
في غرف اليابانية تشيهارو شيوتا
من المعرض (العربي الجديد)
صنعت
تشيهارو شيوتا
لنفسها مكاناً عالياً في الفن العالمي، وهو أمرٌ شديد الصعوبة ونادر الحدوث. لكن موهبتها وفرادة رؤيتها خلقتا حولها إجماعاً وانبهاراً، رغم أن الطريف بشأنها أنها فشلت في دراسة الرسم، وغادرت كلية
الفنون
مبكراً. لكنها وجدت دعوتها في مجال الفن التركيبي.
محظوظٌ من حالفه الحظ لرؤية أحد أعمال الفنانة اليابانية المعروضة في كبريات المدن العالمية. لذا، كنتُ ممتنّةً للظروف التي يسّرت لي أن أصادف معرضاً لها خلال رحلة إلى إسطنبول منذ أسبوع، بعد أن كانت قد خذلتني في زيارة معرضها في باريس.
تكمن عبقرية شيوتا في أنها تعمل على أشياء عُثر عليها، وكانت لها حياة سابقة. فتُعدّ الفساتين، مثلاً، عنصراً متكرراً يوحي بحضورٍ ماضٍ وفراغٍ حالي. كما تُعدّ الأحذية وحقائب السفر من
العناصر المتكررة
في أعمالها، ما يُحيل مرةً أخرى إلى شيء مُهمَل وعابر. وتُدمج شيوتا مفاهيم الزمان والمكان والحركة والذاكرة في أعمالها التركيبية، فتدفع الجمهور إلى التفاعل جسدياً وعقلياً لإكمال تجربتهم داخل غرفٍ تمتدّ أحياناً لمئات الأمتار.
رحلة في بلاد الدهشة
تغمرك الدهشة ويحتضنك الدفء بمجرد أن تطأ قدمك أرض دهاليز العمل الفني التركيبي الذي سمّته "بين العوالم"، والمعروض في متحف الفن المعاصر بإسطنبول. كأنها شرايين دموية تضيق وتتسع وتتفرّع، وتضمّ فقاعات غائرة تُشبه كريات الدم. وبين تشعّبات الخيوط الصوفية الحمراء حقائب سفر جلدية، بعضها مفتوح، والآخر مغلق بشكل أفقي أو عمودي.
من المعرض (العربي الجديد)
ظاهرياً، تبدو الحقائب مُلقاةً كيفما اتفق، لكنها تتتابع ضمن إيقاعٍ يصعد ويهبط، حيث تتكثّف أو تقلّ، ما يُغيّر انطباع الجمهور المتجوّل بين دهاليز العوالم. ومن داخل الأنسجة، تُطلّ المصابيح، فتغدق إضاءةً دافئة على المتلقّي؛ إذ هو الآن يتسلّل داخل أوردةِ شخصٍ عاطفيٍ دافئ، لا في شرايينِ شخصيةٍ باردةٍ لامبالية. حتى فوضى الحقائب هي فوضى كائنٍ مُحبَّب، يسعى جاهداً إلى مقاومة سرعة إيقاع الحياة، ببعض الإهمال والعفوية والتجاوز عن حمولات الماضي المُرهِقة.
معرض "بين ضفّتين"
يستكشف المعرض، المقام في متحف إسطنبول الحديث بالتعاون مع مؤسسة اليابان في المدينة، مفهوم "الوجود في مكانٍ ما بين العوالم"، الذي تعبّر عنه شيوتا من خلال أعمالها الفنية، بحسب إدارة المتحف. فـ"تُمثّل كلّ حقيبة فرداً"، من منظور الفنانة، إلى جانب الأشياء التي تحملها أو نُحمّلها إيّاها. كما تُمثّل الحقائب أيضاً "ناقلاً للرموز، تنقل العواطف والذكريات، وتربط الماضي بالمستقبل".
