logo
#

أحدث الأخبار مع #وكالةالأمنالقوميالأمريكية

العمق الذي يتحكم في السطح.. كيف تعيد الكابلات البحرية تشكيل النظام العالمي؟
العمق الذي يتحكم في السطح.. كيف تعيد الكابلات البحرية تشكيل النظام العالمي؟

صحيفة الشرق

timeمنذ 2 أيام

  • علوم
  • صحيفة الشرق

العمق الذي يتحكم في السطح.. كيف تعيد الكابلات البحرية تشكيل النظام العالمي؟

156 العالم اليوم يعتمد بشكل متزايد على الاتصال الرقمي، وتقف خلف هذا الاعتماد بنية تحتية حيوية لكنها غير مرئية تدير الإنترنت العالمي وتؤمّن تدفق البيانات والمعاملات المالية على نحو مذهل. تتمثل هذه البنية في كابلات الألياف الضوئية البحرية، التي تنقل أكثر من 95 % من حركة البيانات الدولية، وتدعم معاملات مالية تُقدَّر بحوالي 10 تريليونات دولار يوميًا. ورغم هذا الدور الجوهري، تبقى هذه الشبكة الدقيقة والهائلة في طيّ النسيان، مهملة من حيث الحماية، رغم أنها تمثل العصب الفعلي للاقتصاد الرقمي العالمي. تمتد هذه الكابلات، التي لا يتجاوز قُطرها بوصتين، لمسافات تتجاوز 1.2 مليون كيلومتر عبر المحيطات، وتتكون من ألياف ضوئية رفيعة محاطة بطبقات من النحاس والبلاستيك والفولاذ، لحمايتها من الضغوط الهائلة والتيارات المائية. وبفضل هذا التصميم، تستطيع الكابلات البحرية نقل بيانات بسرعة تصل إلى التيرابايت في الثانية، ما يجعلها الخيار المثالي لتطبيقات تتطلب زمن انتقال منخفضا مثل الخدمات السحابية، البث الحي، والتعاملات المالية، وهي بذلك تتفوق بشكل واضح على الأقمار الصناعية التي تبقى سرعتها محدودة وزمن تأخيرها أكبر. رغم التصور الشائع، فإن الاعتماد على الأقمار الصناعية في نقل البيانات الدولية لا يتجاوز بضع نسب مئوية، لأن الكابلات البحرية أكثر كفاءة وأقل تكلفة وأسرع استجابة. ويتم تثبيت هذه الكابلات عبر سفن متخصصة تُطلقها في أعماق المحيطات وفق مسارات مدروسة بعناية لتجنب مناطق الزلازل والتيارات القوية والانهيارات الأرضية. لكن المفارقة أن أكثر من 70 % من الأعطال التي تصيب هذه الكابلات سببها أنشطة بشرية مثل الصيد الجائر أو إلقاء المراسي البحرية، وليس الكوارث الطبيعية أو هجمات الحيوانات البحرية كما يُشاع. ورغم الطبيعة التقنية لهذا القطاع، فإن الجانب السياسي والأمني فيه حاضر بقوة. فالكابلات البحرية تمثل أصلًا إستراتيجيًا تمسّ الحاجة إلى حمايته في زمن التوترات الجيوسياسية. فعلى سبيل المثال، أنشأت أستراليا مناطق بحرية محمية حول مسارات الكابلات لمنع إلحاق الضرر بها، في حين تعتمد القوات المسلحة الأمريكية عليها بشكل مباشر لنقل بيانات استخباراتية بين قواعدها ومراكز القيادة. أي انقطاع في هذه الكابلات يمكن أن يؤدي إلى شلل في الخدمات، وتأخير في العمليات العسكرية، وانهيار في الأسواق المالية، ولو لساعات. تاريخيًا، لم تكن هذه الكابلات بمعزل عن الحروب، ففي عام 1959، قطعت خمسة كابلات أمريكية تحت المحيط الأطلسي في ظروف غامضة، واتهمت واشنطن آنذاك السفن السوفيتية بالقيام بعملية تخريبية متعمدة. وفي العصر الحديث، كشفت تسريبات إدوارد سنودن عن قدرة وكالة الأمن القومي الأمريكية على التنصت على البيانات العابرة من خلال نقاط التقاطع في الكابلات، وهو