أحدث الأخبار مع #نيروبي


البيان
منذ 2 أيام
- أعمال
- البيان
«إياتا» يسلط الضوء على 4 أولويات أساسية لخدمات المناولة الأرضية
سلّط الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) الضوء على أربع أولويات أساسية فيما يتعلق بخدمات المناولة الأرضية، خلال فعاليات مؤتمر إياتا للمناولة الأرضية التي انطلقت الأسبوع الماضي في نيروبي باستضافة من الخطوط الجوية الكينية، وهي: • تضمين السلامة في جميع الإجراءات • دفع عملية توحيد المعايير على المستوى العالمي • تطوير عمليات مناولة الأمتعة • إرساء مستقبل يتّسم بالشمولية والاستدامة وقالت مونيكا ميجستريكوفا، مديرة العمليات الأرضية لدى الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا): «تشكّل خدمات المناولة الأرضية ركيزة أساسية في قطاع الطيران؛ إذ تسهم في ضمان السلامة والكفاءة، وترسم ملامح تجربة المسافرين. ومع تزايد التعقيدات التي تواجهها البيئة التشغيلية، بما فيها صعوبة عمليات تجهيز الطائرات والضغوط التنظيمية والتوجّه نحو خفض الانبعاثات الكربونية، يتوجّب على القطاع التعاون لتضمين السلامة في جميع الإجراءات، وتسريع عملية توحيد المعايير على مستوى العالم، وتمهيد الطريق لبناء مستقبل أكثر استدامة وشمولية». تضمين السلامة في جميع الإجراءات تبرز السلامة بوصفها أهم أولويات قطاع الطيران. وقد سلّط الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) الضوء على ثلاث مجالات عمل رئيسية من شأنها تطوير مستويات السلامة والكفاءة في خدمات المناولة الأرضية، وهي: قالت ميجستريكوفا: «أدرجنا للمرة الأولى حالات الوفاة المرتبطة بالطائرات في المطارات ضمن تصنيفنا العالمي للسلامة. وتمنحنا هذه الخطوة نظرة أوضح إلى المخاطر والبيانات اللازمة لمعالجتها. وأسهمت الرؤى التي يقدمها برنامج تبادل بيانات الحوادث (IDX) وبرنامج تبادل بيانات الحوادث (ADX) الخاصين بالاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) في توفير تحديثات محددة لإجراءات السلامة المعتمدة في دليل العمليات الأرضية، ما يؤكد أهمية مشاركة المعلومات في تعزيز مستويات السلامة». وأتاحت البيانات التي يوفرها برنامجا تبادل بيانات الحوادث IDX وADX تضمين تحديثات رئيسية للسلامة في دليل العمليات الأرضية (IGOM)، بما في ذلك تحديد مناطق لاتلامسية أكثر وضوحاً، وإجراء فحوصات إلزامية للمكابح، واعتماد إجراءات أكثر سلامة لدفع الطائرات للخلف، إلى جانب تطوير بروتوكولات مخصصة للطائرات التي تعاني من تلف وحدات الطاقة المساعدة أو ارتفاع درجة حرارة المكابح. كما تم تعزيز متطلبات السلامة من الحرائق وتثبيت مصدات العجلات وأجهزة الاستشعار. وتعتمد هذه الإجراءات المحددة والقائمة على البيانات وتأثيراتها على مشاركة واسعة من الجهات المعنية في القطاع. ويشجع الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) شركات الطيران ومزودي خدمات المناولة الأرضية على المساهمة بتوفير بيانات السلامة للمساعدة في تعزيز مستويات السلامة في خدمات المناولة الأرضية. • اعتماد معدات دعم العمليات الأرضية المحسّنة يشكّل اعتماد معدات دعم العمليات الأرضية المحسّنة والمزودة بأجهزة استشعار القرب نقلة نوعية فيما يتعلق بالسلامة في موقف الطائرات. وفي سبيل تشجيع اعتماد هذه المعدات، أطلق الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) برنامج اعتماد معدات دعم العمليات الأرضية المحسّنة في عام 2024، والذي شهد منذ انطلاقه تسجيل 98 أسطولاً لخدمات المناولة الأرضية وتحديد 28 محطة. واعتباراً من أبريل 2025، ستصبح القرارات ملزمة في جميع المواقع الحاصلة على شهادة تدقيق السلامة للعمليات الأرضية، مع معايير موسعة تشمل معدات التنقل. وأضافت ميجستريكوفا: «إن اعتماد معدات دعم العمليات الأرضية المحسّنة هي خطوة عملية نحو تقليل الأضرار الناجمة عن العمليات الأرضية، وتعزيز مستويات السلامة في مواقف الطائرات. كما أنها مثال واضح على دور المعدات الذكية في تنفيذ عمليات أكثر سلامة». • اعتماد معيار X565 من الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) لتحسين دقة بيانات الوزن والحمولة إن بيانات الوزن والحمولة الدقيقة ضرورية لتنفيذ عمليات تجهيز الطائرة وفق أعلى مستويات السلامة والكفاءة. ويقوم معيار X565 من إياتا بأتمتة تبادل البيانات، وقد اعتمدته شركات طيران عديدة، بما فيها لوفتهانزا وفلاي دبي مع دعم خاص من بوينج وإيرباص. ويقترب الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) من الانتهاء من إعداد معيار مطابقة الحمولة الإلكترونية للتعليمات والملاءمة (ELIR) وإطلاقه هذا العام، بفضل النتائج الأولية الواعدة التي تبدي انخفاضاً في الأخطاء وفترات التأخير. وأضافت ميجستريكوفا: «إن رقمنة بيانات الوزن والحمولة واحدة من الطرق الأكثر فاعلية لتحسين مستويات السلامة والموثوقية في عمليات تجهيز الطائرات. نحثّ المزيد من شركات الطيران ومزودي خدمات المناولة الأرضية والمصنعين على اعتماد هذه المعايير التي تسهم في تسريع تنفيذ عمليات أكثر سلامة وذكاء». توحيد معايير العمليات على المستوى العالمي ترتكز العمليات الآمنة والفعّالة على معايير عالمية موحدة. وتُعد خدمات المناولة الأرضية ركيزة أساسية في هذا السياق، حيث تعتمد على أدوات رئيسية، هي: دليل العمليات الأرضية (IGOM) وتدقيق السلامة للعمليات الأرضية (ISAGO). • تدقيق السلامة للعمليات الأرضية: سجّل البرنامج في عام 2024 رقماً قياسياً باعتماد 400 محطة، واستفادت منه أكثر من 170 شركة طيران من خلال تقارير التدقيق، إلى جانب أكثر من 50 جهة تنظيمية ومطاراً دمجت البرنامج ضمن أطر الرقابة الخاصة بها. وأسهم ذلك في تجنب تنفيذ 545 عملية تدقيق داخلية، وتبسيط 359 قرار شراء، وتقليص وقت التدقيق في 350 محطة، ما أفضى إلى تحقيق وفورات مشتركة بقيمة 8.7 ملايين دولار أمريكي لصالح شركات الطيران وخدمات المناولة الأرضية. ومن المرتقب إطلاق نموذج مطوّر من البرنامج في منتصف عام 2025، يتضمن إجراء التدقيق من قِبل مدقق واحد، ومراجعة الوثائق عن بُعد، واعتماد قوائم مراجعة محدّثة إلى جانب خفض الرسوم. • دليل العمليات الأرضية: دعماً لتبنّي دليل العمليات الأرضية، بدأت الجهات المعنية باستخدام البوابة التشغيلية الجديدة المعروفة سابقاً ببوابة دليل العمليات الأرضية، حيث تعتمدها حالياً 221 شركة طيران و259 جهة من خدمات المناولة الأرضية لإجراء تحليلات الفجوات والمقارنة المعيارية. وشهدت البوابة توسيع نطاق وظائفها لتشمل مجالات التدريب والسلامة ومناولة الشحن. ويُعزز توسيع المشاركة في هذه الأدوات من الأثر الإيجابي على مستوى القطاع. ويضم مجتمع أعضاء البوابة حالياً أكثر من 240 شركة طيران و322 جهة من خدمات المناولة الأرضية، مع تسجيل 312 تحليلاً منشوراً للفجوات حتى تاريخه. تطوير عمليات مناولة الأمتعة تخضع عمليات مناولة الأمتعة لمرحلة تحديث شاملة ضمن خارطة طريق عالمية تمتد 10 سنوات، تركز على التواصل الرقمي والتتبع الشامل والأتمتة. وتشمل هذه الجهود دعم تنفيذ القرار 753، وتوفير أدوات لمنع عمليات الاحتيال، وتحديث المعايير الرئيسية الخاصة بإدارة الأمتعة. وتسهم هذه المبادرات مجتمعة في توفير تجربة سفر أكثر أماناً وسلاسة. وقالت ميجستريكوفا: «تمثل عمليات مناولة الأمتعة الحديثة محوراً أساسياً في رحلة المسافر، وستسهم خارطة الطريق العالمية في تقريبنا من اعتماد حلول الأمتعة الرقمية المؤتمتة التي يطمح إليها المسافرون». إرساء مستقبل يتّسم بالشمولية والاستدامة إن بناء مستقبل مستدام وشامل أولوية استراتيجية في قطاع العمليات الأرضية، وتتجسد أبرز أولويات القطاع في ما يلي: • التحول الكهربائي في معدات الدعم الأرضي (GSE): تسهم معدات الدعم الأرضي الكهربائية في تقليص الانبعاثات بنسبة تصل إلى 48% لكل دورة تشغيلية. ولتمكين هذا التحول، أصدر الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) مجموعة من الإرشادات التي تغطي التخطيط التشغيلي، وإدارة البطاريات، وجاهزية البنية التحتية، ومتطلبات السلامة، إلى جانب أدوات النمذجة الاقتصادية التي تدعم اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة. • سهولة الوصول: يشكل دمج معايير سهولة الوصول في جميع مراحل الرحلة إحدى أولويات القطاع. ويتعاون الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) مع مختلف الجهات التنظيمية والمصنّعين لتعزيز إرشادات المناولة الخاصة بأكثر من 400 نوع من الوسائل المساعدة على التنقل، بما في ذلك الأجهزة التي تعمل ببطاريات الليثيوم. • عمليات مناولة الأمتعة: تخضع عمليات مناولة الأمتعة لمرحلة تحديث شاملة ضمن خارطة طريق عالمية تمتد 10 سنوات، تركز على التواصل الرقمي والتتبع الشامل والأتمتة. وتشمل هذه الجهود دعم تنفيذ القرار 753، وتوفير أدوات لمنع عمليات الاحتيال، وتحديث المعايير الرئيسية الخاصة بإدارة الأمتعة. وتسهم هذه المبادرات مجتمعة في توفير تجربة سفر أكثر أماناً وسلاسة.


