logo
#

أحدث الأخبار مع #نظام_الأسد

ترامب والشرع.. ماذا تريد أميركا من سوريا؟
ترامب والشرع.. ماذا تريد أميركا من سوريا؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • سياسة
  • الجزيرة

ترامب والشرع.. ماذا تريد أميركا من سوريا؟

عادة ما تواجه الدول التي تخوض فترات ما بعد النزاعات المسلحة، وتعاني من عدم استقرار أمني واضطراب سياسي، تحديات كبيرة موروثة من زمان الصراع، وهو ما يتطلب عادة من تلك الدول، والأنظمة الجديدة التي تحكمها، البحث عن توازن خاص ودقيق في علاقاتها الدولية لضمان الدعم اللازم للدولة الجديدة، مع الحد من التنازلات التي قد تُفرض عليها. وفي السياق السوري، تتعامل الإدارة الجديدة مع الإرث الثقيل لنظام الأسد، وهي تتلمس خطاها للبحث عن التوازن المطلوب وسط العديد من الصراعات المحتدمة والقوى الإقليمية والدولية الساعية لضمان مصالحها. وتُعدّ الولايات المتحدة الطرف الأهم في صياغة هذا التوازن، نظرًا لاستمرار وجودها العسكري في شمال شرق سوريا، ودورها في دعم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وتحكّمها المباشر في العديد من أدوات الضغط الاقتصادي والعسكري. غير أن قمة الرياض التي جمعت الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو/أيار 2025، مثّلت نقطة تحوّل في السياسة الأميركية تجاه دمشق، التي تزامنت مع الإعلان عن بدء رفع العقوبات، مقابل التزامات سياسية وأمنية محددة. كما ظهرت مؤشرات على تحول أميركي في ملف "قسد"، مع إبداء ترامب رغبته بأن تتولى الحكومة السورية الجديدة مسؤولية الإشراف على مراكز احتجاز عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (الواقعة حاليا تحت سيطرة قسد)، بحسب ما ورد في بيان المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفت على منصة إكس. وتعبر هذه الخطوة عن استعداد الولايات المتحدة لتقليص تحالفها مع قسد، والتعامل مع الإدارة السورية الجديدة. بالتوازي، تلعب واشنطن مؤخرا -على ما يبدو- دورًا موازنًا في ضبط التحركات العسكرية الإسرائيلية في الجنوب السوري، ورغم امتناعها عن انتقاد الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع قرب العاصمة دمشق تحت ذريعة حماية الدروز ، فإنها وجهت الدعوة إلى "خفض التصعيد" و"حماية الأقليات الدينية". يركز هذا المقال على تحليل الدور الأمني الأميركي في سوريا ما بعد الأسد، وعلى المواقف المتبادلة التي قد تشكل مستقبل العلاقة الثنائية، من خلال تفكيك ثلاث قضايا محورية: سياسة العقوبات والربط بين رفعها وبين شروط أمنية سياسية محددة يتعين على النظام السوري الجديد الوفاء بها، ودور واشنطن في إدارة التوتر الإسرائيلي السوري، وأخيرا مسار العلاقة بين الحكومة الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية. العقوبات.. بوابة الانفتاح على سوريا مثّل اللقاء بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأميركي دونالد ترامب مؤخرا تطورًا نوعيًا غير مسبوق في مسار العلاقات السورية الأميركية. فهذا الاجتماع، الذي عُقد في الرياض برعاية سعودية، هو الأول من نوعه بين رئيس أميركي ورئيس سوري منذ 25 عامًا، إذ تعود آخر قمة مماثلة إلى لقاء حافظ الأسد وبيل كلينتون عام 2000. وحضر القمة إلى جانب ترامب والشرع، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (مضيف اللقاء) بينما شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر دائرة الاتصال المرئي، مما أبرز طبيعة التنسيق الدولي والإقليمي خلف هذا الحدث المفصلي. ويعكس هذا اللقاء مدى الأهمية التي توليها واشنطن للمتغيرات الجديدة في سوريا، كما يعكس استعداد ترامب للتصرف بشكل غير تقليدي أحيانا، حيث كان اللقاء مع الشرع محل خلاف داخل فريق الرئيس الأميركي حتى قبيل ساعات قليلة من زيارته للمنطقة. بيد أن لقاء ترامب والشرع لم يكن التطور الوحيد من ترامب تجاه سوريا، حيث أعلن الرئيس الأميركي عزمه رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بصورة تدريجية. و وصف ترامب تلك العقوبات بأنها "وحشية" و"معيقة"، مؤكدًا أنه حان الوقت لكي "تنهض سوريا" من جديد. جاء هذا الإعلان بعد أكثر من عقد من عقوبات مشدّدة عزلت سوريا عن المنظومة المالية العالمية بشكل كلي. ومن الواضح أن واشنطن اعتمدت مقاربة جديدة في التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، تنتقل فيها من سياسة العزل والعقاب إلى سياسة الانخراط المشروط والدعم الحذر، فقد أبدى المسؤولون الأميركيون استعدادهم للعمل مع سلطات دمشق الانتقالية إذا التزمت بمسار التسوية السياسية وراعت المطالب الدولية، وهو نهج مقارب لرؤية حلفاء أميركا الأوروبيين الذين اعتبروا تشكيل الحكومة الجديدة معلمًا مهمًا في الانتقال السياسي في سوريا. لم يكن التحول في الموقف الأميركي حيال العقوبات وليد قرار أحادي، بل جاء ثمرة وساطات إقليمية مكثفة وجهود دبلوماسية مشتركة، فقد لعبت السعودية وتركيا وقطر دورًا محوريًا في إقناع إدارة ترامب بمنح دمشق فرصة جديدة؛ إذ كشف ترامب نفسه أن ولي العهد السعودي والرئيس التركي أسهما في التوسط لترتيب اجتماعه مع الرئيس الشرع ولاتخاذ قرار رفع العقوبات. كما رحبت قطر علنًا بالتوجه الأميركي الجديد، وبرز دعمها عبر القنوات الدبلوماسية لهذه الخطوة. ومن جانبها وجّهت الحكومة السورية الشكر إلى السعودية وقطر وتركيا لمساندتها جهود إنهاء العزلة الاقتصادية عن دمشق، معتبرةً أن وقوف الأشقاء العرب إلى جانبها ساهم بشكل مباشر في صدور القرار الأميركي. ويعكس هذا التنسيق توجّها إقليميًا على ضرورة انتشال الاقتصاد السوري من أزمته الخانقة وتهيئة الظروف لإعادة الإعمار، باعتبار ذلك جزءًا أساسيًا من ترسيخ الاستقرار في سوريا الجديدة. خلال المحادثات، طرح الرئيس ترامب بصورة واضحة خارطة مطالب أميركية من القيادة السورية الجديدة كأثمان سياسية وأمنية للتطبيع الكامل معها ورفع العقوبات وإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي. ووفق ما ورد في بيان متحدثة البيت الأبيض، حدد ترامب خمسة مطالب أساسية موجّهة للرئيس الشرع. أول هذه المطالب هو انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، في تحول جذري عن نهج الصراع السابق، وثانيها هو إخراج كافة المقاتلين الأجانب من سوريا، ويُفهَم منه خصوصًا المليشيات غير السورية التي كانت تنشط إبان الحرب (وفي طليعتها القوات الموالية لإيران)، كما يشمل أيضا المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب الثورة السورية وجرى دمج بعضهم مؤخرا ضمن وزارة الدفاع السورية الجديدة. أما المطلب الثالث فيتعلق بترحيل كوادر الفصائل الفلسطينية المسلحة المتواجدة على الأراضي السورية (وعلى رأسها حركتا حماس و الجهاد الإسلامي) إلى خارج البلاد، بما يبدد هواجس إسرائيل والولايات المتحدة حيال وجود تلك الجماعات. بعد ذلك يأتي المطلب الرابع وهو تعزيز التعاون مع واشنطن في مكافحة تنظيم الدولة ومنع عودته للظهور، بينما يُلزِم المطلب الخامس والأخير دمشق بتحمّل المسؤولية الكاملة عن مراكز احتجاز مقاتلي تنظيم الدولة في شمال شرق البلاد بدلًا من الاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي. من جانبه، أبدى الرئيس أحمد الشرع مرونة لافتة إزاء تلك المطالب، سعيًا منه للاستفادة القصوى من فرصة الانفتاح الأميركي. وبحسب بيان متحدثة البيت الأبيض، شكر الشرع الرئيس ترامب والأمير محمد بن سلمان والرئيس أردوغان على جهودهم في تنظيم اللقاء، معتبرًا أن خروج القوات الإيرانية من سوريا قد أتاح "فرصة مهمة" لاستعادة سيادة سوريا الكاملة وبناء شراكات جديدة. كما أكّد الشرع -وفق البيان- التزامه الثابت باتفاق فك الاشتباك مع إسرائيل لعام 1974 كأساس لضمان أمن الحدود، وأبدى انفتاحًا على فكرة التحاق سوريا بركب "السلام الإقليمي" عندما تسمح الظروف بذلك. وفي خطوة رمزية تعبّر عن الرغبة في كسب ثقة الأميركيين، عرض منح الشركات الأميركية أولوية في الاستثمار بقطاع النفط والغاز السوري. هذه المواقف السورية الإيجابية قوبلت بترحيب حذر من الجانب الأميركي، حيث اعتبر ترامب أن لدى الشرع فرصة تاريخية لتحقيق تحوّل حقيقي في بلاده إذا نفّذ تلك التعهدات، مؤكدًا استعداد واشنطن لمواكبة هذا التحول ودعمه بخطوات ملموسة على الأرض. واشنطن بين دمشق وإسرائيل يُعد ملف العلاقة غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل داخل الأراضي السورية من أعقد التحديات التي تواجه السياسة الأميركية تجاه دمشق ما بعد الأسد، إذ لطالما شكلت الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، خصوصًا ضد أهداف مرتبطة بإيران أو حزب الله اللبناني، عامل توتر دائم. ومع سقوط نظام الأسد، وظهور حكومة انتقالية بدأت تنال دعما وزخما دوليا، دخلت واشنطن في حالة توازن دبلوماسي حساس بين شراكتها التاريخية مع إسرائيل وبين محاولتها دعم الاستقرار السياسي في سوريا الجديدة. من جهة، لا تخفي تل أبيب نيتها في مواصلة نهجها العسكري، وتستغل انشغال السوريين بالانتقال السياسي من أجل ترسيخ وجودها في الأراضي والأجواء السورية، بل وتُبرر تصعيدها أحيانًا بذريعة "حماية الأقليات" كما حصل عقب الضربة الإسرائيلية التي استهدفت محيط القصر الجمهوري. ورغم أن الولايات المتحدة لم تؤيد هذه العملية بشكل علني، فإنها امتنعت عن إدانتها أيضًا. وبدلاً من ذلك، ركّز بيان الخارجية الأميركية على إدانة ما وصفه "بالعنف والتحريض ضد أبناء الطائفة الدرزية في سوريا"، داعيا إلى "خفض التصعيد وحماية المكونات الدينية، في موقف فسّره مراقبون على أنه تماهٍ ضمني مع الرواية الإسرائيلية دون تبنٍّ مباشر للضربة. وقد رأت واشنطن أن تحميل دمشق مسؤولية التوتر الطائفي في مناطق مثل جرمانا والسويداء، يمكّنها من توجيه رسالة مزدوجة: فهي من جهة تُبقي على دعمها لإسرائيل، ومن جهة أخرى تضغط على الحكومة السورية الجديدة "لضبط سلوكها الأمني"، دون تقويض مسارها الانتقالي. غير أن واشنطن، وعلى النقيض من إسرائيل، تظل حذرة من أي تصعيد يمكن أن يقوض الانتقال السياسي في سوريا. يأتي هذا الحذر الأميركي في ظل