا سلسلة من الانقلابات العسكرية، أولها انقلاب حسني الزعيم وآخرها انقلاب البعثيين، وهذه الاضطرابات جعلت العلاقات مع الأردن غير مستقرة ومتغيرة بحسب من يحكم دمشق، والفارق الأساس بين دمشق وعمّان كان أن الأردن حافظ على علاقات وثيقة مع الغرب، لا سيما بريطانيا والولايات المتحدة، بينما اتجهت سوريا –خصوصاً بعد عام 1955– إلى تبني سياسات قومية عربية ويسارية وتحالفت مع مصر في عهد جمال عبدالناصر والاتحاد السوفياتي. عند إعلان قيام الوحدة بين سوريا ومصر في فبراير (ِشباط) 1958، اعتبر الملك الحسين بن طلال أن "هذا التكتل تهديد مباشر لأمن الأردن واستقلاله". ولاحقاً شهد الأردن محاولات انقلابية فاشلة عدة، إذ قالت بعض الصحف إن بعض هذه الانقلابات نُفذت بدعم استخباراتي من القاهرة ودمشق، ووصل التوتر بين الجمهورية المتحدة والأردن إلى ذروته عام 1958. بعد الانفصال بين سوريا ومصر، شهدت دمشق فترة من الاضطراب السياسي، فتعامل الأردن بحذر مع الحكومات السورية المتعاقبة، وبعد انقلاب البعثيين في الثامن من مارس (آذار) 1963 ازدادت حدة الخطاب ضد النظام الملكي الأردني. مطاردة في السماء بحسب برنامج "ذاكرة سوريا"، فإنه في الـ10 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1958، اعترضت مقاتلات سورية طائرة الملك الحسين بن طلال لدى مرورها بالأجواء السورية، وكان الملك حسين حينها عائداً من سويسرا إلى عمّان (وفي رواية أخرى كان متجهاً من عمّان إلى سويسرا لقضاء عطلة)، عندما اعترضت طائرته مقاتلات من طراز "ميغ" سوفياتية الصنع وأجبرت الطائرة على العودة إلى الأردن. ومن عمان ألقى العاهل الأردني خطاباً اتهم فيه السوريين بمحاولة اختطافه أو قتله، وقال إن طياره البريطاني أخبر مطار دمشق بوقت عبور الطائرة الملكية للأجواء السورية، إلا أنه فوجئ بالمقاتلات السورية تأمره بالهبوط في دمشق، لكن الطيار رفض الامتثال للأمر وطار على علو منخفض عائداً إلى الأردن، ونجح في المراوغة والإفلات من الخطر حيث هبطت الطائرة بسلام في عمّان، بينما طاردته المقاتلات السورية مخترقة المجال الجوي للمملكة. من جهتها أعلنت سلطات الجمهورية العربية المتحدة أن الطائرة دخلت الأجواء السورية من دون الحصول على تصريح سابق وفق الأصول المعمول بها دولياً، وأن طيارها لم يخطر مطار دمشق بأن العاهل الأردني كان على متنها، ووفق تصريح المتحدث باسم سلاح الجو في الإقليم الشمالي فإن الطائرة خالفت أعراف الطيران المحلية والدولية بما يبرر إسقاطها، إلا أن المقاتلات أرسلت بدلاً من ذلك لتؤمن خروجها من الأجواء السورية إلى الأردن. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) حينها استُقبل الملك الحسين في الأردن استقبال الأبطال وأعلن يوم الـ11 من نوفمبر يوم عطلة رسمية للاحتفال بسلامته، وخرج الناس إلى شوارع عمّان هاتفين بحياته ومنددين برئيس الجمهورية المتحدة جمال عبدالناصر، وعقد البرلمان الأردني جلسة طارئة خوّل فيها الحكومة اتخاذ الإجراءات اللازمة للرد على ما سموه "العدوان السوري"، ورفعت الحكومة الأردنية شكوى رسمية إلى مجلس الأمن، إلا أن الملك الحسين أعلن سحبها بعد أسبوع من ذلك حفاظاً على الوحدة العربية. وحول هذه الحادثة، قالت صحيفة الدستور الأردنية، إن "حركة شعبية عفوية خرجت إلى شوارع وسط عمّان احتفالاً بنجاة الحسين فور الإعلان عن إحباط محاولة الاغتيال، واحتشدت الجماهير في شارع الملك فيصل مع جزء من شارع الملك الحسين (شارع السلط)، وسارت الجماهير نحو قصر رغدان فخطب فيهم الحسين شاكراً لهم ومقدراً تجمعهم الاحتفالي، وأكد في كلمته الموثقة بتسجيلات وتقارير عدة محطات أجنبية اعتزازه بالشعب الأردني والتزام المملكة الدائم بدورها في الدفاع عن القضايا العربية المحقة". وتحدث الحسين بن طلال عن تلك الحادثة وعن حوادث كثيرة ومحاولات اغتيال تعرض لها سابقاً خصوصاً في مرحلة الستينيات والسبعينيات في كتابه (مهنتي كملك)، ويحوي الكتاب "أسئلة للملك وجهها له الكاتب والصحافي الفرنسي فريدون وإجابات الملك حسين عنها". أيلول الأسود.. صدام الإخوة في ساحة النار في أحداث "أيلول الأسود"، والصراع الدامي بين القوات المسلحة الأردنية بقيادة الملك الحسين، ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، خلال الفترة ما بين سبتمبر (أيلول) 1970 والـ17 من يوليو (تموز) 1971، وقفت سوريا ضد الجيش الأردني، إذ أرسلت ثلاثة ألوية مدرعة ولواء كوماندوز ولواء من المقاتلين الفلسطينيين إضافة إلى أكثر من 200 دبابة من طراز "تي-55". ويرى مؤرخون أن التحرك السوري لحماية منظمة التحرير لم يكن مخططاً له، وكان يعتمد على معلومات غير صحيحة مصدرها قيادة منظمة التحرير، وكانت القوات الأردنية على علم سابق بتحرك القوات البرية السورية، ولم تستخدم دمشق سلاحها الجوي، فيما كان قاد القوات السورية اللواء محمود باغ الذي فوجئ بعنف رد القوات الأردنية التي نشرت قوات كثيفة سميت بقوات الحجاب التابعة للواء