
The Gardener.. دراما باردة ومشاعر متبلدة
تتميز الدراما الإسبانية التي تنتجها نتفليكس عادة بطابع وأسلوب مميزين، بداية بالملحمة متعددة المواسم La casa de papel أو Money Heist وفقا لعنوانها الانجليزي، وElite بمواسمه السبعة وVis a vis و The Sunta Caseوغيرها.
ويجمع بين معظم هذه الأعمال سبرها لأغوار الجريمة والعالم المظلم من النفس البشرية بأسلوب كوميدي أو خفيف، يكمن سره في جاذبيته الخطرة الموسومة بالقلق والشعور بالذنب، أعتقد أنه يرجع للروح الإسبانية نفسها المحملة بثقافة دينية كاثوليكية محافظة، مخلوطة بروح الفروسية التواقة للمغامرة والتحرر.. ثقافة يمكن أن نجد جذورها في "دون كيخوت" وحتى أفلام لويس بونويل وبيدرو ألمودوفار.
ولكن حين نحلل أعمال نتفليكس الإسبانية سابقة الذكر يمكن أن نلاحظ بعض الهشاشة الأخلاقية والإنسانية التي تعتريها، إذ غالباً ما يكون بناءها الرومانتيكي بنساءه ورجاله الجذابين وأفكارهم "شبه الثورية" غلافاً من السوليفان الملون البراق لإخفاء بشاعة وتبعات العنف أو لتبرير الجريمة.
مع ذلك فغالباً ما يقع المشاهد في حب هذه الأعمال، ويلتمس النقاد لها العذر بحكم كونها تسلية ونوعاً من التطهير الدرامي المشروع يقوم من خلاله المشاهد بالتنفيس عن مشاعره العدوانية وأفكاره السلبية.
توازن ضروي
هذه الشعرة التي توازن بين إغواء الجانب المظلم من النفس، مع البقاء في أمان الكوميديا والسيريالية هي مسألة حاسمة في الطريقة التي يتم بها تلقي هذه الأعمال والطريقة التي تؤثر بها على المشاهد، ربما يكون من المناسب أن نقارنها، في هذا السياق، بأفلام كوينتن تارانتينو.
لكن شيئاً من هذا التميز، أو التوازن، لا يوجد في مسلسل The Gardener (أو El jardinero حسب اسمه الأصلي)، أحدث الإنتاجات الإسبانية على نتفليكس.
على المستوى الفني هو عمل متواضع كتابة وتمثيلاً وإخراجاً، يجمع بين كل عناصره نوع غريب من الضعف والاستسهال، أما ما يثير الدهشة أكثر فهو اللامبالاة التي يتعامل بها صناعه مع موضوعه القاتم وسلوكيات شخصياته المنحرفة، ومحاولة تبرير وتجميل هذه الدموية بسذاجة نادراً ما تصل إليها أفلام ومسلسلات القتلة والسفاحين.
يبدأ The Gardener، الذي ابتكره وكتب حلقاته الست ميجيل ساييز كارال باستهلال قوي للغاية : إلمر (ألفارو ريكو)، شاب صغير وسيم برئ الملامح يعشق البستنة، وأمه لاشينا خورادو (سيسيليا ساوريز)، سيدة متوسطة العمر جميلة تبدو عليها أمارات الحكمة والحنان الأموية، يعيشان بمفردهما في بيت صغير تحيط به حديقة بديعة من الزهور الملونة، ولكن خلال مشاهد معدودة نعرف أن الأم قاتلة مأجورة تقوم بالاتفاق، وأن الابن الذي ينفذ الاتفاقيات عديم المشاعر، حرفيا، نتيجة إصابته في حادث أتلف مراكز الشعور في مخه!
مفاجأة يعقبها الملل
هذه البداية الصادمة، المبشرة بعمل مشوق ممتلئ بالمفاجآت يعقبها لا شئ.. أحداث فاترة وشخصيات باهتة وحبكة متوقعة بكل تفاصيلها منذ الحلقة الأولى: يتم تكليف الأم بقتل شابة صغيرة جميلة اسمها فيوليتا (كاتالينا سوبيلانا) تعمل كمعلمة للأطفال في حضانة.
