أحدث الأخبار مع #أسامةالعرب


الشرق الجزائرية
منذ 13 ساعات
- سياسة
- الشرق الجزائرية
تبدّل الموقف الدَّوْليّ تجاه إسرائيل وأثره على الحرب على غزة؟
المحامي أسامة العرب في ظل التطورات المتسارعة في الساحة الفلسطينية، وتصاعد حدّة العمليات العسكرية في قطاع غزة التي تجاوزت 19 شهراً منذ اندلاعها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يطرح المشهد سؤالاً محورياً: هل ستتراجع الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عن دعم إسرائيل الاستراتيجي؟ يبدو أن العنوان الكبير لهذه المرحلة الجديدة هو 'شرطية الدعم'، إذ لم يعد الدعم الأميركي التقليدي غير مشروط، فيما تتحرك عواصم غربية كبرى باتجاه الاعتراف بدولة فلسطين في مسعى للضغط على تل أبيب لإعادة توجيه سياساتها. السياق التاريخي للعلاقة الأمريكية–الإسرائيلية إن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب تستند إلى أطر استراتيجية واقتصادية عميقة، بدأتها منذ حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتوطدت بشكل خاص بعد توقيع معاهدة السلام مع مصر عام 1979. وقد وصل الدعم العسكري ذروته عبر اتفاقات سنوية تضمن لإسرائيل مساعدات تصل إلى نحو 3.8 مليارات دولار سنوياً، بالإضافة إلى نظام ضمان القروض والتكنولوجيا المتقدمة. ومع ذلك، شهدت العلاقة أحياناً توتراً ذو طابع أخلاقي وسياسي، خاصة إبان رئاسة باراك أوباما الذي حذر من بناء المستوطنات، ولاحقًا إبان رئاسة جو بايدن التي قلّدت إدارته التحذيرات نفسها إزاء التوسع الاستيطاني الإسرائيلي. واشنطن بوست وتحذيرات إدارة ترامب وفقاً لتقارير صحيفة 'واشنطن بوست'، أبلغت إدارة الرئيس دونالد ترامب كبار المسؤولين الإسرائيليين بأن استمرار العمليات العسكرية في غزة—وخاصة توسع رقعة الأعمال القتالية واستدعاء نحو آلاف الجنود من الاحتياط—قد يدفع واشنطن إلى إعادة تقييم دعمها التقليدي، وإذا اقتضت الضرورة، تقليصه أو فرض 'قيود' على استخدام الأسلحة الأميركية في عمليات القصف وتصعيد الضغط السياسي والدبلوماسي على الحكومة الإسرائيلية. معضلة نتنياهو السياسية يمتلك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو غالبية برلمانية مدعومة بأحزاب يمينية متطرّفة تطالب بـ'هزيمة حماس' بكافة الوسائل. وفي مقابل ذلك، يقف أمامها تيار أقل تشدداً ينادي بضرورة إنهاء الصراع وفتح ممرات إنسانية، ولكنه ضعف ما بين ضغوط التحالف السياسي وحسابات الانتخابات المقبلة، وتنسجم خطوته في استئناف المساعدات إلى غزة—بشكل شكلي—مع استراتيجيات تفاوضية تُستخدم كورقة بيد تل أبيب لكسب مزيد من الدعم الأميركي والحيلولة دون فرض قيود عملية على استخدام الأسلحة. الداخل الأميركي: بين الحماسة والتذمّر على الرغم من تحالف الحزبين الأميركيين مع إسرائيل تاريخياً، تظهر اليوم اختلافات ملحوظة داخل المؤسسات السياسية. ففي الكونغرس، رغم تأييد غالبية الجمهوريين لإسرائيل بلا تردد، يضغط حزب الديمقراطيين على إدارة ترامب لاتخاذ موقف أكثر حزماً إزاء الانتهاكات الإنسانية. وثمة