
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت "أم الشاشات"؟ وهل نستغني عنها؟
لا أزال إنساناً قديماً، هكذا اعتبر نفسي عندما أتعامل مع التلفزيون، لا يمكنني التخلي عمّا اعتدت عليه منذ صغري؛ أن أنتظر مسلسلي المفضل، أو نشرة الأخبار الرئيسية، أو برنامجاً يثري معرفتي في ساعة محددة، رغم أني لم أتجاوز الخامسة والثلاثين من عمري، إلا أن الالتزام الذي يضفيه التلفزيون على حياتي يطغى على مواكبتي لتكنولوجيا الشاشات الذكية في عالم البث.
هذه قصتي مع التلفزيون والتي دفعتني لأن أكتب محتفلاً بيومه العالمي الذي حدّدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، إحياءً لذكرى اليوم الذي انعقد فيه أول منتدى عالمي للتلفزيون.
وبحسب الأمم المتحدة، فقد جاء هذا الحدث بوصفه اعترافاً بالتأثير المتزايد للتلفزيون في عملية صنع القرار، وهو ما يعنى الاعتراف بالتلفزيون كوسيلة أساسية في إيصال المعلومة إلى الرأي العام والتأثير فيه.
وتقول الأمم المتحدة إن اليوم العالمي للتلفزيون ليس احتفاءً بأداة بقدر ما هو احتفاء بالفلسفة التي تعبر عنها هذه الأداة.
وبينما تتحكم ساعة تلفزيونية بعقارب ساعتي اليومية، فإن التلفزيون بالنسبة لطارق نصير، 58 عاماً، ليس مجرد شاشة، بل هو جزء من نمط حياة.
ويضيف: منذ صغري وأنا أنتظر مواعيد البرامج والمسلسلات بفارغ الصبر، وأعتبر هذه المواعيد طقوساً يومية. الأخبار تأتي في وقت محدد، المسلسل في وقت محدد، وهذا يجعل يومي منظّماً. "أما الشاشات الذكية، فأشعر أنها تسرق الإحساس بالانتظار والالتزام".
وفي تعليقه على تأثير التكنولوجيا على المشاهدة التلفزيونية، لا ينكر نصير فوائدها، لكنها "أضاعت روح المشاركة"، بحسب رأيه.
"في الماضي، كنا نتحدث كعائلة عن المسلسل الذي شاهدناه معاً أو الأخبار التي تابعناها. اليوم، كل شخص يشاهد شيئاً مختلفاً بمفرده. أفتقد تلك اللحظات الجماعية"، بحسب نصير.
كيف تطور التلفزيون عبر العقود؟
منذ اختراع التلفزيون في أوائل القرن العشرين، شهد الجهاز تطوراً هائلًا على مر العقود. بدأت أجهزة التلفزيون بمظهر بسيط وتقنيات محدودة، لكنها أصبحت الآن جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، وتطورت بشكل كبير في جوانب عدة مثل الجودة، وتقنيات البث، والمحتوى. في هذا السياق، نلقي الضوء على أبرز مراحل تطور التلفزيون عبر التاريخ.
نشأة التلفزيون (1920-1930)
التطور الأولي للتلفزيون كان نتاجاً لاكتشافات علمية عدة في مجال البث الإشعاعي والصورة المتحركة، ففي عام 1927، قدم العالم الأمريكي فيلكس بيتيرسون أول بث تلفزيوني باستخدام أنابيب الكاثود، بينما كان الباحث جون بيرد في بريطانيا أول من أرسل إشارات تلفزيونية من خلال الأسلاك، مما يعد خطوة هامة نحو مفهوم التلفزيون الحديث.
وفي الأربعينات والخمسينات، أصبح التلفزيون تقنية منتشرة بشكل تدريجي، وأصبح متاحاً للبث العام في العديد من البلدان، وفي هذه الفترة، كان التلفزيون يقتصر على بث البرامج بالأبيض والأسود، بينما كانت التجارب مستمرة لإنتاجه بالألوان منذ عام 1928.