وعندما تعهد الأم لابنها بقتل الفتاة تتحرك مشاعره فجأة (نعلم بعد ذلك أن ورما حميداً بالمخ أعاد تنشيط مراكز الشعور لديه!) ويتردد في قتلها، ثم يقع في حبها، ما يثير غضب وغيرة الأم حد الجنون.
على الطرف الثاني هناك محققان يبحثان في قضايا الاختفاء المتكرر للمقتولين، الذين يدفنهم الشاب في الحدبقة كسماد عضوي للزهور، على اعتبار أن الجثث البشرية أفضل غذاء لنبات صحي جميل (ربما تكون استعارة قوية لقسوة الطبيعة نفسها وتشبيه البطلين بالزهور التي تتغذى على الكائنات الأخرى، ولكنها استعارة لا تتماشى مع دراما العمل).
وهذان المحققان المسنان بعض الشئ رجل وامرأة، الرجل متزوج وعينه على زميلته، والمحققة تلاحظ ولعه بها وتبادر بعرض نفسها عليه، لكنه يرفض لإنه مهذب وخجول ولا يريد خيانه زوجته، أما القضية نفسها فلا يفعلان بشأنها شيئاً يستحق المتابعة، ولو تم إلغاء دوريهما فإن ذلك لن يؤثر على مجرى الأحداث.
الغريب أنه لا يوجد كيمياء تجمع بينهما، ولا كيمياء تجمع بين إلمر وفيوليتا، فحتى قصتي الحب لا تستطيعان إشاعة المشاعر لدى المشاهد، والمسلسل يطيل الحديث عن الحب لكنه يخلو من لحظات الحب أو الاحساس بشكل غريب، وكأن التبلد الشعوري قد أصاب المسلسل نفسه، وليس إلمر وأمه فقط!
رومانسية بلا حب!
خط المحققان فوق أنه يزيد من ترهل الايقاع، وفوق أنه يعبر عن رومانسية تخلو من الرومانسية، يضيف أيضاً إلى لا حساسية العمل ولامبالاته بموضوعه الأساسي وهو القتل المتسلسل الذي يرتكبه البطلان وكأنهما يذبحان مجموعة من الدجاج، ويتجلى ذلك في الطريقة التي يصور بها العنف والقتل المجاني.
الطريقة التي يقتل بها إلمر ضحاياه تتمثل في مباغتتهم بحقن رقبتهم بإبرة تحمل سماً زاعفا مستخرجا من النبات، فيسقطون في لحظة، وهو قتل أشبه بثعبان أو عقرب يتسلل خفية للدغ ضحاياه. هذه الطريقة تساهم في تخفيف انزعاج المشاهد من القتل، ويتبين ذلك حين نقارنه بقتل آخر قرب نهاية المسلسل تقوم به فيوليتا دفاعا عن النفس، فهو عنيف ودموي ويكشف عن جانبها العنيف الذي انفجر فجأة.
من ناحية ثانية يساهم المشهد في تمرير فكرة أن العنف كامن داخل الجميع وبالتالي تبرير ما يفعله إلمر، بدليل أنها تسامح إلمر على جرائمه بعد قيامها شخصيا بالقتل.
كل ذلك كوم، وشخصية الأم وأفعالها كوم آخر.. من أغرب الاختيارات الدرامية المتعلقة بوجهة نظر السرد هو اختيار الأم لتكون راوية الأحداث، وبالتالي نحن نرى كل شئ من وجهة نظر هذه المرأة الفاسدة خَلقاً وخٌلقاً، فهي تعاني، حتى قبل أن تبدأ الأحداث من انحراف نفسي، يتضاعف حين يودي الحادث الذي تتعرض له مع ابنها، بسبب قيادتها الرعناء للسيارة، إلى بتر إحدى ساقيها، ما يضاعف من حقدها وشرها.