الجزيرة
١١-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
وزير خارجية السودان السابق للجزيرة نت: الحرب أصبحت إقليمية وتقسيم البلد غير وارد
نيروبي- يرى وزير خارجية السودان السابق الدرديري محمد أحمد أن الحرب في السودان الآن انتقلت من مواجهة بين الجيش السوداني مع مليشيا متمردة إلى حرب إقليمية، وأن ما حدث في بورتسودان قبل يومين أو ثلاثة، ولا يزال يحدث، هو عدوان على السودان من قوى إقليمية ومن دول ذات مصلحة في أن يستمر هذا العدوان ويأخذ أشكالا جديدة. ويؤكد الدرديري، في مقابلة مع الجزيرة نت، أن التقسيم ليس خيارا واردا مطلقا، وأن من يتحدثون عن التقسيم لا يدركون جيدا ما هي طبيعة الشعب السوداني. وعن الوضع العالمي، يقول الدرديري إنها مرحلة إعادة تشكل جديدة. ولا يستبعد أن تحدث فيها صدامات كبرى، وأن السبب في الاضطراب العالمي هو غياب التوازن. وقال "إننا نشهد ميلاد قطبيات متعددة لم تتبلور بعد حتى اليوم". ويتحدث وزير الخارجية السابق، للجزيرة نت، عن أهم القضايا التي تواجه السودان في ظل حرب تجاوزت العامين. طلبت الصين ودول أخرى من رعاياها مغادرة السودان، كيف ترى تطورات الحرب الحالية؟ لا شك في أن الحرب في السودان الآن انتقلت من مواجهة بين الجيش السوداني مع مليشيا متمردة إلى حرب إقليمية. وما حدث في بورتسودان ، قبل يومين أو ثلاثة ولا يزال يحدث، هو عدوان على السودان من قوى إقليمية ومن دول ذات مصلحة في أن يستمر هذا العدوان ويأخذ أشكالا جديدة. وبالتأكيد من حيث السلاح، ومن حيث التوسع الذي حدث في ميدان المعركة، ومن حيث أيضا الاستهداف الذي تم وطبيعته، فإن هذه الحرب الآن تتحول إلى حرب بطابع اقليمي. ومن شأن الحروب الإقليمية أنها تكون موضعا لردود فعل عالمية أوسع وأكبر مثل الذي ذكرت أنت من الصين ومن الجهات الأخرى. لكن في النهاية بالنسبة للشعب السوداني، أيا كانت هذه التحولات، فإن هدف العدوان لا يزال ذاته وهو أن يمنع الشعب السوداني من ممارسة قراره الحر المستقل وأن تفرض بعض القوى الإقليمية إرادتها عليه وأن تفرض خياراتها السياسية عليه. وهذا ما يقف الشعب السوداني بأكمله في وجهه دون أدنى هوادة. ومن ثم فبالنسبة للشعب السوداني فإن هذا التحول لا يزيده إلا تصميما وإرادة. التقسيم ليس خيارا واردا مطلقا. من يتحدثون عن التقسيم لا يدركون جيدا ما هي طبيعة الشعب السوداني. فالشعب السوداني متماسك، وهو شعب عاش (أفراده) معا لأكثر من 3 آلاف سنة. فشمال السودان سابقا -السودان حاليا- ظل منذ 3 آلاف سنة في حالة تلاقح وتواصل وتزاوج وانصهار. ومن ثم فهو أحد الشعوب الحقيقية القليلة في أفريقيا وليس شعبا صنعته الحدود الموروثة من المستعمر. وهذا يعني أن أي حديث الآن عن تقسيم الشعب السوداني هو حديث لا يدرك طبيعة الشعب السوداني أو يأخذها في الاعتبار. وإذا كنت تتحدث عن التقسيم فإن أول ما تعنيه هو أن تفصل دارفور فهل دارفور إثنية واحدة؟ وهل دارفور تختلف دينيا أو عرقيا عن باقي السودان؟ وهل لدارفور الآن مطامع بأن تكون دولة مستقلة عن باقي السودان؟ أم أن دارفور نفسها هي التي قادت السودان في أكثر من حقبة من تاريخه، وهي نفسها التي أسهمت في تكوين الشخصية السودانية الحالية. فهذا الحديث عن التقسيم ليس له أبدا ما يصدقه على الواقع. هناك دراسات وكتابات تتوقع تقسيم السودان إلى 5 دول، والبداية كانت من الجنوب، والآن هناك حرب يمكن أن تنتهي بتقسيم جديد. إعلان هذا من المستحيل أن يقع، أن يقسم السودان لدولتين فضلاً عن خمس دول، هذا من المستحيل. تخصصي وموضوع رسالة الدكتوراه التي كتبتها هو الحدود في أفريقيا، وتنطلق أطروحتها من أن الحدود في أفريقيا ظلت مستقرة منذ عام 1960 تقريباً أي عندما استقلت القارة الأفريقية. فالحدود التي ورثناها عن المستعمر منذ ذلك الحين هي حدود الدول ذاتها الموجودة الآن في أفريقيا. ولا توجد دولة في أفريقيا في حدود بخلاف حدود الاستقلال باستثناء دولة جنوب السودان ودولة إريتريا. بينما الدول في أوروبا وفي أميركا اللاتينية وفي آسيا بلغت أعداداً مضاعفة في الحقبة ذاتها. وأوروبا نفسها ظهرت فيها خلال هذه الفترة أكثر من 15 دولة جديدة. ما هو السبب الذي يجعل أفريقيا استثناء ويجعلها مستقرة من حيث الحدود الجغرافية رغم تفشي الصراعات فيها، ويجعلها استثناء من حيث عدم ميلاد دول جديدة؟ السبب أن هناك إرادة أفريقية جماعية. ونحن في أفريقيا قررنا منذ فجر الاستقلال أن نترك موضوع الحدود لمنظمة الوحدة الأفريقية سابقاً و الاتحاد الأفريقي حالياً. وقرار الانفصال عن أي دولة من الدول ليس ملكاً لتلك الدولة وإنما للدول الأفريقية جمعاء. وقرار انفصال جنوب السودان -وأنا كنت أحد المفاوضين في هذه المسألة- لم يكن أبداً قراراً سودانياً خالصاً إنما كان قراراً أفريقياً بالدرجة الأولى. نعم كان السودان وراءه لكن كانت وراءه أفريقيا بأكملها، فكانت هناك قرارات للقمم الأفريقية المتعاقبة بهذا الشأن. وما لم تتوفر هذه الإرادة الأفريقية -والتي توفرت أيضاً في الحالة الأخرى حالة أريتريا- فإنه مهما حاول المحاولون فإنه لن تتكرر حالة الانفصال في أي دولة أفريقية أخرى، فضلاً عن دولة أصلاً حدث فيها انفصال مثل السودان. السياسيون السودانيون -باستثناء قلة قليلة باعت نفسها للشيطان- يقفون الآن جميعاً خلف جيشهم ويقفون بقوة واقتدار. وراجع الآن مساهمات ومداخلات السودانيين فيما حدث، فقط بعد العدوان على بورتسودان، وراجع مواقف القوى السياسية الكبرى، وراجع التصريحات التي أدلت بها كافة الأحزاب والقوى السياسية. ولم أجد في التاريخ المعاصر للشعب السوداني أي مرحلة من المراحل تماثل هذه المرحلة، من حيث إجماع القوى الوطنية السودانية على موقف محدد وهو الوقوف خلف الجيش السوداني الآن في معركة الكرامة، وعلى نحو الذي نراه اليوم. الشعب السوداني يقف الآن بأكمله، السياسيون منه والإعلاميون وغير ذلك، يقفون جميعا خلف القوات المسلحة السودانية. بل المجتمع السوداني بأكمله وبكل كياناته القبلية والمجتمعية يقف خلف الجيش السوداني. أيضا المبدعون بمختلف مسمياتهم ومختلف تصنيفاتهم، وتشهد لذلك الأعمال الإبداعية المختلفة التي تضج بها الفضاءات الإسفيرية. والشعب السوداني الآن موجود والسياسيون موجودون، ويقفون بقوة خلف الجيش السوداني في هذه المعركة. الإسلاميون هم أكثر القوى السياسية السودانية الآن وضوحا من حيث الموقف إزاء هذه المعركة، ولا يمكن أن تجزئ الإسلاميين إلى مقاتلين وغير مقاتلين. الإسلاميون جميعا الآن مقاتلون. وهناك من يقاتل منهم في الميدان، وهناك من يقاتل بالكلمة، وهناك من يقاتل بغير ذلك. والموقف الإسلامي موحد تماما، ومهما كانت الاختلافات السياسية بين بعض القوى أو داخلها فإن هناك إجماعا منقطع النظير من كل الإسلاميين السودانيين على الوقوف خلف الجيش السوداني في معركة الكرامة. إعلان إذا كان هناك إلى وقت قريب ما يسمى "المجتمع الدولي" وإذا كان هذا كيانا مهما جدا وكان مؤثرا في مجريات السياسة العالمية، فإن هذا الكيان لم يعد موجودا. وإذا لم يتلاشَ فهو في طريقه إلى التلاشى. وما يحدث الآن من تغير كبير جدا في النظام العالمي بالذات بعد وصول ترامب إلى السلطة يقول بذلك. بل إن هذا التغير بدأ منذ وصول ترامب إلى السلطة في ولايته الأولى عام 2016. وقد أخذ الآن شكلا أكثر وضوحا. وهذا التغير يؤكد تماما أن المجتمع الدولي القديم -الذي كان يتحرك في إطار القطبية الأحادية الأميركية، ويقول بمبادئ تلك القطبية في إدارة الشأن العالمي- لم يعد موجودًا. والآن إذا حاولت البحث عن موقف غربي موحد أو موقف حتى لبعض الدول الغربية الرئيسة، إزاء ما يجري في السودان، أو حتى إزاء ما يجري في غير السودان، حتى إزاء ما يجري في غزة، أو ربما في المناطق الأقرب للغرب مثل أوكرانيا، فإنك لن تجده. فالأمر لم يعد أبدا كما كان عليه في الماضي القريب. وما يحدث حاليا بين الهند وباكستان ربما لو حدث قبل 10 سنوات لكنت وجدت ردود فعل مختلفة عما يجري اليوم. وكنت سترى الغرب موحدا ولكان الآن قد انعقد مجلس الأمن على نحو طارئ ولاتخذ قرارات بهذا الشأن. وهاتان قوتان نوويتان تتواجهان مواجهة مسلحة.. فأين رد فعل العالم؟ لذا لا ينبغي أن نتوقع نحن في السودان أي ردود فعل عالمية إزاء تدخل دولة معينة في شأننا. ولا ينبغي أن نعوّل على أي شيء من هذا. والآن العالم يتخلّق من جديد، وما يحدث الآن في العالم من تغير هو بالدرجة الأولى يؤكد غياب المرجعية المركزية، ويؤكد أن الظروف الحالية هي ذاتها التي أنشئت فيها الأمم المتحدة عام 1945 بعد انهيار عصبة الأمم. و الأمم المتحدة نفسها تواجه، اليوم، تحديا وجوديا كبيرا، وربما لم تعد قادرة على ممارسة أي دور لها، بسبب ما نشهده من خلافات بين القوى الكبرى، وما نشهده أيضا من تباعد في المسافات بينها وبين الكتل الإقليمية المختلفة. إعلان هل يمكن القول إن العالم وصل مرحلة الصدام، أم هي مرحلة إعادة تشكيل التحالفات؟ أنا أتصور أنها مرحلة إعادة تشكل جديدة. لكن لا يُستبعد أيضا أن تحدث فيها صدامات كبرى. هذا ليس ببعيد. الكثيرون الآن يتوقعون أن ينشب صدام قريب ما بين الصين والولايات المتحدة. وأيضا هناك صدامات أقل درجة وأقل حدة ربما تنشب. ما يحدث الآن بين باكستان والهند ما كان له أن يحدث أبدا في ظل النظام العالمي القديم. يمكن أن تحدث صدامات كثيرة جديدة من هذا النوع، ويمكن أن تعيد هذه الصدامات الجديدة تشكيل الخارطة الدولية وينتج عنها نظام عالمي جديد. هل السبب في الاضطراب العالمي الحالي هو غياب العقلانية في النظام الدولي أم العجز؟ السبب هو غياب التوازن. في الماضي كان هناك نظام قطبية كانت تمثله الولايات المتحدة من ناحية والاتحاد السوفيتي من ناحية أخرى. وهذا النظام الجديد الذي ساد منذ انهيار جدار برلين، كان بالفعل نظاما قادرا على أن يفرض نفسه وشهدنا سطوة هذا النظام وجبروته خلال العقدين أو الثلاثة الماضية، الآن انتهى هذا النظام. ترامب منذ أن جاء في 2016 أعلن أن أميركا لا شأن لها بما يجري في العالم وأن ما يهمه هو أميركا وأميركا أولا، ومن ثم سحب أميركا من حيث الوجود الاستراتيجي لها والجيوبوليتيكي من العالم كله، وركز على اهتماماته في الداخل. عندما جاء بايدن عام 2020 لم يتمكن من أن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه من قبل بسبب أن ما حدث أثناء إدارة ترامب الأولى أوجد مدا جديدا، ووجد قدرا كبيرا جدا من الاهتمام والتفاعل من مختلف الدوائر العالمية، وبسببه تغيرت سياسة العالم ونظامه كله. الآن بمجيء ترامب للمرة الثانية تأكد تماما أن هذا الاتجاه في تصاعد وتنامٍ، ويكفي الآن ما نشهده من مواجهات بين الولايات المتحدة وحلفائها، أوروبا من ناحية وكندا من ناحية أخرى، وما إلى ذلك. الكل يبحث عن نفسه وعن مصلحته، فلم يعد الغرب موحدا كما كان، ولم تعد هناك أي قطبية أحادية كما كان عليه الحال قبل أعوام قليلة. والآن نشهد ميلاد قطبيات متعددة لم تتبلور بعد حتى اليوم. ومن ثم فنحن في حالة لا يوجد فيها توازن للقوى، سواء كانت القوى السياسية أو القوى العسكرية، وهي مرحلة خطرة جدا على الجميع. نعود إلى الموضوع السوداني، هل يوجد للسودان حلفاء موثوقون يمكن الاعتماد عليهم ليساعدوه أم لا؟ يمكن أن يكون الحلفاء الموثوقون غير مباشرين أو غير ظاهرين، ليس بالضرورة أن يكون كل الحلفاء الموثوقين معروفين، والسودان أبدا لم تكن مشكلته في الفترة القليلة الماضية الافتقاد للحلفاء. وما حدث الآن من تقوية للجيش السوداني والتي شهدها العالم كله هو خير دليل. وبعد أن كان الجيش هو الطرف الذي يتعرض للهجوم ويتعرض للانتكاسات، صار الآن هو الطرف المتقدم. ولم يكن ذلك ليحدث لولا المساعدة التي وجدها السودان من حلفائه، ولم يكونوا جميعا معلنين. وهذه المساعدة لا أتصور أنها سوف تتوقف. وبتصاعد المواجهة الآن على النحو الذي أشرت إليه، سوف تتقوى هذه العلاقات بين السودان وحلفائه. وأتصور أن هذا ما يمكن أن يدفع بالنزاع السوداني للتحول من نزاع داخلي إلى نزاع إقليمي.


الجزيرة
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
السودانيون في كينيا.. محاولة اندماج لا تخلو من صعوبات
لأسباب كثيرة وجد السودانيون أنفسهم في كينيا، منهم من يعمل في المنظمات الإقليمية والدولية ومنهم من يعمل في التجارة وقطاعات أخرى، بيد أن جزءا كبيرا منهم دفعت به الحرب الدائرة في السودان بين الجيش ومليشيا الدعم السريع. يتوزع الوجود السوداني -الذي لا يتجاوز 3500 حسب تقديرات السفارة- في عديد من الأحياء، لكن تركيزهم الأكبر في حي كليماني الذي كان وجهة السودانيين الأوائل ثم ما لبث أن استقطب أغلب الوافدين الجدد ليكون بذلك أكبر نقطة تجمع سوداني في العاصة الكينية، كما توجد أعداد أخرى في حي رواكا وحي جويلان. بدأت العلاقات السودانية الكينية مطلع القرن الـ20، عندما استعان الاستعمار البريطاني بمجندين سودانيين من أبناء جبال النوبة خلال حملته العسكرية لاحتلال كينيا بين عامي 1919 و1920، وشاركوا كذلك في تشييد خط السكة الحديد الرابط بين كينيا وأوغندا. يقول محمد عثمان -وهو سوداني يعيش منذ سنوات في كينيا- "صحيح أن العلاقات بين البلدين قديمة وكانت مستقرة حتى أن السودانيين الذين شاركوا في الحرب الإنجليزية لاحتلال كينيا، استقروا وانصهروا في المجتمع في أحد الأحياء القديمة في نيروبي، ويسمى حي كبرا وهو حي عشوائي". قصة الاندماج رغم أن قدماء السودانيين اندمجوا في المجتمع وحصل