قناعة متزايدة لدى الأوساط الغربية بأن إسرائيل تسعى، عبر تكثيف عملياتها العسكرية، إلى فرض وقائع جديدة على دمشق، مستغلة حالة السيولة السياسية وضعف البنية العسكرية للدولة بعد الحرب، وأن الاستراتيجية الإسرائيلية الراهنة تقوم على الضغط العسكري-الدبلوماسي لإجبار الحكومة السورية الجديدة على قبول الوجود الإسرائيلي على أراضيها وفي أجوائها كأمر واقع، ووضع ضغوط مستمرة على الإدارة الجديدة في دمشق. من هذا المنطلق، تبدو واشنطن وكأنها تلعب دور "الكابح" في هذا المسار، فهي راضية عن النفوذ الإسرائيلي في معادلة الردع الإقليمي بما يشمل سوريا، لكنها لا ترغب أيضا في زيادة التصعيد العسكري إلى الحد الذي يخلق فوضى تقوض عملية الانتقال السياسي في دمشق. وفي ضوء هذه الرغبة الأميركية، يمكننا قراءة التهدئة النسبية في نبرة المسؤولين الإسرائيليين تجاه النظام السوري الجديد. ففي 12 مايو/أيار الحالي، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر ، بأن إسرائيل "تسعى لعلاقات جيدة مع الحكومة السورية الجديدة"، رغم إقراره بوجود مخاوف أمنية مستمرة تجاهها. التحول في لهجة إسرائيل لم يأتِ من فراغ، بل تزامن مع إعلان استعادة رفات الجندي تسفيكا فيلدمان الذي فُقد منذ عام 1982، في عملية نُفّذت داخل العمق السوري، ما اعتُبر مؤشرا على وجود تفاهمات أمنية غير معلنة بين الطرفين. بالتوازي مع هذه التطورات، خرج الرئيس السوري أحمد الشرع عن المألوف، معلن ا في مؤتمر صحفي بالعاصمة الفرنسية باريس عن وجود محادثات غير مباشرة مع إسرائيل بوساطة دولية، تهدف إلى تهدئة التوترات في الجنوب السوري، ومنع الانزلاق نحو حرب مفتوحة. كما أكد التزام حكومته باتفاقية فصل القوات لعام 1974، في خطوة فُهمت على أنها رغبة سورية في احتواء التصعيد بدل مواجهته، وهو ما ينسجم مع تطلعات الولايات المتحدة لاستقرار سياسي وأمني طويل الأمد في سوريا. ومن جهة واشنطن، جاءت أبرز إشارة سياسية في هذا السياق من رفض إدارة ترامب طلبا إسرائيليا بالإبقاء على العقوبات الاقتصادية ضد دمشق، وهو ما كشفته تقارير صحفية مؤخرا. هذا الرفض عكس إدراكًا أميركيًا بأن المبالغة في الضغط على سوريا الجديدة قد تعيق انخراطها البنّاء في الملفات الإقليمية، بما في ذلك ملف التطبيع مع إسرائيل نفسه. كما يبرز أن واشنطن صارت تنظر بعين القلق إلى أي سلوك إسرائيلي قد يقوض مشروعها الناشئ في بناء شريك سوري موثوق ومتوازن. في المحصلة، تلعب الولايات المتحدة في هذه المرحلة دورًا معقّدًا ومزدوجًا بين دعمها لإسرائيل ورغبتها في الانخراط مع الإدارة السورية الجديدة وتجنب الانزلاق إلى مواجهة إقليمية تعيق عملية الانتقال السياسي السورية. ويبدو أن هذا التوازن سيتطلب من واشنطن مناورة دقيقة مستمرة بين الحليف التقليدي والشريك المحتمل الجديد، لضمان استقرار المعادلة الأمنية في مرحلة ما بعد الأسد. قسد ودمشق.. دمج معقّد في ظل التحول الأميركي يُعد الدعم الأميركي المستمر لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) أحد أبرز مصادر التوتر المحتمل بين واشنطن والحكومة السورية الجديدة. فمنذ وقت مبكر من عمر الصراع في سوريا، اعتمدت الولايات المتحدة على "قسد" شريكًا أساسيًا في الحرب ضد تنظيم الدولة، ووفرت لها غطاءً جويًا ودعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا. ورغم زوال نظام الأسد ، لا تزال واشنطن تحتفظ بحوالي 900 جندي أميركي في مناطق شمال وشرق سوريا، وهو ما يُثير مخاوف القيادة السورية الجديدة من خطر التفكك الوطني أو محاولات الأكراد لفرض حكم ذاتي خارج سيطرة الدولة المركزية. وقد شهد شهر مارس/آذار الماضي توقيع اتفاق غير مسبوق بين قيادة قوات قسد والحكومة السورية الانتقالية في دمشق. وقتها، ظهر الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي وهما يوقعان وثيقة من 8 بنود تمهد لإعادة توحيد الأراضي السورية تحت سلطة الدولة. نص الاتفاق على دمج مؤسسات قسد المدنية والعسكرية في مؤسسات الدولة، ووضع الموارد الاستراتيجية (المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز) تحت سيطرة الحكومة المركزية، واعتبر الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء الانقسام الجغرافي الذي عانته سوريا، وخطوة على طريق الاستقرار السياسي والأمني. إعلان وقد رحبت واشنطن وحلفاؤها الغربيون بالاتفاق، إذ أعلنت الخارجية الأميركية دعمها لاتفاق الشرع-عبدي بوصفه "خطوة نحو سوريا جديدة جامعة لكل أبنائها"، كما كشف مسؤولون أميركيون أن واشنطن أدّت دور الوسيط خلف الكواليس لتقريب وجهات النظر بين الأكراد والحكومة السورية، وفق ما أوردته "وول ستريت جورنال". غير أن تنفيذ هذا الاتفاق، رغم الترحيب الإقليمي والدولي به، لم يكن سَلِسًا كما بدا في بادئ الأمر. فمن جهة، أعلنت دمشق استلامها السيطرة على بعض الحقول الحيوية مثل العمر والشدادي، وبدأت عمليات تنسيق أمني مع قسد ضد فلول تنظيم الدولة، بدعم وتسهيل من واشنطن. ومن جهة أخرى، برزت عدة تحديات معقدة بدأت تُهدّد استمرارية التفاهم، وعلى رأسها الطريقة التي سيجري بها دمج الفصائل الكردية ضمن الجيش السوري الجديد. ومع توقيع الاتفاق، أوفدت تركيا مسؤولين إلى دمشق لبحث تفاصيل الدمج، وأكّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن وفدًا تركيًا ناقش اتفاق الحكومة السورية وقسد خلال زيارة للعاصمة السورية، وفق ما أوردته وكالة رويترز. وتشمل اهتمامات تركيا الرئيسية بشأن الاتفاق؛ ضمان عدم وجود مقاتلين أجانب منتمين إلى حزب العمال الكردستاني (الذي أعلن حل نفسه مؤخرا) ضمن الهيكلية الجديدة، مع إخراجهم من سوريا وإعادتهم إلى بلدانهم، بالإضافة إلى ضمان أمن الحدود وسلامة المجتمعات المحلية مثل التركمان. في الداخل السوري، لم يكن المشهد أقل اضطرابا، إذ تسبّب الاتفاق في انقسام داخلي حاد ضمن صفوف قسد نفسها، حيث عبّر عدد من القادة العسكريين المحليين (خصوصًا في منبج والقامشلي) عن رفضهم المطلق للاندماج الكامل ضمن الجيش السوري، واعتبروا ذلك تهديدًا لوجودهم، حتى إن بعضهم طالب باستمرار الحكم الذاتي تحت إشراف دولي، بينما لوّح آخرون بتعليق التعاون مع دمشق إذا لم تُحترم الخصوصية الثقافية والإدارية للأكراد. ولم يكن الغموض بشأن مستقبل الوجود الأميركي في المنطقة أقل تأثيرًا، فواشنطن رغم إشرافها على صياغة الاتفاق، لم تعلن عن أي جدول زمني واضح لانسحاب قواتها. هذا التأرجح أربك حسابات قسد، التي تخشى أن تُترك في مواجهة مباشرة مع الحكومة الجديدة أو مع تركيا حال حدوث انسحاب مفاجئ. غير أن التحول الواضح في السياسة تجاه قسد، تمثّل في إدراج تفهم جوهري خلال قمة الرياض التي جمعت الرئيسين الأميركي والسوري، إذ اشترط ترامب على الحكومة السورية تقديم ضمانات واضحة بشأن إدارة مراكز اعتقال عناصر "تنظيم الدولة" شمال شرق البلاد، والتي تديرها قسد منذ سنوات. هذا المطلب يعد مؤشرا أوليا لا يمكن تجاهله على تراجع أهمية قسد بالنسبة للأميركيين، ورغبة واشنطن في نقل الأعباء الأمنية إلى الدولة السورية الجديدة. ويشير ذلك -ربما- أن واشنطن ترى أن مسؤولية احتجاز ومحاكمة العناصر المتطرفة يجب أن تتحول من كيان غير معترف به دوليًا إلى حكومة شرعية مركزية قادرة على إنفاذ القانون في جميع أراضيها. باختصار، يمكن القول إن اتفاق مارس/آذار 2025 بين قسد والحكومة السورية أسس لمرحلة جديدة من التفاعل السياسي – الأمني، لكنه ما زال هشًا ويواجه تحديات داخلية وإقليمية معقدة. ويظل نجاحه مرهونا بمعالجة الانقسامات الكردية الداخلية، واستيعاب المكوّن الكردي دون تهميش، والأهم؛ التزام قسد بتعهداتها بالتخلي عن الطموحات الانفصالية، فضلا عن الضمانات الأميركية لتنفيذ الاتفاق على الأقل في المرحلة الانتقالية، حيث ترى الحكومة السورية الجديدة أن إعادة بناء هياكل الدولة الأمنية لا يمكن أن تُجرى في ظل جيش موازٍ، وتطالب واشنطن بوقف دعم قسد أو ضمان دمجها في المؤسسة العسكرية الوطنية. إعادة تعريف في الختام، يتضح أن الدور الأميركي في سوريا ما بعد الأسد لم يتراجع، بل أعيد تشكيله وفق مقاربة أكثر واقعية تتلاءم مع الحقائق الجديدة، حيث انتقلت واشنطن من سياسة إدارة الصراع إلى إدارة الانتقال، ومن دعم الكيانات غير الرسمية إلى التنسيق المشروط مع الدولة المركزية الناشئة. ويبرز ذلك بوضوح في ثلاثة ملفات مركزية شكّلت اختبارًا لجدية التحول الأميركي: أولا، مثّلت العقوبات أداة مركزية في يد واشنطن استخدمتها للضغط على النظام السابق، لكنها تحوّلت في عهد الحكومة الانتقالية إلى ورقة مساومة، كما أظهرت قمة الرياض التي ربط فيها الرئيس ترامب رفع العقوبات بخارطة شروط أمنية وسياسية واضحة، في مقدمتها سياسة النظام الجديد تجاه إسرائيل ومصير "المليشيات الأجنبية"، وهي ملفات شائكة قابلة للانفجار في أي وقت. ثانيًا، تعمل واشنطن على ضبط إيقاع التصعيد الإسرائيلي داخل سوريا. ورغم تمسّك الولايات المتحدة بحق إسرائيل "المزعوم" في "الدفاع عن النفس"، فإنها عبّرت عن رفض "ضمني" لتوسيع دائرة العمليات على نحو يهدد الاستقرار السياسي السوري، وهو ما يعكس رغبتها في احتواء الحليف، لا إطلاق يده دون حساب. ثالثا، حافظت الولايات المتحدة على دعم قوات قسد لسنوات كشريك ميداني، لكنها أظهرت بوادر تحوّل استراتيجي من خلال الدفع نحو اتفاق الدمج مع دمشق، ثم اشتراطها في قمة الرياض أن تتحمل الحكومة السورية مسؤولية سجون مقاتلي تنظيم الدولة، في ما يُعدّ تخليًا تدريجيًا عن "قسد" كشريك سياسي، والبحث لصالح عملية انتقال سياسي ترغب واشنطن أن تكون أكثر سلاسة وتنظيما. في المحصلة، ترسم هذه الوقائع ملامح دور أميركي جديد في سوريا لا هو بالانسحاب الكامل، ولا بالتورط المباشر، بل شراكة أمنية مشروطة، تتقاطع فيها مصالح واشنطن مع استقرار دمشق. وهي معادلة دقيقة، يبدو أن نجاحها مرتبط بقدرة الطرف السوري على التوازن بين الاستجابة للمطالب الغربية دون التفريط في سيادة البلاد، كما يرتبط بقدرة واشنطن على ضبط سقف مطالبها من النظام الجديد دون أن تخاطر بتقويضه، مع منحه ما يكفي من الحوافز لاستكمال عملية الاندماج ضمن المجتمع الدولي.