ويصل شرها إلى ذروة يصعب أن يصل إليها شرير درامي مع نهاية الأحداث، ومع ذلك اختارها صناع العمل لكي تكون الراوية، وهو خطأ أخلاقي ودرامي جسيم، هي شريرة مطلقة لا تكتفي بأنها قاتلة محترفة، ويبرر المسلسل أفعالها بتصوير كل زبائنها، للمصادفة، كمساكين يريدون حل مشاكلهم أو الانتقام لظلم تعرضوا له بالقتل، وهي تصلي طوال الوقت، معتقدة أنها تصحح أوضاعاً ظالمة بهذه الجرائم.
ولكن إذا افترضنا أنها تتحقق بالفعل من استحقاق ضحاياها للقتل، فإن ذلك لا ينطبق على فيوليتا، مثلاً، البريئة التي يتم تحميلها مسئولية موت شاب لا يد لها فيه.
ولكن فساد عقل وخلق الأم لا يتوقف عند القتل، فالأسوأ والأكثر انحرافاً هو أنها تدمر ابنها الوحيد المسكين محولة إياه إلى قاتل محترف (بحجة أنه لا يشعر).
الـ"فلاش باك" الأسوأ
ومن ناحية السرد فإن اختيارها كراوٍ خطأ لإنها تروي أحداثاً لا يمكن أن تكون قد شاهدتها أو سمعت عنها، مثل علاقة الحب وتفاصيلها بين المحققين!
أخيرا يضرب المسلسل مثلاً في الاستخدام الخاطئ للـ"فلاش باك"، وهو أمر نراه كثيراً في الدراما العربية التي تلجأ عادة للـ"فلاش باك" لتعويض نقص بناءٍ أو افتعال تشويقٍ، ولكن استخدام الـ"فلاش باك" في The Gardener خطأ جسيم لإنه يضحي ببناء العمل كله من أجل تقديم خمس عشرة دقيقة مشوقة في الحلقة الأولى على حساب بقية العمل.
لقد قرر صناع العمل بدء الأحداث من لحظة قتل الضحية الأخيرة قبل ظهور فيوليتا، وتأجيل حكاية إلمر وأمه وما دفعهما إلى هذه اللحظة لحلقات تالية.
الغريب أن هذه الأحداث القديمة، التي يستخدمها المسلسل كمجرد تبرير للحاضر، قوية وربما تكون أكثر تشويقاً من الحاضر، ولو أن العمل أتبع البناء الخطي التقليدي لكان أكثر إثارة وإقناعا للمشاهد بالتحولات الخطيرة التي تحدث للمرأة وابنها، ولكن اعتقاد صناع العمل بأن البدء بذروة الدراما مشوق أكثر لم يؤدي سوى إلى ترهل وضعف أي أحداث بعد مرور ربع الحلقة الأولى.
آخر شئ، فرغم أن للمسلسل مخرجين هما ميكيل رويدا ورافا مونتيسينوس، قام كل منهما بإخراج 3 حلقات، فإن عيوب السيناريو لا يضاهيها سوى بلادة إخراج الاثنين!
* ناقد فني

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى الالكترونية
منذ يوم واحد
- صدى الالكترونية
نتفليكس تزيح الستار عن تفاصيل غرق غواصة تيتان
كشفت «نتفليكس» عن أول إعلان تشويقي لفيلمها الوثائقي الجديد حول كارثة غواصة «أوشن غيت» التي راح ضحيتها 5 أشخاص خلال رحلة إلى حطام سفينة «تايتانيك». وسيُعرَض الفيلم بعنوان «تيتان: كارثة أوشن غيت»، من إخراج مارك مونرو (المعروف بأعمال مثل «الفتاة المفقودة» و«بريتني ضدّ سبيرز»)، للمرّة الأولى في مهرجان «ترايبيكا السينمائي»، وسيُتاح عبر منصة «نتفليكس» ابتداء من 11 يونيو المقبل. ويتضمن الإعلان التشويقي للفيلم شعار «كلما تعمّقت، ازدادت الظلمة»، ويعد بكشف الحقائق التي أدَّت إلى هذه الرحلة المأساوية، بينما يقول أحد الخبراء في الإعلان: «لم يكن ثمة وسيلة لمعرفة متى ستفشل الغواصة، لكن حسابياً، كانت ستفشل حتماً»، ويضيف آخر: «مؤسِّس (أوشن غيت)، ستوكتون راش، كان مؤمناً تماماً بنجاحها. كان يسعى إلى الشهرة، وذلك غذَّى غروره ورغبته في الظهور». ويعلّق ثالث: «كنت أظنّه مختلّاً عقلياً إلى حدّ ما». وفي 23 يونيو 2023، فقدت الغواصة الاتصال بالعالم الخارجي بعد ساعة و45 دقيقة على بدء غوصها في أعماق المحيط. وكانت شركة «أوشن غيت» تعرض رحلات تجارية إلى حطام «تايتانيك» مقابل 250 ألف دولار للفرد. وبعد عملية بحث وإنقاذ واسعة تابعها العالم بقلق بالغ، انتهت المأساة بالعثور على بقايا الغواصة، وخلُص الخبراء إلى أنها تعرَّضت لانفجار داخلي.


