logo
#

أحدث الأخبار مع #ميشرا

كاتب هندي: إبادة غزة حولتنا لشهود قسريين على بشاعة السياسة
كاتب هندي: إبادة غزة حولتنا لشهود قسريين على بشاعة السياسة

الجزيرة

time٢٤-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الجزيرة

كاتب هندي: إبادة غزة حولتنا لشهود قسريين على بشاعة السياسة

تناول الكاتب إيتاي ملاخ في مقال نشره موقع "همكوم" الإسرائيلي كتابا جديدا للمفكر والروائي الهندي بانكاج ميشرا بعنوان "العالم بعد غزة: تاريخ"، يرى فيه أن تجاهل الغرب لمعاناة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية يتكرر اليوم من خلال موقفه من إبادة الفلسطينيين في غزة. واعتبر ملاخ أن الكتاب يتضمن أيديولوجية منظمة في معظم فصوله، لكنه يميل في الغالب إلى السطحية والتبسيط ولا يمكن أن يكون كتاب تاريخ بما في الكلمة من معنى. غيتو وارسو ويذكر الكاتب أن ميشرا يفتتح كتابه بالإشارة إلى تمرد غيتو وارسو في أبريل/نيسان 1943، والذي عرف منظّموه أنه محكوم عليه بالفشل منذ بدايته لكنهم لم يتراجعوا. وقد لخص مارك إدلمان، أحد الناجين من المذبحة التي حصلت بعد ذلك التمرد، الوضع قائلا: "لم نرغب بأن يذبحنا النازيون بصمت، أردنا فقط اختيار طريقة موتنا بأنفسنا". أما الشاعر البولندي تشيسواف ميلوش، الذي سمع من شرفة منزله في ضواحي وارسو صرخات المذبحة، فقد وصف تلك الليلة الربيعية قائلا: "كانت صرخات بشر يُذبحون.. شعرنا بالخزي، فلم نستطع النظر في أعين بعضنا البعض". غزة هي غرنيكا عصرنا ويؤكد ميشرا في كتابه أن "إبادة غزة على يد إسرائيل" حولت الملايين إلى "شهود قسريين على شرور السياسة"، ويُقارن المشاهد التي يشاهدها العالم في غزة، مثل صورة الأب الذي يحمل جثة طفله مقطوعة الرأس، بأثر لوحة "غرنيكا" الشهيرة للرسام الإسباني بيكاسو. ويشير ميشرا إلى أن الغرب، بدلا من أن يرى في الهولوكوست حافزا لمكافحة الشر بجميع أشكاله، حوله إلى التزام أخلاقي بمحاباة اليهود ومحاربة معاداة السامية، متجاهلا كل المآسي الأخرى في العالم. ويضيف ميشرا أن الاعتقاد بأن الغرب بعد 1945 أصبح ملتزما بحقوق الإنسان ليس إلا وهما، فحتى أثناء الهولوكوست لم يحرك الغرب ساكنا، وكثيرا ما رفض استقبال الناجين، وسرعان ما تصالح مع ألمانيا ونسي إرثها النازي، لأنها وقفت إلى جانبه في مواجهة الاتحاد السوفياتي. زيف التفوق الغربي يتابع ملاخ تحليل الكتاب، موضحا أن ميشرا يعتقد أن الفهم الغربي للهولوكوست سطحي، إذ يتم استخدام شعار "لن يتكرر مجددا" كذريعة تدعم التفوق الأخلاقي الغربي المزعوم، دون أن يُترجم ذلك إلى أفعال حقيقية عندما تحدث مآسٍ مشابهة. ويعتقد الكاتب الهندي أن الغرب لا يرى في المجازر الحالية في غزة تهديدا حقيقيا لضميره، بل يميل إلى تبريرها بحجج سياسية، مضيفا أن غزة تقوّض الفرضية المشتركة بين التقاليد الدينية والعقلانية التنويرية بأن "الإنسان أخلاقي بطبعه". فالتجاهل الغربي لما يحدث في غزة يفضح -حسب تعبيره- خواء هذه الفرضية، ويكشف زيف نظام دولي يدّعي الارتكاز على مبادئ إنسانية. ميشرا: المجازر الإسرائيلية الآن قريبة من أهوال الهولوكوست، من خلال تجريد سكان غزة من إنسانيتهم، وتصويرهم كمصدر للشر المطلق، والتصريحات الإسرائيلية التي تكشف نوايا الإبادة، واستهداف المدنيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من القتلى، والتصاعد غير المسبوق في وتيرة القتل، ومنع الغذاء والدواء، والدمار الواسع الذي "يتجاوز نسبيا ما ألحقته قوات الحلفاء بألمانيا في الحرب العالمية الثانية من أضرار". دلائل الفظاعة القصوى يعدّد ميشرا ما يعتبره دلائل على اقتراب المجازر الإسرائيلية من أهوال الهولوكوست، من خلال تجريد سكان غزة من إنسانيتهم، وتصويرهم كمصدر للشر المطلق، والتصريحات الإسرائيلية التي تكشف نوايا الإبادة، واستهداف المدنيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من القتلى، والتصاعد غير المسبوق في وتيرة القتل، ومنع الغذاء والدواء، والدمار الواسع الذي "يتجاوز نسبيا ما ألحقته قوات الحلفاء بألمانيا في الحرب العالمية الثانية من أضرار". ويرى ميشرا أن مجازر 7 أكتوبر/تشرين الأول أرعبت كثيرا من الإسرائيليين، وجعلتهم يخافون من تكرار الهولوكوست، لكن القيادة الإسرائيلية التي يصفها بـ"الأكثر تطرفا في التاريخ"، استغلت تلك المشاعر في حملة عسكرية تجاوزت بكثير حدود الدفاع عن النفس، والهدف -حسب تعبير المؤرخ عمر برتوف- هو "جعل غزة غير صالحة للحياة وإضعاف سكانها، حتى يموتوا أو يفرّوا". تبرير المذابح ويتابع ملاخ بأن كتاب "ما بعد غزة" يربط بين الهولوكوست وما يجري في غزة حاليا من خلال السلبية الغربية في الحالتين، حيث يميل الغرب اليوم إلى تبرير الجرائم الإسرائيلية من خلال إلقاء اللوم الكامل على الفلسطينيين بسبب أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، ويتجاهل مسؤولية إسرائيل عن حجم العنف والدمار. وأورد الكاتب في هذا السياق ما ذكره الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ، عندما سُئل عن غزة في إحدى المناسبات، عندما ركّز على "فظائع" نُسبت لحماس -بعضها دون دلائل قاطعة- متجاهلا ما يحدث للفلسطينيين. كما قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في أحد تصريحاته إن "من حق إسرائيل قطع الكهرباء والماء عن الفلسطينيين". ويرى ميشرا أن وسائل الإعلام والمثقفين، والمؤسسات التعليمية وحتى رجال المال والأعمال في الغرب، جميعهم مسؤولون بدرجات متفاوتة عن التطبيع من العنف الإسرائيلي، وتبرئة إسرائيل وإسكات منتقديها. وهم حقوق الإنسان في خاتمة الكتاب، يطرح ميشرا السؤال التالي: لماذا يُقصي الغرب الفلسطينيين من قائمة الإنسانية والعدالة، في حين أنه يحتضن الأوكرانيين الفارين من الحرب التي تشنها روسيا ؟ ويرى الكاتب الهندي أن الغرب كان بإمكانه كبح جماح إسرائيل دون أن يهمل محاسبة مرتكبي جرائم 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكنه لم يفعل، تماما كما لم يفعل شيئا خلال الهولوكوست، مستنتجا في الأخير أن النظام الليبرالي العالمي القائم على حقوق الإنسان لم يكن إلا وهما.

