
بلاد بونت كشف بالمصادفة... عودة أخرى
قررتُ حينما كنت أشغل منصب مدير عام آثار الجيزة، إعداد منطقة أهرامات أبو صير التي لا تبعد أكثر من 8 كيلومترات عن أهرامات الجيزة وفتحها أمام الزائرين. كان العمل يتطلب تمهيد طرق، وفتح مسارات، وإزالة كميات كبيرة من الرمال وردم الحفائر القديمة التي أُجريت في بدايات القرن العشرين في منطقة أبو صير على يد كثير من البعثات الأجنبية، أهمها البعثة الألمانية برئاسة لودفيغ بورخارت. كانت هناك تلال من الرمال تحتاج إلى إزاحتها وفتح مسارات للزيارة، وكان العمل يتطلب وجود «لودر» لأداء المهمة تحت إشراف مفتشي الآثار. وبالفعل عهدتُ بالمهمة إلى سائق «لودر» الآثار الذي يُدعى محمد مصيلحي الذي بدأ في العمل بكل جهد ونشاط، وفي أحد الأيام من عام 1993 اصطدم «اللودر» بكتلة حجرية ضخمة لم يكن هناك أي دلائل على وجودها أسفل الردم، ولأن سائق «اللودر» اعتاد العمل في المناطق الأثرية ويعلم جيداً طبيعة العمل في مواقع الآثار، فقد توقف عن العمل وبدأ في استطلاع الأمر وإزالة الرمال بيده حتى كشف عن حجر من الأحجار الجيرية المقطوعة بعناية.
كانت الأحجار التي كُشف عنها بالمصادفة دليلاً على وجود مزيد من نقوش المجموعة الهرمية التي لم تكتشَف بعد. في ذلك الوقت كان أحد أهم المساعدين الذين عملوا معي من شباب الأثريين، طارق العوضي، يستعد للسفر للدراسة بجامعه تشارلز في جمهورية التشيك التي بها واحد من أعرق معاهد المصريات في أوروبا، وكان أستاذه هو ميروسلاف فيرنر أحد أهم خمسة علماء مصريات متخصصين في علوم الأهرامات في ذلك الوقت، ولذلك اتفقت أنا وميروسلاف فيرنر على أن يقوم طارق العوضي باستكمال الحفائر في منطقة أبو صير حول الطريق الصاعد إلى الملك ساحورع؛ للكشف عمَّا إذا كان هناك مزيد من المناظر المنقوشة للملك ساحورع أم لا؟ والحقيقة أنه وبعد ثلاثة مواسم من العمل وست سنوات من الدراسة والنشر العلمي استطاع الدكتور طارق العوضي الحصول على درجة الدكتوراه، ونشرها في مؤلف علمي يعد أحد أهم المؤلفات العلمية التي صدرت عن الأهرامات وبرنامج المناظر الملكية المصورة على جدرانها.
قدمت لنا حفائر الدكتور طارق العوضي في أبو صير معلومات مهمة في التاريخ المصري القديم لم نكن نعرف عنها من قبل. ولعل أهم هذه المعلومات هو الكشف عن مناظر رحلة بونت المصوَّرة على جدران الطريق الصاعد للملك ساحورع، التي تصوِّر قدوم البعثة التي أرسلها الملك إلى بلاد بونت لإحضار كنوزها؛ من عاج وحيوانات برية ومُرّ وبخور من أجود الأنواع. وكان من ضمن من أرسلهم ساحورع إلى بلاد بونت خبراء في التعدين والكشف عن الكنوز، وكذلك كان هناك موظفون يحملون لقب المترجم! أي إنه كان في مصر من يجيد لغة البلاد الأجنبية التي يتاجر معها المصريون.
