
حاكم الشارقة يوجه بتخصيص 2.5 مليون لتزويد مكتبات الإمارة بأحدث إصدارات "مهرجان الشارقة القرائي للطفل 2025"
الشسارقة - الوكالات
وجّه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتخصيص 2.5 مليون درهم لتزويد مكتبات الشارقة العامة والحكومية بأحدث إصدارات دور النشر العربية والأجنبية المشاركة في الدورة الـ 16 من مهرجان الشارقة القرائي للطفل.
وتأتي هذه المبادرة استمراراً لنهج سموه في تعزيز دور المكتبات بوصفها مراكز حيوية لصناعة المعرفة وتنمية المهارات، وإيماناً بأهمية دعم قطاع النشر وتمكين الناشرين، وتوسيع آفاق الأجيال الجديدة عبر إتاحة أوسع الخيارات من مصادر التعلم والقراءة الحديثة، بما يسهم في ترسيخ ثقافة البحث والمعرفة، ويدعم جهود بناء مجتمع قارئ، كما تعكس المنحة حرص الشارقة على تحويل المكتبات إلى منصات مفتوحة للمعرفة والتفاعل الثقافي، وتؤكد أن الاستثمار في الكتاب هو استثمار في الإنسان والمستقبل.
وفي تعليقها على المنحة، قالت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب // تشكل مبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتخصيص 2.5 مليون درهم لدعم مكتبات الإمارة، استثماراً في تنمية الإنسان وتعزيز المعرفة، كما أنه يمثل أكثر من دعم لمكتبات الشارقة، إذ هو محفز لقطاع النشر في العالم وخاصة في الوطن العربي، يساهم في ترسيخ عمل هذا القطاع الحيوي ودعم استمراريته //.
وأضافت // وتمثل منحة سموه كذلك دعماً للقراء، وفرصة للأجيال الجديدة كي تكتشف وتسأل وتبتكر، وما تمكين الناشرين إلا امتداد لهذه الرؤية؛ فهم من يحركون عجلة الفكر ويجددون المحتوى الذي يصل إلى المجتمع، واليوم، بفضل رؤية سموه، تواصل الشارقة تحويل المكتبات إلى منصات للعلم والحوار والإبداع، وتؤكد أن الطريق إلى التقدم يبدأ بصفحات كتاب، وبفكرة تزرع في ذهن طفل أو شاب يبحث عن مستقبله //.
وتأتي منحة صاحب السمو حاكم الشارقة لتواصل إثراء مكتبات الشارقة العامة والحكومية بمحتوى متنوع يغطي مختلف العلوم والآداب، وبمؤلفات صادرة بمختلف لغات العالم؛ حيث تضيف سنوياً آلاف العناوين الجديدة إلى رصيد المكتبات، مما يعزز من مكانة الشارقة كمدينة داعمة للمعرفة، ومؤثرة في تنشيط حركة البحث العلمي والتأليف والإنتاج الثقافي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 18 ساعات
- جريدة الرؤية
في داخلي مقعد شاغر لا يُملأ
سلطان بن محمد القاسمي في داخل كل إنسان، مهما بدا مكتملًا، هناك مقعد شاغر لا يُملأ؛ ذلك المقعد ليس محجوزًا لحبيب راحل، ولا لصديقٍ غائب؛ بل لنسخة لم تُولد بعد. نسخة لم يلتقِ بها صاحبها، ولم يمنحها فرصة أن تتنفس بصدق، أو تحيا كما خُلقت أن تكون. إنها النسخة التي لم تُنجز، ولم تفشل، ولم تُحب، ولم تكره. لم تُكسر، ولم تنتصر. كانت دائمًا هناك، في الزاوية الهادئة من الروح، تراقب من بعيد، تكتفي بالصمت، وتنتظر أن يُصغي إليها أحد. ليست نسخة مثالية، ولا خارقة، ولا مصنوعة من نور؛ بل هي ببساطة الإنسان كما يستحق أن يكون، لو أنه لم ينشغل طويلًا بما يجب، ولو أنه لم يُساوم على ما يحب، ولو أنه لم يُطِل البقاء في الأماكن التي لا تُشبهه. فكم من البشر أمضوا حياتهم وهم يملؤون مقاعد الخارج، متناسين المقعد الأهم، ذاك الذي ينتظرهم في دواخلهم، وكم من الأرواح انشغلت بالبحث عن هوية خارجية، ونسيت أن جلّ ما تفتقده… يقبع في الداخل، بانتظار لحظة وعي نادرة. "الذي يبحث عن ذاته في عيون الآخرين، لن يجدها أبدًا"، كما كتب المفكر الإيطالي نيكولو ماكيافيلي؛ فالهوية الحقيقية لا تُبنى من الخارج، ولا تُمنح كوسام؛ بل تُستخرج من باطن الإنسان، حين يختار أن يُنصت لصوته الداخلي دون رتوش أو مجاملات. ذلك المقعد لا يُفرَغ لأن أحدهم رحل؛ بل لأن الإنسان لم يقترب من ذاته بعد. لم يسأل: "من أنا حين لا أُمثّل أحدًا؟ من أنا إذا نزعتُ عني كل ما اعتدتُه، وتجرّدت من الأدوار، والتوقعات، والامتثال الدائم؟". في تلك الزاوية الهادئة من النفس، حيث لا صوت إلا صوت الصدق، تجلس النسخة الصبورة من كل إنسان، تلك التي لم تطرق بابًا، ولم تُطالب، فقط انتظرت أن تأتيها يدٌ صادقة تقول: "آن أوانك." ويا للغرابة، فبينما ينشغل الناس بالمظهر، والمكانة، والقبول الاجتماعي، تظل النسخة الأصدق فيهم حبيسة التأجيل. حبيسة الخوف. حبيسة تلك العبارات التي تُقال مرارًا: "ليس الآن"، "حين أرتاح"، "حين أفهم نفسي أكثر"… وهي لا تدري أن الفهم لا يسبق اللقاء؛ بل يبدأ منه. وقد لا يأتي هذا الوعي دفعة واحدة، لكنه ينمو في اللحظة التي يتوقف فيها الإنسان عن الجري، ويتأمل. وقد لا يُولد من فراغ؛ بل من مراجعة صادقة، من جرأة في الاعتراف بأن ما كُنا عليه قد لا يكون ما نحن مدعوون أن نكونه. تمامًا كما حدث مع الإمام الشافعي، رحمه الله، الذي لم يكن مجرد فقيه مجتهد؛ بل كان إنسانًا يدرك أن للروح مراحل، وللفكر طبقات، وأن ما يراه المرء اليوم يقينًا قد يراه غدًا اجتهادًا قاصرًا، حين انتقل من العراق إلى مصر، تغيّر السياق، وتغيّر الناس، فتغيّر هو أيضًا. لا لأنه تقلّب؛ بل لأنه جلس إلى نفسه، وأعاد الإنصات إلى النسخة الأعمق منه. كتب يقول: "قلبتُ رأيي في المسائل ليلًا… فأصبح رأيي غير ما كنت أقول." لم يكن ذلك تراجعًا؛ بل نضجًا. ولم يكن تحوّلًا خارجيًا؛ بل ولادة داخلية. الشافعي في مصر لم يكن نُسخة أضعف من الشافعي في العراق؛ بل نسخة التقت بذاتها بعد سفر طويل. جلس على المقعد الذي طالما أرجأ الجلوس فيه، فتجلّت له رؤى لم يكن ليبصرها وهو يركض بين المسائل والردود والمناظرات. وهكذا كلّ منّا، لا يكتمل بصوتٍ عالٍ أو بانتصارٍ علني؛ بل حين يجلس مع ذاته في صمت، ويقول لها بهدوء: "ماذا بقي منّي لم أعرفه بعد؟" إن ذلك المقعد في الداخل ليس نهاية؛ بل بوابة. لا يُراد منه الاعتزال عن الحياة؛ بل العودة إليها بنسخة أصلية. نسخة لا تسعى للإعجاب، ولا تركض خلف رضا الآخرين؛ بل تنمو بهدوء، وتُثمر برفق، وتعيش في انسجام نادر بين ما تعتقده وما تفعله. ولأن المعرفة الحقيقية تبدأ من الداخل، فإن أصعب المصالحات هي تلك التي تتم بين الإنسان ونفسه. حين يعترف لنفسه: "نعم، خذلتك كثيرًا، أجلتُك كثيرًا، استبدلتك مرارًا، لكنني اليوم… أعود إليك." وليس في الأمر رومانسية مفرطة؛ بل نضج هادئ. فأن يعيش الإنسان صادقًا مع نفسه، هو أقرب ما يكون إلى النجاة. أن يجلس على المقعد الذي خُلِق له، دون أن ينتظر إذنًا، أو تصفيقًا، أو موافقة من أحد… هو القرار الذي يحرره من كل ما كبّله يومًا. وقد قال الله تعالى: ﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾؛ فربّما البصيرة لا تُكتسب من كثرة التجارب؛ بل من لحظة صدق واحدة، يجلس فيها الإنسان إلى ذاته كما لو أنه يراها لأول مرة، ويُسلّم لها زمام الرحلة، لا خوفًا؛ بل احترامًا. وفي نهاية المطاف، لن يُجيد العبور سوى من عرف وجهته، ولا طريق أصدق من ذاك الذي يبدأ من الداخل… إلى الداخل.