التلوين (1950 – 1970)
بعد تداعيات الحرب العالمية الثانية، ووفاة البريطاني جون بيرد الذي قدّم عروضاً كثيرة للتلفزيون الملون قبل اعتماده رسمياً، انتقلت التجارب إلى أمريكا، وفي أوائل الستينات، قدمت الشركات الأمريكية أول بث تلفزيوني بالألوان، ليشكل هذا ثورة حقيقية في طريقة تقديم المحتوى المرئي.
التلفزيون الرقمي (1980 – 2000)
مع بداية التسعينات، دخل التلفزيون مرحلة جديدة من التطور مع ظهور التلفزيون الرقمي والقنوات الفضائية، إذ أسهمت هذه التقنيات في تحسين جودة الصورة والصوت، وتمكن المشاهد من متابعة مجموعة واسعة من القنوات المتخصصة، فقد أصبح البث الفضائي متاحاً وبدأ استخدام الستالايت في معظم أنحاء العالم، مما سمح بانتشار قنوات فضائية عالمية.
التلفزيون عالي الدقة (HD) (2000 إلى 2010)
في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، ظهرت تقنية التلفزيون عالي الدقة (HD)، والتي قدمت صورة أكثر وضوحاً وتفاصيل دقيقة، إضافة إلى تحسين الصوت بشكل ملحوظ، وتطورت التقنيات أيضاً لتشمل البث عبر الإنترنت من خلال منصات مثل يوتيوب ونتفليكس، التي بدأت في تغيير الطريقة التي يستهلك بها الناس المحتوى التلفزيوني.
البث عبر الإنترنت والبث التفاعلي (2010 – 2020)
في العقدين الأخيرين، بدأ البث عبر الإنترنت يأخذ زمام القيادة، مما أحدث تحولًا كبيراً في صناعة التلفزيون، ونشأت منصات أصبحت تهيمن على كيفية استهلاك الجمهور للمحتوى.
التلفزيون 4k و 8k (2020 – وقتنا الحاضر)
وفي العقد الحالي، بدأ التلفزيون يتجه نحو دقة عرض أعلى، مما يوفر للمشاهدين صوراً أكثر وضوحاً وتفاصيل فائقة الدقة، كما أن الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) أصبحا جزءاً من تجربة المشاهدة في بعض التطبيقات.
"أشعر وكأن الوقت فقد قيمته"
ومع دخول الشاشات الذكية، والتطبيقات عالم التلفزيون، بات الناس أمام حرية مشاهدة أوسع، بعيداً عن القيود المهنية والأخلاقية التي تفرضها القنوات التلفزيونية على المحتوى، وأصبح لدى كل فرد حرية اختيار المحتوى الذي يتابعه وفي الوقت الذي يراه مناسباً.
سألتُ نُصير، عمّا إذا كانت خيارات المشاهدة حسب الطلب تغنيه عن الالتزام بوقت محدد، فكان ردّه أن الالتزام بمواعيد البث يمنحنه شعوراً بالانضباط.
ويقول: "عندما أعرف أن الأخبار الساعة الثامنة أو المسلسل الساعة التاسعة، أرتب وقتي على هذا الأساس، أما إذا كان كل شيء متاحاً في أي وقت، أشعر وكأن الوقت فقد قيمته".
وينتقد الشاشات الذكية رغم اقتنائها في منزله "لأن أبناءه شباب ويواكبون التكنولوجيا المتطورة"، بحسب قوله، معتبراَ أن التنقل بين التطبيقات والقوائم معقدٌ بالنسبة له، مقارنة بجهاز التحكم البسيط للتلفزيون، كما أنه يفضل الشاشة الكبيرة، على متابعة أي محتوى على الشاشات الذكية الصغيرة.
ويقول: "التلفزيون بالنسبة لي أم الشاشات".