وكان من ضمن المناظر المكتشفة منظر يصوِّر جلب الهريم الخاص بهرم الملك ساحورع لوضعه فوق قمة الهرم؛ إيذاناً بالإعلان عن انتهاء بناء الهرم الذي كان يمثل المشروع القومي لمصر. وفوق الهريم نقشٌ هيروغليفي يؤكد كسوة الهريم بالذهب الأبيض (الأليكتروم) وهو خليط من الذهب والفضة. ومناظر جر الهريم تتبعها مناظر الاحتفال بانتهاء بناء الهرم من ذبح الأضاحي، وإقامة الولائم والمسابقات بين العمال والجنود، وكذلك مناظر الرقص والغناء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- صحيفة سبق
شكل أنموذجًا علميًا وثقافيًا متميزًا .. 90 عامًا من التعاون الأثري بين السعودية والولايات المتحدة
على مدى تسعة عقود، شكّل التعاون السعودي الأمريكي في مجال الآثار أنموذجًا علميًا وثقافيًا متميزًا أسهم في كشف جزء كبير من تاريخ الجزيرة العربية، وعزز الوعي بأهمية التراث الوطني للمملكة. بدأت هذه المسيرة مبكرًا، وذلك حين أبدى الجيولوجيون العاملون في شركة أرامكو اهتمامًا ملحوظًا بالآثار السعودية، وذلك خلال أعمالهم في التنقيب عن النفط، وخلال أوقات فراغهم، استثمروا وجودهم على أرض المملكة لتوثيق المواقع الأثرية بدءًا من عام 1935م. ومن الأسماء التي ارتبطت بهذه البدايات، الطيار "جو مارتن" الذي التقط في عام 1934م صورًا جوية لمواقع أثرية في المنطقة الشرقية، وسجّل ملاحظات مهمة عنها، تمثّل اليوم مرجعًا أرشيفيًا نادرًا، وفي عام 1940م، وثق قرية "الفاو"، إذ لفتت أنظار موظفي الشركة كموقع ذي قيمة حضارية بارزة. وفي عام 1952م وثق عالم الآثار والأنثروبولوجي "ريك فيدال" مدافن أثرية في مدينة الظهران، ما شكّل خطوة مؤسسة في التوثيق الأثري الحديث للمملكة كما أسهم الباحث الأمريكي "ألبرت جام" في إثراء الدراسات حول النقوش الأثرية، من خلال كتابه الذي أصدره بين عامي 1963 و1968م حول النقوش القديمة في المملكة، وهو ما أسهم في فهم أعمق لحضارات الجزيرة العربية قبل الإسلام. ومع نهاية السبعينيات أطلقت المملكة أول بعثة أثرية سعودية أمريكية مشتركة بقيادة "يوريس زارينس" وتحديدًا خلال العام 1977م، حيث قامت البعثة بمسح ميداني لمواقع ما قبل التاريخ في المنطقة الشرقية، بما في ذلك جزيرتا دارين وتاروت، وتواصلت نتائج هذا المشروع حتى عام 1984م. وشهدت الأعوام الأخيرة في سياق متصل تعزيزًا لهذا التعاون من خلال بعثات ميدانية متقدمة، كان أبرزها مشروع جامعة ميامي الأمريكية للتنقيب في موقع "جرش" بمنطقة عسير منذ العام 2009م، إذ تم توثيق مواقع مهمة، منها وحدات معمارية وطرق مرصوفة ومكونات دفاعية. وأكدت هيئة التراث، أن شراكاتها الدولية، وعلى رأسها الشراكة العلمية مع الجامعات والمؤسسات الأمريكية، تأتي ضمن استراتيجيتها الشاملة لتوثيق ودراسة التراث الوطني بجميع مكوناته، وذلك لإبرازه، وتعزيزه، وتطويره، من خلال المشروعات البحثية، والمعارض، ومختلف البرامج الثقافية، مبيّنة أن هذه الجهود تُسهم في إبراز البعد الحضاري العميق للمملكة، وتدعم مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة المنبثقة من رؤية المملكة 2030، جاعلةً التراث مصدرًا للفخر الوطني والمعرفة وتعزيز الهوية.


