أحدث الأخبار مع #ناصرأبوعون


جريدة الرؤية
١١-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- جريدة الرؤية
سماء عيسى يطرح احتجاجات سردية في "بيان الفئران"
الرؤية- ناصر أبوعون "بيان الفئران" نصوص مخاتلة ومراوغة في آنٍ واحد للشاعر سماء عيسى تقف على مفترق الطرق ما بين القصة والحبكة والسرد بلغة شعرية طاغية. وإن كان النصّ السرديّ هو العُمدة في هذه المجموعة العابرة للنوعية إلا أنّ النص الوصفيّ أيضًا موجود، ولكنّه يتخفّى عمدًا تحت طبقات ركامية من السرد اللذيذ. قد يبدو للقارئ غير المتمرّس أنّ مجموعة "بيان الفئران/ احتجاجات سرديّة" الصادرة عن دار نثر 2025، شذرات متناثرة على صفحات الورق، أو متباعدة الرؤى، ومتشظية على أثر انشطار نواتها بفعل التصادم الحاد بين الأفكار المتحررة والصراعات النفسية المكبوتة؛ إلا أنّ هناك حبكة وعقدة تمسك بكل الخيوط/ (العناوين الفرعية)، وتشكّل وحدة عضوية رصينة؛ على الرغم من عدم تتالي الأحداث، والتي قصد سماء عيسى عدم لَضْمها في سلك واحد؛ بل إنه تقصّد -عمدًا مع سبق الإصرار الإبداعيّ والترصد الفنّي- في تشكيل بناه السرديّة صناعةَ نوعٍ من الفوضى الإبداعية التي ظاهرها أشتات من المشاهد، وباطنها وحدة متماسكة. وعلى منحى آخر اتكأ الشاعر سماء عيسى في كتابة (احتجاجاته السرديّة/ بيان الفئران) على استراتيجية العلاقة السببيّة في بناء حبكة صغرى داخل كل مقطع سرديّ منفصل، وذلك فيما يشبه لعبة مكعبات (الروبيك) مع إخفاء الحبكة الكبرى/العمود الفقري للمجموعة السردية كاملةً، والتي تشبه المكعب الأيقونيّ الذي لا يمكن الوصول إليه أو حلّ اللغز المنضوي ما بين السطور؛ إلا بإجراء عملية ربط معقدة بين الأحداث المتناثرة من مطلع المجموعة إلى منتهاها، ومن ثَمَّ فإن الفهرسة الشكلية للعناوين في المبتدأ تنطوي على خدعة كبيرة وإن كانت غير متعمدة من الكاتب وجاءت كتقليد طباعيّ وفني في صناعة الكُتُب. ومما يزيد الأمر صعوبة على القارئ غير المتمرّس، أنّ الأحداث لا تسير بطريقة خطيّة، فضلًا عن ظهور شخصيات جديدة في كل مشهد لا علاقة لها بشخصيات المشهد السابق، ولا تمّت بأية صلة ظاهرية بشخصيات المشاهد اللاحقة، ومما يزيد القارئ حيرة أنّ الزّمن في المجموعة دائريٌّ أو يكاد يكون منعدمًا البتّة، والكاتب يتقصّد التأرجح بالقارئ -مثل الحركة الصامتة لـ(بندول) الساعة الحائطية- بين لقطات الفلاش باك، والمشاهد التنبؤية لإخراجه من كهفه المظلم إلى دائرة الضوء ليكتشف أكثر من وجه للحقيقة. ومن الملفت للنظر أيضًا استدعاء الشاعر سماء عيسى لجوقة من الحيوانات في أكثر من مشهد؛ أو داخل البنية السردية، وتوظيف صورتها الرمزية وما تنطوي عليه من دلالات شتى في لوحة العنوان أيضا والتي تبدو من الوهلة الأولى لافتات احتجاجية معلقة ومستفزة للقاريء فضلا عمَّا تحمله من مضامين سياسية، وهي: (أهناك كلب في كل مساء)، (أطفال فوق جياد الغزاة) (الكرسي والقطة)، (وحوش الجبال الجائعة)، (جامع النحل)، (بيان الفئران). أمّا الملمح الأخير وهو يتبدّى جليًّا في سائر الإنتاج الإبداعي المُتعدد الوجوه للشاعر سماء عيسى ما بين المقالة والبحث التاريخي والكتابة الأدبيّة والرؤى النقدية، وهو طغيان اللغة الشعرية، وتسيّدها على المساحة الأكبر من النصّ؛ وهذا يرجع -حتمًا- لإطلالته من شرفة الشعر على سائر الأنواع الإبداعية والإنسانية.


جريدة الرؤية
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- منوعات
- جريدة الرؤية
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (47)
تحقيق: ناصر أبوعون يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ : [(وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَتَنَاوِلِ الطَّعَامِ، قَامَ السُّلْطَاُن خَطِيْبًا بِنَفْسِهِ، وَخَطَبَ اِرْتِجَالًا؛ خُطْبَةً أَجْزَلَ فِيْهَا الْقَوْلَ. فَقَالَ- بَعْدَ حَمْدِ اللهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسَوْلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَا مَعْنَاهُ-:"إِنِّي أُبْدِي سُرُوْرِيَ الْعَظِيْمَ بِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ دَاعِيًا اللهَ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – وَمُبْتَهِلًا إِلَيْهِ أَنْ يُعِيْدَهُ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِطَالِعِ السَّعْدِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الدَّوَامِ، وَأَرْجُو مِنْ رَعِيَّتِي أَهَالَي ظَفَارِ رَفْعَ الْبِدَعِ الثَّلَاثِ الَّتِي اِتَّخَذُوْهَا عِيْدًا يُنَشَّأُ عَلَيْهَا الصَّغِيْرُ وَيَهْرُمُ عَلَيْهَا الْكَبِيْرُ؛ فأمّا الْأُولَى فَتَرْكُ الْعِيْدِ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ لَأّنَّهُ بِدْعَةٌ، وأمّا البِدْعَةُ الثَّانِيَةُ ضَرْبُ الطَّبْلِ عَلَى الْإِمَاءِ الّلوَاتِي يُبْدِيْنَ الْعُهْرَ سِرًّا، وأمّا البِدْعَةُ الثَّالِثَةُ فتَرْكُ الْمُرَامَاةِ وَالرَّشِّ بِبَوْلِ الْبَقَرِ لِبَعْضِكُمْ بَعْضًا فِي الْيَوْمِ الْمَعُلُوْمِ عِنْدَكُمْ)]. ***** السلطان تيمور خطيبًا بالمولد النبويّ يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَتَنَاوِلِ الطَّعَامِ، قَامَ السُّلْطَاُن خَطِيْبًا بِنَفْسِهِ، وَخَطَبَ اِرْتِجَالًا؛ خُطْبَةً أَجْزَلَ فِيْهَا الْقَوْلَ)]. يقول الشيخ عيسى الطائيّ: [ (وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَتَنَاوِلِ الطَّعَامِ)] ؛ أي بعد الانتهاء من قراءة المدائح النبويّة ليلة الميلاد، والتي تحكي قصة مولد النبي محمد(صلى الله عليه وسلم)، وإتمام سرد صفاته، وفضائل أعماله. وكلمة [(الْفَرَاغِ)] في هذا السياق بمعنى (الانتهاء والإتمام)، وشاهده اللغوي في نقرأه الحديث النبويّ: [حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، حدثني مرحوم بن عبد العزيز العطار، حدثني عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر، قال توضأ رسول الله(ﷺ) واحدة واحدة فقال "هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به". ثم توضأ ثنتين ثنتين فقال "هذا وضوء القدر من الوضوء". وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال "هذا أسبغ الوضوء وهو وضوئي ووضوء خليل الله إبراهيم ومن توضأ هكذا ثم قال عند ( فراغه): أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء (01) ] [(قَامَ السُّلْطَاُن خَطِيْبًا بِنَفْسِهِ)]، ( قَامَ السُّلْطَاُن )؛ أي: وقف السلطان تيمور آل سعيد، والمعنى في اللغة (وقف وانتصب من قعود)، وشاهده اللغوي، في قول لقيط بن يعمر الإيادي يخاطب قومه: [( قُومُوا ) عَلَى أَمْشَاطِ أَرْجُلِكُمْ/ ثُمَّ اِفْزَعُوا، قَدْ يَنَالُ الْأَمْنَ مَنْ فَزِعَا (02) ]، وقوله: [ (خَطِيْبًا بِنَفْسِهِ)] ؛ تُطلق على كل قادر على الكلام بين الناس وإقناعهم. وشاهده اللغويّ في شعر عامر بن وهب المُحاربيّ، مفاخرًا بفصاحة قومه: [وَهُمْ يَدْعَمُونَ الْقَوْمَ، فَي كُلِّ مَوْطِنٍ/ وَبِكُلِّ ( خَطِيْبٍ )، يَتْرُكُ الْقَوْمَ كُظَّمَا (03) ]، وقوله: [ (وَخَطَبَ اِرْتِجَالًا)] ( خَطَبَ )؛ أي: ألقى على أهل ظفار ليلة مولد خاتم الرسل سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، والشاهد اللغوي للفعل (خطب) في الحديث النبويّ: [حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الرَّقِّيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدِّه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال في خُطْبَةٍ (خَطَبَهَا ): [لَايَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةً مِنْ مَالِهَا إِلَّا بِإذْنِ زَوْجِهَا، إِذْ هُوَ مَالِكُ عِصْمَتِهَا. رَوَاه أبو داود بلفظه (04) ]، وقوله:( اِرْتِجَالًا )؛ أيْ: أنشأ السلطان تيمور خُطبةً من بنات أفكاره على غير مثال سابق. والشاهد اللغويّ في معنى ( الارتجال ) نجده في قول ابن دُريد: [إِنَّمَا أَمْلَيْنَا هَذَا الْكِتَابَ ( اِرْتِجَالًا )، لَا عَنْ نُسْخَةٍ، وَلَا تَقْلِيْدٍ فِي كِتَابٍ قَبْلَهُ (05) ] [(خُطْبَةً أَجْزَلَ فِيْهَا الْقَوْلَ)]، وكلمة [(خُطْبَةً)] معناها: الكلام الذي يُلقَى أمام القوم. وهي (اسم) من الفعل الثلاثيّ (خَطَبَ)، وجمعها: [( خُطَب) و(مَخاطِب )] . ونقرأ شاهدها اللغويّ في شعر امرؤ القيس بن حُجْر الكنديّ: [رُبَّ ( خُطْبَةٍ ) مُسْحَنْفِرَه/ وطعنة مُثْعَنْجِرَه (06) ]، وفي تعبيره: [ (أَجْزَلَ فِيْهَا الْقَوْلَ)] ، إشارة إلى الإيجاز في الكلام والبلاغة في المعاني، وتقول العرب:(أَجْزَلَ في الخُطبة ونحوها)، أي: أتى بالكلام الفصيح البليغ، و( أَجْزَلَ ) فعلٌ متعدٍ بالحرف.ونقرأ شاهدها اللغوي في قول ابن راهَويه الحنظليّ التميميّ المَرْوَزِيّ، يُخبر مُخاطبَه: [وَكَانَ جَدُّكَ كَرَجُلٍ مُفَوَّه، إِنْ خَطَبَ أَجْزَلَ، وَإِنْ كَتَبَ رِسَالَةً أَحْسَنَ (07) ] بدء الخُطبة بالحمد سُنَّة نبوية يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (فَقَالَ- بَعْدَ حَمْدِ اللهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسَوْلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ-:)] إنّ بَدْء السلطان تيمور الخُطبة بين يدي أهل ظفار بـ [(حَمْدِ اللهِ)] هو السُّنَّة. والشاهد فيها من حديث النبيّ (صلى الله عليه وسلم)[عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ" قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ يُونُسُ، وَعَقِيلٌ، وَشُعَيْبٌ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) مُرْسَلًا (08) ]. وإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يفتتح كلامه وخطبه قائلا:(إنَّ الحمدَ للهِ نحمده ونستعينُه، من يَهْدِه اللهِ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ اللهُ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أما بعدُ (09) ) ، ثم ثنّى السلطان تيمور بعد الحمد بـ( الصَّلَاةِ عَلَى رَسَوْلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ) امتثالًا لقوله (صلى الله عليه وسلم)[أتاني آتٍ من عندِ ربِّي عزَّ و جلَّ، فقال: مَن صلَّى عليك من أُمَّتِك صلاةً كتب اللهُ له بها عشرَ حَسَناتٍ، و محا عنه عشرَ سيئاتٍ، ورفع له عشرَ درجاتٍ، و ردَّ عليه مثلَها (10) ]. مُفتتح خُطبة السلطان تيمور يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ نقلا مما سمعه من السلطان تيمور في خطبته: [ ("إِنِّي أُبْدِي سُرُوْرِيَ الْعَظِيْمَ بِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ دَاعِيًا اللهَ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – وَمُبْتَهِلًا إِلَيْهِ أَنْ يُعِيْدَهُ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِطَالِعِ السَّعْدِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الدَّوَامِ)] [(فَقَالَ السلطان تيمور مَا مَعْنَاهُ)] ، فهذه العبارة الاصطلاحية شائعة الاستعمال بين الخُطباء والمستشهدين بالأحاديث النبويّة، وشُرّاح المتون في أحوال شتّى لكنها تستعمل على إطلاقها تحوّطا من إضافة زيادة إلى المتن تُغيّر المعنى أو حذف لفظ يُخِلُّ بالمقصود، ولكنهم يستعملونها إجمالا تعبيرًا عن المعنى المقصود، بعد إدراكهم له وفهمهم لفحواه. [(إِنِّي أُبْدِي سُرُوْرِيَ الْعَظِيْمَ بِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ)] ، ومعنى ( أُبْدِي سُرُوْرِيَ الْعَظِيْمَ ): أُظهِر فرحي وأبوح بمكنون صدري عن محبتي بذكرى هذا اليوم المبارك يوم ميلاد سيد المرسلين (صلى الله عليه وسلم)، وكلمة ( أُبْدِي ) فعلٌ متعدٍ، وشاهده اللغويّ نقرأه في قول حُمَمة بن رافع الدَّوسيّ، يجيب على مَن سأله عن أغنى الناس؟ فقال: [مَنِ اسْتَشْعَرَ الْيَاس، وَ( أَبْدَى ) التَّجَمُّلَ للنَّاس، وَاِسْتَكْثَرَ قَلِيْلَ النِّعَمْ، وَلَمْ يَسْخَطْ عَلَى الْقِسَمْ] [(دَاعِيًا اللهَ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى–]) ( دَاعِيًا اللهَ )، أي: سائلا وطالبًا من الله أنْ يجدِّد هذا اليوم ويعيده أعوامًا مديدة. والشاهد اللغوي لكلمة (داعيا) نقرأه في شعر عمرو بن قميئة البكريّ: [وَ( دَعَوْتُ ) رَبِّي فِي السَّلَامَةِ جَاهِدًا/ لِيُصِحَّنِي؛ فَإِذَا السَّلَامَةُ دَاءُ (11) ]، وكلمة (سُبْحَانَهُ) مصدر. وإعرابه: مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف تقديره: (أسَبِّحُ)، وهو مضاف إلى الهاء ، والهاء ضمير مبني على الضم في محل جر مضاف إليه، وجملة ( سبحانه ) اعتراضية لا محلّ لها من الإعراب. وفي معناه: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: ( سبحان الله ): تنزيه الله وتبرئته. وقال ابن عباس- رضي الله عنهما-:( سبحان الله ): تنزيه الله - عَزَّ وجَلَّ- عن كل سوء. أي تنزيهه عمّا لايليق به من الأوهام الفاسدة، والظنون الكاذبة وكل عيب ونقص. وهي جملة من أركان التوحيد. ومن شواهدها في القرآن الكريم:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[٩١ المؤمنون]،و{سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[٦٨ القصص]. وَ[(تَعَالَى)] ، أي: ( تَنَزّهَـ وتَعَظَّم ). وشاهدُه نقرأه في قول عبد المطلب بن هاشم القرشيّ، يخاطب سيف بنَ ذي يزنٍ: [إِنَّ اللهَ (تَعَالَى)–أَيُّهَا الْمَلِكُ– أَحَلَّكَ مَحَلًّا رَفِيْعًا، صَعْبًا مَنِيْعًا (12) ] [(وَمُبْتَهِلًا إِلَيْهِ)] ،من الفعل المتعدي (ابتهل)، والمعنى: مجتهدا ومُتضرعًا إلى الله في الدعاء. وشاهده اللغويّ نقرأه في قول امريء القيس بن حُجْر الكنديّ: [لَهَا مُقْلَةٌ لَوْ أَنَّهَا نَظَرَتْ بِهَا/ إِلَى رَاهِبٍ قَدْ صَامَ للهِ وَ( ابْتَهَل ) (13) ] [(أَنْ يُعِيْدَهُ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِطَالِعِ السَّعْدِ)] ، [(الْأُمَّة