الروائي الهندي بانكاج ميشرا وعالم ما بعد الإبادة في غزة
الروائي الهندي بانكاج ميشرا وعالم ما بعد الإبادة في غزة

الجزيرة

time١٦-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الجزيرة

الروائي الهندي بانكاج ميشرا وعالم ما بعد الإبادة في غزة

يعتبر الروائي وكاتب المقالات الهندي التقدمي، بانكاج ميشرا، أحد أبرز مفكري هذا الجيل وأصواته المناهضة للاستعمار والرأسمالية والعنصرية والهيمنة الغربية. وقد نشرت له عدة أعمال روائية وثقافية وفكرية تدور حول هذه القضايا المحورية. وقد صدر له مؤخرا، عن دار نشر فيرن البريطانية في 300 صفحة، كتاب جديد بعنوان "العالم بعد غزة". ويعيد الكتاب صياغة الصراع الدائر حول فلسطين وتأطير جذوره التاريخية وانقسام الاستجابة العالمية حوله وتداعياته الأخلاقية والجيوسياسية. النظام العالمي والهولوكوست يلفت الكتاب إلى أن النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، في نواح كثيرة منه، قد تشكّل استجابة للمحرقة النازية (الهولوكوست) وفظائع الحروب الأهلية النهائية التي أصبحت في الوجدان السياسي والأخلاقي الغربي، معيارا للفظائع والإبادة الجماعية النموذجية، وتسيطر ذكراها على كثير من تفكير الغرب. لكن الأهم أنها شكلت مبررا أساسيا لـ"حق" الكيان الصهيوني في الوجود و(الدفاع عن نفسه!). لكن أجزاء أخرى من العالم، مزقتها صراعات ومذابح جماعية، لا تسلّم بـ"فرادة" الهولوكوست و"استثنائيته" التاريخية والأخلاقية، حتى لو كانت فظائعه البشعة كذلك. روتينيا، يتم استدعاء المخاوف من تكرار الهولوكوست لتبرير سياسات إسرائيل ضد الفلسطينيين. وبالنسبة لـ"الشعوب السمراء"، بتعبير المؤرخ والسوسيولوجي الأميركي وليم إدوارد دي بويس (1868-1963)، فإن ذاكرة هذه الشعوب التاريخية الرئيسة تجارب مؤلمة عاشوها تحت العبودية والاستعمار. إعلان ويعتقد ميشرا أن قضية القرن الـ20 المركزي هو تصفية الاستعمار والتحرر من احتلال الرجل الأبيض. ويذكّر ميشرا بـ: "أن أجزاء كبيرة من العالم لديها ذاكرة ثقافية وذاكرة تاريخية لفظائع ارتكبتها القوى الغربية هناك، وأدت في الواقع إلى تكوين هويتهم الجامعة. وهذه هي الطريقة التي يرون بها أنفسهم في العالم". ويخلص ميشرا لأن الاستعمار الأوروبي بأفريقيا، والحروب المدمرة بآسيا، والإبادة الجماعية في الشرق الأوسط مؤخرا، قد شكَّلوا حياة مليارات البشر. الإبادة والاستقطاب يتناول الكتاب أساسا حرب الإبادة الحالية في غزة، والاستقطاب في ردود الفعل تجاهها، كنقطة انطلاق لإعادة تقييم واسعة لسرديتين متنافستين من القرن الماضي: رواية الشمال العالمي انتصارا للرأسمالية الليبرالية على الشمولية والنازية والشيوعية. رواية الشعوب السمراء بالجنوب العالمي الداعية للمساواة العرقية والتحرر من الاستعمار الغربي. وفي حين يتحول توازن القوى في العالم، ولم يعد الشمال العالمي يتمتع بمصداقية أو سيطرة مطلقة، من الأهمية فهم كيف ولماذا فشل شمال العالم وجنوبه في التحدث مع بعضهما. مع انهيار الأساسات والمعالم القديمة، لا يمكن إلا لتاريخ جديد -بتوكيدات حادة الاختلاف- أن يعيد توجيه العالم، وتظهر الآن وجهات نظر عالمية إلى النور. وفي أطروحة موجزة وقوية ومحددة، يتعامل ميشرا مع الأسئلة الأساسية التي تطرحها أزمتنا الراهنة، ومنها: إن كانت بعض الأرواح أهم من غيرها؟! ولماذا يتم تبني سياسات هوية مبنية حول ذكريات المعاناة واسعة النطاق؟ ولماذا تتكثف العداوات العنصرية عشية اندلاع موجة اليمين المتطرف بالغرب، مما يهدد باندلاع حريق عالمي؟ في هذا السياق، يُعدُّ كتاب "العالم بعد غزة" دليلا أخلاقيا لا غنى عنه لماضينا وحاضرنا ومستقبلنا"، ولقي الكتاب ترحيبا واستحسانا لدى المثقفين والمفكرين التقدميين. فاعتبرته الكاتبة اليسارية اليهودية الكندية نعومي كلاين"شجاعا ومحفزا، ومفكرا وأخلاقيا، وصارما وموسعا للعقل". ووجده الكاتب الأميركي ومحرر عمود سابق في نيويورك تايمز أناند غيريدهاراداس: "عملا منتصرا للتعاطف في صراع استقطابي". واعتبره المؤرخ البريطاني بيتر فرانكوبان: "كتابا مليئا بالعاطفة والغضب والوضوح". مشيرا لأن "ميشرا أحد الأصوات المهمة في جيلنا". وقال الروائي الليبي هشام مطر: "يُظهِر هذا الكتاب المهم والمُلِح للغاية ميشرا، أحد أكثر كتابنا ذكاء وشجاعة، في ذروة قوته وبراعته". الصدمة والتحول إن ميشرا وافد متأخر نسبيا على قضية فلسطين. كان مفتونا بأبطال إسرائيل، وليس بأبطال العرب، عندما نشأ في الهند؛ حتى إنه كان لديه صورة على جدار حجرته لموشيه ديان، وزير الحرب الإسرائيلي خلال حرب 1967. وجاء تحوله خلال زيارة عام 2008 إلى فلسطين المحتلة، حيث صُدم عندما شهد الإذلال الذي يتعرض له سكان الضفة الغربية. وكتب ميشرا: "لم يكن هناك ما يجهزني (لتحمل رؤية) الوحشية والبؤس الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي"، "الجدار المتعرج وحواجز الطرق العديدة.. المقصود منها تعذيب الفلسطينيين في أرضهم.. الشبكة الحصرية عنصريا تتكون من الطرق الأسفلتية اللامعة وشبكات الكهرباء وأنظمة المياه التي تربط المستوطنات اليهودية غير القانونية بإسرائيل". والأمر الحاسم هو أنه شعر برابطة عرقية قوية مع العرب. فـ"هنا"، كتب ميشرا، "كان هناك تشابه لا أستطيع إنكاره". كانوا "أناسا يشبهوني". وبهذا الارتباط -وجودهم المشترك على جانب البشرة السمراء والذي حدده دي بويس باعتباره "خط اللون"- حدد ميشرا أوراق اعتماده وأصول انتقاده. لقد حررت الهند نفسها من تفوق العرق الأبيض الغربي، لكن الفلسطينيين "يعانون الآن كابوسا اعتبرناه أنا وأسلافي وراءنا". إن شرور الاستعمار الغربي تشكل أساس هذا التحليل. يقول ميشرا: كانت النازية، من هذا المنظور، مجرد امتداد للاستعمار، استقدمه هتلر من ممارسات الاستعمار الأوروبي إلى أوروبا القارية، وتدفقت المحرقة بشكل طبيعي من الإبادات الجماعية الأخرى التي ارتكبها البيض بأنحاء العالم. "تجيير الهولوكوست صهيونيا" الغريب أن ذكرى الهولوكوست لم تُخلَّد إلا قليلا بعد الحرب. ويستشهد ميشرا بالفيلسوفة الألمانية الأميركية اليهودية حنا أرندت (1906-1975) وآخرين؛ فيقول إن الهولوكوست لم تصبح تجسيدا لقضية سياسية لصالح الصهيونية إلا لدى محاكمة آيخمان عام 1961، حيث أصبحت إسرائيل أو زعمت أنها الدولة الوحيدة التي تضمن سلامة اليهود. وفي الوقت نفسه، كان القادة الإسرائيليون يصورون العرب على نحو متزايد باعتبارهم متعاونين مع النازيين، ويهددون بإبادة جماعية جديدة. ويقول ميشرا إن الذاكرة الجماعية للهولوكوست "لم تنبع عضويا مما حدث بين عامي 1939 و1945 فحسب، بل بُنيت متأخرة، وبشكل متعمد للغاية غالبا، ولأغراض سياسية محددة". والآن، يرى كثيرون أن ذكراها "حُرِفت لتمكين القتل الجماعي" الإسرائيلي ومنح إسرائيل الحصانة. ويكتب أن "دائرة متزايدة الاتساع" من الناس بأنحاء العالم " ترى إسرائيل استعمارا استيطانيا قاسيا ونظاما عنصريا يهوديا يدعمه سياسيون غربيون من اليمين المتطرف ورفاقهم من الليبراليين". ولا شك أن الصهاينة سيعتبرون فكرة استغلال المحرقة سياسيا والتلاعب "عمدا" بذكراها معاداة للسامية (عداءً وكراهية لليهود). ويوضح أنه في حالة إسرائيل، يستخدم القادة الصهاينة هذا السرد حول المحرقة سلاحا من خلال ربط سلامة ووجود دولة إسرائيل بالدفاع ضد شرور الهولوكوست. وبعبارة أخرى، تستغل الدولة الصهيونية معاناة الملايين لصالح الأقوياء. "إن كلمات الساسة مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وخطاب أشخاص مثل جو بايدن الذي يصر على أن أي شخص يهودي في العالم لن يكون آمنا إذا لم تكن إسرائيل آمنة. وربطُه مصير ملايين اليهود خارج إسرائيل بمصير دولة إسرائيل باستمرار، لا أستطيع أن أفكر في أي شيء أكثر معاداة للسامية من ذلك. ومع ذلك، يواصل هؤلاء الساسة فعل ذلك، وهذا يعرض السكان اليهود في أماكن أخرى للخطر". رفع الصوت عاليا يُعتبر كتاب ميشرا امتدادا لمقاله المفصلي في مارس/آذار 2024 بمجلة "لندن ريفيو أوف بوكس" المرموقة، وقد أراد بهما التعقيب على فاجعتين، أخلاقية وفكرية، أصابتا العالم في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول: – الفاجعة الأولى، عمليات القتل والتدمير والإبادة التي ارتكبتها إسرائيل بشكل متعمّد للغاية في غزة بدعوى الدفاع عن النفس. – الفاجعة الثانية، محاولات بذلها أنصار إسرائيل بالغرب، صحافيون وساسة ورجال أعمال، للتعتيم على حقائق جلية جدا لا تتعلّق بعدوان إسرائيل فقط، بل بتاريخها الطويل من احتلال الأراضي الفلسطينية، وتوسّعها الاستيطاني المستمر بالضفة الغربية، وتقويضها الحركات الفلسطينية السلمية. وهو مجرد كاتب لا أكثر، ولا يمكنه فعل الكثير إزاء ممارسات مخزية من تعتيم وإغفال ومراوغة، تورّط فيها كتاب وصحافيون، إلا رفع الصوت عاليا، سعيا لكشف قضايا اعتُبرَت طويلا من المحرمات، ويُعاقَب عليها بشدّة في الفضاء العام بالغرب الجماعي. إذن إن هدف الكتاب تعميق هذه المسألة أكثر، لاستطلاع الطرق التي تُصنَع من خلالها الذاكرة العامة عن المحرقة بإسرائيل وألمانيا والولايات المتحدة، وتوظيفها لتبرير نهج إسرائيل التوسّعي عُنفا وتدميرا وإبادة، ودراسة الدور المشهود لـ"ثقافات الذاكرة" بالمجتمعات، ولماذا تُعدّ أحداث غزة مؤشر انحلال عالمي واسع للمعايير الأخلاقية والسياسية، سيطول انتظار التعافي منه. لون البشرة في إحدى فقرات الكتاب، يورد ميشرا عبارة كتبها جورج أورويل عام 1945 حول أن فلسطين "مسألة متعلّقة بلون البشرة"، أي البعد العرقي والعنصري في قضية فلسطين، بل إن زعيم حركة استقلال الهند، موهندس غاندي، رأى الوضع هناك من المنظور نفسه كذلك. ويؤكد ميشرا أن فلسطين بنهاية المطاف قضية ذات ارتباط عميق بلون البشرة منذ أن تواطأ الصهاينة الأوروبيون مع القوة الإمبريالية البريطانية لاستيطانها واقتلاع أهلها. لقد أبدى أشخاص مثل غاندي تعاطفا مع الحركة الصهيونية إبان سنوات الهولوكوست، لكنهم توجسوا جدا من مساعيها لإقامة دولة عبر الدعم العسكري البريطاني. ذلك أن غاندي وقادة آسيويون وأفارقة آخرون كانوا يخوضون معاركهم الخاصة ضد أوروبيين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض. وبعد عقود عديدة، ردّد الزعيم نيلسون مانديلا والأسقف ديزموند توتو صدى هذه الفكرة، عندما أصبحت إسرائيل حليفا وثيقا لنظام الفصل العنصري (أبارتهايد) في جنوب أفريقيا. واليوم تقود جنوب أفريقيا المعارضة الدولية ضد النظام اليميني المتطرف في إسرائيل، رغم الضرر الكبير الذي يلحق بمصالحها الاقتصادية، وتتلقّى دعما تلقائيا (فطريا) من دول كثيرة عانت تبعات العنصرية والإمبريالية. والآن، بوصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بأميركا على رأس نظامٍ يؤمن صراحة بتفوق العرق الأبيض، وتصاعُد نفوذ العنصريين أمثاله بأوروبا، وتواطؤ هذه القوى على موقف يستهدف ويعادي المهاجرين ذوي البشرة السمراء، ومع الخوف العنصري للغرب من الصين وكرهه لها، يُنظر إلى فلسطين بشكل متزايد كقضية تتعلق بلون البشرة، أكثر حتى من السابق. الاستعمار ولحظة تأسيس الكيان من القضايا التي يطرحها الكتاب أن تأسيس إسرائيل في فلسطين حدث في لحظة مواجهة القوى الاستعمارية الأوروبية تحدّيا من الشعوب الخاضعة لها. وجرى التضحية بحقّ الفلسطينيين في تقرير مصيرهم لصالح مشروع استيطاني استعماري بمسمى حق اليهود في تقرير مصيرهم على أرض ليست لهم ولا ينتمون إليها، فيما كانت شعوب مُستعمَرة بمختلف أنحاء العالم تسعى إلى الحرية. لقد كان دور القوى الغربية مشينا للغاية منذ البداية، إذ كان التعصّب ضدّ اليهود متأصلا بمختلف أنحاء أوروبا الغربية بحلول أواخر ثلاثينيات القرن الماضي. وهكذا تواطأ معظم أوروبا مع النازيين في قتل 6 ملايين يهودي خلال الهولوكوست. وكانت دول الحلفاء على دراية بما يحدث منذ البداية، لكنها قلّلت من أهميته، بل رفضت حتى استقبال اللاجئين اليهود. وكان البريطانيون بخاصة مخادعين للغاية. وحتى بعد اندلاع المحرقة، رفضت الولايات المتحدة فتح أبوابها للاجئين اليهود. ثم أقام الغرب إسرائيل بذريعة أن تكون ملاذا لشعب مضطهَد بشدّة وغير مرغوب به لدى الغرب ذاته! من المهمّ أن نتذكّر ذلك عن إسرائيل بقدر أهمية أن نعرف أن الكثير من الصهاينة كانوا مجرد