logo
الخدمات الحكومية الإلكترونية .. الاستجابة السلوكية وراء تباطؤ الاستخدام

الخدمات الحكومية الإلكترونية .. الاستجابة السلوكية وراء تباطؤ الاستخدام

عمون١٣-٠٥-٢٠٢٥

حقق الأردن تقدمًا ملموسًا في رقمنة الخدمات الحكومية، إذ أصبحت مع بداية عام 2025 أكثر من 1567 خدمة حكومية متاحة عبر الإنترنت، أي ما يقارب 65 بالمئة من إجمالي الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنيين، وذلك ضمن خطة وضعتها وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة تهدف الى رفع هذه النسبة إلى 80 بالمئة بنهاية العام الحالي. كما وتوفّر منصة "سند" بوابة موحّدة لمجموعة متنامية من الخدمات، منها على سبيل المثال الهوية الرقمية وتجديد التراخيص واستخراج بعض الوثائق الشخصية والدفع الإلكتروني ومع ذلك فإن الاستخدام الفعلي للخدمات الإلكترونية بالمقارنة لمراجعه الدوائر الحكومية بالطرق التقليدية لا يزال متواضعًا ودون التوقعات بالرغم من ان شبكة الانترنت تغطي تقريبا كل المناطق المأهولة في المملكة، وتوفر ما يكفي من اجهزه الهواتف الذكية و الحواسيب بيد المواطنين، مما يشير بشكل مباشر الى أن المشكلة ليست في الوصول الى الخدمة، بل في مزيج من العوامل التقنية والسلوكية ما بين مقدم الخدمة ومستخدمها.
يرى العديد من المواطنين أن المنصات الرقمية الحكومية لم تُلغِ البيروقراطية، بل نقلتها من الميدان إلى الفضاء الالكتروني "البيروقراطية الإلكترونية".، فمن وجهة نظر البعض لا تزال الإجراءات الطويلة والخيارات الغير الواضحة موجودة، ولكن بشكل مختلف وأكثر إرباكا". فقد خلقت هذه التجربة في أذهان بعض الناس عبئًا إضافيًا جعلهم يتباطؤون في استخدامها، ليعود البعض منهم إلى ما اعتادوا عليه سابقا" بالذهاب شخصيًا إلى الجهة الحكومية المعنية بالإجراء ، هذا الميل يُعرف في علم السلوك بتحيّز الوضع القائم (Status Quo Bias)، وهو انعكاس طبيعي لتفضيل المألوف حين يبدو البديل محفوفًا بالغموض أو الجهد.
تزداد هذه الفجوة مع تعقيد تصميم بعض المنصات، خصوصًا تلك التي تتطلب من المستخدم اختيار خدمات من ضمن مجموعة خيارات متعددة وقوائم طويلة مليئة بمصطلحات غير مألوفة او مفهومة بما يكفي للتعامل معها، هذه التجربة تُثقل على المستخدم معرفيًا وتُولّد ما يُعرف بالإرهاق المعرفي، وهو ما يدفع الكثيرين إلى ترك المحاولة والعودة إلى المسار التقليدي، حيث يمكنهم على الأقل سؤال الموظف مباشرة.
من جهة أخرى، يرى بعض المواطنين ان الكثير من الخدمات الرقمية الحكومية تفتقر إلى قيمة مضافة واضحة أو مكافأة فورية تُقنع المواطن بتغيير سلوكه.، في المقابل نجد أن منصات أخرى مثل "كليك" أو "إي-فواتيركم" تقدّم فائدة ملموسة وفورية ، تحويل لحظي و شمول مالي لمختلف الشرائح و بدون تعقيدات، فالفرق بين تفاعل الأردنيين مع الخدمات المختلفة لا يكمن فقط في التكنولوجيا، بل في إدراك المستخدم للفائدة، لذلك يمكن القول وبشكل عام، بانه إذا ما شعر المستخدم بأن الخدمة الإلكترونية معقدة أو غير موثوقة أو لا تختصر عليه جهدا"، فسيرى أن لا جدوى من استخدامها.
وتظهر المفارقة بوضوح عند النظر إلى مدى انتشار "كليك" بين الأردنيين. فقد تبنّاها أكثر من 1.6 مليون مستخدم، وتم عبرها تنفيذ معاملات تجاوزت 12 مليار دينار خلال عام واحد فقط. والأهم من ذلك، أن "كليك" تُستخدم من قبل جميع شرائح المجتمع؛ من الشباب والموظفين، إلى أصحاب المحلات والبقالات والمطاعم الصغيرة، فصاحب المطعم الذي يقبل الدفع عبر "كليك" بكل أريحية، هو نفسه الذي يرفض استخدام منصة حكومية إلكترونية، ليس فقط لأنه يجد صعوبة بكيفية الاستخدام، بل لأنه لا يثق بفعالية وسلامة النظام الالكتروني أو لا يرى فيه فائدة مضمونة، هذه الحالة تُظهر بوضوح أن المشكلة ليست فقط باستخدام المنصات الرقمية الحكومية، بل في التصور السلوكي للفائدة والسهولة والثقة.