الـ40، الذي كبد نظيرتها السورية خسائر فادحة. ويقال أيضاً إن السعودية توسطت لدى الأردن للسماح للسوريين بإدخال شاحنات لسحب أنقاض قواتهم المنسحبة من شمال الأردن. بعد أحداث أيلول الأسود، شهدت العلاقات السورية-الأردنية نوعاً من الاستقرار النسبي، قبل أن يختلف الطرفان مجدداً في الحرب العراقية-الإيرانية (1980 – 1988)، إذ دعمت سوريا طهران، فيما انضم الأردن إلى الإجماع العربي بدعم بغداد، إلا أن هذا الخلاف لم يُسفر عنه تصعيد كبير، وبقيت العلاقات موسومة بالاستقرار الحذر حتى موت حافظ الأسد عام 2000، وتوريث بشار الحكم، عندها تحسنت العلاقات تدرجاً حتى 2011. من اللاجئين إلى الكبتاغون.. كلفة الجوار السوري كان الأردن إحدى الدول التي تأثرت بصورة مباشرة جراء الأزمة السورية، فمع اندلاع الانتفاضة ضد حكم البعث، اتخذت عمان موقفاً حذراً للغاية، فلم تعلن دعم الثورة السورية، وفي المقابل لم تؤيد النظام، وسمحت بدخول مئات الآلاف من اللاجئين، نصفهم في مخيم الزعتري. اشترك الأردن أيضاً في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وقُتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة في مدينة الرقة بعد إسقاط طائرته من قبل التنظيم الإرهابي، كما لعبت الاستخبارات الأردنية دوراً مهماً في ما سمي "عمليات التسوية" التي جرت في الجنوب السوري منتصف 2018، ففي أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه أعادت فتح معبر نصيب جابر الحدودي مع سوريا، إلا أن هذا المعبر صار لاحقاً أحد أهم أسباب عودة التوتر بين عمّان والنظام السابق، بسبب استخدامه لتهريب المخدرات. خلال الفترة ما بين 2018 و2024، عانى الأردن تهريب مئات الملايين من حبوب الكبتاغون المنتجة في سوريا، وعلى رغم تحسن العلاقات نسبياً مع نظام بشار، اتهم الجيش الأردني مجموعات في نظيره السوري بتسهيل تهريب المخدرات إلى المملكة. وفي عام 2023 بلغت عمليات تهريب المخدرات ذروتها، فتطورت عمليات التهريب لتشمل الطيران المسير، مما دفع جامعة الدول العربية لتشكيل "لجنة الاتصال العربية الخاصة بسوريا"، لكن الأسد سقط قبل أن تنهي اللجنة أعمالها. العهد الجديد بحلول الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، سقط النظام السوري فكان الأردن في مقدمة الدول العربية التي رحبت بانتصار الثورة السورية، وبعد أيام من سقوط نظام الأسد استضافت عمّان مؤتمراً تشاورياً لدول الجوار السوري بمشاركة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية، فيما أجرى وزير الخارجية الأردني زيارات عدة إلى سوريا، وشارك في مؤتمر الرياض الذي دعا إلى دعم سوريا خلال العملية الانتقالية ورفع العقوبات عنها. في الـ26 من فبراير الماضي، أجرى الرئيس السوري أحمد الشرع زيارة رسمية إلى الأردن، حيث التقى الملك عبدالله الثاني في مراسم استقبال رسمية، فيما اعتبرت هذه الزيارة بداية لحقبة جديدة من العلاقات بين الجارتين، وسط مطالبات أردنية متكررة بضرورة تسريع رفع العقوبات واندماج سوريا بالمجتمع الدولي مجدداً. سيناريوهات المستقبل ينحصر مستقبل العلاقات السورية-الأردنية في ثلاثة سيناريوهات، تراوح ما بين عودة التوتر والاستقرار النسبي والتحالف الإستراتيجي. فالسيناريو الأضعف هو احتمالية عودة التوتر بين الجارتين، فالعلاقات بين دمشق وعمّان منذ عام 1920 لليوم لم تصل إلى مرحلة التحالف الإستراتيجي، والأعوام التي غلب فيها التوتر أكثر بكثير من أيام الهدوء، خصوصاً في ما يتعلق بملف الجنوب السوري، إذ يعتبر الأردن نفسه معنياً بصورة مباشرة بكل حدث في تلك المنطقة؟ أما السيناريو الثاني فهو الاستقرار النسبي، وفيه يرجح أن تشهد الفترة المقبلة نوعاً من الاستقرار كتلك الفترة في العلاقات ما بين 2000 و2011، فتزيد وتيرة الزيارات المتبادلة والتعاون التجاري والاعتراف الدبلوماسي، من دون أن تشهد العلاقات تحالفاً أقوى أو توتراً من جديد. ثم السيناريو الثالث، وهو التحالف الإستراتيجي، وهذا السيناريو مرجح لسببين رئيسين، الأول ضرورة أن يكون هناك دور عربي قوي في دمشق من دول الجوار وذلك لتحقيق توازن مع اللاعب التركي الذي تربطه علاقات وثيقة للغاية مع سوريا الجديدة، أما السبب الثاني هو رغبة الأردن في استقرار سوريا وهو هدف مشترك بين دمشق وعمّان، خصوصاً أن نظام الحكم الجديد يرغب بأن يكون ضمن المدار العربي خلافاً لتوجهات الأسد الذي كان يفضل العلاقة مع إيران على محيطه العربي. وفي ظل عدم الاستقرار في كل من لبنان والعراق، يبقى الأردن الجار العربي الوحيد لسوريا الذي يمكن بناء تحالف إستراتيجي معه. بالمحصلة، شهدت العلاقات السورية-الأردنية خلال القرن الماضي فترات متباينة ما بين التوتر والتصادم المباشر، وبين الهدوء الحذر والموقف الرمادي، ومع التغيير التاريخي في سوريا جراء سقوط نظام الأسد فتحت الأحداث المجال لحقبة جديدة، وغالبية المؤشرات تدعم احتمالية قيام تحالف إستراتيجي بين الأردن وجاره الشمالي.