موهبة شيوتا وفرادة رؤيتها خلقتا حولها إجماعاً وانبهاراً
وفي صياغتها الإطار المفاهيمي للمعرض، تستلهم شيوتا عملها من موقع إسطنبول بين آسيا وأوروبا، كما يشير كتيّب المعرض، وكذلك من موقع المتحف في "كاراكوي"، أحد أكثر أحياء إسطنبول ازدحاماً، وموطن مينائها التاريخي. يربط المعرض بين السفن، التي ترسو في الميناء وتغادره، والمسافرين على متن هذه السفن، وقصصهم، وقصة هجرة الفنانة نفسها.
من المعرض (العربي الجديد)
تُغلّف الحقائب، داخل المعرض بأكمله، بخيوطٍ حمراء تُشبه خيوط العنكبوت، مُؤكّدةً موضوع "الحضور في الغياب". فالأحمر هو اللون الأكثر استخداماً لدى الفنانة، بما يُمثّل جريان الدم والحياة في عروقها. يُنظَّم المعرض بمناسبة الذكرى المئوية لبدء العلاقات الدبلوماسية بين اليابان وتركيا، وتُعبّر فيه الفنانة عن شعورها الغامر بأنها "في مكانٍ ما بين عالمَين".
غرف هي العالم كله
يستغلّ العرض فضاء غرفةٍ كاملة، بحيث يمشي الزائر في ردهات الشرايين العنكبوتية متنقّلاً بين درجاتٍ من العمل. فالحقائب هنا ليست أدوات للسفر، بل استعاراتٌ عن تراكم ثِقل الحياة. تُعرَف الفنانة بأعمالها الضخمة، التي تُركِّب فيها أغراضاً من الحياة اليومية، كالأسرّة، والأحذية، والمفاتيح، والمراكب، والملابس، والكراسي، العالقة في طبقاتٍ كثيفةٍ من الخيوط الصوفية ضمن تلك التركيبات. كما تستخدم أيضاً موادّ عضوية، كالماء، والنار، والتربة.
في مواجهة مدخل الغرفة الثانية من المعرض، تُعرض قطعة أخرى من الخيوط، ولكن هذه المرّة على قماش. أنماطٌ هندسية حمراء من الخيوط موزّعة على ثلاث لوحات قماشية بيضاء، تزداد كثافتها كلّما اتجهنا نحو الأسفل. ولا تكتفي شيوتا بوضع الخيوط بعضها فوق بعض بحركة خياطة تقليدية، بل تبدو كأنها تتشابك فيما بينها أثناء الخياطة، مكوّنةً كُتَلاً خيطيةً ملتوية.
مسارٌ متشابك
وُلدت تشيهارو شيوتا في أوساكا عام 1972، وهي تُقيم وتعمل في برلين، ألمانيا. تعتمد في أعمالها على فنون الأداء والتركيب والنحت، وتتناول من خلالها موضوعات إنسانية وجودية، مثل الحياة والموت والعلاقات بين البشر.
من المعرض (العربي الجديد)
بدأت شيوتا مسيرتها الفنية بدراسة الرسم في جامعة سيكا بمدينة كيوتو، قبل أن تنتقل إلى فن التركيب. وبحلول السنة الثانية، كانت قد سئمت من الرسم، إذ تقول: "لم يكن الرسم سوى لونٍ على قماش. لم يكن له أي معنى آخر. لم أستطع ربط حياتي بالرسم".
من بين أعمالها منحوتاتٌ أصغر من المعتاد، لكنها تواصل فيها نمط تعليق الأشياء بالخيوط. من بينها عملها "حالة الوجود (علم التشريح)"، الذي يتمثل في كتابٍ عن التشريح مُغلّف بشبكة من الخيوط الحمراء. وبينما تعاني الكتب المحيطة من التمزيق، يظل هذا الكتاب سليماً. وقد اختارت الفنانة عرض هذا العمل في نهاية الجدار الفاصل بين غرفتي العرض، بحيث لا تمكن رؤيته بوضوح إلا من طرف شخص واحد في كل مرة، ما يخلق تجربة مشاهدة حميمة، يعزّزها حجم المنحوتة الصغير.
