
مراحل إنشاء سوق الكربون الطوعي الأول من نوعه في مصر وإفريقيا
علاء احمد
قالت الهيئة العامة للرقابة المالية إن أولى لبنات سوق الكربون الطوعي الأول من نوعه في مصر وإفريقيا، كان عبر استصدار قرار دولة رئيس مجلس الوزراء بشأن تعديل بعض أحكام اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992 بشأن اعتبار شهادات خفض الانبعاثات الكربونية أداة مالية، وتأسيس البورصة لمنصة التداول، وإنشاء لجنة للإشراف، وذلك كله بناء على اقتراح مجلس إدارة الهيئة.
موضوعات مقترحة
الرقابة المالية
وتلي ذلك تشكيل هيئة الرقابة المالية أول لجنة للإشراف والرقابة على وحدات خفض الانبعاثات الكربونية واختصاصاتها برئاسة رئيس الهيئة، تضم في عضويتها ممثلي هيئة الرقابة المالية، وممثلين عن وزارة البيئة، والبورصة، وأعضاء من ذوي الخبرة في مجال أسواق الكربون.
ثم أصدرت الهيئة قواعد قيد وشطب شهادات خفض الانبعاثات الكربونية بالبورصات المصرية، وكذلك معايير اعتماد سجلات الكربون الطوعية المحلية والتي تُعد بمثابة أنظمة الحفظ المركزية الإلكترونية، وتتضمن سجلات لإصدار وتسجيل وتتبع تسلسل نقل ملكية شهادات خفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن تنفيذ مشروع الخفض وفق المنهجيات الصادرة عن جهات وضع المعايير والمنهجيات، بالتوازي مع اعتماد الهيئة لقواعد التداول بالبورصة المصرية بعد إجراء مشاورات وتنسيقات مكثّفة، واعتماد قواعد التسوية الخاصة بشهادات الكربون الطوعية بالبورصات المصرية.
أشار رئيس هيئة الرقابة المالية، إلى موافقة الهيئة، من خلال لجنة الإشراف والرقابة على وحدات خفض الانبعاثات الكربونية، على تسجيل عدة مشروعات بقاعدة بيانات مشروعات خفض الانبعاثات الكربونية، من دول الهند وعمان وبنجلاديش ومصر حتى الآن.
وأوضحت الهيئة أن شهادات الكربون تصدر بموجب استثمارات تم تنفيذها لخفض الانبعاثات الكربونية مؤكداً سعي الهيئة لتطوير السوق من خلال وضع إطار تنظيمي لتقييم وتصنيف شهادات الكربون لجذب جهات التصنيف المتخصصة، وكذلك تطوير منتجات تأمينية متخصصة لتقليل المخاطر المرتبطة بإصدار وتداول شهادات الكربون، كما أن هدف السوق اجتذاب التمويلات المناخية لمشروعات خفض الانبعاثات الكربونية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


مصراوي
منذ 5 ساعات
- مصراوي
وزيرة البيئة: نظام تمويل المناخ يتطلب إصلاحات محلية ودولية
القاهرة /أ ش أ/ قالت وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد إن نظام تمويل المناخ الدولي يحتاج إلى إصلاحات محلية ودولية لتعزيز الاستثمار الأخضر، ولكي تصل التمويلات اللازمة للدول المستحقة بدون مشروطية. وأكدت فؤاد، تقديرها لما أسفرت عنه النسخة الأولى لمنتدى إفريقيا تنمو خضراء للتمويل المناخي، والذي نظمته مؤسسة استدامة جودة الحياة للتنمية والتطوير تحت رعاية وزارة البيئة، من مناقشات ثرية جمعت شركاء التنمية وممثلي المنظمات الدولية والمؤسسات التمويلية مع ممثلي القطاع الخاص ورواد الأعمال؛ للوقوف على آليات التمويل وكيفية تسريع وتيرة جذب التمويلات الخضراء، في ظل العديد من التحديات منها ارتفاع التكاليف الاستثمارية، واحتياجات تنمية القدرات الوطنية القادرة على التعامل مع المشكلات الخاصة بتمويل المناخ، وأيضًا احتياجات الوصول للمعلومات والبيانات