أحدث الأخبار مع #كامبديفيد


المشهد اليمني الأول
منذ يوم واحد
- سياسة
- المشهد اليمني الأول
اليمن في كفة والمال العربي في كفة اليمن
ناصر قنديل: هل هي الحرب الكبرى أم حافة الهاوية؟ لو كان رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا بلا شروط لكان إنجازاً عربياً كاملاً، يعبِّر عن مكانة العرب والخليج خصوصاً لدى واشنطن، التي تملك قرار فرض العقوبات ورفعها، والتي يعود رئيسها محملاً باتفاقيات والتزامات بحجم ثلاثة تريليونات من الدولارات، أما وأن رفع العقوبات مشروط بالتزامات سورية تكفلها السعودية وتركيا، بما يتصل بأمن 'إسرائيل' وفق سلم يتدرج من ملاحقة المقاومة الفلسطينية إلى الانضمام لاتفاقات التطبيع، وما بينهما التغاضي عن ضم الجولان والتوغل والتمدّد الإسرائيلي في محافظات سوريا الجنوبية واستباحة أجواء سوريا ومنعها من بناء جيش قويّ، فإن رفع العقوبات إنجاز يستحق الشعب السوري التهنئة عليه، خصوصاً المرضى الذين سوف يحصلون على الأدوية الممنوعة عن سوريا بسبب العقوبات، لكنه عبء وقيد يعادل ما فعله كامب ديفيد في حال مصر، لكونه أعاد سيناء مقابل أخذ مصر كلها، والآن يستطيع الرئيس الأمريكي القول إنه حقق أهداف العقوبات التي كانت تطال النظام السابق كعقبة أمام هذه الأهداف، وجوهرها أمن 'إسرائيل'، ولأنها حققت أهدافها بات رفعها ممكناً مع وضع سوريا تحت الرقابة وتحميل السعودية وتركيا مسؤولية ضبطها وتذكيرها بموجباتها، ومنها إعادة فك وتركيب بنية الدولة لصالح تعدّدية تكون نواتها ثنائيّة حزبيّة بين هيئة تحرير الشام وقوات قسد بعد إعلان حل حزب العمال الكردستاني، وزوال القيود التركيّة على دور قسد، ولعل هذا التعدّد يكون مصدر راحة للمكوّنات السورية التي عانت من أحادية حكومة هيئة تحرير الشام. يبقى المعيار الحقيقي لمكانة العرب الدوليّة والخليج بصورة خاصة، في القدرة على إنجاز وقف الحرب على غزة، حيث القرار الفعلي بيد الرئيس الأمريكي الذي يموّل ويسلّح ويرعى 'إسرائيل' ويحميها، ولم يستخدم هذا التأثير الهام لفرض إنهاء الحرب، وهو في الخليج يحصل على ما يشكل حاجات حيوية لنظام حكمه واقتصاد بلده، لأن أمريكا في أصعب أوضاعها الاقتصادية وحكومتها في أسوأ أحوالها المالية، والأموال التي حصل عليها الرئيس الأمريكي من دول الخليج هي الأوكسجين الذي يحتاج لإنعاش الاقتصاد وشركاته المتعثرة، وضخّ الأموال في شرايينه، وتمكين الدولة من رفع عائداتها بما يسهم في تخفيض عجز الميزانية من الواردات الضريبية لهذه الصفقات والاستثمارات، ومقابل هذا الأوكسجين سعى الخليج وقادته لدى ترامب لمنحهم إنجازاً موازياً هو إعلان انهاء الحرب على غزة، وبعد مضي يومين يمثلان أهم أيام الزيارة، لم يظهر ما يشير إلى أن إنهاء الحرب على غزة سوف يبصر النور بنهاية الزيارة التي وصفت بالتاريخيّة، وهي كذلك بالنسبة لأمريكا، فهل هي كذلك بالنسبة للعرب، رغم المديح المبالغ به الذي ألقاه الرئيس الأمريكي على قادة الخليج طولاً ووسامة وأدواراً وشراكة في حل النزاع الروسي الأوكراني؟ على مرمى حجر من الخليج يقع بلد فقير اسمه اليمن، أتعبته الحروب المتلاحقة، التي أفرغ خلالها العرب والخليج خصوصاً نيران أسلحتهم وأنفقوا مليارات الدولارات لإخضاعه، وهذا اليمن خاض مفاوضات من نوع آخر مع الرئيس الأمريكي، موضعها حرب غزة أيضاً، حيث قام اليمن رغم الحصار والفقر والجوع والدمار بإعلان فتح جبهة إسناد لغزة بمنع سفن كيان الاحتلال من عبور البحر الأحمر واستهداف عمق الكيان إلى حين توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها، وقررت واشنطن على لسان رئيسين متعاقبين هما جو بايدن ودونالد ترامب تأديب اليمن ومعاقبته وإعادته إلى حظيرة الصمت العربي، فردّ على النار بالنار، وبعد سنة ونصف قررت واشنطن التفاوض الثنائي، وفق معادلة تخرج فيها واشنطن من جبهة بإسناد 'إسرائيل' في البحر الأحمر، ويبقى فيها اليمن جبهة إسناد لغزة، وخلال القمم الخليجية مع الرئيس الأمريكي وتدفق أرقام الصفقات على الموائد، كان اليمن يلقم كيان الاحتلال صواريخ تسقط على مطار بن غوريون وتتسبب بإقفاله مراراً، ويهرّع المستوطنون بالملايين إلى الملاجئ في اليوم أكثر من مرة، وترتفع الأصوات في داخل الكيان مطالبة بوقف الحرب تفادياً لمواصلة الإسناد اليمني، وحكومة الكيان التي تعاند رغبة أمريكية لتلبية طلب قادة الخليج بوقف الحرب على غزة، تجد نفسها تحت ضغط متزايد من مستوطنيها لوقف هذه الحرب لتفادي مواصلة تساقط الصواريخ اليمنية، ويشعر الفلسطينيون أنه إذا أفلحت مساعي وقف الحرب فإن ذلك سوف يكون بفضل صواريخ اليمن قبل أي شيء آخر. حال أمريكا التي تنفصل عن 'إسرائيل' في مفاوضاتها مع إيران في اتفاقها مع اليمن، لأنها مجبرة على ذلك لا تنفصل عن 'إسرائيل' ولا تضغط عليها لإنهاء حرب غزة لأنها هنا غير مجبرة، رغم كل الحوافز والمكاسب، هو حال 'إسرائيل' ذاتها التي كانت تسعى ليل نهار لإخراج إيران وقوى المقاومة من سوريا، لكنّها لا تحفظ للحكم الجديد أنه قام بذلك، لأنها غير مجبرة، بل تطلب منه المزيد، وتدخل مناطق لم تكن تجرؤ على دخولها في أيام النظام القديم، الذي يفترض أنه بنظرها أشدّ عداء من النظام الجديد، لكنها كانت مجبرة. ــــ ناصر قنديل – رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية


العرب اليوم
منذ 5 أيام
- سياسة
- العرب اليوم
عودة أخيرة إلى «أوسلو»
جاءت كامب ديفيد الثانية في 2000 بائسة النتائج تماماً، لكنّ أكثر ما يعنينا هنا أثر الإضعافُ الذي أنزلته حملتا المتطرّفين في التسبّب بذاك البؤس. ففضلاً عن أنّ إدارة كلينتون كانت في سنتها الأخيرة، كان إيهود باراك وياسر عرفات يتسابقان في ضعفهما واندفاعهما للتوصّل، مرّة واحدة، إلى نتائج تلائم واحداً منهما دون الآخر. فالأوّل، المهجوس باستطلاعات الرأي، وفق تعبير درّجه الصحافيّون، تصرّف كمن يملي تسوية دائمة ونهائيّة، تُقبل أو تُرفض. لكنّ ائتلافه الحكوميّ كان يتصدّع، ما فاقمه خروجه بخفّي حنين من التفاوض المديد مع الأسد. وكان «الحلّ» الملائم لعرفات عدم التسبّب بإعدام التسوية، وأيضاً عدم الوصول إلى تسوية. فهو، لخوفه من مزايدات الآخرين، آثر أن لا يقدم