أخبارنا
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- أخبارنا
د. محمد ناجي العمايرة : الأردن : الدور والرسالة (١)
أخبارنا : عندما تأسست الدولة الأردنية الحديثة في عشرينات القرن الماضي حملت اسم " إمارة الشرق العربي " انطلاقا من فهم عميق للرسالة القومية التي قامت لتحقيقها . ولم يكن الأردنيون الاوائل إلا دعاة وحدة وحرية وعدالة اجتماعية وهم ممن قادوا فيالق الثورة العربية الكبرى ضد الظلم والاضطهاد العثماني ومن اجل توحيد الامة العربية ونهضتها وتحررها. وليست بعيدة تلك الايام التي كان الأردنيون الأحرار جميعا يحملون سلاحهم ويشاركون في الدفاع عن حياض الوطن والامة في فلسطين وثوراتها الشعبية منذ عام ١٩٢٩ و١٩٣٦ و١٩٤٨ وكان الدستور الأردني الاول الأكثر وضوحا في تحديد هوية الأردن : المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية إسلامية وشعبها جزء لا يتجزأ من الامة العربية ،و هي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير ، وان الإسلام هو دين الدولة و المصدر الأساسي للتشريع . ومنذ البدايات كانت الهوية القومية هي الأعلى والأوضح التي اجتمع الأردنيون حول رايتها بقيادة الهاشميين التاريخية ، ليكون هذا الحمى العزيز راس رمح الامة في الدفاع عن ارضها وشعبها وتكوينها السياسي ووحدتها . والذي يستحضر اسماء رؤساء الوزارات والوزراء منذ الرعيل الاول يجد ان هذه الهوية القومية كانت حاضرة بقوة في كل التشكيلات الوزارية ، ومعظمهم من قيادات حزب الاستقلال العربي الذي تأسس في دمشق عام ١٩١٩ ليكون خلفا لجمعية العربية الفتاة التي أسهمت في نضالات الشعب العربي وكانت من طلائع النضال ضد الحكم الطوراني التركي . هذه الاستعادة التاريخية أسوقها للتذكير بان الاستعمار الأوروبي وخاصة البريطاني والفرنسي كان يسعى إلى تقسيم الامة العربية تنفيذا لاتفاقية سايكس بيكو وغيرها من المشاريع السياسية الاستعمارية .. ولذلك حالت حكومة الانتداب البريطاني دون استمرار مسمى إمارة الشرق العربي و استبدلت به اسم إمارة شرق الأردن في محاولة لصرف الأنظار عن معطيات الثورة العربية و اهدافها ، مثلما أسقطت سلطة الانتداب الفرنسي الحكم الهاشمي والمملكة العربية السورية بقيادة الأمير فيصل بن الحسين بن علي عام ١٩٢٠ ، اثر معركة ميسلون . هذا التاريخ هو التاكيد الدائم على الهدف القومي لتأسيس الكيان السياسي الأردني والدولة الأردنية الحديثة وهو ما كان واضحا في علم الثورة العربية والعلم الأردني وألوانهما التي تشير إلى ألوان الرايات والأعلام التي عبرت عن الدول التي أسسها العرب والمسلمون منذ عهد النبي العربي صلى الله عليه وسلم وحتى القرن العشرين . وانطلاقا من ذلك كله كان تاسيس الأردن الحديث الذي يرتكز إلى هذا التاريخ المجيد . وعليه فان التذكير به موجه إلى الاجيال الجديدة من ابناء الشعب الأردني والامة العربية ليعرفوا جيدا كفاح الاباء والأجداد الكرام من اجل وحدة الامة ونهضتها وحريتها . وليس الحديث المزعوم عن "دور وظيفي " للكبانات السياسية التي نشأت في فترة الانتداب الاوروبي في مختلف أنحاء الوطن العربي إلا محاولة مكشوفة للتشكيك بعروبة هذه الدول ودورها ورسالتها وفي اطار ضرب وحدة الامة ووجودها القومي . ان السياق التاريخيّ لنشاة الدولة الأردنية الحديثة يعكس بوضوح اهمية دورها في الدفاع عن كيان الامة العربية ودورها الحضاري والإنساني بمنأى عن المخططات الاستعمارية الاوروبية ضد هذا الدور وتلك الاهداف . ومن هنا يحضر الدور الأردني المتكامل في الدفاع عن القدس وفلسطين والوطن العربي في كل المراحل التاريخية منذ العشرينات وحتى اليوم ، بفروسية مشهودة ووعي عميق وإيمان صادق وبكل الإمكانيات المتاحة . وهو دور مشرف وكفاح نبيل والتزام قومي وديني وأخلاقي لم يتزعزع اياً كانت المخاطر والتحديات والتضحيات.


