
أهالي الأقصر يسترجعون ذكرياتهم مع رمضان.. صور
"أهو جه يا ولاد".. فرحة سنوية ينتظرها أهالي محافظة الأقصر من العام للآخر، للاحتفال بشهر رمضان الفضيل، حيث يستعدون لاستقباله بالكثير من العادات والتقاليد الرمضانية من طعام مختلف وشوارع مليئة بالزينة وحتى بمدفع الإفطار العتيق الذي يعود تاريخه إلى مئات السنين، وفي هذه المساحة نأخذكم في جولة ترصد عادات وأهالي الأقصر خلال الشهر المبارك التي حاولوا بها الصمود أمام عجلة الزمن وتحديات المرحلة، كما نسترجع معها ذكريات أجدادنا من الزمن الماضي.
مع كل فرحة قدوم لرمضان يتشوق الأهالي في الأقصر، إلى مظاهر هذا الشهر العتيقة، وكيف كانوا يحيون أيامه ولياليه في الماضي وذلك برغم كل مظاهر الحداثة وانتشار أدوات التكنولوجيا، حيث يحرصون دائمًا على العودة بذاكرتهم إلى الوراء لاستعادة ذكريات شهر الصوم الجميلة، وتلك الأيام الخوالي وزمن البراءة والقناعة والرضا، وكيف كانوا يستقبلونه.
صوت النقشبندي وخواطر الشعراوي وراديو الستينات وفوازير عمو فؤاد وبكار والفانوس أبو شمعة
ومن بين الصور الرمضانية التي لا تنسى في صعيد مصر، إقامة أفران الكنافة والقطايف، وإضاءة العقود والزينات الكهربائية وفتح الزوايا ودواوين العائلات قبل قدوم الشهر بأيام حيث تقام طوال رمضان ولائم الطعام في الدواوين، واستعداد العائلات لإحياء ليالي شهر رمضان بدعوة أحد "المشايخ" الذي يقرأ القرآن وينشد التواشيح الدينية والأدعية والابتهالات طوال شهر الصوم بدءا من آذان المغرب وحتى طلوع الفجر، كما تنتشر موائد الرحمن في الشوارع والميادين وأمام المنازل، وفي أول ليلة من رمضان لا بد من قيام كل آسرة بإرسال العشاء "الموسم"، من اللحوم والخضراوات، لكل بناتها المتزوجات، وتتلقى كل فتاة مخطوبة الهدايا والعشاء من خطيبها أيضًا.
وفي هذا التقرير حاولنا أن نسترجع مع عدد من أهالي الأقصر، ذكرياتهم حول الطقوس الرمضانية التي غابت عن الشارع الأقصري بفعل التكنولوجيا والتطور، وانتشار الفضائيات وعالم الإنترنت وإيقاع الحياة السريع، حيث ذهبت العلاقات الاجتماعية بلا رجعة ولم يبق منها سوى ذكريات يحن لها البعض ويتغلبون على مشاعرهم بالبحث عن القنوات التي تقدم مقتطفات من الماضي مثل قنوات ماسبيرو زمان ليشبعون حنينهم إلى الماضي.
بداية، قال الحاج أمين علي 80 سنة من قرية العشي: "رمضان زمان كان كله خير وكان أحلى بكتير، في قريتي الصغيرة كنا بنستنى ليلة الرؤية وهلال رمضان كأننا بنستنى العيد بالظبط، في الستينات كنا بنسمعها في الراديو وبعدين بقى في تلفزيون، نتجمع مع الأسرة والأولاد بعد صلاة العشاء عشان نعرف مواعيد الصيام، وأول ما يتم إعلان الرؤية تتحول القرية بعدها إلى فرح كبير، ويخرج الأطفال بصفائح وطبلة يطرقون عليها، ويطوفون بالشوارع، يهتفون "بكرة صيام يا رمضان" ويتبادل أهل القرية التهاني وكأنهم فى عيد، لكن دلوقتي بنكتفي بسماع الرؤية وننام عشان نتسحر."