تجربة "كليك" تقدّم درسًا واضحًا، حين تكون الخدمة الرقمية سهلة الاستخدام، واضحة القيمة، مأمونة من مخاطر الوقوع بالأخطاء، ومبنية على تجارب متكررة ناجحة، مما يساعد بان يتم تبني التجربة بشكل طبيعي، ودون حاجة إلى حملات إقناع مطولة، فنجاح "كليك" لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تصميم يُراعي السلوك البشري كما هو، لا كما يفترضه الطرف الأخرى وكيف يريده أن يكون.
تجاوز هذه التحديات لا يتطلب فقط تطوير البنية التقنية أو توسيع نطاق التغطية الإعلامية، بل يتطلب اعتماد حلول مستندة إلى مبادئ العلوم السلوكية، وهي مجموعة من الأدوات والمفاهيم التي تُستخدم عالميًا لفهم وتحفيز السلوك الإنساني ، فعلى سبيل المثال، من الضروري تبسيط تصميم الخدمات الرقمية بشكل يجعل استخدامها بديهيًا، وتقليل عدد الخطوات والخيارات التي قد تربك المستخدم، خاصة تلك التي تتطلب الاختيار من قوائم طويلة أو مصطلحات فنية، كما ينبغي إعادة صياغة الرسائل التوعوية بحيث لا تركز فقط على "كفاءة" الخدمة أو "حداثتها"، بل تُظهر الخسائر التي قد يتكبدها المواطن عند تجاهل استخدامها ، مثل الوقت الضائع، أو الوقوف في الطوابير، أو خطر التأخير في إنجاز المعاملة، وهذا ما يُعرف في علم السلوك بتأثير "تجنّب الخسارة" "Loss Aversion". كذلك، يمكن الاستفادة من الزيارات الوجاهية الحالية عبر تحويلها إلى فرص تدريبية مصغّرة، يُرشد فيها موظف مختص المواطن إلى كيفية تنفيذ نفس المعاملة او أي معامله الكترونيه اخرى في المستقبل. أما من حيث بناء الثقة، فمن الضروري عرض قصص حقيقية لمواطنين نجحوا في استخدام الخدمات الإلكترونية، خاصة من فئات اجتماعية متنوعة، مما يُعزز ما يُعرف بـ"الدليل الاجتماعي Social Proof " ويُشجع الآخرين على التجربة.، وأخيرًا، يجب توفير الدعم الفني الفوري داخل المنصات الإلكترونية، مثل المحادثة المباشرة أو المساعدة التفاعلية من قبل مقدم الخدمة لتجنب أن يشعر المستخدم بأنه عاجز ووحيد في حال واجه أي صعوبه تحول دون نجاحه بالحصول على الخدمة.
هناك الكثير من قصص نحاج دول أخرى في تجاوز تحديات مشابهة، ففي المغرب، استعانت الجهات الرسمية بالبلديات ودور العبادة لنشر الوعي بالخدمات الرقمية بلغة قريبة من الناس، وفي مصر، تحولت الرسائل من الحديث عن "التحول الرقمي" إلى إبراز إيجابيات التوفير في الجهد والوقت، أما في تركيا، فقد استخدمت المؤسسات الحكومية اللقاءات الوجاهية لتدريب المواطنين على استخدام الخدمات الإلكترونية، مما مهّد الطريق لبناء ثقة تدريجية.
الأردن لا يحتاج إلى بناء كل شيء من جديد، بل إلى إعادة تقديم ما هو موجود بشكل يتماشى مع طريقة تفكير الناس. المواطنون سيتبنّون الخدمات الرقمية عندما يشعرون بأنها فعليًا أسهل وأوضح وأكثر ضمانًا من الطرق التقليدية، فمقاصد هذا المقال توضح أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي، يجب أن تُصمَّم بما يتناسب مع طبيعة السلوك البشري. وإذا أردنا تغيير السلوك، فعلينا أن نجعل السلوك الجديد هو الخيار الأسهل
* باحث في العلوم والبصائر السلوكية – London School of Economics (LSE)

