#أحدث الأخبار مع #ويوسفبنتاشفينالشروق٠٤-٠٥-٢٠٢٥سياسةالشروقلا فرْق بين عربي وأمازيغي… كلنا جزائريّون!كلما تجدد الجدل الافتراضي حول الهوية الوطنية ينتابنا الخوف على مصير الوئام الاجتماعي بين الجزائريين، حتّى لو سلّمنا أن المواقع لا تعكس حقيقة الواقع، لكن منسوب التوتر الثقافي والفكري والاجتماعي صارًا مقلقا بالفعل، ولا نريد أن تسهم الجهات الرسمية ولا النخبة الواعية ولا الإعلام ولا الطبقة السياسية في صب الزيت على النّار، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التهدئة ورصّ الصفوف وإفراغ الجهد للرهانات الوطنية والتحديات الخارجيّة. بل المطلوب المرحلي هو الحوار بهدوء والمرافعة لصالح الاستقرار والتعايش بين الجزائريين وتقبّل الاختلافات الطبيعيّة في حدود الجامع المشترك، لأنّ المهم الآن هو طرح التساؤلات المصيرية حول واقعنا ومستقبلنا؟ ماذا نصنع وإلى أين نتوجه؟ وليس النبش في جذورنا العرقيّة، بصيغة: من أنتم؟ ومن نحن؟ كأننا لقطاء فوق هذه الأرض نبحث عن أصولنا الأبوية، مالكم متى تعقلون؟ لعلّ الجزائريين مجمعون في عمومهم الغالب على ترقية الأمازيغيّة، ثقافةً ولغةً وتراثًا، باعتبارها مكوّنًا أساسيًّا ضمن عناصر الهوية الوطنية، سواء كان ذلك عن وعي تاريخي، أمْ لدواعي سحب البساط من عرّابي النزعات الانفصالية ومواجهة ضغوط مطالب الأقليات التي يفرضها تيّار العولمة (والحديث هنا عن الفكر وليس الواقع، حيث الشعب الجزائري لا يعرف الأقلية والأغلبيّة، فهو مزيج عرقي منصهر منذ قرون). لكن بالمقابل، فإنهم يرفضون تسييس المسألة الأمازيغيّة وأدلجتها، لأنّ ذلك سيحوّلها من دعامة صلبة لتعزيز الوحدة الوطنية إلى معول هدم في يد أصحاب المصالح الفئوية الضيقة. يجب أن يكون محسومًا لدى الأغلبية الوطنية المؤمنة بهوية الجزائر أنّ تكريس الأمازيغية لن يكون منفصلاً عن العربية، لغةً وثقافةً، ولا عن الإسلام عقيدة وانتماء، فضلا على أن يتمّ طرحها في حالة تنافسيّة أو صداميّة معهما، لأنّ ذلك سيكون تزويرا للحقيقة التاريخيّة وتشويها للهويّة الأصيلة التي صُقلت على مدار خمسة عشر قرنا من التمازج والتفاعل والتكامل، حتى أنتجت الشخصية الجزائريّة الحاليّة بوجدانها وكيانها وفكرها وثقافتها وانتمائها الحضاري، ولن تتحول إفريقيةً أو متوسطية أو أوربيةً أو عولميّةً. لذلك وجب التنبيه والتأكيد على المقاربة الوطنية للمسألة الأمازيغية في بلادنا، والتي تلقى قبولا وتأييدا من العقلاء، وهي ترقيتها ضمن وعائها الحضاري الطبيعي حتى تكون منسجمة مع حركية التاريخ الجزائري، بمعنى أن نعمل على تكريسها بصفتها رافدا أساسيًّا للتنوع اللغوي والثقافي، ويشكل ثراء وبُعدًا عميقًا للهوية الجزائريّة، حيث تكون في تكامل طبيعي مع اللغة العربية والدين الإسلامي، حتّى نصنع من الكلّ الأسمنت الصلب في بنيان الهويّة الحضاريّة، وفق ما ارتضاه الأجداد واعتنقوه طواعية منذ الفتح الإسلامي، بل