حين يصبح الهدم بداية جديدة.. نازحو الشمال السوري يعودون لديارهم
حين يصبح الهدم بداية جديدة.. نازحو الشمال السوري يعودون لديارهم

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • منوعات
  • الجزيرة

حين يصبح الهدم بداية جديدة.. نازحو الشمال السوري يعودون لديارهم

دمشق-"انتهت تلك الرحلة البائسة وحان وقت العودة"، بهذه الكلمات وصف محمد العمار سنوات تهجيره التي قضاها في مخيم الجزيرة بمنطقة أطمة في ريف إدلب الشمالي، بعد أن هدم خيمته، وحزم أمتعته، وعاد إلى بلدته في سهل الغاب في ريف حماة الغربي. تضم منطقة أطمة، الواقعة على الحدود السورية التركية، مئات المخيمات، يقطنها مئات آلاف النازحين، وقد بدأ العديد منهم بالمغادرة والعودة إلى منازلهم بعد تحرير مناطقهم من نظام الأسد. يقول العمار للجزيرة نت "مرت هذه الأيام علينا بقسوة، إنها ذكرى مؤلمة لا أتمناها حتى في المنام، كنت أشاهد أطفالي يرتجفون برداً كل شتاء، ويحترقون تحت سقف الخيمة الذي كان يشتعل نارًا في الصيف دون حول لي ولا قوة". ويضيف، أنه قرر هدم الخيمة لتبقى أثرًا لمعاناة المهجرين، رغم أنه كان قد طوَّرها قبل سنتين من النايلون إلى البناء الإسمنتي والطوب، لتخفف عنهم حر الشمس في تلك المناطق الخالية من الأشجار، ولكن دون جدوى. أطلال النزوح وفي مشهد يوحي بواقع جديد بعد تحرير المناطق وسقوط النظام، بدت العديد من المخيمات في ريف إدلب الشمالي خالية من ساكنيها، وتحولت إلى مساحات يشوبها الصمت والفراغ، وتشهد على واحدة من أقسى فصول النزوح السوري. إعلان وعند مدخل أحد المخيمات القريبة من بلدة قاح، تتناثر الخيام الممزقة، وأدوات الطبخ البسيطة، وملابس الأطفال التي لا تزال معلقة على حبال الغسيل المهترئة. يقول أحمد ديب، مدير مخيم، غادر نصف سكانه بمنطقة سرمدا في ريف إدلب الشمالي "رغم مغادرة معظم القاطنين، بقيت آثارهم واضحة في كل زاوية في المخيم". ويضيف للجزيرة نت، "داخل بعض الخيام يمكن رؤية الفراش المهترئ ولعب الأطفال المحطمة وكتبهم المدرسية التي تركوها خلفهم على عجل، بعد أن جاء قرار الرحيل سريعا بعد التحرير، أو ربما اضطراريا، دون قدرة على حمل الذكريات أو الممتلكات، فقد سئم الناس من عيشة الخيام". ورغم أن كثيرا من الأهالي -يواصل ديب- ربما لم تكن بيوتهم جاهزة، لكنهم قرروا نصب خيام مؤقتة داخل منازلهم المدمرة في قراهم، مفضلين حياة الريف على البقاء في المخيم، لعلهم يستطيعون استصلاح أراضيهم الزراعية، خاصة في ظل انعدام فرص العمل في المخيمات. أسباب البقاء ورغم هذا الإخلاء، لا يزال كثير من الأفراد والعائلات يقيمون في المخيمات لأسباب متعددة، منها غياب الخدمات الأساسية في مناطقهم، وتدمير منازلهم، وغياب المراكز الطبية، إضافة إلى الخشية من مخلفات الحرب. تقول عائشة النجار، وهي إحدى المعلمات المهجّرات منذ 6 سنوات، إنها اتخذت قرارا بعدم العودة إلى قريتها حاليًا لأسباب عدة، أهمها ارتباطها بعملها في التدريس، وعدم ترميم المدارس في قريتهم بعد. وتضيف أن الشوق للعودة يقض مضاجعهم، وأن الاجتماع مع الأقارب والأصدقاء حلم، لكن العودة في ظل غياب الكهرباء والمياه والمدارس والنقاط الطبية هي "انتحار" لأي عائلة، لأنه لا توجد مقومات للحياة. من جهته، يقول أيهم العبد الله، وهو مهجر من ريف إدلب الشرقي: إن العمل يحول دون عودة قسم كبير من النازحين، وإن الذين فتحوا مصالح تجارية ودفعوا أموالاً خلال سنوات النزوح في مناطق الشمال السوري لا يمكن أن يتركوها فوراً ويعودوا إلى مناطقهم ليجلسوا دون عمل. ويضيف للجزيرة نت، أن الحل الأمثل لتشجيع النازحين والمهجَّرين على العودة، هو إطلاق مشاريع لترميم منازلهم، وتشغيل عجلة الاقتصاد من مستثمرين لتنشيط الحركة التجارية في المناطق المدمرة. دعم العودة وفي السياق، أطلق نشطاء وإعلاميون سوريون مبادرة وطنية باسم "عودتهم حق"، تهدف إلى دعم عودة المهجَّرين والنازحين داخليًا إلى قراهم ومناطقهم الأصلية، خصوصا في شمال سوريا. وتسعى الحملة إلى تسليط الضوء على معاناة المهجرين في المخيمات، والمطالبة بتوفير الظروف المناسبة لعودتهم الكريمة والآمنة. وقال الإعلامي السوري محمد الفيصل، أحد المشاركين في الحملة، إن هدفها إعادة المهجرين إلى قراهم، مع التركيز على المناطق المتضررة من خلال المطالبة بترميم المدارس والمساجد والمراكز الصحية، مشيرًا إلى أن الحملة تسعى أيضًا إلى حشد الدعم الشعبي والإعلامي لقضية المهجرين. وتعمل الحملة -حسب الفيصل- على إنتاج مقاطع فيديو توعوية تُبرز معاناة المهجَّرين، وتنظيم فعاليات ميدانية في مناطق مثل إدلب و دمشق ، بهدف رفع الوعي وتشجيع المشاركة المجتمعية.