بعضهم على الجنسية الكينية، فإن ذلك لم يكن سهلا على القادمين الجدد إلي بلد لا يعرفون عنه سوى الروايات الإعلامية السالبة، وهذا ربما ينطبق على أغلب السودانيين بسبب ضعف احتكاكهم بالجوار الأفريقي مقارنة بالدول العربية، وخصوصا دول الخليج. ويقول قنصل السودان في السفارة في نيروبي منتصر سعد إسحاق إن عاملي اللغة والبحث عن عمل مثّلا أكبر تحد للسودانيين، فبعضهم لا يجيد الإنجليزية (اللغة الرئيسية في كينيا) إلى جانب أن سوق العمل ضيق لا يكاد يستوعب حتى الكينيين أنفسهم. نجح بعض السودانيين في الحصول على عمل في المنظمات الدولية، خاصة أولئك الذين لهم سابق خبرة مع مثل هذه المنظمات في السودان، في حين توجه آخرون لتأسيس مشاريع خاصة في مجال الخدمات والتجارة وبقي قسم آخر عاطل عن العمل. ويرى القنصل منتصر أن النقطة الإيجابية هي عدم وجود أي تمييز ضد السودانيين في كينيا، أولا بسبب الشبه في السحنات، وثانيا أن الشعب الكيني في عمومه ودود ويكن الاحترام للسودانيين، كما أن ما يصل إلى 5 آلاف كيني درسوا في الجامعات السودانية في تخصصات مختلفة، خاصة في المجال الطبي وهم اليوم يتبوؤون مناصب عليا في الدولة. ثناء كيني يعبر الكينيون عن الثناء كلما قابلوا سودانيا، هنا راشد محمد -وهو كيني درس في جامعة أفريقيا العالمية التي كانت قبلة عديد من الطلاب الأفارقة- يحتفظ بذكريات جميلة عندما كان طالبا في هذه الجامعة ثم معلما في معهد بالسودان، لكن الحرب أجبرته مع أفارقة آخرين على الفرار. يقول راشد "بقيت أسبوعا كاملا أرفض المغادرة، ولكن عندما اشتدت الهجمات، خاصة في المناطق القريبة من الجامعة، اضطررت للمغادرة عبر ود مدني ومنها لمنطقة القلابات على الحدود الإثيوبية". وينتظر راشد بفارق الصبر انتهاء الحرب، التي يتابع تفاصيلها كل يوم، للعودة إلى السودان. يحكي راشد -وهو يضحك- أن زملاءه يقولون له "أنت لست كينيًا، بل أنت سوداني". قصص نجاح يتوجه بعض الكينيين، خاصة الذين درسوا في السودان مثل راشد وكذلك الجنوبيون، إلى المطاعم والمحلات السودانية في نيروبي التي يديرها شباب أغلبهم هربوا من الحرب وتركوا خلفهم كل ما يملكون ليبدؤوا من الصفر، ولكنهم -مع ذلك- رسموا قصص نجاح لافتة. مجموعة شباب أسسوا مطعما اطلقوا عليه اسم "جايطة"، الذي يعني بالعامية السودانية شيئا غير مرتب، وهو تعبير عن حالة عدم الاستقرار التي واجهها هؤلاء الشباب بعد الحرب. يقول جواد إن قصتهم بدأت في القاهرة عندما استأجروا دكانا وفشلوا في تحديد نشاطه إلى أن اقترحت عليهم سيدة بيع الطعمية، واقترح آخر بيع أكلة الأقاشي، وهي طبق سوداني تقليدي يتكون من لحم يتبل بطريقة خاصة ثم يشوى على الفحم ليكتسب نكهة مدخنة ويُقدم عادةً مع الخبز والسلطة. نجحت الفكرة واستقطب المكان الزبائن، عندها قرر هؤلاء الشباب نقل الفكرة إلى نيروبي ليؤسسوا مطعما بالاسم والمواصفات ذاتها، وحقق نجاحا باهرا، حسب ما يقولون، وتجري ترتيبات لفتح فرع آخر في الصومال. ورغم بعض النجاحات، فإن صعوبات لا تزال تواجه كثيرين. ويشير القنصل منتصر إلى جهود السفارة والجالية في حل بعض المشكلات خاصة المتعلقة بالإقامة والحالات الإنسانية، وكذلك تطرق إلى ما قدمته جمعية قطر الخيرية والسفارة القطرية في نيروبي للسودانيين، معبرا عن شكرهم السفارة على وقفتهم هذه. علاقات تجارية قديمة ربطت بريطانيا مستعمرتيها كينيا والسودان بعلاقات تجارية تكاملية، وبعد استقلال البلدين، كينيا في عام 1963، والسودان في 1956، أقاما علاقات دبلوماسية كاملة ونمت علاقاتهما الاقتصادية منذ ذلك الحين. يصدر السودان القطن والحبوب الزيتية والكركدي والعطور، ويستورد الشاي والبن والعسل. ظل التبادل التجاري مستمرا طوال الحقب الماضية، وتركز نشاط التجار السودانيين في مدينة مومباسا التي تعتبر الميناء الرئيسي للصادرات إلى السودان وفي مقدمتها الشاي الكيني. بلغت قيمة صادرات الشاي الكيني إلى السودان خلال السنوات القليلة الماضية حوالي 255 مليون دولار سنويًا. ويعد السودان ثالث أكبر سوق للشاي الكيني عالميًا، حيث يستورد نحو 10% من إجمالي إنتاج كينيا سنويًا. اليوم توقف تصدير الشاي بعد اتهام السودان حكومة الرئيس وليام روتو بالانحياز إلى "الدعم السريع" واستضافة اجتماعات لقوى المعارضة السودانية، بهدف تشكيل حكومة موازية في السودان، وهو ما اعتبرته الخرطوم تهديدًا لأمنها القومي. وقد تسبب القرار في مشكلات للمزارعين والتجار على حد سواء. جذور الصراع