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«التنمية والتشغيل» و«البريد» يوقعان اتفاقية لتمويل سيارات وسكوترات لتشغيل الأردنيين
«التنمية والتشغيل» و«البريد» يوقعان اتفاقية لتمويل سيارات وسكوترات لتشغيل الأردنيين

الدستور

timeمنذ 2 ساعات

  • الدستور

«التنمية والتشغيل» و«البريد» يوقعان اتفاقية لتمويل سيارات وسكوترات لتشغيل الأردنيين

عمان - آية قمق وقعت أمس في وزارة العمل اتفاقية تمويل بين صندوق التنمية والتشغيل وشركة البريد الأردني لتمويل سيارات وسكوترات في كافة محافظات المملكة.ووقع الاتفاقية عن صندوق التنمية والتشغيل مديره العام منصور وريكات وعن شركة البريد المدير العام هنادي الطيب بحضور وزير العمل الدكتور خالد البكار ورئيس مجلس إدارة شركة البريد سامي الداود.وقال البكار ان الاتفاقية تأتي انسجاما مع أهداف المرحلة الثانية من خطة الوزارة لتنظيم سوق العمل التي تتضمن التركيز على تدريب وتأهيل الشباب الأردني وتوفير فرص عمل لهم ، مشيرا إلى ان هذه الاتفاقية ستوفر في المرحلة الأولى منها 250 فرصة عمل.وأشار البكار إلى أن الاتفاقية تأتي انسجاما مع رؤية التحديث الاقتصادي وخطتها التنفيذية التي تعتبر من الركائز الاساسية ضمن مسار الاصلاح الشامل الذي تنفذه الحكومة برؤية ملكية، مضيفا أن الاتفاقية تتناغم مع الأهداف الوطنية في مختلف المجالات بما يكفل توفير فرص عمل للاردنيين والأردنيات.وأوضح أن صندق التنمية والتشغيل خصص لهذا الإتفاقية مبلغ مليون دينار قابل للزيادة في حال تم زيادة الطلب على الاستفادة منه من قبل الفئة المستهدفة من الأردنيين للفئة العمرية من 18-45 سنة.بدوره قال رئيس مجلس إدارة شركة البريد الأردني سامي الداود إن طالبي التمويل من خلال منصة البريد «منصة التشغيل بريد جو» سيحصلون على تدريب مجاني لدى الاكاديمية العائدة لشركة البريد لتأهيلهم للعمل ومتطلباته قبل منحه التمويل المقدم من صندوق التنمية والتشغيل.واضاف أن هذه الأكاديمية الفريدة من نوعها في الشرق الاوسط ستسهم في تدريب الشباب المستفيدين من هذه الاتفاقية على آليات العمل واستخدام التطبيق الخاص بعمل البريد. ولفت الداود إلى أن رئيس الوزراء وجه إلى توفير فرص عمل للشباب من خلال هذه الاتفاقية المشتركة بالتعاون مع وزارة العمل وصندوق التنمية والتشغيل وشركة البريد الأردني، مبينا أن البريد سيوفر لهم الطلبات البريدية لتوفير دخل لهم للاستفادة من حجم التجارة الالكترونية الذي تطور بشكل كبير.من جانبه قال مدير صندوق التنمية والتشغيل منصور وريكات إن حجم التمويل للقرض الواحد يصل بحده الأقصى إلى 15 الف دينار بحسب وسيلة النقل، بفترة سماح تصل إلى 3 أشهر وفترة سداد تصل حتى 72 شهرا وسعر مرابحة تفضيلية وشروط ميسرة.واضاف وريكات ان الصندوق يسعى إلى تعزيز السياسات الحكومية الرامية إلى تحفيز الشباب الرياديين القادرين على إدارة مشاريعهم الخاصة بهم للحد من معدلات الفقر والبطالة.