الشرق الأوسط
منذ 2 أيام
- الشرق الأوسط
«نتفليكس» تكشف أسرار غواصة «تيتان» المنكوبة
أصدرت «نتفليكس» أول إعلان تشويقي لفيلمها الوثائقي الجديد حول كارثة غواصة «أوشن غيت» التي راح ضحيتها 5 أشخاص خلال رحلة إلى حطام سفينة «تايتانيك». ووفق «الإندبندنت»، سيُعرَض الفيلم بعنوان «تيتان: كارثة أوشن غيت»، من إخراج مارك مونرو (المعروف بأعمال مثل «الفتاة المفقودة» و«بريتني ضدّ سبيرز»)، للمرّة الأولى في مهرجان «ترايبيكا السينمائي»، وسيُتاح عبر منصة «نتفليكس» ابتداء من 11 يونيو (حزيران) المقبل. يحمل الإعلان التشويقي للفيلم شعار «كلما تعمّقت، ازدادت الظلمة»، ويعد بكشف الحقائق التي أدَّت إلى هذه الرحلة المأساوية. يقول أحد الخبراء في الإعلان: «لم يكن ثمة وسيلة لمعرفة متى ستفشل الغواصة، لكن حسابياً، كانت ستفشل حتماً»، ويضيف آخر: «مؤسِّس (أوشن غيت)، ستوكتون راش، كان مؤمناً تماماً بنجاحها. كان يسعى إلى الشهرة، وذلك غذَّى غروره ورغبته في الظهور». ويعلّق ثالث: «كنت أظنّه مختلّاً عقلياً إلى حدّ ما». من الحلم إلى الانفجار (أ.ف.ب) في 23 يونيو 2023، فقدت الغواصة الاتصال بالعالم الخارجي بعد ساعة و45 دقيقة على بدء غوصها في أعماق المحيط. وكانت شركة «أوشن غيت» تعرض رحلات تجارية إلى حطام «تايتانيك» مقابل 250 ألف دولار للفرد. وبعد عملية بحث وإنقاذ واسعة تابعها العالم بقلق بالغ، انتهت المأساة بالعثور على بقايا الغواصة، وخلُص الخبراء إلى أنها تعرَّضت لانفجار داخلي. وجاء في الملخَّص: «يستكشف الفيلم نفسية الملياردير ستوكتون راش، ومساعيه لإتاحة استكشاف أعماق المحيط للجميع مهما كان الثمن. ومن خلال شهادات المبلِّغين عن مخالفات، وتسجيلات صوتية، ولقطات أرشيفية من بدايات الشركة، يكشف التحدّيات التقنية والمخاطر الأخلاقية التي مهَّدت الطريق إلى الكارثة». بدوره، قال المخرج مارك مونرو لموقع «تودوم» التابع لـ«نتفليكس»: «عندما اختفت الغواصة، كنتُ مثل الجميع مذهولاً ومتابعاً للأخبار على مدار الساعة. لم تكن ثمة إجابات واضحة عمّا حدث. الفيلم يحاول الإجابة على سؤالين أساسيين: كيف حدث ما حدث؟ ومَن هو الرجل الذي قاد هذه الرحلة إلى مصيرها؟». وختم: «كلما تعمّقتُ في خيوط هذه المأساة، ازداد فضولي بشأن كيف أمكن لها أن تقع أصلاً، ومَن هو هذا الرجل الذي بنى الغواصة وأخذها إلى الهلاك. نأمل أن يُقدّم الفيلم بعض الإجابات».