ما دفع بعض الدول مثل البرازيل إلى إنشاء كابلات جديدة تتفادى المرور عبر الولايات المتحدة. وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت المخاوف من الهجمات المقصودة. ففي عام 2023 و2024، تضررت كابلات بحرية في بحر البلطيق والبحر الأحمر تحت ظروف اعتُبرت مشبوهة، ما أعاد طرح سؤال الأمن البحري في سياق الجغرافيا السياسية. هذه الحوادث، التي يبدو بعضها جزءًا من صراعات خفية، أكدت هشاشة هذه البنية الأساسية رغم قوتها التقنية. ولمواجهة هذه التحديات، لجأت شركات مثل غوغل وميتا إلى بناء كابلات خاصة بها، مثل الكابل البحري «Dunant» الذي يعبر الأطلسي وينقل 250 تيرابايت في الثانية، وهو ما يشير إلى سباق صامت بين القوى التكنولوجية العالمية لامتلاك شبكاتهم الخاصة والمحمية. ولا تقتصر أهمية هذه الكابلات على الدول المتقدمة فقط، بل تمتد إلى الدول ذات المواقع الجغرافية الحساسة. فمصر، على سبيل المثال، تمر بها أكثر من 16 كابلًا بحريًا رئيسيًا تربط بين آسيا وأوروبا، مما يمنحها موقعًا إستراتيجيًا عالي الأهمية في خريطة الاتصالات العالمية. ومع ذلك، فإن هذه الأهمية لا ترافقها دائمًا سياسات حماية أو استثمار تتناسب مع حجم الأصول «الجيوسيبرانية» التي تمتلكها. تبقى كابلات الإنترنت البحرية بمثابة شبكة الحياة الرقمية للعالم الحديث. فهي تحمل الاقتصاد العالمي، وتغذي المعاملات والمعلومات لحظة بلحظة، لكنها في الوقت نفسه تفتقر إلى الحماية الكافية، وتُدار غالبًا من قبل شركات خاصة، في غياب إطار دولي ملزم. وإذا ما استمر هذا الوضع، فإن السؤال لم يعد هل ستُستهدف هذه الكابلات، بل متى، وكيف سيؤثر ذلك على عالم يعتمد أكثر من أي وقت مضى على تدفق غير منقطع للبيانات. على ضوء ما تقدم وفي ظل تسارع التنافس الجيوسياسي والتقدم التكنولوجي، تبرز الكابلات البحرية ليس فقط كبنية تحتية رقمية، بل كأصل إستراتيجي ذي حساسية فائقة. ومع أن الاعتماد عليها سيستمر لعقود قادمة، فإن مستقبلها لن يُحدد فقط بتطور السرعات أو تحسين الطبقات العازلة، بل بمدى قدرة الدول والمنظمات الدولية على صياغة منظومات حوكمة وتأمين جماعية. فالعالم مقبل على مرحلة تصبح فيها السيطرة على البيانات، لا على الأرض، هي جوهر القوة. وفي هذا السياق، قد تتحول أعماق المحيطات إلى ساحة صراع جديدة، صامتة ولكنها شديدة التأثير. فالكابلات البحرية ليست مجرّد أنابيب بيانات، بل شرايين عالم معولم يُعاد تشكيله، حرفيًا، من تحت سطح البحر. عربيًا ما زال الحضور في مشهد حوكمة هذه البنية التحتية هامشيًا، إن لم يكن غائبًا تمامًا. فلا توجد إستراتيجية عربية موحدة لحماية هذه الكابلات، ولا رؤية واضحة للاستثمار فيها أو للمشاركة في تطوير معايير أمنها وتشغيلها. في عالم تُدار فيه القوة من خلال السيطرة على تدفق البيانات، فإن تجاهل العمق الإستراتيجي للكابلات البحرية يُعد نوعًا من القصور الإستراتيجي. فهل سيبقى العرب مجرد ممر عبور للكابلات، أم أن هناك من سيلتفت لهذا المشهد ويصبح طرفًا فاعلًا في رسم خريطة الأمن الرقمي العالمي! مساحة إعلانية

د. خالد وليد محمود : عن العمق الذي يتحكم في السطح
د. خالد وليد محمود : عن العمق الذي يتحكم في السطح