تحذيرات من أعضاء بارزين كالسيناتور بيرني ساندرز الذي حذر من مخاطر 'فقدان المصداقية الأميركية' إذا استمرّت إسرائيل في تجاهل القانون الدولي. التحرك الأوروبي نحو الاعتراف بفلسطين في خطوة غير مسبوقة، أعلنت فرنسا والمملكة المتحدة وكندا نيّتها الاعتراف بدولة فلسطين بشكل متزامن، كأحد أدوات الضغط الدبلوماسي على إسرائيل. وأوضح رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو خلال جلسة في الجمعية الوطنية أن 'هذا التحرك قد بدأ ولن يتوقف'، واعتبر أن الاعتراف الجماعي يرسل رسالة واضحة عن رفض الانتهاكات الإنسانية في غزة، مع التشديد على أن جذور الأزمة تعود إلى قرار 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي وصفه بـ'المذبحة'. انعكاسات الاعتراف على المشهد السياسي إن الاعتراف الأوروبي المشترك بفلسطين يحمل بعدين: الأول داخلي يتعلق بالحساسيات السياسية في كل دولة—ففي بريطانيا، تقدر استطلاعات الرأي العام تأييداً متزايداً لحقوق الفلسطينيين؛ وفي كندا، تخشى الحكومة المحافظة، من فقدان قاعدة ناخبة تساند حل الدولتين. أما البعد الثاني فهو عقلاني، إذ يُعزز موقف الدول الثلاث في مواجهة إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي، ويحفز دولاً أخرى مثل إيطاليا وإسبانيا للانضمام إلى المبادرة. التداعيات الإنسانية والقانونية على وقع هذا التصعيد الإنساني، تصاعدت الدعوات أمام محكمة الجنايات الدولية لاستكمال التحقيق في جرائم الحرب. وقد نشر تقرير للأمم المتحدة يُشير إلى أن إطالة الحرب أسفرت عن آلاف القتلى المدنيين وتشريد مئات الآلاف. وفي واشنطن، يُتداول فرض قيود على شحنات الذخائر التي تستخدم في القصف الجوي والبحري، ما يعني تخفيضاً فعلياً في قدرة إسرائيل على تنفيذ عملياتها العسكرية بوتيرة متسارعة. توازنات جيوسياسية جديدة بينما تواجه إسرائيل احتمالاً متزايداً لشرطية الدعم الأميركي—التي قد تشمل مراجعة استخدام القروض العسكرية أو حتى إيقاف بعض المشاريع المشتركة—تعيد تل أبيب ترتيب أوراقها بالتركيز على سائر حلفائها، سعياً لكسر العزلة الدولية وفتح قنوات تفاوضية جديدة حول الأسرى والمعابر والعودة إلى طاولة التفاوض. يتبدّى أن الدعم الأميركي–الأوروبي لإسرائيل، وإن كان يستند إلى تحالف استراتيجي طويل الأمد، أصبح اليوم يخضع لشروط غير مسبوقة من حيث نتائج العمليات العسكرية على المدنيين في غزة. وبين تحذيرات واشنطن، ومبادرة الاعتراف الأوروبي الجماعي بدولة فلسطين، يناور نتنياهو لضمان الحد الأدنى من الدعم ولتفادي عزلة دولية قد تضعف قدرته على الاستمرار في سياساته الحالية. ويبقى السؤال قائماً: هل ستنجح إسرائيل في إعادة توازن علاقتها مع الحلفاء التقليديين عبر تلطيف إجراءاتها العسكرية، أم أن الضغوط الدولية ستؤدي إلى إعادة تشكيل خريطة التحالفات لصالح حل سياسي يضمن إنهاء الصراع واستقرار المنطقة؟ الأيام القليلة المقبلة قد تحمل إجابات حاسمة، لكنها بالتأكيد ستبقى مرحلة اختبار حقيقية لشرطية الدعم وتأثيرها على استراتيجيات تل أبيب.