على ما قد يورّطه، سيّما وأنّ تفاوض إسرائيل والأسد زاد من تهميشه. صحيح أنّ باراك ذهب أبعد ممّا كان أيّ رئيس حكومة إسرائيليّ مستعدّاً للذهاب يومذاك، لكنّه بقي بعيداً عمّا أحسّ عرفات بأنّه مستعدّ لقبوله، خصوصاً بالنسبة للقدس. فهنا، وفيما لم تظهر مواقف خارجيّة تحضّه على قبول العرض، بدا مضطرّاً لأن يحسب حساب عدد من الحكومات الإسلاميّة وردود أفعالها. وكان موضوع حقّ العودة الكامل ممّا يستحيل على أيّ إسرائيليّ تؤرّقه ديموغرافيّات الدولة «اليهوديّة» أن يقبله، سيّما في ظلّ علاقات، دينيّة وطائفيّة وإثنيّة، غير مشجّعة بين جماعات الجوار العربيّ. وسريعاً ما تلا انهيار القمّة زيارة أرييل شارون إلى جبل المعبد والحرم الشريف، وانفجار الانتفاضة الثانية. هكذا انتُخب من «لم يكن قابلاً للانتخاب»، وبات الأمن هو هو السياسة. وبذريعته شرع شارون ببناء الجدار العنصريّ، وغدت فكرة «الدولتين» لغواً فيما أكثريّة الإسرائيليّين ترى السلام مضادّاً للأمن. ومع الانتفاضة، تجدّدت العمليّات الإرهابيّة، وكانت المدن الكبرى مسرحاً لعشراتها، ومن جسد «فتح» انبثق تنظيم «كتائب شهداء الأقصى»، وقضى أكثر من 1200 شخص وجُرحت أعداد أكبر كثيراً بنتيجة العمليّات، بينما اقتحمت القوّات الإسرائيليّة المدن الفلسطينيّة في المنطقة أ، بما يناقض أوسلو. وإبّان تلك الانتفاضة وقمعها الإسرائيليّ، تعرّضت نيويورك لـ11 أيلول التي عزّزت عند خصوم الحقّ الفلسطينيّ ميلهم إلى دمج قضيّتهم بالإرهاب الإسلامويّ، ما فاقمته أعمال إطلاق النار ابتهاجاً بفِعلة «القاعدة» في بضعة مخيّمات فلسطينيّة. لكنْ مع حادثة «كارين إيه» في 2002، حين ضبط الإسرائيليّون سفينة محمّلة بالأسلحة قالوا إنّها تعود إلى السلطة الفلسطينيّة، فسُدت العلاقة كلّيّاً ولم يعد في الوسع ترميمها. ومع المبادرة السعوديّة وقمّة بيروت في 2002، قُدّمت خطّة عربيّة تقايض الاعتراف بالسلام. لكنّ النظام السوريّ والنظام اللبنانيّ التابع له حينذاك حالا دون التواصل بين القمّة وعرفات. وكان الأخطر أنّه في يوم افتتاح القمّة الذي صادف عيد الفصح اليهوديّ، نفّذت «حماس» عمليّة في نتانيا عُدّت الأضخم من نوعها حتّى حينه. فقد قُتل أكثر من ثلاثين مدنيّاً ومدنيّة إسرائيليّين فيما جُرح 140 شخصاً. وهكذا فبدل تشديد الضغط السياسيّ على حكومة شارون، وحملها على التجاوب مع خطّة السلام الوليدة، أو دفعها إلى موقع دفاعيّ، تجاهلت إسرائيل القمّة لتنطلق عمليّة «الدرع الواقي» العسكريّة ويُحاصَر عرفات في مقرّه، دون أيّ اكتراث بأوسلو. ولئن تدهورت صحّته، فهو ما لبث أن توفّي وسط شائعات عن تسميمه. صحيح أنّ الانسحاب الأحاديّ من غزّة في 2005 أبقاها عمليّاً تحت الاحتلال، تبعاً لاحتفاظ إسرائيل بالسيطرة الكاملة على جميع منافذها. لكنّ استمرار واقع كهذا لم يكن حتميّاً، وبالتأكيد كان لأيّ تقدّمٍ يصيب عمليّة السلام أن ينعكس عليه، ولو تدريجاً أو تعرّجاً. بيد أنّ ما حصل كان العكس تماماً: فالحصار والخنق الإسرائيليّان حلاّ بعد فوز «حماس» في انتخابات 2006، وهذا قبل أن تتشدّد