الْإِسْلَامِيَّة)] :جماعة المسلمين وعُصبتهم، والشعوب التي تنضوي تحت عقيدة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) في سائر الأصقاع والبلدان. والشاهد اللغويّ فيها نقرأه في شعر مالك بن فهم الأزديّ: [بِهِ أَوْلادُ نَاجِيَةَ بِنِ جَرْمٍ/ وَأَوْبَاشٍ مِنَ ( الْأُمَمِ ) الْغَوَانِي (14) ]، وقول السلطان تيمور عبارة [(بِطَالِعِ السَّعْدِ)] ، و( الطالع ): مصطلح في علم الفَلَك؛ ومعناه: النقطة التي في فلك البروج على الأفق الشرقي عند القياس. وشاهده في قول ابن البطريق: [وَاحْذَرْ أَنْ يَكُوْنَ الْقَمَرُ فِي الْقَوْسِ، وَهُوَ ( الطَّالِعُ )، أَوْ فِي الدَّلْو، أَوْ فِي الْجَدْي، أَوْ فِي الْجَوْزَاءِ، وَتَحَفَّظْ مِنْ نَظَرِ الشَّمْسِ إِلَى الْقَمَرِ، وَ( الطَّالِعُ ) فِي التَّرْبِيْعِ، أَوِ الْمُقَابَلَةِ (15) ]، وكلمة [(السَّعْدِ)] : معناها: أحد النجوم العشرة التي تُسمَّى (سُعُودًا)، والتي تُناقض (النُّحوس)، ويطلع أربعةٌ منها بمنازل القمر. والشاهد عليها في قول الخليل بن أحمد الفراهيدي: [سَعْدُ الذَّابِح، وَسَعْدُ بُلَع، وَسَعْدُ السُّعُود، وَسَعْدُ الْأَخْبِيَة (16) ] موضوع خُطبة السلطان تيمور يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (وَأَرْجُو مِنْ رَعِيَّتِي أَهَالَي ظَفَارِ رَفْعَ الْبِدَعِ الثَّلَاثِ الَّتِي اِتَّخَذُوْهَا عِيْدًا يُنَشَّأُ عَلَيْهَا الصَّغِيْرُ وَيَهْرُمُ عَلَيْهَا الْكَبِيْرُ)] [(وَأَرْجُو مِنْ رَعِيَّتِي أَهَالَي ظَفَارِ)] ( أَرْجُو ) فعل ومصدره:(الرجاء)، ومعناه في هذا السياق:(الأمل)، والشاهد في من قول أُحَيْحَة بن الجلاح الأوسيّ: [وَالْمَرْءُ (يَرْجُو) الرَّجَا/ءَ مُغَيَّبًا، وَالْمَوْتُ دُوْنَهْ (17) ]، [(رَفْعَ الْبِدَعِ الثَّلَاثِ الَّتِي اِتَّخَذُوْهَا عِيْدًا)] ( رَفْعَ ): إزالة. وشاهدها اللغويّ في قول كليب بن ربيعة التغلبيّ، يخاطب قُبَّرةً أحسّت اقترابه منها: [قَدْ ذَهَبَ الصَّيَّادُ عَنْكِ فَابْشِرِي/ وَ( رُفِعَ ) الْفَخُّ، فَمَاذَا تَحْذَرِي (18) ]، وكلمة [(الْبِدَع)] جمعٌ، ومفرده ( بِدْعَة )، ومعناها في اللغة: الأمر العجيب المُنكر. وهي مصطلح في (علم أصول الفقه الإسلاميّ) ويُقْصدُ بها: (ما أُحْدِثَ فِي الدِّيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا يَشْهَدُ لهُ أَصْلٌ شَرْعِيٌ أو يَقْتَضِيه). وشاهدها التشريعيّ في الحديث النبويّ: [إنه سَيَلِي أَمْرَكُمْ قَوْمٌ يُطْفِئُونَ السُّنَّةَ وَيُحْدِثُونَ ( بِدْعَةً ) ويُؤَخْرِوْنَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيْتِهَا. قَالَ اِبْنُ مَسْعُودٍ: وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أُمّ عَبْدٍ, لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللهَ.قَالَهَا ثَلَاثًا] (19) [(الَّتِي اِتَّخَذُوْهَا عِيْدًا)]، ( اِتَّخَذُوْهَا ):( صَيَّرُوها ). وشاهدها اللغوي في قول المُثَقِّب العَبْدِيّ، يُخاطب أحدهم: [فَإِمَّا أَنْ تَكُوْنَ أَخِي بِحَقٍّ/ فَأَعْرِفُ مِنْكَ غَثِّي مِنْ سَمِيْنِي– وَإِلَّا فَاطَّرِحْنِي وَ( اتَّخِذْنِي )/ عَدِوًا أَتَّقِيْكَ وَتَتَّقِيْنِي (20) ]، [( يُنَشَّأُ عَلَيْهَا الصَّغِيْرُ وَيَهْرُمُ عَلَيْهَا الْكَبِيْرُ)] ( يُنَشَّأُ )، أي: يشبّ ويتربّى من أول أمره، وشاهدُها اللغويّ من القرآن الكريم في قول الله – سبحانه وتعالى-:{أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (21) ، وقرأ نافع المدني ( يَنْشَأُ ) بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين (22) ، وفي العبارة إحالة على قصة المثل الشهير المرويّ عن سلطان العارفين أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامِي (188- 261هـ) التي يحفظها العامة:(مَنْ شَبَّ على شيءٍ شابَ عليه)، وفيها أيضًا تناصّ مع الآية القرآنية:{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} (23) ، وفي العبارة إحالة إلى الحديث النبويّ: [كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه (24) ] السلطان يرجو الرعية ترك البدع يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( فأمّا الْأُولَى فَتَرْكُ الْعِيْدِ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ لَأّنَّهُ بِدْعَةٌ، وأمّا البِدْعَةُ الثَّانِيَةُ ضَرْبُ الطَّبْلِ عَلَى الْإِمَاءِ الّلوَاتِي يُبْدِيْنَ الْعُهْرَ سِرًّا، وأمّا البِدْعَةُ الثَّالِثَةُ فتَرْكُ الْمُرَامَاةِ وَالرَّشِّ بِبَوْلِ الْبَقَرِ لِبَعْضِكُمْ بَعْضًا فِي الْيَوْمِ الْمَعُلُوْمِ عِنْدَكُمْ)]. [(فأمّا الْأُولَى فَتَرْكُ الْعِيْدِ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ )]( تَرْكُ ) مصدر، والجمع (تُرُوك)، ومعناه:(المفارقة)؛ فالسلطان تيمور يطلب من أهل ظفار مفارقة الاحتفال بيوم عاشوراء لكونه بدعة. وشاهدها اللغوي نقرأه في شعر المهلهل بن ربيعة التغلبيّ: [خُذِ الْعَهْدَ الْأَكِيْدَ عَليَّ عُمْرِي/ بِـ( تَرْكِي ) كُلَّ مَا حَوَتِ الدِّيَارُ (25) ]، و [(عَاشُوْرَاءَ)] ، اليوم العاشر من شهر المحرّم. وشاهدها الشرعيّ في الحديث النبويّ[إِنَّ ( عَاشُورَاءَ ) يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَه، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَه (26) ]، [(وأمّا البِدْعَةُ الثَّانِيَةُ ضَرْبُ الطَّبْلِ عَلَى الْإِمَاءِ الّلوَاتِي يُبْدِيْنَ الْعُهْرَ سِرًّا)][(ضَرْبُ الطَّبْلِ)] ( ضَرْبُ ): مصدر، ومعناه: دقُّه بِإيقاعٍ موزون.( الطَّبْلِ ): اسم جنس، والجمع: ( طُبُول )، وهي آلة يُشَدُّ عليها جِلْدٌ ونحوه، يُنْقرُ عليها. وشاهده في قول الحارث بن عُباد البكريّ يصف طَلَلًا دارسًا أصابه مطرٌ دائم، فغيّره[وَكَأَنَّ الْيَهُوْدَ فِي يَوْمِ عِيْدٍ/ ضَرَبَتْ فِيهِ رَوْقَشًا وَطُبُولَا (27) ]،وكلمات: [ (الْإِمَاءِ)] ،و [(الآم)] ،و [(الإِمْوَان)] جموعٌ، والمفرد منها: ( أَمَة )، وهي المرأة الواقعة في أسر العبوديّة، وفي ذاك الزمان كانت تكثر في ظفار الإماء والعبيد المختطفون من مجاهل إفريقيا، وفي سنة 1807 أصدر مجلس العموم البريطاني قانونًا ينهي رسميا "تجارة العبيد"، ثم أتبعه المستشار البريطاني هنري بروجهام سنة 1811م بمرسوم يفرض عقوبات قاسية على تجارة الرقيق وأوكل للبحرية البريطانية تفتيش السفن على خطوط الملاحة ما بين إفريقيا وأمريكا. وكان من التقاليد المتبعة لدى أهل ظفار في معاقبة [(الْإِمَاءِ الّلوَاتِي يُبْدِيْنَ الْعُهْرَ سِرًّا)] بـ( ضَرْبُ الطَّبْلِ ) في الأسياح على رؤوس الأشهاد عقابا لهن على ممارسة [(الْعُهْر سِرًّا)] . و( الْعُهْر ) بضم العين المهملة، وأيضًا بفتح العين ( الْعَهْر ) في لُغة أخرى. ومعناه:( الزِّنا والفجور ).وشاهدها نقرأه في شعر الصحابيّ مازن بن غضوبة الطائيّ: [فَبَدَّلَنِي بِالْخَمْرِ خَوْفًا وَخَشْيَةً/ وَبِـ( الْعَهْرِ ) إِحْصَانًا؛ فَحَصَّنَ لِي فَرْجِي (28) ]. وتلك كانت بدعة تخالف التشريع والسُّنة النبويّة؛ لقول الله – سبحانه وتعالى -:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (29) . جاء في تفسير الطبريّ:(قال أبو جعفر: اختلفت قرأة ( فَإِذَا أُحْصِنَّ )، فقرأه بعضهم: "فإذا أَحصن" بفتح "الألف" بمعنى:(إذا أسلمن)، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام. وقرأه آخرون:(فإذا أحصن) بمعنى:(فإذا تزوجن)، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالأزواج. وتأديبها كما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم): [إذا زنتِ الأمةُ فاجلِدوها، فإنْ زنتْ فاجلِدوها، فإنْ زنتْ فاجلِدوها، فإنْ زنتْ فاجلِدوها، ثمَّ بيعوها ولو بضَفيرٍ (30) ]، [(وأمّا البِدْعَةُ الثَّالِثَةُ فتَرْكُ الْمُرَامَاةِ وَالرَّشِّ بِبَوْلِ الْبَقَرِ)] ( الْمُرَامَاة ): التراشق. وشاهدها اللغويّ في قول هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص: [أَوَّلُ الْقِتَالِ الْمُطَارَدَةُ، ثُمَّ ( الْمُرَامَاةُ )]، و( الرَّشِّ ) اسم، والجمع( رِشَاش )، والمعنى: نضحه ونثره. وشاهده نقرأه عند النابغة الجَعْدي: [فَنَزَلْنَا بِمَلِيْعٍ مُقْفِرٍ/ مَسَّهُ طَلٌّ مِنَ الدَّجْنِ وَ ( رَشّْ ) (31) ]، والرش بـ[(بَوْلِ الْبَقَرِ)] ، وأبوال الإبل بدعة، وإن كان ليس نجسًا؛ لأنه مما يؤكل لحمُه، وشاهدُه الشَّرعيّ من حديث النبيّ (صلى الله عليه وسلم): [أنَّ رهطًا مِن عُكْلٍ وعُرَينَةَ قدِموا المدينةَ فقالوا: يا رسولَ اللهِ إنَّا كنَّا أهلَ ضَرْعٍ ولَمْ نكُنْ أهلَ ريفٍ فاستَوْخَمْنا المدينةَ فأمَرهم أنْ يخرُجوا إلى إبِلِ الصَّدقةِ فيشرَبوا مِن ألباِنها وأبوالِها ففعَلوا فصحُّوا فقتَلوا راعيَ رسولِ اللهِ وكفَروا بعدَ إسلامِهم فبعَث رسولُ اللهِ في طلبِهم فجِيءَ بهم بعدَما ارتفَع النَّهارُ فقطَع أيديَهم وأرجُلَهم وسمَل أعيُنَهم ولَمْ يُسقَوْا ماءً حتَّى ماتوا (32) ] ............... المراجع والمصادر: (01) سُنن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة (ت، 273هـ)، كتاب الطهارة وسُننها، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، د.ت 1/ 145، رقم: (454) (02) ديوان لقيط الإياديّ، تحقيق: عبد المعيد خان، دار الأمانة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1971م، ص: 55 (03) المفضّليات، المفضّل الضبيّ(ت، 178هـ)، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط6، د.ت. 321 (04) سنن ابن ماجة، كتاب الهِبات، باب عطية المرأة بغير إذن زوجها، حديث صححه الألبانيّ، ج2، ص: 798، رقم: 2388 (05) جمهرة اللغة، ابن دريد (ت، 321هـ)، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1987م، 2/ 1085 (06) كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني(ت، 356هـ)، تحقيق: إحسان عباس وآخرون، دار صادر، بيروت، ط3، 2008م، 9/74 (07) المصدر نفسه، 5/111 (08) سُنن أبو داود، سليمان بن الأشعث الأزدي السِّجِسْتاني (ت ٢٧٥ هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، ١٣٩٢ هـ، كتاب الأدب، باب الهدي في الكلام، ج4، ص: 261، رقم الحديث: 4840 (09) الراوي: عبدالله بن عباس، المُحَدِّث: الألبانيّ، المصدر: صحيح النسائي، ص: أو رقم: 3278، خلاصة حكم المُحَدِّث: صحيح، أخرجه النسائي (3278) واللفظ له، وابن ماجة (1893)، وأحمد (3275) باختلاف يسير. (10) الراوي: أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل، المُحدِّث: الألباني، المصدر: صحيح الجامع، ص: أو رقم: 57، خلاصة حكم المُحدِّث: صحيح، أخرجه أحمد (16399) (11) ديوان عمرو بن قميئة، تحقيق: حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، مطابع دار الكتاب العربي، القاهرة، 1965م، ص: 204 (12) جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت، المكتبة العلمية، بيروت، ط1، 1934م، 1/76 (13) ديوان امريء القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط 5، 1990م، ص: 467 (14) شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبو ظبي 2000م، ص: 84 (15) الأصول اليونانية للنظريات السياسية في الإسلام، تحقيق: عبد الرحمن بدويّ، مكتبة النهضة المصرية، مطبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، 1954م، ص: 114- 115 (16) كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، (ت، 175هـ)، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، القاهرة، د.ت 1/321 (17) الشعراء الجاهليون الأوائل، تحقيق: عادل الفريجات، دار المشرق، بيروت، ط2، 2008م، 2/453 (18) شعراء تغل في الجاهلية.. أخبارهم وأشعارهم، صنعة: علي أبوزيد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط1، 200م، 2/ 136- 137 (19) الراوي: عبدالله بن مسعود، المُحَدِّث: الذَّهَبِيّ، المصدر: المهذب في اختصار السنن، ص أو رقم: 2/1061، خُلاصة حكم المُحَدِّث: إسناده صالح، أخرجه ابن ماجه (2865)، وأحمد (3790) باختلاف يسير، والبيهقي (5542) واللفظ له. (20) ديوان المثقب العبدي، تحقيق: حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1971م، ص: 211- 212 (21) سورة الزخرف، الآية: 18 (22) كتاب السبعة في القراءات، أبو بكر مجاهد(ت، 324هـ)، تحقيق: شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، 1972م (23) سورة الزخرف، الآية: 22 (24) الراوي: أبو هريرة، المُحَدِّث: ابن حبان، المصدر: صحيح ابن حبان، ص أو رقم: 129، خلاصة حكم المُحَدِّث: [صحيح]، أخرجه البخاري (1385) مطولاً، ومسلم (2658) مطولاً باختلاف يسير. (25) ديوان المهلهل، تحقيق وشرح: أنطوان محسن القوال، دار الجيل، بيروت، ط1، 1995م، ص: 32 (26) صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوريّ (ت، 261هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1991م، 2/793- رقم الحديث:(1126) (27) ديوان الحارث بن عباد، جمع وتحقيق:أنس عبد الهادي أبوهلال، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أبوظبي، ط1، 2008م، ص:2012 (28) شعر طيء وأخبارها في الجاهلية والإسلام، جمع وتحقيق ودراسة: وفاء السنديوني، دار العلوم، الرياض، ط1، 1983م، ص: 675 (29) سورة النساء، الآية: 25 (30) الراوي: عائشة أم المؤمنين، المُحَدِّث: الألبانيّ، المصدر: صحيح ابن ماجه، ص أو رقم: 2/325، خلاصة حكم المُحَدِّث: صحيح، أخرجه أحمد (24406) (31) شعر النابغة الجَعديّ، تحقيق: عبد العزيز رباح، منشورات المكتب الإسلاميّ، دمشق، ط1، 1964م، ص: 244 (32) الراوي: أنس بن مالك، المُحَدِّث: الطبراني، المصدر: المعجم الأوسط، ص أو رقم: 2/130، خلاصة حكم المُحَدث: لم يرو هذا الحديث عن مطر إلا داود ولا عن داود إلا داود بن مهران تفرد به إبراهيم بن راشد، أخرجه البخاري (4192)، ومسلم (1671) باختلاف يسير.