جو 24
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- جو 24
تاريخ العلم الأردني، الرمزية والدلالات #عاجل
جو 24 : كتب د. فيصل الغويين - يعتبر العلم رمز العزة والكرامة والسيادة والأصالة والهوية، به تلف أجساد شهداء الوطن والواجب، وهو وسام للأحياء، يرفعونه في مناسباتهم وفعالياتهم الوطنية والاجتماعية. تاريخيا كانت الدول والامبراطوريات ترفع أعلامها في مقدمة الجيوش، فهو يعبر عن الفداء للوطن، والتضحية من أجله. وأعلام الدول هي رموز لها دلالات وطنية وتاريخية وحضارية متنوعة، تنشأ بموجب قوانين وتشريعات تحدد أبعادها وألوانها. تعود أصول العلم الأردني إلى إعلان مملكة الحجاز(1916 – 1925)؛ إذ اتخذت المملكة الحجازية عند استقلالها علمًا رسميًا للدلالة على طموحاتها، وقد مرت شعارات العلم بثلاث مراحل خلال الفترة (1916 - 1921). إذ اتخذ الحسين بن علي في البداية الراية الحمراء الداكنة (العنابي)، لون راية أمراء الحجاز وأشرافه، إلا أنه عدل عنها، بناء على اقتراح بعض الأوساط العربية. واتخذ في نفس العام (1916) العلم ذي الألوان الثلاثة : الأبيض والأخضر والأسود، مع مثلث أحمر يتصل بأطراف الألوان الثلاثة. وفي سنة 1921 استقر الرأي على تغيير مواقع ألوان العلم؛ حيث احتل اللون الأبيض القسم الأوسط من العلم، بدلا من اللون الأخضر، الذي احتل بدوره محل اللون الأبيض، وذلك لصعوبة رؤية اللون الأبيض من العلم في وضعه السابق بالنسبة للناظر من بعيد. كان لهذه الألوان دلالات تاريخية وحضارية، اختزلت حضارات وأمجاد العرب خلال مئات السنين، وروعي في علم الدولة الجديدة الدلالات التاريخية للدولة العربية الإسلامية منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى نهاية الدولة العباسية. وأرّخت لانتصارات العرب المسلمين على مر التاريخ . فاللون الأبيض هو شعار الأمويين في دمشق، الذين رفعوا رايتهم، وهم ينشرون الإسلام، من الهند إلى الأندلس، والأسود يرمز إلى راية العقاب الخاصة بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، والتي كانت تتصدر حملاته العسكرية، كما يرمز إلى الدولة العباسية في بغداد التي اتخذت منه راية لها ، رفرفت في بلاد أزدهرت بالعلوم والصناعة والفنون والأدب، وأمّا الأخضر فهو شعار الفاطميين في القاهرة وآل البيت عموما، الذين واجهوا الظلم، وثبتوا على مبادئهم وقناعاتهم، فخلدوا شهداء، بينما يرمز اللون الأحمر إلى راية الأشراف التي اتخذوها منذ عهد الشريف أبو نمي(1512 - 1566) في عهد السلطان سليم الأول (1512 – 1520). اتخذت بعض الدول العربية التي تأسست بعد الحرب العالمية الأولى، العلم الهاشمي علما خاصا بها، فبعد مبايعة رجالات الأردن، وسائر بلاد الشام الأمير فيصل بن الحسين (1883 - 1933)، بعد دخوله دمشق عام 1918، أعلن المؤتمر السوري العام المعقود بتاريخ 8 آذار 1920 في دمشق، استقلال سورية بحدودها الطبيعية، لتتأسس المملكة العربية السورية، التي شملت سورية الحالية والأردن ولبنلن وفلسطين، وأجزاء من العراق، ومبايعة الأمير فيصل ملكا لأول دولة عربية منذ عدة قرون، وتقرر أن يكون علم الدولة العربية الجديدة هو علم الثورة العربية، مضافا إليه نجمة واحدة بيضاء في المثلث الأحمر، على اعتبار أن الدولة السورية هي أول دولة من دول الوحدة العربية المنشودة، بعد مملكة الحجاز، نشدت الرفعة والمنعة والوحدة لكل العرب، لكن أطماع الاستعمار وأدت أول مشروع وحدوي عربي في العصر الحديث، كان الهاشميون طليعته ورافعته السياسية والوطنية. أما مملكة العراق التي تأسست عام 1921، فقد حمل نجمتان على ذات العلم، باعتبارها الدولة العربية الثانية التي تمخضت عن دولة الحجاز. وهو علم فلسطين حتى التحرير. بقي هذا العلم حتى خروج فيصل من دمشق بعد معركة ميسلون (24 تموز 1920)، والاحتلال الفرنسي لدمشق وبعد معركة ميسلون أرسلت بريطانيا عدد من الضباط إلى شرقي الأردن. وفي اجتماع أم قيس (2 أيلول 1920) بين زعماء عجلون والضابط السياسي البريطاني سمرست، كان من ضمن مطالب الأهالي الست عشرة أن يكون شعار الحكومة العلم السوري ذي النجمة، فظهرت بذلك فكرة النجمة على العلم الأردني في ذلك الوقت. عندما قدم الأمير عبد الله إلى شرقي الأردن 1920- 1921، اعتبر نفسه نائبا عن أخيه فيصل ملك سوريا ونائبا عن أبيه، ولذلك رفع العلم السوري باعتبار أنّ شرقي الأردن جزء من سوريا الطبيعية. على الدرب سيحمل الأردنيون الراية معلنين ميلاد إمارة شرقي الأردن على أرضه مع مبايعة الأميرعبد الله بن الحسين في 11 نيسان عام 1921 أميرا