أخبارنا

timeمنذ 3 أيام

  • علوم
  • أخبارنا

د. خالد وليد محمود : عن العمق الذي يتحكم في السطح

أخبارنا : يعتمد العالم اليوم بشكل متزايد على الاتصال الرقمي، وتقف خلف هذا الاعتماد بنية تحتية حيوية لكنها غير مرئية تدير الإنترنت العالمي وتؤمّن تدفق البيانات والمعاملات المالية على نحو مذهل. تتمثل هذه البنية في كابلات الألياف الضوئية البحرية، التي تنقل أكثر من 95% من حركة البيانات الدولية، وتدعم معاملات مالية تُقدَّر بحوالي 10 تريليونات دولار يوميًا. ورغم هذا الدور الجوهري، تبقى هذه الشبكة الدقيقة والهائلة في طيّ النسيان، مهملة من حيث الحماية، رغم أنها تمثل العصب الفعلي للاقتصاد الرقمي العالمي. تمتد هذه الكابلات، التي لا يتجاوز قطرها بوصتين، لمسافات تتجاوز 1.2 مليون كيلومتر عبر المحيطات، وتتكون من ألياف ضوئية رفيعة محاطة بطبقات من النحاس والبلاستيك والفولاذ، لحمايتها من الضغوط الهائلة والتيارات المائية. وبفضل هذا التصميم، تستطيع الكابلات البحرية نقل بيانات بسرعة تصل إلى التيرابايت في الثانية، ما يجعلها الخيار المثالي لتطبيقات تتطلب زمن انتقال منخفض مثل الخدمات السحابية، البث الحي، والتعاملات المالية، وهي بذلك تتفوق بشكل واضح على الأقمار الصناعية التي تبقى سرعتها محدودة وزمن تأخيرها أكبر. رغم التصور الشائع، فإن الاعتماد على الأقمار الصناعية في نقل البيانات الدولية لا يتجاوز بضع نسب مئوية، لأن الكابلات البحرية أكثر كفاءة وأقل تكلفة وأسرع استجابة. ويتم تثبيت هذه الكابلات عبر سفن متخصصة تُطلقها في أعماق المحيطات وفق مسارات مدروسة بعناية لتجنب مناطق الزلازل والتيارات القوية والانهيارات الأرضية. لكن المفارقة أن أكثر من 70% من الأعطال التي تصيب هذه الكابلات سببها أنشطة بشرية مثل الصيد الجائر أو إلقاء المراسي البحرية، وليس الكوارث الطبيعية أو هجمات الحيوانات البحرية كما يُشاع. ورغم الطبيعة التقنية لهذا القطاع، فإن الجانب السياسي والأمني فيه حاضر بقوة. فالكابلات البحرية تمثل أصلًا استراتيجيًا تمسّ الحاجة إلى حمايته في زمن التوترات الجيوسياسية. فعلى سبيل المثال، أنشأت أستراليا مناطق بحرية محمية حول مسارات الكابلات لمنع إلحاق الضرر بها، في حين تعتمد القوات المسلحة الأمريكية عليها بشكل مباشر لنقل بيانات استخباراتية بين قواعدها ومراكز القيادة. أي انقطاع في هذه الكابلات يمكن أن يؤدي إلى شلل في الخدمات، وتأخير في العمليات العسكرية، وانهيار في الأسواق المالية، ولو لساعات. تاريخيًا، لم تكن هذه الكابلات بمعزل عن الحروب. ففي عام 1959، قطعت خمس كابلات أمريكية تحت المحيط الأطلسي في ظروف غامضة، واتهمت واشنطن آنذاك السفن السوفيتية بالقيام بعملية تخريبية متعمدة. وفي العصر الحديث، كشفت تسريبات إدوارد سنودن عن قدرة وكالة الأمن القومي الأمريكية على التنصت على البيانات العابرة من خلال نقاط التقاطع في الكابلات، وهو ما دفع بعض الدول مثل البرازيل إلى إنشاء كابلات جديدة تتفادى المرور