الشرق الجزائرية
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الجزائرية
يوم الإضراب العالمي للتضامن مع غزة: مشهدٌ من الإبادة الجماعية وصمتٌ دوليٌ يُنذر بكارثة إنسانية
المحامي أسامة العرب في الوقت الذي يُفترض أن يشهد العالم تحركاً إنسانياً عاجلاً لوقف نزيف الدماء في غزة، تُكتشف أفظع جرائم القرن الحادي والعشرين عبر مشاهد تُجسّد وحشيةً لا تُوصف؛ فمع إحياء يوم الإضراب العالمي للتضامن مع القطاع المحاصر، تتواصل حملة الإبادة المنظمة التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني، مدعومةً بدعمٍ أمريكيٍ غير محدود، مُستهدفةً كل مظاهر الحياة في غزة، من البشر إلى البنى التحتية، في انتهاكٍ صارخٍ لكل المواثيق الدولية والأخلاق الإنسانية. مأساة إنسانية: أرقامٌ تروي حكاية الدمار منذ بداية الهجوم الشامل في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحوّل قطاع غزة إلى ساحةٍ لتجارب عسكرية وحشية، حيث تجاوز عدد الضحايا عشرات آلاف الشهداء، جلّهم من الأطفال والنساء، وفقاً لتقارير وزارة الصحة الفلسطينية؛ لكن الأرقام لا تكفي لسرد الفظائع: فخلف كل رقم قصةٌ عن طفلٍ تُرك بلا عائلة، أو عائلةٌ مُحيت من سجلات الوجود؛ وتُظهر لقطات مصورة نشرها ناشطون كيف تحوّلت شوارع غزة إلى ركامٍ من الجثث والمباني المدمرة، بينما تحاول فرق الإنقاذ اليائسة انتشال الناجين من تحت الأنقاض بأيدٍ عارية، بسبب شحّ المعدات. استهداف ممنهج للبنى التحتية: من 'القصف الذكي' إلى التدمير الشامل لم تكتفِ آلة الحرب الإسرائيلية بقتل المدنيين فحسب، بل حوّلت القطاع إلى مختبرٍ لتدمير المنظومة الحياتية بكاملها، فبالإضافة إلى قصف المستشفيات كـ 'الشفاء'، تم تدمير المئات منها والمراكز الطبية بشكل كلي أو جزئي، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، مما أدى إلى شلّ النظام الصحي في ذروة الأزمة. كما تعرضت مئات المدارس التابعة للأونروا للقصف، ناهيك عن تدمير شبكات المياه والكهرباء، مما خلق أزمةً بيئيةً تهدد بانتشار الأوبئة؛ وربما السلاح الأكثر فتكاً، هو سياسة التجويع الجماعي: فبعد حصارٍ استمر 17 عاماً، تشهد غزة نقصاً بنسبة 90% في المواد الغذائية الأساسية، وفق برنامج الأغذية العالمي، فمشاهد الطوابير الطويلة أمام المخابز التي تعمل بقوة الإرادة وقليل من الوقود المهرب، تُذكّر بمجاعات الحرب العالمية. وتُقدّر الأمم المتحدة أن 98% من سكان غزة لا يحصلون على مياه شرب آمنة، فيما يجتمع الأطفال أمام شاحنات المساعدات على الحدود، التي تُمنع من الدخول بحجج 'أمنية' واهية. جرائم حرب لا 'حق الدفاع عن النفس'؟ إن الادعاء الإسرائيلي بـ 'استهداف عناصر حماس' يتحطم أمام الوقائع: فمنذ بداية العدوان، تم توثيق آلاف عمليات القصفٍ ضد مناطق نزوحٍ أعلنتها إسرائيل نفسها 'آمنة'، مثل مخيم جباليا ومدرسة الفاخورة، مما أسفر عن مذابح جماعية. كما كشفت تحقيقات دولية عن استخدام أسلحة مُحرمة، كالقنابل الحارقة والفوسفور الأبيض في مناطق مكتظة. وحتى سيارات الإسعاف لم تسلم: فقد سجلت مئات الحالات لاستهداف فرق إسعاف خلال محاولتها إنقاذ جرحى، مما أدى إلى استشهاد 1,200 طبيب وممرض، وفقاً لنقابة الأطباء الفلسطينيين. صمتٌ دوليٌ مُريب وتواطؤٌ مُخجل إن المجتمع الدولي، الذي تدافع دوله عن 'القيم الإنسانية'، يقف عاجزاً أو متواطئاً. فحق النقض الأمريكي في مجلس الأمن أوقف عدة قرارات تدعو لوقف إطلاق النار الدائم، بينما تستمر واشنطن في تزويد إسرائيل بعشرات مليارات الدولارات