
ميديا بارت: رجل يكسر الصمت ويفضح ملف الاغتصاب في حرب كوسوفو
"أنا رجل، أب، يحاول أن يعيش حياة طبيعية، أريد أن يراني الناس كشخص مرّ بتجارب صعبة، لا أريدهم أن ينظروا إليّ بشفقة، بل باحترام"، بهذه الكلمات بدأ رمضان نيشوري شهادته في قاعة بعاصمة كوسوفو بريشتينا متحدثا عن الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها خلال حرب كوسوفو نهاية تسعينات القرن الماضي، كما أوضح موقع ميديا بارت الفرنسي.
وتابع الموقع أن رمضان نيشوري ظهر أمام الجمهور بوجه مكشوف، وسط تصفيق حار وإلى جانبه معالجته النفسية التي دعمته لسنوات سيلفي إزيتي، محاولة "كسر الصمت، وقال: "أنا هنا ليس لأتناسى ما عشته، بل لأتحرر من أسر الماضي"، ثم روى ما حدث له حين كان في الـ21 من عمره.
وتابع أنه في سبتمبر/أيلول 1998، كانت القوات الصربية تهاجم قرى هذه المنطقة، وأُلقي القبض على رمضان نيشوري مع مئات الرجال، ونُقل إلى مركز شرطة، وفي إحدى الليالي، اقتاده شرطيان إلى المرحاض، وهناك، حيث تعرض لاعتداء جنسي، قبل أن ينقذه مترجم ألباني، فيما أمرته الشرطة الصربية بعدم إخبار أحد.
نقطة التحول
ونقل الموقع عن رمضان أنه تعرض لمعاملة سيئة خلال فترة اعتقاله، وعندما خارج حاول أن يعيش حياته الطبيعية، فتزوج وأراد نسيان ما جرى لكنه ظل لنحو 20 عاما يعيش في خوف دائم من انكشاف ما حدث له.
إعلان
لكن في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018 -يتابع ميديا بارت- شاهد رمضان الناشطة فاسفيه كراسنيتشي-غودمان على التلفزيون تتحدث عن اغتصابها في ربيع 1999 عندما كانت مراهقة، وهو ما شكّل بالنسبة له نقطة تحول كبرى، حيث انطلق في اليوم الموالي باتجاه مركز كوسوفو لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب وبدأ يتلقى دعما نفسيا، بالتزامن مع اعتراف الحكومة الكوسوفية رسميا بضحايا العنف الجنسي في الحرب وفتحت الباب أمامهم للحصول على معاشات.
ضحايا بالآلاف
هذه الخطوة حررت ألسنة كثيرين وبينهم رمضان -يذكر ميديا بارت- حيث التقى هناك برجال ناجين آخرين، وأخيرا استطاع الحديث مع زوجته وابنته.
ونقل الموقع الفرنسي عن رمضان قوله: "بعد كل تلك السنوات، شعرت أخيرا أنني أب"، وخاطب جميع من تعرّضوا للاغتصاب: "العار ليس عارنا".
وبحسب الموقع الفرنسي، فمنذ 1999 دعم مركز كوسوفو لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب نحو 700 ناج، منهم حوالي 10% رجال، فيما قدّرت هيومن رايتس ووتش عدد الضحايا بـ20 ألف، لكن لا توجد أرقام رسمية لحد الآن.