مع الوقت، أصبحت للخيوط الملوّنة رمزية خاصة في أعمال شيوتا. فالأحمر يرمز إلى الجسد، لكنه يشير أيضاً إلى الذاكرة، والعلاقات الإنسانية، ومسار حياة الإنسان ومصيره. ففي الثقافة اليابانية، يُمثّل الخيط الأحمر الحياة. أما الخيط الأسود، فيرمز إلى الليل، والمجهول الممتد حتى شسوع الكون، ويستحضر الموت بشكل ما.
استخدمت شيوتا الخيط الأسود في اثنين من أكثر أعمالها قتامة، وهما: "أثناء النوم" و"بينهما". في "أثناء النوم"، تُحاصر كتلة من الخيوط السوداء غرفةً مليئةً بالنساء الراقدات على أسرّة المستشفيات، ومن بينهن شيوتا نفسها، التي أنجزت العمل بعد إصابتها بسرطان المبيض عام 2005.
يستكشف المعرض مفهوم "الوجود ما بين العوالم"
وفي العمل النموذجي "المفتاح في اليد" الذي عرضته في بينالي البندقية عام 2015، استخدمت خمسين ألف مفتاح مربوطة بشبكة كثيفة من الخيوط الحمراء، ملتصقة بالقوارب، في متاهة من المفاتيح والخيوط، تطرح الفنانة تساؤلاتٍ عن الذات، والذاكرة، والهوية.
أما في عملها "المدّ العاطفي"، فقد أطلقت العنان لعواطفها تعبيراً عن مرحلة انفتاحٍ ذاتي، بينما يستند عملها "هزّات الروح" إلى تجربتها الحياتية التي تشاركها مع الجمهور من خلال أعمال مليئة بالمشاعر والتساؤلات، مثل "الفستان في المرآة"، الذي يُربك حواس محبيها، أو هذا الدرج المكوّن من حقائب تتراكم باستمرار، وتتدلّى بخيوطٍ صلبة من السقف.
للمكان سحره في إبراز أعمال شيوتا
قيمة العمل تستمد نفسها من مكانها أيضاً، فإقامة المعرض في متحف إسطنبول المعاصر، حيث يحتل أكبر صالات الطابق الأرضي، تعطيه مجالاً مكانياً يسمح له بالامتداد ويسمح للمتلقي بمساحة كافية ليخرج من العمل وأجوائه من دون أن يجد نفسه في غرف أخرى أو في الخارج مباشرة. فالمبنى مبني على مفهوم الشفافية التي تسمح فيه الجدران الزجاجية لإضاءة طبيعية تامة لكل أركانه.
ويعتبر مبنى "مودرن إسطنبول"، الذي صممه المهندس الإيطالي رينزو بيانو، أول متحف للفن الحديث والمعاصر في تركيا. كما أنه حصل على لقب "مبنى العام 2024" في فئة العمارة الثقافية بفضل تصميمه المميز على الضفة الأوروبية من مدينة إسطنبول، كبرى المدن التركية. جدير بالذكر أن المعرض الذي افتتح في 6 سبتمبر/ أيلول 2024 يتواصل إلى حتى 25 يناير/ كانون الثاني 2026.