جريدة الرؤية
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- جريدة الرؤية
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (46)
تحقيق: ناصر أبوعون يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [ ("الْاحْتِفَالُ بِمَوْلِدِ النَّبِي (صلى الله عليه وسلم) بِـ(ظَفَارِ)". وَفَي لَيْلَةِ اِثْنَا عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الْأَوَّلِ الْمُبَارَكِ، أَمَرَ السُّلْطَانُ بِتَزْيِيْنِ حِصْنِ ظَفَارِ وَمَا حَوْلَهُ بِالْأَعْلَامِ، وَأَغْصَانِ الْأَشْجَارِ الْخَضْرَاءِ؛ اِسْتِبْشَارًا وَسُرُورًا بِطُلُوْعِ شَمْسِ الرِّسَالَةِ، وَبُزُوْغِ النُّوْرِ النَّبَوِيّ مِنْ سَمَاءِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ فَخْرِ الْكَائِنَاتِ نَبِيِّنَا الْهَادِي إِلَى أَقْوَمِ سَبِيْلٍ بِأَوْضَحِ دَلِيْلٍ مُحَمَّدٍ بِنِ عَبْدِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم). فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْبِلَادِ جَمِيْعًا بِالْحِصْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَقُرِأَتْ قِصَّةُ الْمَوْلِدِ الشَّرِيْفِ)]. ... لطائف ليلة 12 من ربيع الأول يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( الْاحْتِفَالُ بِمَوْلِدِ النَّبِي (صلى الله عليه وسلم) بِـ(ظَفَارِ ) وَفَي لَيْلَةِ اِثْنَا عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الْأَوَّلِ الْمُبَارَكِ ] [(الْاحْتِفَالُ)] مصدر من الفعل الخماسي اللازم ( احتفل )، ومعناه: ( اجتمع الناس واحتشدوا )، وشاهده اللغويّ نقرأه في قول الزِّبْرِقان بن بدر الفزاريّ التميميّ: [أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ فَضْلَنَا/ إِذَا ( اِحْتَفَلُوا ) عِنْدَ اِحْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ (01) ] بِـ [( مَوْلِدِ النَّبِي )]، وكلمة ( الْمَوْلِد ) اسم زمان، والجمع ( مَوَالِد )، ومعناه: زمان ولادة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وشاهده اللغويّ نقرأه في قول مجمع بن هلال البكريّ: [مَضَتْ مِئَةٌ مِنْ مَوْلِدِي ، فَنَضَوْتُهَا/ وَخَمْسٌ تِبَاعٌ بَعْدَ ذَاكَ، وَأَرْبَعُ (02) ]. [(وَفَي لَيْلَةِ)] كلمة ( ليلة ) زمن كان يتعامل به العرب منذ بدأ التأريخ، فمع غروب الشمس ينتهي اليوم ، وتبدأ ( الليلة ) وهي تابعة لليوم الجديد الذي يليها ، فيُقال:(مولد النبي ليلة يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول)؛ حيث غربت شمس يوم الأحد، وبدأت ليلة ميلاد النبي(صلى الله عليه وسلم) المباركة واستمر زمنُها حتى طلوع فجر الإثنين. ونقرأ شاهدها اللغويّ الدالّ على زمنها في قول الله تعالى عن ( ليلة القَدْر ):{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(*) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(*) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ(*) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ(*) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ(*)} (03) . [(لَيْلَةِ اِثْنَا عَشَرَ )]؛ أي التي صباحها يوم جديد هو يوم الثاني عشر من ربيع الأول. ومن اللطائف التي ذكرها العلماء عن العدد (12) أنّ مجموع حروف (لا إله إلا الله=12 حرفًا)، ومجموع حروف (محمد رسول الله= 12 حرفًا). وفي علم النحو يُسمى العدد 12 مُرَكَّبًا، ويُعرب العدد 2 إعراب المثنى، فيرفع بالألف وينصب ويجر بالياء، وأمّا العدد (10 عشرَ، أو عشرةَ) فتعرب عددًا مبنيًّا على فتح الجزء. [(مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الْأَوَّلِ)] وعن سبب تسميته بـ(ربيع) ذكر ابن كثير- رحمه الله- (ج2، ص:355) سبب هذه التسميات فقال: ذَكَرَ الشيخُ علم الدين السَّخاويّ في جُزءٍ جَمَعَه سمَّاه: ( المشهور في أسماء الأيام والشهور )؛ أنّ شهر ( ربيع الأول ) سُمّي بذلك لـ( ارتباعهم ) فيه والارتباع في لغة العرب ( الإقامة ) في ( عِمَارة الرَّبْع ) ويُجْمَع على ( أَرْبِعَاء ) كـ( نَصِيب )، و( أَنْصِبَاء ) وعلى ( أَرْبِعَة ) كـ( رَغِيف ) و( أَرْغِفَة ). [( شهر ربيع [ (الْمُبَارَكِ)] ، كلمة ( الْمُبَارَكِ ) اسم مفعول، ومعناه في سياق الكلام يأتي على معنيين؛ أمّا معناه الأول، فهو (أنّ شهر ربيع مشمول بدوام الخير والنَّماء بمولد خاتم الأنبياء)، وشاهده اللغويّ نقرأه في قول سعيد بن قيس الفزاريّ: [لَعَمْرُكَ مَا حَسَّانُ يَوْمَ بَيَاضَةٍ/ وَلَا يَوْمَ قَوٍّ، بِالرَّشِيْدِ ( الْمُبَارَكِ ) (04) ]، وأمّا المعنى الثاني لكلمة (المبارك)، فهو (المخصوص بالتعظيم والتقديس بمولد النبي الأمين سيد المرسلين)، ونقرأ شاهده اللغوي في قول الله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ( مُبَارَكًا) وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (05) حالة حصن ظفار ليلة مولد النبيّ يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (أَمَرَ السُّلْطَانُ بِتَزْيِيْنِ حِصْنِ ظَفَارِ وَمَا حَوْلَهُ بِالْأَعْلَامِ، وَأَغْصَانِ الْأَشْجَارِ الْخَضْرَاءِ)] [(أَمَرَ)] فعل متعدٍ بمعنى أنّ السلطان تيمور آل سعيد ألزم رجاله وحامية حصن ظفار بتزيينه احتفالًا بليلة مولد النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم). وشاهده اللغوي نقرأه في شعر مالك بن مُلالة الأرحبيّ الهَمْدانيّ، الذي يقول فيه: [( أَمَرْتُ ) بِأَشْلَاءِ الِّلجَامِ فَأُحْدِثَتْ/ وَأَنْعَلْتُ خَيْلي فِي الْمَسِيْرِ حَدِيْدَا (06) ]. بِـ ( تَزْيِيْنِ ) مصدر، وجمعه ( تَزَايِين )، ومعناه: التحسين والتجميل، وشاهده نقرأه في شعر رَقَاش بنت مالك بن فهم الأزديّ في بيت شهير لها تقول فيه: [أَنْتَ زَوَّجْتَنِي، وَمَا كُنْتُ أَدْرِي/ وَأَتَانِي النِّسَاءُ لِلـ( تَزْيِين ) (07) ] بِـ [( الْأَعْلَامِ، وَأَغْصَانِ الْأَشْجَارِ )]. كلمة ( الأعْلام )، و( عِلَام )، و( عُلْمان ) جموعٌ، والمفرد ( عَلَم ) ومعناه (الراية)، ونقرأ شاهدها اللغوي في قول أبي طالب بن عبد المطلب: [هُوَ الرَّئِيْسُ الَّذِي لَا خَلْقَ يَقْدُمُهُ/ غَدَاةَ يَحْمِي عَنِ الْأَبْطَالِ بِـ(الْعَلَمِ ) (08) ]. وكلمة ( أَغْصَانِ )، و( غُصُون )، و( أَغْصُن )، و( غِصَنَة ) و( غِصْنة )، كلها جموع، والمفرد منها:( غُصْن )، وفي لغة أخرى( غُصُن )، ومعناه:ما تشعّب من ساق الشجرة. وشاهده نقرأه في قول هاشم بن عبد مناف القرشيّ: [يَا بَنِي قُصَيّ: أَنْتُمْ كَـ( غُصْنَي شَجَرَةٍ )، أَيُّهُمَا كُسِرَ أَوْحَشَ صَاحِبُه، وَالسَّيْفُ لَا يُصَانُ إِلَّا بِغِمْدِهِ (09) ] ليلة بزوغ القمر النبويّ يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (اِسْتِبْشَارًا وَسُرُورًا بِطُلُوْعِ شَمْسِ الرِّسَالَةِ، وَبُزُوْغِ النُّوْرِ النَّبَوِيّ مِنْ سَمَاءِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ فَخْرِ الْكَائِنَاتِ نَبِيِّنَا الْهَادِي إِلَى أَقْوَمِ سَبِيْلٍ بِأَوْضَحِ دَلِيْلٍ مُحَمَّدٍ بِنِ عَبْدِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)] [(اِسْتِبْشَارًا)] مصدر من الفعل السداسي (استبشر) ومعناه: (فرحًا) بحلول ذكرى مولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). والشاهد اللغوي فيها نقرأه في شعر عنترة بن شداد العبسيّ في بيت يخاطب فيه محبوبته: [يَا عَبْلُ، لا يَحْزُنْكِ بُعْدِي وَ( أبْشِرِي )/ بِسَلَامَتِي، وَ( اسْتَبْشِرِي ) بِفِكَاكِي (10) ]، وَ [(سُرُورًا)] مصدر من الفعل الثلاثي (سُرَّ)، ومعناه انبساط النفوس وفرحها احتفالا بمولد صاحب الخلق العظيم النبيّ محمد(صلى الله عليه وسلم). وشاهده اللغوي نقرأه في بيت للشاعر عَدِي بن زيد العِباديّ، يقول فيه: [وَلَمْ يَمْنَعْهُ تَدْبِيْرٌ وَحَزْمٌ/ مِنَ الْمَوْتِ الْمُنَغِّصِ لِلسُّرُورِ (11) ].[( بِطُلُوْعِ شَمْسِ الرِّسَالَةِ )] العبارة فيها انزياح لغويّ، وكناية عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وفيها تشبيه ليوم مولده بالشمس التي بددت ظلام الجهالة وقشعت عتمة الوثنية برسالة الإسلام والسلام. و[( الرِّسَالَة )] مصطلح في علم أصول الدين، ومعناه: (وحي الله الذي يُبيِّن مُراده من خلقه)، وشاهده نقرأه في قول الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} (12) وَ [( بُزُوْغِ النُّوْرِ النَّبَوِيّ )] وكلمة ( النُّوْر ) في هذا السياق لها ثلاثة معانٍ؛ فأمّا المعنى الأول فهو حقيقيّ، يتمثل فيما رأته السيدة آمنة بنت وهب من نور عندما وضعت رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، وشاهده الحديث النبويّ الذي رواه العرباض بن سارية، [قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): إنِّي عبدُ اللَّهِ وخاتمُ النَّبيِّينَ وإنَّ آدمَ لمنجدلٌ في طينتِهِ وسأخبرُكم عن ذلِكَ دعوةُ أبي إبراهيمَ، وبشارةُ عيسى لي، ورؤيا أمِّي الَّتي رأت. وإنَّ أمَّ رسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) رأت حينَ وضعتْهُ نورًا أضاءت منه قصورُ الشَّامِ] (13) ، وأمّا المعنى الثاني فهو (القرآن- الحق المبين) وهو مجازيٌّ، وشاهده نقرأه في قول الله تعالى:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (14) ، وأمّا المعنى الأخير لكلمة ( النُّوْر ) فهو فلسفيّ بمعنى (الجوهر الإلهيّ الذي مَنَّ الله به على رسوله ليتعلّم الأشياء على ما هي عليه)، ونقرأ شاهده في قول جابر بن حيان: [الْعِلْمُ نُوْرٌ، وَالْعَقْلُ نُوْرٌ، فَاْلعِلْمُ عَقْلٌ، والنُّوْرُ عَقْلٌ (15) ] مِنْ [( سَمَاءِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ )]؛ السماء هنا بمعنى ( مصدر الوحي ) لقوله الله تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (16) ومعنى أنّ السماء مصدر الوحي ورد أيضا في قوله تعالى جلّ شأنه:{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ} (17) ، وتأكيد هذا المعنى جاء في حديثه (صلى الله عليه وسلم)، عن جابر بن عبد الله(أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الوَحْيُ فَتْرَةً، فَبيْنَا أَنَا أَمْشِي، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا المَلَكُ الذي جَاءَنِي بحِرَاءٍ، قَاعِدٌ علَى كُرْسِيٍّ بيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ، فَجُئِثْتُ منه، حتَّى هَوَيْتُ إلى الأرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فأنْذِرْ}[المدثر: 2] إلى قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ} [المدثر: 5] فَاهْجُرْ) (18) صفات النبيّ محمد ونسبُه يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( فَخْرِ الْكَائِنَاتِ نَبِيِّنَا الْهَادِي إِلَى أَقْوَمِ سَبِيْلٍ )]. [(الْهَادِي)] من أسماء النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومعناه: المُرشد إلى الصواب، ومعناه أيضا: المُهتدي الذي استبان له الطريق الصحيح، وهو المخاطب من الله – جلَّ شأنه - في الآية: (52) من سورة الشورى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، والمخاطب من الله – عزَّ وجلَّ- في الآية:(7) من سورة الرعد{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }، وسمّى أبو بكر – رضي الله عنه - سيدَنا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) بـ( الهادي )؛ كما في حديث الهجرة عن أنس بن مالك: (لمَّا هاجَرَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) كان رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يركَبُ وأبو بكْرٍ رَديفُه، وكان أبو بكْرٍ يعرِفُ في الطريقِ لاختلافِه إلى الشَّامِ، وكان يَمُرُّ بالقومِ فيقولونَ: مَن هذا بين يدَيْكَ يا أبا بكْرٍ؟ فيقولُ: هادٍ يَهْديني ...) (19) ،[( بِأَوْضَحِ دَلِيْلٍ مُحَمَّدٍ بِنِ عَبْدِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ]. [(بِأَوْضَحِ دَلِيْلٍ)] ؛ أي الهادي للناس كافة بالقرآن الذي اشتمل على كل شيء. وفي هذا المعنى ذكرالشوكاني في كتابه ( إرشاد الثقات ):(إن القرآن العظيم قد اشتمل على الكثير الطيب من مصالح المعاش والمعاد، وأحاط بمنافع الدنيا والدين، تارة إجمالا، وتارة عموما، وتارة خصوصا، ولهذا يقول - سبحانه وتعالى-: في سورة يس، الآية: (12){وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}، وفي الآية (38) من سورة الأنعام:{مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}، ويقول الله - تبارك وتعالى- في الآية (89) من سورة النحل:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}،ونحو ذلك من الآيات الدالة على هذا المعنى). [(مُحَمَّدٍ بِنِ عَبْدِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)] المصطفى والذي ذكر لنا نسبه كما ورد في الحديث:(إنَّ اللَّهَ اصطَفى كنانةَ من ولدِ إسماعيلَ، واصطَفى قُرَيْشًا من كنانةَ، واصطَفى هاشمًا من قُرَيْشٍ، واصطفاني من بَني هاشمٍ) (20) ونَسَبُ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) إلى عَدنانَ مُتَّفقٌ عليه؛ فَهو مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُطَّلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مَنافِ بنِ قُصيِّ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعبِ بنِ لُؤيِّ بنِ غالبِ بنِ فِهرِ بنِ مالكِ بنِ النَّضرِ بنِ كِنانةَ بنِ خُزَيمةَ بنِ مُدرِكةَ بنِ إِلياسَ بنِ مُضرَ بنِ نِزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدنانَ). [(إِلَى أَقْوَمِ سَبِيْلٍ)] ، أي الأفضل استقامةً وسَدَادًا. ونقرأ شاهده في حديث أُمّ المؤمنين أمّ سلمة الذي تقول فيه:(كانَ إذا تَعَارَّ من الليلِ قالَ: رَبِّ اِغْفِرْ وارْحَمْ، وَاهْدِنِي السَّبيلَ الأَقْوَمَ) (21) تقاليد ظفاريّة يوم المولد النبويّ يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْبِلَادِ جَمِيْعًا بِالْحِصْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَقُرِأَتْ قِصَّةُ الْمَوْلِدِ الشَّرِيْفِ )]. [(أَهْلُ الْبِلَادِ)] ، كلمة ( أهل )؛ جمعها:( آهال )، و( أهالي )، والمقصود بهم في سياق الكلام (عشائر ظفار، وذووها، وساكنوها). وشاهدها اللغوي نقرأه في شعر منسوب إلى مالك بن فهم الأزديّ الذي يقول فيه: [فَحَلُّوا بِالسَّرَاةِ، وَ حَلَّ ( أَهْلِي )/ بِأَرْضِ عُمَانَ فِي صَرْفِ الزَّمَانِ (22) ]. [(جميعًا)] وردت هذه الكلمة في 46 موضعًا في القرآن الكريم، ومعناها (كَافَّةً)، ويُؤتى بها لتوكيد معنى الجمع. وإذا لَزِمَت حالة النصبّ والتنوين فإنها تُعرَبُ: حالًا منصوبًا مؤولا بمشتق اسم فاعل؛ أي: "مجتمعين". [(بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ)] ، و( العشاء الآخرة ): مصطلح دالّ على زمن الصلاة، وشاهدُه نجده في حديث مواقيت الصلاة من صحيح البخاري:(حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ المُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) صَلاَةَ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ: قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا، وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ) (23) . أما وقت ( صلاة العشاء الآخرة ) ففيه أقوال: أحدها أنه: ( ربع الليل )، حكاه ابن المنذر عن النخعي، ونقله ابن منصور، عن إسحاق. والقول الثاني: إلى ( ثلث الليل )، روي ذلك عن عمر، وأبي هريرة وعمر ابن عبد العزيز، وهو المشهور عن مالك، وأحد قولي الشافعي، بل هو أشهرهما، ورواية عن أحمد، وقول أبي ثور وغيره. والقول الثالث: إلى ( نصف الليل )، وروي عن عمر بن الخطاب – أيضا -، وهو قول الثوري والحسن بن حي وابن المبارك وأبي حنفية، والشافعي في قوله الآخر، وأحمد في الرواية الأخرى، وإسحاق، وحكي عن أبي ثور – أيضا. والقول الرابع: ينتهي وقت العشاء إلى طلوع الفجر. رواه ليث، عن طاوس، عن ابن عباس، وعن أبي هريرة، قال: إفراط صلاة العشاء طلوع الفجر. [(وَقُرِأَتْ قِصَّةُ الْمَوْلِدِ الشَّرِيْفِ)] . وهذا تقليد ظَفاريّ محضّ ومتوارث، وتحتفي به سائر عشائر إقليم ( ظَفار العُمانيّ)- بفتح ( ظَ ) المعجمة، و( ظُفار اليمنيّ) بضم ( ظُ ) المعجمة-، ولكن ومنذ عصر النهضة الحديثة تكثف اهتمام الدولة العُمانية بإحياء هذه المناسبة الشريفة والاحتفال بها تحت رعاية شخصية سياسية مرموقة، وخاصةً في محافظة ظَفار ؛ لأنها جزءٌ أصيل من تراثهم الشعبيّ، وتقليد سنويّ يمارسونه منذ دخول الإسلام أرض عُمان؛ ففي (المناطق الشرقيّة من ظَفار يجتمع الناس في المساجد والمجالس ويقرأ أحد المُعلمين المدائح النبويّة الشهيرة التي تتناول صفات الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وفضائل أعماله، ويردّدها خلفه فريق آخر من الحاضرين، بحضرة الشيوخ والوجهاء وأعيان القرى، وتُقْرأ الموشَّحات أيضا من ( الديبعي ) أو ( البرزنجي )، وبعدها تُقام الولائم. بينما في صلالة يقرأ المحتفلون الموشحات الدينية من كتاب ( الحبشيّ )، وهو واحد من علماء حضرموت وظفار المشهورين) (24) لماذا وكيف نحتفل بالمولد النبويّ؟ أولا- مشروعية الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف: (الاحتفال بذكرى مولد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مِن أفضل الأعمال وأعظم القربات وأجلِّ الطاعات؛ لما فيه مِن التعبير عن الحب والفرح بمولانا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي هو أصلٌ مِن أصول الإيمان؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" أخرجه الشيخان. وقال الحافظ ابن رجب في "فتح الباري"(1/48،ط.مكتبة الغرباء الأثرية): [محبَّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مِن أصول الإيمان، وهي مقارِنة لمحبة الله -عزَّ وجلَّ-، وقد قرنها اللهُ بها، وتَوَّعَدَ مَن قدَّم عليهما محبَّة شيء مِن الأمور المحبَّبة طبعًا مِن الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك]. ثانيًا - كيفية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف: المراد مِن الاحتفال بذكرى المولد النبوي: تجمع الناس على ذكره، والإنشاد في مدحه والثناء عليه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقراءة سيرته العطرة، والتَّأسي به، وإطعام الطعام على حبه، والتصدق على الفقراء، والتوسعة على الأهل والأقرباء، والبر بالجار والأصدقاء؛ إعلانًا لمحبته، وفرحًا بظهوره وشكرًا لله تعالى على منته بولادته، وليس ذلك على سبيل الحصر والاختزال، بل هو لبيان الواقع وسَوْقِ المثال. وقد نصَّ جمهور العلماء على أنه يُنْدَبُ تعظيم يوم ميلاد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وإبراز الشكر له؛ وذلك بصيامه والإكثار مِن الذكر والدعاء والعبادة وقراءة القرآن ونحو ذلك من مظاهر الشكر والتعبد لله احتفاءً بمولده الشريف(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ما جرى عليه عمل أهل الأمصار. فحكى مفتي مكة المكرمة قطب الدين النهروالي الحنفي[ت: 990هـ] في "الإعلام بأعلام بيت الله الحرام"(ص: 196، ط. العامرة العثمانية) عملَ أهل مكة في زيارة موضع ميلاد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في ليلة المولد المحمدي؛ فقال: [ويُزار في الليلة الثانية عشر من شهر ربيع الأول كل عام، فيجتمع الفقهاء والأعيان على نظام المسجد الحرام والقضاة الأربعة بمكة المشرفة بعد صلاة المغرب بالشموع الكثيرة والمفرغات والفوانيس والمشاعل، وجميع المشايخ مع طوائفهم بالأعلام الكثيرة، ويخرجون من المسجد إلى سوق الليل، ويمشون فيه إلى محل المولد الشريف بازدحام.. ويأتي الناس من البدو والحضر وأهل جدة وسكان الأودية في تلك الليلة، ويفرحون بها، وكيف لا يفرح المؤمنون بليلة ظهر فيها أشرف الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيف لا يجعلونه عيدًا من أكبر أعيادهم]، ثم ردَّ على المنكرين على ذلك تحت دعوى أنَّ ذلك لا يصحّ شرعًا وأنه بدعة لم تُحْكَ عن السلف؛ بأنه: [بدعة حسنة، تتضمن تعظيم النبي الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بالذكر والدعاء والعبادة وقراءة القرآن، وقد أشار(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى فضيلة هذا الشهر العظيم؛ بقوله(صلى الله عليه وآله وسلم)للذي سأله عن صوم يوم الإثنين: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ"، فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي هو فيه، فينبغي أنْ يحترم غاية الاحترام؛ ليشغله بالعبادة والصيام والقيام، ويُظهِرَ السرور فيه بظهور سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام]. وقال الإمام ابن الحاج المالكي في"المدخل"(2/ 2-3، ط. دار التراث): [وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خصها الله تعالى به مِن العبادات التي تُفْعَل فيها؛ لِمَا قد عُلِمَ أنَّ الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها التشريف بما خُصَّتْ به مِن المعاني، فانظر- رحمنا الله وإياك- إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أنَّ صومَ هذا اليوم فيه فضلٌ عظيم؛ لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وُلد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أنْ يُكَرَّمَ ويُعَظَّمَ ويُحْتَرَمَ الاحترام اللائق به؛ وذلك بالاتباع له صلى الله عليه وآله وسلم في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات] (25) .... المراجع والمصادر: ([ 0 1]) شعر الزبرقان الفزاريّ وعمرو بن الاأهتم، دراسة وتحقيق: سعود محمد عبد الجابر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1984م ([ 0 2]) ديوان بني بكر في الجاهلية والإسلام، جمع وشرح وتوثيق ودراسة: عبد العزيز نبويّ، دار الزهراء، القاهرة، ط1، 1989م، ص: 333 ([03]) سورة القَدْر، الآيات:1- 5 ([ 0 4]) شعر قبيلة ذبيان في الجاهلية، جمع وتحقيق ودراسة: سلامة عبد الله السويدي، مطبوعات جامعة قطر، الدوحة، 1987م، ص: 468 ([ 0 5]) سورة آل عمران، الآية: 96 ([ 0 6]) شعر همدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام، جمع وتحقيق ودراسة: حسن عيسى أبو ياسين، دار العلوم، الرياض، ط، 1983م، ص: 303 ([ 0 7]) خزانة الأدب ولُبّ لباب العرب، عبد القادر البغداديّ(ت، 1093هـ)، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، مطبعة المدنيّ، القاهرة، ط4، 1997م، 8/271 ([ 0 8]) ديوان أب طالب بن عبد المطلب، صنعة: أبي هفّان المِهْزميّ (ت، 257هـ)، علي بن حمزة البصريّ (ت، 375هـ)، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، دار مكتبة الهلال، بيروت، ط1، 2000م، ص: 97 ([ 0 9]) بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، محمود شكري الآلوسي، عُني بشرحه وتصحيحه وضبطه: محمد بهجة الأثريّ، الكتاب المصريّ، ط2، د.ت، 1/322 ([ 10 ]) ديوان عنترة، الخطيب التبريزي(ت، 502هـ)، وضع هوامشه وفهارسه وقدّم له: مجيد طراد، دار الكتاب العربيّ، بيروت، ط 1، 1992م، ص: 110 ([ 1 1]) ديوان عدي بن زيد العِباديّ، جمع وتحقيق: محمد جبار المعيبد، شركة دار الجمهورية، بغداد، 1965م، ص: 134 ([ 1 2]) سورة الأنعام، الآية: 124 ([ 1 3]) الراوي: العرباض بن سارية، المُحَدِّث: الذهبي، المصدر: تاريخ الإسلام، ص: أو رقم: 1/42، خلاصة حكم المُحدِّث: إسناده حسن ([ 1 4]) سورة الأعراف، الآية: 157 ([ 1 5]) رسائل جابر بن حيّان (ت، 200هـ)، إعداد: أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2006م، ص: 317 ([ 1 6]) سورة البقرة، الآية: 144 ([ 1 7]) سورة الأنعام، الآية: 35 ([ 1 8]) الراوي: جابر بن الله، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، ص: أو رقم: 3238، خلاصة حكم المُحَدِّث: [صحيح] ([ 1 9]) الراوي: أنس بن مالك، المُحَدِّث: شعيب، المصدر: تخريج مسند شعيب، ص أولرقم: 12234، خلاصة حكم المُحدِّث: إسناده صحيح على شرط مسلم. ([ 2 0]) الراوي:واثلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة، المُحَدِّث:الألباني، المصدر: صحيح الترمذي، ص أو رقم: 3606، خلاصة حكم المُحدِّث: صحيح، التخريج: أخرجه مسلم (2276)، والترمذي (3606)، وأحمد (16986). ([ 2 1]) الراوي:أم سلمة أم المؤمنين، المُحدث: الألباني، المصدر: السلسلة الضعيفة، ص: أو رقم: 4179، خلاصة حكم المحدث: ضعيف. ([ 2 2]) شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2000م/ ص: 83 ([ 2 3]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، ( 5555 , 824 , 641 , 584) ([ 2 4]) الأعراف والعادات الاجتماعية والثقافية في ظفار، سعيد بن مسعود المعشني، ط1، مطابع ظفار الوطنية، صلالة، سلطنة عمان، 2003م، ص: 83، 84 ([ 2 5]) كيفية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، من فتاوى: الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، دار الإفتاء المصرية، تاريخ الفتوى: 04 أكتوبر 2022 م، رقم الفتوى: 7957،


جريدة الرؤية
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- جريدة الرؤية
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (45)