تلّ أبيب في تطبيقهما إثر انقلاب «حماس» الدمويّ وسيطرتها على القطاع عام 2007. فالحركة الإسلاميّة، باستيلائها على السلطة، أخرجت غزّة من التعاقد الذي انطوت عليه أوسلو ومن المسؤوليّات المنجرّة عنه. ولئن كانت إسرائيل دائمة الاستعداد للتنصّل من التزاماتها، فكيف حين يقدّم لها الذريعة طرفٌ لا يعترف أصلاً بها وبالسلام معها، ويرى ميثاقه الصادر في 1988 أنّ «لا حلّ للقضيّة الفلسطينيّة إلاّ بالجهاد». لقد انتهت أوسلو عمليّاً، وباتت محاولات إحياء مشروع السلام أقرب إلى مبادرات فاترة. ففي 2007 انعقدت قمّة أنّابوليس بحضور الرئيس محمود عبّاس ورئيس الحكومة الإسرائيليّة إيهود أولمرت ورعاية الرئيس الأميركيّ جورج دبليو بوش. لكنّ القمّة التي دعت إيرانُ و»حماس» إلى مقاطعتها و»إسقاطها شعبيّاً»، وشنّ عليها الراديكاليّون الإسرائيليّون حرباً سياسيّة وإعلاميّة موازية، لم تستطع شقّ أيّ طريق عمليّ. بعد ذاك، وفي 2013، رعى وزير الخارجيّة الأميركيّ جون كيري محاولة لاستئناف المفاوضات لم تعش سوى أشهر. وما كان إسقاط أوسلو ليحتاج إلى كلّ هذا الجهد لو أنّ طرفاً كان، سلفاً وبالأصل وبالكامل، ضدّ كلّ سلام.


منذ 5 أيام
- سياسة
اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال
في مثل هذا اليوم من عام 1983، وقّع بعض المسؤولين اللبنانيين اتفاق 17 أيار مع العدو الإسرائيلي، في لحظة سياسية حرجة اعتقد فيها النظام الحاكم حينها أنه قادر على فرض اتفاقية وصفت بالذل والاستسلام، مستنداً إلى الاحتلال الإسرائيلي لجزء كبير من الأراضي اللبنانية، والدعم الأميركي السياسي والعسكري المطلق لتل أبيب. غير أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلاً. فسرعان ما قالت المقاومة، الشعبية والعسكرية، كلمتها الفصل: لا للاحتلال، لا للتطبيع، ولا لأي تسوية تُفرض بالإكراه وتُمرّر بالإملاء. وبفعل هذه الإرادة، سقط الاتفاق المشؤوم، وسُجّل في التاريخ كمحطة هزيمة للمشروع الإسرائيلي في لبنان. ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، لا تزال بعض الأصوات في لبنان تروّج لنهج الاستسلام، محاولةً إحياء أوهام الالتحاق بركب التطبيع، وتقديم الولايات المتحدة وإسرائيل كقدر لا مفرّ منه، متناسيةً أن تجارب الماضي القريب أثبتت عكس ذلك. لقد أسقطت الإرادة المقاومة والموقف الوطني الصلب اتفاق الذل مع العدو الصهيوني، وكانت شوارع بيروت وأحياؤها، ولا سيما في الضاحية الجنوبية، شاهدةً على المواجهة البطولية التي خاضها أبناء الشعب اللبناني بلحمهم الحيّ وبإمكاناتهم المحدودة، ما أجبر الاحتلال على الانسحاب من العاصمة نحو الجنوب، لتتواصل بعدها مسيرة المقاومة حتى التحرير، ولا تزال مستمرة حتى اليوم. 'اتفاقية 17 أيار'… لا مكان للعملاء في 17 أيار/مايو 1983، كان من المقرّر أن يكون لبنان الدولة العربية الثانية، بعد مصر (التي وقّعت اتفاقية كامب ديفيد في 17 أيلول/سبتمبر 1978)، التي تُبرم اتفاقية تطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي. يا للمفارقة! إنه لبنان نفسه، وبعد سبعة عشر عاماً فقط، بات الدولة العربية الوحيدة التي حققت انتصاراً غير مشروط على الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000. فماذا جرى بين التاريخين؟ لا شك أن أحداثاً وتحولات كبرى دفعت بلبنان من مرحلة الخنوع والاستسلام، التي عُرفت آنذاك بـ'الزمن الإسرائيلي'، إلى مرحلة الانتصار و'زمن المقاومة'. وبحسب مطّلعين على تلك المرحلة، فإن 'اتفاق 17 أيار كان بمثابة إعادة رسم للميثاق الوطني والدستور اللبناني، إذ شكّل خروجًا شبه رسمي للبنان من الجامعة العربية، وتجاوز في مضمونه اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي بكثير'. ورغم أن أركان الدولة حينها، أي رؤساء الجمهورية (أمين الجميل)، والحكومة (شفيق الوزان)، ومجلس النواب (كامل الأسعد)، أقرّوا الاتفاقية وفتحوا الباب أمام مرحلة سياسية واجتماعية وثقافية جديدة للبنان، إلا أن جزءًا واسعًا من البيئة الشعبية أدرك مبكرًا خطورة المسار الذي يُراد فرضه، فأسقط المشروع برمّته. وهي البيئة نفسها التي لم تكتفِ بإسقاط الاتفاق، بل واصلت طريق المقاومة حتى هذه اللحظة، ليصبح لبنان اليوم مصدر التهديد الأكبر لأمن 'إسرائيل' ووجودها. هذا الرفض الشعبي لاتفاق التطبيع عكسه النائب السابق نجاح واكيم، أحد النواب الذين صوّتوا ضد الاتفاق، حين قال إن 'المفاوضات لم تجرِ بين لبنان و(إسرائيل)، بل بين الوفد الإسرائيلي والوفد الأميركي. أما الوفد اللبناني، فكان بعض أعضائه موظفين لدى المخابرات الأميركية، ولم يُعتمد في تشكيله أي تمثيل وطني'. ما يعني أن الوفد لم يكن شرعيًا ولا معبّرًا عن الأطياف اللبنانية كافة، وبالتالي لم يكن يفاوض باسم الشعب اللبناني. وبالفعل، لم ينتظر جزء كبير من اللبنانيين أن يُستفتوا على تغيير هوية وطنهم وموقعه من الصراع العربي الإسرائيلي. فهؤلاء، الذين كانوا يشكّلون نواة المقاومة في وجه الاحتلال الذي وصل في حزيران/يونيو 1982 إلى بيروت، رأوا أن اللحظة لا تحتمل التريث أو التراجع. نزلوا إلى الشارع وصرخوا بـ'لا' مدوية من أجل هوية الوطن وأبنائهم والأجيال المقبلة. فكان ردّ الرئيس أمين الجميل، الذي جاء إلى الحكم خلفًا لشقيقه بشير الجميل (المنتخب بدعم وضغط إسرائيلي وأميركي واغتيل بعد انتخابه بشهر تقريبًا)، أن حاول سحق الاعتراض الشعبي، فحرّك وحدات من الجيش اللبناني لتطويق جامع بئر العبد في الضاحية الجنوبية حيث كانت تخرج المظاهرات، وخلال الاشتباك سقط الشهيد محمد نجدي. لاحقًا، تصاعد الغضب الشعبي واتسعت رقعة المقاومة، خصوصًا بعد تدخل ميليشيات الكتائب واعتدائها على قوى المقاومة، ما فجّر انتفاضة 6 شباط/فبراير التي أدّت إلى إسقاط 'اتفاقية 17 أيار' وإسقاط طموحات الجميل السياسية. كانت تلك الانتفاضة بداية 'الزمن الجميل' الذي أوصل لبنان إلى يوم الخامس والعشرين من أيار/مايو 2000، ثم إلى تموز/يوليو 2006، وسلسلة من المحطات الوطنية المشرّفة. وفي ذكرى توقيع 'اتفاق الاستسلام'، لا يزال هناك من يحلم بالعودة إلى تلك المرحلة السوداء، لكنّه حلم خبيث لا مكان له في لبنان. فـ'لا مكان للعملاء'.