توافق سميرة الكايد، 68 عاماً، الرأي بالقول إن انتظار المسلسل التلفزيوني في ساعة معينة له شعور خاص، شغف انتظار ما سيحدث في حلقة يوم غد شيء مميز بالنسبة لها، لا تستطيع أن تستغني عنه رغم قدرتها على متابعة الحلقات جميعا في وقت واحد كما توفرها تطبيقات البث الجديدة.
لم تتغير عادات المتابعة التلفزيونية للكايد على مر العقود، فمسلسل سهرة المساء لا يزال له ساعة محددة في يومها.
وتقول الكايد، وهي ربّة منزل، أن التلفزيون يلبّي احتياجاتها من حيث المحتوى الذي ترغب في متابعته، وأن ما توفره تطبيقات البث الحديثة "مبالغ به" بحسب رأيها، ويُفقدها "المتعة الخاصة" التي تضفيها المتابعة التلفزيونية.
أما بالنسبة للأخبار، فهي تعتمد التلفزيون والتطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي كمصادر، دون تفضيل لأي منها على الآخر.
"الجمهور أصبح أكثر انتقائية وتفاعلية"
وتؤكد الدكتورة بيان القضاة، أستاذة الإعلام الرقمي، في حديثها لبي بي سي بمناسبة "يوم التلفزيون العالمي"، على الدور المحوري الذي لعبه التلفزيون في تشكيل الثقافة المجتمعية في العالم العربي خلال العقود الماضية.
وتوضح القضاة أن التلفزيون كان الوسيلة الأساسية التي تساهم في نقل الأخبار، وترفيه الجمهور، وتعليم فئات المجتمع بشكل غير مباشر، مما جعل له تأثيراً كبيراً في نشر اللهجات المحلية، وتعزيز الهوية الوطنية، وزيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية والسياسية.
ومع ظهور عصر البث الرقمي وتنامي منصات الفيديو تغير تأثير التلفزيون بشكل جذري، بحسب القضاة، التي تشير إلى أن الخيارات المتعددة أصبحت متاحة الآن للجمهور، ما يسمح لهم بالوصول إلى محتوى متنوع من ثقافات ولغات مختلفة، "هذا التوسع أسهم في التأثير على الهوية الثقافية المحلية"، وفتح المجال لما وصفته بالعولمة الثقافية.
وفي الوقت ذاته، ترى القضاة أن الجمهور أصبح أكثر انتقائية وتفاعلية، "ما أدى إلى تراجع هيمنة التلفزيون التقليدي كمصدر رئيسي للمعلومات والترفيه".
تطرقت القضاة أيضاً إلى دور التلفزيون البارز في تشكيل الرأي العام، لا سيما في العالم العربي، وأوضحت أن التلفزيون كان له دور أساسي في تغطية الأحداث السياسية الكبرى والثورات، وأبرز مثال على ذلك هو تأثير التغطية التلفزيونية لأحداث الربيع العربي، "إذ تمكن التلفزيون من نقل الأحداث بشكل واسع وبث أصوات العديد من الفئات المهمشة في المجتمعات العربية".
"مع مرور الوقت، تراجع هذا الدور بسبب ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو التي أفسحت المجال للأفراد لبث الأخبار وتشكيل الرأي العام بشكل مستقل"، بحسب القضاة.
ورغم ذلك، أكدت القضاة أن التلفزيون لا يزال يحتفظ بمكانته المؤثرة، خاصة بين الأجيال الأكبر سناً وفي المناطق التي ما تزال فيها معدلات استخدام الإنترنت منخفضة.
أما في ما يتعلق بتأثير التقنيات الحديثة على التلفزيون، فقد أشارت القضاة إلى أن البث الرقمي، ومنصات الفيديو عند الطلب (OTT)، بالإضافة إلى التكنولوجيا التفاعلية، غيرت بشكل جذري من دور التلفزيون التقليدي، ففي الماضي، كان التلفزيون الوسيلة الإعلامية الوحيدة أو الرئيسية التي يعتمد عليها الجمهور، ولكن الآن أصبح التلفزيون جزءًا من نظام إعلامي متعدد المنصات.