فيما استعادت الحاجة زهرية علي من قرية الزينية، والتى اقتربت من الثمانين، أجواء شهر رمضان قبل 60 سنة، وهى فى عز شبابها، مؤكدة أنها تختلف تماما عن الأجواء الرمضانية التى نحياها الآن، قائلة "زمان كنا بنبادل الطعام أثناء الإفطار، وكانت القرية كلها أسرة واحدة، وكل اللي عنده حاجة يدوق منها جاره، وكان في خير وبركة ورضا حتى لو الظروف صعبة، والشهر الكريم كان ليه طعم مش هيحس بيه غير اللي عاشه، زمان مكانش في تليفزيون، كان في راديو عند الأغنياء بس في البلد، وكنا بنتجمع كلنا في بيت أحد أقاربنا عنده راديو ونسمع المسلسلات فى إذاعة الشرق الأوسط، كنا بنحب صوت النقشبندي وابتهال "مرحبًا رمضان" كانت بيحسسنا بالفرحة، وكنا نتجمع حول الراديو في انتظار مدفع رمضان وصوت أذان الشيخ محمد رفعت، كانت أيام حلوة."
وأكد كلامها محمود جميل من قرية الزينية، 45 سنة، "طبعًا رمضان كان أحلى بكتير زمان، الحياة كانت بسيطة جدا، وأمهاتنا كن يتفنن فى إعداد المأكولات البسيطة غير المكلفة، فاللحم لا نأكله إلا مرة أو مرتين فى الشهر هو والسمك، ولكن الفرن البلدى كان يوميا يتم دس برام الأرز به هو وصوانى البطاطس، وطبعا دون لحوم، وفى السحور كان الفول المدمس والجبن والزيتون بنوعيه والليمون المخلل والمعصفر، والتمر باللبن كان وجبة مفضلة، وليس الياميش المستورد بأعلى الأسعار، حقيقي أيام زمان كانت كلها خير."
فيما تذكرت أميرة أحمد أستاذة جامعية من مدينة الأقصر، 35 سنة، كيفية الاحتفال بقدوم الشهر الكريم، عندما كانت الاستعدادات تسبق رمضان بأسابيع قائلة "أيامنا زمان في التسعينات كانت أروق، والفانوس كان بشمعة اتربينا على فوازير عمو فؤاد وكارتون وخواطر الشعراوي اللي قبل الإفطار، وكانت الشوارع والحارات تتزين بالأعلام والزينة الورقية، وتشهد شوارع القرى والمدينة ظاهرة جميلة بربط حبال الزينة بين البيوت المتقابلة وتتعلق عليها الرايات وتوزع الفوانيس كهدايا على الأطفال."
وأضافت أميرة، كان زمان فانوس بشمعة، والآن أصبح الفانوس يغنى ويتكلم ويطلقون عليه أسماء فنانين ومشاهير، دلوقتي ضاعت بهجة وبساطة رمضان وروحانياته، نفسي نرجع لبساطة أيام زمان عشان نرجع نشعر برضا النفس وصفائها، ولكن الصيام تحول إلى عبء علينا بسبب التقليد الأعمى والتنافس فى شراء أغلى المأكولات، بينما الفقراء لا يجدون الخبز حاف، حتى إن أقاموا موائد الرحمن فتكون من باب التظاهر والتفاخر."
أما الحاج عبدالرازق زنط، ابن مدينة إسنا، أكد أن ظهور التليفزيون والإنترنت فى حياتنا جعلنا نفتقد أشياء كثيرة كنا نعتز بها فى حياتنا مثل المسحراتى مثلا وهو شخص من أبناء القرية كان يتولى إيقاظ الناس لتناول السحور، أما الآن فأصبح الموبايل هو وسيلة السحور لدينا، أو عن طريق رنة من أحد الأصدقاء، أو رسالة صوتية، زمان كل عيلة فيها كبير، أو رب الأسرة، وكان لازم كل أفراد العيلة يتجمعون أول يوم فى رمضان لتناول الإفطار على مائدة واحدة، لكن الآن أصبحت الحياة سريعة والكل منشغل بنفسه، مرجعًا السبب فى ذلك إلى التكنولوجيا والموبايل اللذين ظهرا فى حياتنا وللأسف البعض يستخدمهما بشكل سيئ، فكل فرد فى الأسرة يجلس وفى يده الموبايل، ومش فاضى يتكلم مع اللى جنبه، وعندما تسأله عن السبب يرد: "بسلي صيامي".