عليها، ليكون علم الثورة العربية رايه لها. كان العلم خفاقا مع انعقاد المؤتمر الوطني الأردني الأول في 25 تموز عام 1928، والذي شارك فيه أكثر من مئة وخمسين شخصية من رموز الوطن، أكدوا على اعتبار الشعب مصدر السلطات، والمحافظة على مصالح الأمة. في 16 نيسان 1928 أضيفت النجمة إلى العلم الأردني الحالي. وقد تضمن القانون الأساسي لسنة 1928 وصفا للراية الأردنية من حيث الألوان والمقاسات والأقسام، فقد جاء في المادة الثالثة منه ما يلي :" تكون راية شرقي الأردن على الشكل والمقاييس التالية: طولها ضعف عرضها، وتقسم أفقيا إلى ثلاث قطع متساوية متوازية، العليا منها سوداء والوسطى بيضاء والسفلى خضراء، يوضع عليها مثلث أحمر قائم من ناحية السارية، قاعدته مساوية لعرض الراية، والارتفاع مساو لنصف طولها. وفي هذا المثلث كوكب أبيض مسبع حجمه مما يمكن أن تستوعبه دائرة قطرها واحد من أربعة عشر من طول الراية، وهو موضوع بحيث يكون وسطه نقطة تقاطع الخطوط بين زوايا المثلث، وبحيث يكون المحور المار من أحد الرؤوس موازيا لقاعدة المثلث. أما الرؤوس السبعة للكواكب فترمز إلى الآيات السبع التي تتألف منها سورة الفاتحة". وتكرر ذات الوصف في المادة الرابعة من دستور سنة 1947 ودستور 1952 وتعديلاته. وبعد إعلان الاتحاد العربي بين الأردن والعراق في 14 شباط 1958، اعتمد علم جديد للاتحاد، وهو في تصميمه مطابق لعلم الأردن الحالي بالألوان وحتى بالشكل ولكن دون النجمة السباعية، وقد وردت مواصفاته في المادة السابعة من دستور الاتحاد العربي، بأن يكون« طوله ضعفا عرضه ومقسم أفقياً إلى ثلاثة ألوان متساوية ومتوازية؛ أعلاها الأسود فالأبيض فالأخضر، يوضع عليها من ناحية السارية مثلث أحمر متساوي الأضلاع تكون قاعدته مساوية لعرض العلم». وترك لكلا الدولتين الاحتفاظ بعلمها الخاص. ولكن اعتماد هذا العلم لم يدم إلا لفترة وجيزة بعد قيام انقلاب 14 تموز 1958 في العراق، وإعلان النظام الجمهوري. على أرض فلسطين، بذل الجيش العربي الغالي والنفيس حفاظا على مقدساتها في معارك خلدها التاريخ ورفع فيها العلم الأردني، بدءا من معركة باب الواد عام 1948 التي صدت التقدم الصهيوني باتجاه القدس، وارتقى عشرات الشهداء الأردنيين دفاعا عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. وفي 21 آذار عام 1968، ذاد الجيش العربي من جديد عن الحمى في معركة الكرامة التي سطرت بطولات استثنائية في مواجهة الجيش الصهيوني، ليكتب الأردنيون أول انتصار عربي على عدوهم، وظل العلم مرفوعا مضمخا بدماء الشهداء وجهود الأحياء. وفي عام 1973 شارك الجيش العربي في القتال إالى جانب سورية خلال حرب تشرين. وعلى امتداد أكثر من مئة عام، مجد الشعراء راية الأردن، حيث أهدى عبد المنعم الرفاعي (1917 - 1985)، وهو شاعر ورئيس وزراء أسبق، نشيد العلم للملك المؤسس، وأقر عام 1946، وهو من أجمل القصائد التي قيلت في العلم الأردني، ألف موسيقاه عبد القادر التنير، ورددته حناجر طلبة المدارس لعقود، وكان يفتتح بها اليوم الدراسي. خافـــقٌ في المعالـــــــي والمنى عربيّ الظـــــلال والسَّنـــــا في الذُّرى والأعالــــــــــــــــــي فوقَ هـــــــــــــــامِ الرجالِ زاهياَ أهيبا حيــَّـهِ في الصبــــــاح والسُّرى فــــي ابتسامِ الأقاحِ والشذى يـــا شعـــــــــــــــارَ الجـــــلالِ والتمــــــــــــــــاعَ الجمــــالِ والإباء في الرُّبى من نسيــــــجِ الجهــــادِ والفــِدا واحتــدامِ الطــــراد في المدى مـــن صفـــــــــاءِ الليــــــالــــي وانــطلاقِ الخيــــــــــــــــــالِ ساجياً طيّبا سِـــــرْ بنـــا للفخــــار والعُلا وادْعنـــــــا للنفارِ جحفـــــلا فـــــــــي مجــــــــــــــال الطعانِ وانفــــجارِ الزمــــــــــــــــــانِ ظافراً أغلبا تابعو الأردن 24 على

الدستور
٠٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الدستور
الحكومة الأردنية رقم 1