تحقيق: ناصر أبوعون قال الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانَا مِنْ مَحَبَّةِ الظُّلْمِ والظَّالِمِيْنَ. وَقَدْ قَامَ بِإِزَالَةِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي بِظَفَارِ السَّيْدُ عَبْدِ الْقَادِرِ الزَّوَاوِيّ، وَطَلَبَ مِنَ السُّلْطَانِ يَمْنَعَ رَعِيَّتَه عَنْ ذَلِكَ فَأَسْعَفَهُ وَخَاطَبَهُمْ خِطَابًا مَعْقُولًا؛ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ هَذَا يَوْمُ أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ وَنَجَّى مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَقَالَ السُّلْطَاُن: إِنَّكُمْ أَتْبَاُع مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وَلَسْتُمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وَشَرِيْعَةَ مُوْسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُسِخَتْ بِشَرِيْعَتِه عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ)] . **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانَا مِنْ مَحَبَّةِ الظُّلْمِ والظَّالِمِيْنَ )] الفرق بين الحمد والشكر أنهى الشيخ عيسى الطائي قضية الفتنة الكبرى بين الأمويين وآل البيت بـ[ الْحَمْدُ للهِ ] وطلب المعافاة. وأمّا ( الْحَمْدُ ) فهو (مصدر سماعي للفعل "حَمِدَ") دخلت عليه "ال".و"ال": إذا دخلت على الأوصاف وأسماء الأجناس، دلَّت على الاستغراق والشمول والاستقصاء) (01) ، (الحمد) الإخبار بمحاسن المحمود مع المحبة لها، فلو أخبَرَ مُخبِرٌ بمحاسن غيره من غير محبة لها، لم يكن حامدًا، ولو أحَبَّها ولم يُخبِر بها، لم يكن حامدًا) (02) ، فـ( الحمد لله ): الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى، مع محبته والرضا به، فلا يكون المحبُّ الساكت حامدًا، ولا المُثنِي بلا محبة حامدًا؛ حتى تجتمع له المحبة والثناء) (03) ، و(فسَّر بعض أهل العلم ( الحمد) بمعنى الشكر، منهم المبرد (04) والطبري (05) ؛ وقال الطبري: "العرب تقول الحمد لله شكرًا"، وقال الزمخشري: "( الحمد ) إحدى شُعَبِ الشكر" (06) . وقوله ( لِلَّهِ ) اللام حرف جر، وهي تفيد معنى الاختصاص والاستحقاق، ولفظ الجلالة مجرور بها، والجار والمجرور متعلِّقان بمحذوف هو خبر ( الْحَمْدُ )، تقديره: مستحق، أو واجب أو ثابت لله. ونعثر على شاهده اللغويّ في شعر أبي جندب الهُذَليّ المشؤوم، يصف مطاردته الأعداء:[لَقَدْ أَمْسَى بَنُو لِحْيَانَ مِنِّي/ بِـ( حَمْدِ اللهِ ) فِي خِزْيٍ مُبِيْنِ (07) ]. وأمّا قوله: ( الَّذِي عَافَانَا ) فهو تعبير بالفعل المتعدي، ومعناه: دفع الله عنا السوء والمرض ونحوهما، ونقرأ شاهده اللغويّ في قول عبد الله بن رواحة الخزرجيّ الأنصاريّ:[إِنْ تَسْلَمِي الْيَوْمَ فَلَنْ تَفُوتِي/ أَوْ تُبْتَلِي فَطَالَمَا ( عُوْفِيْتِ ) (08) ]. **** ستة معانٍ للظلم والظالمين استعمل الشيخ الطائي في تعبيره[ عَافَانَا مِنْ مَحَبَّةِ الظُّلْمِ والظَّالِمِيْنَ ] المصدرَ الميميَّ ( مَحَبَّة )، وجمعه (مَحَابّ)، ومعناه: (التعلّق والمودة والموالاة والمُظَاهرة للظالمين) ومنها قول الله تعالى:{لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوْ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ}[المجادلة/22]. وشاهدها اللغويّ نجده في قول عَدي بن زيادٍ العِباديّ:[فُكُلُّكُمْ مِنْ غَدٍ، يَرْعَى ( مَحَبَّتَهُ )/ وَلَا يَزَالُ بِأَمْنٍ مُوْنِقًا دَارَا (09) ]. و( الظُّلْمِ )، (مصدر) وفعله الثلاثيّ (ظَلَمَ)، وهو في سياق الكلام يتضمن أربعة معانٍ؛ أمّا الأول المعنى الأول (للظلم) فهو(الاعتداء بغير حقٍّ، ومجاوزة الحدّ)، ونقرأ شاهده في بيت شعر منسوب إلى الحارث بن كعبٍ المَذْحجيّ: [وَلَا تَبْدَأُوا بِالْحَرْبِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ/ مِنَ النَّاسِ لِلْعُدْوَانِ وَ( الظُّلْمِ ) بَادِيَا (10) ]، وأمّا المعنى الثاني (للظلم) فمعناه: (وضع الشيء في غير موضعه). ونقرأ شاهده عند الحارث بن حِلِّزة اليشكري البكريّ، الذي يستنكر فيه أخذ قومه بذنب غيرهم، كما يُذبحُ الظبي بدل الشاة قٌربانًا للصنم:[عَنَنًا بَاطِلًا، وَ( ظُلْمًا )، كَمَا تُعْـ/ تَــرُ عَنْ حُجْرَةِ الرَّبِيْضِ الظِّبَاُء (11) ]، وأمّا المعنى الثالث ( للظلم ) فهو (الميل عن الحق بلا شبهة). و نقرأه شاهده في قول الله - عزَّ وجلَّ -:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (12) ، وأمّا المعنى الأخير للظلم في هذا الموضع من مخطوط الشيخ عيسى الطائيّ وفي سياق الكلام فهو الشرك بالله، ونقرأ شاهده في قول الله – سبحانه وتعالى):{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (13) . وقوله: ( الظَّالِمِيْنَ ) اسم فاعل، جمع مذكر سالم وجمع تكسيره على صورتين: ( ظَّلَمَة )، و( ظُّلَّام )، وهي هنا على ثلاثة معانٍ: أمّا المعنى الأول ؛ فهو المائل عن الحق بلا شبهة. وشاهده اللغويّ في قول الله تعالى:{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (14) ، وأمّا المعنى الثاني ؛ فهو الجائر على حق غيره وجاوز الحدَّ في معاداته. ونجد شاهده اللغوي في قول جبلة بن الحارث وهو يرثي مسعود بن شداد:[جَمَّاعٌ كُلَّ خِصَال الْخَيْرِ، قَدْ عَلِمُوا/ زَيْنُ الْقَرِيْنِ، وَنِكْلُ الظَّالِمِ الْعَادِي (15) ]، وأمَّا المعنى الأخير (للظلم) فقد يكون بمعنى المشركين. وشاهده اللغوي في قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَ الظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (16) **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَقَدْ قَامَ بِإِزَالَةِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي بِظَفَارِ السَّيْدُ عَبْدِ الْقَادِرِ الزَّوَاوِيّ )]. ثلاثة معان في (البِدْعة) في قول الشيخ الطائيّ ( إِزَالَة هَذِهِ الْبِدْعَة )، و( إِزَالَة) بمعنى (صَرْفُ أهلِ ظَفارِ وتنحيتهم عن اتخاذ يوم عاشوراء عيدًا). ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول ابن عبّاس:[وَمَا أَقُوْلُ هَذَا أُرِيْدُ صَرْفَكَ عَنْ عَزِيْمَتِكَ، وَلَا ( إِزَالَتِكَ ) عَنْ مَعْقُودِ نِيَّتِكَ] (17) . وقوله:( الْبِدْعَة ) مفرد، والجمع:( بِدَعٌ )؛ أي: (الاحتفال بيوم عاشوراء). ومعنى ( البدعة ) في هذا سياق هذا الموضع من مخطوطة الطائيّ جاء على ثلاثة ضروب؛ أمّا الضرب الأول ؛ فـ( البِدعة ) مصطلح في (أصول الفِقْه)، ويعني (مَا أُحْدِثَ في الدينِ ولم يكُن مما يَشْهَد له أصلٌ شرعيٌّ أو يقتضيه). وشاهدها في الحديث النبويّ:[إنَّه سَيَلِي أَمْرَكُم قَومٌ يُطْفِئونَ السُّنّةَ وَيُحْدِثُونَ بِدْعةً ويُؤخِّرونَ الصَّلاةَ عَنْ مَوَاقِيْتِهَا. قَالَ اِبْنُ مَسْعُودٍ: وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُهُم؟ قَالَ: يَا اِبْنَ أُمِّ عَبْدٍ, لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللهَ. قَالَهَا ثَلاثًا] (18) ، وأمّا الضرب الثاني ؛ فمعنى ( البدعة ) (الأمر المُحْدَثُ على غير مثال سابق). ونقرأ شاهدها في قول بشر بن أب خازم الأسديّ، يرثي أخاه سميرًا:[أَوْدَى فَلَا تَنْفَعُ الْإِشَاحَةُ مِنْ/ أَمْرٍ لِمَنْ قَدْ يُحَاوِلُ ( الْبِدَعَا ) (19) ]، وأما الضرب الأخير لمعنى ( البدعة )؛ فهي (الأمر العجيب المُنْكَر). ونقرأ شاهدها في قول المُثَّقِّبِ العَبْديّ:[أَرَى ( بِدَعًا ) مُسْتَحْدَثَاتٍ تُرِيْبُنِي/ يَجُوْزُ بِهَا مَسْتَضْعَفٌ وَحَلِيْمُهُا (20) ] **** تاريخ عائلة الزواوي في عُمان أشار الشيخ عيسى الطائيّ إلى دور (السَّيْدُ عَبْدِ الْقَادِرِ الزَّوَاوِيّ )، وتعاونه مع السلطان تيمور في محاربة بِدْعة الاحتفال بيوم عاشوراء (واتخاذِهِ عِيدًا). والسيد عبد القادر هو أكبر أبناء ( السيد الوجيه يوسف بن أحمد الزواوي) ، وقد التقاه الصحفي والأديب عبد المسيح أنطاكي خلال زيارته لمسقط 1907م، وتحدث في صحيفته (العمران) عن هذا اللقاء، وهي الزيارة التي طبعتها مؤسسة ( ذاكرة عُمان ) في كتاب بعنوان ( رحلة إلى مسقط ) قال فيه: (السيد عبد القادر شابٌ في مقتبل العمر، لم يناهز الثلاثين على ما أظن، وهو نحيلُ الجسم، بشوش الطلعة، تدلك سيماء وجهه على ذكاءٍ ومروءة وشهامة، وقد أثنى عليه مولانا وليّ النِّعَم سمو السيد فيصل ثناءً كبيرًا، وقال إنّه خير شابٍ يؤمّل له التقدم والارتقاء). كما التقاه محمد رشيد رضا في زيارته لمسقط عام 1913 وأشار إلى نباهته وتفكيره في مشاريع تجارية كانت تُعد وقتها رائدة وغير مسبوقة مثل توصيل الهاتف. فقال عنه: (ونجله الكبير الشيخ عبد القادر له ذوق في النظام وميل إلى الصناعة، وقد مَدَّ من دارهم في ( سِدَاب ) إلى دارهم في مسقط ( مسرة تليفون ) فكانت هي الوحيدة في تلك القرية). ويُلقب (آل الزواوي بـ( السَّادة ) لأنهم من الأشراف الأدارسة وينسبون إلى مولاي ( إدريس بن ادريس بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام )؛ ومنشأهم المغرب ومهاجرهم مكة المكرمة، ثم دخلوا بلدان الخليج العربي منذ زمن ليس ببعيد ولهم وقف بمكة المكرمة). وقد انحدروا من مكة المكرمة في الحجاز إلى المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية في الأحساء وهناك أسسوا عين الزواوي (بئر ماء مشهورة)، واسم ( الزواوي ) جاء من وجودهم في زوايا الحرمِ المكيّ الشريف حيث أُنِيط لهذهِ العائلة الكريمة شرح مناسك الحجّ والعمرة، وشرحُ آيات القرآن الكريم للحُجَّاج والمُعتمرين، وقد كانت هي العائلة الوحيدة في مكة المكرمة التي يأتي منها ( مفتي المالكية ) و( مفتي الشافعية )، أما اسم العائلة الأصليّ فهو ( الإدريسي الحسني ) وارتبط وجود آل الزواوي في عُمان بهجرة جدّهم ( الشيخ العالم محمد الزواوي الأحسائيّ الشافعيّ ) الذي وفد إلى مسقط في أوائل عهد السيد سعيد بن سلطان (1804-1856) لاجئًا سياسيًا بعض التضييق عليه في موطنه بسبب الخلافات الفكريّة المذهبيّة، فنزل في (حي وَلْجَات) من (حِلَلِ بلدة مسقط)، في بيت صغير لطيف، ورحَّب به أهل المدينة، فأصبحوا من أشرافها وكرامِ عائلاتها، وقد كان السيد سالم بن سلطان يأنس بملاقاة الزواويّ، ويزوره في منزله مع عدد من رُوَّاد مجلسه، كما يُورد ذلك حميد بن رزيق في كتابه (الفتح المبين) وهو المؤرخ الذي عاصر الحدث، وكان مقرّبًا من السيد سالم ومن ندمائه وخاصّته) (21) . **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَطَلَبَ مِنَ السُّلْطَانِ يَمْنَعَ رَعِيَتَه عَنْ ذَلِكَ فَأَسْعَفَهُ وَخَاطَبَهُمْ خِطَابًا مَعْقُولًا )] السلطان يمنع اتخاذ (عاشوراء) عيدًا وَ ( طَلَبَ ) السَّيْدُ عَبْدِ الْقَادِرِ الزَّوَاوِيّ مِنَ (السُّلْطَانِ ) تيمور أنْ يَمْنَعَ (رَعِيَّتَه) أهل ظفار (عَنْ ذَلِكَ )، أي عن ( بِدْعة ) الاحتفال بيوم عاشوراء واتخاذه عِيدًا. وكلمة ( رَعِيَّته ) مفرد، والجمع: ( رَعَايَا ) ومعناها: (الجمعُ المَسُوسُ من الناس، المُدَبّر أمرُه). وشاهدها نقرأه في قول عامر بن الظَّرِب العَدْوانيّ، يُخاطِب ملكًا غَسَّانيًّا:[أَيُّهَا الْمَلِكُ، مَا أَحْسَبُ أَنَّ رَغْبَتَكَ فِيَّ بَلَّغَتْكَ أَنْ تَجْعَلَ لِي مُلْكَكَ، فَقَدْ قَبِلْتُ إِذْ وَلَّيْتَنِي أُمُوْرَ ( رَعِيَّتِكَ )، وَقَوْمِكَ] (22) ، ( فَأَسْعَفَهُ ) فِعْلٌ مُتعدٍ. ومعناه (ساعَدَه السلطان تيمور وأعانَه) في إقناع أهل ظفار على تَرْكِ بدعة الاحتفال بيوم العاشر من المحرّم واتخاذه عيدًا. وشاهده اللغوي في قول الخنساء:[فَإِنْ ( أَسْعَفْتُمَانِي ) فَارْفِدَانِي/ بِدَمْعٍ يُخْضِلُ الْخَدَّيْنِ بَلَّا (23) ]. (وَخَاطَبَهُمْ خِطَابًا مَعْقُولًا )؛ أي:( خَاطَبَهُمْ) السلطان تيمور بلسانه، أي: كلّمهم وخصّهم بالحديث. وشاهد الكلام نعثر عليه في شعر الحارث بن ذبيان، حين كان يفاخر طريف بن العاص، قائلا: [إِيَايَ تُخَاطِبُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ؟ فوَاللهِ لَوْ وَطِئْتُكَ لَأَسَخْتك (24) ]. وكلمة ( خِطَابًا ) مصدر ومعناه: (القول العادل الحاسم بين الحق والباطل). والشاهد فيه من قول عبيد بن عبد العُزّى السلامي الأزديّ:[فَمَنْ لِلْمَعَالِي، بَعْدَ عُثْمَانَ، وَالنَّدَى/ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ، والْجَوابِ الْمُيَسَّرِ (25) ]، وكلمة ( مَعْقُولًا ) اسم مفعول من ( عَقَلَ )؛ أي أقام لهم الحُجَّة والدليل العقليّ على فساد بدعة اتخاذ يوم عاشوراء / العاشر من المحرم عيدًا . و( الخطاب المعقول ) يأتي على ثلاثة معانٍ مباشرة؛ أما المعنى الأول لكلمة (معقول) ؛ فهو(العقل والفهم السديد)، ونقرأ شاهده اللغوي في قول الشَّمَاخ بن ضرار الذُّبيانيّ:[فَسَلَبْتِهِ ( مَعْقُوْلَهُ )، أَمْ لَمْ تَرَيْ/ قَلْبًا سَلَا بَعْدَ الْهَوَىَ فَأَفَاقَا (26) ]،وأمّا المعنى الثاني لكلمة (معقول) ؛ فهو(مَا يُدرك ويُفهم).