مجلة سيدتي
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- مجلة سيدتي
اكتشاف أثري جديد في سيناء بمصر يظهر أسرار حصون الشرق
كشفت وزارة السياحة والآثار المصرية، عن عثور بعثة أثرية مصرية عن بقايا تحصينات عسكرية ووحدات سكنية للجنود بموقع تل أبو صيفي في شمال سيناء، كما عثرت على خندق يشير إلى إمكانية وجود قلعة أخرى بالمنطقة. وأفادت الوزارة في بيان لها، عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس"، أن البعثة التي عثرت على هذا الاكتشاف الأثري تابعة للمجلس الأعلى للآثار. اكتشافات أثرية جديدة في سيناء من جانبه، أكد شريف فتحي وزير السياحة والآثار المصري، أهمية هذا الكشف والذي يلقي الضوء على أسرار التحصينات العسكرية الشرقية ل مصر خلال العصرين البطلمي والروماني، وأهمية موقع تل أبو صيفي كمركز عسكري وصناعي على مر العصور. فيما أوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن هذا الكشف يساهم في رسم صورة أكثر دقة لخريطة الدفاعات المصرية على حدودها الشرقية، ويؤكد من جديد أن سيناء كانت دائمًا بوابة مصر الشرقية وحصنها الأول. أهمية هذا الاكتشاف وأبان، أن البعثة استطاعت الكشف عن تصميم معماري مميز للبوابتين الشرقية للقلعتين البطلمية والرومانية المكتشفتين من قبل بالموقع، ما يساعد في إعادة تصور شكل المداخل الدفاعية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى خندق دفاعي ضخم بعمق يزيد عن مترين عند مدخل القلعة البطلمية، يُعتقد أنه كان جزءًا من نظام دفاعي يمكن تعطيله عند التهديد. كما عثرت البعثة كذلك على طريق بعرض 11 مترا وطول يتجاوز 100 متر، مرصوف ببلاطات من الحجر الجيري، يمتد من خارج البوابة الشرقية للقلعة الرومانية ويصل إلى قلب الموقع، وهذا الطريق مبني فوق طريق أقدم يعود للعصر البطلمي مشيد من بلاطات من الحجر الجيري. اكتشاف أسرار 'حصون الشرق' بسيناء أعلنت البعثة الأثرية المصرية عن كشف بقايا تحصينات ومساكن للجنود وخندق يشير لاحتمال وجود قلعة في تل أبو صيفي. الكشف يسلّط الضوء على أهمية الموقع كخط دفاع أول عن مصر خلال العصرين البطلمي والروماني. #الآثار #سيناء #مصر — Ministry of Tourism and Antiquities (@TourismandAntiq) May 3, 2025 تفاصيل الاكتشاف الأثري وتضمن الاكتشاف ، أكثر من 500 دائرة طينية على جانبي الطريق الحجري، يُرجح أنها كانت تُزرع فيها الأشجار التي زينت مدخل القلعة خلال العصر البطلمي، فضلاً عن الكشف عن مساكن الجنود من العصر الروماني، ما يعطي صورة واضحة عن الحياة اليومية للفرسان المرابطين في القلعة الرومانية خلال عصر الإمبراطور دقلديانوس والإمبراطور مكسيميان، هذا بالإضافة إلى الكشف عن 4 أفران كبيرة استخدمت لإنتاج الجير الحي، ما يشير إلى تحول الموقع إلى مركز صناعي في نهاية العصر الروماني مما أدي لتدمير جميع المنشآت الحجرية بالموقع. وقال الدكتور هشام حسين رئيس البعثة ومدير عام الإدارة العامة لآثار سيناء، إن البعثة عثرت كذلك على خندق ربما يشير إلى وجود قلعة ثالثة أقدم في الموقع من القلعتين البطلمية والرومانية، حيث تم الكشف عن الأركان الأربعة الخاصة بتلك القلعة وجار حاليا تحديد تاريخها، هذا بالإضافة إلى عدد من المباني مستطيلة الشكل متلاصقة في طبقات متداخلة استخدمت لفترات طويلة كأماكن للمعيشة خلال العصر البطلمي. موقع تل أبو صيفي ويعتبر موقع تل أبو صيفي أحد المواقع الاستراتيجية الهامة حيث لعب دورًا محوريًا في حماية حدود مصر الشرقية، ومع تغير مجرى نهر النيل وانحسار الساحل، وانتقلت الأهمية من موقع تل حبوة (مدينة ثارو الفرعونية) إلى تل أبو صيفي.