سنوياً كمساعدات عسكرية، بالإضافة إلى شحنات أسلحةٍ طارئة خلال الحرب. أما الدول الأجنبية، فاكتفت بـ 'إدانة خجولة'، بينما تتعزز علاقات بعضها مع إسرائيل عبر اتفاقيات تسليح مخجلة، تحوّلت إلى سيفٍ مُسلط على رقبة الفلسطينيين. وإذا أردنا أن نتحدث عن يوم الإضراب العالمي للتضامن مع غزة يجب أن يتحول هذا التضامن إلى تدخل حقيقي وجاد من الدول العظمى والمجتمع الدولي للوقوف أمام مسؤولياتهم التاريخية والإنسانية، والعمل على وقف العربدة الصهيونية وممارساتها الوحشية واللا أخلاقية واللا إنسانية، وتمردها على كافة القرارات التي أصدرتها الشرعية الدولية، ومنعها عن المضي في سياسة تهويد الأراضي وانتهاك المقدسات وفرض الأمر الواقع، ومنعها من ارتكاب المجازر وجرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة من الأطفال والنساء، ومحاسبة قادة الاحتلال المجرمين، ووزرائه وضباطه الفاشيين، الذين أوغلوا في دماء الشعب الفلسطيني، ومارسوا بحقه أبشع عمليات القتل والإرهاب والتجويع التي عرفها التاريخ الحديث. مستقبلٌ مظلم وتحدياتٌ غير مسبوقة إن الأزمة الإنسانية في غزة ليست مؤقتة: فالأمم المتحدة تُحذر من أن إعادة الإعمار قد تستغرق عقوداً، خاصة مع تدمير 90% من البنى التحتية السكنية. لكن التحدي الأكبر هو الجرح النفسي لأطفال غزة، حيث تُقدّر منظمة 'أنقذوا الأطفال' أن 95% منهم يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة؛ ومع استمرار الحصار، قد تشهد غزة هجرةً جماعيةً غير مسبوقة، وهو ما يُسميه محللون 'التطهير الديمغرافي الممنهج'. هل من بصيص أمل؟ في ظل عاصفة الدمار، يبقى الصمود الشعبي الفلسطيني شمعةً مضيئة؛ كتحركات المجتمع المدني العالمي، وكالمقاطعات الأكاديمية والاقتصادية (BDS)، التي تُشكل ضغطاً متزايداً، لكن الوقت ينفد: فكل دقيقة صمتٍ دولي تعني المزيد من الأرواح التي تُزهق. ويبقى السؤال الذي يُطارد الضمير العالمي الآن: هل ستُكتب هذه الصفحة من التاريخ كفصلٍ آخر من فصول الإبادة، أم كنقطة تحوّلٍ تُعيد للقانون الدولي هيبته؟


الشرق الجزائرية
١٨-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الجزائرية
عودة العدوان على غزة… عودة للغدر والخيانة
المحامي أسامة العرب تشهد غزة اليوم موجة عدوان جديدة من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي، تكرر سيناريوهات القمع والدمار التي لم تتوقف منذ عقود، لكنها هذه المرة تأتي في سياقٍ سياسي ودولي معقد، يُظهر تواطؤاً دولياً واستغلالاً صهيونياً للأزمات الإقليمية لتحقيق أهداف توسعية، تحت غطاء 'الحق في الدفاع عن النفس'. الأسباب السياسية الداخلية: أزمات نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف لا يمكن فصل العدوان الحالي عن الأزمة العميقة التي تعصف بحكومة بنيامين نتنياهو، والتي تواجه خطر الانهيار بسبب الخلافات حول قانون الموازنة المقرر في تموز. ففي محاولة يائسة لكسب دعم وزراء اليمين المتطرف – مثل إيتمار بن غفير وبيتسليئيل سموتريتش – الذين يهددون بإسقاط الحكومة حال عدم زيادة الإنفاق على المستوطنات وتعزيز القمع ضد الفلسطينيين، لذا يلجأ نتنياهو إلى تصعيد عسكري لتحويل الرأي العام الإسرائيلي من الفشل الأمني في 7 أكتوبر/تشرين الأول والاحتجاجات المطالبة باستقالته، إلى 'حالة طوارئ وطنية' تُبرر بقاءه في السلطة. فبينما حماس توافق على صفقة تبادل تشمل وقفاً مؤقتاً للعدوان، يرفض الاحتلال الالتزام بالمرحلة الثانية من الاتفاق التي تتضمن انسحاباً كاملاً من غزة