logo
ميدان الثقافة.. فضاء يستحضر ذاكرة جدة

ميدان الثقافة.. فضاء يستحضر ذاكرة جدة

الرياضمنذ 5 ساعات

في أحد أركان جدة التاريخية، تلك المدينة التي لطالما شكّلت ممرًا للحجاج ومرآة للحضارات، ينبثق "ميدان الثقافة" بوصفه مساحةً معاصرة تُعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان وتاريخه، وبين الفن والمدينة. هنا، لا تُعرض الثقافة كأرشيف ساكن، بل كنبض يومي حيّ، تتداخل فيه الحواس مع الحكايات، وتتقاطع فيه التقنية مع الموروث.
"ميدان الثقافة" ليس مجرد مرفق ثقافي، بل هو وجهة تنسج خيوط الماضي والحاضر في تجربة متناسقة، يتفاعل فيها الزائر مع الفن والتقنية والطبيعة ضمن إطار مستوحى من روح المكان وتاريخه. وقد صُمم الميدان ليكون مساحة مفتوحة تحتفي بالثقافة السعودية في تنوعها، وتعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمدينة والتراث.
ينطلق الزائر إلى قلب الميدان، ليجد نفسه في تجربة رقمية غير مسبوقة داخل متحف "تيم لاب بلا حدود"، المشروع الفني العالمي الذي يدمج بين الإبداع البصري والتفاعل الحسي، حيث تتغير الأعمال المعروضة وفق حركة الزوار وتفاعلهم. هنا، تمتزج عناصر الضوء والصوت والطبيعة في مشهد واحد، يقدم الفن بوصفه تجربة غامرة تعيد تخيّل العلاقة مع البيئة من حولنا.
ومن فضاء الضوء الرقمي، ينتقل الزائر إلى بعد آخر من التجربة الثقافية عبر "مركز الفنون المسرحية"، الذي يضم المسرح الرئيس لمهرجان البحر الأحمر السينمائي. ويحتوي المركز على قاعات سينمائية ومنصات للحوارات الثقافية والفكرية، ما يجعله مركزًا حيويًا يحتضن الفنون الأدائية، ويستضيف أبرز الإنتاجات المسرحية والسينمائية واللقاءات الثقافية النوعية، في بيئة تفاعلية تتجاوز العرض إلى الحوار والتجربة المشتركة.
ولا يكتمل المشهد دون التوقّف عند "بيت أمير البحر"، المعلم التاريخي الذي يعيد للواجهة إرث البحر الأحمر، وذاكرة مدينة جدة البحرية. البيت، الذي تم ترميمه بعناية، يقدّم حكاية عمرها قرون عن ارتباط المدينة بالبحر، وعن الرجال الذين صنعوا تاريخها من على ظهر السفن والموانئ والأسواق الساحلية. إنه استعادة للزمن بطريقة سردية حسية، تعكس التداخل بين العمارة والحكاية والتراث.
يقع "ميدان الثقافة" في قلب جدة التاريخية، المدينة التي لطالما شكّلت نقطة التقاء للحجاج والتجّار والمثقفين منذ قرون، ليتحوّل اليوم إلى أحد أبرز معالم التحول الثقافي الذي تشهده المملكة. ومن خلال هذا المشروع، لا يُعاد فقط ترميم المكان، بل يُعاد بث الحياة في ذاكرة المدينة، وتحويلها إلى مسرحٍ حيّ للتجربة الإنسانية المتجددة، حيث تلتقي العراقة بالإبداع، وتنسج الحكاية المحلية خيوطها مع المستقبل.
إن ما يقدّمه "ميدان الثقافة" يتجاوز مجرد كونه مرفقًا ثقافيًا أو مشروعًا عمرانيًا؛ فهو إعلان حيّ عن تحول الثقافة في المملكة من عنصر محفوظ في الكتب والمتاحف، إلى فضاء يُعايشه الزائر في كل خطوة، ويراه في تفاصيل الضوء والصوت والحجر والتفاعل. إنه تأكيد على أن الثقافة ليست ترفًا، بل ضرورة، وأنها قادرة على أن تكون رافدًا اقتصاديًا، ومحركًا اجتماعيًا، ووسيلة لتعميق الانتماء، وبناء الجسور مع العالم.
ومن خلال هذا النموذج الفريد، تُجسّد وزارة الثقافة رؤيتها الطموحة في تحويل التراث إلى منصات إبداعية، وتفعيل المناطق التاريخية بوصفها مواقع إنتاج للمعرفة والفن، لا كمجرد رموز للذاكرة. وفي "ميدان الثقافة"، تظهر جدة التاريخية كأنها تعود للحياة من جديد، لكن ليس كما كانت، بل كما تتطلّع أن تكون، مدينة تحتفي بجذورها، وتبني فوقها مستقبلًا يُكتب بلغة الضوء، ويُقرأ في ظلال الرواشين، ويُحتفى به في مسارح ومتاحف تفتح أبوابها للعالم.
وهكذا، لا يغادر الزائر "ميدان الثقافة" كما دخل إليه، بل يخرج محمّلاً بتجربة وجدانية وبصرية وفكرية، تجعله يعيد التفكير في معنى الثقافة، وحدودها، وأدوارها، وتحوّلاتها. ففي جدة، وتحديدًا في هذا الميدان، تعود الثقافة إلى الحياة، لا كذكرى، بل كقوة فعل، ومصدر إلهام، ودعوة للتجدد.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ما سبب المطالبات بسحب الجنسية المصرية من هند صبري؟
ما سبب المطالبات بسحب الجنسية المصرية من هند صبري؟

