
عندما يكون الظمأ لغير الماء!
تنقضي العشر الأولى من أيام رمضان المبارك، والتي لا تلبث فيها إلا وتردد مع غروب الشمس ودخول وقت الإفطار: "اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وبك آمنت، ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله"، لتدخل في مرحلة الراحة بعد أن ذهب الظمأ عنك بدايةً بعد عناء يوم متعب ومشمس بعض الشيء.
ويأتي القرآن في آيات وصف الجنة {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}، يعني: أن تصاب بالعطش من شأنه أن يُذهب عنك النعيم، فيسعى الإنسان جاهدًا لأن ينال عظيم الجزاء شريطة عظم الفعل والعمل.
حتى في العلاقات بين الناس، شائعٌ بينهم أن يدعو كلٌ للآخر أن يشرب من حوض النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الذي اختص الله به الأنبياء، ومن شرب من يد النبي لا يظمأ بعدها أبدًا، فالحديث يأتي مصدقًا أيضًا؛ فعن سهل بن سعد قال: سمعت النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلّم- يقول: "أنا فَرَطُكُم على الحوض، فَمَنْ وَرَدَه شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدًا..". تأتي هذه الشربة بعد أن يشتد الكرب على الناس، وتدنو الشمس من الرؤوس، ويتمكن العطش من الناس.
سيذهب الظمأ وتبتل العروق وتثبت الكرامة
لا تتوقف الأحاديث والأقوال عن الظمأ، ويتجلى في أقوال الشعراء والأدباء والكتاب والسياسيين السعي وراء الارتواء الذي يعاكس الظمأ في مفهومه، فتنساب أحرفهم في التوصيف.
اليوم، كثيرون باتوا ظمأى.. ليس للماء، وإنما لكرامة تصونهم وتقيهم، يضربون في الأرض يبتغونها، يصارعون الحياة لإعلاء كلمة الحق، يواجهون الصعاب من أجل الحرية، يرفضون الذل والعار ويقاتلون ويقتلون.
اليوم أصبح الظمأ لأشياء من حولهم يتوقون إليها.. ظمأ لأمنٍ فُقد من دارهم، لشجاعة بعد خوف ورعب وبؤس، لغنًى بعد فقر مفتعل، ولعدالة ومساواة.. أصبحوا بحاجة إلى إنسانية!. الناس اليوم غريبون حتى في أوطانهم.
وفي غزة تتلخص أيضًا قصص الظمأ، بعد أكثر من خمسة عشر شهرًا من الحرب الطاحنة، التي خلفت وراءها كثيرًا من الشهداء والجرحى، وتركت الكثير من الجراح الغائرة في الصدر، ما رُوي منها وما لم يُروَ، تتضمن المعنى الحقيقي للظمأ، لغير الماء والأكل والشرب، كانوا ظمأى للنصر، والموقف الحازم، والدعم غير المنقطع، والمؤازرة، كانوا يواجهون الظمأ يوميًا، منهم من مات لأجله، ومن تحامل، ومنهم من يظمأ إلى الحرية بعد الاعتقال القسري لأبنائه وأولاده أو حتى نفسه.
وشاهد العالم كله مقدار الفرحة المرتسمة على وجوه من حُرروا من سجون الاحتلال بعد أن ذاقوا الويلات، ومنهم من أطل عليه عميد الأسرى بعد أن قضى 4 عقود في الأسر، خرجوا مرفوعي الرؤوس لأنهم أدركوا معنى أن تنال حريتك بعد ظمأ السنوات.
ولا يقل شأنًا الحديث عن السودان الذي يذوق الويلات من حرب أهلية، نكلت بالأهالي والناس، وهجّرتهم إلى الفناء، وقد ظن من يذبح ويقاتل أن آلاته المدمرة تروي ظمأ الناس بالتخويف أن اسكتوا أو تُذبحوا، لم يعرفوا أن الارتواء بالنسبة لهم كرامة تتخطى حاجز القتل والدمار.
وسوريا اليوم، بعد عقد ونيف من ثورتها، تشرب كأس الحرية بعد ظمأ طال دماء كثيرين، وهجر أهلها، وذبح أطفالهم ونساءهم، وسجن كثيرين، وغيب كثيرين، إلا أنهم نالوا ما سعوا إليه وتمنوا، حتى وإن رافق الحرية قليل من العثرات، إلا أنها حرية، ويعرف معناها من ذاقها.
الراحة تؤخذ لا تطلب، الراحة هي السعي وراء نيل الكرامة والحرية، الراحة تأتي في مرحلة الآخرة، الراحة تكون حيث يكون الظمأ في أعلى مستوى له.
قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.. ويحيا الإنسان بكرامته.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
منذ 3 ساعات
- العرب القطرية
«إحسان» يكرم كبار القدر الفائزين بمسابقة «القرآن الكريم»
الدوحة - العرب احتفى مركز تمكين ورعاية كبار السن «إحسان» أحد المراكز المنضوية تحت مظلة المؤسسة القطرية للعمل الاجتماعي، بالفائزين والفائزات في مسابقة «إحسان» للقرآن الكريم لكبار القدر، والتي جاءت بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وبدعم من البنك الأهلي وذلك في حفل ختامي مميز بحضور مسؤولي المركز وموظفيه إضافة إلى الجهات الداعمة. وشهدت النسخة الثامنة من المسابقة هذا العام مشاركة واسعة من كبار القدر، حيث بلغ عددهم 333 مشاركًا ومشاركة، من بينهم 245 سيدة و88 رجلًا. وقد تنافسوا في ثلاثة فروع رئيسية: حفظ القرآن الكريم كاملاً، حفظ الجزء الخامس والعشرين، والتلاوة الصحيحة من المصحف الشريف دون أخطاء. وأسفرت النتائج عن فوز 39 متسابقة و4 متسابقين بالمراكز الأولى. وفي هذا الإطار تم رصد جوائز مالية قيمة بلغ مجموعها 100 ألف ريال موزعة على الفائزين والفائزات في الفروع الثلاثة للمسابقة تقديراً لجهودهم وتحفيزاً لمواصلة حفظ وتلاوة كتاب الله الكريم. وبهذه المناسبة، صرّحت السيدة شيخة أحمد الحريب مدير إدارة التوعية والتواصل المجتمعي بمركز إحسان قائلة: هذه المسابقة أصبحت جزءًا أساسياً من برامج المركز السنوية، ونجاحها المتواصل يعكس حرص كبار القدر على التفاعل والمشاركة في البرامج القرآنية. ما يميز النسخة الثامنة هو اتساع دائرة المشاركة عامًا بعد عام، ما يدل على الأثر الإيجابي المتنامي لهذه المبادرة. نحرص على أن تسهم المسابقة في رفع جودة حياة كبار القدر بكل أبعادها وتعزز قدراتهم الذهنية والاجتماعية. كما علّق أحد الفائزين من الرجال السيد عبدالسلام علي بقول: «القرآن الكريم أساس حياتي، أبدأ يومي بالقرآن وأختمه به، وهذه المسابقة كانت تجربة مميزة منحتني شعور التنافس وسط أجواء محفّزة وداعمة. أشكر كل من ساهم في تنظيم هذه المسابقة المباركة». وقالت إحدى الفائزات: «عندما بدأت الحفظ، لم أتوقع أن أصل إلى هذه المرحلة، ولكن بفضل التشجيع المستمر، اكتسبت ثقة كبيرة بنفسي. هذه المشاركة كانت فرصة عظيمة أعادت لي الثقة بقدرتي على التعلم والحفظ والمشاركة مهما كان العمر». وكان مركز «إحسان» قد أعلن عن فتح باب التسجيل في الفترة من 2 مارس حتي 6 أبريل الماضيين، حيث أُتيحت الفرصة لكافة المواطنين والمقيمين من كبار السن ممن تجاوزوا الستين عامًا، للتسجيل والمشاركة. وقد جرت التصفيات النهائية للمسابقة خلال الفترة من 13 حتي 30 أبريل حيث تم تخصيص قاعات منفصلة للرجال والسيدات في مقر مركز إحسان مع لجنتين متخصصتين لكل فئة. وتأتي هذه المبادرة في إطار التزام المركز بتقديم برامج نوعية تعزز من مكانة كبار القدر، وتدعم قدراتهم الدينية والاجتماعية، بما يسهم في تعزيز مشاركتهم المجتمعية والارتقاء بجودة حياتهم.


العرب القطرية
منذ 5 ساعات
- العرب القطرية
حكمٌ حكيم
-A A A+ حكمٌ حكيم أليس الله بأحكم الحاكمين؟ بلى، بلى، يا رب، ونحن على ذلك من الشاهدين، سبحانك لا تُسأل عما تفعل، ولا اعتراض على حكمك، ولا رادّ لأمرك. إنّ إقرارنا باسم الله الحكيم وبحكمته جلّ جلاله، يقتضي منّا ترويض أنفسنا على تلقي أحكامه القدرية بالقبول والرضا، وعدم الاعتراض على ما قدّر وقضى، فالحكم القدري هو خلاف التكليفي، وهو بيد الله، وإذ لا خيار لنا فيه، فلا اعتراض لنا عليه، وهو كأن يخلق الله العبد قبيحًا ذميمًا، أو أن يخلقه قسيمًا وسيمًا، وأن يخلقه عجميًا أو عربيًا، أبيض أو أسود، كل هذا من أحكام الله القدرية الكونية. ومن أحكامه في عالم الأمر؛ الإيجاد والإماتة والإحياء، يقدرها على مقتضى مشيئته، فنقول إزاءها ما قاله سبحانه: (وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيْرُ)، وما أحسن ما قال أبو الحسن التهامي في رثاء ولد