logo
ثلاثة أمور أخطأ فيها أينشتاين "نوعاً ما"

ثلاثة أمور أخطأ فيها أينشتاين "نوعاً ما"

الوسط٠٩-٠٤-٢٠٢٥

Getty Images
حتى العباقرة بشر.
قد يكون أبا نظرية النسبية والفيزيائي الذي استكشف وفسّر الجاذبية والضوء، لكن حتى العظيم ألبرت أينشتاين كان أحياناً يفتقر إلى الإيمان بنظرياته.
هذا الشك الذاتي دفعه إلى ارتكاب أخطاء جسيمة.
"أكبر خطأ"
وخلال عمله على نظريته النسبية العامة، أشارت حسابات أينشتاين إلى أن الجاذبية ستؤدي إما إلى انكماش الكون أو تمدده، على عكس الرأي السائد آنذاك بأن الكون ساكن.
لذا، في ورقته البحثية عام 1917 حول النسبية العامة، أضاف أينشتاين "ثابتاً كونياً" إلى معادلاته لمواجهة تأثير الجاذبية بفعالية، مُؤيداً بذلك الاعتقاد السائد بأن الكون ساكن.
وبعد عقد من الزمان تقريباً، بدأ العلماء بجمع أدلة جديدة على أن الكون ليس ساكناً على الإطلاق. بل إنه في الواقع يتمدد.
وكتب الفيزيائي جورج جاموف لاحقاً في كتابه "خط عالمي: سيرة ذاتية غير رسمية" أن أينشتاين أشار، بعد فوات الأوان، إلى أن "إدخال مصطلح الثابت الكوني كان أكبر خطأ ارتكبه في حياته".
Nasa/Esa/J Merten/D Coe
بدأ العلماء في تغيير آرائهم بشأن الكون منذ عام 1929 تقريباً عندما رأوا أنه يتوسع بالفعل وليس ثابتاً
لكن هناك تطور آخر.
يمتلك العلماء الآن أدلة على أن تمدد الكون يتسارع بفضل "طاقة مظلمة" غامضة.
ويعتقد البعض أن ثابت أينشتاين الكوني، الذي استُخدم في البداية لمقاومة الجاذبية في معادلاته، قد يُفسر هذه الطاقة بالفعل، وبالتالي ما كان هناك خطأ على الإطلاق.
كشف المجرات البعيدة
وتنبّأت نظرية أينشتاين للنسبية العامة أيضاً بظاهرة أخرى، وهي أن مجال جاذبية جسم ضخم، مثل نجم، سيحني الضوء القادم من جسم بعيد خلفه، ليعمل كعدسة مكبرة عملاقة.
واعتقد أينشتاين أن هذا التأثير، المعروف باسم "عدسة الجاذبية"، سيكون ضئيلاً جداً بحيث لا يُرى. ولم يكن ينوي حتى نشر حساباته، حتى أقنعه بذلك مهندس تشيكي يُدعى ر. و. ماندل.
وفي بحثه المنشور عام 1936 في مجلة "ساينس"، كتب أينشتاين إلى المحرر: "اسمحوا لي أيضاً أن أشكركم على تعاونكم في نشر هذا المنشور الصغير، الذي انتزعه مني السيد ماندل. إنه ذو قيمة ضئيلة، لكنه يُسعد المسكين".
ولقد تبيّن أن قيمة ما ورد في هذا المنشور الصغير بالغة الأهمية لعلم الفلك.
فهي تسمح لوكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" وتلسكوب هابل التابع لوكالة الفضاء الأوروبية بالتقاط تفاصيل المجرات البعيدة جداً، كما يتم تكبيرها بواسطة مجموعات هائلة من المجرات الأقرب إلى الأرض.
Nasa/Esa
سمحت عدسة الجاذبية لتلسكوب هابل بالتقاط صورة لمجرة حدوة الحصان الزرقاء البعيدة، التي تم تكبيرها بواسطة المجرة الحمراء المضيئة أمامها
"الله لا يلعب بالنرد"
وساهمت أعمال أينشتاين، بما في ذلك بحثه المنشور عام 1905 الذي وصف فيه الضوء كموجات وجسيمات، في إرساء أسس فرع ناشئ من الفيزياء.
وتصف ميكانيكا الكم عالم الجسيمات دون الذرية الدقيقة الغريب والمخالف للبديهة.
على سبيل المثال، الجسم الكمي يمكن أن يكون في أكثر من حالة في نفس الوقت حتى يتم رصده وقياسه، وهي حالة تسمى "تراكب" وعندها يتم تحديد قيمته.
وقد وضّح الفيزيائي إروين شرودنجر هذا الأمر على نحو بارز في مفارقته، حيث يُمكن اعتبار قطة داخل صندوق حية وميتة في آنٍ واحد حتى يفتح أحدهم الغطاء للتحقق.
Getty Images
تم شرح مفارقة إروين شرودنجر باستخدام مفهوم القطة في الصندوق
ورفض أينشتاين قبول هذا الشك. وفي عام 1926، كتب إلى الفيزيائي ماكس بورن قائلاً: "الله لا يلعب النرد".
وقد استنتج في ورقته البحثية التي نشرها عام 1935 مع العالمين بوريس بودولسكي وناثان روزن، أنه إذا انفصل جسمان في حالة "تراكب" بعد أن ارتبطا بطريقة ما، فإن الشخص الذي يرصد الجسم الأول ويعطيه قيمة سيحدد قيمة للجسم الثاني فوراً، دون أن يُرصد الجسم الثاني.
ورغم أن هذه التجربة الفكرية كانت تهدف إلى دحض نظرية التراكب الكمي، إلا أنها في الواقع مهدت الطريق بعد عقود لتطوير فكرة أساسية في ميكانيكا الكم تُسمى الآن التشابك. وتدّعي هذه الفكرة أنه يمكن ربط جسمين معاً كجسم واحد، حتى لو كانا متباعدين.
لذا، يبدو أن أينشتاين كان بارعاً في نظرياته، وساهم في تألقه حتى في الأمور التي أخطأ فيها أحياناً.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لغز الوجود: هل اقترب العلماء من معرفة كيف نشأ الكون؟
لغز الوجود: هل اقترب العلماء من معرفة كيف نشأ الكون؟