العقوبات وإسرائيل وقسد.. ماذا تريد أميركا من سوريا الجديدة؟
العقوبات وإسرائيل وقسد.. ماذا تريد أميركا من سوريا الجديدة؟

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • سياسة
  • الجزيرة

العقوبات وإسرائيل وقسد.. ماذا تريد أميركا من سوريا الجديدة؟

عادة ما تواجه الدول التي تخوض فترات ما بعد النزاعات المسلحة، وتعاني من عدم استقرار أمني واضطراب سياسي، تحديات كبيرة موروثة من زمان الصراع، وهو ما يتطلب عادة من تلك الدول، والأنظمة الجديدة التي تحكمها، البحث عن توازن خاص ودقيق في علاقاتها الدولية لضمان الدعم اللازم للدولة الجديدة، مع الحد من التنازلات التي قد تُفرض عليها. وفي السياق السوري، تتعامل الإدارة الجديدة مع الإرث الثقيل لنظام الأسد، وهي تتلمس خطاها للبحث عن التوازن المطلوب وسط العديد من الصراعات المحتدمة والقوى الإقليمية والدولية الساعية لضمان مصالحها. وتُعدّ الولايات المتحدة الطرف الأهم في صياغة هذا التوازن، نظرًا لاستمرار وجودها العسكري في شمال شرق سوريا، ودورها في دعم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وتحكّمها المباشر في العديد من أدوات الضغط الاقتصادي والعسكري. غير أن قمة الرياض التي جمعت الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو/أيار 2025، مثّلت نقطة تحوّل في السياسة الأميركية تجاه دمشق، التي تزامنت مع الإعلان عن بدء رفع العقوبات، مقابل التزامات سياسية وأمنية محددة. كما ظهرت مؤشرات على تحول أميركي في ملف "قسد"، مع إبداء ترامب رغبته بأن تتولى الحكومة السورية الجديدة مسؤولية الإشراف على مراكز احتجاز عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (الواقعة حاليا تحت سيطرة قسد)، بحسب ما ورد في بيان المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفت على منصة إكس. وتعبر هذه الخطوة عن استعداد الولايات المتحدة لتقليص تحالفها مع قسد، والتعامل مع الإدارة السورية الجديدة. بالتوازي، تلعب واشنطن مؤخرا -على ما يبدو- دورًا موازنًا في ضبط التحركات العسكرية الإسرائيلية في الجنوب السوري، ورغم امتناعها عن انتقاد الغارات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع قرب العاصمة دمشق تحت ذريعة حماية الدروز ، فإنها وجهت الدعوة إلى "خفض التصعيد" و"حماية الأقليات الدينية". يركز هذا المقال على تحليل الدور الأمني الأميركي في سوريا ما بعد الأسد، وعلى المواقف المتبادلة التي قد تشكل مستقبل العلاقة الثنائية، من خلال تفكيك ثلاث قضايا محورية: سياسة العقوبات والربط بين رفعها وبين شروط أمنية سياسية محددة يتعين على النظام السوري الجديد الوفاء بها، ودور واشنطن في إدارة التوتر الإسرائيلي السوري، وأخيرا مسار العلاقة بين الحكومة الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية. العقوبات.. بوابة الانفتاح على سوريا مثّل اللقاء بين الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأميركي دونالد ترامب مؤخرا تطورًا نوعيًا غير مسبوق في مسار العلاقات السورية الأميركية. فهذا الاجتماع، الذي عُقد في الرياض برعاية سعودية، هو الأول من نوعه بين رئيس أميركي ورئيس سوري منذ 25 عامًا، إذ تعود آخر قمة مماثلة إلى لقاء حافظ الأسد وبيل كلينتون عام 2000. وحضر القمة إلى جانب ترامب والشرع، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (مضيف اللقاء) بينما شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر دائرة الاتصال المرئي، مما أبرز طبيعة التنسيق الدولي والإقليمي خلف هذا الحدث المفصلي. ويعكس هذا اللقاء مدى الأهمية التي توليها واشنطن للمتغيرات الجديدة في سوريا، كما يعكس استعداد ترامب للتصرف بشكل غير تقليدي أحيانا، حيث كان اللقاء مع الشرع محل خلاف داخل فريق الرئيس الأميركي حتى قبيل ساعات قليلة من زيارته للمنطقة. بيد أن لقاء ترامب والشرع لم يكن التطور الوحيد من ترامب تجاه سوريا، حيث أعلن الرئيس الأميركي عزمه رفع العقوبات الأميركية عن سوريا بصورة تدريجية. و وصف ترامب تلك العقوبات بأنها "وحشية" و"معيقة"، مؤكدًا أنه حان الوقت لكي "تنهض سوريا" من جديد. جاء هذا الإعلان بعد أكثر من عقد من عقوبات مشدّدة عزلت سوريا عن المنظومة المالية العالمية بشكل كلي. ومن الواضح أن واشنطن اعتمدت مقاربة جديدة في التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، تنتقل فيها من سياسة العزل والعقاب إلى سياسة الانخراط المشروط والدعم الحذر، فقد أبدى المسؤولون الأميركيون استعدادهم للعمل مع سلطات دمشق الانتقالية إذا التزمت بمسار التسوية السياسية وراعت المطالب الدولية، وهو نهج مقارب لرؤية حلفاء أميركا الأوروبيين الذين اعتبروا تشكيل الحكومة الجديدة معلمًا مهمًا في الانتقال السياسي في سوريا. لم يكن التحول في الموقف الأميركي حيال العقوبات وليد قرار أحادي، بل جاء ثمرة وساطات إقليمية مكثفة وجهود دبلوماسية مشتركة، فقد لعبت السعودية وتركيا وقطر دورًا محوريًا في إقناع إدارة ترامب بمنح دمشق فرصة جديدة؛ إذ كشف ترامب نفسه أن ولي العهد السعودي والرئيس التركي أسهما في التوسط لترتيب اجتماعه مع الرئيس الشرع ولاتخاذ قرار رفع العقوبات. كما رحبت قطر علنًا بالتوجه الأميركي الجديد، وبرز دعمها عبر القنوات الدبلوماسية لهذه الخطوة. ومن جانبها وجّهت الحكومة السورية الشكر إلى السعودية وقطر وتركيا لمساندتها جهود إنهاء العزلة الاقتصادية عن دمشق، معتبرةً أن وقوف الأشقاء العرب إلى جانبها ساهم بشكل مباشر في صدور القرار الأميركي. ويعكس هذا التنسيق توجّها إقليميًا على ضرورة انتشال الاقتصاد السوري من أزمته الخانقة وتهيئة الظروف لإعادة الإعمار، باعتبار ذلك جزءًا أساسيًا من ترسيخ الاستقرار في سوريا الجديدة. خلال المحادثات، طرح الرئيس ترامب بصورة واضحة خارطة مطالب أميركية من القيادة السورية الجديدة كأثمان سياسية وأمنية للتطبيع الكامل معها ورفع العقوبات وإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي. ووفق ما ورد في بيان متحدثة البيت الأبيض، حدد ترامب خمسة مطالب أساسية موجّهة للرئيس الشرع. أول هذه المطالب هو انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، في تحول جذري عن نهج الصراع السابق، وثانيها هو إخراج كافة المقاتلين الأجانب من سوريا، ويُفهَم منه خصوصًا المليشيات غير السورية التي كانت تنشط إبان الحرب (وفي طليعتها القوات الموالية لإيران)، كما يشمل أيضا المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب الثورة السورية وجرى دمج بعضهم مؤخرا ضمن وزارة الدفاع السورية الجديدة. أما المطلب الثالث فيتعلق بترحيل كوادر الفصائل الفلسطينية المسلحة المتواجدة على الأراضي السورية (وعلى رأسها حركتا