فنون
التحديثات الحية
لماذا دوّن الفراعنة تاريخهم على الحجر؟.. رسائل حياة أم هوس بالموت

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ 18 دقائق
- سواليف احمد الزعبي
وسيط ترامب: صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ممكنة 'خلال أيام'
#سواليف قال الناشط السياسي الفلسطيني-الأمريكي #بشارة_بحبح، الذي يتولى #الوساطة بين إدارة #ترامب وحركة #حماس، إن التوصل إلى #اتفاق لوقف إطلاق النار في #غزة و #الافراج_عن_الأسرى 'ممكن خلال أيام'. وأشار بحبح، الذي يشارك في الوساطة إلى جانب مصر وقطر، في مقابلة مع قناة 'الغد' إلى أنه متفائل بإمكانية التوصل إلى صفقة، خاصة بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، مما أعاد التركيز الإقليمي على غزة. لكن دبلوماسي عربي رفيع صرح لصحيفة تايمز أوف إسرائيل بأنه أقل تفاؤلاً، مشيرًا إلى أن إسرائيل ما زالت ترفض تقديم التزام مسبق بإنهاء الحرب بشكل دائم. وأضاف أن إسرائيل تقترح إطلاق سراح الأسرى بشكل متدرج خلال فترة وقف إطلاق النار المؤقتة المقترحة، إلا أن ترتيب الإفراج ليس هو العقبة الأساسية في الصفقة، وفقًا لما ذكره الدبلوماسي. وأوضح بحبح أن الحرب بين إسرائيل وإيران غير مرتبطة بالحرب بين إسرائيل وحماس، إلا أن الوسطاء القطريين والمصريين باتوا الآن أكثر تصميمًا على إنهاء الصراع بين إسرائيل وحماس بعد تسوية الصراع مع إيران. وأكد أن نقاط الخلاف المتبقية بين إسرائيل وحماس قليلة جدًا، وأن النقطة الرئيسية المتبقية تتعلق بصياغة جملة معينة، يُعتقد أنها تشير إلى البند المتعلق بتمديد وقف إطلاق النار المؤقت إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق دائم بحلول نهايته، وهو ما تطالب به حماس. أجريت المقابلة في مصر، حيث يقيم بحبح حاليًا لتسهيل التوصل إلى اتفاق. وذكر أنه التقى بالقيادي البارز في حماس غازي حمد لمناقشة الثغرات المتبقية في المحادثات. وأضاف بحبح أن هناك عدة مقترحات متداولة لصفقات تبادل أسرى، بعضها شامل والآخر جزئي. ولفت إلى أن أحد الأهداف الرئيسية هو ضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، خاصة وأن إسرائيل كانت تسمح بمرور نحو 60 شاحنة فقط يوميًا خلال الشهر الماضي، وهو عدد أقل بكثير من مئات الشاحنات التي تقول الأمم المتحدة إنها ضرورية لمعالجة الأزمة الإنسانية.


اليوم السابع
منذ 19 دقائق
- اليوم السابع
تقرير: ضربات أمريكا لم تدمر مواقع إيران النووية لكنها أخرت طموحاتها لبضعة أشهر
ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال اليوم الأربعاء، أن تقريرا استخباراتيا أمريكيا أوليا أظهر أن الضربات التى نفذها الجيش الأمريكى الأسبوع الماضى واستهدفت ثلاثة مواقع نووية إيرانية لم تؤدِّ إلا إلى تأخير طموحات طهران النووية لبضعة أشهر فقط، وفقًا لمصادر مطلعة على فحوى التقرير. وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن ما خلص إليه التقرير يتعارض مع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والبيت الأبيض التي أشارت إلى أن الضربات شكّلت انتكاسة كبيرة للبرنامج النووي الإيراني. وكان ترامب قد أعلن عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران مساء الاثنين، وذلك بعد ساعات من إطلاق إيران صواريخ على قاعدة أمريكية في قطر، في هجوم تم التحذير منه مسبقًا ولم يسفر عن وقوع إصابات أو خسائر في الأرواح. وأعلنت إسرائيل أمس رفع معظم القيود المفروضة على حركة المدنيين والنشاط الاقتصادي التي كانت قائمة خلال فترة القتال التي استمرت 12 يوما ، فيما أكدت هيئة المطارات الإسرائيلية أن مطاري بن جوريون وحيفا عادا إلى العمل بشكل كامل. وأكدت إسرائيل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، قائلة إنها حققت أهدافها العسكرية من خلال إزالة ما وصفته بـ"التهديد الوجودي المزدوج" المتمثل في برنامجي إيران النووي والصاروخي. وفي المقابل، أعلن وزير الخارجية الإيراني أن بلاده ستوقف هجماتها ما دامت إسرائيل ملتزمة بوقفها.