الوسط

timeمنذ 9 ساعات

  • الوسط

لغز الوجود: هل اقترب العلماء من معرفة كيف نشأ الكون؟

NASA تعجز النظرية الحالية لنشأة الكون عن تفسير وجود الكواكب والنجوم والمجرات يسعى العلماء في مختبرٍ يقع في غابات ولاية ساوث داكوتا الأمريكية إلى الإجابة عن أحد أبرز التساؤلات العلمية: كيف نشأ الكون الذي نعيش فيه؟ ويخوض العلماء سباقاً علمياً أمام فريق منفصل من العلماء اليابانيين، الذين سبقوهم بعدة أعوام، من أجل معرفة ماذا حدث. وتعجز النظرية الحالية لنشأة الكون عن تفسير وجود الكواكب والنجوم والمجرات المحيطة بنا، ولهذا يعمل الفريقان على ابتكار أجهزة رصد تهدف إلى دراسة جسيم يُعرف باسم "نيترينو"، على أمل التوصل إلى تفسيرات جديدة. كما يهدف هذا المشروع العلمي الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، أن تكون الإجابة كامنة في باطن الأرض، ضمن تجربة أُطلق عليها "تجربة نيترينو العميقة تحت الأرض". وسوف يصل العلماء إلى عمق 1500 متر تحت سطح الأرض، إلى داخل ثلاث مغارات شاسعة في باطن الأرض، ويُظهر حجم هذه الكهوف مدى ضخامتها، إذ يبدو عمال البناء وجرافاتهم كما لو كانوا دمى صغيرة عند مقارنتهم بها. ووصف مدير الأبحاث العلمية في هذه المنطقة، غاريت هايز، الكهوف العملاقة بأنها "كاتدرائيات مكرّسة للعلم". وشارك هايز في أعمال بناء هذه الكهوف في مركز سانفورد للأبحاث تحت الأرض على مدار نحو 10 سنوات، وتعزل هذه الكهوف "تجربة نيترينو العميقة تحت الأرض" عن الضوضاء والإشعاع الصادرين من العالم الخارجي، وأصبحت هذه التجربة حالياً جاهزة تماماً للانتقال إلى المرحلة التالية. Matthew Kapust / SURF كهف ضخم في ولاية ساوث داكوتا معزول عن العالم الخارجي وسوف توضع فيه أجهزة حساسة لرصد التغيرات الطفيفة في جسيمات نيترينو ويقول: "نحن في مرحلة الاستعداد لبناء جهاز الرصد الذي سيُحدث تحولاً في فهمنا للكون، وذلك باستخدام أدوات ستُنشر من قِبل تعاون يضم ما يزيد على 1400 عالم من 35 دولة، يتطلّعون جميعاً للإجابة عن سؤال: لماذا نوجد؟" ويقول العلماء إنه عند نشوء الكون، وُجد نوعان من الجُسيمات هما: "المادة"، التي تتكوّن منها النجوم والكواكب وكل ما يحيط بنا، و"ضد المادة"، أي النظير المضاد تماماً للمادة. وكان من المفترض، نظرياً، أن تُفني "المادة" و"ضدّ المادة" بعضهما البعض، فلا يتبقى شيء سوى انفجار هائل من الطاقة، وعلى الرغم من ذلك، ها نحن هنا، موجودون مثل المادة. ويرى العلماء أن مفتاح فهم السبب وراء انتصار المادة ووجودنا حتى الآن يكمن في دراسة جسيم يعرف باسم "نيترينو" ونظيره المضاد، أي "مضاد نيترينو". وسوف يُطلق العلماء حزماً من كلا النوعين من الجسيمات من أعماق الأرض في إلينوي