التلفزيون التقليدي بمواجهة العصر الرقمي
وعن التحديات التي يواجهها التلفزيون التقليدي في هذا العصر الرقمي، وما إذا كان هذا العصر سيدفعنا للاستغناء عن التلفزيون، تقول القضاة في حديثها مع بي بي سي: "أحد التحديات الكبرى هو تراجع عدد المشاهدين التقليديين، خاصة مع زيادة المنافسة من المحتوى الرقمي الذي تقدمه منصات مثل يوتيوب ونتفليكس، إلى جانب صعوبة جذب الفئات الشابة التي تفضل الاستهلاك الترفيهي والتعليم عبر الإنترنت".
لكن، وبالرغم من هذه التحديات، أضافت القضاة أن هذه التحولات تحمل أيضاً فرصاً كبيرة للتلفزيون، مثل إمكانية التخصيص الكبير للمحتوى، والوصول إلى جمهور عالمي، فضلاً عن استخدام التكنولوجيا مثل الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة المشاهدة.
وفي هذا السياق، لفتت القضاة، والتي عملت سابقاً لسبع سنوات في أول مدينة إعلامية أردنية احتضنت قنوات تلفزيونية عربية وعالمية منذ عام 2001، إلى أن هذه التحولات تمثلُ تحولًا نوعياً قد يكون دافعاً رئيسياً لتلفزيون المستقبل كي يواكب احتياجات العصر الرقمي ويوازي تطور وسائل الإعلام الحديثة بدلًا من أن يتراجع دوره.
كنتُ قد التقيت بصديق لي في أحد المقاهي، إنه زيد، شاب يصغرني بالعمر، أعتقد أنه في أواخر العشرينات، وبعد أن تبادلنا السلام، قال لي إنه جاء ليقضي ساعة من الوقت خارج المنزل، بعيداً عن أجواء العائلة، لكن فضولي دفعني لأن أسأله عما يزعجه من العائلة في هذه الساعة.
جاءت الإجابة كما توقعتها، فالثامنة مساءً بالنسبة لوالديه هي ساعة مسلسلهم المسائي المفضل، ولا يمكنهم التفريط في تلك اللحظات، وهو ما لا يستطيع زيد أن يتحمله، فهو يرى أن منصة واحدة قادرة على أن تختصر عشرات الساعات من الجلوس أمام التلفزيون في ساعتين، بحسب قوله.
حدّثته عن فكرة التقرير الذي تقرأه الآن، وطلبت منه أن يتصل بوالده، فقط لأستشعر قدسية هذه الساعة بالنسبة للعائلة، لكن العم "أبو زيد" لم يجب على اتصالنا، إلا بعد مرور حوالي الساعة، فأدركنا أن المسلسل قد انتهى.
تحدثت إلى "أبو زيد"، ضحكنا كثيراً على ما يراه من فوارق بين الحديث والقديم، كانت من أمتع المحادثات بالنسبة لي، لكن ما اختصر عشرين دقيقة من الكلام جملة واحدة قالها لي: "لكل زمن جيل، ولكل جيل عادة".
لا يعلم العم "أبو زيد" أنني من هذا الجيل، لكن عاداتي في مشاهدة التلفزيون تعود لجيل سابق.