مجلة سيدتي
٠٥-٠٥-٢٠٢٥
- مجلة سيدتي
اكتشاف أثري جديد في سيناء بمصر تظهر أسرار حصون الشرق
كشفت وزارة السياحة والآثار المصرية، عن عثور بعثة أثرية مصرية عن بقايا تحصينات عسكرية ووحدات سكنية للجنود بموقع تل أبو صيفي في شمال سيناء، كما عثرت على خندق يشير إلى إمكانية وجود قلعة أخرى بالمنطقة. وأفادت الوزارة في بيان لها، عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس"، أن البعثة التي عثرت على هذا الاكتشاف الأثري تابعة للمجلس الأعلى للآثار. اكتشافات أثرية جديدة في سيناء من جانبه، أكد شريف فتحي وزير السياحة والآثار المصري، أهمية هذا الكشف والذي يلقي الضوء على أسرار التحصينات العسكرية الشرقية ل مصر خلال العصرين البطلمي والروماني، وأهمية موقع تل أبو صيفي كمركز عسكري وصناعي على مر العصور. فيما أوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن هذا الكشف يساهم في رسم صورة أكثر دقة لخريطة الدفاعات المصرية على حدودها الشرقية، ويؤكد من جديد أن سيناء كانت دائمًا بوابة مصر الشرقية وحصنها الأول. أهمية هذا الاكتشاف وأبان، أن البعثة استطاعت الكشف عن تصميم معماري مميز للبوابتين الشرقية للقلعتين البطلمية والرومانية المكتشفتين من قبل بالموقع، ما يساعد في إعادة تصور شكل المداخل الدفاعية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى خندق دفاعي ضخم بعمق يزيد عن مترين عند مدخل القلعة البطلمية، يُعتقد أنه كان جزءًا من نظام دفاعي يمكن تعطيله عند التهديد. كما عثرت البعثة كذلك على طريق بعرض 11 مترا وطول يتجاوز 100 متر، مرصوف ببلاطات من الحجر الجيري، يمتد من خارج البوابة الشرقية للقلعة الرومانية ويصل إلى قلب الموقع، وهذا الطريق مبني فوق طريق أقدم يعود للعصر البطلمي مشيد من بلاطات من الحجر الجيري. اكتشاف أسرار 'حصون الشرق' بسيناء أعلنت البعثة الأثرية المصرية عن كشف بقايا تحصينات ومساكن للجنود وخندق يشير لاحتمال وجود قلعة في تل أبو صيفي. الكشف يسلّط الضوء على أهمية الموقع كخط دفاع أول عن مصر خلال العصرين البطلمي والروماني. #الآثار #سيناء #مصر — Ministry of Tourism and Antiquities (@TourismandAntiq) May 3, 2025 تفاصيل الاكتشاف الأثري وتضمن الاكتشاف ، أكثر من 500 دائرة طينية على جانبي الطريق الحجري، يُرجح أنها كانت تُزرع فيها الأشجار التي زينت مدخل القلعة خلال العصر البطلمي، فضلاً عن الكشف عن مساكن الجنود من العصر الروماني، ما يعطي صورة واضحة عن الحياة اليومية للفرسان المرابطين في القلعة الرومانية خلال عصر الإمبراطور دقلديانوس والإمبراطور مكسيميان، هذا بالإضافة إلى الكشف عن 4 أفران كبيرة استخدمت لإنتاج الجير الحي، ما يشير إلى تحول الموقع إلى مركز صناعي في نهاية العصر الروماني مما أدي لتدمير جميع المنشآت الحجرية بالموقع. وقال الدكتور هشام حسين رئيس البعثة ومدير عام الإدارة العامة لآثار سيناء، إن البعثة عثرت كذلك على خندق ربما يشير إلى وجود قلعة ثالثة أقدم في الموقع من القلعتين البطلمية والرومانية، حيث تم الكشف عن الأركان الأربعة الخاصة بتلك القلعة وجار حاليا تحديد تاريخها، هذا بالإضافة إلى عدد من المباني مستطيلة الشكل متلاصقة في طبقات متداخلة استخدمت لفترات طويلة كأماكن للمعيشة خلال العصر البطلمي. موقع تل أبو صيفي ويعتبر موقع تل أبو صيفي أحد المواقع الاستراتيجية الهامة حيث لعب دورًا محوريًا في حماية حدود مصر الشرقية، ومع تغير مجرى نهر النيل وانحسار الساحل، وانتقلت الأهمية من موقع تل حبوة (مدينة ثارو الفرعونية) إلى تل أبو صيفي.