أحدث الأخبار مع #نيويوركر


شفق نيوز
منذ 2 أيام
- ترفيه
- شفق نيوز
"التكفير".. فيلم جديد يتناول حرب العراق وآثارها الإنسانية
شفق نيوز/ ذكر موقع "ديدلاين" الأمريكي المتخصص بأخبار هوليوود والسينما، أن ثلاثة من نجوم السينما، سيتشاركون في بطولة فيلم عنوانه "التكفير"، مرتبط بحرب العراق، والمستند على رواية مقتبسة من مقال شهير نشر في مجلة "نيويوركر" الأمريكية في العام 2012 تحت نفس الاسم. وأوضح التقرير الأمريكي الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أن الفيلم سيكون من بطولة الممثل البريطاني كينيث براناه، والممثلة الفلسطينية هيام عباس، والممثل الأمريكي بويد هولبروك، وسيبدأ تصويره في الأردن وتكساس، وهو يتناول قصة جندي من "المارينز" يعاني من الاضطراب، ويحاول أن يتصالح مع الناجين من عائلة عراقية أطلق عليها النار هو وعناصر وحدته العسكرية في العام 2003. ولفت التقرير إلى أن فيلم "التكفير" يمثل أول تجربة إخراجية لصانع الأفلام الأمريكي ريد فان دايك، الذي سبق له أن رُشح لجائزة الأوسكار عن فيلمه القصير "ابتدائية ديكالب" في العام 2017. وأشار التقرير إلى أن الثلاثي براناه، وعباس، وهولبروك، سيتصدرون البطولة في الفيلم الذي يأتي بعد 13 عاماً من مقال ديكستر فيلكينز المهم في مجلة "نيويوركر" والذي حمل أيضاً عنوان "التكفير" ويتناول الآثار النفسية والعاطفية لحرب العراق على المدنيين العراقيين وأيضاً على جنود مشاة المارينز، ويركز على شخصية لو لوبيلو، الذي تلاحقه ذكريات حادثة مميتة في بغداد، ثم تقوده رحلة الشعور بالذنب والندم إلى التواصل مع نورا التي كانت الناجية الوحيدة من عائلتها التي يعتقد أنه ربما الحق الأذى بها. وتابع التقرير أن فيلم "التكفير" سيبدأ تصويره خلال الشهر الجاري، وهو أول إنتاج ضخم يتم تصويره في استوديوهات "ساوث سايد" التابعة لشركة "تالون انترتينمانت".


الجزيرة
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
فاز بجائزة "بوليتزر" الأميركية .. مصعب أبو توهة للجزيرة نت: نحلم بالعودة إلى يافا وإلى بيت مدمر في غزة
غزة –".. فليكن أملا وليكن حكاية"، هكذا عبر الشاعر والكاتب الفلسطيني مصعب أبو توهة عن فوزه بجائزة بوليتزر، أرفع الجوائز الصحفية والأدبية في الولايات المتحدة الأميركية للتعليق الصحفي لعام 2025، عن سلسلة مقالات مؤثرة نشرها في مجلة "نيويوركر"، توثق معاناة الغزيين خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي أعقبت عملية " طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023. ويعتبر أبو توهة في حوار خاص للجزيرة نت، فوزه بهذه الجائزة الرفيعة محطة مهمة في مسيرته الشخصية والمهنية، وإنجازا تاريخيا للقضية الفلسطينية، فمثل هذه الجائزة تعكس أهمية الكلمة والصورة في نقل معاناة الشعوب تحت الاحتلال. وركزت مقالات أبو توهة في مجلة "نيويوركر" على الدمار الجسدي والنفسي الذي خلفته الحرب الإسرائيلية على زهاء مليونين و200 ألف فلسطيني في غزة، ومزج فيها بين التحقيق العميق والسرد الشخصي، في الفترة التي عايشها تحت القصف والدمار والنزوح، قبل تمكنه من مغادرة القطاع للولايات المتحدة برفقة أسرته الصغيرة. وإليكم نص الحوار: كتبت المقال والشعر والقصة ولعبت كرة القدم، ولا أزال شغوفاً بسماع القصص عن جدي حسن الذي طرد من يافا وعاش ومات في مخيم الشاطئ قبل أن أولد. ولا أزال ألملم حجارة بيت جدي لأكتب بها حكاية المخيم لنعود معاً إلى يافا ونزرع البرتقال ونشاهد أفلاماً جديدة في سينما الحمراء يصنعها أحفادنا وربما نحن أيضاً. مَن مصعب أبو توهة وكيف تعرف نفسك للقارئ العربي؟ كاتب فلسطيني ولدت في مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة في العام 1992، لعائلة هجرت من مدينة يافا في فلسطين المحتلة إبان النكبة في العام 1948، وترعرعت في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة ، ليس بعيداً عن الحقول الزراعية والبلاد التي تبعد عنا يوماً بعد يوم. كتبت المقال والشعر والقصة ولعبت كرة القدم، ولا أزال شغوفاً بسماع القصص عن جدي حسن الذي طرد من يافا وعاش ومات في مخيم الشاطئ قبل أن أولد. ولا أزال ألملم حجارة بيت جدي لأكتب بها حكاية المخيم لنعود معاً إلى يافا ونزرع البرتقال ونشاهد أفلاماً جديدة في سينما الحمراء يصنعها أحفادنا وربما نحن أيضاً. حصلت على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من الجامعة الإسلامية عام 2014، وأكملت دراسة الماجستير في الكتابة الإبداعية في جامعة سيراكيوز بنيويورك بالولايات المتحدة الأميركية. أسست في العام 2017 "مكتبة إدوارد سعيد" العامة في غزة، وهي أول مكتبة بالإنجليزية في القطاع. وعام 2022، أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى بنفس اللغة بعنوان "أشياء قد تجدها مخبأة في أذني: قصائد من غزة" والتي حصلت على جائزة الكتاب الأميركي، وجائزة الكتاب الفلسطيني، وكانت ضمن القائمة النهائية لجائزة النقاد الأميركيين. لا يمكن للعالم أن يغض الطرف أكثر من هذا عن القصة والقصيدة الفلسطينية، خاصة التي تخرج من غزة هذه الأيام. وأضيف هنا الصورة، إلى جانب الكتابة، فقد تُوّج هذا العام، والذي سبقه مصورون بجوائز عالمية يجدر الاحتفاء بها. ماذا يمثل لك الفوز بجائزة بوليتزر كأرفع جائزة أدبية وصحفية بالولايات المتحدة؟ هذه محطة مهمة في مسيرتي الشخصية والكتابية، ويعتبر إنجازاً للقصة الفلسطينية. لا يمكن للعالم أن يغض الطرف أكثر من هذا عن القصة والقصيدة الفلسطينية، خاصة التي تخرج من غزة هذه الأيام. وأضيف هنا الصورة، إلى جانب الكتابة، فقد تُوّج هذا العام، والذي سبقه مصورون بجوائز عالمية يجدر الاحتفاء بها. كيف رُشحت لهذه الجائزة؟ من الشروط الأساسية للترشح، أن يكون العمل منشورا في موقع أو صحيفة بالولايات المتحدة الأميركية وليس بالضرورة، أن يكون المرشح أميركيا. ويختار مجلس الجائزة المكوّن من 19 عضوا لجنة من الصحفيين لانتقاء أفضل الأعمال، ثم تعرض الأعمال المرشحة الثلاثة في كل جائزة على المجلس الذي يتولى عملية اختيار الفائزين. أربع مقالات كتبتها عام 2024 في مجلة نيويوركر العريقة: مقالة عن التجويع في غزة، وكيف تعاني عائلتي ولا تزال في الحصول على الطعام. مقالة عن معنى السفر لي كفلسطيني من غزة، وهنا تحدثت عن رحلة السفر الأخيرة من مصر إلى الولايات المتحدة في يونيو 2024 ورحلتي لزيارة البوسنة والهرسك بعدها بنحو شهر. لقد تعرضت لتجارب سيئة في المطارات وكتبت عنها. مقالة عما تركته ورائي في غزة وقت خروجي منها في ديسمبر 2023، ليس فقط الأهل والبيت المدمر بل أيضاً كل ما كونته من ذكريات في مخيم الشاطئ وبيت لاهيا ومخيم جباليا، أساتذتي وطلابي، مكتبتي الشخصية ومكتبة إدوارد سعيد بفرعيها التي أسستهما وتم تدميرهما خلال الأشهر المنصرمة. مقالة عن مخيم جباليا الذي عشت فيه وقتاً، حيث بيت جدي لوالدتي، إذ لجأت فيه وفي مدارسه قبل خروجي. ماذا يعني أن تشاهد مخيم لاجئين يُمحى، ماذا يعني أن يحلم اللاجئ بالعودة، ليس ليافا وحدها، بل لمخيم جباليا وغيره. لماذا لا يزال هنا مخيم لاجئين أصلا؟ قبل مغادرتك غزة، عايشت أهوالا من الحرب، صف لنا ما مررت به؟ بعد أسابيع قليلة من بداية الحرب، بدأت بعض العائلات في شمال غزة بالنزوح نحو الجنوب، خاصة بعد التهديدات الإسرائيلية، وكنا نحن أهل الشمال مجبورين على الاختيار بين البقاء في منازلنا، رغم الخطر المحدق، وبين النزوح نحو الجنوب الأقل خطراً آنذاك. آثرت وعائلتي البقاء في الشمال، لمعرفتنا بظروف النزوح ومآلاته، حيث لا بيوت تكفي العائلات ولا ملابس ولا فُرش ولا كتب. وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فوجئت بأبي وأمي وإخوتي يحزمون الحقائب مغادرين بيتنا في بيت لاهيا بنية الذهاب إلى مخيم جباليا ، حيث وُلدت أمي وترعرعت. وفيه لا يزال يسكن جدي وبعض أخوالي وخالاتي. وسوف يتوفى جدي طلال في 14 نيسان 2024 في المخيم، حيث ظل يرفض مغادرته رغم قصف منزله بمساحة سبعين متراً مربعاً في ديسمبر 2023. ومع اشتداد القصف الهمجي، خاصة قصف المربعات السكنية، أذكر منها قصف مربع التلولي في المخيم نهاية أكتوبر/تشرين الأول، وقد راح ضحيته 400 شخص شهداء وجرحى، قررت العائلة الانتقال إلى إحدى مدارس الإيواء، التي تبعد مئات الأمتار عن شقتنا التي لجأنا إليها. كان ذلك الاستهداف الأكثر رعباً في حياتي. كان يوماً مهولاً. خرجت لأبحث عن المكان المستهدف، وإذ به يبعد عنا نحو 500 متر فقط. ثمة مسعف يحاول إنقاذ طفلة داخل سيارة الإسعاف. شابان يحملان بطانية فيها جسد من دون رأس. والناس تجري، لا تعرف إلى أين. الغبار والركام لا يزالان يسقطان من السماء. أمٌ وأطفالها يصرخون، تستجديني الأم: "زوجي تحت الأنقاض، طلعوه". وصلت المربع المدمر، نحو 30 بيتاً. لا يمكنني أن أقول إنها دمرت، بل اختفت تحت الرمال. عدت إلى البيت في المخيم، أريت والدتي وإخوتي صور الدمار. وهذا ما دفع الجميع للخروج نحو مدرسة الإيواء القريبة. لم نحظ بغرفة فصل دراسي كباقي العائلات التي سبقتنا. فوزعنا أنفسنا على الجيران. لم يكن الأمان هو ما ينقصنا فقط، فمنذ غادر موظفو أونروا الدوليون قطاع غزة ، تعقدت ظروف الأسر النازحة. لا ماء ولا طعام يكفيان الأطفال وذويهم. لا نظافة في الحمامات. لا ممرضين يعتنون بالمرضى. كانت كارثة لنا جميعاً. في 14 نوفمبر 2023، ظهرت أسماؤنا؛ زوجتي وأطفالنا الثلاثة وأنا، على قائمة المسافرين عبر معبر رفح البري (المنفذ الوحيد للغزيين على العالم الخارجي) إلى خارج القطاع. طفلنا مصطفى يحمل الجنسية الأميركية، فأتيحت لنا فرصة السفر معه كعائلة ترعاه. وقد تأخر تحركنا من الشمال للجنوب، حيث المعبر، بسبب خطورة الطريق. في صباح 19 من ذلك الشهر، ومع اشتداد القصف حولنا، قررت وزوجتي حمل أمتعتنا وأطفالنا والتوجه جنوباً، وكنت حزيناً جداً لأنني سأترك والدي وأشقائي وأطفالهم. لم تكن هناك وسائل مواصلات، لكن كان نصيبنا أن نجد عربة يجرها حمار. استمرت الرحلة ما يقارب الساعة، إلى أن وصلنا دوار الكويت (على شارع صلاح