وإطلاق سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين، مفضلاً خيار الحرب لاستعادة الأسرى دون تنازلات سياسية، وهو ما يكشف استهانةً بحياتهم لصالح مصالح حكومة اليمين الإسرائيلية. السياق الجيوسياسي: تمهيد الطريق لـ'الشرق الأوسط الجديد' يتزامن العدوان مع تحضيرات لزيارة مُزمعة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المنطقة، والتي يُعتقد أنها تهدف إلى تكريس التقسيم الجغرافي والديموغرافي لفلسطين عبر تصفية القضية فلسطينياً ودولياً. فاستهداف غزة ديموغرافياً – عبر تهجير النازحين في رفح وخان يونس وتدمير البنية التحتية – يُذكّر بمشاريع التهجير القسري التي طُبقت في فلسطين التاريخية عام 1948، وبسياسات التهويد المستمرة في الضفة والقدس. هذا بالإضافة إلى أن الظروف الإقليمية الحالية، مثل التصعيد في لبنان، تخلق بيئةً تسمح لإسرائيل بتوسيع عدوانها دون ردع فاعل، خاصةً مع استمرار الدعم الأميركي المُطلق، والذي تجلّى مؤخراً بالاعتراض الأميركي على اعتراف دول أوروبية بدولة فلسطين، وعلى إمداد إسرائيل بأسلحة غير نوعية خلال تنفيذها المجازر العديدة، وأبرزها مجزرة رفح. حرب الإبادة: أرقامٌ تفضح الوحشية بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، تجاوز عدد الشهداء ليل الثلاثاء ال 360 مدنياً، معظمهم من الأطفال والنساء، منذ استئناف العدوان، فيما تُظهر صور الأقمار الصناعية تدميراً ممنهجاً سابقاً لأحياء كاملة، مثل حي 'التفاح' و'الشجاعية'، حيث تحولت المنازل إلى ركام. كما أن قصف خيام النازحين اليوم في 'مواصي' غرب خان يونس، ومدرسة 'الدرج' التي تؤوي مئات العائلات، يؤكد نهجاً إسرائيلياً يعتمد على تجويع المدنيين وتدمير ملاذاتهم الآمنة الوحيدة، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني الذي يُجرّم استهداف المنشآت المدنية. وفي تصعيدٍ يعكس استهزاءً بالضمير العالمي، فرض الاحتلال حصاراً كاملاً على دخول الغذاء والدواء إلى القطاع مع بداية رمضان، متسبباً في مجاعة تُهدد حياة مليوني فلسطيني، بينما تصمت المحاكم الدولية – ومنها محكمة العدل الدولية التي كانت قد أمرت إسرائيل بوقف أعمال الإبادة – في سابقةٍ خطيرة تُسقط هيبة القانون الدولي. مقاومةٌ لا تنكسر: لماذا يفشل العدوان؟ رغم الضغط العسكري غير المسبوق، ترفض حماس تقديم تنازلات، مؤكدةً أن الأسرى لن يعودوا إلا بثمن سياسي يضمن إنهاء الحصار. وهذا الموقف يستند إلى دروس التصدي لعدوانات سابقة (مثل 2008 و2014 و2021)، حيث فشلت إسرائيل في كسر الإرادة الشعبية، بل زادت المقاومة قوةً بتنويع أدواتها. فالقصف العشوائي اليوم – وإن خلّف دماراً هائلاً – يغذي الرواية الفلسطينية المُتجددة عن شرعية النضال، ويُعرّي زيف 'الجيش الأخلاقي' الإسرائيلي أمام العالم. الاحتلال وإدارة الأزمات: لعبة التدمير وإعادة الإعمار لا يكتفي الاحتلال بتدمير غزة، بل يحوّل كل عدوان إلى فرصة لفرض معادلة جديدة تخدم مشروعه الاستيطاني. فمنذ عام 2008، دمّرت إسرائيل القطاع ثلاث مرات تحت ذرائع 'الدفاع عن النفس'، وفي كل مرة يُجبر الفلسطينيون على العيش تحت رحمة مساعداتٍ إنسانية لا تُغطي حتى 10% من الاحتياجات الأساسية. هذه الدورة المُتعمَّدة من التدمير وإعادة الإعمار المشروطة تُكرّس تبعية غزة، وتُحوّل قضيتها من سياسية إلى 'إغاثية'، وهو ما تسعى إليه الدبلوماسية الغربية التي تتباكى شكلياً على 'المعاناة الإنسانية' لأهالي المدينة. الإعلام الغربي: تواطؤ الصمت وتزييف الحقائق في الوقت الذي تُظهر