على كل حال، إن كنت تقرأ هذا التقرير وساعتك الذكية تشير إلى السادسة مساءً فأنا الآن في طريقي إلى النادي الرياضي، لأنهي تدريباً مدته ساعة ونصف، قبل أن أعود إلى المنزل وأتابع المسلسل ذاته عند الثامنة، فأنا متحمس لحلقة جديدة، موجودة على المنصات منذ أربعة أيام.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الزمان
منذ 4 ساعات
- الزمان
تعلَّموا من إستونيا
هاشتاك الناس تعلَّموا من إستونيا – ياس خضير البياتي هل سمعتم بتلك الدولةِ الصغيرة التي همَّشتها الخرائط وغفل عنها نظر الناظرين؟ إنها دولة لا يُذكر اسمُها في أناشيد الفخر والمُباهاة، ولا تلمع صورتها في إعلانات السياحة الفخمة. هي هناك، في أقصى الشمال الأوروبي، ميكرو دولة تدعى (إستونيا) لكنها مخبأة كلؤلؤةٍ في محارة لا تراها جغرافيا البحر. ورغم ذلك تعيد لنا رونقها تكنولوجيا العصر وترفع ذكرَها، وتُعلي من شأنها. إنها ليست مدينة الأضواء؛ بل مدينة الذكاء. لقد تفوَّقت رقميًّا على مدنٍ تسوّق نفسَها لنا يوميًّا، ولم تحتَجْ إلا إلى عقلٍ حر، وشبكة عنكبوتية، وقرار وطني لا تكتبه الطوائف. إنها دولة بالكاد تُرى على خريطة العالم؛ لم تختَر الحرب، ولا النفط، ولا مصانع الحديد؛ بل اختارت أن تصبح أول جمهورية رقمية في التاريخ وكان ذلك عام (1991)، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. بدأت من الصفر؛ دون بِنيةٍ تحتية، أو نظمٍ مالية متطورة، أو حتى شبكة هاتف قوية. ومع ذلك، قررت اتخاذ خطوةٍ ثورية: أن تُبنى كدولةٍ رقمية منذ اليوم الأول. اليوم، في (إستونيا)، تُجرى 99 بالمئة من الخدمات الحكومية عبر الإنترنت؛ مما يجعل المواطن كأنه «شيفرة متحركة»، تتفاعل مع الدولة بشكلٍ لحظي، ودون الحاجة للأوراق أو البيروقراطية، يمكنه التصويت في الانتخابات، وتسجيل الزواج، وفتح الشركات، والحصول على وصفات الطبيب. يمتلك كل مواطن إستوني بطاقة هوية رقمية ذكية، تُتيح له التوقيع الرقمي، والوصول إلى ملفه الطبي، وإدارة أعماله، ودفع الضرائب، وحتى التصويت في الانتخابات وهو جالس على الأريكة في منزله. هذه البطاقة ليست مجرد وثيقة؛ بل إنها أضحت نقطة الدخول إلى الدولة ذاتها. المفارقة أن المواطن في (إستونيا) لا يقوم بزيارة المؤسسات؛ بل هي التي تزوره. وهو لا يملأ النماذج بنفسه؛ بل تُملأ له. لا يحتفظ بالأوراق؛ بل يُسجل كل شيء على خوادم الدولة. إنها أمةٌ بلا ورق، كما وصفتها الأمم المتحدة. ليس مطلوبًا من المواطن أن يُثبت للدولة هويته؛ إذ إن الدولة تعرفه بالفعل. «المواطن لا يخدم الدولة؛ بل الدولة هي التي تخدم المواطن من خلال الخوارزميات»، فهو يمتلك أقوى بنية تحتية رقمية. في عام (2005)، أحدثت (إستونيا) ضجة عالمية، حينما أصبحت أول دولة في التاريخ تسمح بالتصويت الإلكتروني الكامل. لم يكن ذلك تصويتًا تجريبيًّا؛ بل انتخابات وطنية حقيقية؛ حيث يُمكن للناخب الإدلاء بصوته من خلال حاسوبه. رغم أن (إستونيا) لا تمتلك مواردَ طبيعيةً