ونجد شاهده في قول الخليل الفراهيدي: [والْمَعْقُولُ: مَا تَعْقِلُهُ فِي فُؤَادِكَ (27) ]، وأمّا المعنى الأخير لكلمة (معقول) ؛ فنجده من مفاهيم علم الفلسفة فـ(المعقول من الأشياء) هو الذي يُعْلَمُ بِالعقلِ لا بِالحِسِّ. ومنه قول ابن البطريق:[عَقْلُ الْفَيْلَسُوفِ يَطْلُبُ عِلْمَ الأَشْيَاءِ الْمَعُقُوْلَةِ (28) ] **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ هَذَا يَوْمُ أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ وَنَجَّى مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ)] أحاديث كاذبة وموضوعة ويستند دُعَاة (الاحتفال بيوم عاشوراء، واتخاذه عِيدًا) إلى حديث متداول يقول:( إِنَّ هَذَا يَوْمُ أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ وَنَجَّى مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ). وبالبحث في أصل الحديث اتضح أنه مكذوب موضوعٌ على رسولنا الكريم(صلى الله عليه وسلم)، ومن أحكام المُحَدِّثين على هذا الحديث: قال ابن الجوزيّ:(هذا حديثٌ لا يشكُّ عاقلٌ في وضعِه، ولقد أبدعَ من وَضَعَه، وكَشَفَ القِنَاع، ولم يستَحْي، وأَتَى فيهِ المُستحيلَ؛ وهو قوله: ( وأول يوم خلق الله يوم عاشوراء )، وهذا تغفيلٌ مِنْ وَاضِعِهِ؛ لأنّه إنّما يُسمى يومُ عاشوراء إذا سبقه تِسعة) (29) . وقال ابن كثير:(والمُستغرَبُ ذِكْرُ نُوحِ) (30) . وقال مرَّةً:(وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجهِ، ولبعضِهِ شاهدٌ في الصّحيح) (31) . وقال الهيثميّ:(رواه أحمدُ، وفيه حبيبٌ بن عبد الله الأزديّ لم يَرْوِ عنهُ غيرُ ابنهِ) (32) . وقال ضياء الرحمن: (وفيهِ نَكَارَةٌ في قوله: (وهذا يومٌ استوتْ فيه السفينةُ عَلَى الجُوْدِي فَصَام نُوْحٌ) (33) . وضَعَّفَه مُحَقِّقُو (8717) (34) . أوزريس هو فرعون موسى وقد جانب الصواب قول بعض من المشتغلين بعلم المصريّات من الأكاديميين المحليين والأجانب: بإن ( رمسيس الثاني ) هو فرعون موسى، وهو كما جاء بالعهد القديم في سفر الخروج أن رمسيس هو الذي اضطهد بني إسرائيل، وأن ابنه ( مرنبتاح ) هو الذي طارد اليهود، وهو الذي غرق في البحر، وأن جثمان أو مومياء كل من رمسيس و مرنبتاح ما زالتا محنطتين وموجودتين في المتحف المصري، وهذا ما قاله كثير من علماء الآثار المصرية أو علم المصريات، من مصريين وأجانب. وفي كتاب د. سعيد ثابت (فرعون موسى من يكون، وأين ومتى؟ طبعة دار الشروق، القاهرة، 1987). يُوجدُ رأيٌ عِلْميٌ أخر، يستند على الرؤية القرآنية، ومدعومٌ بالوثائق التاريخية؛ فقد أكد(د. سعيد ثابت) بالأدلة أنّ صفات أوزوريس تتفق مع صفات فرعون موسى كما جاء في القرآن الكريم: أولا - إنّ أوزوريس وإيزيس تبنيا طفلًا هو ( حورس )، وأنهما التقطاه من اليمّ، أو النيل، وحورس يمثّل الخير كله، ويرمزون له بـ(الصقر)، وتستأنس الدولة المصرية منذ العصر الحديث بحورس المثالي القوي العادل خادم الخير، وهو شبه قريب بالنبي موسى، حيث تمَّ تربيتُه في القصر الفرعونيّ، وهو كان ابنًا بالتَّبَني، ونلاحظ أن الأم إيزيس تُمثل الخير أيضًا. ثانيا - ادَّعى أوزوريس الألوهية اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﻨﻔسه، كما ادَّعى فرعون موسى الألوهية. ثالثا – إن أوزوريس ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻮك ذوي اﻟﻤﻘﺎم اﻟﻌﺎﻟﻲ واﻟﺜﺮاء اﻟﻮاﺳﻊ وﺷﺪة اﻟﺒﺄس، مثل فرعون النبي موسى. رابعا - كان أوزوريس له صفة فرعون اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ في القرآن ﺑـ(ﺬِي الأوتاد). خامسًا - اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺴﺤﺮ ﻓﻲ زﻣن ﻛلٍّ من (أوزوريس وفرعون). سادسا – أن أوزوريس ﻣﺎت غريقًا. سابعًا – لا يوجد أي أثر باقٍ لأوزوريس، ولايوجد له معبد معروف أو تمثال منحوت أو قصر موصوف مُحدَّد المكان والمعالم، وهذا ما تحدَّث عنه القرآن صراحةً في قول الله تعالى: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}[سورة الأعراف، الآية:137]، أي عدم وجود أي أثر لهذا الفرعون. (35) **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(فَقَالَ السُّلْطَاُن: إِنَّكُمْ أَتْبَاُع مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وَلَسْتُمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) )]. الفرق بين (أتباع محمد) و(أمة محمد) وفي قول السلطان تيمور ( إِنَّكُمْ أَتْبَاُع مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وَلَسْتُمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) إشارة إلى أن (أمّة سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم) أمَّتان: أمَّة دعوة وأمَّة إجابة، فـ( أمَّة الدعوة ) هم كلُّ إِنْسيٍّ وجِنِّيٍّ من حين بعثته إلى قيام الساعة، و( أمَّة الإجابة ) هم الذين وفَّقهم الله للدخول في دينه الحنيف، وصاروا من المسلمين، والمراد من ( الأمَّة ) في هذا الحديث أمَّة الإجابة، ومن أمثلة أمَّة الدعوة قوله(صلى الله عليه وسلم)"والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يَموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلاَّ كان من أصحاب النار" رواه مسلم) (36) **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ على لسان السلطان تيمور: [(وَشَرِيْعَةَ مُوْسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُسِخَتْ بِشَرِيْعَتِه عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ )] شريعة محمد نسخت شريعة موسى وفي قول السلطان تيمور، كما نقله لنا الشيخ عيسى الطائيّ-: كلمة ( شريعة )، مفرد، وتجمع على ( شرائع )، و( شِرَع )، ومعناها: ( الطريق الواضح والمنهاج المسلوك ). وشاهدُها اللغويّ نقرأه في قول منسوب إلى الحارث بن كعب المَذْحِجيّ يوصي بنيه:[فَمُوْتُوا عَلَى ( شَرِيْعَتِي ) (37) ]، أمّا معناها في (علم أصول الفقه): فتعني (ما سَنَّه الله - عَزَّ و جَلَّ - لبعاده من الدين والمِلّةِ المُتَّبَعَة وجعلَه طريقًا إلى الحقِّ والفلاح). وشاهدُها نقرأه في قول الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (38) . وَقوله: [شَرِيْعَةَ مُوْسَى] ؛ أي: ( التوراة ). و(تختَلِفُ الكُتُبُ المُنَزَّلةُ فيما بينها في تفاصيلِ بعضِ الشَّرائعِ، فمثَلًا شريعةُ عيسى تخالِفُ شريعةَ موسى -عليهما السَّلامُ- في أمورٍ، وشريعةُ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) تخالِفُ شريعةَ موسى وعيسى عليهما السَّلامُ في أمورٍ) (39) قال اللهُ تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (40) (وَشَرِيْعَةَ مُوْسَى نُسِخَتْ) ومعنى ( نُسِخَتْ ) في اللغة (نسخ الحكم ونحوه: أَبْطَل الْعَمَلَ بِهِ عَلَى حَالِهِ الَّتي أُقِرَّتْ لَهُ أَوَّلًا. وشاهدها اللغويّ نعثر عليه في حديث( نسَخَ الأضْحى كلَّ ذبْحٍ، وصومُ رمضانَ كلَّ صَومٍ، والغُسلُ مِن الجَنابةِ كلَّ غُسْلٍ، والزَّكاةُ كلَّ صَدقةٍ (41) ). ومعنى ( النسخ ) في علم أصول الفقه: مُحيت، ورُفِعَت لَفْظًا أَوْ حُكْمًا. وشاهدها في قول مقاتل بن سليمان الأزديّ: (وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ فَرَائِضَ، فَعَمِلَ بِهَا الْمُؤمنون، ثُمَّ أَنْزَلَ بَعْدُ مَا نَسَخَ بِهِ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ، فَحَوَّلَهُمْ إِلَيْهِ، وَقَدْ غَابَ أُنَاسٌ لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ، فَيَعْمَلُوا بِالنَّاسِخِ بَعْدَ النَّسْخِ (42) ). وفي قوله:[( نُسِخَتْ بِشَرِيْعَتِه عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ)] وفي هذا المعنى قال ابنُ القَيِّمِ: (لا رَيبَ أنَّ الشَّيءَ يكونُ مَصلحةً في وَقتٍ دونَ وَقتٍ، وفي شريعةٍ دونَ أُخرى، كما كان تزويجُ الأخِ بالأُختِ مصلحةً في شريعةِ آدَمَ عليه السَّلامُ، ثم صار مَفسدةً في سائِرِ الشَّرائعِ (43) )؛ فقد حرَّم اللهُ على اليهودِ أُمورًا ثم جاء عيسى - عليه السَّلامُ - فأحَلَّ لهم بعضَ ما حُرِّم عليهم، ثم جاءت الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ – شريعة محمد (صلى الله عليه وسلم) الخاتِمةُ لِتَكونَ القاعِدةُ العامَّةُ: إحلالَ الطَّيِّباتِ وتحريمَ الخبائِثِ. قال اللهُ تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ (44) }؛ قال البيضاويُّ: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ مِمَّا حُرِّم عليهم كالشُّحومِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ كالدَّمِ ولَحمِ الخِنزيرِ، أو كالرِّبا والرِّشوةِ. وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ويخَفِّفُ عنهم ما كُلِّفوا به من التكاليفِ الشَّاقَّةِ؛ كتَعيينِ القِصاصِ في العَمْدِ والخَطَأِ، وقَطْعِ الأعضاءِ الخاطئةِ، وقَرْضِ مَوضِعِ النجاسةِ. وأصلُ الإصرِ: الثِّقْلُ الذي يأصِرُ صاحِبَه، أي: يحبِسُه من الحِراكِ لِثِقلِه (45) ) **** المصادر والمراجع: (01) انظر: "جامع البيان" (1/ 138)، "المحرر الوجيز" (1/ 63)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 133)، "مجموع الفتاوى" (1/ 89)، "البحر المحيط" (1/ 18) (02) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/ 378). (03) انظر: "الوابل الصيب من الكلم الطيب" (ص88) (04) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 133). (05) انظر "جامع البيان" (1/ 135 -138). (06) انظر: "الكشاف" (1/ 7). (07) ديوان الهُذَليين، تحقيق: أحمد الزين وآخرين، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1995م، 3/90 (08) ديوان عبد الله بن رواحة، تحقيق: وليد قصَّاب، دار العلوم، الرياض، مطبعة المتوسط، بيروت، ط1، 1981م، ص: 154 (09) ديوان عدي بن زيد العِبادي، جمع وتحقيق: محمد جبار المعيبد، شركة دار الجمهورية، بغداد، 1965م، ص: 54 (10) شعراء مَذْحَج في الجاهلية، صنعة: مقبل التام عامر الأحمدي، مجمع اللغة العربية السعيدة، صنعاء، ط2، 2014م، ص:446 (11) ديوان الحارث بن حلزة اليشكريّ، صنعة: مروان العطية، دار الإمام النووي، دمشق، دار الهجرة، دمشق، بيروت، ط1، 1994م، ص: 71 (12) سورة النمل، الآية: 14 (13) سورة الأنعام، الآية: 82 (14) سورة الأنعام، الآية: 33 (15) كتاب الأمالي، 2/359 (16) سورة الشورى الآية: 8 (17) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد(ت، 656هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء التراث (18) الراوي: عبدالله بن مسعود، المُحَدِّث: الذَّهبي، المصدر: المُهذَّب في اختصار السنن، ص أو رقم: 2/1061، خلاصة حكم المُحَدِّث: إسناده صالح، أخرجه ابن ماجه (2865)، وأحمد (3790) باختلاف يسير، والبيهقي (5542) واللفظ له. (19) ديوان بشر بن أبي خازم الأسدي/ تحقيق: عزة حسن، وزارة الثقافة والإرشاد القوميّ، دمشق، 1960م، ص: 126 (20) ديوان المثقب العبدي، تحقيق: حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1977م، ص: 253 (21) تاريخ عُمان، السيد يوسف الزواوي إحدى الشخصيات العُمانية البارزة، إعداد/ د. محمد بن حمد العريمي، صحيفة أثير الإلكترونية، December 29, 2019 at 7:32PM/ (22) كتاب المعمّرين، أبو حاتم السِّجستانيّ(ت، 255هـ)، تحقيق: إيغناس غولد زيهر، مطبعة بريل، ليدن، 1899م، ص: 52 (23) الأمالي، أبو علي القالي (ت،356هـ)، تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975م، 1/ 103 (24) الأمالي، أبوعلي القالي(ت، 356هـ)، تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975م، 1/103 (25) منتهى الطلب من أشعار العرب، جمعه: ابن ميمون البغداديّ(ت، 597هـ)، تحقيق: محمد نبيل طريفي، دار صادر، بيروت، ط1، 1999م، 8/292 (26) ديوان الشماخ بن ضرار، تحقيق وشرح: صلاح الدين الهادي، دار المعارف، القاهرة، 1968م، ص: 261 (27) كتاب العين، الخليل الفراهيدي(ت، 175هـ)، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، القاهرة، د.ت. 1/159 (28) أجزاء الحيوان، أرسطوطاليس، ترجمة: ابن البطريق(ت، 200هـ)، تحقيق: وشرح: عبد الرحمن بدويّ، وكالة المطبوعات، الكويت، 1978م، ص: 47 (29) الموضوعات، لابن الجوزي (2/ 201) (30) البداية والنهاية (1/ 273) (31) تفسير ابن كثير – ط العلمية (4/ 281) (32) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3/ 184) (33) الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل المرتب على أبواب الفقه (4/ 719) (34) مسند أحمد (14/ 335 ط الرسالة). (35) رؤية بحثية قرآنية لفرعون موسى، د. علي أبو الخير، مجلة المعارف الحكمية، معهد الدراسات الدينية والفلسفية، لبنان، بيروت، (36) فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله، عبد المحسن البدر، دار ابن القيم، الدمام، السعودية، ط1، 2003م، ص: 130 (37) التذكرة الحمدونيّة، ابن خلدون (ت، 562هـ)، تحقيق: إحسان عباس وبكر عباس، دار صادر، بيروت، ط1، 1996م، 3/341 (38) سورة الجاثية، الآية: 18 (39) الرسل والرسالات، عمر الأشقر، ص: 250، رسائل في العقيدة، ص: 290. (40) سورة المائدة، الآية: 48 (41) الراوي: علي بن أبي طالب، المُحَدِّث: محمد الأمين الشنقيطي، المصدر: أضواء البيان، ص: أو رقم: 5/669، خلاصة حكم المُحدث: ضعيف، أخرجه الدارقطني (4/279)، والبيهقي (19491) واللفظ لهما، وابن عدي في (الكامل في الضعفاء) (6/386) باختلاف يسير. (42) تفسير مقاتل، مقاتل بن سليمان الأزديّ(ت، 150هـ)، دراسة وتحقيق: عبد الله محمود شحاته، مؤسسة التاريخ العربيّ، بيروت، ط 1، 2002م، 2/200 (43) يُنظر: إغاثة اللهفان، 2/ 1102 (44) سورة الأعراف، الآية: 157 (45) يُنظر: تفسير البيضاويّ، (3/ 37)