إلى أجهزة الرصد الواقعة في ساوث داكوتا، على مسافة تصل إلى 800 ميل، وذلك لأن جسيمات نيترينو ومضاداتها تخضع لتغيرات طفيفة أثناء تنقلها. ويرغب العلماء في التحقق مما إذا كانت تلك التغيرات تختلف بين جسيمات نيترينو ومضاداتها، وإذا ثبت ذلك، فقد يقودهم هذا إلى تفسير سبب عدم إفناء المادة ومضاد المادة لبعضهما البعض. ويُعدّ المشروع تعاوناً دولياً يضم 1400 عالم، من بينهم العالمة كيت شو، من جامعة ساسكس، التي قالت إن النتائج المتوقعة سوف "تغيّر" فهمنا للكون ورؤية الإنسان لذاته. وأضافت: "كم هو مثير حقاً أننا نملك حالياً التكنولوجيا والهندسة ومهارات البرمجيات اللازمة التي تساعدنا بالفعل في معرفة الإجابة عن هذه الأسئلة الكبرى". في ذات الوقت، يجري فريق من العلماء اليابانيين تجربة أخرى يستخدمون فيها كرات ذهبية لامعة للبحث عن ذات الإجابات، إذ توصف هذه الكرات بأنها "محراب مقدس للعلم"، منافس للكاتدرائية الواقعة في ساوث داكوتا على بُعد 9650 كيلومتراً، ويعمل العلماء على بناء ما يعرف بـ "هايبر-كي"، وهو نسخة أكبر وأفضل من جهاز الرصد الحالي لجسيمات نيترينو، المعروف باسم "سوبر-كي". وسوف يكون الفريق الياباني جاهزاً لتجربة النيترينو في غضون أقل من ثلاث سنوات، أي قبل الفريق الأمريكي. ومثل مشروع "تجربة نيترينو العميقة تحت الأرض"، يعد مشروع "هايبر-كي" تعاوناً دولياً، ويعتقد مارك سكوت، من إمبريال كوليدج في لندن، أن فريقه في موقع متقدم لتحقيق أحد أعظم الاكتشافات بشأن نشأة الكون. وقال: "سنقوم بتشغيل الجهاز في وقت مبكر، ولدينا جهاز رصد أكبر، لذا من المتوقع أن تتوفر لدينا حساسية أكبر قبل مشروع (تجربة نيترينو العميقة تحت الأرض)". ويعني تنفيذ كلا التجربتين معاً أن العلماء سيحصلون على معرفة أعمق مقارنة بتنفيذ تجربة واحدة فقط، لكن سكوت يضيف: "أود أن أكون أول من يصل إلى نتائج". لكن ليندا كريمونيسي، من جامعة كوين ماري في لندن، التي تشارك في مشروع "تجربة نيترينو العميقة تحت الأرض، تلفت إلى أن وصول الفريق الياباني إلى النتائج أولاً قد لا يوفر له الرؤية الكاملة لما يجري على أرض الواقع". وتضيف: "هناك جانب من جوانب التنافس، ومشروع هايبر-كي لم يكتمل بعد بكل العناصر اللازمة لفهم إذا كانت جسيمات نيترينو ومضاداتها تتصرف بطريقة مختلفة". وإن كان السباق جارياً ومحتدماً بين العلماء، إلا أن النتائج الأولية ليس من المتوقع الكشف عنها قبل بضع سنوات، ويبقى سؤال ما الذي حدث في بداية الزمن وأدى إلى وجودنا لغزاً محيراً في الوقت الراهن.

"سرقة الرياح": ما هي الظاهرة الغامضة التي تهدد مزارع الرياح حول العالم؟
"سرقة الرياح": ما هي الظاهرة الغامضة التي تهدد مزارع الرياح حول العالم؟