إنهم تمثلّوها جهادًا وإبداعًا وتراثًا شاهدا على أصالة الجزائر، إذ بذلوا دماءهم في الوصول بها إلى أوروبا وتوطينها في بلاد الأندلس، وبفضلها تمكنوا من الصمود في وجه الهجمات الغربية على مدى قرون، ثمّ إجهاض مخطط الاستيطان الفرنسي طيلة 132 عاما. لذلك نريدها أمازيغية أصيلة، تشكل امتدادا تاريخيّا لمسارات وبطولات طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين ومحمد بن تومرت ومحمد بن آجروم ومحمد البصيري وعبد الحميد بن باديس والفضيل الورتلاني والعربي التبسي والعربي بن مهيدي والعقيد عميروش وغيرهم من الأمازيغ الأقحاح، الذين رفعوا لواء العربية والإسلام، معتزّين بهويتهم ومنافحين عنها في وجه الأعادي، إلاّ إذا كان هؤلاء الرموز العظام خونةً أو مستلبين في نظر 'الأمازيغ الجُدد'، ممّن غسلت المخابر الكولونيالية عقولهم بالأباطيل المزيفة. أمّا التنطّع العصبي الذي يغطّي هديرُه الصاخب على صوت العقل وسط دعاة الأمازيغيّة، أو عرّابي القوميّة العرقيّة، متنكّرًا لدائرة الهويّة الواسعة، فهو للأسف عنصريّة انقساميّة موقوتة، سقطت في فخّ الأدبيات المسمومة التي أسس لها مشروع الاستدمار الفرنسي الخبيث، عبر الدراسات الإثنوغرافية والأنتروبولوجيّة المزعومة، وما رافقها من سياسات احتلاليّة تمييزيّة لفصل جهات الوطن عن بعضها البعض منذ الدخول الفرنسي في 1830، وذلك بهدف توفير مناخ من الانقسام القبلي يهيئ للاستعمار ظروف البقاء في بلادنا، أو يضمن له على الأقل شروط الهيمنة والنفوذ عليها بعد جلائه العسكري الاضطراري. لسنا ناكرين للأمازيغية الباديسيّة الوطنيّة، بل هي قضيتنا جميعًا، نتبنّاها في كنف الهويّة المُوحِّدة، لأننا نرفض القوميّات العرقيّة النتنة، ونحلم بدولة مواطنة، نعيش تحت سقفها الواحد كجزائريين عربًا وأمازيغ. لعلّه من الضروري، والجزائر تواجه مخططات الفتنة العنصرية والطائفية بإشاعة مقولات العرقيّة المدحوضة وخطابات الكراهية المقيمة، أن نستمسك بهدي ابن باديس حين تصدّى لهذا المشروع في طبعته الاستعماريّة الأولى، فكتب بمداد الحكمة وخطّ بحبر الوعي، قائلا: 'إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ قد جمع بينهم الإسلام منذ بضعة عشر قرنا، ثم دأبت تلك القرون تمزج ما بينهم في الشدة والرخاء، وتؤلف بينهم في العسر واليسر، وتوحّدهم في السرّاء والضرّاء، حتى كوّنت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرا مسلما جزائريا، أمّه الجزائر وأبوه الإسلام'. ' لقد كتب أبناء يعرب وأبناء مازيغ آيات اتحادهم على صفحات هذه القرون، بما أراقوا من دمائهم في ميادين الشرف لإعلاء كلمة الله، وما أسالوا من محابر في مجالس الدرس لخدمة العلم. فأيّ قوة بعد هذا يقول عاقل تستطيع أن تفرّقهم لولا الظنون الكواذب والأماني الخوادع'، مثلما أوضح إمام الجزائر، فالويل لنا إنْ كنّا من الذين خلفوا من بعده فخدشوا في وحدة الوطن وانسجام المجتمع، لا قدر الله.