نعيش هذه الايام ذكرى تأسيس الحكومة الاردنية الاولى، والتي تشكلت تحت مسمى مجلس المشاورين في 11 نيسان من عام 1921. فقد كان سمو الامير عبد الله بن الحسين قد وصل الى معان في 2 اذار من عام 1921 ممثلا لوالده الشريف حسين الى بلاد الشام لتوحيد اجزاء المملكة الفيصيلية بعد معركة ميسلون والاحتلال الفرنسي لسوريا. ارسل سموه الوفود الى القوى الوطنية في عموم الاردن، ولقي ذلك ترحابا واسعا وتمت دعوته الى عمان فوصل اليها في صباح 2 اذار من نفس العام.كان رحمه الله ومن رافقه من اشراف واعيان الحجاز، واعلام الاردن ورعيله الاول، يؤمنون بحتمية الوحدة العربية التي نادت بها الثورة العربية الكبرى، وان الاردن هو نواة هذا المشروع. فكان ان اصدر سمو الامير في 11 نيسان من عام 1921 مرسوما بتاليف الحكومة الاردنية الاولى للانتقال من عهد الحكومات المحلية الى عصر الدولة الحديثة. واتساقا مع الفكر الوحدوي، فقد كانت العروبية هي سمة الحكومة. فرئيس الحكومة رشيد طليع درزي من لبنان وهو رفيق الملك فيصل ووزير داخلية حكومته في سوريا سابقا. كونت الحكومة، ما عدا الرئيس، من سبعة اعضاء اصولهم من الحجاز وسوريا وموريتانيا والاردن. فالاردن كان منذ نشأته، وما زال، وطن كل من يؤمن بمبادئه، ويدافع عنه، ويسهم في نهضته.جعلت هذه الخصوصية من الاردن وطنا متقدما منذ بداياته، يجمع ولا يفرق، منسجم مع نفسه، ومنفتح على العالم اجمع. يكبر برسالته ورؤيته الجامعة، يقويه الانفتاح لا الانغلاق او الانكفاء. فكان ان توافد على الاردن اصحاب الخبرات والمواهب من الاقليم والعالم وساهموا في نهضته وما زالوا، والتاريخ والحاضر شاهدين على ذلك. فمسيرة الاردن هي فسيفساء انسانية حاضرة في كل مشاهد التنمية. خلفيات متعددة انصهرت في بوتقة ثقافية واحدة عنوانها المواطنة والقيم النبيلة والانتماء لثوابت المملكة وللبيت الهاشمي.شكل 11 نيسان مرحلة مهمة في المشروع العربي وحلمه الكبير وكان بذرة وحدة الضفتين التي اكتملت فى عام 1950 مع تأسيس المملكة الاردنية الهاشمية والمناداة بسمو الامير عبد الله ملكا عليها. فكان هو الملك المؤسس بكل المعاني. فالاردن، في اساس فلسفته يمثل مشروعا اكبر من الجغرافيا والتاريخ. الاردن هو بلد عربي فريد تتنوع فيه الخلفيات والثقافات وتتناغم تحت راية الانفتاح والوسطية. انتماء الاردن انساني في عالميته وعروبي في مرجعيته ومعتدل في تدينه. وفي ذلك تميز بلدنا بالانسجام مع الذات في التعددية والتنوع، وفي الحكم الرشيد، وفي التسامح والانفتاح على الاخر، مع احترام حرية الافراد تحت سيادة القانون.شكلت فلسفة الاردن الانسانية والمنفتحة نموذجا لافتا في عالمه شخصت اليه الابصار العربية والعالمية وحظي باهتمام السياسيين والكتاب والشعراء يشيدون بنموذجه وشجاعة رؤيته الجامعة. وكان منهم الشاعر اللبناني سعيد عقل الذي غنى له بصوت فيروز:«اردن ارض العزم اغنية الظبانبت السوف وحد سيفك ما نبى في حجم بعض الورد الا انهلك شوكة ردت الى الشرق الصبا»


وهج الخليج
٠٩-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- وهج الخليج
تقسيم سوريا بين الحلم والواقع
بقلم : جمال بن ماجد الكندي مسألة تقسيم سوريا حلم راود ويُراود القوى الاستعمارية الإمبريالية في المنطقة، ومعها الكيان الصهيوني، وله واقع على الأرض إما أن ينسجم معه أو يخالفه، وهذه المخالفة تنبع من المجتمع السوري نفسه الذي يصنع هذا الواقع لأنه يدرك تبعات تقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة يكون قرارها السياسي والعسكري ليس بيدها، بل بيد من قسمها واحتمت بظله. بدأت مقالتي بهذه المقدمة لسرد سرديتين؛ إحداهما حصلت في الماضي، والأخرى تحصل اليوم، وكلا السرديتين يُراد منهما تقسيم سوريا، فوقعت بين حلم التقسيم من قبل المستعمر، والواقع السوري الذي إما أن يثبت الحلم أو يقضي عليه. وللقضاء على هذا الحلم، لا بد أن تكون هناك مقومات لدى السلطة السياسية، والزعامات الطائفية في سوريا، وهي مبدأ سوريا الموحدة تحت علم واحد، حاضنة لكل الأقليات والإثنيات المتنوعة فيها، والتي تُقدر بأكثر من 30% من سكان سوريا. فمن خلال هذه الأقليات، يشتغل الإسرائيلي وغيره على تفتيت المجتمع السوري وإيجاد دويلات الطوائف. من هنا، سنذكر السردية الأولى أو الحلم الذي كان يراود الاستعمار الفرنسي لتقسيم سوريا. ففي عام 1920م، بعد معركة ميسلون الشهيرة التي انتهت باحتلال فرنسا لسوريا، أرادت فرنسا تقسيم سوريا إلى عدة كيانات طائفية بهدف السيطرة عليها ومنع تكوين دولة سورية موحدة وقوية. فكان المشروع يهدف إلى تقسيم سوريا إلى: دولة حلب، دولة دمشق، دولة الدروز، دولة العلويين، على أن يكون أساس هذا التقسيم طائفياً في هذه الدويلات الأربع. فماذا واجه هذا المشروع الاستعماري؟ واجه على الأرض الواقعَ السوري في ذلك الوقت، وهو الرفض. فالتاريخ النضالي السوري يذكر لنا أن مقاومة هذا المشروع بدأت من مناطق الأقليات السورية، وهي المناطق التي من خلالها يدخل المحتل لهدم بنيان الوحدة السورية. بدأت الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي، وعندما يكون هناك مستعمر، تتوحد كل القوى الوطنية في الوطن، وهذا ما حدث في سوريا. بدأت الثورة السورية الكبرى عام 1925، وقادها سلطان باشا الأطرش، وهو درزي من جبل العرب (محافظة السويداء)، وهي من المحافظات التي يحاول الإسرائيلي اليوم استغلالها لتكوين دويلة درزية تحت ذريعة الحماية. فشل الفرنسيون في الماضي في تكوين هذه الدويلة، لأن هناك قيادات وطنية، مثل سلطان باشا الأطرش، حاربت هذا المشروع، فتبعها وطنيون سوريون في دمشق وحماة وحلب واللاذقية، وستبقى أسماؤهم خالدة لأنها أفشلت مشروع التقسيم. ومن أبرزهم: صالح العلي، إبراهيم هنانو، وقبلهم وزير الدفاع السوري وقائد معركة ميسلون يوسف العظمة، وغيرهم من القادة السياسيين والعسكريين الذين أفشلوا المخطط الفرنسي لتقسيم سوريا. وبهذه اللحمة الوطنية، تحقق لسوريا الاستقلال الكامل تحت علم واحد في 17 أبريل 1946، وأصبح هذا اليوم عيداً للسوريين يسمى عيد الجلاء. ما ذكرته في السردية التاريخية هو ما كان يُراد تحقيقه من قبل المحتل الفرنسي، فكان حلمهم، لكن أفشله الواقع، فالسوريون في ذلك الوقت لم يرضوا بدولة الطوائف. وسوريا اليوم أمام السيناريو نفسه، بل هو أشد وأقسى وأعقد، ويتطلب رجالًا وطنيين من طينة من واجهوا الاستعمار الفرنسي، لأنه في الماضي كانت فرنسا وحدها من تقود هذه الجبهة، أما اليوم فمن يقود هذه الجبهة كُثُر، ليس أولهم ولا آخرهم العدو الصهيوني. فماذا حصل ويحصل في سوريا اليوم؟ لسرد هذا الأمر لا بد أن نرجع إلى ما قبل عام 2011م، أي قبل الربيع العربي، حيث كانت سوريا تحت قيادة واحدة، وإن كانت سلطوية، ولكن على الأرض، مقارنة بالوضع الحالي، كانت تنعم بدرجة كبيرة من الأمان والاستقرار والوحدة الوطنية، والمواطنون يعيشون حياتهم اليومية بشكل طبيعي من دون خوف من القتل بالهوية كما يحصل اليوم. قبل 2011م لم تكن هناك جماعات مسلحة تسيطر على أجزاء من البلد، ولم يكن هناك تهجير جماعي أو أزمة لاجئين ومهجرين كما حدث بعد هذا العام، كان الوضع الاقتصادي جيدًا، ولم يكن هناك انهيار للعملة السورية، والأسعار لم تكن تتضاعف بشكل جنوني كل يوم، كل هذا وأكثر لم يكن قبل 2011م، والأهم من ذلك، كان هناك تعايش سلمي بين مختلف الطوائف السورية دون انقسامات عميقة ينتج عنها إهدار الدم ونزاعات طائفية مسلحة كما هو الحال في سوريا الجديدة. ذكرتُ هذه السردية للواقع السوري قبل الربيع العربي لأصل إلى نتيجة ما بعد ربيع سوريا، إن صح تسميته بذلك، فالجميع يعلم بعشرية النار، وهي الحرب السورية بين الحكومة السورية السابقة والجماعات المسلحة في الجغرافيا السورية بكل صنوفها وأجنداتها السياسية، ومن يقف معها، إلى أن توقفت الاشتباكات بين الجيش السوري السابق وهذه الجماعات، وتكوَّن واقع سياسي وعسكري ظلَّ تقريبًا لسبع سنوات باتفاقات مبرمة وأمر واقع. فكانت في الجغرافيا السورية ثلاثة أعلام تقف وراءها دول تساند هذه الأعلام، وقد ذكرتها سابقًا في مقال مفصل بعنوان 'ثلاثة أعلام في دولة': دولة المسلحين أو حكومة إدلب، وهم تحت المضلة التركية، وسميتها دولة المسلحين ليس عبثًا، ولكن بسبب الاتفاقيات مع الحكومة السورية السابقة، التي بموجبها تم إرسال هؤلاء المسلحين إلى محافظة إدلب السورية، ولها علمها الخاص. أكراد سوريا، الذين هم تحت المضلة الأمريكية في شمال شرق سوريا، ولهم علمهم الخاص. النظام السوري السابق، الذي كان يستحوذ على ما يقارب 70% أو أكثر من الجغرافيا السورية، وكان حلفاؤه هم الروس والإيرانيون. ظلَّ هذا الوضع ما يقارب سبع سنوات في ظل مساكنة عسكرية بين الدويلات الثلاث -إن صح التعبير-مع وجود الموارد الطبيعية السورية تحت سيطرة دويلة الأكراد مع الحليف الأمريكي، وهذا بدوره خلق أزمة اقتصادية للحكومة السورية السابقة مع قانون قيصر الأمريكي. جاء يوم التغيير الكبير قبل ثلاثة أشهر أو أكثر بقليل، وفي غضون عشرة أيام، ورثت حكومة إدلب بقيادة هيئة تحرير الشام حكومة دمشق، وعندما أقول 'ورثت' أقصد أن الموضوع صار بأمر سياسي، وانتهى حكم بشار الأسد دون مواجهة عسكرية حقيقية. أسرار سقوط الحكومة السورية السابقة ربما ستكشف يومًا ما، فالأيام دول. يهمنا هنا أن هيئة تحرير الشام بدَّلت علم الدولة الرسمي الممثل في المحافل الدولية بعلمها الخاص، وتغير كل شيء؛ فهيئة تحرير الشامسيطرت على ما كانت تسيطر عليه حكومة بشار الأسد السابقة، ما عدا ما تسيطر عليه قسد وحكومتها في شمال شرق الفرات. هذه السيطرة الدراماتيكية لمسلحي إدلب، بتنوعاتهم الأصولية المختلفة، لم يستوعبها حتى الذين سيطروا على ما كانت تسيطر عليه حكومة بشار الأسد السابقة بهذه