ضخمة؛ فإنها استطاعت أن تصدِّر برمجيات تفوق -في كميتها- ما تستورده من بضائع. فقد أوجدت بيئة فريدة تحتضن ريادة الأعمال التكنولوجية؛ مما جعلها تُلقَّب بـ «أرض الشركات الناشئة». لا أدري هل سمعتم بهذه المعلومة أم لم تسمعوا بها من قبل: ذلك السكايب (Skype) وُلِدَ في (إستونيا)، حيث قام ببنائه فريقٌ إستوني، ثم باعوه لشركة [مايكروسوفت] مقابل 8.5 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، لديهم منصة التحويلات المالية الدولية «ترانسفير وايز» التي تُعرف اليوم باسم «وايز» (Wise)، والتي أسسها شابان من (إستونيا). وهي تُعد اليوم واحدةً من أنجح الشركات المالية الرقمية في العالم، وتُقَدَّر قيمتها السوقية بأكثر من عشرة مليارات دولار. وهناك أيضًا «بولت» (Bolt)، المنافس الأوروبي الشرس لـ»أوبر»، والذي انطلق من شوارع تالين الصغيرة في (إستونيا)، ليغزو اليوم طرقات عشرات الدول حول العالم، وتُقدَّر قيمته السوقية بأكثر من ثمانية مليارات دولار. اليوم، تشكل الصناعات الرقمية أكثر من 15بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لإستونيا، حيث تُقدَّر صادرات الخدمات الرقمية بأكثر من ثلاثة مليارات يورو سنويًّا، في دولةٍ لا يتجاوز عدد سكانها مليوناً ونصف المليون نسمة. تُعد هذه الدولة هي الأولى في العالم التي تنقل نُسخًا من بياناتها الوطنية إلى خارج حدودها، وتؤسس سفاراتٍ رقمية، وأشهرها في لوكسمبورغ؛ حيث يتم تخزين نسخة احتياطية -كاملة-من كل شيء: بدءاً من سجلات المواليد، وصولاً إلى ملفات الأمان. أصبح المعلمون في إستونيا أصدقاءً للبرمجيات، بدلاً من أن يكونوا خصومًا لها، حيث تُعد المدرسة بيئة (حاضنة) للتفكير الحاسوبي والريادة التكنولوجية، لذلك تقوم إستونيا بتعليم أطفالها البرمجة منذ سن السابعة، أي منذ الصف الأول الابتدائي. لم تكن (إستونيا) بحاجة إلى مساحةٍ واسعة، ولا إلى نفط، ولا إلى جيوش ضخمة؛ فقد كانت تعرف أن سلاح القرن ليس هو الرمح أو الرصاص؛ بل هي البيانات، والخوارزميات، والعقول المدرَّبَة على التفكير الرقمي. في (إستونيا)، لا تُوجد مدرسة للزعامة؛ يتخرّج فيها المالكي والعامري وعلاوي والحلبوسي والمشهداني والحكيم والسامرائي والجعفري…. وغيرهم!. لا تُوجد مقاعد محجوزة للعشائر، ولا تُوزع الحقائب بناءً على أساسٍ طائفي. هناك، لا يُصرّ البرلمان على التلاعب بالدستور، كما لا تُدار البلاد من خلال تطبيقات «الترضية الطائفية»! في (إستونيا)، الكراسي لا تُورَّث، والخطابات لا تُنقَّح على يد مستشارين طائفيين؛ لأنهم -ببساطة- تركوا القيادةَ للتكنولوجيا، والولاءَ للكفاءة، والصوتَ للمواطن؛ لذا نهضت البلاد؛ لأنها لم تتورَّط في تمجيد الجهل والغيبيات، ولم تكن بحاجة إلى فتوى لتبيح استخدام الإنترنت. هي ليست جمهورية -كغيرها من الجمهوريات-؛ بل هي ملفٌ مضغوطٌ في شبكة العالم، ومع ذلك، فهي أقوى من دول تمتلك آبارًا، وأوسع من دول تحمل شعاراتٍ ديمقراطية فارغة!