الأسباب الجذرية للصراع بين السودان وكينيا متعددة الأوجه، وتشمل الديناميكيات التاريخية والسياسية والإقليمية. كلا البلدين لاعب مؤثر في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، مما يؤدي إلى تنافس على الهيمنة الإقليمية يمكن أن يظهر أحيانًا في شكل توترات سياسية ودبلوماسية. فقد شهدت علاقات البلدين تقلبات وتأرجحت ما بين التعاون والتوتر في عهد الرئيس السوداني عمر البشير الذي حكم من 1989 إلى 2019 . شكوك سودانية لعبت كينيا دور الوسيط في اتفاق نيفاشا بين شمال وجنوب السودان، والذي أفضى إلى تقسيم البلاد في يوليو/تموز 2011 وظهور دولة جنوب السودان. لكن علاقات نيروبي مع السياسيين من جنوب السودان كانت أكثر قوة وتعاونًا مقارنةً بعلاقاتها مع السياسيين الشماليين. فقد دعمت الحكومات الكينية المتعاقبة الحركة الشعبية لتحرير السودان خلال فترة الحرب السودانية. وأسهم هذا الدعم في تعزيز العلاقات بين الطرفين في مرحلة ما بعد الانفصال. فقد أصبحت كينيا واحدة من الدول الرئيسية التي دعمت الدولة الوليدة في بناء مؤسساتها وتطوير اقتصادها، وعزز هذا التعاون العلاقات بين البلدين. في المقابل، ينظر في الخرطوم لدور كينيا ووساطتها في الصراعات في السودان أحيانًا بشك واعتباره تدخلا في شؤون البلاد الداخلية. حتى الآن لا توجد أي تداعيات سالبة تمس الجالية السودانية بعد قرار سحب السفير ووقف التعاملات التجارية مع كينيا، ويشير القنصل السوداني إلى أن إقامات السودانيين لم تتأثر بهذه الخلافات وتسري عليها الشروط ذاتها من دون تغيير.


الجزيرة
١١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
حرب الشاي الكيني.. خسائر في نيروبي و"صداع" بالخرطوم
لم يجد الرئيس الكيني وليام روتو أمامه من خيار -لمواجهة الضغوط الداخلية التي أثارها حظر الحكومة السودانية استيراد الشاي الكيني- إلا التباهي بأن بلاده ما زالت مصدرا أساسيا للشاي إلى السودان ، وأن حركة السوق أرغمت الخرطوم على الاستمرار في استيراد الشاي الكيني الأثير ذي النكهة الخاصة والحضور الدائم في فناجين ويوميات السودانيين. وفي اليوم التالي كان روتو يواجه تصعيدا في الضغوط، بعد أن نفت الخرطوم تصريحاته بشأن عودة الشاي الكيني إلى السودان، بل تعرض لاتهامات من أطراف ووسائل إعلام محلية بالكذب الصريح، وقد وصفته صحيفة "ستاندارد" الكينية بـ"الرئيس الكاذب؟" على صدر صفحتها الأولى. ويأخذ الصراع السياسي جزءا كبيرا من مائدة السودان منذ سنوات، ويرشف اللهب دماء السودانيين في كاسات مترعة من الألم منذ عدة سنوات، ومع ذلك يبقى الشاي البلسم الأخير لصداع يلوي الرؤوس السودانية التي طالما اهتزت تحت عمائم بيضاء كقلوب أصحابها، قبل أن يترع الدم الجلابيب البيضاء ويخرج ملايين السودانيين من بيوتهم إلى شتات لا يخففه غير الكؤوس المترعة من الشاي. لم تقف نيروني على خط الحياد في المعركة الدائرة منذ ما يقارب 3 أعوام بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع ، فطالما اتهمتها الحكومة السودانية بدعم وإيواء قادة الدعم السريع. بيد أن أقوى الاتهامات في هذا الملف سددت لها هذا الأسبوع من داخل كينيا، وتحديدا من نائب رئيس كينيا السابق ريغاثي غاتشاغوا الذي اتهم الرئيس روتو بالتورط في دعم قوات الدعم السريع. بل وذهب في مقابلة تلفزيونية -مع إحدى القنوات المحلية- إلى اتهام الرئيس بالوقوف وراء الدعم المقدم لقوات الدعم السريع، مؤكدا أن روتو كان على علم بكل الأنشطة العسكرية لهذه القوات، وأنه كان يدير العمليات التي قد تكون شملت توفير الدعم اللوجستي والمالي. وإزاء تلك الاتهامات، وجد روتو نفسه في مواجهة مفتوحة مع الحكومة السودانية تصاعدت بعد القرار الأخير من حكومة البرهان بإلغاء سلاسل التوريد من كينيا التي ظلت تعتبر السودان بوابة اقتصادية بالغة الأهمية تستأثر بالرتبة الثانية من استيراد الشاي الكيني أفريقيًا، إضافة إلى منتجات أخرى متعددة. ودون أن يظهر في الأفق أي قدرة لحلفائها السودانيين في الدعم السريع على سد الفجوة الاقتصادية الكبيرة التي فتحها القرار السوداني في الاقتصاد الكيني، فإن نيروني باتت تستشعر أكثر من أي وقت أنها ضُربت في اقتصادها الذي أصيب بصداع حاد، خصوصا أن الخرطوم تستورد 10% تقريبا من ناتج نيروبي من الشاي، كما أنها تمثل بوابة كينيا إلى العالم العربي. ويكثف المتضررون الكينيون من وقف التجارة مع السودان، وخاصة تجار الشاي، ضغوطهم على حكومتهم للبحث