
مستقبل العملات الرقمية في ظل الحرب التجارية: نحو عصر جديد من الاقتصاد اللامركزي
في العقود الأخيرة، شهد العالم تحولات اقتصادية كبرى بفعل التكنولوجيا، وكان من أبرزها صعود العملات الرقمية التي تمثل نمطًا جديدًا في التعامل المالي، قائمًا على اللامركزية والاستقلال عن الأنظمة التقليدية. في الوقت نفسه، يعيش الاقتصاد العالمي على وقع توترات جيوسياسية وحروب تجارية بين القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين، والتي بدأت تترك آثارًا عميقة على حركة الأسواق، وسلوك المستثمرين، ونُظم الدفع.
وسط هذه البيئة المتوترة، بدأت تتشكل علاقة معقدة بين العملات الرقمية والحروب التجارية ، مما يفتح الباب للتساؤل: كيف تؤثر هذه النزاعات الاقتصادية على مستقبل العملات المشفّرة؟ وهل تصبح العملات الرقمية خيارًا بديلًا في ظل انعدام الثقة بالأنظمة التقليدية؟
ما هي الحرب التجارية؟
الحرب التجارية هي نزاع اقتصادي تتبادل فيه الدول فرض الرسوم الجمركية أو القيود على الواردات والصادرات، وغالبًا ما تُستخدم لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية.
ومن أبرز هذه الحروب في العصر الحديث:
الحرب التجارية الأمريكية الصينية (2018–2020)
العقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا
التوترات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وبعض شركائه
تؤدي هذه الحروب إلى عدم استقرار اقتصادي، وخلخلة في حركة التجارة، وتقلبات حادة في أسعار العملات والأسهم.
العملات الرقمية: بديل جديد أم أداة للتهرب؟
العملات الرقمية مثل سعر البيتكوين الإيثريوم، والريبل ظهرت في البداية كابتكار تقني يهدف إلى تسهيل المعاملات المالية بشكل أسرع وأكثر أمانًا، بعيدًا عن تدخل الحكومات. لكن مع مرور الوقت، أصبحت تُنظر إليها كأدوات لتحويل الثروة خارج الأنظمة التقليدية، أو كـ"ذهب رقمي" في أوقات الأزمات.
خصائص تجعلها جذابة في زمن الحروب التجارية:
اللامركزية: لا تتحكم بها الحكومات.
صعوبة التتبع الكامل: توفر درجة من الخصوصية.
التحوط من تقلبات العملات المحلية.
إمكانية التحويل عبر الحدود دون رسوم بنكية عالية.
كيف تؤثر الحرب التجارية على العملات الرقمية؟
1. زيادة الاهتمام بالأصول البديلة
في أوقات التوتر الاقتصادي الناتج عن الحروب التجارية، يبحث المستثمرون عن ملاذات بديلة لحماية أموالهم.
وبينما يهرب البعض إلى الذهب أو الدولار، يتجه آخرون إلى العملات الرقمية كوسيلة لتنويع الأصول، خاصة في البلدان التي تتعرض لقيود مالية أو عقوبات.
مثال: أثناء الحرب التجارية بين أمريكا والصين، ارتفعت أحجام تداول البيتكوين في الصين عبر منصات غير رسمية، مع فرض قيود على حركة رؤوس الأموال.
2. تقلبات في أسعار العملات التقليدية
الحروب التجارية تُضعف الثقة في بعض العملات الوطنية مثل اليوان الصيني أو الروبل الروسي. وعندما يتراجع أداء هذه العملات، يُقبل الأفراد والشركات على العملات الرقمية كوسيلة لحفظ القيمة والهروب من التضخم أو الانهيار.
وهذا ما حصل فعليًا في عدة دول مثل:
تركيا: بعد العقوبات الأمريكية عام 2018.
الأرجنتين: مع الأزمة الاقتصادية وتراجع البيزو.
روسيا: بعد العقوبات الغربية عام 2022.