الشروق٠٤-٠٥-٢٠٢٥سياسةالشروقلا فرْق بين عربي وأمازيغي… كلنا جزائريّون!كلما تجدد الجدل الافتراضي حول الهوية الوطنية ينتابنا الخوف على مصير الوئام الاجتماعي بين الجزائريين، حتّى لو سلّمنا أن المواقع لا تعكس حقيقة الواقع، لكن منسوب التوتر الثقافي والفكري والاجتماعي صارًا مقلقا بالفعل، ولا نريد أن تسهم الجهات الرسمية ولا النخبة الواعية ولا الإعلام ولا الطبقة السياسية في صب الزيت على النّار، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التهدئة ورصّ الصفوف وإفراغ الجهد للرهانات الوطنية والتحديات الخارجيّة. بل المطلوب المرحلي هو الحوار بهدوء والمرافعة لصالح الاستقرار والتعايش بين الجزائريين وتقبّل الاختلافات الطبيعيّة في حدود الجامع المشترك، لأنّ المهم الآن هو طرح التساؤلات المصيرية حول واقعنا ومستقبلنا؟ ماذا نصنع وإلى أين نتوجه؟ وليس النبش في جذورنا العرقيّة، بصيغة: من أنتم؟ ومن نحن؟ كأننا لقطاء فوق هذه الأرض نبحث عن أصولنا الأبوية، مالكم متى تعقلون؟ لعلّ الجزائريين مجمعون في عمومهم الغالب على ترقية الأمازيغيّة، ثقافةً ولغةً وتراثًا، باعتبارها مكوّنًا أساسيًّا ضمن عناصر الهوية الوطنية، سواء كان ذلك عن وعي تاريخي، أمْ لدواعي سحب البساط من عرّابي النزعات الانفصالية ومواجهة ضغوط مطالب الأقليات التي يفرضها تيّار العولمة (والحديث هنا عن الفكر وليس الواقع، حيث الشعب الجزائري لا يعرف الأقلية والأغلبيّة، فهو مزيج عرقي منصهر منذ قرون). لكن بالمقابل، فإنهم يرفضون تسييس المسألة الأمازيغيّة وأدلجتها، لأنّ ذلك سيحوّلها من دعامة صلبة لتعزيز الوحدة الوطنية إلى معول هدم في يد أصحاب المصالح الفئوية الضيقة. يجب أن يكون محسومًا لدى الأغلبية الوطنية المؤمنة بهوية الجزائر أنّ تكريس الأمازيغية لن يكون منفصلاً عن العربية، لغةً وثقافةً، ولا عن الإسلام عقيدة وانتماء، فضلا على أن يتمّ طرحها في حالة تنافسيّة أو صداميّة معهما، لأنّ ذلك سيكون تزويرا للحقيقة التاريخيّة وتشويها للهويّة الأصيلة التي صُقلت على مدار خمسة عشر قرنا من التمازج والتفاعل والتكامل، حتى أنتجت الشخصية الجزائريّة الحاليّة بوجدانها وكيانها وفكرها وثقافتها وانتمائها الحضاري، ولن تتحول إفريقيةً أو متوسطية أو أوربيةً أو عولميّةً. لذلك وجب التنبيه والتأكيد على المقاربة الوطنية للمسألة الأمازيغية في بلادنا، والتي تلقى قبولا وتأييدا من العقلاء، وهي ترقيتها ضمن وعائها الحضاري الطبيعي حتى تكون منسجمة مع حركية التاريخ الجزائري، بمعنى أن نعمل على تكريسها بصفتها رافدا أساسيًّا للتنوع اللغوي والثقافي، ويشكل ثراء وبُعدًا عميقًا للهوية الجزائريّة، حيث تكون في تكامل طبيعي مع اللغة العربية والدين الإسلامي، حتّى نصنع من الكلّ الأسمنت الصلب في بنيان الهويّة الحضاريّة، وفق ما ارتضاه الأجداد واعتنقوه طواعية منذ الفتح الإسلامي، بل إنهم تمثلّوها