الشرق الأوسط
منذ 2 أيام
- الشرق الأوسط
تجربة دنماركية ناجحة بعنوان Secrets We Keep على «نتفليكس»
ينطلق عرضُ بعض المسلسلات من دون ضجيج ولا حملات إعلانية، لكنه ينجح في اختراق قوائم الأعمال الأكثر مشاهدةً، حتى وإن كان ناطقاً باللغة الدنماركية. هكذا هي الحال بالنسبة إلى السلسلة القصيرة Secrets We Keep (أسرار نحتفظ بها)، التي تنتمي إلى فئة دراما الجريمة السوداء (noir). ومن اللافت أن الصناعة الدرامية الدنماركية تشهد خلال السنوات الماضية صعوداً غير مسبوق وإقبالاً من طرف المشاهدين، حتى وإن كانت اللغة غريبة عليهم ووجوه الممثلين غير مألوفة. أمثلةٌ كثيرة تشهد على ازدهار الدراما الدنماركية، لا سيّما تلك التي تدور في فلك الجريمة، على رأسها The Nurse (الممرّضة) الذي عُرض قبل سنتَين. وفق أرقام «نتفليكس»، وصل Secrets We Keep إلى المرتبة الأولى عالمياً عن فئة الأعمال غير الناطقة بالإنجليزية. وقد ساهمت عناصر كثيرة في هذا الصعود، أوّلها القصة التي تُشبه الواقع إلى درجةٍ يُعتقد أنها مقتبسة عن أحداثٍ حقيقية. في أحد أحياء كوبنهاغن الراقية، ووسط ديكور نموذجيّ حيث تبدو البيوت لمّاعة بأثاثها الباهظ وبأناقة قاطنيها، يحدث ما لم يكن في الحسبان. تختفي الخادمة الفلبينية «روبي» بين ليلة وضحاها، بعد أن أطلقت نداء استغاثة لم تلبّه «سيسيلي». وسيسيلي هي جارة مشغّلي روبي التي حاولت أن تسلّمها سرّها قبل أن تختفي. الخادمة الفلبينية روبي التي اختفت وسط ظروف غامضة (نتفليكس) بداعي الإنسانية والفضول وربما قليلٍ من الذنب، تأخذ سيسيلي على عاتقها مهمة فكّ لغز اختفاء الخادمة الشابة. مع تراكم الأحداث، تكتشف أنّ كل مَن حولها يخبّئون أسراراً مصيريّة قد تكون لها علاقة بالحادثة. بدءاً بجيرانها، الزوج والزوجة وابنهما الذين تدور حولهم شبهات التورّط في قضية خادمتهم. وليس انتهاءً بزوجها وبخادمتها ومربية أولادها الفلبينية «آنجل»، وهي الصديقة المقربة لروبي. وسط أجواء من الغموض والإثارة، تساهم فيها الموسيقى التصويرية والتقنيات الإخراجية، تسلك الحبكة طريقها صعوداً مشوّقاً؛ من الاختفاء وصولاً إلى العثور على روبي جثة تطفو على سطح المياه وحاملاً بطفل. مراهقين وبالغين، يقدّم الممثلون الدنماركيون أداءً أكثر من مقنع يمنح عمقاً نفسياً للشخصيات، ويعكس فحوى القصة، كما أنه يترجم بمهارةٍ أجواءها الغامضة. تأخذ سيسيلي على عاتقها الذهاب حتى النهاية في معرفة خلفيات اختفاء روبي (نتفليكس) صحيح أنّ اختفاء روبي ومقتلها هما المحور، إلّا أن مواضيع كثيرة تتفرّع عنهما. يعالج المسلسل بذكاءٍ وعينٍ ناقدة الصراع بين الأثرياء والفقراء. الجمهور أمام اختلافاتٍ طبقيّة بين الأسياد المحظيين والخادمات، اللواتي قد يختفين ويتعرّضن للخطر من دون أن يكترث أحدٌ للأمر. ويتجسّد ذلك من خلال استخفاف أرباب عمل روبي باختفائها، والذي