3. الاستخدام الرسمي للعملات الرقمية
تحت ضغط العقوبات التجارية، بدأت بعض الدول تفكر في استخدام العملات الرقمية كوسيلة للتحايل على العقوبات، أو لبناء أنظمة دفع بديلة.
أمثلة:
إيران وروسيا ناقشتا استخدام العملات الرقمية في التبادل التجاري بينهما.
الصين طورت عملتها الرقمية الرسمية (اليوان الرقمي) ضمن خطة لمنافسة الدولار عالميًا، وتقليل الاعتماد على أنظمة مثل SWIFT.
العملات الرقمية والابتعاد عن هيمنة الدولار
تُعتبر الحرب التجارية فرصة لبعض الدول لإعادة التفكير في النظام المالي العالمي الذي يعتمد على الدولار كعملة احتياط أولى. ومع ظهور العملات الرقمية، بات من الممكن إجراء معاملات دولية خارج النظام البنكي التقليدي.
هذا قد يُمهّد لتغير جذري في النظام النقدي العالمي، حيث يتم تقليص الهيمنة الأمريكية على النظام المالي، ما يعزز من أهمية العملات الرقمية كأدوات بديلة في التجارة الدولية.
هل تقبل الحكومات بذلك؟
رغم الشعبية المتزايدة للعملات الرقمية، لا تزال الحكومات تتعامل معها بحذر:
بعضها يقمعها (مثل الصين) وتعتبرها تهديدًا للسيطرة المالية.
أخرى تنظمها وتفرض الضرائب عليها (مثل أمريكا والاتحاد الأوروبي).
ودول تطورها بنفسها (مثل الصين والسعودية والإمارات عبر CBDCs).
الحروب التجارية قد تدفع بالمزيد من الحكومات إلى تطوير عملات رقمية مركزية (CBDCs) لمنافسة العملات اللامركزية وللحفاظ على السيطرة النقدية.
المخاطر المحتملة
1. تقلبات السوق
العملات الرقمية لا تزال تعاني من تقلبات حادة في الأسعار، مما يجعل استخدامها التجاري غير مضمون.
2. تهديدات أمنية
رغم التقدم التقني، لا تزال العملات المشفّرة عرضة للقرصنة والاختراقات والهجمات السيبرانية، وهو ما يثير المخاوف عند استخدامها على نطاق دولي.
3. التشريعات والقيود
قد تُصدر الدول قوانين صارمة تمنع أو تقيد تداول أو امتلاك العملات الرقمية في إطار جهودها لفرض الرقابة على تدفق رؤوس الأموال، خصوصًا في فترات الحرب الاقتصادية.
الفرص المستقبلية
1. تعزيز الشمول المالي
الحروب التجارية قد تُحفّز الأفراد، خصوصًا في الدول النامية، على تبني العملات الرقمية للهروب من القيود المصرفية، وبالتالي تعزيز الشمول المالي.
2. ظهور شبكات تجارية بديلة
من المتوقع أن تستخدم بعض الدول العملات الرقمية لبناء تحالفات اقتصادية بديلة لا تمر عبر النظام المالي التقليدي.
3. تسريع الابتكار المالي
الأزمات تخلق الحاجة، والحاجة تدفع نحو الابتكار. الحروب التجارية قد تسرّع من تطوير البنية التحتية الرقمية للمدفوعات على مستوى العالم.
في ظل عالم تزداد فيه التوترات الاقتصادية والحروب التجارية، تبرز العملات الرقمية كلاعب جديد في المشهد المالي العالمي، يحمل في طياته وعودًا كبيرة بمزيد من الحرية المالية والاستقلال عن الأنظمة التقليدية.
ومع أن الطريق لا يزال مليئًا بالتحديات التنظيمية والتقنية، إلا أن المستقبل يبدو واعدًا، خاصة إن استمرت الحروب التجارية في زعزعة الثقة بالأنظمة النقدية القائمة.
في نهاية المطاف، قد تكون العملات الرقمية جزءًا من الحل في بناء اقتصاد عالمي أكثر توازنًا وتنوعًا، يقف على مسافة متساوية من الجميع، وليس رهينة لتحالفات أو نزاعات بين الدول الكبرى.

Try Our AI Features
Explore what Daily8 AI can do for you:
Comments
No comments yet...
Related Articles


Al Watan
18 hours ago
- Al Watan
أسعار العملات الأجنبية مقابل الدينار العراقي اليوم الخميس 22 مايو 2025
تشهد أسعار العملات الأجنبية في العراق تغيرات مفاجئة، مدفوعة بالتغيرات المستمرة في أسواق الصرف العالمية، ما ينعكس بشكل مباشر على قيمتها مقابل الدينار العراقي في السوق المحلي. ويترقب المستثمرون والتجار هذه التحركات عن كثب، خاصة مع بداية التعاملات الصباحية اليوم الخميس، الموافق 22 مايو 2025، لما لها من تأثير مباشر على الأنشطة الاقتصادية والتجارية في البلاد. وفي السطور التالية نقدم أسعار العملات الأجنبية في البنك المركزي العراقي، بعد التحديث الأخير. أسعار العملات الأجنبية في العراق وبلغ سعر اليورو في البنك المركزي العراقي نحو 1472.571 دينار. كما وصل سعر الجنيه الإسترليني إلى قيمة 1750.881 دينار. وجاء سعر الفرانك السويسري بنحو 1571.026 دينار. لكن سجل سعر الين الياباني قيمة 9.016 دينار. وحقق سعر اليوان الصيني نحو 181.468 دينار. كما وصل سعر الليرة التركية إلى قيمة 33.773 دينار. وبلغ سعر الكرونة النرويجية نحو 126.995 دينار. فيما جاء سعر الكرونة السويدية بنحو 135.303 دينار.


Albilad - Bahrain
20 hours ago
- Albilad - Bahrain
ضمن خطتها لخفض التكاليف: فولفو تخطط لتسريح 3 آلاف موظف
أعلنت شركة فولفو السويدية للسيارات عن خطتها لتسريح نحو 3 آلاف موظف من العاملين في الوظائف المكتبية، وذلك ضمن برنامج إعادة الهيكلة بهدف خفض التكاليف، وتعزيز القدرة على مواجهة تباطؤ الطلب على السيارات الكهربائية، بجانب الضبابية التي تخيم على التجارة العالمية في الوقت الحالي. وقالت الشركة السويدية، التي تملك مجموعة جيلي القابضة الصينية حصة الأغلبية فيها، أن حوالي 75% من هذه التخفيضات ستطال موظفي مكاتبها في السويد، فيما سيشمل الباقي العمليات الدولية، مشيرة إلى أن هذه الخطوة ستمثل نحو 15% من إجمالي القوى العاملة المكتبية لديها. وتأتي هذه الإجراءات بعد إعلان فولفو، في أواخر أبريل الماضي، عن برنامج ضخم لخفض التكاليف بقيمة 18 مليار كرونة سويدية (ما يعادل 1.9 مليار دولار)، يشمل تقليص الاستثمارات وتأجيل المشاريع الجديدة، مع التأكيد على أن تسريح الموظفين كان "أمرًا لا مفر منه" في ظل الظروف الحالية. وتضم الشركة، حتى نهاية الربع الأول من عام 2025، نحو 43,500 موظف بدوام كامل، إضافة إلى 3000 موظف يعملون عبر شركات التوظيف، حيث يشكل موظفو المكاتب أكثر من 40% من القوى العاملة الإجمالية. اقرأ أيضًا: ترامب يهدد بفرض رسوم جمركية جديدة على السيارات أزمة مالية وأعباء متزايدة وقد صرح الرئيس التنفيذي لشركة فولفو للسيارات، هاكان سامويلسون، بأن المرحلة الحالية صعبة، إذ قال: "قطاع السيارات يمرّ بمرحلة صعبة... وللتعامل مع هذه التحديات علينا تحسين التدفقات النقدية وخفض التكاليف بشكل هيكلي". وكانت