عبر الولايات المتحدة. وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت المخاوف من الهجمات المقصودة. ففي عام 2023 و2024، تضررت كابلات بحرية في بحر البلطيق والبحر الأحمر تحت ظروف اعتُبرت مشبوهة، ما أعاد طرح سؤال الأمن البحري في سياق الجغرافيا السياسية. هذه الحوادث، التي يبدو بعضها جزءًا من صراعات خفية، أكدت هشاشة هذه البنية الأساسية رغم قوتها التقنية. ولمواجهة هذه التحديات، لجأت شركات مثل غوغل وميتا إلى بناء كابلات خاصة بها، مثل الكابل البحري «Dunant» الذي يعبر الأطلسي وينقل 250 تيرابايت في الثانية، وهو ما يشير إلى سباق صامت بين القوى التكنولوجية العالمية لامتلاك شبكاتهم الخاصة والمحمية. ولا تقتصر أهمية هذه الكابلات على الدول المتقدمة فقط، بل تمتد إلى الدول ذات المواقع الجغرافية الحساسة. فمصر، على سبيل المثال، تمر بها أكثر من 16 كابلًا بحريًا رئيسيًا تربط بين آسيا وأوروبا، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا عالي الأهمية في خريطة الاتصالات العالمية. ومع ذلك، فإن هذه الأهمية لا ترافقها دائمًا سياسات حماية أو استثمار تتناسب مع حجم الأصول «الجيوسيبرانية» التي تمتلكها. تبقى كابلات الإنترنت البحرية بمثابة شبكة الحياة الرقمية للعالم الحديث. فهي تحمل الاقتصاد العالمي، وتغذي المعاملات والمعلومات لحظة بلحظة، لكنها في الوقت نفسه تفتقر إلى الحماية الكافية، وتُدار غالبًا من قبل شركات خاصة، في غياب إطار دولي ملزم. وإذا ما استمر هذا الوضع، فإن السؤال لم يعد هل ستُستهدف هذه الكابلات، بل متى، وكيف سيؤثر ذلك على عالم يعتمد أكثر من أي وقت مضى على تدفق غير منقطع للبيانات. على ضوء ما تقدم وفي ظل تسارع التنافس الجيوسياسي والتقدم التكنولوجي، تبرز الكابلات البحرية ليس فقط كبنية تحتية رقمية، بل كأصل استراتيجي ذي حساسية فائقة. ومع أن الاعتماد عليها سيستمر لعقود قادمة، فإن مستقبلها لن يُحدد فقط بتطور السرعات أو تحسين الطبقات العازلة، بل بمدى قدرة الدول والمنظمات الدولية على صياغة منظومات حوكمة وتأمين جماعية. فالعالم مقبل على مرحلة تصبح فيها السيطرة على البيانات، لا على الأرض، هي جوهر القوة. وفي هذا السياق، قد تتحول أعماق المحيطات إلى ساحة صراع جديدة، صامتة ولكنها شديدة التأثير. فالكابلات البحرية ليست مجرّد أنابيب بيانات، بل شرايين عالم معولم يُعاد تشكيله، حرفيًا، من تحت سطح البحر. عربيًا ما زال الحضور في مشهد حوكمة هذه البنية التحتية هامشيًا، إن لم يكن غائبًا تمامًا. فلا توجد استراتيجية عربية موحدة لحماية هذه الكابلات، ولا رؤية واضحة للاستثمار فيها أو للمشاركة في تطوير معايير أمنها وتشغيلها. في عالم تُدار فيه القوة من خلال السيطرة على تدفق البيانات، فإن تجاهل العمق الاستراتيجي للكابلات البحرية يُعد نوعًا من القصور الاستراتيجي. فهل سيبقى العزب مجرد ممر عبور للكابلات، أم أن هناك من سيلتفت لهذا المشهد ويصبح طرفًا فاعلًا في رسم خريطة الأمن الرقمي العالمي!