ينزلق نحو تصرّفاتٍ تنمّ عن عنصرية. ولعلّ الجملة التي يطلقها ابنُ العائلة المشغّلة لروبي في أحد المشاهد الأخيرة، خير تعبيرٍ عمّا يختبئ خلف جدران البيوت الأنيقة: «هي تتقاضى المال كي أعجبها وكي تقوم بكل ما أشاء». مع العلم بأن الدنمارك هي من بين أكثر الدول في العالم حرصاً على حقوق عمّال المنازل الأجانب الذين يتقاضون هناك رواتب مرتفعة. باستخفاف وعنصرية يتعامل مشغّلو روبي مع اختفاء خادمتهم (نتفليكس) وفي ترجمةٍ لمّاحة لهذا الصراع الصامت، اختار مخرج العمل ممثلة من أصحاب البشرة السمراء وغير دنماركية الأصل، لتؤدّي شخصية الشرطية التي تحقّق، باهتمامٍ كبير، في قضية اختفاء روبي. وهي كذلك تحاول أن تثبت نفسها وسط مجتمعٍ «أبيض» ينظر إليها بفوقيّة، ولا يأخذها على محمل الجدّ. في Secrets We Keep، يذكّر الغوص في قضية معاملة الأثرياء للفقراء بأعمال طرحت المسألة ذاتها ونالت شعبيةً كبيرة مؤخراً. من بين أبرزها، أفلام مثل Parasite وTriangle of Sadness، ومسلسلات مثل The White Lotus وExpats. الشرطية التي تتولى التحقيق في القضية (نتفليكس) يعالج المسلسل ألغازه الكثيرة من دون أن يخسر تركيز المُشاهد واهتمامه. التشويق مضمون من البداية حتى النهاية من خلال بناءٍ دراميّ منطقيّ وذكيّ في آنٍ معاً. إلى جانب ذلك، فإنّ الإيقاع سريع، والحلقات الـ6 قصيرة لا تتعدّى ال40 دقيقة. ومهما تعدّدت المواضيع، فهي كلها تصبّ في خدمة الحبكة الأساسية. من بين القضايا المطروحة كذلك، الخطر الذي يشكّله عصر الهواتف الذكية على الجيل الصاعد، والذكوريّة الطافحة لدى الصبية المراهقين. فابنا العائلتين الجارتَين، اللذان يرتادان المدرسة والأنشطة ذاتها ويمضيان معظم وقتهما معاً، يخفيان هما الآخران أسراراً. بينهما وبين زملاء لهما في المدرسة، مجموعة على تطبيق «واتساب» يتبادلون من خلالها فيديوهات إيحائية يصوّرونها بأنفسهم لنساء، من دون معرفتهنّ. يفعل ابن سيسيلي ذلك تحت ضغط التهديد بطرده من المجموعة، فيصوّر الخادمة آنجل. إلا أنّ الضحية الكبرى لفيديوهات الأولاد، هي الخادمة روبي التي جرى تركيب كاميرا مراقبة في غرفتها استغلّها الابن «أوسكار». وفي هذا الطرح، تذكيرٌ بمسلسل Adolescence الذي لاقى نجاحاً ضخماً على «نتفليكس» قبل أشهر. تحوم الشبهات حول الجميع بما في ذلك الأطفال في المسلسل (نتفليكس) ليس Secrets We Keep من صنف المسلسلات التي تضيّع الوقت سُدىً، فهو مشغولٌ باحتراف على مستويَي الشكل والمضمون. تجمع تقنيات التصوير فيه ما بين الجماليّة والتشويق، ورغم أن قالبه هو الجريمة فإنه يتعاطى بمهارة مع مواضيع اجتماعية وإنسانية ونفسية حساسة. تمرّ الرسائل بسلاسة، من دون وعظ أو إطلاق أحكام. وليس عبثاً أنه نال تقييم 100% على موقع Rotten Tomatoes، مشكّلاً بذلك إحدى أنجح التجارب التلفزيونية الدنماركية حتى الآن.