عكاظ

timeمنذ 3 ساعات

  • عكاظ

ما سبب المطالبات بسحب الجنسية المصرية من هند صبري؟

حالة من الجدل وموجة انتقادات أثيرت حول الفنانة التونسية هند صبري خلال الأيام القليلة الماضية، بعدما تداول البعض منشورات لها تدعم من خلالها قافلة الصمود المتجهة من تونس إلى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية، ما اعتبره البعض تجاوزاً للموقف الرسمي المصري وأصبح الأمر حديث «السوشال ميديا». واشتعلت الأزمة عندما تم تداول منشور لهند صبري عبر حسابها الشخصي بمنصة «إنستغرام» تؤيد فيه قافلة كسر الحصار المتجهة من تونس إلى غزة تحت عنوان قافلة الصمود، تلك المبادرة التي لاقت تفاعلاً واسعاً في العالم العربي وانقسمت الآراء فيها بين مؤيد ومعارض للفكرة. وإثر انتشار تصريحات هند صبري حول تأييدها قافلة الصمود، هاجمها عدد كبير من الجمهور المصري، إذ اعتبر البعض تصريحاتها تجاوزاً واضحاً للموقف الرسمي المصري، ووصل الأمر إلى مطالبات بسحب الجنسية المصرية منها، وشطبها من نقابة المهن التمثيلية في مصر. وفي منشور مثير للجدل على منصة «فيسبوك»، انتقد الدكتور أشرف صبري والد الفنانة ياسمين صبري، تصرفات هند صبري، وكتب: «تخيلوا أن الممثلة التونسية التي اشتُهرت في مصر تدعم القافلة ضد رأي الشعب المصري وحكومته، هؤلاء هم الأشخاص الذين نرفعهم، بينما يحقرون آراء المصريين». وطالب أشرف صبري، بسحب الجنسية المصرية منها وترحيلها من مصر، موضحاً في منشوره: «أطالب بترحيلها وفصلها من نقابة الممثلين»، كما اعتبر دعمها للقافلة «جحوداً واضحاً» تجاه الدولة المصرية التي احتضنتها فنياً ومنحتها الفرصة للظهور، لافتاً إلى أن ما قامت به يعد إخلالاً بالاحترام الواجب للدولة التي تعيش وتعمل فيها. في المقابل، دافع آخرون عن الفنانة هند صبري، مشيرين إلى أن دعمها يعد تحركاً إنسانياً وليس سياسياً، وكان من بين المدافعين عنها المخرج يسري نصرالله، وكتب عبر حسابه الشخصي على «فيسبوك»: «هند صبري حبها لمصر وللمصريين صعب جداً أي حد يشكك فيه، جوّ إرهاب كل من يختلف معك، هو أكبر إساءة ممكن توجهها لمصر وللمصريين». ووصف الناقد المصري طارق الشناوي الحملة على الفنانة بقصة وهمية، مضيفاً أنها محاولة لاغتيالها معنوياً، معلقاً عبر منصة «فيسبوك»: «واثق أن كل الأوراق سيتم فضحها». ومن جانبها، لم تُصدر هند صبري حتى الآن أي رد مباشر على الهجوم ومطالبات ترحيلها من مصر التي أصبحت حديث «السوشال ميديا». أخبار ذات صلة

ميلا الزهراني هل تراهن على الاستمرارية أم يخدعها توهج المرحلة؟
ميلا الزهراني هل تراهن على الاستمرارية أم يخدعها توهج المرحلة؟

عكاظ

timeمنذ 3 ساعات

  • عكاظ

ميلا الزهراني هل تراهن على الاستمرارية أم يخدعها توهج المرحلة؟

منذ بروزها في المشهد الفني قبل نحو سبع سنوات، تواصل ميلا الزهراني، شقّ طريقها مُمَثِّلةً تحفر مكانها بهدوء، بعيداً عن المبالغات الإعلامية أو الاندفاع نحو الأضواء. ما يميزها برأيي ليس فقط عدد الأعمال التي شاركت بها، بل الأسلوب الذي تؤدي به أدوارها: حضور فني ينتمي إلى ما يمكن وصفه بـ«السهل الممتنع»، إذ تبدو الشخصيات التي تؤديها قريبة، صادقة، غير مفتعلة، لكنها في العمق تحمل طبقات من التعبير والانفعال تلامس جوهر الموقف الدرامي دون أن تصرخ فيه. هذا الأسلوب، جعلها تحظى بثقة عدد من أبرز المخرجين السعوديين، وفي مقدمتهم هيفاء المنصور التي منحتها بطولة فيلم «المرشحة المثالية»، وهو أول فيلم سعودي يُنافس في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا 2019م. تجربة كهذه لم تكن مجرد محطة دولية لميلا، بل فتحت أمامها أفقاً احترافيّاً عزّز من وعيها السينمائي، وجعل النقاد يلتفتون إلى إمكانات ممثلة لا تزال في طور التكوين رغم السنوات الماضية، لكنها تعرف كيف توظّف تلقائيتها في خدمة الدور وتتقدم بشكل محسوب. في فيلم «هوبال» مثلاً، وضمن تركيبة بطولة جماعية، أثبتت ميلا، أن وجودها لا يحتاج إلى مركزية الشاشة لتُرى، بل يكفي أن تدخل المشهد حتى تستقر في الذاكرة. هذا النوع من الحضور الناضج فنّاً يشي بموهبة لديها أكثر، ولم تقل كلمتها بعد، لكنها تقولها كل مرة بطريقتها الخاصة: دون صخب، ودون اصطناع. رغم توهجها النسبي في الفترة الأخيرة، تظل ميلا ممثلةً في طور التشكُّل، ويبدو أن ما حققته حتى الآن ليس سوى بدايات ناضجة. ولعل الرهان الأكبر عليها لا يكمن في ما قدمته، بل فيما يمكن أن تقدمه إذا ما حافظت على وتيرة استمرارية مدروسة، وإذا ما واصلت صقل نجاحاتها عبر الاحتكاك بخبرات عالمية، واختارت أدوارها بعناية لا تقلّ عن صدق أدائها. في هذه الحالة فقط، لن تكون ميلا مجرد وجه مألوف في المشهد السعودي، بل قد تصبح واحداً من ملامحه الرئيسية نحو سينما سعودية أكثر نضجاً وامتداداً. أخبار ذات صلة

لإطلالة أنيقة ومتوازنة.. إليكِ 4 نصائح لتنسيق الجاكيت القصير
لإطلالة أنيقة ومتوازنة.. إليكِ 4 نصائح لتنسيق الجاكيت القصير

عكاظ

timeمنذ 3 ساعات

  • عكاظ

لإطلالة أنيقة ومتوازنة.. إليكِ 4 نصائح لتنسيق الجاكيت القصير

يُعد الجاكيت القصير من القطع الأساسية في خزانة المرأة العصرية، لما يتمتع به من مرونة عالية في التنسيق، وقدرته على إضفاء لمسة أنيقة وعملية على الإطلالة. ولتحقيق مظهر متناسق وجذاب، إليكِ أربع نصائح لتنسيق الجاكيت القصير بأسلوب متقن: لإبراز جمال القوام وتحقيق توازن بصري، يُنصح باعتماد سراويل أو تنانير بخصر عالٍ عند ارتداء الجاكيت القصير. هذا التنسيق يمنح الإطلالة مظهراً أنثوياً ومفعماً بالأناقة، كما يُساعد في إطالة الساقين وإبراز الخصر بطريقة ناعمة. يمكن تنسيق الجاكيت القصير فوق فستان خفيف أو قميص طويل للحصول على مظهر متعدد الطبقات يمنح الإطلالة بعداً بصرياً جذاباً. يُفضّل اختيار طبقات بألوان متقاربة أو خامات متناسقة لإبقاء المظهر متماسكاً وأنيقاً. يُفضّل اختيار خامات خفيفة مثل الكتان أو القطن في المواسم الحارة، بينما تناسب الأقمشة الأكثر سماكة مثل الجلد أو الصوف الإطلالات الشتوية. تناغم الخامة مع الموسم يعكس ذوقاً راقياً وحرصاً على التفاصيل العملية. يمكن تنسيق الجاكيت القصير ضمن إطلالة تعتمد التدرج اللوني الهادئ، أو بأسلوب التباين من خلال إدخال لون مختلف يعطي لمسة حيوية وعصرية. المهم الحفاظ على التوازن العام في الألوان دون مبالغة. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store