شفق نيوز
١٨-٠٥-٢٠٢٥
- شفق نيوز
كانييه ويست يثير موجة من الغضب بأغنية تمجد "هتلر"
شفق نيوز/ أثار مغني الراب الأمريكي كانييه ويست، عاصفة من الغضب والاستنكار بعد نشره أغنية جديدة بعنوان "هيل هتلر" تضمّنت إشادات مباشرة بالزعيم النازي أدولف هتلر. وقد أثار توقيت إطلاق الأغنية، الذي تزامن مع ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية، موجة انتقادات واسعة في الأوساط الفنية والسياسية. ورغم أن كبرى المنصات مثل "يوتيوب"، و"سبوتيفاي"، و"آبل ميوزيك" سارعت إلى حذف الأغنية استناداً إلى سياسات محاربة خطاب الكراهية، فإن المقطع المصور الذي نشره ويست على منصة "إكس" حصد قرابة 10 ملايين مشاهدة في غضون أيام. ويظهر في الفيديو المصاحب للأغنية مجموعة من الأمريكيين من أصول إفريقية يرتدون جلوداً ويرددون العبارة المثيرة للجدل، قبل أن تُختتم الأغنية بتسجيل صوتي لهتلر نفسه. وفي بيان أوردته شبكة "إن بي سي نيوز"، أكد موقع "يوتيوب" أنه قام بحذف الأغنية وسيواصل إزالة أي نسخ جديدة منها يتم تحميلها على المنصة، بينما أعلن موقع "ريديت" موقفاً مماثلاً مؤكداً أن "معاداة السامية وخطاب الكراهية لا مكان لهما على الإطلاق". ولم تكن هذه الحادثة الأولى التي يثير فيها ويست عاصفة مماثلة، فقد سبق له أن أطلق تصريحات علنية مؤيدة للنازية، من بينها قوله "أنا أحب هتلر"، إضافة إلى نشره رموزاً نازية مثل الصليب المعقوف المدموج بنجمة داوود، ما أدى إلى تعليق حسابه سابقاً على "تويتر" قبل أن يُعاد تفعيله تحت إدارة إيلون ماسك. ويتّهم ماسك، الذي استحوذ على المنصة وأعاد تسميتها إلى "إكس"، بالتساهل مع خطاب الكراهية وتمكين الأصوات المتطرفة بدعوى الدفاع عن "حرية التعبير"، لا سيما مع دعمه العلني لدونالد ترامب في الحملة الرئاسية الأمريكية الأخيرة وتمويله لها بمئات ملايين الدولارات. ويست الذي يعاني وفق تصريحاته من اضطراب ثنائي القطب، سبق أن خسر العديد من شراكاته التجارية بسبب مواقفه، بينها شركة "أديداس" و"شوبيفاي" التي أغلقت متجر علامته التجارية "ييزي" بعد عرضه منتجات عليها رموز نازية.


موقع كتابات
١٨-٠٥-٢٠٢٥
- موقع كتابات
قد يشق طريقه لـ'أوسكار' .. هادي يكشف عقم العقوبات الدولية عبر 'كعكة الرئيس' في 'كان' السينمائي
وكالات- كتابات: تمكن أول مخرج عراقي للوصول إلى المشاركة بـ'مهرجان كان السينمائي'، من خلال مناقشة قضية جدلية؛ وهي مسألة العقوبات الدولية على البلدان، منطلقًا من: 'عيد ميلاد صدام حسين'، وإثبات أن العقوبات تُزيد من قوة الدكتاتوريات ولا تؤذي سوى الشعوب. وقال المخرج العراقي؛ 'حسن هادي'، وهو أول مخرج سينمائي عراقي يتم اختياره للمشاركة بـ'مهرجان كان السينمائي'، الحظر الاقتصادي مثل الذي فَّرض في طفولته في عهد 'صدام حسين' لم ينجح، مشيرًا إلى أن: 'العقوبات تعمل على تقوية الديكتاتوريين، لأنها تُركز الموارد الشحيّحة في أيديهم وتجعلهم أكثر وحشية'، بحسّبما نقلت عنه (فرانس برس). وتابع: 'لم يحدث في تاريخ العالم أن فُرضت عقوبات؛ ولم