
أبي... حين كانت الحروف آخر ما جمعنا
لم أكنْ أعلم أنَّ آخرَ ما سأقضيه معك، يا أبي، سيكون بين حروف الهجاء... وأنَّ يدك، التي طالما خطَّت الكلمة الصَّادقة، ستراجع معي الأبجديَّة، وكأنَّك تودِّع اللُّغة التي عشقتها عمرًا، وترتِّب الحياة من أول «ألف» إلى آخر «ياء»، قبل أنْ تُسلم الرُّوح إلى بارئها.قبل وفاته بأقل من أربعٍ وعشرِينَ ساعةً، طلب أنْ نراجع الحروف الأبجديَّة. يومها كانت الذَّاكرة متعبةً، والذِّهن منهكًا، لكنَّه أصرَّ. أصرَّ على المراجعة والإعادة مرارًا. وكأنَّ في تكرار الحروف خلاصًا، وفي ترتيبها عزاءً. كانت تلك اللحظة وصيَّته ووداعه ودعاءه الأخير.لم أرَ مثله في الإصرار ولا في التحمُّل..حين كنتُ أشتكي من صعوبةٍ ما، كان يهمس لي:«لَا تحْسَبنَّ المَجدَ تَمْرًا أَنتَ آكلُهُلَنْ تَبلغَ المَجدَ حتَّى تَلعَقَ الصَّبِرَا».كلماته لم تكن عزاءً عابرًا، بل بذورًا زرعها في أعماقي. علَّمني أنَّ الطريقَ شاقٌّ، لكنَّه يستحق، وأنَّ التحمُّل ليس ضعفًا، بل صبرٌ يسبقُ النَّصر.والدي، أسامة أحمد السباعي، لم يكن مجرَّد اسم في تاريخ الصَّحافة السُّعوديَّة، بل كان صوتًا نابضًا بالكلمة، ومربِّيًا عاشقًا للُّغة، ومثقَّفًا آمنَ بأنَّ الكتابة مسؤوليَّة لا تَرَف.علَّمني أنَّ العربيَّة ليست فقط وسيلةً للتعبير، بل هويَّة تنبض بالحياة، وأنَّ الصحافة ليست مهنةً عابرةً، بل دور ورسالة.كان كريمَ النَّفس، سخيَّ العطاء. لا يُسأل فيرد، ولا يُذكر خير إلَّا وبادر إليه.حتَّى في مرضه، لم يغادره شغفه باللُّغة؛ يصحِّح بلطفٍ، وينبِّه إلى فصاحة التَّعبير كأنَّ الألم لم يُثقل عليه.كانت اللُّغة رفيقه حتَّى النهاية، وكان يجد فيها متعةً العقل وروح المعنى.لا أنسى كيف استقبل آخر مَن زاره من الأطباء، وهو على سريره الأبيض، قائلًا بابتسامته الهادئة: «هلَّت علينا كوكبة مضيئة من الأطبَّاء!»كأنَّما يرى فيهم نجومًا لا تداوي فحسب، بل تنير الدَّرب.في بيتنا، كانت الكلمة لها مهابة.وكان القلمُ لا يُحمل إلَّا حين يكون في اليد ما يستحقُّ أنْ يُقال.وكان يؤمن أنَّ العربيَّة ليست فقط لغة الضاد، بل لغة الخلود.سيبقى ذكرُك، يا أبي، حيًّا في كلِّ كلمة أكتبها، وفي كل درس أشرحُ فيه جمال اللُّغة، وفي كلِّ صفحة أضعُ فيها قلمي... كما كنتَ تضع قلمَك، بالصدق، والحبِّ، والإحسان.«الخَطُّ يَبْقَى زَمَانًا بَعْدَ كَاتِبِهِوَكَاتِبُ الخَطِّ تَحْتَ الأَرْضِ مَدْفُونًاوَالذِّكْرُ يَبْقَى زَمَانًا بَعْدَ صَانِعِهِوَخَالِدُ الذِّكْرِ بِالإِحْسَانِ مَقْرُونًا»رحمك الله رحمةً واسعةً، وجعل الحروف التي أحببتها شفيعةً لك بين يديه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رواتب السعودية
منذ 29 دقائق
- رواتب السعودية
الحاجة المغربية نعيمة نديم
نشر في: 25 مايو، 2025 - بواسطة: مازن السيف الحاجة المغربية نعيمة نديم: دعوتُ الله 25 عامًا أن تكون أول رحلة لي بالطائرة لأداء فريضة الحج. المصدر : الموجز السعودي | منصة x

سعورس
منذ 2 ساعات
- سعورس
مدينة الحجاج ب "حالة عمار ".. خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن
وعبر ضيوف الرحمن القادمين عبر مدينة الحجاج بمنفذ حالة عمار اليوم، عن شكرهم وتقديرهم لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله- على ما وجدوه من خدمات وتسهيلات منذ لحظة وصولهم للمملكة. وقال الحاج فيصل أبو شارب من فلسطين:"منذ لحظة دخولنا عبر المنفذ ونحن نشعر وكأننا بين أهلنا، فالاستقبال والخدمات والتنظيم يفوق التوقعات، جزى الله القائمين على هذا العمل المبارك خير الجزاء. فيما أكدت الحاجتان زريفة السيد علي وأسماء محاجنة من فلسطين ، أن ما وجدتاه من حفاوة الاستقبال، وسلاسة الإجراءات، وتكامل الخدمات بمدينة الحجاج بحالة عمار، يجسّد الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة في خدمة ضيوف الرحمن، مؤكدتين أن هذه العناية تعكس روح العطاء والاهتمام الإنساني الذي يميز المملكة قيادةً وشعبًا تجاه الحجاج من مختلف دول العالم. أما الحاج إبراهيم كامل منصور من الأردن فقد قال:"ما وجدناه أمامنا يُثلج الصدر، ويعكس حجم الجهود المباركة التي تقدمها المملكة لضيوف الرحمن، فمنذ لحظة وصولنا للمنفذ شعرنا بالاهتمام والرعاية، وكل شيء يسير بانسيابية وتنظيم عالٍ، داعيًا الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين، وأن يُجزيهم خير الجزاء على ما يقدمانه من رعاية وعناية بالحجاج. من جهتها قالت ندى كنانبه من الأردن:" ما شاهدته يعكس صورة مشرقة عن المملكة وخدماتها الجليلة للحجاج، فكل التفاصيل مدروسة بعناية، من الجوازات إلى الإرشاد والخدمات الصحية، شكراً لهذا الجهد الذي يشعرنا بالأمان والراحة منذ اللحظة الأولى.


المناطق السعودية
منذ 3 ساعات
- المناطق السعودية
'الشؤون الدينية' تطلق أول بث مباشر صوتي ومرئي رقمي للدروس العلمية
المناطق_واس أطلقت رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي أمس السبت، أول بث مباشر صوتي ومرئي للدروس العلمية في موسم حج 1446هـ، وذلك عبر حساب إدارة التوجيه الرقمي على منصتي يوتيوب (YouTube) ومكسلر (Mixlr). وتهدف الرئاسة من خلال إطلاق البث إلى تعزيز المسار التقني للدروس العلمية وإثراء تجربة ضيوف الرحمن رقميًا، وإيصال رسالة الحج الوسطية إلى العالم. وجرى بث أول درس علمي مباشر صوتيًا ومرئيًا لفضيلة الشيخ الدكتور حمزة الفعر، في شرح كتاب 'الحج' من بلوغ المرام، وذلك من موقع الدرس بتوسعة الملك فهد -رحمه الله- الدور الأول باب (91).