بما يتسق مع متطلبات السوق. وأوضحت حرص الوزارة على تأسيس نظام للتقييم والتحقق والإبلاغ "MRV" لتوفير البيانات اللازمة، بالإضافة إلى ضرورة توسيع دائرة الشراكة مع القطاع الخاص، وخلق مجموعة من السياسات وموارد التمويل والخبرة الفنية المدربة. وأشارت إلى أنه على المستوى الوطني فنحتاج إلى إيجاد بنوك وطنية تعي الفرق بين تمويل الاستدامة وتمويل المناخ، وخلق سياسات داعمة لتمكين الوصول لتمويل المناخ، كتوفير الحوافز وإقامة حوار مع القطاع الخاص وتحديد المشكلات والتغلب عليها تبعًا لاختلافات كل قطاع. وحول دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة المعتمدة على التحول الأخضر، أكدت توافر العديد من الأفكار المبتكرة والتي تحتاج إلى تطبيق وتوفير التمويل اللازم لذلك، لذا تقوّم الوزارة خلال الأيام القادمة ضمن احتفالات مصر باليوم العالمي للبيئة، بإطلاق دليل الشركات الخضراء الذي يضم قائمة بالإجراءات المطلوبة وأفكار المشروعات الخضراء وآليات التمويل؛ لمساعدة تلك الشركات على التحرك في المسار الصحيح بما يلبي احتياجات السوق. وأشارت وزيرة البيئة إلى أهمية النفاذ إلى الأسواق المختلفة في إفريقيا من خلال تعزيز التبادل التجاري المصري الإفريقي، ودعم الصناعات الصغيرة، والطاقة الجديدة والمتجددة، والسياحة، والتمويل المستدام، وحوافز الشراكات. وأكدت أن ملفات التكيف والأمن الغذائي والتصحر والتنوع البيولوجي تعد أولوية بالنسبة لإفريقيا، والتي تعد مواردها الطبيعية مصدر رزق لمواطنيها، مما يتطلب دعم تمويل المناخ لتحقيق النمو الأخضر فيها، فيمكن لإفريقيا أن تحقق خطوات استباقية بدخول سوق الكربون بقوة. وتابعت أن المنتدى تضمن 3 جلسات، الأولى تناولت تمويل المناخ وبرامج التنمية الدولية للتخفيف والتكيف، والتي أدارتها الدكتورة هدى صبري خبيرة تمويل المناخ، حيث استعرضت الجلسة تجربة بداية رحلة التمويل الأخضر في مصر منذ 1994 مع إصدار قانون البيئة ومنه إنشاء صندوق حماية البيئة كآلية تمويلية، وتجربة البنك الأهلي في التمويل الأخضر والتي بدأت في 1998 من خلال التعاون مع مشروع التحكم في التلوث الصناعي التابع لوزارة البيئة لتنفيذ مشروعات رائدة بمجال البيئة. وتناولت الجلسة عرض تجربة شركة القناة للسكر في تبني سياسات إنتاجية قائمة على تحقيق الاستدامة؛ لاعتمادها على تقنيات وتكنولوجيات حدثية تراعي خفض الانبعاثات، ومفاهيم الزراعة الذكية، وإعادة التدوير وصفرية المخلفات، وجهود اتحاد الصناعات المصرية في تشجيع الشركات على تقليل الانبعاثات الكربونية، وتحقيق رؤية شاملة للتنمية المستدامة 2030، والتوسع في استخدام مصادر الطاقة النظيفة مثل: الطاقة الشمسية، لتقليل الأعباء البيئية، وأيضًا ملف البصمة الكربونية والحصول على شهادات الكربون، للوصول لمنتجات مصرية "خضراء" بما يعزز تنافسيتها في الأسواق العالمية. كما استعرضت الجلسة معايير البنك الدولي كمرجعيّة في التمويل الأخضر للعديد من المؤسسات والجهات التمويلية، وكيفية تقليل مخاطر التمويل والاستثمار، وآليات مشاركة البنك لخبراته والمعرفية ومساهمته في بناء القدرات للقطاع الخاص في مصر وإفريقيا. وبدورها..