حماس و الجهاد الإسلامي) إلى خارج البلاد، بما يبدد هواجس إسرائيل والولايات المتحدة حيال وجود تلك الجماعات. بعد ذلك يأتي المطلب الرابع وهو تعزيز التعاون مع واشنطن في مكافحة تنظيم الدولة ومنع عودته للظهور، بينما يُلزِم المطلب الخامس والأخير دمشق بتحمّل المسؤولية الكاملة عن مراكز احتجاز مقاتلي تنظيم الدولة في شمال شرق البلاد بدلًا من الاعتماد على قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي. من جانبه، أبدى الرئيس أحمد الشرع مرونة لافتة إزاء تلك المطالب، سعيًا منه للاستفادة القصوى من فرصة الانفتاح الأميركي. وبحسب بيان متحدثة البيت الأبيض، شكر الشرع الرئيس ترامب والأمير محمد بن سلمان والرئيس أردوغان على جهودهم في تنظيم اللقاء، معتبرًا أن خروج القوات الإيرانية من سوريا قد أتاح "فرصة مهمة" لاستعادة سيادة سوريا الكاملة وبناء شراكات جديدة. كما أكّد الشرع -وفق البيان- التزامه الثابت باتفاق فك الاشتباك مع إسرائيل لعام 1974 كأساس لضمان أمن الحدود، وأبدى انفتاحًا على فكرة التحاق سوريا بركب "السلام الإقليمي" عندما تسمح الظروف بذلك. وفي خطوة رمزية تعبّر عن الرغبة في كسب ثقة الأميركيين، عرض منح الشركات الأميركية أولوية في الاستثمار بقطاع النفط والغاز السوري. هذه المواقف السورية الإيجابية قوبلت بترحيب حذر من الجانب الأميركي، حيث اعتبر ترامب أن لدى الشرع فرصة تاريخية لتحقيق تحوّل حقيقي في بلاده إذا نفّذ تلك التعهدات، مؤكدًا استعداد واشنطن لمواكبة هذا التحول ودعمه بخطوات ملموسة على الأرض. واشنطن بين دمشق وإسرائيل يُعد ملف العلاقة غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل داخل الأراضي السورية من أعقد التحديات التي تواجه السياسة الأميركية تجاه دمشق ما بعد الأسد، إذ لطالما شكلت الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا، خصوصًا ضد أهداف مرتبطة بإيران أو حزب الله اللبناني، عامل توتر دائم. ومع سقوط نظام الأسد، وظهور حكومة انتقالية بدأت تنال دعما وزخما دوليا، دخلت واشنطن في حالة توازن دبلوماسي حساس بين شراكتها التاريخية مع إسرائيل وبين محاولتها دعم الاستقرار السياسي في سوريا الجديدة. من جهة، لا تخفي تل أبيب نيتها في مواصلة نهجها العسكري، وتستغل انشغال السوريين بالانتقال السياسي من أجل ترسيخ وجودها في الأراضي والأجواء السورية، بل وتُبرر تصعيدها أحيانًا بذريعة "حماية الأقليات" كما حصل عقب الضربة الإسرائيلية التي استهدفت محيط القصر الجمهوري. ورغم أن الولايات المتحدة لم تؤيد هذه العملية بشكل علني، فإنها امتنعت عن إدانتها أيضًا. وبدلاً من ذلك، ركّز بيان الخارجية الأميركية على إدانة ما وصفه "بالعنف والتحريض ضد أبناء الطائفة الدرزية في سوريا"، داعيا إلى "خفض التصعيد وحماية المكونات الدينية، في موقف فسّره مراقبون على أنه تماهٍ ضمني مع الرواية الإسرائيلية دون تبنٍّ مباشر للضربة. وقد رأت واشنطن أن تحميل دمشق مسؤولية التوتر الطائفي في مناطق مثل جرمانا والسويداء، يمكّنها من توجيه رسالة مزدوجة: فهي من جهة تُبقي على دعمها لإسرائيل، ومن جهة أخرى تضغط على الحكومة السورية الجديدة "لضبط سلوكها الأمني"، دون تقويض مسارها الانتقالي. غير أن واشنطن، وعلى النقيض من إسرائيل، تظل حذرة من أي تصعيد يمكن أن يقوض الانتقال السياسي في سوريا. يأتي هذا الحذر الأميركي في ظل قناعة متزايدة لدى الأوساط الغربية بأن إسرائيل تسعى، عبر تكثيف عملياتها العسكرية، إلى فرض وقائع جديدة على دمشق، مستغلة حالة السيولة السياسية وضعف البنية العسكرية للدولة بعد الحرب، وأن الاستراتيجية الإسرائيلية الراهنة تقوم على الضغط العسكري-الدبلوماسي لإجبار الحكومة السورية الجديدة على قبول الوجود الإسرائيلي على أراضيها وفي أجوائها كأمر واقع، ووضع ضغوط مستمرة على الإدارة الجديدة في دمشق. من هذا المنطلق، تبدو واشنطن وكأنها تلعب دور "الكابح" في هذا المسار، فهي راضية عن النفوذ الإسرائيلي في معادلة الردع الإقليمي بما يشمل سوريا، لكنها لا ترغب أيضا في زيادة التصعيد العسكري إلى الحد الذي يخلق فوضى تقوض عملية الانتقال السياسي في دمشق. وفي ضوء هذه الرغبة الأميركية، يمكننا قراءة التهدئة النسبية في نبرة المسؤولين الإسرائيليين تجاه النظام السوري الجديد. ففي 12 مايو/أيار الحالي، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر ، بأن إسرائيل "تسعى لعلاقات جيدة مع الحكومة السورية الجديدة"، رغم إقراره بوجود مخاوف أمنية مستمرة تجاهها. التحول في لهجة إسرائيل لم يأتِ من فراغ، بل تزامن مع إعلان استعادة رفات الجندي تسفيكا فيلدمان الذي فُقد منذ عام 1982، في عملية نُفّذت داخل العمق السوري، ما اعتُبر مؤشرا على وجود تفاهمات أمنية غير معلنة بين الطرفين. بالتوازي مع هذه التطورات، خرج الرئيس السوري أحمد الشرع عن المألوف، معلن ا في مؤتمر صحفي بالعاصمة الفرنسية باريس عن وجود محادثات غير مباشرة مع إسرائيل بوساطة دولية، تهدف إلى تهدئة التوترات في الجنوب السوري، ومنع الانزلاق نحو حرب مفتوحة. كما أكد التزام حكومته باتفاقية فصل القوات لعام 1974، في خطوة فُهمت على أنها رغبة سورية في احتواء التصعيد بدل مواجهته، وهو ما ينسجم مع تطلعات الولايات المتحدة لاستقرار سياسي وأمني طويل الأمد في سوريا. ومن جهة واشنطن، جاءت أبرز إشارة سياسية في هذا السياق من رفض إدارة ترامب طلبا إسرائيليا بالإبقاء على العقوبات الاقتصادية ضد دمشق، وهو ما كشفته تقارير صحفية مؤخرا. هذا الرفض عكس إدراكًا أميركيًا بأن المبالغة في الضغط على سوريا الجديدة قد تعيق انخراطها البنّاء في الملفات الإقليمية، بما في ذلك ملف التطبيع مع إسرائيل نفسه. كما يبرز أن واشنطن صارت تنظر بعين القلق إلى أي سلوك إسرائيلي قد يقوض مشروعها الناشئ في بناء شريك سوري موثوق ومتوازن. في المحصلة، تلعب الولايات المتحدة في هذه المرحلة دورًا معقّدًا ومزدوجًا بين دعمها لإسرائيل ورغبتها في الانخراط مع الإدارة السورية الجديدة وتجنب الانزلاق إلى مواجهة إقليمية تعيق عملية الانتقال السياسي السورية. ويبدو أن هذا التوازن سيتطلب من واشنطن مناورة دقيقة مستمرة بين الحليف التقليدي والشريك المحتمل الجديد، لضمان استقرار المعادلة الأمنية في مرحلة ما بعد الأسد. قسد ودمشق.. دمج معقّد في ظل التحول الأميركي يُعد الدعم الأميركي المستمر لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) أحد أبرز مصادر التوتر المحتمل بين واشنطن والحكومة السورية الجديدة. فمنذ وقت مبكر من عمر الصراع في سوريا، اعتمدت الولايات المتحدة على "قسد" شريكًا أساسيًا في الحرب ضد تنظيم الدولة، ووفرت لها غطاءً جويًا ودعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا. ورغم