له مات صغيرًا، وكان هو شيخًا كبيرًا، فأخذ الحزن به كل مأخذ، ولكنه لم يعترض على حكمة الله: حكم المنية في البريـــــــــة (جــــــاري) ما هــــذه الدنيـــــــــا بـــــــــــدار قـــــــــــــــــــرار بينا يرى الإنســـــــان فيها مخبــــرًا حتى يرى خبرًا مــــــــــن الأخبــــــــــــــــــــــار يا كوكبًا ما كان أقصـــــــــر عمـــره وكذاك عمـــر كواكب الأسحار جاورت أعـــــــــدائي وجـــــــــــاور ربـــــــــــــه شتـــــــــــــــــــــــان بين جــــــــــــــــواره وجواري نعم شتان بين الجوارين، وسبحان من يلهم الرضا ويبث الألطاف مع الأقدار والنوازل، فيأخذ بها الحليم العاقل ويُعرض عنها الغَشوم الجاهل، ونسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الدارين، وأن يبصرنا بحكمته، فنكون من الشاكرين على نعمته ومن الصابرين على المحن والنقم، فمن سخِطَ فله السخط، ومن رضي فله الرضا. وأما حكمته سبحانه وتعالى، وهي خلو أقداره من العبث تعالى، وقيامها على أتم الإحكام والإبرام، فإذا تسرب إلى العبد أن يعترض بقوله: لم جعل الله كذا أو خلق كذا؟ ولم يكن لديه علم يبصر من خلاله الحكمة الخافية، فعليه أن يسارع إلى نسبها للحكيم الخبير، والحكيم العليم. وقد آنسَنا ربنا جلَّ وعلا بأمثلة من رحلة موسى مع الخضر وعدم استطاعته الصبر، المذكورة في سورة الكهف، وذلك لأن الله جل وعلا إنما كشف للخضر من السرِّ ما لم يكشفه لموسى عليهما السلام، فكان الخضر كلما أحدث أمرًا عدّه موسى عجبًا ونكرًا، وسارع إلى استجوابه وحسابه، فاعترض على خرق السفينة؛ لأنها قد تفضي بأهلها إلى الغرق والهلاك، وعلى قتل الطفل الصغير بلا جريرة ولا جريمة، ثم أشاد جدارًا بلا أجر لأصحاب القرية اللئيمة، وكان موسى عليه السلام موضع الدهشة والنكير حتى الاعتراض الأخير الذي أفضى إلى الفراق بينهما، وكان أن كشف الخضر عليه السلام الأسرار الكامنة والحكم الباطنة التي أطلعه الله عليها، فكان ما فعله الخضر عين الرحمة النابعة من الحكمة. وسبحان الحكيم الذي قدّر لموسى عليه السلام أن تقع له أحداثٌ مشابهة في مجرى حياته، فهو الذي ألقته أمّه في التابوت وقذفته في اليم، وهذا الأمر ظاهره القسوة وقلة الإشفاق والعطف من الأم على صغيرها، ولكنها فعلت ذلك بما أوحى الله لها وألقى في روعها وشعورها، بأنّ طريق نجاته يمر من مظان هلاكه، وهو يشبه السفينة التي خرقها الخضر لكي يزهد بها القراصنة ويعافوها لأصحابها المساكين، وكذلك فقد وكز موسى رجلًا فقضى عليه، كما فعل الخضر إذ قتل الغلام، وكذلك فقد سقى موسى للفتاتين في مدين بلا طائل ولا مقابل، كما شاد الخضر الجدار، ومن وراء هذا وذاك حكمة الحكيم العليم. فما أعظم أن نسلم أمورنا التي لا قدرة لتفكيرنا عليها إلى الله الحكيم، مسلّمين مذعنين، مؤمنين حق الإيمان أنّ وراء ذلك حكمة إلهية ومقصدا يريده سبحانه وتعالى، وأن إخفاءه عنّا إنما هو في مصلحتنا، وفيه خيرنا. @zainabalmahmoud @zalmahmoud@


العرب القطرية
منذ 14 ساعات
- العرب القطرية
التقته «العرب» ضمن باب «عيالنا والقرآن» رمضان الماضي.. الطفل حمد المنصوري حافظ كتاب الله.. في رحاب ربه
الدوحة - العرب توفي، أمس، إثر حادث أليم، الطفل حمد عبدالعزيز يوسف حسن المنصوري (الطالب بالصف السابع بالمعهد الديني الإعدادي الثانوي للبنين)، والذي التقته «العرب» رمضان الماضي ضمن باب «عيالنا والقرآن»، ضمن مجموعة كبيرة من طلاب مركز النور القرآني التربوي. وكان حمد حريصاً على حفظ القرآن الكريم، وأكد خلال اللقاء مع «العرب» على أن والديه حريصان على تشجيعه بصورة مستمرة على الدراسة والحفظ، فكان، رحمه الله، يقسم وقته بين الحفظ والدراسة، فيراجع 10 صفحات من كتاب الله بصورة يومية، وبعدها كان يبدأ في الحفظ، وكان ينوي الاستمرار على نهج الحفظ والتلاوة حتى يختم كتاب الله. وأسرة تحرير «العرب» تتقدم بالتعزية لأسرة حمد، سائلين الله أن يجعل سعيه في حفظ القرآن في ميزان حسناته، وأن يلهم أسرته الصبر والسلوان.