الوسط

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • الوسط

"سرقة الرياح": ما هي الظاهرة الغامضة التي تهدد مزارع الرياح حول العالم؟

Getty Images في ظل التوسع المستمر في إنشاء "مزارع الرياح"، قد يحدث أن تتسبب بعض هذه المزارع، دون قصد، فيما يُطلق عليه "سرقة الرياح" من مزارع أخرى، الأمر الذي قد يُثير المخاوف حيال قدرة بعض الدول على تحقيق هدف صافي انبعاثات كربونية صفرية. ومع ازدياد انتشار مزارع الرياح البحرية، أي تلك المساحات البحرية المخصصة لوضع محطات توليد الطاقة بالرياح، في شتى أرجاء العالم، في إطار السعي لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، بدأت تبرز على السطح ظاهرة تثير القلق وتحظى باهتمام كبير، إذ قد تؤدي ظروف معينة إلى "سرقة" بعض المزارع الرياح التي تستفيد منها مزارع أخرى. ويقول بيتر باس، وهو باحث علمي في شركة "ويفل" الهولندية المتخصصة في مجال الطاقة المتجددة والتنبؤ بالأرصاد الجوية: "مزارع الرياح تُولّد الطاقة عن طريق تيارات الهواء، وهذه العملية تؤدي بطبيعتها إلى تراجع سرعة الرياح". ويضيف أن الرياح تتباطأ سرعتها خلف كل توربين داخل المزرعة، مقارنةً بسرعة الرياح أمامه، وأيضاً تتباطأ خلف المزرعة بأكملها مقارنةً بالرياح التي تهب من أمامها"، وتُعرف هذه الظاهرة باسم "تأثير الذيل الهوائي". بعبارة أخرى بسيطة، تستخلص التوربينات الدوّارة في مزارع الرياح الطاقة من تلك التيارات الهوائية، ما يؤدي إلى تكوين ذيل هوائي يُضعف سرعة الرياح خلف المزرعة، ويمكن أن يمتد هذا الذيل الهوائي لمسافة تتجاوز 100 كيلومتر في حالة المزارع البحرية الكبيرة والكثيفة، وتحت ظروف جوية معينة، بيد أن باحثين يقولون إن الامتداد المعتاد لهذا الذيل غالباً يبلغ عشرات الكيلومترات. Getty Images يمكن أن تمتد موجة الرياح الناتجة عن توربينات الرياح لأكثر من 100 كيلومتر وتشير دراسات إلى أنه في حالة إنشاء مزرعة في اتجاه الرياح قبل مزرعة رياح أخرى، فإنها قد تُضعف إنتاج الطاقة بالنسبة للمزرعة التي تقع في اتجاه الرياح بنحو 10 في المئة أو أكثر. ويُطلق على هذه الظاهرة عموما مصطلح "سرقة الرياح"، بيد أن إيريك فينسرواس، محامٍ نرويجي متخصص في طاقة الرياح البحرية، يقول: "مصطلح (سرقة الرياح) قد يكون مضللاً إلى حد ما، إذ لا يمكن سرقة ما لا يمكن تملّكه، فالرياح ليست ملكاً لأحد". وعلى الرغم من ذلك، يلفت إلى أن هذه الظاهرة قد تترتب عليها آثار سلبية متعددة على الشركات المطوّرة في قطاع مزارع الرياح، وقد تتسبب، في بعض الحالات، في حدوث مشكلات تمتد عبر الحدود الوطنية". جدير بالذكر أن هناك بالفعل عدداً من النزاعات القائمة بين شركات قطاع مزارع الرياح بشأن ما يُشتبه بأنه "سرقة للرياح"، الأمر الذي يُثير مخاوف الدول التي تعوّل على توسيع مشاريع الرياح البحرية لتحقيق أهدافها المناخية الصفرية. وعلى الرغم من أن ظاهرة "سرقة الرياح" كانت معروفة نظرياً منذ فترة طويلة، إلا أن حدّتها تزداد في الوقت الراهن نظراً للتوسع السريع في مزارع الرياح البحرية، ولضخامة حجم هذه المشروعات وكثافتها، وفقاً لما يؤكده الخبراء. وبحسب محاكاة أجراها بيتر باس بالتعاون مع باحثين من جامعة "دلفت" للتكنولوجيا والمعهد الملكي الهولندي للأرصاد الجوية، من المتوقع أن يزداد تأثير الذيل الهوائي على إنتاج الطاقة البحرية في بحر الشمال خلال العقود المقبلة، وذلك نتيجة تزايد الاكتظاظ بمزارع الرياح في هذه المنطقة التي تشهد طفرة في التوسع البحري. ويؤكد باس أن كلما كانت مزرعة الرياح أكبر وأكثر كثافة، كان تأثير الذيل الهوائي أقوى. Getty Images تعمل الدول على تكثيف استخدام طاقة الرياح البحرية، مما يؤدي إلى نزاعات بين مطوري مزارع الرياح بشأن "سرقة الرياح" وأُطلق مشروع بحثي جديد في المملكة المتحدة الشهر الماضي، يهدف إلى تقديم صورة أوضح عن تأثير الذيل الهوائي، وذلك