زوال نظام الأسد ، لا تزال واشنطن تحتفظ بحوالي 900 جندي أميركي في مناطق شمال وشرق سوريا، وهو ما يُثير مخاوف القيادة السورية الجديدة من خطر التفكك الوطني أو محاولات الأكراد لفرض حكم ذاتي خارج سيطرة الدولة المركزية. وقد شهد شهر مارس/آذار الماضي توقيع اتفاق غير مسبوق بين قيادة قوات قسد والحكومة السورية الانتقالية في دمشق. وقتها، ظهر الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي وهما يوقعان وثيقة من 8 بنود تمهد لإعادة توحيد الأراضي السورية تحت سلطة الدولة. نص الاتفاق على دمج مؤسسات قسد المدنية والعسكرية في مؤسسات الدولة، ووضع الموارد الاستراتيجية (المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز) تحت سيطرة الحكومة المركزية، واعتبر الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء الانقسام الجغرافي الذي عانته سوريا، وخطوة على طريق الاستقرار السياسي والأمني. إعلان وقد رحبت واشنطن وحلفاؤها الغربيون بالاتفاق، إذ أعلنت الخارجية الأميركية دعمها لاتفاق الشرع-عبدي بوصفه "خطوة نحو سوريا جديدة جامعة لكل أبنائها"، كما كشف مسؤولون أميركيون أن واشنطن أدّت دور الوسيط خلف الكواليس لتقريب وجهات النظر بين الأكراد والحكومة السورية، وفق ما أوردته "وول ستريت جورنال". غير أن تنفيذ هذا الاتفاق، رغم الترحيب الإقليمي والدولي به، لم يكن سَلِسًا كما بدا في بادئ الأمر. فمن جهة، أعلنت دمشق استلامها السيطرة على بعض الحقول الحيوية مثل العمر والشدادي، وبدأت عمليات تنسيق أمني مع قسد ضد فلول تنظيم الدولة، بدعم وتسهيل من واشنطن. ومن جهة أخرى، برزت عدة تحديات معقدة بدأت تُهدّد استمرارية التفاهم، وعلى رأسها الطريقة التي سيجري بها دمج الفصائل الكردية ضمن الجيش السوري الجديد. ومع توقيع الاتفاق، أوفدت تركيا مسؤولين إلى دمشق لبحث تفاصيل الدمج، وأكّد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن وفدًا تركيًا ناقش اتفاق الحكومة السورية وقسد خلال زيارة للعاصمة السورية، وفق ما أوردته وكالة رويترز. وتشمل اهتمامات تركيا الرئيسية بشأن الاتفاق؛ ضمان عدم وجود مقاتلين أجانب منتمين إلى حزب العمال الكردستاني (الذي أعلن حل نفسه مؤخرا) ضمن الهيكلية الجديدة، مع إخراجهم من سوريا وإعادتهم إلى بلدانهم، بالإضافة إلى ضمان أمن الحدود وسلامة المجتمعات المحلية مثل التركمان. في الداخل السوري، لم يكن المشهد أقل اضطرابا، إذ تسبّب الاتفاق في انقسام داخلي حاد ضمن صفوف قسد نفسها، حيث عبّر عدد من القادة العسكريين المحليين (خصوصًا في منبج والقامشلي) عن رفضهم المطلق للاندماج الكامل ضمن الجيش السوري، واعتبروا ذلك تهديدًا لوجودهم، حتى إن بعضهم طالب باستمرار الحكم الذاتي تحت إشراف دولي، بينما لوّح آخرون بتعليق التعاون مع دمشق إذا لم تُحترم الخصوصية الثقافية والإدارية للأكراد. ولم يكن الغموض بشأن مستقبل الوجود الأميركي في المنطقة أقل تأثيرًا، فواشنطن رغم إشرافها على صياغة الاتفاق، لم تعلن عن أي جدول زمني واضح لانسحاب قواتها. هذا التأرجح أربك حسابات قسد، التي تخشى أن تُترك في مواجهة مباشرة مع الحكومة الجديدة أو مع تركيا حال حدوث انسحاب مفاجئ. غير أن التحول الواضح في السياسة تجاه قسد، تمثّل في إدراج تفهم جوهري خلال قمة الرياض التي جمعت الرئيسين الأميركي والسوري، إذ اشترط ترامب على الحكومة السورية تقديم ضمانات واضحة بشأن إدارة مراكز اعتقال عناصر "تنظيم الدولة" شمال شرق البلاد، والتي تديرها قسد منذ سنوات. هذا المطلب يعد مؤشرا أوليا لا يمكن تجاهله على تراجع أهمية قسد بالنسبة للأميركيين، ورغبة واشنطن في نقل الأعباء الأمنية إلى الدولة السورية الجديدة. ويشير ذلك -ربما- أن واشنطن ترى أن مسؤولية احتجاز ومحاكمة العناصر المتطرفة يجب أن تتحول من كيان غير معترف به دوليًا إلى حكومة شرعية مركزية قادرة على إنفاذ القانون في جميع أراضيها. باختصار، يمكن القول إن اتفاق مارس/آذار 2025 بين قسد والحكومة السورية أسس لمرحلة جديدة من التفاعل السياسي – الأمني، لكنه ما زال هشًا ويواجه تحديات داخلية وإقليمية معقدة. ويظل نجاحه مرهونا بمعالجة الانقسامات الكردية الداخلية، واستيعاب المكوّن الكردي دون تهميش، والأهم؛ التزام قسد بتعهداتها بالتخلي عن الطموحات الانفصالية، فضلا عن الضمانات الأميركية لتنفيذ الاتفاق على الأقل في المرحلة الانتقالية، حيث ترى الحكومة السورية الجديدة أن إعادة بناء هياكل الدولة الأمنية لا يمكن أن تُجرى في ظل جيش موازٍ، وتطالب واشنطن بوقف دعم قسد أو ضمان دمجها في المؤسسة العسكرية الوطنية. إعادة تعريف في الختام، يتضح أن الدور الأميركي في سوريا ما بعد الأسد لم يتراجع، بل أعيد تشكيله وفق مقاربة أكثر واقعية تتلاءم مع الحقائق الجديدة، حيث انتقلت واشنطن من سياسة إدارة الصراع إلى إدارة الانتقال، ومن دعم الكيانات غير الرسمية إلى التنسيق المشروط مع الدولة المركزية الناشئة. ويبرز ذلك بوضوح في ثلاثة ملفات مركزية شكّلت اختبارًا لجدية التحول الأميركي: أولا، مثّلت العقوبات أداة مركزية في يد واشنطن استخدمتها للضغط على النظام السابق، لكنها تحوّلت في عهد الحكومة الانتقالية إلى ورقة مساومة، كما أظهرت قمة الرياض التي ربط فيها الرئيس ترامب رفع العقوبات بخارطة شروط أمنية وسياسية واضحة، في مقدمتها سياسة النظام الجديد تجاه إسرائيل ومصير "المليشيات الأجنبية"، وهي ملفات شائكة قابلة للانفجار في أي وقت. ثانيًا، تعمل واشنطن على ضبط إيقاع التصعيد الإسرائيلي داخل سوريا. ورغم تمسّك الولايات المتحدة بحق إسرائيل "المزعوم" في "الدفاع عن النفس"، فإنها عبّرت عن رفض "ضمني" لتوسيع دائرة العمليات على نحو يهدد الاستقرار السياسي السوري، وهو ما يعكس رغبتها في احتواء الحليف، لا إطلاق يده دون حساب. ثالثا، حافظت الولايات المتحدة على دعم قوات قسد لسنوات كشريك ميداني، لكنها أظهرت بوادر تحوّل استراتيجي من خلال الدفع نحو اتفاق الدمج مع دمشق، ثم اشتراطها في قمة الرياض أن تتحمل الحكومة السورية مسؤولية سجون مقاتلي تنظيم الدولة، في ما يُعدّ تخليًا تدريجيًا عن "قسد" كشريك سياسي، والبحث لصالح عملية انتقال سياسي ترغب واشنطن أن تكون أكثر سلاسة وتنظيما. في المحصلة، ترسم هذه الوقائع ملامح دور أميركي جديد في سوريا لا هو بالانسحاب الكامل، ولا بالتورط المباشر، بل شراكة أمنية مشروطة، تتقاطع فيها مصالح واشنطن مع استقرار دمشق. وهي معادلة دقيقة، يبدو أن نجاحها مرتبط بقدرة الطرف السوري على التوازن بين الاستجابة للمطالب الغربية دون التفريط في سيادة البلاد، كما يرتبط بقدرة واشنطن على ضبط سقف مطالبها من النظام الجديد دون أن تخاطر بتقويضه، مع منحه ما يكفي من الحوافز لاستكمال عملية الاندماج ضمن المجتمع الدولي.