جريدة الرؤية
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
سطرٌ أخير لم يُكتب
سلطان بن محمد القاسمي بين كل بداية ونهاية، هناك حكاية تروى، وأخرى تُكتم، ولكن ما لا يُقال في العلن غالبًا ما يكون هو الأصدق؛ فنحن نعيش، نُحب، نتألم، ونمضي، ولكن قلّما نمنح أنفسنا فرصة للانفصال الواعي عن شيء قد انتهى في دواخلنا، وذاك القرار لا يُختصر في كلمة وداع، ولا في علامة نقطة؛ بل في لحظة وعي تختار فيها أن تغلق صفحة لا لأنها انتهت، بل لأنك اخترت أن تواصل. وقد قيل في الأثر: "ما كان لك سيأتيك ولو بين جبلين، وما لم يكن لك لن تناله ولو كان بين شفتيك"، ولذلك ربما علينا أن ندرك أن التعلق بما فات هو إنكار لحكمة القدر. إننا نُجيد البدء، ونعرف كيف نُقرّب الأرواح، ونلتصق بالذكريات، ونُراكم اللحظات، ولكن حين تحين لحظة التوقف، نرتبك، ونصمت، ونؤجل، ونختفي. وغالبًا ما نساوي بين الإنهاء والخسارة، وبين الحسم والخذلان. ولا أحد يحب أن يكون هو من ينهي شيئًا، حتى لو كان ذلك الشيء يؤذيه، ولذلك تُترك تفاصيل كثيرة في حياتنا عالقة، وكأنها تنتظر معجزة لتُحسم. لكن الحقيقة التي لا مهرب منها هي أن ترك الأمور مفتوحة على مصراعيها، هو ما يجعلنا ندور في حلقات متكررة، في علاقات مهددة، وفي مشاريع مترددة، وفي قرارات مؤجلة، وفي ذكريات تتكرر بلا توقف. فنحن نظن أن تأجيل المواجهة يمنحنا راحة، لكنه في الواقع يمدّ الألم بخيطٍ أطول. الله عز وجل يقول: ﴿ وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم ﴾، ولذلك ربما ما نُصِرّ على استمراره هو ذاته ما يُعيق أرواحنا عن النضج والتحرر. وإن الأهم من لحظة الإنهاء ذاتها، هو أن نعرف متى نتخذها، وكيف، ولمصلحة من. فليس كل توقف نهاية، بقدر ما هو بداية أخرى. ومن يجرؤ على الاعتراف بأن ما لديه قد اكتمل، يمتلك الشجاعة ليبدأ من جديد، ومن يُغلق بابًا، يكون قد رأى ما يكفي ليختار غيره. وفي هذا العالم المزدحم بالأحاديث المكسورة، وبالمواقف المعلقة، وبالعلاقات التي تتنفس على أجهزة الانتظار، يصبح القرار الحاسم نوعًا من التحرر. فأن تقول ما يجب أن يُقال، دون خوف أو خجل أو تردد، وأن تعترف أنك تعبت، وأنك لا تستطيع الاستمرار بنفس الطريقة، وأن تمنح نفسك الحق في اختيار مسار لا يشبه ما اعتدته، فذلك ليس ضعفًا؛ بل وعي. وقد ورد في الحديث الشريف: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، ولذلك فالبقاء في منطقة رمادية لا يُنبت فيك يقينًا، بل يهدر وقتك وحياتك. وقد يبدو ذلك قاسيًا، خصوصًا إن جاء بعد سنوات من المراهنة، أو بعد خسارة ثقيلة، ولكنه غالبًا ما يكون ضروريًا لبقائنا في وضع نفسي متوازن. فالنفس البشرية لا تطيق الاستنزاف المستمر، وإن لم نحسم ما يؤذينا، تحولنا إلى نسخ شاحبة من ذواتنا. بل الأعجب من ذلك، أننا أحيانًا نُبقي قرار الخروج معلقًا بيد غيرنا، فننتظرهم ليأذنوا، أو ليعتذروا، أو ليفسحوا لنا الطريق. وهكذا نُسقط إرادتنا في أيديهم، فنظل محبوسين في انتظار شيء لن يحدث، أو لن يحدث كما نرجو. لكن متى كان الخارج أكثر وفاءً منا لداخلنا؟ ومتى قرّر أحدهم بالنيابة عنا قرارًا ينصف أرواحنا؟ فإننا حين نُرجئ اتخاذ ما نعلم أنه الصواب، نطيل أمد التيه، ونمنح الحزن فرصة أكبر ليتمدد. وقد قال أحد الحكماء: "ما دام القلب ينزف فليس ثمة جدوى من تضميد السطح"، ولذلك كثيرًا ما يكون الحسم الداخلي هو السبيل الأصدق للشفاء. فلا إعلان، ولا ضجيج، ولا مواجهات متأخرة… بل فقط إدراك داخلي أن الحكاية وصلت إلى منتهاها، لا لأنها فشلت، بل لأنها قالت كل ما عندها. وليس الأمر مقصورًا على الجانب العاطفي وحده، فهناك محاولات لا تجد طريقًا للنجاح، ونعلم أنها أنهكتنا، ومع ذلك نُبقيها حيّة شكليًا. وهناك تصورات قديمة عن أنفسنا، لم تعد تعبّر عنا، ولكننا نستمر في تمثيلها لأننا لا نعرف غيرها. وقد ذكر ابن القيم أن من علامات الصدق ألا تتعلق النفس بما مضى، بل تنشغل بتحقيق ما هو خيرٌ لها في القادم، وهذا المعنى جوهري حين نُفكّر فيما يستنزفنا ويُعيق ذواتنا. فالتحوّل لا يتطلب خطابًا دراميًا، بل لحظة صدق مع الذات، وقرار يُتخذ في عمق النفس، لا يعوّل على رأي أحد، ولا يحتاج إلى موافقة الجماهير، وإنما هو لحظة نقاء نمنحها لأنفسنا. وكم من أناس رحلوا دون أن يتصالحوا مع الماضي، وغادروا وفي قلوبهم كلمات لم تُقال، ومواقف لم تُفسّر، وأخطاء لم تُغتفر. فقد ماتوا وهم يحملون ثقلاً كان يمكن لهم أن يضعوه لو امتلكوا الشجاعة في لحظة مبكرة. فامتن لنفسك إن استطعت أن تُنهي ما يرهقك، واعترف بما في داخلك دون تأخير، وسامِح أو ابتعد أو وضّح… فالمهم ألا تترك ما يجب إنهاؤه متعثرًا في المنتصف، لأن ما لا يُحسم، يعود إلينا بوجوه أخرى. وتلك الرسالة التي ترددت في إرسالها، وتلك الكلمة التي كان يجب أن تُقال، وذلك اللقاء الذي لم يتم… فكل هذه مواقف لا تتعلق بالزمن بل بالإرادة. لأن الانتظار الطويل لا يصنع نهاية مختلفة، بل يضيف تعقيدًا إضافيًا على ما كان بسيطًا. ولا تنتظر أن تتناغم الظروف مع مزاجك لتتخذ موقفًا واضحًا، فأحيانًا لا يأتي الوقت المثالي، ولكننا نصنعه حين نتصرف بما يتوافق مع قيمنا وقناعاتنا. ومن اللافت أن بعض القرارات لا تُتخذ لإغلاق باب، بل لفتح مساحة في الروح. فأنْ تعترف بالحب إنْ كنت صادقًا، وأن تقول "أحتاجك" لمن تفتقده، وأن تعتذر لمن آذيته… فليست كل الخطوات الصادقة نهاية، بل أحيانًا تكون تصحيحًا لمسار مائل. وقد يكون أجمل ما نفعله في حياتنا هو أن نتصالح مع فكرة الاكتمال، وأن نفهم أن ما مضى كان ضروريًا، ولكنه لا يصلح للاستمرار، وأن نأخذ ما تعلمناه ونمضي دون شحنات غضب أو لوم أو حنين أعمى. فنحن لا نُبنى مما حدث فقط، بل مما اخترنا فعله بعد ذلك، وتلك الاختيارات الصغيرة، المتزنة، الهادئة، هي ما يشكّل جوهرنا الحقيقي. ولا ننسى أن من توكل على الله كفاه، ومن سلّم قلبه لله