بغية مساعدة الحكومات والشركات المطوّرة في تحسين استراتيجياتها وتفادي النزاعات المستقبلية. ويلفت بابلو أورو، باحث بارز في مجال الهندسة المدنية بجامعة مانشستر والمُشرف على المشروع، إلى أن هذا المشروع سيعمل على وضع نموذج لتأثيرات الذيل الهوائي وتأثيرها على إنتاجية مزارع الرياح بحلول عام 2030، وهو الوقت الذي يُتوقع أن تحتوي فيه المياه البريطانية على آلاف التوربينات الإضافية مقارنة بالوضع الحالي. ويقول: "شهدنا تأثيرات الذيل الهوائي لعدة سنوات، وكنا على علم بحدوثها. وتكمن المشكلة في أنه من أجل الوصول إلى الحياد الكربوني، نحن بحاجة إلى نشر قدر معين من طاقة الرياح البحرية. وبالتالي، في عام 2030، نحتاج إلى ثلاثة أضعاف القدرة الحالية، الأمر الذي يعني أنه في غضون أقل من خمس سنوات، يجب علينا نشر آلاف التوربينات الإضافية". ويضيف: "بعض هذه التوربينات ستعمل على مقربة شديدة من توربينات قائمة بالفعل، مما يجعل الوضع يزداد ازدحاماً على نحو تدريجي، وبالتالي بدأت تأثيرات الذيل الهوائي تُظهر أثراً بالغاً في الوقت الراهن". وتعهدت الحكومة البريطانية بأنه بحلول عام 2030، ستتمكن المملكة المتحدة من توليد الطاقة الكافية من المصادر المتجددة، مثل الرياح، لتلبية احتياجاتها من الكهرباء. وتسلط خطة حكومية بريطانية، صدرت العام الجاري، الضوء على ضرورة فهم تأثيرات الذيل الهوائي بشكل أفضل في هذا السياق، ووصفتها بقضية ناشئة تخلق حالة من الغموض بالنسبة لمزارع الرياح البحرية. ويقول أورو إن هناك حالياً عدداً من النزاعات في المملكة المتحدة بين الشركات المطوّرة لمزارع الرياح البحرية بشأن تأثيرات الذيل الهوائي المحتملة، ويرى أن هذه النزاعات تُعزى جزئياً إلى الغموض بشأن التأثير الدقيق لهذه التيارات الهوائية. فعلى سبيل المثال، قد لا تُعبّر الإرشادات الحالية في المملكة المتحدة بشأن المسافات اللازمة لفصل مزارع الرياح البحرية لتجنب تأثيرات الذيل الهوائي، عن مدى تأثير هذه التيارات بشكل دقيق، فضلا عن ذلك وبسبب بناء مزارع الرياح البحرية في مجموعات، قد يكون من الصعب تقدير كيفية تأثير كل مزرعة على إنتاج الطاقة في مزرعة أخرى. ويوضح أورو: "عندما توجد مزرعتان للرياح، يكون من السهل جداً تقييم التفاعل بين مزرعة الرياح (أ) ومزرعة الرياح (ب)، والعكس أيضاً، لكن ماذا لو كان هناك ست مزارع رياح؟ كيف ستتفاعل هذه المزارع مع بعضها البعض؟ هذا ما لا نعرفه، ولكن من المؤكد أنه سيحدث مع التوسع المستمر في بناء مزارع الرياح". ويقول: "القضية الأخرى هي أن التوربينات أصبحت أكبر حجماً بشكل ملحوظ"، فالتوربينات أصبحت أطول، وأصبحت شفراتها أطول لزيادة قدرتها على توليد المزيد من الطاقة من الرياح. كما أن التوربينات الحديثة تحتوي على شفرات يصل طولها إلى ما يزيد على 100 متر، وهو ما يعادل طول ملعب لكرة القدم. Getty Images أصبحت توربينات الرياح أطول وشفراتها أكبر، في محاولة لالتقاط المزيد من الطاقة من الرياح ومن بين أكبر التوربينات البحرية، يستطيع كل توربين توليد طاقة تكفي لنحو 18 ألف إلى 20 ألف أسرة أوروبية، إلا أن هذه الزيادة في الحجم قد تؤدي إلى تفاقم تأثير الذيل الهوائي، حيث أن زيادة قُطر الدوّار قد يؤدي إلى تكوين ذيل هوائي أطول، حسبما يقول أورو، مؤكداً أن هناك حاجة للمزيد من البحث لفهم هذا التأثير. وكان فينسرواس قد أشرف على دراسة لتأثيرات الذيل الهوائي والفجوات أثناء قيامه بأبحاث الدكتوراه في جامعة بيرغن في النرويج، وركزت الدراسة على تحليل كيفية تأثير ذيل هوائي من مزرعة رياح مخطط لها في النرويج على مزرعة رياح موجودة في الدنمارك بشكل سلبي. ويحذر فينسرواس من أن عدم معالجة مشكلة إدارة تأثيرات الذيل الهوائي قد يؤدي إلى نزاعات قانونية وسياسية، مما يؤدي إلى صعوبة جذب الاستثمارات في طاقة الرياح. ويقول: "من المرجح أن يكون بحر الشمال، وخاصة بحر البلطيق، في أوروبا على الأقل، مركزاً لإنشاء مزارع رياح بحرية على نطاق أوسع. لذا فإن قضية تأثيرات الذيل الهوائي من المرجح جداً أن تؤثر على انتقال الطاقة في بحر الشمال، وفي أماكن أخرى". وعلى صعيد الفرص الاستثمارية، يمكن أن تسبب تأثيرات الذيل الهوائي الصغيرة نسبياً مشكلات للشركات المطوّرة لمزارع الرياح البحرية، كما يقول فينسرواس. ويضيف: "تكاليف بناء مزارع الرياح البحرية هائلة"، وذلك بسبب ضخامة هذه المزارع وأيضاً الأعمال المعقدة المرتبطة بها، مثل نشر السفن الخاصة، ولتبرير الاستثمار في هذا المجال وتحقيق الربح "من الضروري للغاية للشركات المطوّرة أن تكون قادرة على التنبؤ بأن المزرعة ستنتج كمية معينة من الكهرباء لمدة 25 أو 30 عاماً"، وهو العمر الافتراضي النموذجي لمزارع الرياح. ويلفت فينسرواس إلى أن حتى التراجع البسيط وغير المتوقع في تلك الطاقة المنتجة قد يخل بحسابات الاستثمار ويجعل المزرعة غير قابلة للتطبيق من الناحية المالية. ويحذر من أنه إذا حاولت الشركات المشغّلة أو الدول تجنب تأثيرات الذيل الهوائي عبر تأمين أفضل المواقع لأنفسها، فقد ينشأ خطر آخر، إذ قد تتسبب تأثيرات الذيل الهوائي في ما يعرف بـ "ظاهرة السباق نحو البحر"، أي تسريع الدول وتيرة تطوير مزارع الرياح بغية الاستفادة من أفضل موارد الرياح المتاحة حتى الآن، وقد يؤدي هذا التسريع في عملية التطوير إلى زيادة خطر إغفال جوانب أخرى هامة في تخطيط مزارع الرياح، مثل حماية البيئة البحرية. Getty Images ويرى أورو، من جامعة مانشستر، أيضاً أن هناك خطراً متزايداً من حدوث مشاكل عبر الحدود، مشيراً إلى أن "جميع الخلافات المطروحة حتى الآن في المملكة المتحدة هي بين مزارع الرياح البريطانية، ولكن ماذا لو حدث في المستقبل نزاع بين مزرعة رياح بريطانية ومزرعة رياح هولندية أو بلجيكية أو فرنسية؟ لذلك، كلما استطاعنا التنبؤ بهذه الحالة مسبقاً، وإعداد الأرضية لذلك، كان الأمر أفضل. وهذا يقلل من عدم اليقين ويحقق أكثر فائدة للصناعة". ويوصي فينسرواس الدول الأوروبية بمعالجة مشكلة سرقة الرياح من خلال التعاون والتشاور مع بعضها البعض عند تخطيط مزارع الرياح، فضلا عن وضع قوانين واضحة تساعد في إدارة الرياح كموارد مشتركة. ويقول إن الأمر في جوهره يمكن التعامل معه على أن الرياح مثلها مثل الموارد البحرية الأخرى المشتركة التي تخضع للتنظيم، مثل حقول النفط التي تعبر حدود الدول، أو الأسماك. ويضيف أنه لحل هذه المسائل المعقدة، من المفيد أن تتمتع الدول الأوروبية المعنية بعلاقات سياسية جيدة فيما بينها. ويقول: "علينا أن نلجأ إلى خفض الكربون في قطاعات الطاقة، ويجب أن يتم ذلك بسرعة كبيرة، هذا هو الطموح الذي يسعى إليه الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بسياسات الرياح البحرية". ويضيف: "لذلك، لا شك في أن كل هذا يحدث بسرعة شديدة. لكن لا يجب أن يمنعنا ذلك من إيجاد حلول جيدة لأن الأمور تحدث بسرعة"، فلا توجد مصلحة لأحد في الصراع على الرياح، بل "يوجد دافع للتعاون من أجل التوصل إلى حلول عادلة بين الدول، على الرغم من أن التوسع في إنتاج طاقة الرياح يمضي قدماً بسرعة كبيرة". وليس الاتحاد الأوروبي وحده الذي يسابق الزمن لفهم تأثيرات الذيل الهوائي بشكل أفضل، فعلى سبيل المثال، تسعى الصين إلى توسيع مزارع الرياح البحرية لديها بسرعة، وقد لفت الباحثون الانتباه إلى التأثير المتزايد للذيل الهوائي على مزارع الرياح البحرية الصينية. ومنذ إعلان المشروع في شهر مارس/آذار، تلقى أورو عدداً كبيراً من رسائل البريد الإلكتروني من أشخاص مهتمين بالمشروع، وهو يرى أن هذا يوضح مدى الحاجة إلى الدراسة، قائلاً :"نحتاج إلى فهم هذا الأمر، ونحتاج إلى المضي قدماً من أجل وضع نماذج له، حتى يكون لدى الجميع ثقة، لأننا بحاجة إلى هذه الكمية من الرياح البحرية للوصول إلى صفر انبعاثات كربونية، ويجب أن نحقق ذلك".

هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟
هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟

الوسط

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • الوسط

هل يجعلنا الذكاء الاصطناعي "أكثر غباء"؟

Getty Images تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستحسن من حياة البشر من خلال تأدية مهام مملة أو شاقة تتطلب الكثير من الوقت والجهد، ومن ثم تمنحنا فرصة أكبر للاستمتاع بالحياة أو التفرغ لأشياء أخرى أكثر أهمية. هذه هي وجهة نظر المتحمسين لما يعرف بتقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI) التي انتشرت بشكل مهول في الأعوام القليلة الماضية، ولا سيما وسط الشعبية الهائلة التي حظي بها روبوت الدردشة "تشات جي. بي. تي" الذي بلغ العدد الأسبوعي لمستخدميه النشطين في فبراير/شباط الماضي مليون مستخدم، وفق شركة "أوبن. إيه. آي" التي أطلقته في عام 2022. على سبيل المثال، مهام مثل تلخيص الوثائق الطويلة أو صياغة رسائل إلكترونية روتينية أو ترجمة نصوص بسيطة أو كتابة سيرتك الذاتية بطريقة مهنية – كلها أشياء يستطيع الذكاء الاصطناعي التوليدي القيام بها في ثوان معدودات. لكن هناك من يحذر من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدلا من أن يطلق العنان لأدمغتنا للانخراط في أشياء أهم وأعمق، قد يجعلنا "أكثر غباء". فكيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وهل نستطيع الاستفادة من إمكانياته الهائلة من دون أن يؤدي ذلك إلى أن نصبح أقل ذكاء وإبداعا؟ إضعاف مهارات التفكير النقدي من بين أحدث الدراسات التي ربطت بين الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي وانخفاض القدرات المعرفية والإدراكية للبشر دراسة أجرتها شركة مايكروسوفت بالتعاون مع باحثين من جامعة كارنيغي ميلون في وقت سابق من العام الحالي. الدراسة، التي شملت 319 شخصا يعملون في مهن تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي على الأقل مرة واحدة في الأسبوع، وجدت أن هذه التقنية تغير طريقة التفكير النقدي لدى هؤلاء الأشخاص. فهي تقلل المجهود الذهني المطلوب لتنفيذ المهام، فيفرط المستخدمون في اعتمادهم على مخرجات الذكاء الاصطناعي، خصوصا عندما يثقون بها أكثر من اللازم. ويتحول المستخدمون من جامعين للمعلومات إلى متحققين من صحتها، من منفذين نشطين للمهام إلى مشرفين على مخرجات الذكاء الاصطناعي. وحددت الدراسة عدة أشياء قالت إنها تعرقل التفكير النقدي في المهام التي يساعد الذكاء الاصطناعي في تنفيذها، من بينها انخفاض الدافع للتفاعل بعمق مع المحتوى، وعدم امتلاك القدرة أو المعرفة الكافية لتقييم مخرجات الذكاء الاصطناعي بشكل فعال. وهناك دراسة أخرى أجراها الدكتور مايكل غرليتش مدير معهد الاستشراف الاستراتيجي والاستدامة المؤسساتية بكلية التجارة السويسرية (إس.بي.إس) على 666 شخصا، وجدت أن ثمة صلة بين الاستخدام المستمر للذكاء الاصطناعي التوليدي وانخفاض القدرة على التفكير النقدي. يقول البروفيسور غرليتش لـ"بي. بي. سي. عربي" إن البحث الذي أجراه أظهر أن أدوات الذكاء الاصطناعي "تشجع على التفريغ الإدراكي، أو بعبارة أخرى الاستعانة بمصدر خارجي هو الآلات للتفكير نيابة عنا. هذا ليس سلبيا في حد ذاته، ولكن إذا اعتدنا عليه، فإنه قد يقوض من قدرتنا على القيام بالتفكير المنطقي المعقد أو حل المشكلات أو التفكير النقدي". التفكير النقدي لا يعني مجرد اكتشاف الأخطاء، بل هو عملية ذهنية معقدة تمكن الشخص من الحكم على معلومة ما بشكل منطقي