الشركة قد سحبت توجيهاتها المالية الشهر الماضي، مستشهدة بالتقلبات الحادة في السوق، وتراجع ثقة المستهلكين، والتوترات المتصاعدة في التجارة الدولية، خصوصًا مع التهديدات الأمريكية بفرض رسوم جمركية إضافية على واردات السيارات الأوروبية. ضغوط من السوق الأمريكية في الولايات المتحدة، تواجه فولفو ضغوطًا متزايدة، بعد أن فرضت السلطات الأمريكية رسومًا جمركية إضافية بنسبة 25% على السيارات المصنعة خارج الولايات المتحدة منذ بداية أبريل، مع فرض نسبة 15% على السيارات القادمة من المكسيك. وفي محاولة لتخفيف هذه الضغوط، أعلنت الشركة الشهر الماضي أنها ستعزز إنتاجها في الولايات المتحدة، وتنقل تصنيع أحد طرازاتها الجديدة إلى مصنعها في ولاية كارولاينا الجنوبية. يأتي ذلك في وقت شهدت فيه فولفو تراجعًا حادًا في أرباحها التشغيلية خلال الربع الأول من العام، إذ هبطت الأرباح إلى 1.9 مليار كرونة سويدية، أي نحو 198 مليون دولار، مقارنةً بـ4.7 مليار كرونة، أي نحو 490 مليون دولار، في الفترة ذاتها من العام الماضي. وعلى الصعيد السياسي، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أثار المزيد من المخاوف الأسبوع الماضي بإعلانه عن نية فرض تعرفة جمركية بنسبة 50% على واردات الاتحاد الأوروبي بدءًا من 1 يونيو، قبل أن يتراجع لاحقًا ويحدد 9 يوليو موعدًا نهائيًا للمفاوضات مع بروكسل، ما زاد من حالة الترقب في الأسواق. اقرأ أيضًا: 108 مليار دولار ثمن رسوم ترامب على قطاع السيارات في أمريكا تم نشر هذا المقال على موقع


Albilad - Bahrain
2 days ago
- Albilad - Bahrain
ارتفاع أسعار النفط بعد قرار الرئيس الأمريكي تمديد مهلة المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي
ارتفعت أسعار النفط في مستهل التعاملات الآسيوية اليوم، الاثنين، وذلك عقب قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بتمديد مهلة المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، مما ساهم في تهدئة المخاوف من فرض رسوم جمركية أمريكية محتملة تؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي والطلب على الوقود. وصعدت العقود الآجلة لخام "برنت" 37 سنتًا، بما يعادل 0.6 بالمئة، إلى 65.15 دولارًا للبرميل. وارتفع خام "غرب تكساس"، الوسيط الأمريكي، 34 سنتًا، بما يعادل 0.6 بالمئة، ليصل إلى 61.87 دولارًا للبرميل. وأعلن "ترامب" موافقته على تمديد مهلة المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي حتى التاسع من يوليو، بعد أن أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" أن الاتحاد بحاجة إلى مزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاق. وقفزت الأسعار أيضًا مدفوعة ببيانات شركة خدمات الطاقة "بيكر هيوز" التي أظهرت أن الشركات الأمريكية، تحت ضغط انخفاض أسعار النفط، قلصت عدد منصات التنقيب عن النفط بمقدار ثمانية ليصل إلى 465 خلال الأسبوع الماضي، وهو أدنى مستوى منذ نوفمبر 2021. ويعقد تحالف "أوبك+"، الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها، اجتماعات الأسبوع المقبل، ومن المتوقع أن تسفر عن زيادة أخرى في الإنتاج قدرها 411 ألف برميل يوميًا لشهر يوليو.