وكشف ميديا بارت أن رمضان نيشوري مُنح في 18 أبريل/نيسان، وسام شرف من رئيسة كوسوفو فيوسا عثماني ، إلى جانب فاسفيه كراسنيتشي-غودمان وشيهريتي طاهري، أول امرأة طالبت بالعدالة عن اغتصابها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
الرئيس الألباني السابق يواجه تهمتي الفساد وغسل الأموال
اتهمت السلطات في ألبانيا الرئيس السابق إلير ميتا رسميا -أمس الثلاثاء- بالفساد وغسل الأموال والتهريب الضريبي وإخفاء ممتلكات عن السلطات، حسبما ذكر محاميه. وقال المحامي كويتيم كاكراني للصحفيين إنه تم إبلاغ ميتا بالاتهامات، وذلك في تقرير مؤلف من 192 صفحة من ممثلي الادعاء المعنيين بمكافحة الفساد. ويعمل ممثلو الادعاء لدى الهيئة الخاصة ضد الفساد والجريمة المنظمة (سباك) التي تتولى قضايا تتضمن ساسة كبارا أو مسؤولين بالدولة. وكتب ميتا عبر صفحته على موقع فيسبوك"لا أكاد أطيق انتظار بدء المحاكمة التي ستكون علنية وستكشف للعالم أن (سباك) دمية في يد رئيس الوزراء إيدي راما". وتم القبض على ميتا (56 عاما) مؤسس حزب الحرية اليساري، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وآنذاك، قالت النيابة العامة إن ميتا -والذي تولى رئاسة ألبانيا بين عامي 2017 و2022، وهو منصب فخري- أُوقف بشبهات "الفساد وتبييض الأموال والتصريح الكاذب عن الأصول". وتعود الوقائع المتعلقة ببعض هذه الاتهامات إلى فترة تولي ميتا منصب وزير الاقتصاد بين عامي 2010 و2011. كما وجّهت الحكومة اتهامات مشابهة لمونيكا كريمادي (الزوجة السابقة لميتا) والتي تشغل حاليا مقعدا في البرلمان عن حزب الحرية. وبحسب النيابة العامة، فإن تحقيقات الاشتباه في تورط ميتا وزوجته السابقة بجرائم جنائية تمت بالتعاون مع عدة دول، منها الولايات المتحدة والنمسا وإيطاليا. يذكر أن ميتا معارض بارز لرئيس الوزراء الحالي إدي راما، وهو سياسي مخضرم شغل خلال مسيرته عدة مناصب رفيعة بعد سقوط النظام الشيوعي عام 1991 في ألبانيا.


الجزيرة
٢٢-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
رايتس ووتش: أميركا تحتجز المرحلين إلى كوستاريكا في ظروف قاسية
وجهت منظمة هيومن رايتس ووتش اتهامات جديدة للولايات المتحدة بترحيل 200 شخص من بينهم أطفال بشكل غير قانوني إلى كوستاريكا في فبراير/شباط الماضي، وأكدت أنهم تعرضوا لظروف احتجاز "قاسية". وقالت المنظمة -في تقرير نشرته اليوم الخميس- إنها وثقت ظروف الاحتجاز القاسية التي تعرض لها المهاجرون وطالبو اللجوء في الولايات المتحدة قبل أن يُرحلوا إلى كوستاريكا. وطالبت الحكومة الكوستاريكية بـ"رفض استقبال مزيد من المرحلين من دول أخرى من قبل الولايات المتحدة". وأفادت المنظمة بأن كوستاريكا استقبلت نحو 200 شخص رحلتهم الولايات المتحدة الأميركية، بينهم 81 طفلا تتراوح أعمارهم بين عام و17 عاما. وسجلت هيومن رايتس ووتش أن المهاجرين وطالبي اللجوء المرحلين ينحدرون من دول مثل أفغانستان وإيران وروسيا والصين بالإضافة إلى تركيا. كما أوضحت أن نحو نصف هؤلاء المرحلين عادوا إلى بلدانهم الأصلية، وأكدت أن ظروف عودتهم تثير "الشكوك بشأن مدى طوعية قرارهم، خاصة في ظل الاحتجاز والمعاملة غير الواضحة التي تلقوها في كوستاريكا". وشددت المنظمة الحقوقية العالمية على أن الأشخاص المرحلين وضعوا في "مركز احتجاز في منطقة بونتاريناس، رغم دخولهم البلاد بشكل قانوني وبموافقة الحكومة، ولم تُوجَّه لأي منهم تهم جنائية"، موضحة أن بعض العائلات "تم فصلها بشكل غير مبرر، وتم إرسال امرأة أفغانية إلى بنما، بينما بقي زوجها وشقيقها في الولايات المتحدة، وأرسل بقية أفراد العائلة بينهم رضيع عمره 14 شهرا إلى كوستاريكا". واتهم تقرير هيومن رايتس ووتش كوستاريكا بالتواطؤ مع الولايات المتحدة في عمليات الترحيل القسري، واعتبرت أن هذه الخطوة أضرت بـ"تاريخها المشرف" في حماية اللاجئين. وحثت المنظمة الحكومة الكوستاريكية على استثمار الفرصة المتاحة أمامها و"تصحيح هذا المسار"، من خلال تقديم تعويضات ملموسة لمن دخلوا أراضيها بناء على الاتفاق مع الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب.