عن العمق الذي يتحكم في السطح
عن العمق الذي يتحكم في السطح

الدستور

timeمنذ 3 أيام

  • علوم
  • الدستور

عن العمق الذي يتحكم في السطح

يعتمد العالم اليوم بشكل متزايد على الاتصال الرقمي، وتقف خلف هذا الاعتماد بنية تحتية حيوية لكنها غير مرئية تدير الإنترنت العالمي وتؤمّن تدفق البيانات والمعاملات المالية على نحو مذهل. تتمثل هذه البنية في كابلات الألياف الضوئية البحرية، التي تنقل أكثر من 95% من حركة البيانات الدولية، وتدعم معاملات مالية تُقدَّر بحوالي 10 تريليونات دولار يوميًا. ورغم هذا الدور الجوهري، تبقى هذه الشبكة الدقيقة والهائلة في طيّ النسيان، مهملة من حيث الحماية، رغم أنها تمثل العصب الفعلي للاقتصاد الرقمي العالمي.تمتد هذه الكابلات، التي لا يتجاوز قطرها بوصتين، لمسافات تتجاوز 1.2 مليون كيلومتر عبر المحيطات، وتتكون من ألياف ضوئية رفيعة محاطة بطبقات من النحاس والبلاستيك والفولاذ، لحمايتها من الضغوط الهائلة والتيارات المائية. وبفضل هذا التصميم، تستطيع الكابلات البحرية نقل بيانات بسرعة تصل إلى التيرابايت في الثانية، ما يجعلها الخيار المثالي لتطبيقات تتطلب زمن انتقال منخفض مثل الخدمات السحابية، البث الحي، والتعاملات المالية، وهي بذلك تتفوق بشكل واضح على الأقمار الصناعية التي تبقى سرعتها محدودة وزمن تأخيرها أكبر.رغم التصور الشائع، فإن الاعتماد على الأقمار الصناعية في نقل البيانات الدولية لا يتجاوز بضع نسب مئوية، لأن الكابلات البحرية أكثر كفاءة وأقل تكلفة وأسرع استجابة. ويتم تثبيت هذه الكابلات عبر سفن متخصصة تُطلقها في أعماق المحيطات وفق مسارات مدروسة بعناية لتجنب مناطق الزلازل والتيارات القوية والانهيارات الأرضية. لكن المفارقة أن أكثر من 70% من الأعطال التي تصيب هذه الكابلات سببها أنشطة بشرية مثل الصيد الجائر أو إلقاء المراسي البحرية، وليس الكوارث الطبيعية أو هجمات الحيوانات البحرية كما يُشاع.ورغم الطبيعة التقنية لهذا القطاع، فإن الجانب السياسي والأمني فيه حاضر بقوة. فالكابلات البحرية تمثل أصلًا استراتيجيًا تمسّ الحاجة إلى حمايته في زمن التوترات الجيوسياسية. فعلى سبيل المثال، أنشأت أستراليا مناطق بحرية محمية حول مسارات الكابلات لمنع إلحاق الضرر بها، في حين تعتمد القوات المسلحة الأمريكية عليها بشكل مباشر لنقل بيانات استخباراتية بين قواعدها ومراكز القيادة. أي انقطاع في هذه الكابلات يمكن أن يؤدي إلى شلل في الخدمات، وتأخير في العمليات العسكرية، وانهيار في الأسواق المالية، ولو لساعات.تاريخيًا، لم تكن هذه الكابلات بمعزل عن الحروب. ففي عام 1959، قطعت خمس كابلات أمريكية تحت المحيط الأطلسي في ظروف غامضة، واتهمت واشنطن آنذاك السفن السوفيتية بالقيام بعملية تخريبية متعمدة. وفي العصر الحديث، كشفت تسريبات إدوارد سنودن عن قدرة وكالة الأمن القومي الأمريكية على التنصت على البيانات العابرة من خلال نقاط التقاطع في الكابلات، وهو ما دفع بعض الدول مثل البرازيل إلى إنشاء كابلات جديدة تتفادى المرور عبر الولايات المتحدة.وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت المخاوف من الهجمات المقصودة. ففي عام 2023 و2024، تضررت كابلات بحرية في بحر البلطيق والبحر الأحمر تحت ظروف اعتُبرت مشبوهة، ما أعاد طرح سؤال الأمن البحري في سياق الجغرافيا السياسية. هذه الحوادث، التي يبدو بعضها جزءًا من صراعات خفية، أكدت هشاشة هذه البنية الأساسية رغم قوتها التقنية. ولمواجهة هذه التحديات، لجأت شركات مثل غوغل وميتا إلى بناء كابلات خاصة بها، مثل الكابل البحري «Dunant» الذي يعبر الأطلسي وينقل 250 تيرابايت في الثانية، وهو ما يشير إلى سباق صامت بين القوى التكنولوجية العالمية لامتلاك شبكاتهم الخاصة والمحمية.ولا تقتصر أهمية هذه الكابلات على الدول المتقدمة فقط، بل تمتد إلى الدول ذات المواقع الجغرافية الحساسة. فمصر، على سبيل المثال، تمر بها أكثر من 16 كابلًا بحريًا رئيسيًا تربط بين آسيا وأوروبا، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا عالي الأهمية في خريطة الاتصالات العالمية. ومع ذلك، فإن هذه الأهمية لا ترافقها دائمًا سياسات حماية أو استثمار تتناسب مع حجم الأصول «الجيوسيبرانية» التي تمتلكها.تبقى كابلات الإنترنت البحرية بمثابة شبكة الحياة الرقمية للعالم الحديث. فهي تحمل الاقتصاد العالمي، وتغذي المعاملات والمعلومات لحظة بلحظة، لكنها في الوقت نفسه تفتقر إلى الحماية الكافية، وتُدار غالبًا من قبل شركات خاصة، في غياب إطار دولي ملزم. وإذا ما استمر هذا الوضع، فإن السؤال لم يعد هل ستُستهدف هذه الكابلات، بل متى، وكيف سيؤثر ذلك على عالم يعتمد أكثر من أي وقت مضى على تدفق غير منقطع للبيانات.على ضوء ما تقدم وفي ظل تسارع التنافس الجيوسياسي والتقدم التكنولوجي، تبرز الكابلات البحرية ليس فقط كبنية تحتية رقمية، بل كأصل استراتيجي ذي حساسية فائقة. ومع أن الاعتماد عليها سيستمر لعقود قادمة، فإن مستقبلها لن يُحدد فقط بتطور السرعات أو تحسين الطبقات العازلة، بل بمدى قدرة الدول والمنظمات الدولية على صياغة منظومات حوكمة وتأمين جماعية. فالعالم مقبل على مرحلة تصبح فيها السيطرة على البيانات، لا على الأرض، هي جوهر القوة. وفي هذا السياق، قد تتحول أعماق المحيطات إلى ساحة صراع جديدة، صامتة ولكنها شديدة التأثير. فالكابلات البحرية ليست مجرّد أنابيب بيانات، بل شرايين عالم معولم يُعاد تشكيله، حرفيًا، من تحت سطح البحر.عربيًا ما زال الحضور في مشهد حوكمة هذه البنية التحتية هامشيًا، إن لم يكن غائبًا تمامًا. فلا توجد استراتيجية عربية موحدة لحماية هذه الكابلات، ولا رؤية واضحة للاستثمار فيها أو للمشاركة في تطوير معايير أمنها وتشغيلها. في عالم تُدار فيه القوة من خلال السيطرة على تدفق البيانات، فإن تجاهل العمق الاستراتيجي للكابلات البحرية يُعد نوعًا من القصور الاستراتيجي. فهل سيبقى العزب مجرد ممر عبور للكابلات، أم أن هناك من سيلتفت لهذا المشهد ويصبح طرفًا فاعلًا في رسم خريطة الأمن الرقمي العالمي!