المنار
منذ 6 أيام
- سياسة
- المنار
اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال
في مثل هذا اليوم من عام 1983، وقّع بعض المسؤولين اللبنانيين اتفاق 17 أيار مع العدو الإسرائيلي، في لحظة سياسية حرجة اعتقد فيها النظام الحاكم حينها أنه قادر على فرض اتفاقية وصفت بالذل والاستسلام، مستنداً إلى الاحتلال الإسرائيلي لجزء كبير من الأراضي اللبنانية، والدعم الأميركي السياسي والعسكري المطلق لتل أبيب. غير أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلاً. فسرعان ما قالت المقاومة، الشعبية والعسكرية، كلمتها الفصل: لا للاحتلال، لا للتطبيع، ولا لأي تسوية تُفرض بالإكراه وتُمرّر بالإملاء. وبفعل هذه الإرادة، سقط الاتفاق المشؤوم، وسُجّل في التاريخ كمحطة هزيمة للمشروع الإسرائيلي في لبنان. ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، لا تزال بعض الأصوات في لبنان تروّج لنهج الاستسلام، محاولةً إحياء أوهام الالتحاق بركب التطبيع، وتقديم الولايات المتحدة وإسرائيل كقدر لا مفرّ منه، متناسيةً أن تجارب الماضي القريب أثبتت عكس ذلك. لقد أسقطت الإرادة المقاومة والموقف الوطني الصلب اتفاق الذل مع العدو الصهيوني، وكانت شوارع بيروت وأحياؤها، ولا سيما في الضاحية الجنوبية، شاهدةً على المواجهة البطولية التي خاضها أبناء الشعب اللبناني بلحمهم الحيّ وبإمكاناتهم المحدودة، ما أجبر الاحتلال على الانسحاب من العاصمة نحو الجنوب، لتتواصل بعدها مسيرة المقاومة حتى التحرير، ولا تزال مستمرة حتى اليوم. 'اتفاقية 17 أيار'… لا مكان للعملاء في 17 أيار/مايو 1983، كان من المقرّر أن يكون لبنان الدولة العربية الثانية، بعد مصر (التي وقّعت اتفاقية كامب ديفيد في 17 أيلول/سبتمبر 1978)، التي تُبرم اتفاقية تطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي. يا للمفارقة! إنه لبنان نفسه، وبعد سبعة عشر عاماً فقط، بات الدولة العربية الوحيدة التي حققت انتصاراً غير مشروط على الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000. فماذا جرى بين التاريخين؟ لا شك أن أحداثاً وتحولات كبرى دفعت بلبنان من مرحلة الخنوع والاستسلام، التي عُرفت آنذاك بـ'الزمن الإسرائيلي'، إلى مرحلة الانتصار و'زمن المقاومة'. وبحسب مطّلعين على تلك المرحلة، فإن 'اتفاق 17 أيار كان بمثابة إعادة رسم للميثاق الوطني والدستور اللبناني، إذ شكّل خروجًا شبه رسمي للبنان من الجامعة العربية، وتجاوز في مضمونه اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي بكثير'. ورغم أن أركان الدولة حينها، أي رؤساء الجمهورية (أمين الجميل)، والحكومة (شفيق الوزان)، ومجلس النواب (كامل الأسعد)، أقرّوا الاتفاقية وفتحوا الباب أمام مرحلة سياسية واجتماعية وثقافية جديدة للبنان، إلا أن جزءًا واسعًا من البيئة الشعبية أدرك مبكرًا خطورة المسار الذي يُراد فرضه، فأسقط المشروع برمّته. وهي البيئة نفسها التي لم تكتفِ بإسقاط الاتفاق، بل واصلت طريق المقاومة حتى هذه اللحظة، ليصبح لبنان اليوم مصدر التهديد الأكبر لأمن 'إسرائيل' ووجودها. هذا الرفض الشعبي لاتفاق التطبيع عكسه النائب السابق نجاح واكيم، أحد النواب الذين صوّتوا ضد الاتفاق، حين قال إن 'المفاوضات لم تجرِ بين لبنان و(إسرائيل)، بل بين الوفد الإسرائيلي والوفد الأميركي. أما