أكدت كليمنس فيدال مديرة وكالة التنمية الفرنسية في مصر، حرص الوكالة على تقديم التمويل للقطاعات المختلفة في مصر، حيث تعمل الوكالة في مصر منذ 2007 وحوالي 90% من المشروعات التي تنفذها لها أثر إيجابي على المناخ خاصة آخر 10 سنوات ماضية. وقالت "إن مصر لديها طموحات عالية في مجال الاستثمار في الطاقة الجديدة والمتجددة، وإن الوكالة تعمل في ضوء التشريعات المصرية، مع العديد من الأجهزة الرقابية والبنك المركزي المصري وهيئة الرقابة المالية؛ لتسريع الإجراءات، كما تعمل طبقًا لتوجيهات الاستدامة المالية، وهناك العديد من الحوافز التي تقدم لجذب المستثمرين. وفي السياق، تناولت الجلسة الثانية تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من التمويل الأخضر وتزويد قادة الأعمال بالمعرفة اللازمة والتشبيك مع الجهات المانحة لتوسيع نطاق حلول التخفيف في مصر وإفريقيا، وأدار الجلسة الدكتور وليد درويش مدير القطاع المركزي للتنمية البشرية والمجتمعية، جهاز تنمية المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. وتناولت الجلسة رؤى الشركات في تنمية الفرص التمويلية للمشروعات الخضراء بالتركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، في ضوء ما تملكه مصر من بيئة خصبة لتكون في صدارة الدول المحتضنة للمشروعات الخضراء، وأيضًا عرض دور التكنولوجيا في في توفير فرص تمويلية للمشروعات الخضراء والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في توفير تكنولوجيا الاستدامة، فمصر أصبح لديها تكنولوجيا زراعية ذكية وطنية. كما تناولت آليات دعم القطاع غير الرسمي في إدارة المخلفات من خلال تقنين أوضاعه، وجمع المعلومات والبيانات التي تساعد على توفير رؤية واضحة في مجال التدوير لتعزيز الاستثمار فيه بما يخدم الاقتصاد الدوار، بجانب عرض دور قطاع التأمين في تخفيف حدة مخاطر الاستثمار للشركات الصغيرة والمتوسطة كعماد لتحقيق الاستدامة في أي مشروع، ودور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP كشريك استراتيجي في دعم هذه الشركات في تحضير قطاعاتها، في ضوء تبني مدخل الانتقال المزدوج الذي يجمع بين التكنولوجيا والرقمنة مع خلق بيئة داعمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومنها تعزيز التمويل المختلط وتطوير السياسات، ورؤية البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد في الاقتصاد الأخضر في إفريقيا من خلال التمويل الأخضر. وتناولت الجلسة الثالثة الاستثمارات الخضراء في مصر وإفريقيا، وأدارت الجلسة الدكتورة غادة قنديل المديرة التنفيذية لبنك نيويورك، حيث تناولت الجلسة الاستثمارات الخضراء في إفريقيا من وجهة نظر الصناعات المختلفة والتحديات والخطوات التي تسهل التعاون المصري الإفريقي بهذا المجال، ورؤى تعزيز الصادرات الدوائية والطبية لإفريقيا وتوطين الصناعات الدوائية. كما تم خلال الجلسة استعراض تجارب عدد من الشركات في العمل مع الدول الإفريقية في إطار اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، والعمل على إعداد مصر لتكون مركزًا تسويقيًا لإفريقيا في مختلف المنتجات، بالإضافة إلى سبل فتح مجال أوسع للاستثمارات المصرية في مجال الطاقة المتجددة في إفريقيا، وتطوير السياحة في مصر وإفريقيا ونقل التجربة السياحية المصرية في السياحة البيئية المستدامة لإفريقيا، وسبل زيادة التمويلات الخضراء لإفريقيا وتعبئة الموارد من الجهات الدولية والقطاع الخاص وتقديم الدعم الفني.