فيما تذكر ياسر عبود ابن مدينة إسنا رمضان زمان قائلًا،"كان لدينا 4 راديوهات فى القرية كلها، وكان الناس يلتفون حول الراديو القريب لسماع القرآن الكريم بعد الثامنة مساء وحتى العاشرة عقب صلاة العشاء والتراويح، مشيرًا إلى أنه رغم قلة ذات اليد، كان الخير كثيرا، حيث يبدأ اليوم مع صلاة الفجر ويتجه الفلاح إلى أرضه للعمل بها ليعود قبل صلاة الظهر ليصلى ويرتاح قليلا ثم يبدأ من بعد صلاة العصر فى قراءة القرآن الكريم أو إحضار لوازم منزله التى كان قليلا ما يلجأ لشرائها من خارج المنزل حيث كل شىء كان موجودا سواء اللبن أو الجبن أو التمر أو اللحوم والخبز."
وتشير الحاجة روحية صالح 77 سنة، من قرية الناصرية بالأقصر، إلى أن السيدات كن يقمن بإعداد الخبز الطازج فى الأفران البلدية قبيل المغرب حتى يوضع على مائدة اﻹفطار فى رمضان، وكنا نعيش فى بيوت كبيرة جدا بها أكثر من جدة وأمهات وأطفال تقوم كل زوجة ابن بإعداد شىء مختلف سواء تحضير العصير أو الطبخ أو عمل الكنافة فى الفرن البلدى ولم يكن هناك خلاطات للعصير، وكنا نقوم بإحضار ألواح الثلج فى الصيف من المدينة على عربية كارو بعد لفها بالأقمشة، لأنه لم تكن لدينا ثلاجات، ونتجمع على الفطار، ويمر الوقت ويبدأ تجهيز السحور، حيث نكون تركنا فوالة الفول المدمس، فوق اللمبة الجاز نمرة (10) بعد غلى القدر نضعه من بعد صلاة المغرب فوق اللهب الضئيل المتصاعد من اللمبة ونتركه حتى ساعة السحور ويكون قد نضج تماما ليتم تناوله مع اللبن الرايب، واللفت المخلل الذى نقوم بعمله بالبيت.
IMG-20250316-WA0294
IMG-20250316-WA0297
IMG-20250316-WA0298
اهالي الأقصر يسترجعون ذكريات رمضان (1)
اهالي الأقصر يسترجعون ذكريات رمضان (2)
اهالي الأقصر يسترجعون ذكريات رمضان (3)
اهالي الأقصر يسترجعون ذكريات رمضان (4)
عبد الرازق زنط

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ يوم واحد
- البوابة
أشهر حنجرة قرأت سورة يوسف.. وداعًا سلطان القراء الشيخ سيد سعيد
رحل عن عالمنا الشيخ السيد سعيد بعد صراع مع المرض تاركًا خلفه إرثًا عظيمًا في عالم تلاوة القرآن الكريم، يُعد العلامة الشيخ السيد سعيد، والذي لٌقب بـ سلطان القراء هو صاحب أشهر حنجرة قرأت سورة يوسف. ولد الشيخ السيد سعيد بقرية ميت مرجا سلسيل بالدقهلية عام 1943، وأتم حفظ القرآن الكريم كاملاً في التاسعة من عمره، وهو أصغر الأشقاء من الذكور لأسرة فقيرة مكونة من 11 فردًا، وهبه الله ملكة الحفظ منذ الصغر وشجعه والده على حفظ القرآن في كتاب القرية وعمره 9 سنوات ثم التحق بالمعهد الأزهري بدمياط. وكانت قرية «كفر سليمان» بدمياط أولى محطات في عالم التلاوة بعد أن ترك الدراسة بالأزهر وهو بالصف الأول الإعدادي لفقر الأسرة؛ إلا أن ذاع صوته العذب في قراءة القرآن الكريم بمصر والوطن العربي. تعلم الشيخ السيد سعيد القراءات والمقامات على يد الشيخ إبراهيم محمد غنيم وأقام عنده لمدة 3 سنوات كاملة ليتقن القراءات والتجويد؛ وكان أول أجر حصل عليه الشيخ السيد سعيد من التلاوة ربع جنيه، وهو مبلغ ضخم آن ذلك خاصة أن عمره كان 9 سنوات مؤكدًا أنه اعتدت ألا يطلب أجرًا؛ لأنه يقرأ القرآن حبًا وليس للمال امتثالًا لقول الله تعالى «وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّاىَ فَاتَّقُونِ».