الوفد اللبناني، فكان بعض أعضائه موظفين لدى المخابرات الأميركية، ولم يُعتمد في تشكيله أي تمثيل وطني'. ما يعني أن الوفد لم يكن شرعيًا ولا معبّرًا عن الأطياف اللبنانية كافة، وبالتالي لم يكن يفاوض باسم الشعب اللبناني. وبالفعل، لم ينتظر جزء كبير من اللبنانيين أن يُستفتوا على تغيير هوية وطنهم وموقعه من الصراع العربي الإسرائيلي. فهؤلاء، الذين كانوا يشكّلون نواة المقاومة في وجه الاحتلال الذي وصل في حزيران/يونيو 1982 إلى بيروت، رأوا أن اللحظة لا تحتمل التريث أو التراجع. نزلوا إلى الشارع وصرخوا بـ'لا' مدوية من أجل هوية الوطن وأبنائهم والأجيال المقبلة. فكان ردّ الرئيس أمين الجميل، الذي جاء إلى الحكم خلفًا لشقيقه بشير الجميل (المنتخب بدعم وضغط إسرائيلي وأميركي واغتيل بعد انتخابه بشهر تقريبًا)، أن حاول سحق الاعتراض الشعبي، فحرّك وحدات من الجيش اللبناني لتطويق جامع بئر العبد في الضاحية الجنوبية حيث كانت تخرج المظاهرات، وخلال الاشتباك سقط الشهيد محمد نجدي. لاحقًا، تصاعد الغضب الشعبي واتسعت رقعة المقاومة، خصوصًا بعد تدخل ميليشيات الكتائب واعتدائها على قوى المقاومة، ما فجّر انتفاضة 6 شباط/فبراير التي أدّت إلى إسقاط 'اتفاقية 17 أيار' وإسقاط طموحات الجميل السياسية. كانت تلك الانتفاضة بداية 'الزمن الجميل' الذي أوصل لبنان إلى يوم الخامس والعشرين من أيار/مايو 2000، ثم إلى تموز/يوليو 2006، وسلسلة من المحطات الوطنية المشرّفة. وفي ذكرى توقيع 'اتفاق الاستسلام'، لا يزال هناك من يحلم بالعودة إلى تلك المرحلة السوداء، لكنّه حلم خبيث لا مكان له في لبنان. فـ'لا مكان للعملاء'.


المنار
منذ 6 أيام
- سياسة
- المنار
اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال
في مثل هذا اليوم من عام 1983، وقّع بعض المسؤولين اللبنانيين اتفاق 17 أيار مع العدو الإسرائيلي، في لحظة سياسية حرجة اعتقد فيها النظام الحاكم حينها أنه قادر على فرض اتفاقية وصفت بالذل والاستسلام، مستنداً إلى الاحتلال الإسرائيلي لجزء كبير من الأراضي اللبنانية، والدعم الأميركي السياسي والعسكري المطلق لتل أبيب. غير أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلاً. فسرعان ما قالت المقاومة، الشعبية والعسكرية، كلمتها الفصل: لا للاحتلال، لا للتطبيع، ولا لأي تسوية تُفرض بالإكراه وتُمرّر بالإملاء. وبفعل هذه الإرادة، سقط الاتفاق المشؤوم، وسُجّل في التاريخ كمحطة هزيمة للمشروع الإسرائيلي في لبنان. ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، لا تزال بعض الأصوات في لبنان تروّج لنهج الاستسلام، محاولةً إحياء أوهام الالتحاق بركب التطبيع، وتقديم الولايات المتحدة وإسرائيل كقدر لا مفرّ منه، متناسيةً أن تجارب الماضي القريب أثبتت عكس ذلك. لقد أسقطت الإرادة المقاومة والموقف الوطني الصلب اتفاق الذل مع العدو الصهيوني، وكانت شوارع بيروت وأحياؤها، ولا سيما في الضاحية الجنوبية، شاهدةً على المواجهة البطولية التي خاضها أبناء الشعب اللبناني بلحمهم الحيّ وبإمكاناتهم المحدودة، ما أجبر الاحتلال على الانسحاب من العاصمة نحو الجنوب، لتتواصل بعدها مسيرة المقاومة حتى التحرير، ولا تزال مستمرة حتى اليوم. 