اليوم السابع
منذ 7 ساعات
- اليوم السابع
الاقتصاد الأخضر نحو الاستدامة (ج1)
يشهد العالم اليوم تحولات جذرية في أنماط التفكير التنموي، تعيد رسم العلاقة بين الإنسان والبيئة حيث شكل النموذج الصناعي التقليدي أو ما يعرف بـالاقتصاد البني أساس التنمية لعقود طويلة؛ لكنه أفضى إلى استنزاف الطبيعة وارتفاع درجات التلوث واتساع فجوة الفقر؛ لذا ظهر الاقتصاد الأخضر كأحد المسارات الواعدة بالعالم لتحقيق التنمية المستدامة. ويقدم الاقتصاد الأخضر نموذجًا اقتصاديًا يرتكز على التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، ويعيد النظر في مفهوم التقدم بما يتجاوز المؤشرات المادية التقليدية نحو مقاربة أكثر شمولًا تحترم الحدود البيئية، وتراعي العدالة الاجتماعية، فهو اقتصاد يسعى إلى إحداث تحول في كيفية إنتاج الثروة وتوزيعها، بحيث تدمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية في صميم السياسات الاقتصادية والاستثمارية، وتوفر فرص عمل لائقة في قطاعات صديقة للبيئة. ويتطلب ذلك إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والبيئة، عبر تنمية وعي بيئي جمعي يرتكز على إدراك الترابط العميق بين الصحة البيئية وجودة الحياة، وأهمية استدامة الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، وأن ينظر للبيئة كأصل من أصول الثروة الوطنية ومجال لتحقيق تنمية عادلة وشاملة؛ حيث ترتبط بالقدرة على إنتاج الغذاء والماء والطاقة، ومواجهة التغيرات المناخية التي تمس مباشرة الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات. وقد قدم برنامج الأمم المتحدة للبيئة تعريفًا عمليًا للاقتصاد الأخضر باعتباره اقتصادًا يسهم في رفع مستوى الرفاه البشري والعدالة الاجتماعية، بالتوازي مع تقليص المخاطر البيئية والضغوط على الأنظمة الإيكولوجية، فهو توجيه للنمو الاقتصادي نحو استثمارات خضراء وتزيد من كفاءة استخدام الموارد وتقلل من انبعاثات الكربون وتحد من النفايات والتلوث، وتحافظ على التنوع البيولوجي، وأتت هذه الاستثمارات استجابة لتزايد الطلب العالمي على السلع والخدمات البيئية. ويتقاطع الاقتصاد الأخضر مع معظم أهداف التنمية المستدامة، خاصة ما يتعلق بالصحة الجيدة والتعليم المتميز والطاقة النظيفة والعمل اللائق والنمو الاقتصادي والاستهلاك المسؤول والإنتاج المستدامين والحياة في البر والبحر؛ حيث يؤسس للتكامل بين القطاعات وتحويل الأنماط الاقتصادية نحو الاستدامة، فهو امتدادًا لرؤية تنموية أكثر نضجًا وإنسانية، لا تفصل بين الإنسان والطبيعة، بل ترى في انسجامهما أساسًا للرخاء والاستقرار؛ وهذا تطلب الانتقال لاستثمارات طويلة الأجل وتغييرات جذرية في البنى والهياكل، وإعادة بناء الاقتصاد على أسس أخلاقية تحترم الحياة وتكرم الإنسان وتوفر شروط العيش الكريم للجميع. كما قضي التحول للاقتصاد الأخضر إعادة صياغة السياسات التنموية والاقتصادية، وأنظمة التعليم والتكوين المهني وتحفيز التحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك، إلى جانب دعم التنمية الريفية وترشيد استخدام المياه ومنع تلوثها، والطاقة النظيفة والاقتصاد الدائري وتعزيز الاستثمارات المستدامة، وتطبيق المعايير البيئية في البناء وتصميم المدن الخضراء، ومعالجة