انخفاض المنح الخارجية 93.2 % في الربع الأول
انخفاض المنح الخارجية 93.2 % في الربع الأول

الدستور

timeمنذ 3 ساعات

  • الدستور

انخفاض المنح الخارجية 93.2 % في الربع الأول

عمان - الدستوربلغت المنح الخارجية خلال الربع الأول من العام الحالي 3.4 ملايين دينار، مقابل 49.6 مليون دينار خلال ذات الفترة من العام الماضي.ووفق بيانات وزارة المالية، انخفضت المنح خلال الربع الأول من العام الحالي 46.2 مليون دينار مقارنة بذات الفترة من العام 2024، أي ما نسبته 93.2%.وتلقت وزارة التخطيط والتعاون الدولي تعهدات جديدة لتمويل مشاريع رئيسية من خلال منح وقروض بقيمة تجاوزت الملياري دولار خلال شهر نيسان الماضي.ووفق تقرير موجز لإنجازات الوزارات والمؤسسات الحكومية لشهر نيسان الماضي، فإن وزارة التخطيط وقعت اتفاقيات تمويلية وحصلت على تعهدات بقيمة 2.1 مليار دولار مع عدة جهات منها؛ البنك الدولي، وبنك الإعمار الألماني، والسفارة الهولندية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.وفي السياق، ارتفعت الإيرادات المحلية خلال الربع الأول من العام الحالي 2025 نحو 150 مليون دينار، لتصل إلى 2,160 مليار دينار، مقارنة بـ2.01 مليار دينار للفترة نفسها من العام الماضي.وبحسب البيانات، بلغت الإيرادات الضريبية خلال الربع الأول من العام الحالي 1.582 مليار دينار، توزعت على، الضريبة العامة على السلع والخدمات بقيمة 1.076 مليار دينار، والضرائب على الدخل والأرباح بـ419 مليونًا، وضريبة بيع العقار بـ24 مليونًا، والضرائب على التجارة والمعاملات الدولية بـ63 مليون دينار. في حين بلغت الإيرادات غير الضريبية للفترة نفسها 578 مليون دينار.وارتفع إجمالي الدين العام في الأردن، مع احتساب الدين الذي يحمله صندوق استثمار أموال الضمان، إلى 118.4% من الناتج المحلي الإجمالي، بنهاية الربع الأول من العام الحالي، وينخفض إلى 91.5% باستثناء الدين الذي يحمله صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، كما ينخفض مرة أخرى إلى 90.9% من الناتج المحلي، بعد استثناء قيمة الوديعة لدى البنك المركزي، المخصصة لسداد سندات اليوروبوند المستحقة في حزيران المقبل.

انخفاض الفاتورة النفطية للأردن 6.4 % خلال الربع الأول
انخفاض الفاتورة النفطية للأردن 6.4 % خلال الربع الأول

الدستور

timeمنذ 3 ساعات

  • الدستور

انخفاض الفاتورة النفطية للأردن 6.4 % خلال الربع الأول

عمان -الدستورانخفضت الفاتورة النفطية للأردن، في الربع الأول من العام الحالي 2025، بنسبة 6.4%، وفق بيانات التجارة الخارجية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة.وأشار التقرير إلى انخفاض قيمة مستوردات المملكة من النفط الخام ومشتقاته والزيوت المعدنية في الربع الأول من العام الحالي، لتصل إلى 770 مليون دينار، مقارنة بـ 721 مليون دينار للربع ذاته من العام الماضي.وأشار تقرير دائرة الإحصاءات العامة إلى ارتفاع الصادرات الوطنية بنسبة 11.7%، والمعاد تصديره بنسبة 10.4%، مما أدى إلى ارتفاع الصادرات الكلية بنسبة 11.6% مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.التقرير الشهري حول التجارة الخارجية في الأردن، أوضح أن هذا النمو جاء متزامنًا مع زيادة المستوردات بنسبة 6.6%، وبالتالي زيادة العجز في الميزان التجاري بنسبة 2.2% خلال الربع الأول من عام 2025 مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.وبلغت قيمة الصادرات الكلية خلال هذه الفترة 2.306 مليار دينار، حيث شكلت الصادرات الوطنية 2.093 مليار دينار ، والمعاد تصديره 213 مليون دينار ، في حين بلغت قيمة المستوردات 4.679 مليار دينار خلال نفس الفترة.وعليه يكون العجز في الميزان التجاري (والذي يمثل الفرق بين قيمة الصادرات الكلية وقيمة المستوردات)، بلغ 2.373 مليار دينار خلال الربع الأول من عام 2025، مقارنة مع 2.323 مليار دينار في الفترة المقابلة من عام 2024.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store