'اتفاقية 17 أيار'… لا مكان للعملاء في 17 أيار/مايو 1983، كان من المقرّر أن يكون لبنان الدولة العربية الثانية، بعد مصر (التي وقّعت اتفاقية كامب ديفيد في 17 أيلول/سبتمبر 1978)، التي تُبرم اتفاقية تطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي. يا للمفارقة! إنه لبنان نفسه، وبعد سبعة عشر عاماً فقط، بات الدولة العربية الوحيدة التي حققت انتصاراً غير مشروط على الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000. فماذا جرى بين التاريخين؟ لا شك أن أحداثاً وتحولات كبرى دفعت بلبنان من مرحلة الخنوع والاستسلام، التي عُرفت آنذاك بـ'الزمن الإسرائيلي'، إلى مرحلة الانتصار و'زمن المقاومة'. وبحسب مطّلعين على تلك المرحلة، فإن 'اتفاق 17 أيار كان بمثابة إعادة رسم للميثاق الوطني والدستور اللبناني، إذ شكّل خروجًا شبه رسمي للبنان من الجامعة العربية، وتجاوز في مضمونه اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي بكثير'. ورغم أن أركان الدولة حينها، أي رؤساء الجمهورية (أمين الجميل)، والحكومة (شفيق الوزان)، ومجلس النواب (كامل الأسعد)، أقرّوا الاتفاقية وفتحوا الباب أمام مرحلة سياسية واجتماعية وثقافية جديدة للبنان، إلا أن جزءًا واسعًا من البيئة الشعبية أدرك مبكرًا خطورة المسار الذي يُراد فرضه، فأسقط المشروع برمّته. وهي البيئة نفسها التي لم تكتفِ بإسقاط الاتفاق، بل واصلت طريق المقاومة حتى هذه اللحظة، ليصبح لبنان اليوم مصدر التهديد الأكبر لأمن 'إسرائيل' ووجودها. هذا الرفض الشعبي لاتفاق التطبيع عكسه النائب السابق نجاح واكيم، أحد النواب الذين صوّتوا ضد الاتفاق، حين قال إن 'المفاوضات لم تجرِ بين لبنان و(إسرائيل)، بل بين الوفد الإسرائيلي والوفد الأميركي. أما الوفد اللبناني، فكان بعض أعضائه موظفين لدى المخابرات الأميركية، ولم يُعتمد في تشكيله أي تمثيل وطني'. ما يعني أن الوفد لم يكن شرعيًا ولا معبّرًا عن الأطياف اللبنانية كافة، وبالتالي لم يكن يفاوض باسم الشعب اللبناني. وبالفعل، لم ينتظر جزء كبير من اللبنانيين أن يُستفتوا على تغيير هوية وطنهم وموقعه من الصراع العربي الإسرائيلي. فهؤلاء، الذين كانوا يشكّلون نواة المقاومة في وجه الاحتلال الذي وصل في حزيران/يونيو 1982 إلى بيروت، رأوا أن اللحظة لا تحتمل التريث أو التراجع. نزلوا إلى الشارع وصرخوا بـ'لا' مدوية من أجل هوية الوطن وأبنائهم والأجيال المقبلة. فكان ردّ الرئيس أمين الجميل، الذي جاء إلى الحكم خلفًا لشقيقه بشير الجميل (المنتخب بدعم وضغط إسرائيلي وأميركي واغتيل بعد انتخابه بشهر تقريبًا)، أن حاول سحق الاعتراض الشعبي، فحرّك وحدات من الجيش اللبناني لتطويق جامع بئر العبد في الضاحية الجنوبية حيث كانت تخرج المظاهرات، وخلال الاشتباك سقط الشهيد محمد نجدي. لاحقًا، تصاعد الغضب الشعبي واتسعت رقعة المقاومة، خصوصًا بعد تدخل ميليشيات الكتائب واعتدائها على قوى المقاومة، ما فجّر انتفاضة 6 شباط/فبراير التي أدّت إلى إسقاط 'اتفاقية 17 أيار' وإسقاط طموحات الجميل السياسية. كانت تلك الانتفاضة بداية 'الزمن الجميل' الذي أوصل لبنان إلى يوم الخامس والعشرين من أيار/مايو 2000، ثم إلى تموز/يوليو 2006، وسلسلة من المحطات الوطنية المشرّفة. وفي ذكرى توقيع 'اتفاق الاستسلام'، لا يزال هناك من يحلم بالعودة إلى تلك المرحلة السوداء، لكنّه حلم خبيث لا مكان له في لبنان. فـ'لا مكان للعملاء'. المصدر: موقع المنار