النفايات وتشجيع الزراعة المستدامة، وتعزيز الابتكار التكنولوجي في مجالات الطاقة المتجددة، وحماية التنوع البيولوجي، وتوفير فرص عمل جديدة في مجالات مبتكرة ومستدامة، توزيع المنافع الاقتصادية بطريقة أكثر إنصافًا، عبر تقليص الفجوات الاجتماعية وتيسير الوصول العادل إلى الموارد الحيوية والخدمات الأساسية وهو ما يوفر أساسًا اجتماعيًا أكثر توازنًا، ويحدّ من مظاهر الإقصاء والتهميش التي تفرزها النماذج الاقتصادية التقليدية. ويتيح الاقتصاد الأخضر إعادة توزيع المنافع الاقتصادية بشكلٍ أكثر عدالة؛ حيث يتجاوز أبعاده الاقتصادية والتقنية، ليحمل في طياته بعدًا تربويًا وثقافيًا عميقًا؛ حيث يتطلب تحولًا في الوعي الجمعي يبدأ من المؤسسات التعليمية والمؤسسات الثقافية ويستمر عبر الإعلام والعمل المجتمعي، فهو دعوة لتربية الإنسان على قيم المواطنة البيئية، والمسؤولية الجماعية، والتفكير في المصير الإنساني المشترك. ويُمكن دمج مبادئ الاقتصاد الأخضر في النظم التعليمية بناء أجيال جديدة تمتلك أدوات التفكير النقدي، والقدرة على الربط بين القضايا البيئية والاجتماعية، والمرونة في مواجهة الأزمات حيث يصبح المتعلم أكثر وعيًا بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة، ويكون فاعلًا ومبادرًا، يبتكر ويشارك، ويُدرك أن أفعاله الفردية لها أثر كوني لإنسان يمتلك الخيال البيئي والحس الأخلاقي والقدرة على الربط بين الاقتصاد والعدالة والاستدامة، وهذا الإنسان لا يُبنى إلا من خلال منظومة تعليمية وثقافية تعيد الاعتبار للقيم، وتربط بين المعرفة والعمل، وبين الإبداع والمسؤولية، وبين الفرد والجماعة. ورغم وضوح الرؤى الاستراتيجية إلا أن تطبيق السياسات العامة الداعمة للاقتصاد الأخضر تواجه مجموعة من التحديات البنيوية والمعرفية والتمويلية، التي تعيق التحول السلس نحو الاستدامة، ومن أبرز هذه التحديات ضعف الإمكانات الاقتصادية، إذ تعاني كثير من الدول خاصة النامية من ندرة الموارد المالية، مما يحد من قدرتها على تمويل مشروعات الطاقة النظيفة، وتحديث البنية التحتية، وتقديم الحوافز البيئية للقطاع الخاص. وهذا ما يجعل الأولويات التنموية التقليدية تتقدم على الأولويات البيئية، رغم ترابطها العضوي، الى جانب ضعف التنسيق المؤسسي والتشريعي، حيث تفتقر بعض الدول إلى مؤسسات بيئية فعالة أو تشريعات واضحة وقابلة للتنفيذ، مما يفتح المجال للتجاوزات البيئية أو التباطؤ في تنفيذ الاستراتيجيات الخضراء وغالبًا ما تكون السياسات البيئية مجزأة وغير مندمجة ضمن السياسات الاقتصادية والصناعية والزراعية، مما يفقدها الفاعلية والتأثير المطلوب. ونؤكد لا يمكن إغفال ما تتحمله بعض الدول من أعباءً بيئية لم تتسبب فيها، بفعل التغير المناخي الناتج عن النشاط الصناعي في الدول المتقدمة وهذا يضعنا أمام تحقيق العدالة المناخية، في ضوء نهج تكاملي واقعي، يأخذ في الحسبان خصوصيات الدول، ويوفر لها دعم دولي شامل وعادل ومنصف يُمكنها من تنفيذ التزاماتها البيئية دون أن يجهِض طموحاتها التنموية ويعزز من قدراتها المؤسسية، ويوفر تحالفًا دوليًا فاعلًا يسهم في جعل الاقتصاد الأخضر سبيل لتحقيق العدالة والكرامة والتنمية وازدهار واستدامة المجتمعات... وللحديث باقية من زوايا أخري.