صدى مصر
منذ 19 دقائق
- صدى مصر
صدمة العمر)) بقلم نشوة أبوالوفا
صدمة العمر)) بقلم نشوة أبوالوفا الفصل الأول تنهدت مطلقة زفرة حارة في صبيحة يوم شتوي كانت شمسه تستحي مخفية شعاعها بتلك السحب الرمادية، جو بعث في نفسها كآبة دفعتها دفعًا لتذكر ماضٍ تحاول نسيانه بكل الطرق لكن ذلك الماضي ما يلبث أن يطرق كل أبوابها، متفجرًا في غياهب ذكرياتها كحمم بركان ذائبة تشق طريقها بلا هوادة. ذكريات عاشتها هي بكل تفاصيلها، وأحداث قد سردت على مسامعها، في لحظات صفاء أو بوح بما تكنه القلوب المتعبة. إنها ريفال واصف، ابنة رجل الأعمال المصري واصف السوهاجي ذو الأصول الصعيدية، الذي أمضى معظم حياته في لبنان متزوجًا هناك بميرا نادر ومنجبًا ثلاثة فتيات ريفال ورفيف ورنا، ريفال هي أكبرهم. أمضى واصف معظم حياته بلبنان فهو مقيم هناك منذ بلوغه الثانية والعشرين من عمره وها هو قد بلغ الخامسة والأربعين، وفجأة يصدم عائلته بوجوب عودته لوطنه مصر. سألت ميرا: – غريب أمرك واصف، لم الآن؟ أبعد كل هذا العمر؟ – ها قد قلتها ميرا، كل هذا العمر، أما يكفيني بعدًا وهجرة. واقترب منها محيطًا إياها بذراعيه بينما هي توليه ظهرها ناظرة للجبل: – لقد اكتفيت بعدًا، أريد العودة لأدفن في وطني وبين أهلي. التفت له: – أي وطن وأي أهل، طوال الأعوام الماضية لم أسمعك تذكر ذاك الوطن أو تصل من تسميهم الآن أهل، أنا لا أفهمك واصف. قال مبتسمًا: – اعتبريه سوقًا جديدًا لنشاط شركاتنا التجاري، الجو الاستثماري الآن في القاهرة مناسب جدًا، وسيكون سوقًا كبيرًا، سنصفي أعمالنا هنا كاملة ونغادر. اقتربت ميرا منه: – واصف اصدقني القول، هل هناك مشكلة ما هنا وأنت تفر منها. قهقه ضاحكًا: – أي مشكلة ميرا عزيزتي، أخبرك أنني سأفتتح شركة وتجارة فأي مشكلة ستكون لدي؟ رفعت ميرا حاجبها: – لا أقصد مشاكل مالية واصف، ربما عدت إلى صبيانيتك وفعلت فعلة تستوجب الهروب. اقترب منها مقتنصًا قبلة من وجنتها: – أنا لم أعد أرى غير عينيك الجميلتين ميرا. نظرت له نظرة شك: – ومتى ستكون تلك المغادرة؟ – في وقت قريب وردتي. …. ما هو الذي سيحدث في وقت قريب؟ كان هذا سؤال ريفال أهلًا صغيرتي قالها واصف باسمًا تأففت ريفال: – أخبرتك أنني لا أحب هذا التدليل، لم أعد صغيرة، أنا الآن سيدة أعمال ناجحة يشار لي بالبنان، لا يصح أن تدللني بصغيرتي. ابتسم قائلًا: – حسنًا سيدة الأعمال، ما سيكون قريبًا هو عودتنا للقاهرة. – أي قاهرة؟ – وهل هناك قاهرة غيرها بنيتي، إنها موطني. تهكمت ريفال: – وأين كنت من موطنك هذا منذ زمن سحيق؟ أم أنه ظهر فجأة في خريطة حياتك. نهرها واصف: – تأدبي ريفال، لم أربك لتخاطبيني هكذا يا سيدة الأعمال. تبرمت قائلة: – آسفة والدي، لكن حقًا ما الذي يدفعك لهذه المغادرة؟ – يدفعنا ريفال، يدفعنا. – ماذا تقصد؟ أليست زيارة عابرة؟ اقتربت منها ميرا واضعة يدها على كتفها: – ليست زيارة عابرة ريفي، سينقل والدك نشاط الشركة للقاهرة! صاحت ريفال مستنكرة: – ما هذا؟ وكيف أكون آخر من يعلم؟ ألستُ عضوًا بمجلس إدارة الشركة التي تنوي نقل نشاطها؟ – يا ريفي ها أنا ذا اخبرك، واليوم بدأنا الإجراءات أنا وسادن. ضيقت عينيها: – إذن سادن يعلم، ولم يخبرني، لقد كنت معه للتو في الاجتماع. – لقد طلبت منه ألا يخبرك وأنني سأتكفل بذلك. رفعت حاجبها: – لا زلت غير مستسيغة لهذه الفكرة وأنا غير موافقة عليها. لتفاجأ بمن يحيطها بذراعيه ويقول: -علام لا توافقين ريفي. كانت هذه رنا هزت ريفال رأسها وهي تنظر لرفيف توأم رنا – والدكما العزيز يريد أن ينقل نشاط الشركة وينقلنا معها إلى القاهرة. لتصرخ رنا وتهرع لوالدها لتقبله: – إنها فكرة رائعة، منذ زمن وأنا أخبركم أني أريد الذهاب هناك، لكن مشاغلكم تمنعنا. نظرت لها ريفال مغتاظة: – استوعبي رنا وأنتِ الأخرى رفيف، أقول لكما سننتقل، أي أن إقامتنا ستصير هناك. هزت رفيف كتفيها بلا مبالاة: – وما المشكلة، فلنغير قليلًا، وبإمكاننا زيارة الجبل هنا في أي وقت، ثم أن القاهرة مدينة ساحرة خلابة. غادرتهم ريفال محتقنة فلم تعد تستطيع التحمل لتصطدم بسادن فقالت بحنق: – ها قد أتيت، هل تساند والدي في فكرته؟ نظر لها سادن مبتسمًا: – ليست مجرد فكرة ريفي، بل تم وضعها قيد التنفيذ. صرخت ريفال: – أنتما ستدفعانني دفعًا للجنون. وغادرتهم صاعدة لغرفتها بالطابق العلوي. نظرت ميرا معاتبة لواصف وسادن: – كان يجب أن تشركاها معكما في التفكير واتخاذ القرار، إنها عضو أساسي في الشركة، ثم أنكما تدركان جيدًا طبيعة القاهرة بالنسبة لها ولم تحمله من ذكريات وحنين. قال واصف بجدية: – آن لها أن تنسى وتتابع حياتها. أما سادن فقد استدار ليقول واصف: – إلى أين؟ بالطبع ستصعد لها. – طبعًا أنت تعرف أن ريفي صغيرتي أنا أيضًا، ولن أدعها غاضبة هكذا. اقترب منه واصف: – حسنًا اشرب قهوتك أولًا، ريثما تكون فورة غضبها قد هدأت قليلًا. ثم وضع يده على كتف سادن قائلًا: – لربما قذفتك بشيء ما ونحن لا نستطيع الاستغناء عنك. وانفجر ضاحكًا بينما ريفال في غرفتها وقفت للحظة أمام شرفتها تنظر للبحر والجبل تناجيهما أيها الهادر الغاضب يا من سلبت الحبيب أحمل لك الكره كله حتى بت أشمئز من لونك الأزرق وأمسكت تلك القلادة التي تتدلى على صدرها لتفتحها وترى صورة دالي حبيبها، لتترقرق الدموع بمقلتيها، وهي تستشعر لمسة دالي لها حين قلدها تلك الهدية، مطالبًا إياها ألا تخلعها، لم تستطع أن تستمر في التظاهر بالصلابة، انهارت باكية على الأرض وهي تمسك بالقلادة وأخذت تبكي وهي تحدث نفسها (لم حدث هذا؟ ألم يكتب لي الفرح؟ ألن أذوق السعادة؟ أما يكفيهم أني فقدت حبيبي دالي قبل زفافنا بيوم واحد (وأطلقت آهة مكتومة) يوم واحد يا الله كنت سأكون بين أحضانه للأبد، كنت سأحمل اسمه، وها قد فقدته، ولا يريدون الترفق بي، بل يريدون أخذي لمسقط رأس حبيبي، ما بهم؟ أيظنون أني نسيته؟ تبًا للجميع، دالي يسكن القلب والروح ولن يفارقهما)