يتمكن الرئيس من تناول الطعام'. وحظي أول فيلم روائي طويل للمخرج 'هادي'؛ (كعكة الرئيس)، بتعليقات إيجابية للغاية منذ عرضه لأول مرة يوم الجمعة؛ في قسم 'أسبوعي المخرجين'، وقالت مجلة السينما (ديدلاين)؛ إن الفيلم: 'يتفوق بفارق كبير على بعض الأفلام المنافسة على جائزة (السعفة الذهبية) الكبرى في المهرجان، وقد يكون أول فيلم عراقي يُرشح لجائزة (الأوسكار)'. يتتبع الفيلم قصة 'لمياء'؛ البالغة من العمر: تسع سنوات، بعد أن تعرضت لسوء الحظ عندما تم اختيارها من قبل معلمة المدرسة لتخبز للفصل كعكة بمناسبة عيد ميلاد الرئيس، أو يتم التندّيد بها بسبب عدم ولائها، وبينما كانت البلاد تحت عقوبات 'الأمم المتحدة' الصارمة في في أوائل تسعينيات القرن الماضي، كانت الطفلة بالكاد تستطيع هي وجدتها؛ التي تتشارك معها منزلًا من القصب في أهوار جنوب 'العراق'، توفير قوت يومها. وتنطلق الفتاة وجدتها إلى المدينة للبحث عن مكونات باهظة الثمن، ومعهم ديك 'لمياء' الأليف وممتلكاتهم القليلة الأخيرة للبيع، ينغمس الفيلم في الواقع الاجتماعي والفساد اليومي في 'العراق' في التسعينيات، فالحصار التجاري والمالي شبه الكامل الذي فُرض على 'العراق' بعد غزوه 'الكويت': 'هدم النسيج الأخلاقي للمجتمع'. وقال المخرج السينمائي؛ إنه لم يتذوق الكعكة إلا عندما كان في أوائل سنوات المراهقة، بعد أن أطاح الغزو الذي قادته 'الولايات المتحدة'؛ في عام 2003، بـ'صدام حسين' ورفع العقوبات، وبدلًا من ذلك، ومع وجود السكر المَّعالج والبيض بعيدًا عن متناول اليد، كان هناك 'كعكة التمر' – التي كان المكون الرئيس فيها هو التمر المهروس، وفي بعض الأحيان مع شمعة في الأعلى. قال: 'في صغرك، تشعر بالحزن لأنك لم تحصل على كعكتك، لكن مع تقدمك في السن، تُدرك ما عاناه والداك لتوفير الطعام'، مشيرًا إلى أنه: 'لم تكن عائلتي فقط، بل جميع هؤلاء الأشخاص اضطروا لبيع كل شيء تقريبًا. حتى أن بعضهم كان يبيع إطارات أبواب منازلهم'. قام 'هادي' وفريقه بتصوير الفيلم بالكامل في 'العراق'؛ وتحديدًا في 'الأهوار'، قال 'هادي' إنه اختار هذا الموقع جزئيًا لإثبات أن: 'الأهوار بقيت وصدام رحل'. ولإعادة إحياء 'العراق' في شبابه، اهتم 'هادي' وطاقمه بالتفاصيل، فجمعوا الملابس القديمة وأحضروا حلاقًا إلى المجموعة لقص شعر وشوارب الجميع، حتى الممثلين الإضافيين، وقد قاموا باستكشاف أفضل المواقع، وقاموا بتصوير أحد المشاهد في مطعم صغير يُقال إن 'صدام' نفسه كان يرتاده. لقد اختاروا أشخاصًا عاديين من غير الممثلين للعب دور العراقيين العاديين تحت أعين الرئيس الحاضرة دائمًا في الملصقات وإطارات الصور والجداريات. وقال 'هادي'؛ إنه شعر 'بالدهشة' عندما سمع الرئيس الأميركي؛ 'دونالد ترمب'، يقول مؤخرًا إنه يُخطط لرفع العقوبات عن 'سورية' بعد أن أطاح الإسلاميون بالرئيس؛ 'بشار الأسد'، العام الماضي. وقال: 'لا أعتقد أن العقوبات ساعدت بأي شكلٍ من الأشكال في التخلص من بشار، ولكنها بالتأكيد مكنّته من قتل المزيد من الناس وتعذيب المزيد من الناس'.