الدين جنوب مدينة غزة) حيث يتجمع آلاف النازحين. معظمهم يرفعون بطاقاتهم الشخصية. لم أفهم ما المقصد من ذلك. فعلت مثلهم ورفعت بطاقتي الشخصية وجواز السفر الأميركي. وكان عشرات الجنود على يسارنا، يصوبون بنادقهم تجاهنا من وراء تلة رمل. حان دورنا في اجتياز الدبابة، كانت تتحكم بعدد الناس الذين يجتازون الطريق كل مرة، كأنها جندي مرور. دخلنا عبر بوابة في منتصف الشارع، وإذ بنا نسمع صوت جندي إسرائيلي يتحدث العربية بشكل مفهوم: "امشو شوي شوي. ورا بعض. نزل بطاقتك الشخصية. فقط تطلعوا (انظروا) على جهتنا". لاحظت أنه كان ينادي بعض الأشخاص بوصف ملابسهم وما يحملون. لم يخطر ببالي البتة أن ينادى عليّ، فاسمي وعائلتي مدرج على لائحة المسافرين، التي توافق عليها إسرائيل. "الشب اللي لابس جاكيت أسود وشنطة سودا وحامل ولد لون شعره أحمر. نزّل الولد والأغراض وتعال هون". كان ذلك الشاب أنا. قررت التوجه حاملاً طفلي، عمره ثلاث سنوات إلى الجنود لاستيضاح الأمر، لكن الجندي صرخ بي: "حط الولد والشنطة وتعال هون واقعد على ركبك ورا الشباب". كان في الساحة بين الجنود وبين طابور النازحين، ما يقارب 200 شخص من جميع الأعمار. وجندي ينادي عبر مكبر الصوت علينا بالأسماء ويطلب منا قول رقم بطاقتنا الشخصية، وعندما جاء دوري، وقلت رقم بطاقتي أمرني الجندي برفع يدي للأعلى والمشي نحو اليسار حيث يقف جيب عسكري وثلاثة جنود ينتظرونني وشاب آخر معي. اثنان من الجنود يصوبان بندقيتيهما نحونا، بينما أمرنا الجندي الثالث بخلع ملابسنا. بقينا بملابسنا الداخلية. ثم فوجئنا بطلبه أن نخلع كل شيء ونستدير. طلب منا الجندي وضع ملابسنا والتوجه نحو جنديين آخرين سيتوليان مهمة تقييد أيدينا للخلف وتعصيب أعيننا بقطعتي قماش، قبل أن يجرنا أحد الجنود لمنطقة مجهولة. أجلسني الجندي أمام ضابط إسرائيلي سيحقق معي. بدأت الحديث بالإنجليزية. تحدثت عن حياتي باختصار وعن شكل يومي خلال السابع من أكتوبر. "أنت ناشط في حماس" يلقي الضابط القنبلة أمام عيني المعصوبتين، أجبته: "لست كذلك"، ليرد: "عندنا معلومات عن ذلك". وكان ردي: "هل لديك دليل؟ صورة فوتوغرافية، فيديو، دليل من الأقمار الصناعية؟"، لكمني على وجهي. "أنت من سيأتي بالدليل". لن أنسى الشتائم التي تعرضت لها. وتم اقتيادي نحو جهة مجهولة. ربما كنا 10 في خيمة ما. كان الهواء البارد يعذب أجسادنا التي خلعوا عنها ملابسنا الدافئة. المدفع من خلفنا يطلق القذائف نحو غزة، وأتساءل في داخلي: هل أهلي بخير في الشمال؟، هل زوجتي وأطفالي بخير؟ هل وصلوا الجنوب أم وقفوا ينتظرونني بعد الحاجز بقليل؟. بعد عشرة أيام خرجنا من غزة. نظرت إلى الوراء، إلى بوابة المعبر وهي تقول: "أهلاً وسهلاً بكم في فلسطين"، عبرت في ذهني مئات الصور من فلسطين، من غزة بالتحديد، الجغرافيا التي تُمحى كل يوم. المدن التي لم يبق تقريباً منها سوى أسماء شوارعها. وتساءلت: هل مرّ جدي حسن وجدتي خضرة بنفس الشعور عندما نظرا إلى الخلف وهما يغادران يافا في نكبة العام 1948؟. وهل ما زال حلم الفلسطيني في غزة يتسع للعودة إلى يافا وحيفا والناصرة، بينما هو يحلم بالعودة إلى بيت مدمر؟. قذفونا في عربة عسكرية. بدأت بالسير. وصورت إطلاق نار متقطع من حولنا، وقلت في نفسي: ربما هي النهاية. يضربني جندي من الخلف ويأمرني بأن أخفض رأسي. أنا معصوب العينين ومكبل اليدين. أنزلنا الجنود بعد نصف ساعة. يركلني جندي في معدتي. أطير، وأنا معصوب العينين ومكبل اليدين، نحو الأرض. ينقطع نفسي لثانيتين. ويدفعني جندي لكي أعدل من وضعية جلوسي. يركلني في وجهي. ينزف أنفي. ويقذفوننا مرة أخرى في حافلة عسكرية. ونصل بعد ساعتين تقريباً. ينزلنا الجنود من الحافلة، نغير ملابسنا، ننام على قطعة بلاستيكية نحيفة جداً. كان ذلك نهاية اليوم الأول. في اليوم الثاني، تم التحقيق معي مساء. بعد خروجي من غرفة التحقيق وقبل نقلي لمركز الاحتجاز مع الآخرين، فاجأني جندي بالإنجليزية: "نعتذر عن الخطأ، سوف ترجع إلى البيت". لم أكن لأصدق ذلك. في اليوم الثالث، نادى الجندي المسؤول اسمي. بدأت الرحلة إلى المربع الأقسى. إلى طريق صلاح الدين حيث اختطفت. وبدأت الرحلة الأكثر قسوة، رحلة البحث عن زوجتي وأطفالي في دير البلح، ورحلة الاطمئنان على عائلتي الكبيرة في شمال غزة. هل فقدت أحداً؟. إعلان قضيت ما يقارب الساعتين أبحث عن زوجتي مرام وأطفالي يزن ويافا ومصطفى، إلى أن دلني أحد الشباب في الشارع على المدارس التي نزح إليها سكان بيت لاهيا. بعد عشرة أيام خرجنا من غزة. نظرت إلى الوراء، إلى بوابة المعبر وهي تقول: "أهلاً وسهلاً بكم في فلسطين"، عبرت في ذهني مئات الصور من فلسطين، من غزة بالتحديد، الجغرافيا التي تُمحى كل يوم. المدن التي لم يبق تقريباً منها سوى أسماء شوارعها. وتساءلت: هل مرّ جدي حسن وجدتي خضرة بنفس الشعور عندما نظرا إلى الخلف وهما يغادران يافا في نكبة العام 1948؟. وهل ما زال حلم الفلسطيني في غزة يتسع للعودة إلى يافا وحيفا والناصرة، بينما هو يحلم بالعودة إلى بيت مدمر؟.


الشرق السعودية
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الشرق السعودية
هذة قصتنا كي تُروى.. الشاعر الفلسطيني مصعب أبو توهة بعد فوزه بـ "بوليتزر"
فاز الشاعر الفلسطيني مصعب أو توهة (32 عاماً) من قطاع غزة، بجائزة "بوليتزر" 2025 عن فئة التعليق الصحافي، وذلك عن المقالات التي نشرها في مجلة "نيويوركر"، ووثّق فيها الحياة اليومية في ظل الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينين في غزة. وأعلنت الجائزة الأشهر في دوائر الإعلام الأميركي، التي تُمنح سنوياً للنصوص الصحافية والأدبية، "أن أبو توهة قدّم تجربة فلسطينية نابضة بالصدق والمعاناة"، علماً أن أبو توهة فقد 31 فرداً من أسرته في غارة جوية إسرائيلية عام 2023. وكتب أبو توهة على موقع "إكس": فزت للتو بجائزة بوليتزر.. فليكن هذا الأمل.. فلتكن هذه قصة تُروى". أضاف: "أهدي هذا النجاح إلى 31 فرداً من عائلتي استشهدوا في غارة جوية واحدة عام 2023 .. رحم الله عمتي الكبرى فاطمة، التي لا تزال جثتها تحت أنقاض منزلها منذ أكتوبر 2024، رحم الله قبور أجدادي الذين لن أجدهم أبداً". وتابع: رحم الله أرواح طلابي الذين استشهدوا وهم يبحثون عن الطعام أو الحطب. رحم الله المدرسة التي درست فيها ودرّستُ فيها، والمكتبة التي أسستها والتي أضفت إليها ديوان شعر قبل عام 2023. أترحم على الكثيرين، الكثيرين. وأدعو لوقف نار فوري ودائم وإلى العدالة والسلام". حملة صهيونية يواجه أبو توهة حملة صهونية لترحيله من الولايات المتحدة، أدّت إلى إلغاء أمسية له كانت مقرّرة في "جامعة ستانفورد" في أبريل الماضي، "حرصاً على سلامته الشخصية" بحسب محاميه. وكان الاحتلال الإسرائيلي اعتقل أبو توهة في نوفمبر 2023، أثناء محاولته مغادرة غزة، وتعرّض للتعذيب قبل الإفراج عنه، وتوجّهه لاحقاً إلى الولايات المتحدة، مصعب أبو توهة، هو شاعر وكاتب قصّة قصيرة، وكاتب مقالات صحفية، مولود في غزة. يكتب باللغتين العربية والإنجليزية. أسّس عام 2017 "مكتبة إدوارد سعيد" العامة في غزة. نشر قصائده في مجلات شعرية متخصّصة، وكان شاعراً زائراً في قسم الأدب المقارن في "جامعة هارفارد" الأميركية بين عامَي 2019 و 2020. وحاز أبو توهة على "جائزة الكِتاب الأميركي" عام 2024، التي تمنحها مؤسسة "The Before Columbus"، في ولاية كاليفورنيا، وذلك عن مجموعته "أشياء قد تجدها مخبّأة في أُذني: قصائد من غزة". ونشر موقع الجائزة بياناً حينها جاء فيه: "يكتب أبو توهة عن حياته تحت الحصار في غزّة، أوّلاً كطفل، ثم كأب شاب. لقد نجا من أربع هجمات عسكرية، وهو يشهد على دورة طاحنة من الدمار والاعتداء. ورغم ذلك، فإنّ شعره مستوحى من إنسانية عميقة". كما نال جائزة "فئة الإبداع" ضمن "جوائز كُتّاب فلسطين" في لندن عام 2022، وحلّ في القائمة النهائية لجوائز "حلقة نقّاد الكتب" الأميركيين في فبراير 2023. جوائز أخرى وبلغ مصوّرون فلسطينيون من وكالة "فرانس برس" إلى النهائيات في فئة التصوير للأخبار العاجلة، "بفضل صور قوية تجسّد إنسانية شعب غزة وسط الدمار والخسائر الواسعة"، بحسب اللجنة. وفاز عن الفئة نفسها، مصوّر صحيفة "نيويورك تايمز" دوغ ميلز، عن صوره المتعلقة بمحاولة اغتيال ترمب، بما في ذلك صورة لرصاصة تنطلق في الهواء، بينما كان المرشّح آنذاك يلقي خطاباً أمام أنصاره. كما فاز فريق صحيفة "واشنطن بوست" عن تغطيته "الواقعية والعاجلة"، لمحاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترمب خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا، في 13 يوليو. وعن فئة "أفضل التقارير الدولية"، منحت اللجنة صحيفة "نيويورك تايمز" ومراسلها ديكلان والش، على تغطيتهما للنزاع في السودان، وخصوصاً تجارة الذهب غير المشروعة والنزاعات المحلية.


الجزيرة
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
الفلسطيني مصعب أبو توهة يفوز بجائزة بوليتزر للتعليق الصحفي عن معاناة غزة
أعلنت لجنة جوائز بوليتزر، أرفع الجوائز الصحفية والأدبية في الولايات المتحدة، عن فوز الشاعر والكاتب الفلسطيني مصعب أبو توهة بجائزة بوليتزر "للتعليق الصحفي" لعام 2025، عن سلسلة مقالات مؤثرة نُشرت في مجلة "نيويوركر" توثق بعمق المعاناة اليومية للفلسطينيين في قطاع غزة خلال الحرب. وسلطت مقالات أبو توهة الضوء على الدمار الجسدي والنفسي الذي خلفته الحرب في غزة، حيث جمع بين التحقيق العميق والسرد الشخصي لنقل التجربة الفلسطينية -النابضة بالصدق والمعاناة- على مدار أكثر من عام ونصف العام من الحرب الإسرائيلية. وتناولت مقالاته مواضيع مثل صعوبة مغادرة غزة، والدمار الذي لحق بمخيم جباليا، والمعاناة اليومية في ظل الحصار، بحسب بيان لجنة الجائزة المرموقة. ووُلد مصعب أبو توهة في مخيم الشاطئ للاجئين في غزة عام 1992، لعائلة هجرت من يافا بسبب نكبة عام 1948. وحصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية من الجامعة الإسلامية عام 2014، ويكمل الماجستير في الكتابة الإبداعية في جامعة سيراكيوز بنيويورك. وأسس عام 2017 "مكتبة إدوارد سعيد" العامة في غزة، وهي أول مكتبة بالإنجليزية في القطاع. وعام 2022، أصدر مجموعته الشعرية الأولى بنفس اللغة بعنوان "أشياء قد تجدها مخبّأة في أذني: قصائد من غزة" والتي حصلت على جائزة الكتاب الأميركي وجائزة الكتاب الفلسطيني، وكانت ضمن القائمة النهائية لجائزة النقاد الأميركيين. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أثناء محاولته مغادرة غزة مع عائلته، تم اعتقاله من قبل الجيش الإسرائيلي وتعرض للضرب والاستجواب قبل أن يتم الإفراج عنه لاحقًا بفضل ضغوط دولية. وبعد الإفراج عنه، تمكن من مغادرة غزة واللجوء إلى الولايات المتحدة، حيث واصل الكتابة والتوثيق. وأعلن أبو توهة عن فوزه بالجائزة عبر حسابه على منصة إكس قائلاً "لقد فزتُ للتو بجائزة بوليتزر للتعليق. فليكن أملًا وليكن حكاية". ويُعد الفوز بجائزة بوليتزر إنجازًا تاريخيًا، حيث يُبرز الصوت الفلسطيني في واحدة من أرفع الجوائز الصحفية والأدبية في العالم، ويعكس أهمية الأدب في نقل معاناة الشعوب تحت الاحتلال. رحلة مؤلمة وفي مقال طويل نشر في مجلة نيويوركر -بالعربية والإنجليزية مطلع العام الماضي 2024- بعنوان "رحلة شاعر فلسطيني محفوفة بالأهوال للخروج من غزة" روى الشاعر الفلسطيني تفاصيل تجربته المريرة بعد اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ويسرد المقال قصة لجوئه مع عائلته من بيتهم المدمّر شمال غزة إلى مدارس الأونروا المكتظة، ثم محاولاتهم الهرب عبر معبر رفح، وما واجهه من محنٍ قاسية على يد الجنود الإسرائيليين. وقد رفض أبو توهة، الذي وُلد ونشأ في غزة -في البداية- مغادرة مدينته رغم الخطر، مفضلاً البقاء بالقرب من عائلته الكبيرة. لكن استهداف منزله بالقصف الإسرائيلي أجبره على اللجوء إلى أماكن بديلة مع زوجته وأطفاله الثلاثة. وانتقلوا من شقة صغيرة إلى مدرسة تابعة لوكالة الأونروا، حيث عاشوا ظروفاً صعبة في ظل القصف المتواصل ونقص الموارد الأساسية. ومع اشتداد القصف واستهداف حتى المدارس المكتظة باللاجئين، قرر أبو توهة أخيراً الرحيل إلى الجنوب عبر الطريق الطويل المحفوف بالمخاطر. ووسط رحلة امتزجت بالصخب واليأس، واجهت العائلة مشاهد مروعة مثل الجثث والأحذية الممزقة والدماء التي تسيل من حيوانات نفقت أثناء القصف. واستجمع أبو توهة شجاعته لينقل أطفاله إلى مكان آمن، لكن ذلك لم يكن سوى بداية اختبار صعب آخر. وفي نقطة تفتيش إسرائيلية، تم احتجاز أبو توهة من بين مئات الفلسطينيين الآخرين، وتمت مصادرة وثائقه وتعريضه للتفتيش والإذلال. وعلى مدار أيام طويلة في معسكر احتجاز بمنطقة بئر السبع، عانى الشاعر من التعذيب النفسي والجسدي، حيث أُجبر على خلع ملابسه، وتعرض للإهانة، والتحقيق دون أي دليل على علاقته بحماس أو أي فصيل سياسي. وبعد فترة من الاحتجاز، أُطلق أبو توهة بشكل مفاجئ. ولم تُفسَّر أسباب الإفراج بشكل واضح، لكن التجربة تركت جروحاً عميقة داخل نفسه. وعندما عاد إلى عائلته التي كانت قد لجأت إلى جنوب غزة، كان اللقاء مليئاً بالمشاعر المختلطة من الفرح والألم. ويعبر أبو توهة في مقاله عن مشاعر معقدة، بين الأمل في غدٍ أفضل لأبنائه وبين الحزن والأسى على ما شهده من فظائع. ويقول إن "الأمل" بالنسبة للفلسطينيين ليس هبة من الخارج بل هو شيء يُزرع ويُتعهد بالرعاية وسط الخراب. ويتخيل يوماً يمكنه فيه العودة إلى غزة والمساهمة في إعادة بناء وطنه الذي بقي مرسوماً في مخيلته. جوائز بوليتزر 2025 وبالإضافة لفئة "التعليق" فاز -بجائزة بوليتزر- فريق صحيفة واشنطن بوست عن تغطيته "المستنيرة والعاجلة" لمحاولة الاغتيال التي تعرّض لها المرشّح الجمهوري للانتخابات الرئاسية آنذاك دونالد ترامب خلال تجمّع انتخابي في بنسلفانيا في 13 يوليو/تموز من العام الماضي. ويومها انتشرت صور ترامب في سائر أنحاء العالم وهو مصاب في أذنه والدم يسيل على وجهه، وقبضته مرفوعة في الهواء. وقد أشادت لجنة جائزة بوليتزر بـ"الرواية التفصيلية" و"التحليل المكثّف" اللذين قدّمتهما الصحيفة لمحاولة الاغتيال. وعن فئة "صحافة الخدمة العامة" فازت مؤسسة بروبابليكا ببوليتزر عن تغطيتها الإعلامية لقضية الحقّ في إنهاء الحمل طوعا التي كانت محور الحملة الأميركية. وفي سبتمبر/أيلول، غطّت بروبابليكا قضية آمبر ثورمان، البالغة من العمر 28 عاما والتي توفيت في مستشفى بجورجيا في آب/أغسطس 2022 جراء نقص الرعاية الناجم عن القيود التي فرضتها الولاية على عمليات الإجهاض. وعن فئة "أفضل التقارير الدولية" كافأت اللجنة صحيفة نيويورك تايمز ومراسلها ديكلان والش على تغطيتهما للنزاع في السودان، وبخاصة ما يتعلق بتجارة الذهب غير المشروعة والنزاعات المحلية. وبلغ مصوّرون فلسطينيون من وكالة الصحافة الفرنسية إلى النهائيات في فئة "التصوير للأخبار العاجلة" بفضل "صور قوية" تجسّد "إنسانية شعب غزة وسط الدمار والخسائر الواسعة". وعن هذه الفئة فاز مصوّر صحيفة نيويورك تايمز دوغ ميلز عن صوره لمحاولة اغتيال ترامب، بما في ذلك صورة لرصاصة تنطلق في الهواء بينما كان المرشح آنذاك يلقي خطابا أمام حشد من أنصاره. وفازت صحيفة "نيويورك تايمز" بجائزة الصحافة الدولية "لتغطيتها الواسعة والكاشفة لهجوم حماس الفتاك جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 "فضلا عن تغطيتها "للرد الكاسح والقاتل للقوات المسلحة الإٍسرائيلية". وفازت وكالة رويترز للأنباء بجائزة "التصوير للأخبار العاجلة" لتغطيتها "الفجة والفورية" لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول ورد إسرائيل. وأشاد تنويه خاص بـ"الصحافيين والعاملين في وسائل الاعلام الذين يغطون الحرب في غزة". وأشارت لجنة بوليتزر إلى إحدى هيئات جامعة كولومبيا، وقالت إن "هذا النزاع أودى أيضاء بشعراء وكتاب". وتجد هذه الجامعة النيويوركية العريقة نفسها راهنا وسط جدل كبير بعدما استحالت مركزا رئيسيا للمظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بحرم الجامعات الأميركية. إعلان وقد استعانت إدارة جامعة كولومبيا بالشرطة نهاية أبريل/نيسان لإزالة خيم نصبها طلاب محتجون على الحرب الإسرائيلية، وبعد أيام قليلة قامت بإخراج متظاهرين تحصنوا في أحد مبانيها. وقد حدّت الشرطة بشكل كبير من تغطية هذه العمليات، وهددت بتوقيف طلاب أرادوا تغطية ما يحصل في الصحافة. وفي مقال نشر خلال عطلة نهاية الأسبوع، اتّهم مسؤولان في صحيفة الطلاب بجامعة كولومبيا إدارة المؤسسة بأنها شنّت "قمعا" للعمل الصحافي لهؤلاء الطلاب من خلال اشتراطها عرض بعض المقاطع المصورة وصور الأحداث عليها. وكافأت جوائز بوليتزر هذه السنة المعارض الروسي المسجون فلاديمير كارا-مورزا "لمقالاته الشغوفة التي كتبها مجازفا بحياته من زنزانته في السجن" ملقيا الضوء على الأخطار التي تواجهها "المعارضة في روسيا فلاديمير بوتين" وداعيا إلى "مستقبل ديمقراطي" لبلاده. ويمضي كارا-مورزا -الذي يتعاون مع صحيفة "واشنطن بوست"- حكما بالسجن مدة 25 عاما صدر بحقه في أبريل/نيسان 2023 بعد إدانته خصوصا بتهمة "الخيانة" ونشر "معلومات خاطئة" في خضم قمع أصوات منتقدي الكرملين. وكافأت الجوائز صحافيين أميركيين أجروا تحقيقا حول عمالة الأطفال المهاجرين، والتباين بين الأعراق في النظام القضائي الأميركي والعنف المسلح. ووصل الصحافي في وكالة الأنباء الفرنسية أديم التان إلى المرحلة النهائية لجائزة التصوير في فئة "الأخبار العاجلة" لعمله في تداعيات الزلزال الذي ضرب جنوب شرق تركيا في فبراير/شباط 2023. وفي الصورة المرشحة يظهر رجل ممسكا بيد ابنته العالقة بين الأنقاض بعدما قضت في الزلزال. وفازت الكاتبة جاين آن فيليبسس بجائزة أفضل عمل أدبي روائي عن روايتها "نايت واتش" حول امرأة وابنتها بعد حرب الانفصال الأميركية. وكانت جائزة العمل غير الروائي من نصيب نايثن ثرال عن " يومٌ في حياة عبد سلامة: تشريح مأساة القدس". وأشادت لجنة بوليتزر بـ"الرواية الحميمية والدقيقة للحياة تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية من خلال والد فلسطيني قتل ابنه البالغ 5 سنوات في حادث اصطدام حافلة مدرسية بسبب تأخر وصول فرق الإسعاف الإسرائيلية والفلسطينية بسبب الإجراءات الأمنية".


الجزيرة
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
هل تُهدم "كعبة" النظام العالمي؟
ما العولمة؟ يبدو السؤال هاربا من أحد المقررات الدراسية لصفوف الدرجة الإعدادية، سؤال روتيني يحتمل العديد من الإجابات النمطية التي تتحدث عن كيف أصبح العالم قرية صغيرة، وكيف صار التواصل بين الناس أسهل ما يمكن، وكيف أن القميص الذي يُصنع في الهند يُباع في فرنسا ويُلبس في أستراليا بدون مشكلات، وكيف "سقطت" الحواجز بين الناس نهائيا إلى غير رجعة. لكن هذه النظرة "المدرسية" لكلمة العولمة تبدو مختزلة جدا في الحقيقة، فالعولمة بالنسبة للمفكر المصري عبد الوهاب المسيري ، على سبيل المثال لا الحصر، ليست مجرد أداة للتواصل الفعال بين الدول والشعوب، بل هي الطريقة التي تَمكَّن من خلاها الغرب، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية ، من فرض نموذج بعينه على العالم بأسره، ووفق هذه النظرة فإن العولمة خلقت عالما ينظر إلى الحياة من بُعد واحد فقط. وحتى على المستوى الاقتصادي، فإن العولمة ليست مجرد تعبير عن اقتصاد السوق الحر، لكنها تطوي بين جنباتها رؤية مادية ترى الإنسان كائنا مستهلكا بالأساس. وفي الخلف من كل ذلك، تقتات العولمة أساسا على تفكيك الهويات الدينية والقومية والثقافية لصالح نوع واحد من الإنسان، ذلك "الإنسان العالمي المستهلك" الذي لا ينتمي إلى أي شيء سوى محاولة إعادة إنتاج النمط الغربي في نفسه وفي مجتمعه. وضعت العولمة أسس الهيمنة الأميركية على العالم، وشيَّدت جدرانها وأقامت أسقفها، حتى إذا أخذت تلك الهيمنة زخرفها وزينتها أتتها الشكوك والتساؤلات من جديد، والمفارقة أن تلك الشكوك جاءت من قلب الولايات المتحدة ذاتها، وعلى يد رجل يبدو أنه جاء ليهدم المفاهيم الكلاسيكية للهيمنة الغربية، رافعا شعارا براقا خادعا: "أميركا أولا". ترامب.. وإن كان الأخير زمانه عادة ما يُلقي الرؤساء في العالم، وفي الولايات المتحدة الأميركية على الأخص، عشرات الخطابات في مسيرتهم الرئاسية، بيد أن قلة من هذه الخطابات بقيت خالدة في التاريخ وفي صفحات السياسة، ونحن نعتقد أن واحدا من بين تلك الخطابات التي ستظل تُذكر لفترة طويلة هو خطاب دونالد ترامب يوم الأربعاء 2 أبريل/نيسان بحديقة الورود بالبيت الأبيض في واشنطن، ذلك اليوم الذي وصفه الرئيس الأميركي بـ"يوم تحرير أميركا". افتُتح الخطاب بالإشارة إلى "الحالة الكارثية" التي تعيشها الأمة الأميركية حسب ما ترى الإدارة الأميركية الجديدة، حيث المدن والبلدات التي "اغتُصبت" والمصانع التي "دُمرت" أو "نهبت" النتيجة النهائية لذلك، وهو "بلد ممزق تماما". والحقيقة أن مَن يتابع خطابات الرئيس الأميركي يعلم جليا أن هذا النوع من المصطلحات والأوصاف ليس بعيدا أبدا عما ألِفَ الناس سماعه منه منذ فترة رئاسته الأولى. الجديد هذه المرة كان مشهدا لا يكاد أحد يذكر تكرره في السياسة الأميركية من قبل، حين قام ترامب بدعوة صديقه في لعبة الغولف الملياردير هاوارد لوتنيك الذي يشغل منصب وزير التجارة، وقد خرج إلى المنصة حاملا قائمة طويلة للعديد من دول العالم في الشرق والغرب والرسوم الجمركية التي يريد ترامب أن يفرضها على تلك الدول، قبل أن يبدأ ترامب في قراءة الأرقام وكأنه "بائع في مزاد"، وفق وصف "سوزان غلاسر" في مجلة "نيويوركر". وقتها فقط ظهرت الرسوم السرية إلى العلن، وبدأت الدول تبحث عن مواقعها في اللائحة مثل طالب يبحث عن اسمه في لائحة التلاميذ الناجحين أو المقبولين، لكن ذلك كان إيذانا ببدء الحرب التجارية الحقيقية التي هدَّد بها ترامب منذ فترة طويلة. وبمجرد مرور التهديد الترامبي إلى الأثير، انتشرت موجات الصدمة في دول العالم، بادئةً بأصدقاء الولايات المتحدة قبل أعدائها. وقبل أن يُنهي ترامب خطابه بدأت ردود الأفعال تتابع بالفعل، حيث بدأت الأسواق المالية حول العالم في الانهيار تباعا مثل أحجار الدومينو، وانخفض الدولار مقابل العملات الأخرى، وسجَّلت الأسهم الأميركية انخفاضا هو الأكبر منذ الأيام الأولى لانتشار جائحة "كوفيد-19″، حيث قُدِّرت الخسائر الأولية بنحو 3 تريليونات دولار. ولأن رأس المال لا ينظر إلى العامل البشري إلا بصفته أداة من أدوات الإنتاج، بدأ بعض الشركات في الإعلان عن خطط لتسريح بعض العمال تحسبا لأيام سوداء اقتصادية قادمة، وهو ما جعل الاقتصادي الأميركي لورانس سامرز يقول إنه لم يحدث أن كلفت دقائق معدودة أو أقل من ساعة (في إشارة إلى زمن الخطاب) كل هذا الكم من العمال. والمشكلة أنه لا أحد تقريبا، ونقصد بلا أحد هنا أهل الاقتصاد وعلى رأسهم رجال وول ستريت، توقع أن يُقْدِم ترامب بهذه السرعة على تنفيذ واحد من أهم "الوعود الخطيرة" التي تعهَّد بها خلال حملته الانتخابية. في أعقاب هذا القرار، الذي أُعلن تعليقه لاحقا لمدة 90 يوما على جميع الدول باستثناء الصين، ما يخبرنا عن حجم "خطورته"، بدأت التحليلات الاقتصادية تلتقي مع التحليلات النفسية حول شخصية دونالد ترامب، فالرئيس الأميركي -حسبما تشير غلاسر مرة أخرى- اتخذ قرارا بنزعة فردية كاملة لتدمير قرن من العولمة بدم بارد، حيث لا يمكن اختصار هذا القرار في الأبعاد الاقتصادية فقط، بل في نزعة ترامب للسيطرة عبر توقيع أمر تنفيذي يفرض رسوما جديدة، مستعملا بذلك سلطاته الواسعة في إعلان حالة طوارئ اقتصادية وطنية، لذلك فقد بدا سعيدا وهو يقول في كلامه: "إنه لشرف كبير أن أتمكّن أخيرا من القيام بذلك". عولمة مريضة ربما تكون تعريفات ترامب هي الضربة الأكبر والأهم التي تتلقاها العولمة في أهم ميادينها وهو الاقتصاد، لكن الحقيقة أن ذلك المفهوم (ونعني هنا النظام الذي يُمثِّله) كان يعاني بالفعل منذ فترة ليست قصيرة. قبل عام تقريبا، كتب "لاري إيليوت" مقالا في "الغارديان" البريطانية، في ختام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الذي انتهى بجلسة تتحدث عن حالة الاقتصاد العالمي. قال إيليوت في مقاله إن العام لم يكن سيئا لعدد من الأسباب، منها أن ارتفاع سعر الفائدة لم يدفع الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة نحو الركود، بالإضافة إلى أن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة لم تتسبب في رفع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل. بيد أن العام لم يكن رائعا للأسباب الماضية نفسها تقريبا، شبح التضخم، والحروب في الشرق الأوسط التي تهدد أهم طرق التجارة العالمية، ثم وجود انقسامات كبرى بين الفاعلين الاقتصاديين، خصوصا ذلك الصراع بين واشنطن وبكين. بحسب إيليوت، في عالم باتت فيه الفجوة بين الشمال والجنوب تتسع باطّراد، والديمقراطية الليبرالية مهددة بسبب "الأنظمة الاستبدادية"، والكوكب يواصل الاحترار، ظهر جليا أن العولمة لم تمت بعد حتى الآن، وأن النموذج الغربي لا يزال قائما، والدليل على ذلك أن طالبي اللجوء يقدمون إلى الغرب وليس إلى روسيا والصين، ما يعني ببساطة أن النموذج الغربي ما زال حيا يُرزق. بيد أن العالم منذ صدمة الأزمة المالية العالمية لعام 2008 بدأ يتبدل بالفعل، ثم جاءت جائحة "كوفيد-19" لتبدأ مرحلة "تفكيك العولمة"، أو "العولمة المحلية" (Glocalization)، حسب ما يُطلق عليها البعض. تُعد هذه "العولمة المحلية" مزيجا بين الانكفاء الذاتي وما بين السوق الحر، فهي تتضمن سلاسل توريد أقصر، وتركيزا أكبر على القدرات التصنيعية الوطنية، كما أنها تعطي مساحة أكبر للحكومات المحلية في الجانب الاقتصادي. غير أن الحاجز الجمركي الذي أطلقه دونالد ترامب ليطلق رصاصة الرحمة التي تلك المحاولة الأخيرة لإنقاذ العولمة من خلال تقييدها بقيود "محلية"، فالرئيس الأميركي الحالي لديه فكرة مختلفة تماما، وهي أنه يمكن لبلاده أن تكون غنية بالدخول في حرب تجارية عالمية مع أصدقائها وأعدائها على حدٍّ سواء. تأتي الحمائية الاقتصادية التي ينهجها ترامب لتُشكِّل قطيعة مع السياسات الاقتصادية الدولية لواشنطن في عهد جميع مَن سبقوه، تلك السياسات التي جعلت أميركا قوة عظمى تفخر باقتصاد تبلغ قيمته 30 تريليون دولار هو الأقوى على وجه الأرض. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض في المرة الأولى، بذل الرؤساء الأميركيون جهدا كبيرا لتقليل الحواجز التي قد تعترض التجارة والاستثمار والتمويل، متذرّعين بأهداف هي أقرب للبروباغندا من قبيل "نشر الرخاء في الأراضي البعيدة". في تعليقها على هذه الخطوة تقول كارمن راينهارت، كبيرة الاقتصاديين السابقة في البنك الدولي، إن ما أعلن عنه ترامب يُعد لحظة تاريخية، لأنه حتى وإن تراجعت الإدارة الحالية عن كل هذا لتلطيف الأجواء قليلا، فإن هذه الخطوة شكَّلت مسمارا آخر في نعش العولمة، فيما يُصِر ترامب على أن التعريفات الجمركية المرتفعة ستفتح "عصرا ذهبيا" جديدا، حيث ستتدفق مليارات الدولارات من الاستثمارات في البلاد، كما قطع الرئيس الأميركي وعودا على نفسه بأن الأسهم سترتفع، وستُبنى مصانع جديدة هي الأفضل في العالم لتكون بديلا لمصانع أُغلقت سابقا في البلاد. يَعِدُ ترامب بأن أميركا ستكون مختلفة تماما، وهو محق في ذلك يقينا، لكن هذا الاختلاف ليس إيجابيا بالضرورة، فعلى النقيض من وعود ترامب البراقة، يذكر الاقتصاديون كيف تضاعف حجم الاقتصاد الأميركي بعد دخول اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية حيز التنفيذ عام 1994، ذلك الاتفاق الذي جمع في وقت سابق الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، وهو نموذج واحد يخبرنا كيف كانت الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر، وبفارق ضخم عن أي جهة أخرى، من التجارة الدولية المفتوحة. لا يركز الرئيس الأميركي على ذلك، ويركز في المقابل على صدمة عام 2001، أو "صدمة الصين"، التي حدثت بعد انضمام بكين إلى منظمة التجارة العالمية، حينها فقد 2.4 مليون أميركي وظائفهم بحلول عام 2011، رغم أن التجارة مع الصين سرعان ما أثبتت أن فوائدها تفوق مثالبها على أصعدة عدة، فكما ذكرت دراسة لجامعة جورج ماسون، فإن ثلاثة أرباع الأميركيين استفادوا من التجارة مع الصين، بيد أن العمال الذين لا يحملون مؤهلات عالية ظلوا الحلقة الأضعف في هذا الانفتاح. الصين.. العدو حقا؟ حاولت الإدارات الأميركية المختلفة، بداية من عهد بيل كلينتون ، التغلب على المشكلة المحلية التي خلقها دخول الصين إلى الاقتصاد العالمي، وذلك من خلال العمل على إعادة تأهيل العمال المتضررين ببرنامج "مساعدة التكيف مع التجارة"، لكن مشكلات كثيرة من بينها التمويل حالت دون أن يحقق هذا البرنامج النتائج المرجوة. رغم ذلك، كان الرؤساء الأميركيون ومستشاروهم الاقتصاديون يدركون دائما أن تلك مجرد ضريبة تُخفي خلفها بحرا من الفوائد، والأكثر من ذلك أنهم أدركوا أن "الميكنة"، وليست التجارة، كانت هي السبب الرئيس لخسارة الموظفين لوظائفهم، وأن ما فعلته الاتفاقيات التجارية هو إظهار حِدّة الأزمة ونيل نصيب الأسد من الغضب الشعبي. ولكن في الوقت الذي تضاعفت فيه أرباح الشركات الأميركية 3 مرات تقريبا بعد الاستفادة من اليد العاملة الرخيصة خارج البلاد، لم يتزحزح دخل الأسرة المتوسطة الأميركية من 1999 وحتى عام 2015. في الأخير، تحول النظام الاقتصادي الذي أنشأه الأميركيون برعاية منظمة التجارة العالمية إلى وحش يأكل صاحبه بعد أن فشل في التكيف مع الصعود القوي لاقتصاد كبير مثل الصين، تاركا شريحة لا يُستهان بها من الأميركيين ساخطة على التجارة الحرة. في عام 2008، بدأ الشعور المعادي للتجارة العالمية يصعد أكثر فأكثر، فقد انتقد باراك أوباما وهيلاري كلينتون اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية خلال الانتخابات التمهيدية الرئاسية، في العام نفسه، وبسبب الأزمة العالمية الكبرى، بدأت مشاعر عدم الارتياح تشمل الصين بالتبعية. وعندما ترشح دونالد ترامب للرئاسة عام 2016، فإنه صب جزءا كبيرا من غضبه على التجارة، ودافع عن أفكار حمائية تماما، ورغم أن دونالد ترامب لا يُعد شخصية ذات طابع أيديولوجي ولا يمكن نسبة مواقف راسخة له في معظم القضايا، فإن الحمائية الاقتصادية ومناهضة التجارة الحرة تُعد استثناء من ذلك، وتعود جذور هذه الرؤية حتى إلى خلفيته الدراسية في كلية وارتون، التي أسسها الصناعي جوزيف وارتون، المعروف بمعاداته للتجارة الحرة وتشجيع الاكتفاء الذاتي للدول. يرى ترامب أن بلاده محتاجة إلى إنتاج المزيد من كل شيء تقريبا داخل حدودها بدلا من شرائه من الآخرين (وخاصة الصين)، حتى لو أسهم ذلك في زيادة التكاليف، لأن زيادة التصنيع المحلي ستقوّي المجتمعات المحلية والدفاع الوطني. ويقف الرئيس الأميركي تحديدا عند أزمة عام 2008 رافضا تجاوزها، رغم أن الأميركيين أنفسهم عادوا ينظرون إلى التجارة نظرة أكثر إيجابية، فـ81% منهم يعتبرونها فرصة للنمو في مقابل 14% فقط يرونها تهديدا، حسب استطلاع حديث أجراه مختبر غالوب في وقت سابق من العام الحالي. تراهن الإدارة الأميركية الجديدة على بعض الصناعات من قبيل صناعة السيارات من أجل العودة بسرعة إلى مكانتها بوصفها قوة "صناعية"، إذ تعمل المصانع الأميركية الآن بنسبة 68% فقط من طاقتها، مقارنة بـ88% في 2015 بحسب الاحتياطي الفيدرالي، لكن لسوء حظ المتفائلين من إدارة ترامب، يبدو أن هذا التغيير بعيد جدا عن المتناول، فالسيارة تحتوي في المتوسط على 30 ألف قطعة، نصفها يأتي من الخارج، ما يعني أن هناك حاجة إلى بناء سلاسل توريد محلية كاملة، وهو الأمر الذي سيستغرق سنوات ويتطلب تكاليف باهظة. سياسيا، بدأت ردود الأفعال الدبلوماسية تظهر قبل النتائج الاقتصادية على قرار ترامب الأخير، فقد أعلن مارك كارني، رئيس الوزراء الكندي، أن بلاده بدأت فعلا في البحث عن شركاء تجاريين جدد، أما أوروبا، التي لم يحبها ترامب يوما ولم تحبه، فقد بدأت هي الأخرى تتفاوض مع الهند لإبرام اتفاق تجاري، في الوقت الذي تعزز الصين علاقتها الاقتصادية مع العديد من دول العالم، بما فيها حلفاء للولايات المتحدة. في هذا الصدد، يقول جيفري فريدن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا ومؤلف كتاب "الرأسمالية العالمية"، إن تحول إدارة ترامب نحو الأحادية الاقتصادية "لم يغير النظرة الاقتصادية للدول الأخرى ويدفعها لتبني الحمائية الاقتصادية، فقط تحاول هذه الدول حماية نفسها من واشنطن، ومن النظام الاقتصادي الجديد الذي قد ينشأ من الفوضى، وستلعب فيه أميركا دورا مختلفا تماما". نهاية نظام؟ من جانبها، لم تقف الصين مكتوفة الأيدي أمام قرارات ترامب، وأشعلت حرب التعريفات بلا تردد، لتصل الأمور الآن إلى صيغة خطيرة: تعريفات بقيمة 245% على جميع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة تقريبا مقابل تعريفات بنسبة 125% على واردات أميركا إلى الصين (أعلنت الصين أنها لن ترفع التعريفات أكثر من ذلك في الوقت الراهن)، وأكثر من ذلك استهدفت واشنطن أيضا المكسيك وفيتنام، الدولتين اللتين اعتمدت عليهما الصين في الالتفاف على الرسوم الجمركية التي فُرضت عليها عام 2018. تبدو تلك أشبه بلعبة لعضّ الأصابع شعارها: مَن سيصرخ أولا؟ فمن جانبها، ترى أميركا نفسها في موقف مهيمن في اللعبة، باعتبار أن الأميركيين يستهلكون من الصين أكثر مما تستهلك الصين من أميركا، في المقابل ترى بكين أنها مَن تمتلك القوة الصناعية الأكبر، وأن أميركا ستضطر للتراجع في نهاية المطاف، وفي خضم تلك التصورات المتبادلة يُخطئ البلدان في قراءة نِيَّات بعضهما بعضا. على جانب، يواجه ترامب خصما أكثر استعدادا للحرب التجارية حسب ما يؤكد مارك لانتاني، خبير في الشؤون الصينية في جامعة النرويج القطبية، فبعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض عام 2020، لاحظت بكين بأن الإدارة الديمقراطية لم تعدل عن القرارات التي اتخذها ترامب، بل حافظت على معظم الرسوم الجمركية التي فرضها، وهو ما جعل الصينيين يعتبرون أن الوقت قد حان من أجل اتخاذ مسافة أكبر مع الاقتصاد الأميركي لتفادي جميع المفاجآت السيئة، وهو ما حدث مع عودة ترامب للحكم مرة أخرى هذه السنة. لكن المشكلة التي تواجهها الصين حاليا هي أن الإدارة الأميركية لا تمتلك فعليا أي كوابح. فحتى في زمان إدارة ترامب الأولى، كان هناك أشخاص قادرون على منعها من الخروج عن السيطرة مثل جون كيلي، رئيس موظفي البيت الأبيض، وإتش. آر. ماك ماستر، مستشار الأمن القومي، لكن اليوم الوضع مختلف تماما، لن تستطيع لا الصين "العدو" ولا أوروبا الحليفة من إيجاد صوت مختلف في أوساط "كابينت" ترامب. تقول بعض التحليلات إن ترامب يريد، أكثر من أي وقت مضى، اتباع إستراتيجية تهدف إلى إقناع الطرف الآخر بأنه قادر على القيام بأي شيء، والذهاب إلى أكثر نقطة مجنونة بعيدة ممكنة لإجباره على تقديم تنازلات. في المقابل، لا تحب الصين أبدا المشكلات ولا الصراعات الكبرى المؤثرة على الاقتصاد العالمي، فهي دولة تزدهر في الأمن والسلم، لكن يبدو أنها تُقاد مجبرة إلى حرب تجارية غير مسبوقة في ضراوتها. لكن بكين ليست وحدها التي ستدفع ثمن توجهات وقرارات ترامب، فيبدو أن الرئيس الأميركي يُعادي نظاما سياسيا واقتصاديا أسَّسته أميركا نفسها وحصدت جُلَّ فوائده، نظام يجعلها صاحبة اليد الطولى سياسيا وثقافيا واقتصاديا، بما يعني أن واشنطن في طريقها لهدم البيت الصيني سوف تُخرب بيتها بأيديها أولا، والأهم أنها ستهدم بلا رجعة ذلك النظام الذي كفل لها الهيمنة على العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم.