logo
القرآن الكريم والعمل

القرآن الكريم والعمل

شبكة النبأ١١-٠٣-٢٠٢٥

القرآن هو كتاب التشريع، كما أن السماء والأرض كتاب التكوين، وكما نلاحظ أن جمال التكوين بهذا التنويع، فلو كان اللّه سبحانه وتعالى يجعل البحار في مكان، والأشجار في مكان آخر، والذهب في مكان ثالث، والفضة في مكان رابع وهكذا... لزال الجمال عن هذا العالم، بل اختلت الحياة بذلك...
قال اللّه تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا)(1).
القرآن له ظاهر وله باطن، كما له محكم ومتشابه، نشير إليها باختصار.
1- ظاهر القرآن
هناك حقائق حول ظاهر القرآن نذكر بعضها:
فمنها: إن اللّه سبحانه وتعالى أنزل القرآن ليكون كتاب الحياة، وتأتي حيوية القرآن من جهات متعددة منها: إنّ اللّه تعالى أرسله مطابقاً للفطرة الإنسانية؛ لأنّه سبحانه خلق الإنسان وهو عارف بدقائق نفسه وجسده، ويعلم بكل ما يرتبط به من الجزئيات والكليات فأنزل اللّه تعالى القرآن مطابقاً لهذه الفطرة، قال تعالى: (فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ)(2).
ومنها: إنَّ القرآن الكريم عندما يسنّ حكماً أو يشرع تشريعاً يبيّن علل الأحكام وغير الأحكام غالباً، مثلاً: عندما يوجب القرآن الصلاة يقول: (وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكۡرِيٓ)(3)، ويقول: (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ)(4)، وحينما شرّع الصوم ذكر الحكمة منه أيضاً بقوله: (لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ)(5)، وحينما أوجب الحج ذكر السبب فقال: (لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ)(6)، وحينما حرم الخمر قال: (وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ)(7).
ومنها: إنّ القرآن يستوعب أوجه حياة الإنسان المختلفة التي يحتاجها، ولا يختص بجانب معين، وليس كالطبيب الذي إذا أصيب الإنسان بمرض يراجعه، ولكنه إذا لم يصب بمرض لا يراجعه.
وحيث إنّ القرآن مرتبط بكل جوانب الحياة فيجب على الإنسان أن ينظر للقرآن نظرة شمولية، بمعنى أنه عندما يريد أن يستفيد من حكم أو شيء موجود في القرآن عليه أن لا ينظر إلى آية أو آيتين ثم يحكم في ذلك، وإنّما يلزم أن تكون نظرته شاملة للقرآن، إذ في النظرة الناقصة قد ينقلب الشيء إلى ضده.
إن كلمة (لا إله إلّا اللّه) هي كلمة التوحيد، ولكن إذا نظرنا إلى هذه الآية نظرة نصفية تنقلب كلمة التوحيد إلى كلمة كفر وكذلك في قوله تعالى: (فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ * وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ)(8).
فتجزأة الآيات تسبّب في أن تنقلب الآيات التي تحث الإنسان على الصلاة إلى آيات تحثه على تركها، وهذه هي نتائج النظرة الناقصة للقرآن، فماذا يحل بجسم حي إذا قطعناه بالفأس إلى أجزاء، إنه ينقلب إلى جسد ميت.
لذا قال اللّه تعالى: (وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا)(9)، فالقرآن الذي هو نفسه شفاء ورحمة للمؤمنين ينقلب بالنسبة إلى الظالمين خساراً؛ ومن ذلك التجزأة التي يفعلها الظالمون في آيات اللّه.
يقال: إن جيش أحد الملوك استباح إحدى المدن وعاثوا فيها فساداً، فجاءت امرأة من أهالي المدينة تشكو إلى الملك ما فعله جنوده، فقال لها: ألم تسمعي قول اللّه سبحانه وتعالى: (إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ)(10). فقالت: بلى سمعتها، ولكن هل تغافلت عن قوله تعالى في السورة نفسها: (فَتِلۡكَ بُيُوتُهُمۡ خَاوِيَةَۢ بِمَا ظَلَمُوٓاْۚ)(11)، فاتعظ ذلك الملك، وأمر جنوده أن يخرجوا من تلك المدينة.
إنّ اللّه فرّق المواضيع ضمن آيات بحكمته سبحانه، فيلزم علينا إذا أردنا أن نستفيد من مواضيع القرآن أن ننظر إليه نظرة شاملة، لا أن نكتفي بآية واحدة أو بجزء منها.
مثلاً: إن اللّه سبحانه وتعالى لم يجعل موضوع الشفاعة في مكان واحد، بل فرقه في آيات مختلفة، وكل آية تكون مكملة لآية أُخرى، أي: إن الآية الثالثة تكمل الثانية، والآية الرابعة تكمل الخامسة وهكذا، لأنه هناك عشرات الآيات في الشفاعة، فإذا أراد أحدهم أن يسيء الاستفادة من آية الشفاعة فسيقول: إنّ اللّه تعالى يقول في القرآن: (وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ)(12)، أي: يستفيد من هذا النص القرآني أنّه لا شفاعة في يوم القيامة، لكن هذا الكلام ليس صحيحاً بل يقول اللّه سبحانه أيضاً: (لَيۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِيّٞ وَلَا شَفِيعٞ)(13)، وهذه الآية تدل على أن اللّه هو الشفيع، وفي آية أخرى: (مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ)(14)، وهي تدل على وجود الشفاعة بإذن اللّه سبحانه وتعالى، وهكذا قوله تعالى: (وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ)(15)، فحينما نجمع بين هذه الآيات نستفيد منها أنّ الشفاعة الاعتباطية غير موجودة، فالآيات التي تنفي الشفاعة تقصد الشفاعة الاعتباطية بالنسبة إلى الكافرين والظالمين، الذين يتركون دين اللّه سبحانه وتعالى وشرائعه، وأمّا الآية التي تقول: (قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعٗاۖ)(16) فهي تعني أن اللّه تعالى هو مالك الشفاعة حصراً وسائر الشفعاء إنّما يشفعون بإذن اللّه تعالى، كما في قوله تعالى: (وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ)(17) بمعنى أنّ الشفاعة كلها للّه سبحانه وتعالى، وقد أذن للأنبياء والأئمة والملائكة وغيرهم فيها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا فعل اللّه سبحانه وتعالى ذلك، وفرق الموضوعات والقصص في القرآن الكريم، ولم يجعله كالكتب العادية ذات الفصول المتتالية؟ بأن يجمع الآيات المرتبطة بموضوع واحد، ويبوّب القرآن حسب المواضيع، فهناك باب للتاريخ، وآخر للتبليغ، وأبواب أخرى حول الرسل وبني إسرائيل واليهود والنصارى والتوحيد والقرآن والدين والعقائد والعبادات والشريعة والنظام الاجتماعي والعلوم والفنون والتجارة وتهذيب الأخلاق والنجاح، وهكذا لكل موضوع باب مستقل! لكن لماذا لم يجعله اللّه تعالى كذلك؟
يمكن الإجابة عن هذا السؤال بعدة أجوبة، ومنها:
أوّلاً: إن القرآن هو كتاب التشريع، كما أن السماء والأرض كتاب التكوين، وكما نلاحظ أن جمال التكوين بهذا التنويع، فلو كان اللّه سبحانه وتعالى يجعل البحار في مكان، والأشجار في مكان آخر، والذهب في مكان ثالث، والفضة في مكان رابع وهكذا... لزال الجمال عن هذا العالم، بل اختلت الحياة بذلك، إنّما الجمال يحدث بالمزج والتشابك، كذلك الحال بالنسبة لكتاب التشريع.
ثانياً: إن القرآن يجب أن يستفيد منه كل إنسان، وليس كل إنسان يقرأ القرآن من أوّله حتى آخره في كل يوم، فحتى الإنسان الذي يقرأه في كل يوم يمكن أن يقرأ جزءاً واحداً منه، ومعظم الناس يستمعون في كل يوم لآيات متعددة من القرآن، هذا في أفضل الأحوال؛ لذا كان من الحكمة أن تكون كل صفحة تدل على الكتاب كلّه، فإذا قرأت صفحة منه ترى ـ في الغالب ـ ذكر المبدأ، وهو اللّه سبحانه وتعالى، والمعاد، وأهم الواجبات كالصلاة والزكاة، وبعض الأُمور التي يرتبط بها الإنسان، حتى إذا سمع الإنسان جملة من آيات فإنه يستفيد منها في كثير من جوانب حياته، ولو كان القرآن ذا فصول، فعندما نقرأ منه فصلاً فإننا سنستفيد في جانب واحد فقط، وإذا قرأنا فصلين نستفيد في جانبين، أمّا إذا كان هناك تشابكٌ في الموضوعات والمعاني فإن الإنسان عندما يقرأ مجموعة من الآيات فإنها ستكون مرآته للقرآن؛ إذ تكون فيها أهم الأُمور.
نعم هناك بعض الأُمور الخاصة في جزء خاص من حياة الإنسان، لنأخذ مثلاً: آية الإرث، فالإنسان لا يبتلى به في كل يوم، لهذا ذُكر الإرث في سورتين من القرآن.
ثالثاً: يقال إن هذا من إعجاز القرآن فهو بالترتيب الذي جاء فيه يكون قابلاً لأن يطبق في جميع العصور والأماكن والظروف، عكس سائر الكتب فالكتاب الذي أُلِّف قبل ألف عام ـ مثلاً ـ غالباً لا يفيد الإنسان في هذا العصر؛ لذلك ترى أن الكتب تتبدّل دائماً، خصوصاً في العصر الحديث، باستثناء كتب الوثائق أو المصادر التي تهم الدارسين المختصين فقط، وليس للجميع.
أمّا القرآن فهو دائماً غضّ وجديد، وأنيق ظاهره وعميق باطنه، فمضافاً إلى تيسير ألفاظه للناس يمكن للعلماء الاستنباطات المختلفة في شتّى الأمور عبر الطرق المعهودة التي بينها الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام).
2- المتشابه في القرآن
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً، ولكن نزل أن يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم فاعملوا به وما تشابه عليكم فآمنوا به»(18).
الشق الأوّل من الحديث إشارة لقوله تعالى: (وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا)(19).
وأمّا الشق الثاني فيتضح من قول الإمام الرضا (عليه السلام): «من رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم»(20)، فإذا لم نحكم فور رؤيتنا لآية كريمة، بل لاحظنا سائر الآيات المحكمات ورجعنا إلى الراسخين ـ الذين هم الرسول وآله (عليهم السلام) ـ فسوف نتمكن من فهم معنى المتشابه.
إننا نقرأ كل يوم في سورة الحمد: (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ * صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ)(21)، والمفهوم واضح هنا، فالصراط هو الطريق المعبّد(22)، والمستقيم هو المعتدل من دون اعوجاج(23)، ولكن هناك بيان للصراط المستقيم في آيات أخرى، يقول اللّه تعالى: (وَأَنِ ٱعۡبُدُونِيۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ)(24) فنستفيد من ذلك أن الصراط المستقيم هو عبادة اللّه سبحانه وتعالى.
والصراط المستقيم جاء في سورة الحمد بالألف واللام، وجاء في هذه الآية بلا تعريف، وهذا يدل على أن عبادة اللّه سبحانه وتعالى جزء من الصراط، وليست كله.
وأمّا أنعمت عليهم فلا بدّ أن نعرفهم حتى نكون على صراطهم، إننا نجدهم في آية أُخرى، حين يقول اللّه تعالى: (وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ)(25)، لقد استفدنا من الآية الثانية مصاديق الذين أنعم اللّه عليهم ومن المعلوم أن رسول اللّه محمّداً (صلى الله عليه وآله) هو أفضل النبيين، وأن الإمام علياً (عليه السلام) والأئمة من ذريته (عليهم السلام) هم أجلى مصاديق الصدّيقين والشهداء والصالحين فقد فرّق اللّه سبحانه وتعالى الموضوع الواحد في آيات متعددة، ولكن بالجمع بينها نتمكن من الاستفادة الكاملة منها.
ولولا التفسير الصحيح فقد يحرّف المحرّفون معاني القرآن إلى غير ما يريده اللّه تعالى؛ لذا قال اللّه تعالى: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ)(26)، وما رسوخ هؤلاء في العلم إلّا بما أنعم اللّه عليهم من العلم. إن اللّه تعالى قدم ذكر نفسه على الراسخين للإشارة إلى أهميّة التأويل، وإنه ليس عمل أي إنسان، بل هو عمل اللّه سبحانه وتعالى، والذي علّمه للراسخين في العلم.
ثم إن التشابه قد لا يكون في المفهوم ولكن في المصداق، فقد يحتاج مصداقها إلى التفكير في سائر آيات القرآن الكريم وإلى مراجعة الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام).
إذن، يجب علينا حينما ننظر في القرآن أن لا ننظر إليه بشكل مجزّأ، وغالباً ما يُنظر إليه في العبادات فقط، أي: في ما يخص الصلاة والصوم والزكاة والحج، أمّا سائر التوجيهات فهي متروكة غالباً، كمثال على ذلك، وردت الأُخوّة الإسلامية في القرآن: (إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ)(27)، وهذا الجانب يتغافل عنه الكثير من المسلمين، وهكذا الأمة الواحدة، قال تعالى: (إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ)(28)، وكذلك الحرية: (وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ)(29)، والشورى: (وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ)(30)، و(وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ)(31).
إذن، حينما ننظر للقرآن يجب أن ننظر إليه بنظرة شمولية، أمّا إذا نظرنا إليه نظرة تبعيضية فقد نكون ـ والعياذ باللّه ـ من الذين لا يزيدهم إلّا خساراً، قال سبحانه: (ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلۡقُرۡءَانَ عِضِينَ)(32).
* مقتطف من كتاب: الكلمات: محاضرات في العقيدة والسلوك، لمؤلفه السيد جعفر الحسيني الشيرازي
..............................................
(1) سورة الإسراء، الآية: 82.
(2) سورة الروم، الآية: 30.
(3) سورة طه، الآية: 14.
(4) سورة العنكبوت، الآية: 45.
(5) سورة البقرة، الآية: 183: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ).
(6) سورة الحج، الآية: 28: (وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ * لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ).
(7) سورة البقرة، الآية: 219: (يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ).
(8) سورة الماعون، الآية: 4-7.
(9) سورة الإسراء، الآية: 82: (وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا).
(10) سورة النمل، الآية: 34.
(11) سورة النمل، الآية: 52.
(12) سورة البقرة، الآية: 48.
(13) سورة الأنعام، الآية: 51.
(14) سورة البقرة، الآية: 255.
(15) سورة الأنبياء، الآية: 28.
(16) سورة الزمر، الآية: 44.
(17) سورة الأنبياء، الآية: 28.
(18) الدر المنثور 2: 6.
(19) سورة النساء، الآية: 82.
(20) وسائل الشيعة 27: 115.
(21) سورة الفاتحة، الآية: 6-7.
(22) انظر: الصحاح 3: 1139؛ معجم مقاييس اللغة 3: 349.
(23) انظر: الصحاح 5: 2017؛ لسان العرب 15: 355.
(24) سورة يس، الآية: 61.
(25) سورة النساء، الآية: 69.
(26) سورة آل عمران، الآية: 7.
(27) سورة الحجرات، الآية: 10.
(28) سورة الأنبياء، الآية: 92.
(29) سورة الأعراف، الآية: 157.
(30) سورة الشورى، الآية: 38.
(31) سورة آل عمران، الآية: 159.
(32) سورة الحجر، الآية: 91.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سامي الهاشم تكنولوجيا وعلوم الصدق والكذب 23 أيار 2025 الساعة 22:40
سامي الهاشم تكنولوجيا وعلوم الصدق والكذب 23 أيار 2025 الساعة 22:40

الديار

timeمنذ 5 أيام

  • الديار

سامي الهاشم تكنولوجيا وعلوم الصدق والكذب 23 أيار 2025 الساعة 22:40

اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب الصدق من أعظم الصفات التي وهبنا إيّاها اللّه. هو نقل الخبر بأمانة وتجرّد، بدون زيادة ولا نقصان، ولا تحريف أو تضليل أو خداع... سرّ عظيم من أسرار نجاح الأفراد والجماعات والدول، ناموس طبيعي، عليه تقوم الحضارات، منه تبدأ المعرفة الحقيقيّة والعمل الجدّي والتنفيذ الصحيح، قول الحقيقة يعتمد على الشجاعة والنُبل والتربية الأخلاقيّة الراقية، أمّا إخفاء الحقيقة فهو خطيئة لا تُغْتَفَر وخيانة موصوفة. - جاء في كتاب "مشواري" للمطران سمير مظلوم النائب البطريركي العام: " أجهر بالحقيقة وأُدافع عنها بقوَّة، وإذا أنا لم أفعَل أعتبر نفسي متواطئًا، وبعبارة قصيرة جدًّا، أنا أكره الصمت إذا كان يحجب الحقيقة". هذا يعني أنَّ إخفاء الحقيقة، والسكوت عنها، والتستُّر عليها، ومحاولة طمسها، أبشع وأضرّ من الكذب، كما يعني الخبث المتعمّد المقصود؛ وفي كلِّ الحالات تختفي الحقيقة وينكسر ميزان العدل. ● الصدق واجب مقدّس - كن صادقًا مع اللّه، فلا تُظهر شيئًا وتضمر شيئًا آخر، لا تتظاهر بالقداسة والطهارة وتتصرَّف بالخبث والنجاسة، لا تقل شيئًا وتفعل ضدَّه، لا تعطِ وعدًا وتتخلّف عنه، قال السيّد المسيح: " لا تحلف باسم اللّه بالباطل، وليكن جوابك نعمًا أو لا". وكم هو جميل أن يبدأ أناجيله بهذا الكلام الرائع:" الحقَّ، الحقَّ أقول لكم". - كن صادقًا مع نفسك، ولا تُدخِلها في متاهات وأوهام وأباطيل ولا تبنِ لها أبراجًا من ورق... - كن صادقًا مع الغير، ومستقيمًا في معاملاتك ومواقفك، طالب بحقِّك وحقوق الآخرين بالعدل والإنصاف، واعلم أنَّ هذه المطالب تصبُّ في خانة واحدة التي هي سعادة الإنسان وخيره والأمان. هو من أبشع الصفات وأحقرها، أو إخفاء حقائق وتحريفها واختزالها، حسب نيّة وهدف الكاذب، الكذب أنواع: 1. الكذب المعلَن أو الصريح أي افتعال واختلاق خبر لا صحّة له، لإلحاق الضرر بالآخرين، أو لإبعاد الشبهة عنهم، وذلك حسب رغبة الكاذب. 2. الكذب المضمر أي إخفاء الحقيقة لغاية في نفس الكاذب أو مَن وراءه... 3. الكذب العابر أو الفارغ الذي هو مجرّد كلام وثرثرة وأخبار سخيفة لا جدوى منها، ومضيعة للوقت. وفي كلّ الحالات، على المرء أن يعرفَ أنَّ الكذب يُقلِّل من قيمته وشأنه وقدره، وأنَّ الاحتيال والنفاق والمراوغة، آفات هدّامة تنال من رقيّ المجتمع وتقدّمه ومصداقيّته، ولا يتأتّى عنها إلّا تعب الرأس، والقيل والقال، وخراب البيوت أحيانًا. هنالك أمران غريبان عجيبان: الأوّل: عندما يُكرِّر الكاذب كذبته يُصدِّقها !!! الثاني: الخبر الكاذب ينتشر بسرعة، ويُصدَّق، ويُعمَّم، ويرسخ في أذهان الناس، وينتقل من جيل إلى جيل!!! فهنالك خرافات وأساطير وأوهام صدَّقها العالم وما زال يُردِّدها وكأنّها حقيقة، وهي ليس لها علاقة لا بالمنطق ولا بالعلم ولا بالواقع. ● مصادر الكذب 1. الكذب الفطري بالولادة أو بالسليقة Le mensonge inné مثل الكثير من الخصائص الوراثيّة 2. الكذب المكتسب Le mensonge acquis، في هذه الحالة قد يتلقّن المرء الكذب من محيطه، ومعشره، وسوء تربيته، وعيشه في مجتمع فاسد، فالبيئة الحاضنة للإنسان تُؤثّرُفيه تأثيرًا بالغًا، لا سيّما إذا كان ضعيف الشخصيّة وسهل الانقياد. ما يُذكّرنا بقول روسّو:" الإنسان بطبيعته جيِّد، لكنّ المجتمع يُفسده" 'L'homme par nature est bon mais c'est la société qui le corrompt' طبعًا لا يتّفق الجميع على رأي روسّو، أمّا نحن فنقول: هنالك خصائص تعود إلى التكوين الأساسي، وأخرى تعود إلى التنشئة والتربية والمعشر. ● علاج الكذب 1. سلوك الدولة مع المواطنين يُفرض على الدولة أن تكون صادقة مع مواطنيها، وألّا تعدهم بالمنّ والسلوى وهي لا تقدّم لهم الخبز والماء والدواء. وما يُطبَّق على الدولة يُطبَّق على المؤسّسات كافّةً. 2. العلاج التربوي - هنا تأتي أدوار المجتمع الراقي، من المنزل إلى المدرسة، إلى الجامعة، إلى مركز العمل، إلى وسائل الإعلام، إلى التواصل الاجتماعي الحديث، إلى الكتب والمجلات والصحف... - الكتاب الأول الذي ينبغي اعتماده هو كتاب التربية الذي يعالج كل الصفات الحسنة وعلى رأسها الصدق، وكلّ الصفات السيّئة وعلى رأسها الكذب. - للمعلّم دور في إقناع الكاذب أنّه يضرّ نفسه ونفوس الآخرين، وكأنّه يبني حياته على رمال متحرّكة. 3. العلاج القانوني القانون هو سلطان العالم، فليُطَبَّقْ على الكاذب ليرتدع عن الخطأ وليكون عبرة للآخرين. 4. العلاج الاجتماعي يحقّ للصادق أن ينوَّه بصدقه وأن يُكافَأ معنويًّا وماديًّا. وهنا يكمن دور المجتمع الذي عليه أن يشجّع الصادق، بالمال، بالأوسمة، بالترقية، بالجوائز، بالمنح، لتظهر أهمّيّته ويقتدي به الناس. الخاتمة أمّا الكذب فَيُعَدُّ من أبرز عوامل الفساد الأخلاقي والمجتمعي، وهو سبب رئيسيّ لانعدام الثقة وتفكّك القيم. - الصدق قيمة أساسيَّة في بناء الإنسان والمجتمع؛ أمّا الكذب فهو سلوك هدّام وآفة اجتماعية. - الصادق هو أقرب إنسانٍ إلى الجنّة، حيث لا يوجد كذب ورياء وخبث، وحيث يتلاقى مع الروح والإيمان أي مع الله.

الدعاء والاستجابة
الدعاء والاستجابة

شبكة النبأ

time١٨-٠٥-٢٠٢٥

  • شبكة النبأ

الدعاء والاستجابة

في بعض الأحيان يريد الإنسان شيئاً إلّا أنه ليس في مصلحته في الدنيا، واللّه سبحانه وتعالى حكيم ورحيم ولطيف بعباده، يرى أن هذا العبد يريد شيئاً ليس في مصلحته، فمن رحمته أن لا يستجيب له بالكيفية التي أرادها، وإنّما يستجيب له بكيفية أخرى. قد تكون الطلبات في بعض الأحيان متناقضة... قال اللّه تعالى في كتابه الكريم: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(1). الأسباب الغيبية والطبيعية هناك قوانين غيبية هي المهيمنة على القوانين الطبيعية، والقوانين الطبيعية هي ظاهر، والإنسان مكلّف بأن يسيّر حياته طبقاً لتلك القوانين الظاهرية، لكن هناك واقع، وهو المهيمن على الظاهر، والواقع هو إرادة اللّه سبحانه وتعالى في كل شيء. إن اللّه سبحانه وتعالى خلقنا مختارين، وعقيدة الجبر هي عقيدة باطلة أنشأها بعض سلاطين الجور ليخدّروا المجتمعات الإسلامية، والصحيح هو أن الإنسان مختار، لكن ليس تخييره بمعنى أن كل شيء بيده، وإنّما أغلب الأمور خارجة عن اختياره، وبعض الأمور تحت اختياره، وهو ما عبّر عنه الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: «لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين»(2). إن أكثر المقدمات خارجة عن اختيارنا، ولكن بعضها تحت اختيارنا، فوجودنا ليس باختيارنا، وقدرتنا من اللّه سبحانه وتعالى، وكذلك المقدمات الأخرى كالعقل والتصوّر وغير ذلك، فهذه كلها مِنحٌ من اللّه سبحانه وتعالى لنا، ولا يوجد عمل من الأعمال إلّا وفيه مشيئة اللّه سبحانه وتعالى، ولكن ليست مشيئة جبر، وإنّما مشيئة اختيار، فاللّه سبحانه وتعالى قدّر اختيار الإنسان بحيث يتمكن من أن يفعل أو يترك بالعمل أو لا يقوم، وهذا هو معنى الأمر بين الأمرين. فالأمور الغيبيّة هي المهيمنة على الأمور الطبيعية، لكن الإنسان مكلّف أن يعمل حسب الأمور الطبيعية، وأمّا الأمور التي تكون خارجة عن اختياره فيوكل أمرها للّه سبحانه وتعالى. إن اللّه سبحانه وتعالى هو الرازق، لكن لا يصحّ للإنسان أن يجلس في داره ويغلق عليه بابه، ثم يطلب من اللّه أن يرزقه، فإذا فعل ذلك فلا يأتيه الرزق؛ لأن اللّه أمرنا أن نطلب الرزق عن طريق العمل، فقد عيّن لكل إنسان رزقاً، وأرسل ذلك الرزق وهذا هو السبب الغيبي المهيمن، ولكن الإنسان مكلّف أن يطلب ذلك الرزق. إن اللّه سبحانه وتعالى بيّن الطرق للإنسان، فينبغي عليه أن يتحرك ولو قليلاً لكي يحصل على ما يريد، فقد خلق اللّه سائر الموجودات بلا عقل، فهي مسيرة، ولكنه فضّل الإنسان بالعقل وجعله مخيراً، وهذا لا يعني أن الإنسان خرج عن سلطة اللّه سبحانه وتعالى، وإنّما هو باقٍ تحت سلطته، لكن يجب على الإنسان أن يعمل ضمن دائرة كسب الخير والحلال، حتى يكون قابلاً لثواب اللّه سبحانه وتعالى؛ لأن اللّه سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليرحمه، وجعل طريق الرحمة العبادة، فعلى الإنسان أن يجعل نفسه قابلاً لتلك الرحمة عن طريق العبادة. إذا اتّضح هذا الأمر فسوف يتّضح أنه في بعض الأحيان لا تتوفر الأسباب الطبيعية للإنسان، فربما يريد الإنسان شيئاً إلّا أن الأسباب الطبيعية لا تتوفر له، وهنا يأتي دور الاتصال باللّه سبحانه وتعالى ليهيئ الأسباب، فتارة يهيئ أسباباً طبيعية، وأخرى يهيئ أسباباً غيبية. فبعض الناس إذا مرض جلس في الدار وقال: أنا مرضت واللّه سبحانه وتعالى هو الشافي، صحيح أن الشفاء من اللّه سبحانه وتعالى ولكن يجب على الإنسان أن يطلب ذلك الشيء عن طريق العلاج(3)، فإذا استعمل الأدوية فقد يطيب، لكن هذا السبب الطبيعي هو الظاهر، وأمّا الواقع فهو أن اللّه سبحانه وتعالى هو الذي شفاه. والإنسان مكلّف بالعمل، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ)(4)، وقال سبحانه: (وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ)(5)، وقال عزّ وجلّ: (هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ)(6). علة تأخير استجابة الدعاء إن اللّه سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد؛ وقد وعد الاستجابة فقال: (ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ) ولم يستعمل كلمة الفاء، فلم يقل: (ادعوني فأستجب لكم) وذلك لبيان شدة اتصال الاستجابة بالدعاء، وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ)(7). ومع هذه الآيات يقول البعض: إننا ندعو فلا يستجاب لنا، وكذلك ندعو في شهر رمضان، وفي المسجد الحرام وغيرها من الأماكن لكن لا يستجاب لنا فما هو السبب؟ والجواب: هو أن سبب عدم استجابة الدعاء هو عدم الالتفات الصحيح إلى معنى الاستجابة، فكل الأمور التي تجري في الكون بإرادة اللّه سبحانه وتعالى، فينبغي على الإنسان أن يسلك الطرق الطبيعية، ومع ذلك يدعو اللّه سبحانه وتعالى. إن البعض يتصور أنه إذا كان مريضاً مثلاً ورفع يديه بالدعاء فسيشفيه اللّه فوراً، إلّا أن الأمر ليس كذلك؛ لأن اللّه حكيم، وقد جعل القوانين الطبيعية، ولا يريد منّا أنه نخالفها في كل مرّة. إن كل دعاء مستجاب، لكن الاستجابة هي من الجواب، فمرّة يطرق الإنسان باباً ولا تفتح له، وتارةً يطرق الباب ويقال له: ماذا تريد؟ فيقول: أريد كذا، فيقال له: لا إشكال في هذا الأمر الذي تريده، فإنه سيتحقق تارة فوراً وتارة بعد زمان وتارة يتحقق ما هو أفضل منه، فليس معنى الاستجابة وقوع كل ما يطلبه الإنسان بالدعاء وبالكيفية التي يريدها الإنسان، لأن ذلك يعني حدوث فوضى في الكون، قال اللّه تعالى: (وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ)(8). مضافاً إلى أن اللّه وعد الاستجابة لكنه قال: (أَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ)(9) ومعنى ذلك أن الوعد بشرط، فمن لم يف بعهد اللّه تعالى فلا يتوقعنّ الاستجابة. وأسباب التأخير أو عدم الاستجابة أمور، منها: 1- عدم المصلحة الدنيوية ففي بعض الأحيان يريد الإنسان شيئاً إلّا أنه ليس في مصلحته في الدنيا، واللّه سبحانه وتعالى حكيم ورحيم ولطيف بعباده، يرى أن هذا العبد يريد شيئاً ليس في مصلحته، فمن رحمته أن لا يستجيب له بالكيفية التي أرادها، وإنّما يستجيب له بكيفية أخرى. مثلاً: إذا كان هناك طفل صغير، وهو مريض تضرّه الحلوى، وعندما يراها يطلب من أبويه أن يعطيانه إياها، وهما يعلمان بأن الحلوى تضرّه فيمتنعان عن إعطائه، فيُصِر الطفل على الأبوين ويبكي ويستعطفهما، ولكنهما يرفضان إعطائه، لا لأنهما ليسا رحيمين به، وإنّما من باب مصلحته، فما أراده الطفل لا ينفذانه له، وقد يؤخران تنفيذه إلى وقت آخر، بعد مرور أسبوع أو أكثر، وذلك عندما يشفى من مرضه. إن الطفل لا يدرك أن هذا الشيء الذي أعطوه له الآن كان نتيجة استغاثته قبل أسبوع، فهما نفذا ما طلبه ولكن ليس في الوقت الذي أراده. 2- اختلاف الأدعية فقد تكون الطلبات في بعض الأحيان متناقضة، فهذا يريد شيئاً وذاك يريد شيئاً آخر يناقضه، يقال: إنه كان لامرأة بنتان، فزوجت الأولى لمزارع، والثانية لفخّار ـ وهو الذي يصنع الأواني الفخّارية من الطين ـ وبعد مدة ذهبت لزيارتهما، فبدأت بالأولى، فقالت البنت: يا أماه ادعي اللّه سبحانه وتعالى أن ينزل المطر، لأنه عندنا زراعة وهي بحاجة إلى ماء، ثم ذهبت إلى الثانية، فقالت البنت لأمها: ادعي اللّه سبحانه وتعالى أن لا ينزل المطر؛ لأن الأواني الفخّارية تحتاج للشمس لكي تجف، وإذا جاء مطر فسوف تتلف. فبقيت الأم حائرة لا تدري ماذا تدعو؟ إن اللّه سبحانه وتعالى حكيم، فإذا كان هذا الإنسان يدعو وذاك يدعو فبحكمته يستجيب لكليهما، لكن قد لا تكون بالكيفية التي أراداها، كأن ينزل المطر فيستفيد منه الفلاح، وفي الوقت نفسه يُقيّض لهذا الفخّار أناساً يأتون فيرفعون هذه الأواني التي قد وضعها تحت السماء، ويدخلوها في الدار حتى لا تتلف. والحاصل: إنه تعالى يستجيب لكن ليس بالكيفية التي يريدها الإنسان دائماً. والدليل على ذلك أن كل فرد منّا كان له قبل سنين بعض الحاجات والطلبات وقد دعا اللّه سبحانه وتعالى فيها، والآن يشاهد أنها وبالتدريج قد قُضيت، وهو لا يلتفت إلى أن ذلك استجابة لدعائه الذي دعاه قبل سنين. وما ذكرناه قد بيّنته الأحاديث الشريفة: فعن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام)(10): «جعلت فداك، إني قد سألت اللّه حاجة منذ كذا وكذا سنة، وقد دخل قلبي من إبطائها شيء، فقال: يا أحمد، إياك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتى يقنطك، إن أبا جعفر (صلوات اللّه عليه)(11) كان يقول: إن المؤمن يسأل اللّه عزّ وجلّ حاجة فيؤخر عنه تعجيل إجابته حبّاً لصوته، واستماع نحيبه، ثم قال: واللّه ما أخّر اللّه عزّ وجلّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم مما عجل لهم فيها وأي شيء الدنيا، إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة، ليس إذا أعطي فتر، فلا تمل الدعاء فإنه من اللّه عزّ وجلّ بمكان(12)، وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرحم وإياك ومكاشفة الناس، فإنا أهل البيت نصل من قطعنا ونحسن إلى من أساء إلينا، فنرى واللّه في ذلك العاقبة الحسنة، إن صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل فأعطي طلب غير الذي سأل، وصغرت النعمة في عينه، فلا يشبع من شيء، وإذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق التي تجب عليه، وما يخاف من الفتنة فيها، أخبرني عنك لو أني قلت لك قولاً أكنت تثق به مني؟ فقلت له: جعلت فداك، إذا لم أثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة اللّه على خلقه؟ قال: فكن باللّه أوثق فإنك على موعد من اللّه، أليس اللّه عزّ وجلّ يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ)(13)، وقال: (لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ)(14)، وقال: (وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغۡفِرَةٗ مِّنۡهُ وَفَضۡلٗاۗ)(15) فكن باللّه عزّ وجلّ أوثق منك بغيره، ولا تجعلوا في أنفسكم إلّا خيراً، فإنه مغفور لكم»(16). 3- مصلحة الآخرة فقد لا توجد مصلحة في استجابة الدعاء في الدنيا فيؤخر اللّه استجابة الدعاء إلى الآخرة، والإنسان أحوج في الآخرة إلى استجابة الدعاء. مثلاً: قد يكون الإنسان مريضاً ويدعو اللّه سبحانه وتعالى أن يشفيه من مرضه، فيؤخر اللّه استجابة دعاءه إلى يوم القيامة، فيقول له اللّه: أنت دعوت لكي تشفى ولم تكن هناك مصلحة في الشفاء، وأنت الآن أحوج فأنا استجب لك دعاءك، فأنت لديك ذنوب تدخلك في النار وأنا أغفرها لك، وهذا نتيجة ذلك الدعاء الذي دعوته في الدنيا. 4- الدعاء في معصيته إن بعض الناس يدعو اللّه سبحانه وتعالى في معصية، كأن يطلب من اللّه شيئاً محرّماً، مثل: قطيعة رحم، وغير ذلك، إلّا أن اللّه سبحانه وتعالى لا يستجيب له؛ لأنه يجب على الإنسان أن يدعو بالكيفية التي أمره اللّه بها، لا أن يدعو بالكيفية التي نهاه عنها. والحاصل: إنه يجب على الإنسان أن يدعو اللّه في كل صغيرة وكبيرة، ففي الحديث القدسي: «يا موسى، سلني كلما تحتاج إليه، علف شاتك وملح عجينك»(17). لكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يعمل، بل يجب عليه العمل والدعاء. فاللّه سبحانه وتعالى جعل رزق الأطباء عن طريق علاج المرضى، لكن يجب على الإنسان أن يعلم أن الطبيب مجرّد وسيلة ظاهرية، وأن كل شيء بيد اللّه، لكن هذا لا ينافي اختيار الإنسان في بعض الأمور، فهناك بعض الأمور تحت اختياره، واللّه أمره أن يسير طبقها، وهي القوانين الطبيعية، فيلزم عليه أن لا يتركها، وإنّما عليه أن يعمل بها، ولا يتوقع أن تكون النتيجة حسب ما يشتهيه، قال تعالى: (وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيهِنَّۚ)(18)، وليكن الإنسان موقناً أنه إذا دعا في معصية فإن اللّه سبحانه وتعالى لا يستجيب له. فضيلة الدعاء في بعض الأمكنة والأزمنة إن اللّه سبحانه وتعالى جعل فضيلة لبعض الأمكنة والأزمنة، فالدعاء تحت قبة الإمام الحسين (عليه السلام) مستجاب، وكذلك الدعاء في شهر رمضان؛ لأن اللّه فضّل هذا الشهر على باقي الأشهر، فاللّه سبحانه وتعالى حينما يذكر آيات الصيام(19) يقول في وسطها: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ)(20)، فلماذا ذكر الدعاء وسط آيات الصوم؟ والجواب: لأن شهر رمضان هو شهر الدعاء، وهو شهر القرآن، وشهر الاستغفار والاستغاثة، والإنابة إلى اللّه سبحانه وتعالى. إن الزمان قد يكون مباركاً وكذلك المكان، وهناك شخصيات مباركة تُجعل واسطة بيننا وبين اللّه سبحانه وتعالى، فأبناء يعقوب (عليه السلام) قالوا لأبيهم: (يَٰٓأَبَانَا ٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِ‍ِٔينَ)(21)، إلّا أن يعقوب (عليه السلام) لم يقل لهم: إنكم تستطيعون أن تدعو اللّه مباشرة فلماذا توسطوني، بل قال لهم: (سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ)(22). وقد ورد في الحديث أنه كان ينتظر ليلة الجمعة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «في قول يعقوب لبنيه: (سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ) قال: أخرها إلى السحر ليلة الجمعة»(23)؛ لأن ليلة الجمعة ليلة استجابة الدعاء. * مقتطف من كتاب: الكلمات: محاضرات في العقيدة والسلوك، لمؤلفه السيد جعفر الحسيني الشيرازي .............................................. (1) سورة غافر، الآية: 60. (2) الكافي 1: 160. (3) انظر: وسائل الشيعة 2: 410، وفيه: عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إن نبياً من الأنبياء مرض فقال: لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني، فأوحى اللّه إليه: لا أشفيك حتى تتداوى فإن الشفاء مني». (4) سورة الانشقاق، الآية: 6. (5) سورة التوبة، الآية: 105. (6) سورة الملك، الآية: 15. (7) سورة البقرة، الآية: 186. (8) سورة المؤمنون، الآية: 71. (9) سورة البقرة، الآية: 40. (10) أي: الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام). (11) أي: الإمام محمّد بن علي الباقر (عليه السلام). (12) فإنه: أي: الدعاء؛ من اللّه عزّ وجلّ بمكان، أي: بمنزلة عظيمة رفيعة يحب اشتغال عبده المؤمن في جميع الأحوال به. (13) سورة البقرة، الآية: 186. (14) سورة الزمر، الآية: 53. (15) سورة البقرة، الآية: 268. (16) الكافي 2: 488. (17) وسائل الشيعة 7: 32. وفيه أيضاً: ... عن سيف التمار قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «عليكم بالدعاء فإنكم لا تتقربون بمثله، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها، إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار». (18) سورة المؤمنون، الآية: 71. (19) في سورة البقرة، الآيات: 183-187. (20) سورة البقرة، الآية: 186. (21) سورة يوسف، الآية: 97. (22) سورة يوسف، الآية: 98. (23) من لا يحضره الفقيه 1: 422.

العفو والصفح الجميل
العفو والصفح الجميل

شبكة النبأ

time٢٧-٠٤-٢٠٢٥

  • شبكة النبأ

العفو والصفح الجميل

صفة العفو من مهمات مكارم الأخلاق، ومن النقاط الأساسية في الشخصية المؤمنة، بل من الجوانب المشرقة التي يحبّها اللّه عزّ وجلّ، ويدعو لها، وكذلك جاء أنبياء اللّه ورسله كلهم متحلين بهذه الصفة. ولعلها من أبرز أخلاقهم، وبواسطتها استقطبوا الناس حولهم، ووجهوهم نحو العبودية الخالصة للّه عزّ وجلّ... مِن مَكارم الأخلاق قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «عليكم بالعفو فإنّ العفو لا يزيد العبد إلّا عِزّاً، فتعافوا يعزّكم اللّه»(1). من المعلوم أن ملكات الخير تضفي على الإنسان كمالاً روحياً، ثم ينعكس هذا الكمال من الروح على كيان الإنسان ومظهره الخارجي، فنرى إتزاناً عظيماً في الشخصية، وعدالة خالصة في السلوك، وبياناً وحكمة في المنطق، ورأفة ورحمة في التعامل. وهذا هو هدف الإسلام وهدف كل الرسالات السماوية، أي: خلق وصناعة الإنسان بالصياغة والأسلوب الذي يؤدي إلى رقيّه وكماله وتقدمه. ولهذا نرى التركيز على كل مفردة من مفردات الكمال. ومن هذه المفردات: العفو، لا سيما العفو عند المقدرة. بل نرى أن اللّه سبحانه وتعالى أطلق على نفسه صفة العفو، وأنه سبحانه يحب كل من تحلى بهذه الصفة، لأنه سوف يلتقي مع اللّه عزّ وجلّ بواسطة هذه الكمالات، وسيكون اتصاله وعلاقته مع اللّه من أشرف العلاقات وأكثرها روحانية. لذلك نرى التركيز من القرآن الكريم على هذه الصفة؛ قال تعالى: (فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ)(2). وقال تعالى: (إِن تُبۡدُواْ خَيۡرًا أَوۡ تُخۡفُوهُ أَوۡ تَعۡفُواْ عَن سُوٓءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّٗا قَدِيرًا)(3). وقال: (وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ)(4). ومن هذا يتبين لنا أن صفة العفو من مهمات مكارم الأخلاق، ومن النقاط الأساسية في الشخصية المؤمنة، بل من الجوانب المشرقة التي يحبّها اللّه عزّ وجلّ، ويدعو لها، وكذلك جاء أنبياء اللّه ورسله كلهم متحلين بهذه الصفة. ولعلها من أبرز أخلاقهم، وبواسطتها استقطبوا الناس حولهم، ووجهوهم نحو العبودية الخالصة للّه عزّ وجلّ. وقصة عفو رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، عن أهالى مكة بعد الفتح، كالنار على العلم، وكالشمس في رابعة النهار، بعد أن ارتسم الموت في مخيّلة كل واحد من القرشيين. إذ اعتقدوا أن الرسول سوف يقتلهم، ولكنهم فوجئوا بعفو النبي (صلى الله عليه وآله) عنهم، مع ما لاقاه منهم من حرب ومشاغبة ومحاولات عديدة لقتله وتعذيب أصحابه... ولكن في الوقت نفسه كان عفوه عنهم بمثابة التبليغ للدين الإسلامي، بل إن صدى العفو بقي حتى في أجيال الذين عفا الرسول (صلى الله عليه وآله) عنهم، فكانوا يسمون بـ (أولاد الطلقاء)(5). مراتب العفو هناك مراتب للعفو والمغفرة تعدّدت بسبب اختلاف وتعدد مراتب الذنب والجرم. إذ كلما اختلف وتعدد الأخير اختلفت مراتب العفو بمقتضاه. فالمتبادر إلى أذهان الناس أن الذنوب نوعان: الأول: هو مخالفة الأحكام الشرعية وعدم تطبيق ما أمر اللّه به. والثاني: هو التعدي على حقوق الناس سلباً ونهباً وغصباً. وهذه الحقوق حقوق مادية أو فكرية أو اعتبارية، كالغيبة التي تسقط اعتبار الإنسان في الوسط الإجتماعي، فيعد ذلك ذنباً عرفاً وتعدياً إلى جانب حرمته. ولكن بنفس الوقت هناك تفاوت في كل مرتبة من هذه الذنوب؛ فمن سرق حبة الحنطة غير الذي سرق الملايين، ومن سلب قميصاً من أحد غير الذي سلبه ملكه كله. ومن أخلّ بالصوم أو ارتكب كبيرة غير الذي ارتكب الكبائر، وترك جميع الواجبات، وأتى بجميع المفاسد، وأراق الدماء، وهتك الأعراض... ، فهذا التفاوت في الذنوب يوجب التفاوت في مراتب العفو والمغفرة أيضاً. ففي القسم الأول تكون المغفرة والعفو الإلهي، والثاني هو عفو الناس بعضهم عن البعض. كيف نفهم العفو؟ الإنسان في هذه الحياة لا ريب من أنه يحتاج إلى لطف اللّه عزّ وجلّ ورحمته، ويطمع في النجاة من كل ألوان العذاب، لا سيّما عذاب الآخرة. والذنوب والمعاصي والشرك والكفر... كلها تبشر الإنسان بما لا يحب، فهي ظلمات وعذابات في الآخرة، وشقاء في الدنيا، بسبب تبعاتها، يقول تعالى: (أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ)(6) بعكس الإيمان والطاعات التي هي نور في الآخرة، قوله سبحانه: (نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ)(7). فالعفو من اللّه عزّ وجلّ بمنزلة إزالة كل الأسباب والدواعي التي تكوّن الظلمات للإنسان، وتؤدي به إلى العذاب. وبمعنى آخر: إن المذنب بعد أن ابتعد عن لطف اللّه ورحمته يغفر له ويعفى عنه، ويردّه مرة أخرى إلى ألطاف اللّه ورفقه به، بعد أن تولدت عنده أسباب كانت بمثابة الموانع من التنعم بألطاف اللّه، فيكون العفو مزيلاً لكل الموانع التي من شأنها أن تبعد الإنسان عن قبول الفيض الإلهي. وكلما انكشفت تلك الموانع (الذنوب) عن الإنسان إزداد إشراقاً وإيماناً، بسبب قبوله لعناية اللّه له وفيضه عليه، ولذلك قالت الآية: (رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ)(8). فهؤلاء لديهم نور، ولكن بقي هناك شيء من الموانع والأسباب، فيطلبون من اللّه أن يزيل عنهم كل الأسباب والموانع بالمغفرة، لكي يتم نورهم ويدخلوا الجنة. أما عفو الإنسان فهو بمعنى عدم ترتب الأثر، وهذا على نحوين: الأول: عفو مع عتاب ومساءلة وكلام، مع عدم ترتب الأثر. الثاني: عفو مطلق بلا عتاب، وخال من كل شيء، بل أحياناً يكون مع المكافأة على نفس طريقة المولى عزّ وجلّ، والذي أطلق عليه القرآن مصطلح (الصفح الجميل)(9). أي: بلا عتاب أو مساءلة، وأيضاً قوله تعالى: (وَلۡيَعۡفُواْ وَلۡيَصۡفَحُوٓاْۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ)(10). وهذا نلمسه بوضوح عند الرسول الأكرم والأئمة الكرام صلوات اللّه وسلامه عليهم، فيروى أن رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)، ويسبه إذا رآه، ويشتم علياً (عليه السلام)، فقال له بعض جلسائه يوماً: دعنا نقتل هذا الفاجر، فنهاهم عن ذلك أشدّ النهي، وزجرهم أشد الزجر، فسأل عن العُمري، فذكر أنه يزرع بناحية من نواحي المدينة، فركب فوجده في مزرعة له، فدخل المزرعة بحماره، فصاح به العمري: لا توطئ زرعنا، فتوطأه أبو الحسن (عليه السلام) بالحمار حتى وصل إليه، فنزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه وقال له: «كم غرمت في زرعك هذا؟» فقال له: مائة دينار، قال: «وكم ترجو أن تصيب فيه؟» قال: لست أعلم الغيب، قال له: «إنما قلت لك كم ترجو أن يجيئك فيه؟» قال: أرجو أن يجيئني فيه مائتا دينار، قال: فأخرج له أبو الحسن (عليه السلام) صرّة فيها ثلاثمائة دينار، وقال: «هذا زرعك على حاله واللّه يرزقك فيه ما ترجوه»، قال: فقام العمري فقبل رأسه، وسأله أن يصفح عن فارطه، فتبسم إليه أبو الحسن (عليه السلام)، وانصرف(11). وغير ذلك كثير من أخلاق أئمتنا العظام سلام اللّه عليهم أجمعين. العَفو عند المَقدرة نعم يتسامى الإنسان، ويرتقي في سلم الكمال، عندما يصفح ويعفو ويغفر، وهو في موقع القدرة. يحكى أن الوليد بن عبد الملك عندما تسلم مقاليد الحكم بعد عبد الملك، حاول أن يكسب الناس، ويمحو الآثار السيئة لعبد الملك، فعزل والي المدينة هشام بن اسماعيل الذي كان دأبه مضايقة العلويين، لا سيما الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وإيداعهم السجن واتهامهم، ومنعهم بعض الحقوق... فعندما عُزل وجرّد من أسباب القدرة أمر الوليد أن يوقف للناس ونادى في الناس أن كل من كانت له مظلمة عند هشام فليأته ويفعل به ما يشاء، فكان الناس يأتون ويبصقون في وجهه ويضربونه، وكان هشام يقول ما أخاف إلّا من علي بن الحسين، ولكن الإمام (عليه السلام) كان قد تقدم إلى خاصته ألّا يعرض له أحد منهم بكلمة... وقد مرّ الإمام (عليه السلام) أمام هشام مسلّماً‌ عليه، وأبدى له الاستعداد بمساعدته دون أي إهانة أو إيذاء لذا نادى هشام حينها: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته(12). لهذا ترك الناس إهانة هشام عندما شاهدوا فعل الإمام (عليه السلام) معه. مِن فوائد العَفو لا يخفى أن لِكلّ ملكة من ملكات الخير والكمال فوائد عديدة كالشجاعة والصدق والكرم والعلم... والعفو بما أنه واحد من تلك الكمالات وقد نعت اللّه عزّ وجلّ به نفسه، فبلاشك تقع وراء صفة العفو العديد من الفوائد والمنافع والمصالح الحسنة، وإلّا كيف نفسر اتصاف المولى بها وأمره بها أيضاً. ومن هذه الفوائد نذكر: 1- العفو يفتح آفاقاً جديدة مع الآخرين، ويوفر لنا فرص الإلتقاء معهم بدل أن نفقدهم بالعقاب أو العتاب المُرّ، فوجود الناس بعضهم حول بعض أفضل بكثير من تشتتهم، فإن القصاص والعقاب حق، ولكنه يؤدي إلى نهاية العلاقات عادةً، أما العفو فإنه يجرد العلاقات، ويقوي العواطف، ويرفع الضغائن التي في القلوب، ويحسّن صورة الشخص عند الطرف المقابل. ولذلك كان الاستغفار أماناً لأهل الأرض، لأنه يرفع تبعات الذنوب، فتتجرد فرصة أخرى للعبد، ويعطي اللّه عزّ وجلّ أملاً جديداً للمكلف بعفوه عنه. وصفة العفو التي امتاز بها اللّه عزّ وجلّ هي التي تُلهم العباد الحركة والسعي والجد والاستغفار وتجديد الأمل وعدم اليأس من روح اللّه. وهكذا العفو بين الناس، فإنه مدعاة لأن يتناقص عدد الأعداء، ويأخذ رقم الأصدقاء والأصحاب بالصعود، وهكذا كان الأئمة (عليهم السلام) يعملون، فبعفوهم كانوا يجذبون الناس حولهم لا سيّما أعداءهم. 2- العفو يزيد الإنسان عزّاً ويرفع من مقامه ومكانته في قلوب الناس، لأن جنبة الإيثار سوف تكون واضحة المعالم في الشخص العافي، وهي مما يحبّها الناس، لأن الذي يعفو عن خصمه وعدوه، معنى ذلك أن يتنازل عن حقه، ولا يهتم بنوازع نفسه، وهمسات الشيطان، بل يكون ناظراً إلى مصالح الشخص المقابل، فيعفو عنه ليفتح له نافذة جديدة في الحياة وأملاً جديداً. فمن المعلوم أن القصاص أو العتاب أو العقاب أمر يرضي النفس، لأنها تشعر بالارتياح مقابل ما أخذ منها أو أعتدي عليها، وكذلك القصاص يرضي القوة الغضبية، ويرضي باقي الشهوات النفسية. ومع ذلك يخالف الإنسان العافي هواه ويصفح عن الخصم، ليدلّل على سموه وكماله وتحرره من قبضة الشيطان أو قبضة الشهوات، وبهذا الأسلوب يزداد عزّاً في نفسه ومكانة عظيمة في قلوب الناس، ولذلك قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في حديثه: «... فإن العفو لا يزيد العبد إلّا عزاً...»(13). 3- وبهذا الشكل يكون العبد قد إتصف بالصفة التي يحبها اللّه، والتي إتصف هو بها ـ ولكن لا يخفى الفرق بين الأمرين ـ فيزداد قرباً من اللّه تعالى، لأنه تخلّق بأخلاق اللّه وأخلاق رسله وأوليائه. وإلى هذا المعنى أشار الرسول (صلى الله عليه وآله) في ختام حديثه «... فتعافوا يعزّكم اللّه»(14). محاربة‌ الهوى إنزال العقوبة على المعتدي من ألذّ الأمور للنفس، وكثيراً ما تأنس القوة الشهوية بالمجازاة أو القصاص، إذ أن أغلب النفوس تحب مظهر الظهور بالقوة والغلبة والتأثير والتعالي على الغير ولو بالظلم، فالمظلوم دائماً تحدِّثه نفسه بالثأر أو القصاص، لأنها ترى في ذلك كمالاً وظهوراً لها. إلّا أنه يخفى على ذلك الإنسان أن العفو عن المعتدي يزيد النفس كمالاً ونقاوة ورقيّاً أكثر مما تتصوره في إنزال العقاب. فإن العقوبة غالباً ما تكون من نتائج القوة الغضبية التي توقع الإنسان في متاهات، في بعض الأحيان، بينما العفو دائماً يكون من نتائج الفكر السليم، والقلب الطاهر، والإيمان المتكامل. ويمكن الاستدلال بعمل أئمتنا (عليهم السلام) بالعفو وأمرهم إيّانا به، بأن العفو أفضل بكثير من العقوبة. نعم في بعض الموارد تتعين العقوبة للحدّ من الجريمة مثلاً. ولكن بصورة عامة نقول: العفو كمال، وكماله روحي يستمر في أعماق الإنسان، بينما العقاب ليس فيه كمال روحي للإنسان، ولذلك جاءت أخبار الهداة (عليهم السلام) مؤكدة على جانب العفو أكثر من العقوبة. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم»(15)، أي: مسامحتهم والعفو عنهم. بل أحياناً يكون العقاب من أجل التشفي لا غير، وهو الغالب على طبع الإنسان، لأنه مما تميل إليه النفس بسبب القوة الغضبية، التي غالباً ما يحرّك أوتارها إبليس لعنه اللّه، ولذلك كان العفو كمالاً، لأنه يخالف هوى الإنسان، وكل ما يخالف الهوى فيه خير للإنسان، لأن الهوى يتحرك بإيحاءات الشيطان. ولا بأس بنكتة مهمة في البين، وهي: متى يتحقق العفو؟ أحياناً عندما يضعف الإنسان عن أخذ الحق أو إنزال العقاب بالمعتدي، يقول عفوت عنه. ولكن في الواقع هذا بعيد عن العفو، وليس فيه أيّ ثمرة، إنما الكلام والثمرة تكون عندما يقدر الإنسان على العقاب أو القصاص، ولكنه يعفو. هنا يكون العفو فيه ثمار تصب على روح الإنسان، فتجعلها مشرقة ظاهراً وباطناً. ولهذا يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة»(16). مَواقف مِن نور لقد ثبت عند كل ذي لبّ أن طرف عائشة في معركة جمل كان يمثل جانب الباطل، وعائشة بنفسها كانت تعلم بذلك يقيناً، ولكن جرت الأحداث ومضت، وليس المقام في بيان الدوافع والأسباب، ولكن نريد أن نقول: بعد أن انتهت المعركة حاول بعض الأفراد، من جيش الإمام، أن يأخذوا ما بقي من جيش عائشة من سلاح وما شابه ذلك، فنهاهم الإمام عن ذلك. والسبب واضح، إذ ليس هدف الإمام في حروبه كلها هو صناعة جيش مسلح بالعدّة والعدد، بل صناعة جيش يتحرك دائماً من أجل إحقاق الحق، بغض النظر عن عدده وجنسه وسلاحه. كان (عليه السلام) يغذيهم بالفكرة والمبادئ الإسلامية، لكي تكون دائماً هي الضوابط في حركتهم. والأمر الآخر هو بعد انتهاء المعركة وملابساتها، وأفعال عائشة وتحريضها الجيش، ومحاولتها لشقّ عصا المسلمين، وتعدّيها على إمام الزمان، وخليفة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وتجرؤها على النيل من الإسلام، بل القضاء على الإسلام في ما لو قدر وأن الإمام كان قد قتل، فمع كل هذا وذاك أرسل أمير المؤمنين (عليه السلام) معها بعض النسوة لخدمتها، وعدداً من الرجال لحراستها(17) في طريق عودتها إلى المدينة مخافة أن يُعتدى عليها، أو يقدم أحد على الإساءة إليها. ووصلت إلى المدينة بسلام وأمان، معزّزة ومكرّمة. هذا العمل لم نجده في غير آل علي (عليهم السلام)، فهو تعبير صارخ، ولعله أعلى درجة من درجات العفو عند المقدرة. ولكن علياً (عليه السلام) لم يفعله ليزداد كمالاً، فهو كامل ومعصوم، بل ليضع درساً للأجيال وللقادة، كي يتخذوا هذا النهج، وهذا المسار الذي يؤمّن لهم النجاح والنصر والكمال في الحياة الدنيا، والفوز والقرب إلى اللّه عزّ وجلّ في الآخرة. لماذا العقوبة؟ هناك بعض الحالات تتعين العقوبة فيها، وتكون أفضل من العفو، وبعض الحالات يكون العفو أكثر فائدة، أو أكثر إيجابية من العقاب. ويمكن أن نتصور بعض الأسباب أو الدوافع من وراء العقوبة: 1- اجراء العقاب من أجل إصلاح المجرم. 2- اجراءه من أجل العبرة للآخرين، لئلا يقدم فرد على جناية أو عمل قبيح، وكذلك العبرة لنفس المجرم، فإن العقاب الدنيوى البسيط يذكّره بعذاب يوم القيامة. 3- إجراء العقاب من أجل التشفّي وإرضاء الغرائز. 4- إجراء العقاب لمجرد العمل السيء، بعيداً عمّا إذا كان هذا العقاب يصلح الفرد أو لا، وأنه يحقق العبرة أو لا. والعقلاء قالوا بحسن الأول والثاني، لأنهما يؤديان إلى إصلاح الأفراد، وتطبيق النظام الذي يضمن التعاضد الإجتماعي. أما الثالث فلا فائدة من ورائه إلّا إرضاءً للنفس والهوى. والاحتمال الرابع فيه قولان البعض قال بحسنه، أي: بحسن العقوبة فيه، وآخرون قالوا بقبحه. وعلى أية حال؛ ففي كل مورد يتمادى فيه المجرمون أو المخلّون بالأمن العام بوحدة المجتمع فإنهم يستحقون العقاب. نعم بعض الأشخاص يكون العفو عنهم أفضل من عقوبتهم، وهذا الأمر يترك عادة لظروفه الموضوعية، ونوعية الأشخاص. ولا بأس بالإشارة في البين إلى مسألة الألم التي يفعلها اللّه عزّ وجلّ في المكلفين وهل أنها حسنة أم قبيحة؟ وهل هي بعنوان العقاب أم لا؟ لقد اتفق العقلاء على أن جميع أفعال اللّه حسنة، ومنها الألم، وذلك لأحد أمور: إما لأن العبد يستحق الألم كالعصاة والكفار، أو لاشتماله على نفع أكبر من ذات الألم، كابتلاء المؤمنين لرفع درجاتهم وزيادة كمالهم، أو لدفع ضرر عنهم، كابتلاء العاصي لمحو الذنب عنه، أو أحياناً يكون بمقتضى النظام الكوني الحاكم (السنن الالهية) مِن قبيل مَن مَدَّ يده إلى النار فاحترقت، فهذا الألم صدر من النار، ولكنه يُنسب إلى اللّه، لأنه موجد القانون والعلة. ويمكن أن يصدق عنوان العقاب على هذا الألم لمن استحقّه مثل الكافر والظالم، ويمكن أن يكون محنة وابتلاءً للمؤمنين، لأن فيه نفعاً لهم في الدنيا والآخرة(18). فمن خلال هذا البيان نصل إلى قناعة تامة بأن العقاب في بعض الموارد يكون مُهمّاً بل ضرورياً للحفاظ على النظام الاجتماعي والأمن العام وتطبيقاً للشرائع والنظم والقوانين وها نحن أولاء نجد القرآن الكريم لم يرفض العقوبات ولم يقبحها بل شرَّع بعضها كإجراء الحدود على الزاني والزانية وشارب الخمر... مع أن جميعها يصدق عليها أنها ألم ولكن هذا الألم فيه لطف إما لنفس المعذب أو للصالح العام. لذلك إذا كانت العقوبة من أجل الاصلاح والعبرة فهي حسنة لأن الغرض منها عقلائي وذو فائدة على المجتمع بشكل عام وعلى الفرد بشكل خاص... أما العقوبة التي تدخل تحت عناوين أخرى لا مصلحة منها فهي غير حسنة وتدخل تحت الظلم والتعدي مع ملاحظة كون الجاني لم يقع في شبهة أم ما شاكل من الأعذار التي ترفع عنه العقوبة. أي أن الجاني يعرف أن هذا الفعل حرام أو غير جائز ولم يشتبه عليه الأمر ولم يكن مضطراً إلى باقي الشروط المذكورة في كتب الفقه ـ باب الحدود والتعزيرات ـ . لذا فإنّ العفو والصفح إذا كانت فيه فائدة حتى ولو على المستقبل البعيد فهو أجمل من العقوبة ولعله الرادع الأنصع لضمير الفرد وعودته إلى حضيرة الإنسانية المبدعة، فإن الرادع الذاتي أقوى تأثيراً على نفس الإنسان وعلى المجتمع ككل. لذا يعتبر هذا العفو أو الصفح جميلاً قال تعالى: (وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞۖ فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ)(19). «الحمد للّه على حلمه بعد علمه، والحمد للّه على عفوه بعد قدرته، والحمد للّه على طول أناته في غضبه، وهو قادر على ما يريد، الحمد للّه خالق الخلق، باسط الرزق، فالق الاصباح، ذي الجلال والاكرام»(20). * مقتطف من كتاب القطوف الدانية، وهو مجموعة من محاضرات المرجع الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي .......................................... (1) الكافي 2: 108. (2) سورة الشورى، الآية: 40. (3) سورة النساء، الآية: 149. (4) سورة آل عمران، الآية: 134. (5) منتهى الآمال 1: 173. (6) سورة النور، الآية: 40. (7) سورة التحريم، الآية: 8. (8) سورة التحريم، الآية: 8. (9) إشارة إلى سورة الحجر، الآية: 85 قوله تعالى: (فَٱصۡفَحِ ٱلصَّفۡحَ ٱلۡجَمِيلَ). (10) سورة النور، الآية: 22. (11) الإرشاد 2: 233. (12) انظر تاريخ الطبري 5: 217. (13) الكافي 2: 108. (14) الكافي 2: 108. (15) نهج البلاغة، الحكم الرقم: 20. (16) نهج البلاغة، الحكم الرقم: 52. (17) انظر الإمامة والسياسة 1: 98؛ مروج الذهب 2: 370. (18) لزيادة التفصيل انظر كشف المراد، أحكام اللطف، المسألة: 13. (19) سورة الحجر، الآية: 85. (20) إقبال الأعمال 1: 59.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store