الجزيرة
٢٠-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
"أيقونات الأفيون".. أول معرض فني يوثّق كيف حاربت الشيوعية الدين في ألبانيا بالصورة
في قلب العاصمة الألبانية تيرانا، وضمن واحدة من أبرز الفعاليات الثقافية اللافتة، افتتح معهد "كوناك" معرضا فنيا فريدا من نوعه، حمل عنوان: "أيقونات الأفيون: الرسوم المناهضة للدين في الحقبة الشيوعية". يسلط المعرض الضوء على دور الرسوم الكاريكاتيرية التي نُشرت في وسائل الإعلام الرسمية خلال الحقبة الشيوعية (1946–1991)، والتي استُخدمت كأداة لتشويه صورة الدين وتقديس الأيديولوجيا. وتواصل هذا المعرض على مدار أسبوع كامل، في أبريل/نيسان 2025، في صالة العرض المرموقة "غاليري كالّو"، وقدم رؤية بانورامية للرسوم الكاريكاتيرية التي استُخدمت في الإعلام الشيوعي بين عامي 1946 و1976، بهدف نشر دعاية مناهضة للدين في ألبانيا. وقد أثار المعرض نقاشا معمقا حول قضايا الذاكرة الجماعية، والرموز، والدين، والمجتمع، وذلك بعد أكثر من 3 عقود على سقوط النظام الشيوعي في البلاد. يأتي هذا المعرض في إطار سلسلة فعاليات ثقافية أطلقها معهد كوناك منذ تأسيسه قبل عام، وتهدف إلى إحياء التراث الإسلامي الألباني، وتسليط الضوء على التحديات التي واجهها هذا التراث، بشكل خاص، والدين عموما خلال الحقبة الشيوعية التي حكمت ألبانيا في النصف الثاني من القرن الـ20. وتسعى هذه المبادرات إلى إعادة ربط الأجيال الشابة بجذورها الثقافية والدينية، وتحفيز نقاش مجتمعي أوسع حول قضايا الهوية والذاكرة والحرية الدينية في ألبانيا ما بعد الشيوعية. "الرسوم".. وسيلة دعائية وأشرف على تنظيم هذا المعرض -الذي يُعد الأول من نوعه في ألبانيا- فريق متخصص، كان من بينهم لاوريشا باشا التي تولت دور القيّمة الفنية، بينما أعدّ الدكتور دوان داني المادة الأرشيفية والبحثية المصاحبة، وتولى الباحث إلتون خاطيبي التنسيق العام. انطلقت هذه الفعالية الثقافية الفنية من مقاربة بصرية تحليلية، حيث تم عرض مجموعة مختارة من الرسوم التوضيحية التي نُشرت في الصحافة اليومية والدورية خلال الحقبة الشيوعية في ألبانيا. وتسلّط هذه الأعمال الضوء على كيفية استخدام الرسوم المناهضة للدين كوسيلة دعائية ضمن المشروع الأيديولوجي للدولة بين عامي 1946، تاريخ إقرار العلمانية، و1976، عندما أُعلن الإلحاد عقيدة رسمية للدولة. تُظهر الرسوم المعروضة كيف تم تصوير الدين ورموزه كأقنعة ساخرة أو مشوهة من خلال الكاريكاتير والسخرية. وكان الهدف منها واضحا: التأثير في الرأي العام وخلق وعي جماعي يُعتبر الدين فيه ظاهرة سلبية مرتبطة بالجهل والعنف والطفيليّة والانتهازية. ويُسلّط المعرض الضوء على مرحلتين مهمتين من هذه الحملة، إذ ركزت المرحلة الأولى على انتقاد الممارسات والتقاليد الدينية، بينما في المرحلة الثانية أصبح الدين نفسه الهدف المباشر، وتم تصويره كعدو للتقدم والعلم والمجتمع. في المقابل، روجت الدولة لصورة "الإنسان الجديد" الذي يؤمن بالعلم والمادية والاشتراكية. ولم تقتصر هذه الرسوم على النخب أو المدن الكبرى فحسب، بل تم توزيعها على نطاق واسع في المجلات والمراكز الثقافية الريفية، مثل مجلة "هوستيني" الساخرة، ومجلة "فاطرا كولتورا"، كما وجدت طريقها إلى مجلات الأطفال والشباب مثل "زيري رينيس"، و"بيونييري"، و"فاطوسي"، لتشكيل وعي أجيال كاملة نشأت تحت سيطرة النظام الشيوعي. ويتميز هذا المعرض بأنه لا يعرض فقط الجانب الدعائي المناهض للدين، بل يكشف أيضا كيف قدّم النظام الشيوعي نفسه بوصفه بديلا دينيا، من خلال الترويج لقيم مثل التقدّم والتحرر والخلاص، وجعلها بمنزلة "مقدسات جديدة" في وعي الناس. ويقدم معرض "أيقونات الأفيون" فرصة نادرة لفهم جزء عميق من تاريخ ألبانيا الثقافي والسياسي، من خلال صورة كانت في وقت ما سلاحا قويا في معركة الأيديولوجيا. تحولات ثقافية ودينية معاصرة حضرت الجزيرة نت حفل افتتاح المعرض وأجرت حوارات على هامشه مع مسؤولين في معهد كوناك حول توقيت المعرض والرسالة التي يسعى المعهد إلى توصيلها للمجتمع الحالي. وشرح القائمون على المعرض كيف أن هذا الحدث يأتي في وقت بالغ الأهمية، إذ يشهد المجتمع الألباني تحولات ثقافية ودينية معاصرة. ويهدف المعرض إلى تسليط الضوء مجددا على مرحلة مظلمة من التاريخ الألباني، والمساهمة في نشر الوعي حول تأثير الأيديولوجيا الشيوعية على الدين والمجتمع. دعوة للتفكير النقدي وفي تصريحات خاصة للجزيرة نت، قال الدكتور بِسْنِيك سيناني، أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعات الألمانية ورئيس معهد كوناك، إن "هذا المعرض يركّز على الرسوم الكاريكاتيرية التي نُشرت في وسائل الإعلام الشيوعية، في سياق السرد الأيديولوجي المناهض للدين. فقد استُخدمت هذه الرسوم كوسيلة فعّالة لإثارة وتبرير الدعاية ضد الدين، وصولا إلى تجريمه رسميا خلال الحقبة الشيوعية في ألبانيا". وأشار سيناني إلى أن هذا المعرض، الذي ينظمه معهد كوناك، "يهدف إلى أن يكون منصة بحثية وثقافية تُعنى بدراسة التاريخ والتراث الديني للمسلمين الألبان، ويسهم في إعادة قراءة هذا التراث من منظور جديد". ثم استطرد موضحا: "هدفنا ليس مجرد استعراض ماضٍ مضطرب من تاريخ ألبانيا الشيوعية، بل نطمح لأن يشكّل هذا المعرض دعوة للتفكير النقدي، وتحفيزا للتساؤل حول الطريقة التي لا تزال بها المفاهيم والصور التي صاغها النظام ضد الدين تُورّث حتى يومنا هذا". واختتم سيناني حديثه قائلا: "قبل عام من الآن، افتتحنا في هذه القاعة أول معرض للتراث الإسلامي في ألبانيا، عُرضت فيه مخطوطات وأعمال خطّية، إلى جانب مقتنيات تعبّدية نجت من محنة القمع الشيوعي. أما اليوم، فنحن نكمل هذه السردية بمعرض يوثّق ما أدى إلى تدمير ذلك التراث، محاولين مدّ جسور التواصل مع الجيل الحالي، وكذلك مع أولئك الذين عاشوا تلك الحقبة، لرفع مستوى الوعي حول آثار الاستبداد والتوتاليتارية على المجتمع الألباني". كسب العقول قبل تحطيم الحجارة يتابع الباحث سمير إسماعيلي، مدير قسم التراث في معهد كوناك، حديثه عن حقبة الشيوعية في ألبانيا، إذ أشار -في تصريحاته الخاصة للجزيرة نت- إلى أن "النظام الشيوعي في ألبانيا، منذ عام 1946، أعلن الدولة علمانية بشكل قاطع، وبدأ في شن حملة شاملة ضد الدين، استهدفت جميع الأديان دون استثناء. وقد تجسدت هذه الحملة فيما بعد بإعلان الدولة ملحدة رسميا، لتصبح ألبانيا أول دولة في العالم تتبنى هذا الإعلان في دستورها". وفي معرض حديثه عن الأدوات التي استخدمها النظام الشيوعي في حربه ضد الدين، يضيف إسماعيلي أن "من أبرز هذه الأدوات كانت الرسوم الكاريكاتيرية التي سخرت من الرموز الدينية ورجال الدين، بهدف ترسيخ صورة سلبية عن الدين في وعي الأجيال الجديدة. هذه الرسوم، كما سترون في المعرض، لم تكن مجرد أعمال فنية، بل كانت مثل سلاح نفسي وإعلامي مدروس هدفه صناعة عقل جماعي معادٍ للدين ويرتبط بالقيم المادية والعلمية الحديثة". ثم يختتم حديثه مستعرضا إستراتيجية الشيوعيين في هدم المساجد والكنائس، قائلا إن "الهجوم على المساجد والكنائس لم يبدأ بالهدم المباشر، بل انطلق أولا من خلال حملة منظمة للترويج لأفكار تمهّد لشرعنة ذلك الهدم. فقد كان الشيوعيون يدركون أن كسب العقول أسهل من تحطيم الحجارة. ولهذا، تم استهداف الرموز أولا في الإعلام والفن، قبل أن يتم تجريم الأديان وهدم المساجد والكنائس". "وثيقة بصرية" تفضح تقديس السياسة وتجريم الدين حول أهمية هذا الحدث الثقافي، قال الباحث إلتون خاطيبي، المنسق العام للمعرض، في تصريحات خاصة لــ(الجزيرة نت): "تكمن أهمية المعرض في كونه شهادة تاريخية حية تُعرض اليوم أمام الجمهور، لتوثيق لحظة مفصلية بدأت بإقرار النظام الشيوعي، وتبنّي الدولة الألبانية هوية دستورية ملحدة". وشدد خاطيبي، وهو مؤرخ ألباني وعضو في معهد كوناك الثقافي، على أن هذه الرسوم الكاريكاتيرية التي نُشرت في وسائل الإعلام الشيوعية، "ليست مجرد فن ساخر، بل أدوات دعائية ممنهجة وظّفتها السلطة الشيوعية لترسيخ أيديولوجية إقصائية، تهدف إلى تغذية أجيال من الشعب بأفكار عدائية تجاه الدين". وفي سياق تعليقه على تأثير هذه الظاهرة، أشار الدكتور خاطيبي إلى أن دراساته السابقة ركزت على ظاهرة الحرب على الدين في ظل النظام الشيوعي، وعلى ما يسميه "تقديس السياسة"، أي رفع الأيديولوجيا الشيوعية إلى مرتبة مقدسة، ومناهضة الأديان والمعتقدات كافة، لا سيما الإسلام. وتابع قائلا: "لقد حان الوقت الآن، بعد أكثر من 3 عقود من سقوط النظام الشيوعي، لننظر إلى هذه الحقبة برؤية موضوعية ووعي نقدي. معظم الشخصيات التي صنعت تلك الرسوم، أو ساهمت في إنتاجها، قد رحلت عن عالمنا، لكن إرثهم البصري ما زال قائما، ويمكن من خلاله تفكيك الرواية الشيوعية الرسمية، والتأمل في تأثيراتها العميقة على المجتمع الألباني". ولفت خاطيبي إلى أن اختيار التوقيت الحالي لإقامة هذا المعرض لم يكن عشوائيا، بل كان "نتيجة توافر المواد الأرشيفية، من مجلات وصحف وأعمال فنية تعكس بشكل دقيق الأبعاد المختلفة للحرب الثقافية التي خاضها النظام ضد الدين". وأضاف قائلا: "تتيح هذه المواد فرصة لفهم أعمق لتأثير تلك الفترة على الأجيال الجديدة، وكيف تم استغلال الإعلام كأداة لتغيير مفاهيم الدين والمقدس في الوعي الجمعي". وختم خاطيبي حديثه بالتأكيد أن "الرسومات التي عُرضت في المعرض لا تزال تُلهم بعض الخطابات المعاصرة، سواء من حيث الشكل البصري أو من حيث النزعة التهكمية على الرموز الدينية. مما يجعل هذا المعرض منصة حوار بين الماضي والحاضر، وفرصة لإعادة تقييم العلاقة بين الدين والمجتمع والدولة في ألبانيا اليوم". الشيوعية في ألبانيا.. محاربة الأديان عبر التعليم والثقافة والفنون يذكر بأن الحقبة الشيوعية في ألبانيا (1944-1991) كانت قد شكّلت مرحلة فارقة في تاريخ البلاد، إذ خاض النظام بقيادة أنور خوجة حربا ممنهجة على الأديان، مُسخّرا مؤسسات التعليم والثقافة والفنون والأدب لترسيخ الفكر الإلحادي وبناء مجتمع خالٍ من المعتقدات الدينية. ففي التعليم، فُرضت المناهج الأيديولوجية منذ السنوات الأولى، وأُطلقت حملة شاملة لمحو الأمية، لكن الهدف لم يكن تنمويا فحسب، بل لإخضاع العقول لخطاب الحزب الواحد. أُسست آلاف المدارس والجامعات، أبرزها جامعة تيرانا (1957)، وكانت كلها منصات لتلقين العقيدة الشيوعية ومهاجمة الأديان، التي صُوّرت كأداة للرجعية والتخلف. بينما في ميدان الثقافة، لعبت مؤسسات، مثل أكاديمية العلوم ودار نشر نعيم فراشري واتحاد الكتّاب واتحاد الفنانين، دورا بارزا في صياغة خطاب ثقافي موجه، خالٍ من أي مرجع ديني. كما مُنعت الأعمال التي تحمل إشارات إيمانية أو روحانية، وأُجبر المثقفون على الالتزام بالواقعية الاشتراكية منهجا إبداعيا. أما في الفنون، فقد أُنشئت المسارح ودور الأوبرا والسينما لترويج بطولات الحزب وتمجيد "الرفيق أنور"، بينما غُيّبت المواضيع الدينية كليا، واعتُبرت الصلاة والممارسات التعبدية بقايا من الماضي يجب اجتثاثها. لقد كانت تلك المؤسسات أدوات دعائية بيد السلطة، استخدمت العلم والفكر والفن والأدب لمحاربة الدين، وتأسيس مجتمع مؤمن بالماركسية اللينينية، في تجربة هي من الأشد تطرفا في التاريخ الحديث. معرض "أيقونات الأفيون" يقدم لنا نافذة فنية على فترة عصيبة في تاريخ ألبانيا، استخدم فيها الفن سلاحا ضد الدين. هذه الفعالية تُعتبر أكثر من مجرد عرض فني، فهي دعوة للتفكير في تأثيرات الماضي على الحاضر، وضرورة الحفاظ على الذاكرة الثقافية والدينية للأمة الألبانية، خاصة في ضوء تأثيرات النظام الشيوعي على المجتمع.