عن قناة للتفاوض مع الحكومة السودانية من أجل وضع حد للمقاطعة التي أدت إلى تراجع مكتسباتهم الاقتصادية، قبل أن تغلق أمامهم بوابة السودان بسبب تصرفات حكوماتهم. ووفق ما نقلت صحيفة "ستاندارد" الكينية فإن حوالي 207 حاويات من الشاي المعد للتصدير إلى السودان عالقة على طول سلسلة التوريد، مما قد يؤدي إلى خسائر تزيد على 10 ملايين دولار، كما أن كميات كبيرة أخرى من الشاي كانت ستتجه إلى السودان وهي الآن إما في ميناء مومباسا أو المستودعات وفي أعالي البحار أو ميناء السودان تنتظر التخليص. صداع في السودان ليست الخرطوم بمنأى من التأثر بخسائر نيروبي، فالشاي آخر ما يجمع بين البلدين اللذين بعدت بينهما الشقة سياسيا، وبدا بشكل واضح أن تجار الشاي السودانيين في مرمى خسائر كبيرة، كما أن المائدة السودانية ستضرر أكوابها جراء غياب المشروب العنابي المنشط للأعصاب في بلد يعيش منذ قرابة عقد على أعصاب متوترة. ويبدو أن اللجوء إلى أسواق بعيدة مثل الهند وباكستان والصين قد يكون الوجهة الجديدة للتجار السودانيين، بعد أن انقطع عنهم أقرب خط بحري لتوريد الشاي. البرامكة.. جلسة الشاي الذي نكبتها الحرب كنكبة البرامكة أو أشد، عاشت "البرمكية السودانية" واحدة من أسوأ ظروفها، بعد أن تَبَزَّلَ ما بين العشيرة السودانية بالدم، وتفرقت إلى شتات تلك الجلسات البرمكية الطويلة التي كان يعقدها السودانيون حول مجالس الشاي أو قرينه الكركديه. وتفترض "البرمكية" وهي جلسة الشاي السودانية العتيقة تقاليد متعددة، منها الهدوء والبعد عن الصخب في ارتشاف الشاي، وهي العادات التي يحتاجها السودان الآن أكثر من أي وقت مضى. وحول موائد الشاي أقام السودانيون مواويل الحياة منذ آماد بعيدة، فهو أهم إكرام للضيوف، وأكثر عناوين الحياة ألفة للأسرة والحي والجماعة، وعلى ضفاف الكؤوس المترعة يقيم السودانيون جلسات "التفاكر" الذي يحتاجونه الآن لاستلال ما بقي من رماح مغروسة في سلة الغذاء العربي وعندليب النيل الجريح. ومن بين تقاليد الشاي في الثقافة السودانية يبرز شاي المغرب بسحنته الجامعة بين الشاي واللبن، مع طقسه الاجتماعي الرفيع، حيث تدور حوله مائدة نقاش تجمع أفراد الأسرة والجيران والزملاء. وإلى جانب بعده الاجتماعي المهم، يدير الشاي حوله اقتصاديات متعددة، وينتظم كبار الموردين وتجار التجزئة، كما يمتاز بصبغته النسائية، حيث تدير كثيرا من المقاهي وأكشاك بيع الشاي سيدات أرامل أو مطلقات أو معيلات أسر، مما يضفي عليه اشتباكا بين الاقتصاد والمجتمع، وبين الثقافة والسياسة، وأخيرا بين الحرب والدبلوماسية. فعلى أي جانب ستنتهي دورات الشاي في كأس الأزمة السودانية الكينية المترعة بأكثر من لون من الصراع والتخوين والتربص، وهل سيكسر السودانيون سورة الصداع جراء توقف سلاسل إمداد الشاي الكيني كما كسروا لحد الآن كثيرا من سورة التمرد السريع المدعوم كينيا أيضا؟

سودارس
٢٤-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- سودارس
نشر في النيلين يوم 23 - 03
أما (الذباب) الإلكتروني فإن حرارة مدفعية الجيش التي تعدت (50) درجة قد قتلته تمامًا. هذا الواقع يعني سودان جديد. ولكن أن يخرج الفاعلون في المشهد بدون حُمّص من مولد السودان، فهذا غير وارد البتة عندهم، اللهم إلا بتضافر الجهود، وقطع الطريق أمامهم بمزيد من التخندق مع الجيش، والتبتل في محراب الوطن. ها هو مفجر ثورة ديسمبر (فولكر) يظهر بالأمس معلقًا: (إن القوى المدنية الصغيرة التي شكلت مؤخرًا تحالفًا سياسيًا مع قوات الدعم السريع لتشكيل حكومة تحت سيطرة قوات الدعم السريع فقدت كل شرعيتها). وأضاف: (لكن غالبية المدنيين، بمن فيهم القادة السياسيين والناشطين والمجتمع المدني ولجان المقاومة التي تحولت إلى "غرف طوارئ"، أرادوا ببساطة إنهاء الحرب. يجب أن يكون لهم الدور الرئيسي في إعادة بناء البلاد وقيادتها، وليس قادة الأطراف المتحاربة). وخلاصة الأمر كلام الرجل واضح، الجيش والدعم ليس لهم وجود في المستقبل، مجموعة نيروبي خارج اهتماماته الآن، مجموعة حمدوك هي فرس الرهان، ولجان القمامة هي (عدة الشغل). إذن نحن أمام نسخة حمدوكية جديدة. فلا خلاص من ذلك إلا بتكسير كل مراكب خيانته وغدره، حتى لا يعبر بنا نحو المجهول، وينتصر على إرادتنا وتلاحمنا. د. أحمد عيسى محمود عيساوي الأحد 2025/3/23 script type="text/javascript"="async" src=" defer data-deferred="1" إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة