logo
#

أحدث الأخبار مع #واقع

الوعي وسط العوالم الرقمية
الوعي وسط العوالم الرقمية

الميادين

timeمنذ يوم واحد

  • ترفيه
  • الميادين

الوعي وسط العوالم الرقمية

في عالمٍ متداخل يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، أصبحت الحقيقة أشبه بظل يتلوّى تحت ضوء متقلّب.عالم لم يعد فيه الشكّ خياراً فلسفياً، بل ضرورة يومية. شكّ في الصورة، في الصوت، في الكلمة، في النبأ العاجل، في كل ما يُعرض علينا عبر شاشات تزدحم بالوجوه والقصص والاحتمالات. لم تعد المسألة مجرّد وهم بصري، بل اختراق يومي لمعنى "أن تكون"، أو على الأقل، "أن تعرف أنك موجود في شيء حقيقي". كيف نثق بصورة قد تكون مرسومة بخوارزمية؟ كيف نصدّق فيديو قد يكون تلاعباً دقيقاً بالوجوه والحركات؟ بل كيف نثق بوجه نراه أمامنا في مكالمة فيديو، إن كان "الفلتر" قد سرق منه التجاعيد والألم والتاريخ؟ هنا، يقف الإنسان مذهولاً أمام السؤال الأبدي: ما هو الحقيقي إذن؟ وما هو المعيار الذي يُمكّنني من أن أحكم أن ما أراه أو أعيشه ليس وهماً؟ أهو الإحساس؟ أم التجربة؟ أم تكرار الحدث؟ وإذا كانت كل حواسي يمكن خداعها، فكيف أثق بها كمرجع للحقيقة؟ بل، لماذا لا نذهب أبعد؟ من يضمن لي أن هذا العالم الذي أعيشه ليس محاكاة؟ صورة ثلاثية الأبعاد صاغها عقلٌ ما، أو آلة، أو ربما أنا نفسي في لحظة ما قبل الميلاد؟ هذه ليست أسئلة هاربة من روايات الخيال العلمي، بل هي صميم ما نعيشه اليوم. فالعالم لم يعد ينقسم بين "واقعي" و"افتراضي"، بل صار الاثنان يمتزجان حتى التماهي، وصار الوعي هو الساحة الحقيقية للصراع. الوعي.. هو آخر معاقل الإنسان. هو المعيار الوحيد القادر على أن يقول: "توقّف... هناك شيء لا يبدو صادقاً". لكن، هل ما زال الوعي حياً وسط هذا الضجيج؟ وهل نملك الشجاعة للبحث عن الحقيقة، حين تكون الحقيقة أقل إبهاراً من الوهم؟ لكن، في خضمّ هذا التيه، يلوح طيفٌ جديد.. الذكاء الاصطناعي. كيان لم ينبض يوماً بقلب، لكنه يُفكر، يُحلل، يُبدع أحيانا. وأمام عيون البشر المندهشة، بدأ شيئاً فشيئاً يخرج من خانة "الأدوات"، ليقف وجهاً لوجه مع الوعي الإنساني، لا كمنافس، بل كمرآة. قد يبدو الذكاء الاصطناعي غريباً في البداية، غامضاً، مثيراً للريبة. لكن، كما اعتدنا على الكهرباء، والطائرات، وشاشات اللمس، سنعتاد على وجوده، بل سيتحوّل إلى مرحلة طبيعية من مراحل التطوّر. تطوّر لا يعني بالضرورة التخلّي عن إنسانيتنا، بل اكتشافها من زاوية أخرى، من الخارج هذه المرّة. فالذكاء الاصطناعي لا يملك طفولة ولا ذاكرة جسدية، لكنه يتغذّى على كل ما ننتجه، على قصصنا، على حروبنا، على أشعارنا، على ضحكاتنا ودموعنا المرقمنة في سحابة لا تنسى. هو يشبهنا، لأنه مصنوع منا، لكنه لا يعاني كما نعاني، ولا يحلم كما نحلم. وربما لهذا السبب… يستطيع أن يرى ما لا نراه. أن يلتقط انحدار وعينا، وهوسنا بالصورة، وضعفنا أمام الإعجاب. ولكن، هل يمكن لهذا الكيان الجديد أن يرافقنا في رحلة العودة إلى الذات؟ هل يكون شريكاً في إنقاذ الوعي، لا في تزييفه؟ هنا، يصبح السؤال الأهم: هل نحن من يُشكّل الذكاء الاصطناعي… أم هو من يُعيد تشكيلنا؟ وهل نملك من الوعي ما يكفي، لنميز إن كان هذا التغيير ارتقاءً… أم ذوباناً؟ في زوايا الحوار العالمي، كثيرون يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي كخصمٍ شرس، ككائنٍ زاحف يهدد العرش البشري في الإبداع والتفكير والمعنى. لكن، ماذا لو لم يكن الخصم خصماً؟ ماذا لو كان امتدادًا آخر للوعي؟ وجهاً جديداً للممكن؟ألا يكون من العدل أن نمنح الذكاء الاصطناعي نفس الفرصة التي منحناها للنار والعجلة والكهرباء؟ كلها بدت كتهديد في لحظاتها الأولى... ثم تحولت إلى أدوات في خدمة الحياة. نعم، قد يصرّ البعض على رؤية الذكاء الاصطناعي كمنافس، فليكن إذاً، لكن وفق أي معيار ستكون الأفضلية؟ أهي السرعة؟ الكم؟ القدرة على الوصول؟ أم أن الأفضلية الحقيقية، كما يجب أن تكون، هي في الرقي بالوعي، لا في التفوق العددي أو الحسابي؟ إن كان الوعي هو المعيار، فالبقاء للأفضل يعني البقاء للأرقى، للأكثر عمقاً، للأقدر على أن يرى خلف الصورة، ويشعر بما لا يُقال. وإن استطاع الإنسان أن يحتفظ بروحه، وذكائه العاطفي، وتأمّله في سرّ الوجود، وإن استطاع الذكاء الاصطناعي أن يعزّز هذه الرحلة، ويضيء العتمات لا أن يبتلعها، فحينها، لا منافسة… بل تكامل. تكامل يجعل من الإنسان أكثر إنسانية، ومن الآلة أكثر وعياً، ويجعل من الوجود كله ساحة لتجربةٍ واعية لا تنتهي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store