هداه، فبعض الطرق تحتاج إلى يقين أكثر من التفكير، وثقة أكثر من التخطيط. فلا تسمح لأحد أن يقرر متى تتوقف أو تستمر، وخذ قراراتك دون صراخ، وامضِ بها بقلبٍ مطمئن. وتلك اللحظة التي تعرف فيها أنك قلت كل ما عليك قوله، وفعلت كل ما عليك فعله… تكفي لتمنحك سلامًا يكفيك سنوات. فليس ضروريًا أن تُخلّدك الكتب، ولا أن تُصفق لك المنصات، وإنما يكفي أن تكون أمينًا على نفسك. وأن تعرف متى تغادر، ومتى تبقى، ومتى تتجاوز، ومتى تعود. لأن النهايات، في جوهرها، ليست نهاية للحياة، بل بداية لنُضج آخر… نُضج لا يحتاج شعارات، بل يحتاج قلبًا صادقًا يعرف أنه آن الأوان للمضي.


جريدة الرؤية
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
معرض أبوظبي الدولي للكتاب: يعبر الأزمنة على متن المقتنيات الأثرية
أبوظبي - الوكالات لا يكتفي معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025، الذي ينظمه مركز أبوظبي للغة العربية"، بعرض الكتب، بل يقدّم تجربة ثقافية استثنائيّة يعبّر من خلالها الزوّار الأزمنة، ويصافحون حضاراتٍ لا تزال تعيش بين صفحات ورقٍ أصفر، وصورٍ تنطق بمشاهد خالدة، ليتحوّل، في أحد أركانه، إلى أرشيف نوافذه مشرعة على ذاكرة البشرية عبر مقتنيات نادرة أبرزها خريطة للعالم يتجاوز ثمنها الثلاثة ملايين درهم. إلى ذلك، قال سعادة سعيد حمدان الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية، مدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب: "إلى جانب المؤلفات والموسوعات الفكرية والمعرفية، يتمتّع المعرض هذا العام باحتضانه العديد من المقتنيات النادرة التي تعكس مدى ثراء وأهمية التراث الثقافي العربي والإنساني، وسعي دور النشر للاحتفاء بهذا الموروث الثريّ، أهمها خريطة للعالم من الأندر والأغلى ثمناً بمبلغ 3 مليون و200 ألف درهم، إلى جانب مجموعة واسعة من المقتنيات التي تعكس مدى اهتمام الحدث باستعراض التراث المعرفي، والفكري، والإبداعي للإنسان على مر العصور". وفي إحدى زوايا المعرض، تُبرز شركة "اقتناء"، لمؤسسها محمد آصف، واحدة من أقدم الصور الفوتوغرافية المعروفة لحكام الإمارات؛ صورة التُقطت في العام 1903 لحاكم الشارقة بعدسة الكابتن البريطاني تشارلز كورتني بيل، وتُعرض بسعر 250 ألف يورو (مليون و38 ألف درهم إماراتي)، وهذه الصورة تُعد وثيقة بصرية نادرة تسجل لحظة محورية من تاريخ المنطقة، وتُعرض ضمن ألبوم استثنائي بعنوان " شيوخ الساحل المتصالح " ، يضم 91 صورة رصدها بيل خلال خدمته في الخليج والهند؛ صور تنطق بما عجزت الكتب عن سرده، تظهر الشيوخ، لا كرموز سلطة، بل كرجال حقيقيين تروي وجوههم قصص الأرض. إلى جانبها، تُعرض صورة تاريخية تعود للعام 1930 يظهر فيها الشيخ سعيد آل مكتوم والشيخ جمعة آل مكتوم، بسعر 65 ألف يورو (270 ألف درهم)، إضافة إلى ألبوم يوثّق مراحل إنشاء سكة حديد الحجاز في العام 1905، يضم 27 صورة ويُعرض بسعر 85 ألف يورو (352 ألف درهم)، مقدّمًا سردًا بصريًا لمشروع هندسي غيّر وجه التنقل في المنطقة. ولمن يعتقد بأن الخرائط مجرد رسومات، يقدم المعرض درسًا بصريًا مهيبًا من "عصر الذهب في رسم الخرائط"؛ أربع لوحات ضخمة من القرن السابع عشر، رسمها الفرنسي نيكولاس دي فير بدقة فنية مذهلة، تعرض خرائط القارات بحجم 114×165 سم، وتُقدّر قيمتها بـ 750 ألف يورو (3 ملايين و200 ألف درهم). كما يُعرض أطلس بحري هولندي نادر يعود للعام 1700 للرسّام يوهانس فان كولن، يتناول الطرق البحرية العالمية آنذاك، ويُقدَّر سعره بـ 650 ألف يورو (2 مليون و700 ألف درهم)، في دلالة على الأهمية الجغرافية والمعرفية للخرائط في فهم تطور العالم. وفي ركن المخطوطات، تتجلى الثقافة الإسلامية في أبهى صورها: نسخة نادرة من كتاب " مقاصد الفلاسفة " للإمام الغزالي تعود إلى القرن الثالث عشر ، تقدر قيمتها بنحو 40 ألف يورو (166 ألف درهم)، وطبعة أولى نادرة من كتاب العالم الذي اختاره المعرض لهذه الدورة؛ " ألف ليلة وليلة " صادرة عن مطبعة بولاق في العام 1834 تقدر قيمتها بنحو 300 ألف يورو أي ما يعادل مليون و250 ألف درهم تخليداً لسفر أدبي عابر للأزمنة، ونسخة لاتينية من كتاب " القانون في الطب " ، الذي يصادف هذا العام مرور ألف سنة على ظهوره، وهو للعالم الموسوعي ابن سينا، الشخصية المحورية للمعرض، والتي طُبعت في فرنسا في العام 1522. وكل صفحة من هذه الكتب ليست معرفة فحسب، بل أثر روحي له ظلّ. وتتألق رواية " قصة غنجي " اليابانية، أول رواية مكتوبة في التاريخ تعود إلى العام 1654، وقد خطها موراساكي شيكيبو بأسلوب "كانا" الياباني الكلاسيكي. وتُعرض هذه النسخة مقابل 95 ألف يورو (نحو 400 ألف درهم)، لتشكّل رابطًا أدبيًا بين الثقافات الشرقية والغربية. وفي ركن خاص، تُعرض خمس نسخ نادرة من مقتنيات معالي نورة الكعبي، أقدمها تعود إلى العام 1706، إلى جانب مقتنيات من مجموعة معالي محمد المر، رئيس مجلس إدارة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم الخاصة، التي تُعرض للمرة الأولى أمام الجمهور. وتُستكمل الحكاية بعناصر سينمائية نادرة، من بينها ملصقات ترويجية لأفلام مصرية مقتبسة عن كتاب "ألف ليلة وليلة"، منها فيلم يروي قصة "الصياد عثمان عبد الباسط"، الذي يعثر على طفل غامض، ويخوض مغامرة سحرية بعد لقائه بجني يمنحه عصاً مسحورة. بهذه اللوحات الفكرية والتاريخية والفنية، يجسّد معرض أبوظبي الدولي للكتاب دور الكتاب في تخليد التجربة الإنسانية، ويمدّ جسور التفاعل الثقافي بين العصور واللغات والحضارات. في هذا الركن، لا تُعرض الكتب فحسب؛ بل تستحضر الأرواح التي كتبتها، والزمن الذي نُقش على هامشها، والأثر الذي تركته في الوعي الإنساني الجمعي. هذا العام معرض أبوظبي الدولي للكتاب يتخطى حدوده الثقافية، ليتحول إلى تجربة سردية حيّة تُروى للعالم، كما لو أن الزمن توقف قليلًا ليراجع مدوناته القديمة.