السرعة. ومن جانب آخر، الشعب السوري تعب من القتال، ومنهك من الحصار الاقتصادي، وأراد من هذا التغيير أن يُفك الحصار الاقتصادي على سوريا بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد، لأن الغرب وأمريكا كانوا يحاصرون حكومة بشار الأسد بسبب البعد الإيراني والروسي. ولكن بعد سقوط الأسد بثلاثة أشهر، ما زال الحصار الاقتصادي قائمًا، لأن أمريكا تريد تنازلات أكثر من الحكومة الحالية، وعلى رأسها التنازل رسميًا عن الجولان. من هنا، سندخل في مسألة الأقليات في سوريا، والتي هي بوابة التقسيم المفضلة لدى القوى الاستعمارية في المنطقة ولدى إسرائيل. فحكومة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة ببشار الأسد، تقع تحت سيادتها مناطق الأقليات المذهبية والطائفية في سوريا، ما عدا الأكراد في شمال شرق الفرات، وأقصد الدروز في محافظة السويداء، والعلويين في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وبعض مناطق تواجد العلويين في سوريا، بالإضافة إلى الطائفة الشيعية. قبل سقوط النظام السوري السابق، كان هناك تعايش سلمي بين هذه المكونات والحكومة، وبما أن رأس الحكومة السورية السابقة كان من هذه الأقليات، فقد كانت الحكومة السابقة متشكلة تقريبًا من جميع ألوان الطيف السوري، وتحكمها المظلة الوطنية، كما أن قوات الجيش والأمن كانت من هذا النسيج المتنوع في سوريا. مشكلة حكام سوريا الجدد أنهم من لون واحد، راديكالي التوجه، حتى مع إخوتهم السنة في دمشق وحلب وغيرها. كما أنهم يحملون عداءً دموياً تجاه الأقليات الإثنية والمذهبية في سوريا، وهذا كان واضحًا أبان المعارك مع الحكومة السورية السابقة خلال عشرية النار السورية. وعند استلامهم الحكم في سوريا، بدأ الصدام مع الدروز في السويداء، ورُفِعت رايات الجهاد التي تعودنا سماعها ضد إخوة الوطن من قبل هذه الجماعات المسلحة، بينما تُرك جهاد المحتل الإسرائيلي، الذي يحتل أجزاءً من ثلاث محافظات جنوبية في سوريا. مشروع التقسيم القديم بقيادة فرنسا ظهر اليوم لدروز السويداءمن البوابة الإسرائيلية، وأصبح التهديد بالتدخل لحماية الدروز معلنًا من قبل الإسرائيليين. ولكن وطنية رجال سلطان باشا الأطرش تُجهض كل مساعي الكيان الصهيوني لضم محافظة السويداء أو جعلها دويلة مستقلة تحت حمايته. الأحداث الأخيرة الدامية في اللاذقية وطرطوس، وهي مناطق الأقلية العلوية في سوريا، تعيد مشهد الحرب الطائفية في هذا البلد، والحكومة السورية الجديدة، ومسلحوها الذين أصبحوا من رجال الأمن والجيش السوري الرسمي، للأسف، يرفعون ذات الشعارات الطائفية، لأنمكون هذا الجيش مبني على هذه الأيديولوجية المذهبية المقيتة. ولا عجب في ذلك، لأن هذا المكون ليس سوريًا خالصًا، ففي بنيةالجيش والأمن للحكومة السورية الجديدة يوجد الشيشاني، والتركماني، والقوقازي، وحتى العربي، ومقاطع الفيديو منتشرة لجرائمهم ضد المدنيين وموثقة حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. ومن المفارقات أن ذات المرصد كان نفسه يوثق تجاوزات الحكومة السورية السابقة. حلم تقسيم سوريا من قبل الفرنسيين في بداية القرن الماضي، كان حجر عثرة أمام الوحدة الوطنية السورية، فتمت محاربة فرنسا بهذه الوحدة من قبل جميع السوريين، بكافة طوائفهم المختلفة، فكان حلمًا استعماريًا بدده الواقع السوري في ذلك الوقت. اليوم، حلم التقسيم يدخل سوريا من بوابات مختلفة: أمريكية، تركية، إسرائيلية، والوضع أخطر بكثير من السابق. ولكن يوجد بصيص من الأمل باتخاذ عدو مشترك، وهو الإسرائيلي، وانطلاق الوحدة الوطنية من هذه البوابة. والحكومة السورية الجديدة، إذا أرادت البقاء، فلا بد أن تغير من عقيدتها القتالية ونظرتها الراديكالية الأصولية تجاه المكون المختلف عنها، وتجعل الجامع هو الوطن والمواطنة. ويجب أن تكون هناك مشاركة واسعة وحقيقية في الحكومة والجيش والقوى الأمنية لكل مكونات الشعب السوري دون إقصاء أو تهميش، لكي تقضي على كل دعوات التقسيم، خاصة تلك التي تصدر عن الكيان الصهيوني. إن وحدة سوريا ليست مجرد شعار، بل هي الضمان الحقيقي لاستقلالها وسيادتها، وهي السد المنيع أمام مشاريع التفتيت التي فشلت سابقًا وستفشل اليوم إذا وعى السوريون خطورة المرحلة.فلا يمكن بناء مستقبل آمن ومستقر إلا بتجاوز رواسب الحرب، والانطلاق نحو مصالحة وطنية شاملة تضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات أخرى. فالتاريخ يكتب اليوم، والخيار للسوريين: إما دولة تنهض من تحت الركام، أو دويلات متناحرة تبتلعها مشاريع الهيمنة الخارجية.