مستعمرين أوروبيين، لا سيما مع معاملة إسرائيل للفلسطينيين اليوم، في تكرارٍ قاتم للتاريخ الحديث، فهؤلاء الصهاينة بيادق يمكن الاستغناء عنها على رقعة الشطرنج الجيوسياسية. ثقافات الذاكرة وخطاب المظلومية لقد قامت أميركا بدور محوري في تحويل المحرقة النازية (الألمانية) إلى آليةٍ للتوسع والاستيطان الإسرائيلي، وتحويل مصير ضحايا النازية الرهيب إلى واقع قاد، بحسب الكاتب الإسرائيلي بوعز إيفرون (1927-2018)، لانفلات إسرائيل من "أيّ قيود أخلاقية، لأن من هو مُهدَّد بالإبادة يرى نفسه معفيا من أيّ اعتبارات أخلاقية قد تقيد مساعيه (التي يزعم أنها) لإنقاذ نفسه". يلاحظ ميشرا أنه كان للشعوب المهاجرة إلى أميركا دورا محوريا في تشكيل معالم عدة دول قومية، من الهند إلى أيرلندا. لكن الارتباط اليهودي-الأميركي بإسرائيل كان تاريخيا الأكثر أهمية وتعددا للأوجه. وشمل مستويات مختلفة، سياسية واقتصادية وفكرية وعاطفية، جامعا فئات متناقضة: أصوليين مسيحيين وملحدين متطرفين ويساريين علمانيين وأباطرة وادي السيليكون وأعداء السامية العنصريين. ويستدعي هذا الارتباط كافة المشاعر والتحيزات. فالمتعصّبون أشباه الأمّيين يتطلعون لمعركة نهاية العالم (هرمغدون وعودة المسيح)، وأصحاب التعليم العالي يلتمسون معنى في الفراغ الروحي للحياة المادية الأميركية بالتماهي مع إسرائيل. ورغم أن لدى الدول القومية "سردياتها" التي تكسبها شرعية ذاتية، ليس هناك دولة تشكّلت ديباجاتها ومبرراتها الروحية والنفسية بحدثٍ كما تشكّلت ديباجات إسرائيل حول الهولوكوست، سعيا لأجل ترسيخ ذكرى معاناة الأسلاف عمدا في نفوس الأجيال القابلة للتأطير والتجنيد، وتُستغل لارتكاب أسوأ فظائع البشر. في الهند، يحاول القوميون الهندوس احتذاء النموذج الإسرائيلي وديباجاته ومبرراته، فهم يصعّدون خطاب مظلومية الهندوس، ويبثّون الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين والأقلّيات الأخرى في نفوس الشباب الهندوسي. ويجادل هذا الكتاب ضد ثقافات الذاكرة التاريخية (المزعومة) لأنها تدمّر الحسّ الأخلاقي الفردي والنسيج الاجتماعي ناهيك عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. قطيعة مع التاريخ! في ختام الكتاب، تقدير كبير ومستحق لطلاب الجامعات وغير الطلاب أيضا الذين شاركوا في الاحتجاجات المناهضة لحرب الإبادة في غزة، والتي مثلت صحوة عالمية كبرى شملت العالم الثالث والجنوب العالمي وخاصة عواصم وحواضر أوروبا وأميركا الشمالية، في إشارة إلى أن "غزة دفعت كثيرا من الناس إلى الاعتراف بحقيقة المشاكل المتجذّرة في مجتمعاتهم". وأظهرت مواقف هؤلاء الطلاب ونشاطاتهم أنهم ربما أفضل من فهم ما وصفه المؤلف أنه "قطيعة نهائية مع التاريخ الأخلاقي للعالم منذ ساعة الصفر في العام 1945". فقد كانت الاحتجاجات التي قاد الطلاب معظمها ضد تدمير غزة أكبر حركة احتجاجات منذ الاحتجاجات ضد حرب فيتنام في الستينيات، وقوبِلت بموجات قمع صارمة، في حين يتخذ ترامب حاليا إجراءات انتقامية أشد ضد المعارضة العادية. بيد أن المتظاهرين أظهروا أن ترامب لم يأتِ من فراغ؛ وأن هذه الشخصية الغوغائية المتقلبة جاءت خلَفا لرئيس متشيخ مشوّش ذهنيا يحيط به وصوليون ومنافقون؛ وأن السقم والعفن يتخلل الدول والمجتمعات التي تدعم الإبادة فقط، بل تجني مكاسب مادية منها. وانتشرت صدمة الوعي الأخلاقي الأولى هذه في أوساط طلاب لم تُفسدهم المصالح الضيقة وأطماع الحياة المهنية، ولم ينخرطوا في الفساد المستشري. إن هؤلاء الطلّاب يُضيئون بصيص أمل في ظلام هذه المرحلة، الأمل بأن ضمائرنا ربما لم تنحرف ولم تفسد بالكامل. ويقول ميشرا إن دافعا داخليا جارفا قاده إلى تأليف هذه الكتاب، محاولا التغلب على موجة من مشاعر اليأس والإحباط انتابته وأمثاله، رغم أنه لم يعد متأكدا حتى من أنه سيؤلف كتابا آخر. فالظروف العصيبة التي اجتاحت العالم، وقد لا يتجاوزها قبل سنوات طويلة، تقتضي غالبا نسقا تفاعليا آخر مع العالم. لقد قال ميشرا ما استطاع قوله، وربما آن الأوان لإفساح المجال أمام الأجيال الناهضة لتدلي بدلوها.