تجاوزات إسرائيل الخطرة في سورية
تجاوزات إسرائيل الخطرة في سورية

الغد

timeمنذ 3 أيام

  • سياسة
  • الغد

تجاوزات إسرائيل الخطرة في سورية

شيرا عفرون؛ وداني سيترينوفيتش* - (إندبندنت عربية) 27/4/2025 توسعت العمليات الإسرائيلية في سورية بعد سقوط نظام الأسد، بهدف إنشاء مناطق نفوذ وضمان أمنها، على الرغم من أن النظام الجديد، بقيادة أحمد الشرع، أبدى استعداداً للتعاون وتطبيع العلاقات. استمرار التصعيد الإسرائيلي من دون رؤية إستراتيجية يهدد بتأجيج تمرد محلي، ويفوت على إسرائيل فرصة عزل إيران وتحقيق استقرار إقليمي فعلي. اضافة اعلان * * * ازداد النشاط العسكري الإسرائيلي في سورية عدوانية في الأشهر التي أعقبت انهيار نظام الرئيس بشار الأسد. فقد استولى الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة التي أنشئت بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، التي كانت تخضع لرقابة الأمم المتحدة. كما نفذ أيضاً ضربات ممنهجة ضد البنية التحتية السورية، فقصف شبكات الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة، وأنظمة الصواريخ، والقدرات الاستخباراتية، وأقام تسعة مواقع عسكرية جديدة. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، مراراً، أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في سورية "إلى أجل غير مسمى". وفي آذار (مارس) الماضي، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خطط لإنشاء مناطق نفوذ من خلال عقد تحالفات مع الأقليات داخل سورية، بالإضافة إلى إقامة منطقة منزوعة السلاح بطول 30 ميلاً تمتد من الحدود الإسرائيلية إلى دمشق. يمثل كل هذا تحولاً جذرياً عن نهج إسرائيل الحذر تجاه جارتها الشمالية الشرقية. لطالما رأت إسرائيل أن بإمكانها التعايش مع نظام الأسد والسيطرة على سلوكه. وحين بدأ الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية بعد انهيار النظام في كانون الأول (ديسمبر) 2024، كان الهدف منها في البداية منع وقوع القدرات العسكرية الحساسة في أيدي جهات غير معروفة أو غير موثوقة. واليوم، تبدو مخاوف إسرائيل من الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، مفهومة، نظراً إلى تاريخه السابق مع جماعات إرهابية، خاصة أن لقبه العسكري السابق، "الجولاني"، قد يعكس رغبته في تحرير مرتفعات الجولان من الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل أصبحت تبالغ في تدخلها. بعد دخوله دمشق، سارع النظام السوري الجديد إلى تأكيد عدم رغبته في الدخول في صراع مع إسرائيل، بل وطرح احتمال تطبيع العلاقات. صحيح أن من الواجب الحكم على هذا النظام من خلال أفعاله وليس أقواله فحسب، لكنه في الوقت الراهن يقدم لإسرائيل فرصة ثمينة لعزل إيران، وتحويل سورية من خصم إلى جار مسالم، وتحقيق قدر من الاستقرار الإقليمي. وعلى الرغم من أن المخاوف الأمنية الحقيقية هي من بين دوافع السلوك الإسرائيلي في سورية، فإن هناك أيضاً رغبة واضحة لدى القيادة الإسرائيلية في إثبات القوة والعزيمة، سواء أمام جيرانها أو أمام جمهورها الداخلي الذي ما يزال يعاني من صدمة فشل الحكومة في حماية حدود البلاد في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وإذا انساقت القيادة الإسرائيلية خلف رغبة التصعيد والتوسع العسكري، فإنها قد تخلق عدواً جديداً لا وجود له حالياً. كما أنها ستفاقم التوتر مع تركيا، مما قد يدفع البلدين إلى حافة مواجهة عسكرية لا داعي لها. بدلاً من ذلك، ينبغي على إسرائيل أن توضح أن تدخلها الميداني مؤقت، وأن تسهم في التخفيف من الأزمة الإنسانية في سورية، وتتوقف عن تقويض الجهود التركية الهادفة إلى مساعدة الشرع في دعم استقرار البلاد ومواجهة النفوذ الإيراني. كذلك، ينبغي على إسرائيل أن تكون مستعدة للعمل مع دمشق، ما دامت الأخيرة لا تقوم بأعمال أو تدعم أطرافاً من شأنها تهديد أمنها. تحول في التوجه على مدى نحو ربع قرن من حكم الأسد، أصبحت سورية جزءاً لا يتجزأ مما يعرف بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران. وعمل الأسد على توثيق تحالفه الاستراتيجي مع "حزب الله"، وأسهم في تحويله إلى قوة مسلحة خطرة من خلال منحه الوصول إلى ترسانة الأسلحة السورية والقدرات الإستراتيجية التي حصل عليها من روسيا، بما في ذلك صواريخ باليستية متقدمة وأنظمة دفاع جوي. وقد تركت حرب العام 2006 ضد "حزب الله" أثراً عميقاً في الوعي الإسرائيلي، إذ اعتبر الحزب تلك الحرب انتصاراً له، بينما قضت إسرائيل العقد التالي وهي محجمة عن محاولة تفكيك هذا التحالف. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية في العام 2011، سعت إسرائيل إلى منع ترسيخ موطئ قدم لإيران و"حزب الله" داخل الأراضي السورية من خلال ما سمته "الحملة بين الحروب"، وهي سلسلة من العمليات العسكرية التي ركزت أساساً على منع تهريب الأسلحة إلى لبنان. وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن دعمها أياً من أطراف الصراع، فإن قادتها فضلوا بقاء الأسد، واعتبروه في أحاديثهم الخاصة "الشيطان الذي نعرفه"، وحرصوا على ألا تؤدي جهودهم في مواجهة النفوذ الإيراني إلى زعزعة حكمه. لم يتبدل نهج إسرائيل في سورية على الفور في أعقاب هجوم "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. غير أن هذا الهجوم المدمر أطلق العنان للتغيير. فقد كشف الهجوم عن أن إسرائيل أساءت تقدير نوايا وقدرات الخصم، وكان من الواضح أن أجهزة الأمن في البلاد اعتمدت أيضاً بصورة مفرطة على المراقبة الإلكترونية لتأمين الحدود مع غزة. وكان الدرس الذي تعلمه كثير من المسؤولين الإسرائيليين هو أن استراتيجيتهم "الهدوء مقابل الهدوء"؛ أي غض الطرف عن الاستفزازات الصغيرة لتجنب الصراع الكبير، قد منيت بالفشل. ونتيجة لذلك، غير الجيش الإسرائيلي عقيدته على طول حدود إسرائيل، فراح يركز على العمل الاستباقي وإيجاد ما يسمى المناطق العازلة داخل أراضي الخصوم. على مدار الأشهر الـ18 الماضية، ازدادت رغبة إسرائيل في ترسيخ المناطق العازلة. في آذار (مارس) الماضي، صرح وزير الدفاع، كاتس، بأن العمليات البرية الموسعة للجيش الإسرائيلي في غزة تهدف، جزئياً، إلى "الاستيلاء على أراض واسعة" تضاف بشكل دائم إلى "المناطق الأمنية لدولة إسرائيل". وفي لبنان، وعلى الرغم من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع "حزب الله" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، ومع أن حكومة جديدة أقل تأييداً لـ"حزب الله" قد تولت زمام الأمور في بيروت في شباط (فبراير) الماضي، فإن الجيش الإسرائيلي ما يزال متمركزاً في خمس نقاط إستراتيجية قرب الحدود، بهدف طمأنة المجتمعات الإسرائيلية الحدودية بأنها لن تُترك من دون حماية مرة أخرى. على الرغم من أن حملة إسرائيل الفتاكة ضد "حزب الله" وجهودها الرادعة ضد إيران، إضافة إلى انشغال روسيا في أوكرانيا، قد تركت الأسد بلا حماية، فإن انهيار نظامه فاجأ إسرائيل. وقد اضطرت إسرائيل إلى تطوير استراتيجية جديدة حول سورية على الفور، فتحركت حالاً لتدمير قواعد سلاح الجو السوري والطائرات العسكرية ومستودعات الصواريخ، وعززت تحصيناتها الحدودية، واستولت على المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة والبالغة مساحتها 145 ميلاً مربعاً. كما أقام الجيش الإسرائيلي مواقع جديدة داخل سورية، وشق طرقاً للوصول إليها، وحفر خنادق، ونشر مئات الجنود هناك. بداية خاطئة على الرغم من ذلك، فإن هذا النهج لا يحمل كثيراً من القيمة الإستراتيجية في الحالة السورية، بخلاف ما هو عليه في لبنان، إذ إن النظام السوري الجديد لا يشكل تهديداً وشيكاً لإسرائيل. وقد ظلت الحدود السورية الإسرائيلية هادئة طوال فترة الحرب على غزة، ولم تجبَر المجتمعات الإسرائيلية القريبة منها على النزوح. كما شدد القادة الجدد في دمشق، مراراً، على نيتهم إشراك الأقليات والعلمانيين في الحكم، وبذلوا جهوداً لكسب ثقة الأطراف الغربية. وتخلى نظام الشرع عن الخطاب الرسمي المعادي لإسرائيل، بل تعهد باحترام اتفاق فصل القوات الذي أبرمته سورية مع إسرائيل في العام 1974، الذي نص على وقف إطلاق نار مفتوح الأجل. وقال الشرع في كانون الأول (ديسمبر): "لا نريد أي صراع، لا مع إسرائيل ولا مع غيرها"، مضيفاً "لن نسمح باستخدام سورية كنقطة انطلاق لأي هجمات". ما يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيلتزم الشرع بهذه الوعود، ولكن عوضاً عن التريث وتقييم الموقف، بدأ كثير من القادة الإسرائيليين في التعامل مع حكومته كما لو أنها عدو محتمل حتمي. وفي أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2024، غزت قوات الجيش الإسرائيلي منطقتين إضافيتين على الأقل داخل الأراضي السورية، خارج نطاق المنطقة العازلة، ورفعت وتيرة وقوة ضرباتها في عمق سورية، على الرغم من أن وتيرة الهجمات انخفضت خلال الأسبوعين الأخيرين. وتقول إسرائيل إن بعض هذه