جريدة الرؤية
١٦-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- جريدة الرؤية
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (44)
تحقيق: ناصر أبوعون يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [ (وَلَقَدْ سَنَّ بَنُو أُمَيَّةَ لَعْنَ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَنَابِرِهِمْ ، وَبَقِيَ ذَلِكَ مُدَّةً إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – فَأَزَالَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ وَجَعَلَ مَكَانَهَا آية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}]. ولَا غَرْوَ أَنْ بَقِيَتْ هَذِهِ الْعَادَةُ مُدَّةً؛ فَإنَّ بَعْضَ عَلَمَاءِ النَّوَاصِبِ يَقُوْلُ: إِنَّ الْحُسَيْنَ قُتِلَ بِسَيْفِ جَدِّهِ، - وَهُوَ اِبْنُ العَرَبِيّ-؛ أَيْ إِنَّهُ خَرَجَ بَاغِيًا عَلَى خَلِيْفَةِ الْوَقْتِ يَزِيدِ بنِ مُعَاوِيَةَ؛ فَاسْتَحَقَّ الْقَتْلَ بِشَرِيْعَةِ جَدِّهِ (صلى الله عليه وسلم). وَأَمَّا الْغَزَالِيُّ فَأَجَابَ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِجَوَابٍ يَقْرُبُ مِنْ هَذَا، فَقَالَ: (إِنَّ يَزِيْدَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ، وَلَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ، وَلَا رَضِيَ بِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الدِّفَاعَ عَنِ الْمِصْرِ من اِعْتِدَاءِ كُلِّ غَاشِمٍ، فَكَانَ مَا كَانَ. وَقَالَ: لَا يَجُوزُ لَعْنَ يَزِيْدٍ لَأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ قَتَلَ الْحُسَيْنَ، فَقَدْ يَكُونُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ؛ لَأَنَّ الْقَتْلَ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرَ، وَلَا يَجُوزُ لَعْنَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. وَهَذَا كَلَامُهُ. وَقَدْ نَقَلْنَا هَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ تَارِيْخِ اِبْنِ خِلِّكَان وَفَيَاتِ الٍأَعْيَانِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْهُ. فَانْظَرُوا إِلَى هَاتَيْن الْأُعْجُوْبَتَيْنِ مِنْ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ)] . فتنة لعن وسبّ الصحابة يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَلَقَدْ سَنَّ بَنُو أُمَيَّةَ لَعْنَ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَنَابِرِهِمْ، وَبَقِيَ ذَلِكَ مُدَّةً إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَأَزَالَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ)] . يقول شيخنا عيسى الطائيّ: ( وَلَقَدْ سَنَّ بَنُو أُمَيَّةَ ) وفي هذه العبارة استعمل شيخنا الفعل الماضي ( سَنَّ ) مسبوقًا بأداتي توكيد ( اللام+ قد ) للدلالة على يقينية حدوث الفعل منسوبًا إلى بني أمية على وجه العموم ليشملهم جميعًا مع مَن تابعَهم على ( لعن ) عليّ بن أبي طالب– كرّم الله وجهه-، ومَنْ داهنهم طلبًا لدنيا يصيبها، وشملت بدعة سبّ (عليّ ) طائفة من الشُّعوبيين أعداء العروبة والمتأسلمين ظاهرًا من الذين أبقوا نيران الفتنة موقدةً إلى اليوم في خاصرة الأمّة الإسلامية منعًا لأحادها وتآمرًا لإسقاطها. والفعل ( سَنَّ ) دالٌ على استحداث ( لَعْنَ عليّ ) والعمل به والسير عليه ، وجعْله ( سُنَّة مُتَّبَعَة )، ونقرأ شاهدها التشريعيّ في الحديث النبويّ: (مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا ومن سَنَّ سُنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئًا) (01) . أمّا شاهدها اللغوي فنقرأه في شعر زهير بن جناب الكلبيّ يخبر عن أول مَنْ ابتدع رُبُع الغنيمة لقائد الجيش: [( سَنَّهَا ) رَابِعُ الْجُيُوْشِ عُلَيْمٌ/ كُلَّ يَوْمٍ تَأْتِي الْمَنَايَا بِقَدْرِ (02) ]. وفي قوله:( فِي مَنَابِرِهِمْ ) ( المَنَابِر – المَنَابِير ) جمعٌ والمفرد ( مِنْبَر )، وهو مِرْقاةٌ يعلوها الخطيبُ ونحوه لِيُرَى ويُسْمَع. وشاهدها اللغويّ في قول عنترة بن شداد العبسيّ: [بَنِي عَبْسٍ، سُوْدُوا فِي الْقَبَائِلِ، وَافْخَرُوا/ بِعَبْدٍ لَهُ، فَوْقَ السِّمَاكَيْنِ ( مِنْبَرُ ) (03) ]. وقد ذكرنا آنفًا من الأدلة العقلية والنقلية ما يدحض الدعاوى والأكاذيب والافتراءات حول مجاهرة الخليفة معاوية بن أبي سفيان بسبّ سيدنا علي بن أبي طالب ولَعْنِه، غير أنّ بعض المُغالاة من الخطباء من أتباع وُلاة بني أميّة عرّضُوا بابن أبي طالب على منابرهم. ومن نافلة القول: فإنّ إحياء هذا الإرث من العداوات السياسية يفتُّ في عضد الأمة. وفي قول شيخنا الطائيّ: ( وَبَقِيَ ذَلِكَ مُدَّةً ) أي: ظلَّ سُنَّةً سيِّئةً لأجل معلوم وخطيئة يتوارثونها إلى زمن مقدور. وكلمة ( مُدَّةً ) مفرد والجمع (مُدَد)، وشاهدها اللغويّ نقرأه في شعر أبي الحكيم المُرّيّ يرثي ابنه حكيمًا: [يَقَرُّ بِعَيْنِي، وَهُوَ يَنْقُصُ ( مُدَّتِي )/مَمَرُّ الَّليَالِي أَنْ يَشِبَّ حَكِيْمُ (04) ] الأشجّ ملأ الأرض عدلا وفي قول شيخنا الطائيّ: ( إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيْزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ) إشارة إلى عمر بن عبد العزيز بن مروان، الخليفة الصالح، أبو حفص، خامس الخلفاء الراشدين. وُلِدَ عمر بحلوان، قرية بمصر، وأبوه أمير عليها سنة إحدى، وقيل: ثلاث وستين وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وكان بوجه عمر شجَّة، ضربته دابة في جبهته، وهو غلام، فجعل أبوه يمسح الدم عنه، ويقول: ( إنْ كُنتَ أشجَّ بني أمية إنك لسعيد )، أخرجه ابن عساكر. وكان عمر بن الخطاب يقول: ( مِنْ وَلَدِي رجلٌ بوجههِ شجَّة يملأ الأرض عدلًا)، أخرجه الترمذي في تاريخه، فصدق ظن أبيه فيه (05) ، وقال سفيان الثوري: ( الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليٌّ، وعمر بن عبد العزيز ) (06) ، وأخرج ابن سعد أن عمر بن الخطاب قال: ( ليت شعري! من ذو الشين من ولدي الذي يملؤها عدلًا كما ملئت جورًا )، وعن ابن عمر قال: ( كنا نتحدث أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر، يعمل بمثل عمل عمر، فكان بلال بن عبد الله بن عمر بوجهه شامة، وكانوا يرون أنه هو، حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز ) (07) ، فتولى الخلافة سنة 99هـ، إلى سنة 101هـ. الآية 90 من سورة النور يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (فَأَزَالَ هَذِهِ الْبِدْعَةَ وَجَعَلَ مَكَانَهَا آية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}] (08) ، وفي السيرة الحلبيّة أن الشيخ عِزَّ الدين بن عبد السلام ألَّف كتابا سماه (الشجرة) بيَّنَ فيه أن هذه الآية اشتملت على جميع الأحكام الشرعيّة في سائر الأبواب الفقهية، وسمَّاه السبكي في الطبقات (شجرة المعارف). ويقول الطاهر بن عاشور: (وقد اهتدى الخليفة عمر بن عبد العزيز- رحمه الله - إلى ما جمعته هذه الآية من معاني الخير فلما اِسْتُخْلِفَ سنة 99هـ كتب يأمر الخطباء بتلاوة هذه الآية في الخطبة يوم الجمعة، وتُجْعل تلاوتها عِوَضًا عَمَّا كانوا يأتونه في خطبة الجمعة من كلمات سبِّ علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-، وفي تلاوة هذه الآية عِوَضًا عن ذلك السَّبّ دقيقةٌ: أنها تقتضي النهي عن ذلك السبِّ إذ هو من الفحشاء والمنكر والبغي. ولم أقف على تعيين الوقت الذي ابْتُدِعَ فيه هذا السبّ، ولكنه لم يكن في خِلافة معاوية رضي الله عنه) (09) . ثمَّ عقَّب الطائيّ بقوله: [ (ولَا غَرْوَ أَنْ بَقِيَتْ هَذِهِ الْعَادَةُ مُدَّةً)] ( لَا غَرْوَ )؛ أي: ( لا عَجَبَ )، ويجوز أن نقول: ( لا غَرْوى) ، و( الغَرْوُ ) مصدر، ومعناه: (العَجَب) ومن الأخطاء الشائعة استعمال صيغة ( لَا غَرْوَ )، بمعنى:( لا شَكَّ ). وشاهدها اللغويّ نقرأه في شعر زهير الكلبيّ يذكر كتيبةً ومحاولة سبي نسائها: [فـ( لَا غَرْوَ ) إِلَّا يَوْمَ جَاءَتْ عَطِيْنَةٌ/ لِيَسْتَلِبُوا نِسْوَانَهَا ثُمَّ يُعْنِقُوا (10) ]. رأيان في مقتل الحسين يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (فَإنَّ بَعْضَ عَلَمَاءِ النَّوَاصِبِ، يَقُوْلُ: إِنَّ الْحُسَيْنَ قُتِلَ بِسَيْفِ جَدِّهِ،- وَهُوَ اِبْنُ العَرَبِيّ)]. ( النَّواصِب ) و( النُّصَّاب ) جمعان والمفرد منهما ( نَاصِب )، وهي بمعنى: ( المُعَادِي ) أو ( المُبْغِضُون ) للإمام علي بن أبي طالب وآل البيت. وشاهده اللغويّ في قول سعيد بن قيس الهَمْدانيّ: [أَخَذْتَ طَلِيْقًا ( نَاصِبًا ) بِمُهَاجِرٍ/ تَقِيٍّ لَهُ فِي النَّاسِ خَطْبٌ مِنَ الْخَطْبِ (11) ] [(وَهُوَ اِبْنُ العَرَبِيّ)] ، إشارة إلى الإمام العلامة الحافظ القاضي أبو بكر، محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله، ابن العربي الأندلسي الإشبيلي المالكي، صاحب التصانيف. وُلِدَ في سنة ثمان وستين وأربعمائة، وتوفي بفاس في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وفيها وَرَّخَهُ الحافظ أبو الحسن بن المفضل وابن خلكان. قُتِل بأيدي الفرنج- رحمه الله- صنف كتاب " عارضة الأحوذي في شرح جامع أبي عيسى الترمذي "، و" فسر القرآن المجيد "، فأتى بكل بديع، وله كتاب " كوكب الحديث والمسلسلات " وكتاب " الأصناف " في الفقه، وكتاب " أمهات المسائل "، وكتاب " نزهة الناظر " وكتاب " ستر العورة "، و" المحصول " في الأصول، و" حسم الداء في الكلام على حديث السوداء "، وكتاب " في الرسائل وغوامض النحويين "، وكتاب " ترتيب الرحلة للترغيب في الملة " و" الفقه الأصغر المعلب الأصغر" ، وأشياء سوى ذلك لم نشاهدها) (12) . [يَقُوْلُ أبو بكر بن العربيّ: إِنَّ الْحُسَيْنَ قُتِلَ بِسَيْفِ جَدِّهِ ) [أَيْ إِنَّهُ خَرَجَ بَاغِيًا عَلَى خَلِيْفَةِ الْوَقْتِ يَزِيدِ بنِ مُعَاوِيَةَ؛ فَاسْتَحَقَّ الْقَتْلَ بِشَرِيْعَةِ جَدِّهِ (صلى الله عليه وسلم) ]، ويردُّ ابن خلدون على أبي بكر بن العربيّ، قائلا: (وأمّا الحسين فإنّه لمّا ظهر فسق يزيد عند الكافّة من أهل عصره، فرأى الحسين أنّ الخروج على يزيد متعيّن من أجل فسقه لا سيّما من له القدرة على ذلك وظنّها من نفسه بأهليّته. وقد تبيّن غلط الحسين إلّا أنّه في أمر دنيويّ لا يضرّه الغلط فيه، وأمّا الحكم الشّرعيّ فلم يغلط فيه لأنّه منوط بظنّه وكان ظنّه القدرة على ذلك ولقد عذله ابن العبّاس وابن الزّبير وابن عمر وابن الحنفيّة أخوه وغيره في مسيره إلى الكوفة وعلموا غلطه في ذلك ولم يرجع عمّا هو بسبيله لما أراده الله. وأمّا الصّحابة الّذين كانوا بالحجاز ومع يزيد بالشّام والعراق ومن التّابعين لهم فرأوا أنّ الخروج على يزيد وإن كان فاسقا لا يجوز لما ينشأ عنه من الهرج والدّماء فأقصروا عن ذلك ولم يتابعوا الحسين ولا أنكروا عليه ولا أثّموه لأنّه مجتهد وهو أسوة المجتهدين ولا يذهب بك الغلط أن تقول بتأثيم هؤلاء بمخالفة الحسين وقعودهم عن نصره فإنّهم أكثر الصّحابة وكانوا مع يزيد ولم يروا الخروج عليه وكان الحسين يستشهد بهم وهو بكربلاء، ولم ينكر عليهم قعودهم عن نصره ولا تعرّض لذلك، لعلمه أنّه عن اجتهاد منهم كما كان فعله عن اجتهاد منه. والحسين فيها شهيد مثاب وهو على حقّ واجتهاد والصّحابة الّذين كانوا مع يزيد على حقّ أيضا واجتهاد وقد غلط القاضي أبو بكر بن العربيّ المالكيّ في هذا فقال في كتابه الّذي سمّاه بالعواصم والقواصم ما معناه: " إنّ الحسين قتل بشرع جدّه " وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الإمام العادل. ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء. والحسين شهيد مثاب باعتبار قصده وتحرّيه الحقّ هذا هو الّذي ينبغي أن تُحْمَل عليه أفعال السّلف من الصّحابة والتّابعين فهم خيار الأمّة وإذا جعلناهم عُرضة للقدح فمن الّذي يختصّ بالعدالة والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول " خير النّاس قرني " ثمّ الّذين يلونهم مرّتين أو ثلاثا ثمّ يفشو الكذب فجعل الخيرة وهي العدالة مختصّة بالقرن الأوّل والّذي يليه فإيّاك أن تعوّد نفسك أو لسانك التّعرّض لأحد منهم ولا يشوّش قلبك بالرّيب في شيء ممّا وقع منهم والتمس لهم مذاهب الحقّ وطرقه ما استطعت فهم أولى النّاس بذلك وما اختلفوا إلّا عن بيّنة وما قاتلوا أو قتلوا إلّا في سبيل جهاد أو إظهار حقّ واعتقد مع ذلك أنّ اختلافهم رحمة لمن بعدهم من الأمّة ليقتدي كلّ واحد بمن يختاره منهم ويجعله إمامه وهاديه ودليله فافهم ذلك وتبيّن حكمة الله في خلقه وأكوانه واعلم أنّه على كلّ شيء قدير وإليه الملجأ والمصير والله تعالى أعلم) (13) . [(وَأَمَّا الْغَزَالِيُّ فَأَجَابَ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِجَوَابٍ يَقْرُبُ مِنْ هَذَا فَقَالَ: (إِنَّ يَزِيْدَ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ، وَلَمْ يُرِدْ قَتْلَهُ، وَلَا رَضِيَ بِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الدِّفَاعَ عَنِ الْمِصْرِ من اعتداء كُلِّ غَاشِمٍ، فَكَانَ مَا كَانَ)] . وفي قوله: ( الْغَزَالِيُّ ) تعيين وتخصيص للشَّيْخُ، الإِمَامُ، البَحْر، حجَّةُ الإِسْلاَم، أُعجوبَة الزَّمَان، زَيْنُ الدّين، أَبُو حَامِد مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الطُّوْسِيّ، الشَّافِعِيّ، الغَزَّالِي، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ. تَفقَّه بِبَلَدِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ تَحَوَّل إِلَى نَيْسَابُوْرَ، ثم لاَزمَ إِمَامَ الحَرَمَيْنِ، وبَرع فِي الفِقْه وَمَهَر فِي الكَلاَمِ وَالجَدَل، حَتَّى صَارَ عينَ المنَاظرِيْنَ، وَحضّته مُمَارستُهُ لأَفَانِيْنِ الزُّهْديَات إِلَى رفض الرِّئَاسَة، فَحجَّ مِنْ وَقته، وَزَار بَيْت المَقْدِسِ، وَصَحِبَ الفَقِيْهَ نَصْرَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ وتولى التَدْرِيْس بنِظَامِيَة بَغْدَاد، وَأَخَذَ فِي تَأْلِيفِ الأُصُوْلِ وَالفِقْهِ وَالكَلاَمِ وَالحِكْمَةِ (14) بِدِمَشْقَ، وَأَلَّف كِتَاب ( الإِحيَاء )، وَ( الأَرْبَعِيْنَ )، وَ( القِسطَاس )، وَ( مَحكّ النَّظَر )، و( سِرّ العَالمين وَكشف مَا فِي الدَّارين )، و( البَسيطَ )، وَ( الوسيطَ )، وَ( الوجِيْزَ )، وَ( الخلاَصَة )، وَ( المَنْخُوْل ), وَ( اللبَاب )، وَ ( الْمُنْتَحل فِي الجَدَل )، وَ( تَهَافت الفَلاَسِفَة )، و( المُسْتصفَى ) فِي أُصُوْل الفِقْه، وَ( مِعيَار العِلْم )، وَ( شرح الأَسْمَاء الحُسْنَى )، وَ( مشكَاة الأَنوَار )، وَ( المُنْقِذ مِنَ الضَّلاَل )، وَ( حقيقَة الْقَوْلَيْنِ ). وتُوُفِّيَ الغزاليُ يَوْم الاثْنَيْنِ، رَابِعَ عَشَرَ جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْس مائَة، وَلَهُ خَمْس وَخَمْسُوْنَ سَنَةً، وَدُفِنَ بِمَقْبَرَة الطَّابرَان قصبَة بِلاَدِ طُوْس) (15) [(أَرَادَ الدِّفَاعَ عَنِ الْمِصْرِ )] ( الْمِصْرِ ) عاصمة الخلافة، وهي مفرد والجمع ( أمصار ، و مُصُور )، وشاهدها اللغوي في الحديث النبويّ: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) أَنَّهُ قَالَ تُفْتَحُ الْبِلَادُ وَ(الْأَمْصَارُ) فَيَقُولُ الرِّجَالُ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمُّوا إِلَى الرِّيفِ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلَّا كُنْتُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا) (16). لَا يَجُوزُ لَعْنَ الْمُسْلِمِ على المعصية يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (وَقَالَ: لَا يَجُوزُ لَعْنَ يَزِيْدٍ لَأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ قَتَلَ الْحُسَيْنَ، فَقَدْ يَكُونُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ؛ لَأَنَّ الْقَتْلَ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرَ، وَلَا يَجُوزُ لَعْنَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ )]. وهذه ( الفُتْيَا/ الفَتْوى ) نقلها الشيخ عيسى الطائي عن ابن خلكان في كتابه (وفيات الأعيان): (وسئل الغزاليُّ هل يجوز لعن يزيد وقد فعل كذا وكذا فأجاب:(هل يحكم بفسقه أم هل يكون ذلك مرخصًا فيه وهل كان مريدًا قتل الحسين، رضي الله عنه، أم كان قصده الدفع وهل يسوغ الترحم عليه أم السكوت عنه أفضل ينعم بإزالة الاشتباه مثابًا، فأجاب: لا يجوز لعن المسلم أصلًا، ومن لعن مسلمًا فهو الملعون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم ليس بلعانٍ)، وكيف يجوز لعن المسلم ولا يجوز لعن البهائم وقد ورد النهي عن ذلك، وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة بنص النبي، صلى الله عليه وسلم. ويزيد صح إسلامه، وما صح قتله الحسين، رضي الله عنه، ولا أمره لا رضاه بذلك، ومهما لم يصح ذلك منه لا يجوز أن يظن ذلك به فإن إساءة الظن بالمسلم أيضًا حرام، وقد قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" ، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظن به ظن السوء)، ومن زعم أن يزيد أمر بقتل الحسين، رضي الله عنه، أو رضي به فينبغي أن يعلم به غاية حماقة، فإن من قتل من الأكابر والوزراء والسلاطين في عصره لو أراد أن يعلم حقيقة من أمر بقتله ومن الذي رضي به ومن الذي كرهه لم يقدر على ذلك، وإن كان قد قتل في جواره وزمانه وهو يشاهده، فكيف لو كان في بلد بعيد وزمن قديم قد انقضى، فكيف يعلم ذلك فيما انقضى عليه قريب من أربعمائة سنة في كان بعيد وقد تطرق التعصب في الواقعة فكثرت فيها الأحاديث من الجوانب فهذا أمرٌ لا تعرف حقيقته أصلًا، وإذا لم يعرف وجب إحسان الظن بكل مسلم يمكن إحسان الظن به، ومع هذا فلو ثبت على مسلم أنه قتل مسلمًا فمذهب الحق أنه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر بل هو معصية، وإذا مات القاتل فربما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم تجز لعنته، فكيف من تاب عن قتل وبِمَ يعرف أن قاتل الحسين- رضي الله عنه-، مات قبل التوبة وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، فإذًا لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقًا عاصيًا لله تعالى، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصيًا بالإجماع، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يُقال له يوم القيامة: لِمَ لَمْ تلعنْ إبليسَ، ويُقال للَّاعن: لِمَ لَعَنْتَ؟ ومن أين عرفتَ أنه مطرود ملعون والملعون، وهو المبعد من الله -عَزَّ وجَلَّ-، وذلك غيبٌ لا يُعْرَف إلَّا فِيمن ماتَ كافرًا فإن ذلك عِلْمٌ بالشَّرع، وأمَّا التَّرحم عليهِ جائزٌ، بل هو مستحبٌ، بل هو داخل في قولنا في كل صلاة "اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات"، فإنه كان مؤمنًا والله أعلم) (17) . وفيات الأعيان مصدر الفتوى يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (وَقَدْ نَقَلْنَا هَذِهِ الْفَتْوَى مِنْ تَارِيْخِ اِبْنِ خِلِّكَان وَفَيَاتِ الٍأَعْيَانِ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْهُ)] في قوله:( هَذِهِ الْفَتْوَى ) مصدر، والاسم ( الفُتْيَا )، والجمع منهما: ( فَتَاوى ) و( فَتَاوِي )، وهي مصطلح في (علم أصول الفقه)، وتعني: الإخبار بحُكمٍ شرعيٍّ لمن سأل عنه في أمرٍ نازلٍ. وشاهدها في قول محمد بن الحسن الشيبانيّ: [وَكَذَا عُلَمَاء التَّابِعِيْنَ- رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى– فَمِنْهُمْ مَنْ تَصَدَّى ( لِلْفَتْوَى ) وَالتَّعْلِيْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ اِمْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَاِنْزَوَى (18) ]، و( اِبْنِ خِلِّكَان ) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان (19) البرمكي الإربلي، أبو العباس(٦٠٨هـ- ٦٨١هـ- ١٢١١م- ١٢٨٢م) مؤرخ حُجة، وأديب ماهر، صاحب (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان- ط) وهو أشهر كتب التراجم ومن أحسنها ضبطا وإحكاما (20) ، وُلِدَ في (إِرْبِل) بالقرب من الموصل على شاطئ دجلة الشرقي، وانتقل إلى مصر فأقام فيها مُدَّة، وتولى نيابة قضائها، ثمّ سافر إلى دمشق، فولَّاه الملك الظاهر قضاء الشام، ثم عَزِلَه بعد عشر سنين، فعاد إلى مصر وأقام فيها سبع سنين أُخَر، ثم رُدَّ إلى قضاء الشام، ثم عُزِلَ عنه بعد مدة. وقد تولّى التدريس في كثير من مدارس دمشق، ثم توفي فيها ودفن في سفح (قاسيون) (21) . ( وَفَيَاتِ الٍأَعْيَانِ )، هو كتاب ابن خلكان حققه: محمد محيي الدين عبد الحميد- مفتش العلوم الدينية والعربية بالجامع الأزهر والمعاهد الدينية، وكتب في مقدمته نبذة تعريفية بالكتاب ومصنّفه قال فيها: (استقى معلوماته التي أودعها هذا الكتاب عن ثلاثة مصادر: أولها، ما قرأه في الكتب المصنفة قبله، وكان مولعا بمراجعتها والإفادة منها. ثانيها: ما أخذه عن أفواه مشايخه من أهل الثقة. ثالثها: ما شاهده بنفسه، ولهذا سَمَّى كتابه: (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان مما ثَبُتَ بالنقل أو السماع أو أثبته العيان) [(فَانْظَرُوا إِلَى هَاتَيْن الْأُعْجُوْبَتَيْنِ مِنْ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ )] ( الْأُعْجُوْبَتَيْنِ ) أمّا الأعجوبة الأولى فهي الفتوى: بأنه (لَا يَجُوزُ لَعْنَ يَزِيْدٍ لَأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ قَتَلَ الْحُسَيْنَ، فَقَدْ يَكُونُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ والتَّرحم عليهِ جائزٌ، بل هو مستحبٌ) وأمّا الأعجوبة الأخرى فهي الفتوى بأنَّ ( الْقَتْلَ مَعْصِيَةٌ لَا كُفْرَ، وَلَا يَجُوزُ لَعْنَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ ). المراجع والمصادر: (01) الراوي: جرير بن عبدالله، المُحدِّث: الألباني، المصدر: صحيح ابن ماجه، ص أو رقم: 169، خلاصة حكم المُحدِّث: صحيح، أخرجه ابن ماجة (203) واللفظ له، ومسلم (1017) بنحوه وفيه قصة، والترمذي (2675) بنحوه. (02) ديوان زهير بن جنابٍ الكلبيّ، صنعة: محمد شفيق البيطار، دار صادر، بيروت، ط1، 1995م، ص: 76 (03) شرح ديوان عنترة، الخطيب التبريزي (ت، 502هـ)، قدّم له ووضع هوامشه وفهارسه: مجيد طراد، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1992م، ص: 80 (04) شعر قبيلة ذبيان في الجاهلية، جمع وتحقيق ودراسة: سلامة عبد الله السويدي، مطبوعات جامعة قطر، الدوحة، 1987م، ص: 465 (05) تاريخ الخلفاء، جلال الدين السيوطيّ، ص: 171 (06) سنن أبو داود "٤/ ٤٦٣١" (07) طبقات ابن سعد "١٥/٤". (08) سورة النور، الآية: 90 (09) التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، ج 15، ص: 258- 260 (10) ديوان زهير بن جنابٍ الكلبيّ، صنعة: محمد شفيق البيطار، دار صادر، بيروت، ط1، 1995م، ص: 90 (11) شعر همدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام، جمع وتحقيق ودراسة: حسن عيسى أبوياسين، دار العلوم، الرياض، ط1، 1983م، ص: 331 (12) سير أعلام النبلاء للذهبي، ج20، ص: 198، 199، 203 (13) العِبَر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، عبد الرحمن بن بن خلدون (٧٣٢ - ٨٠٨ هـ)، ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس: أ. خليل شحادة، دار الفكر، بيروت، ط1، 1981م، ج1، ص: 269، 270، 271، 272 (14) المقدسي، قال السبكي: ٦ / ١٩٧: وكان الغزالي يكثر الجلوس في زاويته بالجامع الأموي المعروفة اليوم بالغزالية نسبة إليه، وكانت تعرف قبله بالشيخ نصر المقدسي. انظر أيضا: كتاب "الحقيقة عند الغزالي" تأليف الدكتور سليمان دنيا. (15) سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي ( ت ٧٤٨ هـ)، الجزء 19 بتحقيق: شعيب الأرناؤوط، ط3، مؤسسة الرسالة، 1985م. (16) مسند أحمد، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (حديث رقم: 8458)، حديث صحيح، وهذا إسناد حسن من أجل فليح، وباقي رجاله رجال الشيخين. (17) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان (ت ٦٨١هـ)، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ج 3، ص: 288- 289 (18) كتاب الكسب، محمد بن الحسن الشيبانيّ (ت، 189هـ)، شرحه: السرخسيّ محمد بن أحمد (ت، 483هـ)، اعتنى بهما: عبد الفتاح أبو غُدّة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط1، 1997م، ص: 154 (19) في روضات الجنات ١: ٨٧ (ابن خلكان بفتح الخاء وتشديد اللام المكسورة، أو بضم الخاء وفتح اللام المشددة، أو بكسر الخاء واللام جميعا. (20) انتقده ابن كثير في البداية والنهاية ١١: ١١٣ في كلامه على ابن الراوندي، بقوله:(وقد ذكره ابن خلكان في الوفيات وقلس عليه ولم يخرجه- أو يجرحه؟ - بشيء، ولا كأن الكلب أكل له عجينا!، على عادته في العلماء والشعراء، فالشعراء يطيل تراجمهم، والعلماء يذكر لهم ترجمة يسيرة، والزنادقة يترك ذكر زندقتهم). (21) نقلا عن الأعلام لخير الدين لزركلي.