مصرس
منذ 7 ساعات
- مصرس
الاقتصاد الأخضر نحو الاستدامة (ج1)
يشهد العالم اليوم تحولات جذرية في أنماط التفكير التنموي، تعيد رسم العلاقة بين الإنسان والبيئة حيث شكل النموذج الصناعي التقليدي أو ما يعرف بالاقتصاد البني أساس التنمية لعقود طويلة؛ لكنه أفضى إلى استنزاف الطبيعة وارتفاع درجات التلوث واتساع فجوة الفقر؛ لذا ظهر الاقتصاد الأخضر كأحد المسارات الواعدة بالعالم لتحقيق التنمية المستدامة. ويقدم الاقتصاد الأخضر نموذجًا اقتصاديًا يرتكز على التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، ويعيد النظر في مفهوم التقدم بما يتجاوز المؤشرات المادية التقليدية نحو مقاربة أكثر شمولًا تحترم الحدود البيئية، وتراعي العدالة الاجتماعية، فهو اقتصاد يسعى إلى إحداث تحول في كيفية إنتاج الثروة وتوزيعها، بحيث تدمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية في صميم السياسات الاقتصادية والاستثمارية، وتوفر فرص عمل لائقة في قطاعات صديقة للبيئة.ويتطلب ذلك إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والبيئة، عبر تنمية وعي بيئي جمعي يرتكز على إدراك الترابط العميق بين الصحة البيئية وجودة الحياة، وأهمية استدامة الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، وأن ينظر للبيئة كأصل من أصول الثروة الوطنية ومجال لتحقيق تنمية عادلة وشاملة؛ حيث ترتبط بالقدرة على إنتاج الغذاء والماء والطاقة، ومواجهة التغيرات المناخية التي تمس مباشرة الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات.وقد قدم برنامج الأمم المتحدة للبيئة تعريفًا عمليًا للاقتصاد الأخضر باعتباره اقتصادًا يسهم في رفع مستوى الرفاه البشري والعدالة الاجتماعية، بالتوازي مع تقليص المخاطر البيئية والضغوط على الأنظمة الإيكولوجية، فهو توجيه للنمو الاقتصادي نحو استثمارات خضراء وتزيد من كفاءة استخدام الموارد وتقلل من انبعاثات الكربون وتحد من النفايات والتلوث، وتحافظ على التنوع البيولوجي، وأتت هذه الاستثمارات استجابة لتزايد الطلب العالمي على السلع والخدمات البيئية.ويتقاطع الاقتصاد الأخضر مع معظم أهداف التنمية المستدامة، خاصة ما يتعلق بالصحة الجيدة والتعليم المتميز والطاقة النظيفة والعمل اللائق والنمو الاقتصادي والاستهلاك المسؤول والإنتاج المستدامين والحياة في البر والبحر؛ حيث يؤسس للتكامل بين القطاعات وتحويل الأنماط الاقتصادية نحو الاستدامة، فهو امتدادًا لرؤية تنموية أكثر نضجًا وإنسانية، لا تفصل بين الإنسان والطبيعة، بل ترى في انسجامهما أساسًا للرخاء والاستقرار؛ وهذا تطلب الانتقال لاستثمارات طويلة الأجل وتغييرات جذرية في البنى والهياكل، وإعادة بناء الاقتصاد على أسس أخلاقية تحترم الحياة وتكرم الإنسان وتوفر شروط العيش الكريم للجميع.