العمليات تهدف إلى حماية الأقليات، ولا سيما الدروز، الذين يعتبرون حلفاء محتملين. لكن كثراً من أبناء الطائفة الدرزية السورية يشككون في صدق نيات إسرائيل، ففي منتصف آذار (مارس)، اندلعت احتجاجات في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، اتهم خلالها قادة دروز إسرائيل بتقويض وحدة الأراضي السورية. ويبدو أن مساعي إسرائيل إلى بناء تحالفات مع الأقليات غير السنية تتعارض مع تطلعات معظم السوريين المنهكين من الحرب، الذين يطمحون إلى بلد موحد ومستقر. في غضون ذلك، يصر نتنياهو على ضرورة "نزع السلاح" من كامل الأراضي السورية الواقعة جنوب دمشق، وهو هدف يصعب على الشرع قبوله، حيث سيعني تحقيقه عملياً التخلي عن السيطرة على تلك المنطقة. وتسعى إسرائيل إلى تقويض سلطة الشرع عبر الضغط على الولايات المتحدة للإبقاء على العقوبات المفروضة على سورية، والتنسيق الوثيق مع موسكو لمساعدة روسيا في الحفاظ على قواعدها العسكرية هناك. ويبدو هذا الانفتاح الإسرائيلي على روسيا محيراً، نظراً إلى أن التدخل الروسي لإنقاذ الأسد قبل عقد من الزمن كان من أبرز العوامل التي عززت النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. يمثل انعدام ثقة إسرائيل بحكومة الشرع مفارقة أخرى. فقد اتهم القادة الإسرائيليون فريق الشرع بإخفاء نواياه الحقيقية. وفي آذار (مارس) الماضي، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، بأن أعضاء فريق الشرع "كانوا جهاديين وما يزالون جهاديين، حتى لو ارتدى بعض قادتهم البدلات الرسمية". ومع ذلك، تعول إسرائيل على موقف الشرع المعادي لإيران في منع طهران من إعادة ترسيخ نفوذها الإقليمي. وعلى الرغم من أن تقويض سلطة الشرع قد يعزز سيطرة إسرائيل على المنطقة العازلة في المدى القصير، فإن مصلحتها الإستراتيجية على المدى الطويل تكمن في وجود سورية مستقرة. كذلك، تعمل إسرائيل على إحباط محاولات تركيا ترسيخ نفوذها في سورية، ولذلك أفشلت جهود أنقرة لإعادة بناء قدرات الجيش السوري من خلال قصف قواعد جوية كانت تركيا تسعى إلى السيطرة عليها. وتصاعد في الخطاب الرسمي الإسرائيلي تصوير تركيا كخصم. فقد أشار تقرير حكومي صدر في كانون الثاني (يناير) الماضي عن لجنة مكلفة مراجعة موازنة الدفاع إلى "التهديد التركي"، مدعياً أن تركيا تسعى إلى تحويل الجيش السوري إلى "وكيل تركي في إطار حلمها بإعادة تاج الدولة العثمانية إلى سابق عهده"، وهو ما "يزيد من خطر نشوب مواجهة مباشرة بين تركيا وإسرائيل". وفي أواخر آذار (مارس) الماضي، نشر ساعر تدوينة على وسائل التواصل الاجتماعي وصف فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه "معادٍ للسامية" و"يشكل تهديداً للمنطقة". يبدو أن القادة الإسرائيليين مصرون على تصور بلادهم كدولة مهددة، ويميلون إلى استبدال تهديد تركي جديد مفترض بالتهديد المتراجع الذي شكلته إيران وحلفاؤها. وقد أسهم أردوغان في توتير العلاقات، حيث شبه نتنياهو بهتلر في العام 2024، واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة. وتسعى أنقرة إلى ضم سورية إلى دائرة نفوذها، مما قد يحد من حرية الحركة العسكرية الإسرائيلية، ويقرب القوات التركية من حدود إسرائيل. ومع ذلك، ليست تركيا خصماً لإسرائيل، فكلا البلدين حليف للولايات المتحدة، ويجمع بينهما تعاون اقتصادي وأمني قوي، وعلى إسرائيل أن تتجنب استعداء أكبر قوة عسكرية في الـ"ناتو" في وقت تخوض فيه حرباً متعددة الجبهات. تكلفة الفرصة الضائعة يعكس موقف إسرائيل بالتأكيد عقلية البلد الأكثر عدوانية على الصعيد الخارجي في مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، إلا أن ثمة دوافع داخلية أيضاً لهذا الموقف. إن قاعدة نتنياهو السياسية تستمتع برؤية منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر دبابات الجيش الإسرائيلي وهي تجوب سورية. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن ائتلاف نتنياهو يأمل في أن يؤدي توفير الحماية للدروز في سورية إلى استمالة أفراد من الطائفة الدرزية الإسرائيلية، وكسب تأييدهم. وهؤلاء الدروز مواطنون إسرائيليون مخلصون يخدمون في الجيش الإسرائيلي، ومع ذلك يعانون من التمييز مقارنة بالغالبية اليهودية في البلاد. بيد أن نهج إسرائيل في سورية قد بدأ يأتي بنتائج عكسية سلفاً. ففي الثاني من شباط (فبراير) الماضي، صرح وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، لصحيفة "واشنطن بوست" بأن توغلات الجيش الإسرائيلي تشكل "انتهاكاً في حق الشعب السوري". ويعد هذا التصريح تحولاً عن التوجه الذي اتبعه نظام الشرع في البداية، والمتمثل بعدم انتقاد إسرائيل. وعبر عن امتعاضه من تجاهل إسرائيل للدور الذي لعبه الشرع في ردع إيران، العدو المشترك، قائلاً: "كانت لديهم مشكلة مع إيران، ونحن أنقذناهم منها". وعلى مدى أشهر، امتنع الشرع عن انتقاد السلوك التصعيدي الإسرائيلي، وهو ما كان يمكن أن يعد مؤشراً إيجابياً من جانب إسرائيل. ولكن في آذار (مارس) الماضي، بدأ الشرع بنفسه في التعبير عن غضبه، واصفاً التحركات الإسرائيلية بأنها "توسع عدواني". في أواخر آذار (مارس) ومطلع نيسان (أبريل) الماضيين، تعرضت قوات الجيش الإسرائيلي في سورية إلى إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين. وإذا بقيت إسرائيل على موقفها العدواني، فقد يسمح الشرع -الذي يسعى إلى كسب تأييد الأقليات السورية- أو حتى يدعم هجمات هذه الجماعات المسلحة على القوات الإسرائيلية، وبذلك يؤدي السلوك الإسرائيلي إلى تحقق الاعتقاد المسبق بأن النظام السوري الجديد يكن العداء لتل أبيب. وقد يؤجج الاستياء من وجود الجيش الإسرائيلي في سورية احتمالات التمرد، وهو ما من شأنه أن يدفع الجيش الإسرائيلي إلى التوغل أكثر داخل الأراضي السورية. إذا حافظت الحكومة السورية الجديدة على اعتدالها واستطاعت أن ترسخ سلطتها، فإن المكاسب المحتملة لإسرائيل ستكون كبيرة. سيكون لديها جار مستقر لا يدين بالولاء لإيران، ويتمتع بجيش فعال يمكنه معالجة التهديدات الصادرة عن الجماعات المتطرفة بنفسه. وإسرائيل ليست مراقباً سلبياً لمسار السياسة السورية، إذ يمكنها تشجيع اعتدال الشرع عبر الترحيب بإشارات الانفتاح القادمة من دمشق، مثل اعتقال اثنين من كبار قادة حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية في21 نيسان (أبريل). وبالإضافة إلى ذلك، على إسرائيل أن تعلن، بصورة واضحة، أن تقدمها العسكري على الأرض هو إجراء مؤقت حتى تتمكن قوة مسؤولة من تأمين الجانب الآخر من الحدود. وإلى أن تمتلك دمشق هذه القدرة، ينبغي لإسرائيل أن تقلص من احتكاكها بالسكان والحكومة الجديدة، من خلال تقليص وجودها العسكري العلني والتواصل مع فريق الشرع عبر قنوات سرية. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تستثمر إسرائيل المكاسب التي حققتها لتأمين حدودها مع سورية عبر السعي إلى إبرام اتفاق دبلوماسي يضمن حماية الطائفة الدرزية في سورية ونزع السلاح من مرتفعات الجولان. يجب على إسرائيل أيضاً أن تغير نهجها حيال تركيا. في اجتماع مع نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأردوغان، ودعا البلدين إلى إصلاح علاقتهما. ولكن إذا نفذ ترامب نيته سحب القوات الأميركية من سورية، فقد يترك ذلك إسرائيل وتركيا وهما تتنازعان على البلد من دون إشراف جهة تتسم بالنضج. وقد بدأت في التاسع من نيسان (أبريل) الماضي جولة من المحادثات بين إسرائيل وتركيا بوساطة أذربيجان. وينبغي على إسرائيل استخدام هذه المناقشات ليس فقط لوضع آلية لفض النزاع، بل أيضاً لخفض التوترات بصورة عامة. يشبه نهج إسرائيل الحالي الجهود التي بذلتها في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي حين أنشأت منطقة أمنية في جنوب لبنان، وأسفرت عن اندلاع حرب استنزاف عمقت التذمر اللبناني وسهلت على "حزب الله" السيطرة على البلاد بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي في العام 2000. يجب على إسرائيل ألا تكرر هذا الخطأ. وينبغي على الحكومة الإسرائيلية التعاون بشكل أمتن مع شركائها الإقليميين والدوليين بهدف منع سورية من الوقوع مجدداً في الفلك الإيراني، وتعطيل بقايا الأسلحة البيولوجية والكيماوية المتبقية من عهد الأسد وإزالتها. وبوسع إسرائيل أيضاً أن تخفف الأزمة الاقتصادية في سورية من خلال المساعدة على تزويد البلاد بالطاقة والغذاء والمياه. وسوف يساعد هذا على تأمين النفوذ الإقليمي الذي تريده حقاً، ويقدم لإسرائيل فائدة أكبر مما تفعله لها مجرد توغلات عسكرية استعراضية ليست لها إستراتيجية دبلوماسية تدعمها. *شيرا عفرون هي مديرة البحوث في منتدى السياسة الإسرائيلية وزميلة أولى في مؤسسة ديان وغيلفورد غليزر. داني سيترينوفيتش زميل باحث ضمن برنامج إيران في معهد دراسات الأمن القومي. مترجم عن "فورين أفيرز" 23 نيسان (أبريل) 2025.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store