العين الإخبارية
منذ يوم واحد
- العين الإخبارية
رحيل «سلطان المقارئ».. من هو الشيخ سيد سعيد؟
ودّعت ساحة قراء القرآن العرب، اليوم السبت، القارئ المصري سيد سعيد، المعروف بلقب "سلطان المقارئ"، عن عمر ناهز 82 عامًا. وخلال عقود من التفرغ لتلاوة كتاب الله، نجح سيد سعيد في حفر اسمه وصوته في ذاكرة المستمعين ومحبيه من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وُلد الشيخ سيد سعيد في قرية ميت مرجا سلسيل التابعة لمحافظة الدقهلية، شمالي مصر، وبدأ رحلته مع القرآن منذ طفولته. أتم حفظ القرآن الكريم وهو في التاسعة من عمره، وتلقى تعليمه الأولي في أحد الكتاتيب، ثم واصل تعلم فنون التلاوة على يد الشيخ عبدالمنعم عبدالرازق، قبل أن يتتلمذ على يد الشيخ إبراهيم غنيم لاحقًا، ليتقن علوم التجويد والقراءات باجتهاد ذاتي، دون أن يستكمل مسيرته التعليمية في الأزهر. ورغم ابتعاده عن الإذاعة الرسمية نتيجة موقف شخصي من لجنة التقييم، فإن اسمه بقي حاضرًا بقوة في المحافل والمناسبات، واعتُبر من الأصوات التي عرفت كيف تنقل معاني التلاوة بروح تلامس القلوب. عرف الشيخ سيد سعيد بمعاناته الطويلة من حساسية شديدة في الجيوب الأنفية، إلا أن الأعراض كانت تزول كليًا أثناء تلاوته للقرآن، وفق روايات مقربين منه. وخضع لجراحة دقيقة في سويسرا لم تساعد كثيرًا في تخفيف المرض، لكنه واصل أداءه بصبر والتزام حتى آخر سنواته. سافر سيد سعيد إلى عدة دول بدعوات رسمية، وكان له حضور واسع بين كبار قراء جيله، إذ جمعته علاقات بزملائه من أعلام التلاوة مثل الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ راغب غلوش، والشيخ البهتيمي وغيرهم. ومن المقرر أن يُشيّع جثمان الشيخ سيد سعيد، يوم الأحد، بعد صلاة الظهر من قريته بمحافظة الدقهلية، فيما يُقام العزاء يوم الإثنين المقبل. aXA6IDEwNC4yNTMuODkuMjA3IA== جزيرة ام اند امز IT


العين الإخبارية
منذ يوم واحد
- العين الإخبارية
وفاة الشيخ سيد سعيد «سلطان القراء» في مصر
توفي القارئ الشيخ سيد سعيد، المعروف بلقب "سلطان القراء"، تاركًا إرثًا عظيمًا في عالم تلاوة القرآن الكريم. وبدأ الشيخ سيد سعيد مسيرته مع كتاب الله في سن السابعة، حيث أتم حفظ القرآن الكريم في كُتّاب قريته دون الالتحاق بأي معاهد دينية. وذكر الشيخ أنه قرأ للمرة الأولى في حفل صغير بقرية، وحصل على أجر قدره 25 قرشًا. وأضاف في تصريحات سابقة لوسائل إعلام محلية: "كنت أحب القراءة حبًا خالصًا للقرآن الكريم، دون النظر إلى أي مقابل مادي أو شهرة. كانت البدايات بسيطة ومتواضعة، ولكنها مليئة بالشغف والإخلاص". ورغم أن مسيرته بدأت في قريته الصغيرة بمحافظة الدقهلية شمال مصر، إلا أن انطلاقته الكبرى جاءت من كفر سليمان البحري بمركز فارسكور في محافظة دمياط. وقال الشيخ سيد سعيد: "كانت هذه المحطة نقطة تحول في حياتي، حيث شعرت بالدعم والتقدير من أهلها، الذين شجعوني على تطوير أدائي ونقل صوتي إلى مناطق أوسع". وأوضح الشيخ أنه مع مرور الوقت، ذاع صيته في محافظة دمياط بأكملها، ولم تخلو مناسبة أو محفل في المحافظة من حضوره وتلاوته. وأضاف: "ذات يوم، وجه لي أحد المشايخ نصيحة غيّرت مسار حياتي، وكانت السبب في وضعي على الطريق الصحيح نحو الاحتراف في قراءة القرآن". aXA6IDgyLjI1LjI1NS4xODgg جزيرة ام اند امز FR