جهادًا وإبداعًا وتراثًا شاهدا على أصالة الجزائر، إذ بذلوا دماءهم في الوصول بها إلى أوروبا وتوطينها في بلاد الأندلس، وبفضلها تمكنوا من الصمود في وجه الهجمات الغربية على مدى قرون، ثمّ إجهاض مخطط الاستيطان الفرنسي طيلة 132 عاما. لذلك نريدها أمازيغية أصيلة، تشكل امتدادا تاريخيّا لمسارات وبطولات طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين ومحمد بن تومرت ومحمد بن آجروم ومحمد البصيري وعبد الحميد بن باديس والفضيل الورتلاني والعربي التبسي والعربي بن مهيدي والعقيد عميروش وغيرهم من الأمازيغ الأقحاح، الذين رفعوا لواء العربية والإسلام، معتزّين بهويتهم ومنافحين عنها في وجه الأعادي، إلاّ إذا كان هؤلاء الرموز العظام خونةً أو مستلبين في نظر 'الأمازيغ الجُدد'، ممّن غسلت المخابر الكولونيالية عقولهم بالأباطيل المزيفة. أمّا التنطّع العصبي الذي يغطّي هديرُه الصاخب على صوت العقل وسط دعاة الأمازيغيّة، أو عرّابي القوميّة العرقيّة، متنكّرًا لدائرة الهويّة الواسعة، فهو للأسف عنصريّة انقساميّة موقوتة، سقطت في فخّ الأدبيات المسمومة التي أسس لها مشروع الاستدمار الفرنسي الخبيث، عبر الدراسات الإثنوغرافية والأنتروبولوجيّة المزعومة، وما رافقها من سياسات احتلاليّة تمييزيّة لفصل جهات الوطن عن بعضها البعض منذ الدخول الفرنسي في 1830، وذلك بهدف توفير مناخ من الانقسام القبلي يهيئ للاستعمار ظروف البقاء في بلادنا، أو يضمن له على الأقل شروط الهيمنة والنفوذ عليها بعد جلائه العسكري الاضطراري. لسنا ناكرين للأمازيغية الباديسيّة الوطنيّة، بل هي قضيتنا جميعًا، نتبنّاها في كنف الهويّة المُوحِّدة، لأننا نرفض القوميّات العرقيّة النتنة، ونحلم بدولة مواطنة، نعيش تحت سقفها الواحد كجزائريين عربًا وأمازيغ. لعلّه من الضروري، والجزائر تواجه مخططات الفتنة العنصرية والطائفية بإشاعة مقولات العرقيّة المدحوضة وخطابات الكراهية المقيمة، أن نستمسك بهدي ابن باديس حين تصدّى لهذا المشروع في طبعته الاستعماريّة الأولى، فكتب بمداد الحكمة وخطّ بحبر الوعي، قائلا: 'إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ قد جمع بينهم الإسلام منذ بضعة عشر قرنا، ثم دأبت تلك القرون تمزج ما بينهم في الشدة والرخاء، وتؤلف بينهم في العسر واليسر، وتوحّدهم في السرّاء والضرّاء، حتى كوّنت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرا مسلما جزائريا، أمّه الجزائر وأبوه الإسلام'. ' لقد كتب أبناء يعرب وأبناء مازيغ آيات اتحادهم على صفحات هذه القرون، بما أراقوا من دمائهم في ميادين الشرف لإعلاء كلمة الله، وما أسالوا من محابر في مجالس الدرس لخدمة العلم. فأيّ قوة بعد هذا يقول عاقل تستطيع أن تفرّقهم لولا الظنون الكواذب والأماني الخوادع'، مثلما أوضح إمام الجزائر، فالويل لنا إنْ كنّا من الذين خلفوا من بعده فخدشوا في وحدة الوطن وانسجام المجتمع، لا قدر الله.