"ما بعد غزة"... حيرة عظيمة من انهيار أخلاقي شامل
"ما بعد غزة"... حيرة عظيمة من انهيار أخلاقي شامل

Independent عربية

time١٧-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

"ما بعد غزة"... حيرة عظيمة من انهيار أخلاقي شامل

لو اكتمل للرئيس الأميركي دونالد ترمب ما يدعو إليه فقد يتحتم تغيير عنوان الكتاب الأحدث للكاتب الهندي بانكاج ميشرا من "العالم بعد غزة" إلى "العالم بغير غزة" أو "العالم ذي الريفييرا الشرق أوسطية" أو "العالم وقد مات ضميره"، إذ صدر الكتاب أخيراً في 300 صفحة عن "دار بنغوين" وقوبل على الفور باهتمام كبير. نشأ الكاتب والروائي بانكاج ميشرا خلال سبعينيات القرن الماضي في أسرة من القوميين الهندوس تكن إعجاباً عظيماً لإسرائيل على رغم مناصرة الزعماء الهنود للقضية الفلسطينية، ومن خلال جدّه تشرب بانكاج في صباه قصص بطولات الحركة الصهيونية في إقامة دولة إسرائيل لتكون ملاذاً آمناً لليهود في عالم يعاديهم وجيشاً يضرب أعداءهم، فوصل إعجاب الشاب ميشرا بإسرائيل حد أنه كان يعلق في غرفة نومه صورة لوزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان. غير أننا نصادف ميشرا الآن في حوار مع موقع "الديمقراطية الآن" يعلق على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" بنبرة تتنافر تماماً مع ما نشأ عليه، "أعتقد أن وقف إطلاق النار في غاية الهشاشة بسبب إعلان ترمب خططه لتطهير غزة عرقياً، فقد تضاءل في اعتقادي حافز 'حماس' وغيرها من الجماعات المسلحة للثبات على الاتفاق، كما أننا نعلم أن النظام اليميني المتطرف في إسرائيل يقر تماماً خطة ترمب ويتلهف لبدئها، فلا أعتقد أننا ينبغي أن نندهش إذا ما انهار الاتفاق بأسرع مما نتوقع الآن". وليست هذه بالنبرة المنتظرة من مناصر للدولة الإسرائيلية، فلقد تغير ميشرا مع مرور السنين وعدل عن الإعجاب إلى الانتقاد الشديد لإسرائيل ولكل ما ومن يناصرها، ويوضح دافعه إلى تأليف كتاب "العالم بعد غزة" فيقول "أعتقد أن الدافع الأساس هو أن أنهي هذه الوحدة الرهيبة التي شعرت بها شأن كثير من الناس، أعني حال الخواء الناجمة عن حقيقة أن الأقوياء من الساسة في البلاد الديمقراطية والصحافيين والمثقفين إما صمتوا عما يحدث في غزة من إبادة جماعية أو دعموها دعماً شديداً، فأرغم ذلك كثيرين على إعادة النظر لا في سرديات تاريخ الشرق الأوسط أو التاريخ الإسرائيلي أو التاريخ الفلسطيني وحسب، وإنما في التاريخ الأوسع للتفوق الغربي وحركة إنهاء الاستعمار، كما شهدنا انقساما عالمياً هائلاً في المواقف حيال الأعمال الوحشية في غزة، فكانت جنوب أفريقيا هي الرائدة في رفع دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، ونرى الآن عقاب ترمب وماسك الشديد لها لاجترائها على ذلك". ويضيف ميشرا "رأينا أيضاً فزع الرأي العام في معظم العالم من فداحة الرد الإسرائيلي وعدم تناسبه مع الفعل نفسه، ورأينا الرأي العام يطرح أسئلة عن الديمقراطيات الغربية نفسها من قبيل: ما الذي حدث هنا؟ ولماذا تدعمون هذه المجزرة اللانهائية لآلاف البشر؟ أعتقد أنني وجدت نفسي في موقف كثير من المتحيرين في الرد الإسرائيلي على السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكان لدي في الأقل خيار أن أحول ألمي وحيرتي إلى محاولة للفهم من خلال الكتابة، لكن الواقعة تبقى محيرة ونحن الآن في طريقنا إلى الجزء الأكثر احتداماً فيها". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويكتب بن هوبارد مستعرضا ًالكتاب "نيويورك تايمز - 9 فبراير (شباط) 2025" فيقول إن القوميين الهندوس من حول ميشرا كانوا ينظرون إلى نجاحات دولة إسرائيل فتتعاظم في أعينهم إخفاقات الهند، وفي ذلك يكتب ميشرا أن "القومية الهندوسية بدت بالمقارنة مع إسرائيل أشبه بمأساة، إذ حرمها الانفصاليون المسلمون من دولة موحدة بعد أن سمح تراخي غاندي ونهرو بتقسيم كارثي للهند عام 1947". ويضيف بن هوبارد "كانت قراءة الأدب هي التي ساقت ميشرا إلى تجاوز دروس أسرته، فبقراءة منتقدي القومية من أمثال رابندرانت طاغور والكاتب الصهيوني آحاد هاعام، ضاق بما يعده الآن نموذجاً للهيمنة العرقية في الهند وإسرائيل، وتغيرت قناعاته أكثر عندما زار الضفة الغربية عام 2008 وشهد بنفسه المعاناة الفلسطينية في ظل سيطرة الجيش الإسرائيلي، وكتب أنه شعر بالانزعاج لأن "من يضطهدونهم الآن هم ضحايا الغرب السابقين، وأنه شعر بنبرات عرقية عميقة كان لها أثر فيه بوصفه منتمياً إلى بلد له تجربة سابقة مع الاستعمار، فرأى ميشرا أن الفلسطينيين يشبهونه وأنهم 'يعيشون كابوساً بات بالنسبة إلي ولأسلافي في ذمة الماضي' فرجع إلى وطنه بإحساس من أفاق بعد غفلة". ويكتب ميشرا عن زيارته إلى الضفة الغربية التي أسهمت كثيراً في تغيير قناعاته تجاه إسرائيل فيقول "ما كان لشيء أن يهيئني لوحشية ووضاعة الاحتلال الإسرائيلي والجدار الملتوي وحواجز الطرق العديدة وكل ما يعذب الفلسطينيين في أرضهم، والشبكة الحصرية العنصرية من الطرق الممهدة اللامعة وشبكات الكهرباء وأنظمة المياه التي تربط المستوطنات اليهودية غير الشرعية بإسرائيل". ويكتب بن هوبارد أن "الكتاب يستكشف خيوط التاريخ والذاكرة والهوية والسياسة المتشابكة، ساعياً إلى إلقاء الضوء على دلالة الحرب بين إسرائيل و'حماس'، وعلى رغم أن تفكيره في إسرائيل قد تغير فقد بقي رأيه ثابتاً في أن العنف في الشرق الأوسط يتعلق بما هو أكثر من قتال طائفي محدد في جزء من الكوكب بإرث حروب كبرى، وبانهيار الـ 'كولونيالية' وظلال الـ 'هولوكوست' وظل دائماً مثقلاً بصراعات أخرى تمثل مرايا له، وكلما تعمق ميشرا في بحثه ازدادت تأملاته تنوعاً". وفي حين يسيطر الإحساس بالغضب على الكتاب الذي ألفه ميشرا قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الراهن بين إسرائيل و"حماس"، "فما كان لهذا الاتفاق أن يخفف حدة الانتقاد الذي يكيله للحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة التي ينتقد إمدادها إسرائيل بالسلاح الذي دمر حياة المدنيين"، ويكتب هوبارد أن الكتاب أكثر من محض سيرة لميشرا أو استعراض لتطوره الشخصي، فهو يكتب في المقدمة عن الأثر الكبير لأحداث السابع من أكتوبر 2023 وما تلاها من حرب، محدداً غاية إضافية للكتاب في " شعرت أني شبه مرغم على تأليف هذا الكتاب، لأخفف حيرتي وإحباطي من هذا الانهيار الأخلاقي الشامل". وأضاف في ما ينقل عنه هوبارد أنه أراد لكتابه أن يكون دعوة إلى "التضامن بين البشر" بما يتجاوز الانقسامات العنصرية والعرقية، لكن الكتاب أيضاً "اتهام غاضب ورصين لدور الغرب في إنشاء إسرائيل وكل ما نجم عنه". ولكي يحقق ميشرا غايته الطموحة بأن يكون كتابه عودة للتضامن بين البشر تتجاوز الاختلافات العرقية والعنصرية، فإنه يتسلح، بحسب ما يكتب هوبارد، بقائمة ببليوغرافية واسعة النطاق، وبخاصة في ما يتعلق بحقائق الـ "هولوكوست" قبل أن "تشوهها هوليوود فتتحول إلى أداة للمدافعين عن إسرائيل يصدون بها أي نقد". ويستقوي ميشرا أيضاً باقتباسات من عدد كبير من الناجين من الـ "هولوكوست" والمؤرخين والمثقفين الإسرائيليين والفلسطينيين والكُتاب الأفرو- أميركيين، بل وتمتد قائمته لتشمل وودي آلن، "ويبدو أن الهدف من ذلك هو أن يفاجئ القراء بانتقادات لإسرائيل من مصادر غير متوقعة، عسى أن يكون ذلك سبيلاً إلى أن يتقبلوا سبلاً أخرى لفهم التاريخ". يكتب رئيس قسم الأخبار الدولية السابق في "صحيفة غارديان" البريطانية تشارلي إنغليش مستعرضاً الكتاب (غارديان - 8 فبراير 2025) فيقول إن "شرور الـ 'كولونيالية' الغربية هي أساس تحليل ميشرا الذي يؤكد أن جميع القوى الغربية عملت متآزرة من أجل دعم نظام عنصري عالمي بات الطبيعي فيه تماماً للآسيويين والأفارقة أن يتعرضوا للإبادة والإرهاب والسجن والنبذ، بل إن النازية في رأيه لم تكن إلا امتداداً للـ 'كولونيالية' استوردها هتلر إلى أوروبا، وما كانت الـ 'هولوكوست' إلا تدفقا طبيعياً لإبادات أخرى اقترفها البيض في حق شعوب بأنحاء العالم". وفي حواره مع موقع "الديمقراطية الآن" يقول ميشرا "إنني أعتقد أنه من المهم بحق ألا نقتصر على التفكير في الماضي أو التاريخ، أي التاريخ الأوسع لما يجري اليوم في غزة، فعلينا أن نفكر أيضاً في الحاضر، وهذا أيضاً بعض مما أتناوله في الكتاب، فهل غزة تشير إلى شيء أكبر من محض الحلقة الأحدث في حلقات صراع قديم في الشرق الأوسط؟ وهل هي نذير بوصول أنظمة حكم عنصرية عرقية يمينية متطرفة إلى السلطة في أرجاء العالم الغربي؟ إنني أقول في الكتاب إننا نشهد انهياراً أخلاقياً وسياسياً بل أقول إنه أيضاً انهيار فكري، وانهيار أكبر وأشمل مما سبق أن عرفنا على مدى أعمارنا بلا أدنى شك". ويضيف "العالم منذ القرن الـ 19 يقوم على نظام واضح العنصرية من الإمبريالية والرأسمالية، وأعتقد أن بعض أفضل الناس في آسيا وأفريقيا قد قاوموا هذا النظام العالمي وانتصروا في نهاية المطاف، وبدءاً من منتصف القرن الـ 20 أقاموا الدول القومية التي نجدها الآن في أرجاء آسيا وأفريقيا والتي باتت سياسياً واقتصادياً وجيو-سياسياً أشد رسوخاً، فضلاً عن ثورة عقلية أراها قائمة ومستمرة منذ عقود عدة، لكن من أغرب الأمور على الإطلاق أننا نرى الولايات المتحدة ترجع للوراء، وهذا جزء من التفكك الأميركي الكبير، إذ ترجع إلى نظام القرن الـ19 والإمبريالية الجشعة الحريصة على الاستيلاء على الأرض"، كما نرى في طرح الاستيلاء على غزة حين قال دونالد ترمب حرفياً "سنأخذ غزة ولن يكون علينا أن نشتريها، فما من شيء يشترى، سنأخذ غزة" وحينما يسأله صحافي عما يعنيه بهذا يقول "ما من سبب للشراء، فما من شيء ليشترى، إنها غزة، منطقة مزقتها الحرب وسنأخذها". ويقول ميشرا إن "الناس يتكلمون منذ وقت طويل عن أن هياكل الإمبريالية العنصرية وعقلياتها التي تكونت في القرن الـ 19 لا تزال حية إلى حد كبير، فكان من يقولون ذلك يتعرضون للاستخفاف لكننا الآن نرى عياناً بياناً ما يثبت صحة هذه الأفكار، فما يقوله ترمب اليوم واضح للغاية ويمكننا أن نرى كيف تراكمت هذه الثروة، وهذه السلطة العظيمة على مهل، ونرى كيف أن بعضهم خائفون من فقدان تلك السلطة بسبب صعود الصين وسيطرتها، وعلى رغم أنهم الأقوى في العالم فهم يرجعون لأكثر أشكال التوسع سفوراً". ويرى بن هوبارد أن إنهاء الاستعمار إطار شديد الضخامة للعقود الثمانية أو نحو ذلك من التاريخ الإنساني، ويقر بأن ذلك الإطار يوسع نطاق البحث في كتاب ميشرا لكنه لا يطرح كثيراً من الرؤى لتفسير صراع الشرق الأوسط، فميشرا نفسه "بعد أن يصف حركة إنهاء الاستعمار بأنها 'ثورة لا يمكن إيقافها' يخلص إلى أنها قد لا تحدث فارقاً كبيراً على أية حال، فيتنبأ بأن إسرائيل في نهاية المطاف ستطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة". ويكتب بن هوبارد أن هذه النبوءة صدمته عند قراءته الكتاب للمرة الأولى، ولم يخفف من هذه الصدمة إلا دعوة الرئيس الأميركي إلى نقل الفلسطينيين وتجاوزه إلى حد القول بالاستيلاء على غزة، "قد يتوقع المرء من ميشرا بعد الاحتجاج بالغ القوة بأن إنهاء الاستعمار غير وجهات النظر العالمية تغييرا عميقاً أن يتنبأ بمقاومة جديدة وفعالة للتهجير الجماعي أو يتوقع في الأقل قدراً من الأمل في أن دعوته إلى نظرة أكثر تعقيداً إلى الماضي قد تلهم بتغيير ما لولا أن التشاؤم يغلب التفاؤل عند ميشرا". غير أن الأمر قد يكون بعيداً من بساطة التفاؤل أو التشاؤم، فلو صح أن نضال الفلسطينيين من أجل حريتهم جزء من نضال مماثل لشعوب العالم المضطهدة منذ منتصف القرن الـ 20، ولو صح أن إسرائيل محض جزء متخلف عن المشروع الاستعماري الغربي فقد لا يكون غريباً الخروج من هذا التحليل بنتيجة مفادها أن حركة التاريخ نفسها منحازة لأحد طرفي هذا الصراع، وأن فيها غنى للفلسطينيين عن التفاؤل ووقاية أكيدة من التشاؤم. العنوان: THE WORLD AFTER GAZA: A History تأليف: Pankaj Mishra الناشر: Penguin

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store