كما قضي التحول للاقتصاد الأخضر إعادة صياغة السياسات التنموية والاقتصادية، وأنظمة التعليم والتكوين المهني وتحفيز التحولات في أنماط الإنتاج والاستهلاك، إلى جانب دعم التنمية الريفية وترشيد استخدام المياه ومنع تلوثها، والطاقة النظيفة والاقتصاد الدائري وتعزيز الاستثمارات المستدامة، وتطبيق المعايير البيئية في البناء وتصميم المدن الخضراء، ومعالجة النفايات وتشجيع الزراعة المستدامة، وتعزيز الابتكار التكنولوجي في مجالات الطاقة المتجددة، وحماية التنوع البيولوجي، وتوفير فرص عمل جديدة في مجالات مبتكرة ومستدامة، توزيع المنافع الاقتصادية بطريقة أكثر إنصافًا، عبر تقليص الفجوات الاجتماعية وتيسير الوصول العادل إلى الموارد الحيوية والخدمات الأساسية وهو ما يوفر أساسًا اجتماعيًا أكثر توازنًا، ويحدّ من مظاهر الإقصاء والتهميش التي تفرزها النماذج الاقتصادية التقليدية.ويتيح الاقتصاد الأخضر إعادة توزيع المنافع الاقتصادية بشكلٍ أكثر عدالة؛ حيث يتجاوز أبعاده الاقتصادية والتقنية، ليحمل في طياته بعدًا تربويًا وثقافيًا عميقًا؛ حيث يتطلب تحولًا في الوعي الجمعي يبدأ من المؤسسات التعليمية والمؤسسات الثقافية ويستمر عبر الإعلام والعمل المجتمعي، فهو دعوة لتربية الإنسان على قيم المواطنة البيئية، والمسؤولية الجماعية، والتفكير في المصير الإنساني المشترك.ويُمكن دمج مبادئ الاقتصاد الأخضر في النظم التعليمية بناء أجيال جديدة تمتلك أدوات التفكير النقدي، والقدرة على الربط بين القضايا البيئية والاجتماعية، والمرونة في مواجهة الأزمات حيث يصبح المتعلم أكثر وعيًا بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة، ويكون فاعلًا ومبادرًا، يبتكر ويشارك، ويُدرك أن أفعاله الفردية لها أثر كوني لإنسان يمتلك الخيال البيئي والحس الأخلاقي والقدرة على الربط بين الاقتصاد والعدالة والاستدامة، وهذا الإنسان لا يُبنى إلا من خلال منظومة تعليمية وثقافية تعيد الاعتبار للقيم، وتربط بين المعرفة والعمل، وبين الإبداع والمسؤولية، وبين الفرد والجماعة.ورغم وضوح الرؤى الاستراتيجية إلا أن تطبيق السياسات العامة الداعمة للاقتصاد الأخضر تواجه مجموعة من التحديات البنيوية والمعرفية والتمويلية، التي تعيق التحول السلس نحو الاستدامة، ومن أبرز هذه التحديات ضعف الإمكانات الاقتصادية، إذ تعاني كثير من الدول خاصة النامية من ندرة الموارد المالية، مما يحد من قدرتها على تمويل مشروعات الطاقة النظيفة، وتحديث البنية التحتية، وتقديم الحوافز البيئية للقطاع الخاص.وهذا ما يجعل الأولويات التنموية التقليدية تتقدم على الأولويات البيئية، رغم ترابطها العضوي، الى جانب ضعف التنسيق المؤسسي والتشريعي، حيث تفتقر بعض الدول إلى مؤسسات بيئية فعالة أو تشريعات واضحة وقابلة للتنفيذ، مما يفتح المجال للتجاوزات البيئية أو التباطؤ في تنفيذ الاستراتيجيات الخضراء وغالبًا ما تكون السياسات البيئية مجزأة وغير مندمجة ضمن السياسات الاقتصادية والصناعية والزراعية، مما يفقدها الفاعلية والتأثير المطلوب.ونؤكد لا يمكن إغفال ما تتحمله بعض الدول من أعباءً بيئية لم تتسبب فيها، بفعل التغير المناخي الناتج عن النشاط الصناعي في الدول المتقدمة وهذا يضعنا أمام تحقيق العدالة المناخية، في ضوء نهج تكاملي واقعي، يأخذ في الحسبان خصوصيات الدول، ويوفر لها دعم دولي شامل وعادل ومنصف يُمكنها من تنفيذ التزاماتها البيئية دون أن يجهِض طموحاتها التنموية ويعزز من قدراتها المؤسسية، ويوفر تحالفًا دوليًا فاعلًا يسهم في جعل الاقتصاد الأخضر سبيل لتحقيق العدالة والكرامة والتنمية وازدهار واستدامة المجتمعات... وللحديث باقية من زوايا أخري.