فيه مقاطع الفيديو المُسرّبة من غزة مشاهدَ مروّعة لطفلة تُدفن تحت أنقاض منزلها أو طبيب يُحاول إنقاذ جرحى بلا أدوية، تتحول شاشات الإعلام الغربي إلى منصاتٍ لتبرير العدوان. فالعبارات المُستَخدمة – مثل 'رد فعل متناسب' أو 'حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها' – تُقدّم الصهاينة كضحايا، بينما يُختزل الفلسطينيون إلى 'أرقام' أو 'درع بشري'. حتى التقارير التي تنتقد 'التصعيد من الجانبين' تُساوي بين الجلاد والضحية، متناسيةً أن المقاومة حقٌّ شرعيٌ يكفله القانون الدولي، بينما الاحتلال جريمةٌ تَنتهك كل المواثيق. أما الأخطر من ذلك فهو حجب السياق التاريخي: فلم تُذكر في التقارير الدولية أن 75% من سكان غزة هم لاجئون هُجّروا من أراضيهم عام 1948، أو أن الحصار المفروض منذ 17 عاماً حوّل القطاع إلى 'سجن مفتوح' يحظر على أهله بناء ميناء أو مطار. وهذا التشويه المُمنهج للرواية ليس بريئاً؛ بل إنه جزء من حربٍ تستهدف وعي الشعوب، وتُهيئ الرأي العام لقبول 'الحل النهائي' الذي تريده إسرائيل. المقاومة المؤسساتية: التعليم والصمود كأدوات تحرير وسط الدمار، تُشكّل المؤسسات الفلسطينية في غزة نموذجاً فريداً للصمود. فبرغم قصف المدارس والجامعات، تستمر العملية التعليمية في الخيام أو بين الأنقاض، كرسالةٍ بأن المعرفة سلاحٌ لا يُقهَر. وتُحاول إسرائيل تدمير هذا الرمز عبر استهداف واضح للمعلمين والأكاديميين الغزاويين. كما تُحافظ المؤسسات الصحية – رغم شحّ الإمكانيات – على معدلاتٍ مذهلة في التعامل مع الجرحى، حيث طوّر الأطباء أساليبَ جراحية مبتكرة بسبب نقص المعدات، مثل استخدام الخلطات الطبيعية لتطهير الجروح عند انعدام المضادات الحيوية. وهذه الإبداعات ليست مجرد ردّ فعل على الحصار، بل تأكيدٌ على أن غزة، برغم كل شيء، لن تستسلم. الشباب الفلسطيني: جيلٌ يرفض أن يكون ضحية قد تكون المفارقة الأكثر قسوة في هذا العدوان أن غالبية ضحاياه من مواليد عام 2000 فما بعد، أي أنهم وُلدوا تحت الحصار وعاشوا كل عدوانٍ منذ 2008. لكن هذا الجيل، بدلاً من أن ينهار تحت وطأة الصدمات المتكررة، يتحول إلى قوة دفعٍ للثورة. فمنصات التواصل الاجتماعي تعجّ بمبادرات شبابية توّثق الانتهاكات بلغات متعددة، وتكشف زيف الرواية الإسرائيلية، بل وتنظم حملات مقاطعة عالمية (BDS) بأساليبَ احترافية. الاحتلال لا يستطيع القضاء على نهج المقاومة لو افترضنا – جدلاً – أن إسرائيل نجحت في 'القضاء على حماس'، فماذا بعد؟ هل سينجح الاحتلال في إخضاع مليوني فلسطيني في غزة بالقوة؟ التاريخ يُجيب: كلما زاد القمع، زادت المقاومة تنوعاً وعنفواناً. فالشعب الذي فقد أطفاله وبيوته لا يملك ما يخسره، وسيُعيد إنتاج أدوات نضاله بطرقٍ لا تُتوقع. حتى لو سقطت حماس لاسمح الله، فستنهض حركاتٌ جديدة أكثر تشدّداً، لأن الظلم نفسه يُنتج رافضيه. غزة تُعيد تعريف الانتصار. ختاماً، ليست المعركة في غزة اليوم حول عدد الشهداء أو حجم الدمار، بل حول شرعية التاريخ نفسه. فكل طفلٍ يُقتل هناك هو إدانةٌ لعالمٍ سمح للاستعمار أن يلبس ثوب 'الدولة'، وكل صورةٍ لمسنٍّ يحمل حفيدته من تحت الأنقاض تُذكرنا أن الإنسان أقوى من كل آلات الموت. غزّة تعلّم العالم معنى الانتصار: ليس بالسيطرة على الأرض، بل بالصمود في وجه محو الهوية ننتصر. وليس بعدد الصواريخ، بل بقدرة شعبٍ على تحويل المأساة إلى ملحمة ننتصر أيضاً. وكما كتب محمود درويش: 'على هذه الأرض ما يستحق الحياة… وَقْتُنا المُشرَّفُ بالدم، أرضُنا المُشرَّفةُ بالقيحِ الأزرقْ'.