الصين تدين الهجمات الإلكترونية الأمريكية على بنيتها التحتية المعلوماتية الحيوية
الصين تدين الهجمات الإلكترونية الأمريكية على بنيتها التحتية المعلوماتية الحيوية

الدستور

time١٦-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الدستور

الصين تدين الهجمات الإلكترونية الأمريكية على بنيتها التحتية المعلوماتية الحيوية

أعربت الصين عن إدانتاها للأنشطة الإلكترونية التي شنتها الحكومة الأمريكية وألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية المعلوماتية الحيوية للبلاد، مؤكدة أنها ستواصل اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية أمنها السيبراني. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، إن الهجمات الإلكترونية الأمريكية ألحقت أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية المعلوماتية الحيوية للصين والدفاع الوطني والمالية والمجتمع والإنتاج وأمن المعلومات الشخصية للمواطنين، وهو سلوك فاضح للغاية، وذلك تعليقًا على إصدار مكتب الأمن العام في هاربين، بمقاطعة هيلونججيانج شمال شرق الصين، اليوم إشعارًا بالمطلوبين مع مكافأة مالية لثلاثة عملاء من وكالة الأمن القومي الأمريكية لتورطهم في هجمات إلكترونية. وتابع المتحدث: "أعربت الصين للولايات المتحدة، عبر قنوات مختلفة، عن قلقها إزاء الهجمات الإلكترونية الأمريكية على البنية التحتية الحيوية للصين"، مضيفًا "نحث الولايات المتحدة على اتخاذ موقف مسؤول بشأن الأمن السيبراني، ووقف هجماتها الإلكترونية ضد الصين ووقف حملات التشهير والهجمات غير المبررة". وبحسب صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية، فقد استهدفت هذه الهجمات نظام معلومات الفعاليات والبنية التحتية المعلوماتية الرئيسية لمقاطعة هيلونججيانج خلال دورة الألعاب الآسيوية الشتوية التاسعة.

إقتصاد : الصين تتهم أمريكا باستهداف قطاعات حيوية بهجمات إلكترونية
إقتصاد : الصين تتهم أمريكا باستهداف قطاعات حيوية بهجمات إلكترونية

نافذة على العالم

time١٥-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • نافذة على العالم

إقتصاد : الصين تتهم أمريكا باستهداف قطاعات حيوية بهجمات إلكترونية

الثلاثاء 15 أبريل 2025 02:45 مساءً نافذة على العالم - مباشر- اتهمت الشرطة في مدينة هاربين بشمال شرق الصين وكالة الأمن القومي الأمريكية بشن هجمات إلكترونية "متطورة" خلال دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في فبراير شباط، مستهدفة قطاعات حيوية. وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) اليوم الثلاثاء أن الشرطة أضافت ثلاثة عملاء مزعومين لوكالة الأمن القومي إلى قائمة المطلوبين، كما اتهمت جامعتي كاليفورنيا وفرجينيا للتكنولوجيا بالتورط في الهجمات بعد إجراء تحقيقات. وقالت الوكالة أن العملاء "نفذوا هجمات إلكترونية متكررة على البنية التحتية المعلوماتية الحيوية للصين، وشاركوا في هجمات إلكترونية على هواوي وشركات أخرى". ولم تحدد الوكالة كيفية تورط الجامعتين الأمريكيتين. تأتي هذه الادعاءات المفصلة في وقت تشتد فيه حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، مما أدى بالفعل إلى إصدار تحذيرات سفر للسياح الصينيين المتجهين إلى الولايات المتحدة ووقف استيراد الأفلام الأمريكية إلى الصين. ونقلت شينخوا عن مكتب الأمن العام في مدينة هاربين "شنت وكالة الأمن القومي الأمريكية هجمات إلكترونية على قطاعات مهمة مثل الطاقة والنقل والحفاظ على المياه والاتصالات ومؤسسات أبحاث الدفاع الوطني في مقاطعة هيلونغجيانغ". وأضافت أن الهجمات كانت تهدف إلى "تخريب البنية التحتية المعلوماتية الحيوية للصين والتسبب في اضطراب اجتماعي وسرقة معلومات سرية مهمة". وأفادت شينخوا بأن عمليات وكالة الأمن القومي الأمريكية وقعت خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، ويشتبه في أنها "فعّلت ثغرات أمنية محددة مثبتة مسبقا" في أنظمة تشغيل ويندوز على أجهزة محددة في هيلونغجيانغ. وأضافت الوكالة أن وكالة الأمن القومي كانت تنوي استخدام الهجمات الإلكترونية لسرقة البيانات الشخصية للرياضيين المشاركين، مضيفةً أن الهجمات الإلكترونية بلغت ذروتها مع أول مباراة لهوكي الجليد في الثالث من فبراير/ شباط. ودأبت الولايات المتحدة على اتهام من تقول إنهم قراصنة صينيون مدعومون من الدولة بشن هجمات على بنيتها التحتية الحيوية وهيئاتها الحكومية. وأعلنت الشهر الماضي عن لوائح اتهام بحق عدد من القراصنة الصينيين المزعومين الذين استهدفوا وكالة مخابرات الدفاع ووزارة التجارة الأمريكيتين ووزارات خارجية تايوان وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا. وتنفي بكين أي تورط لها في عمليات تجسس إلكتروني خارجية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store