وموضوعي من خلال فهم وتفسير الأدلة التي يجمعها عن طريق الملاحظة والقراءة والتجربة والنظر بعين الشك إلى الافتراضات القائمة وأخذ وجهات النظر المختلفة بعين الاعتبار. وللتفكير النقدي أهمية كبيرة في تعزيز اتخاذ القرارات وتحسين مهارات حل المشكلات وتقييم المعلومات وبناء الحجج القوية وزيادة الوعي بالذات والإبداع وتحسين مهارات اللغة والتعبير عن الأفكار. يضيف غرليتش أن "عضلاتنا الذهنية، كتلك التي تستخدم في التفكير التحليلي، من الممكن أن يصيبها الوهن إذا لم تُدَرب بانتظام. ومع مرور الوقت، قد يؤدي اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي إلى تقويض قدرتنا على التفكير النقدي، ولا سيما في المواقف المصيرية أو الغامضة التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي التعامل معها. لقد أظهرت دراستي أن الشباب والأشخاص محدودي التعليم بوجه خاص يميلون إلى الاستعانة بتلك التقنية للقيام بعملية التفكير، وهو ما أدى إلى انخفاض مهارات التفكير النقدي لديهم". Getty Images هل تحارب أدمغتنا على عدة جبهات؟ التحذير من الإفراط في استخدام روبوتات الدردشة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لما قد يكون له من تأثير سلبي محتمل على وظائفنا المعرفية والإدراكية يضاف إلى تحذيرات مماثلة من الإفراط في استخدام التقنيات الرقمية الحديثة خلال العقد الأخير. على سبيل المثال، هناك دراسات تربط بين قضاء فترات طويلة أمام شاشات الهواتف الذكية وانخفاض الانتباه وضعف نمو الدماغ. وفي نهاية عام 2024، اختار قاموس أوكسفورد للغة الإنجليزية مصطلح "brain rot" أو "تعفن الدماغ" ليكون مصطلح العام. يشير المصطلح إلى "التدهور المفترض لحالة الشخص العقلية والفكرية، ولا سيما عندما يُنظر إليه على أنه نتيجة للاستهلاك المفرط للمواد (خاصة محتويات الإنترنت) التي تعد تافهة أو لا تشكل تحدياً للعقل"، وفق تعريف القاموس. ربما يتساءل البعض عما إذا كان اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي التوليدي أسوأ من اعتمادنا على محركات البحث على الإنترنت، أو الإفراط في مشاهدة المحتوى "التافه" على وسائل التواصل الاجتماعي. يرى البروفيسور غرليتش أن "ما تفعله وسائل التواصل ومحركات البحث بالأساس هو تشتيت انتباهنا أو توجيهه، وعادة ما يؤدي ذلك إلى تفتيت تفكيرنا وإغراقنا بالمعلومات الضحلة. أما الذكاء الاصطناعي التوليدي فينتج لنا محتوى، ومن ثم يخطو خطوة إضافية، إذ يفكر بالنيابة عنا. إنه اختلاف صغير ولكن مهم للغاية. عندما نتوقف عن صياغة حججنا أو التحقق من صحة المعلومات بشكل مستقل، فإننا نخاطر ليس فقط بفقدان تركيزنا، ولكن أيضا باستقلالنا المعرفي". ويضيف: "لذا، فإنه رغم أن الاتجاهين مثيران للقلق، فإن قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة الفكر البشري قد تشكل تحدياً أعمق وأطول أمدا لكيفية بنائنا للمعرفة واتخاذنا للقرارات". Getty Images هناك دراسات تربط بين قضاء فترات طويلة أمام شاشات الهواتف الذكية وانخفاض الانتباه وضعف نمو الدماغ الوجه الآخر قد يبدو الأمر بسيطا: اعتمادنا الزائد على الذكاء الاصطناعي وجعله يفكر بدلا من أن نفكر نحن ونستخدم وظائفنا الإدراكية والمعرفية سيؤدي إلى تقويض قدرتنا على التفكير المنطقي أو النقدي، ومن ثم يجعلنا أقل ذكاء أو "أكثر غباء" كما يحلو لبعضهم أن يقول. لكنّ للصورة أبعادا أخرى. فالذكاء البشري مفهوم معقد يتأثر سلبيا أو إيجابيا بعوامل عديدة، منها الجينات الوراثية والتغذية والصحة البدنية والتعليم والتربية والتلوث، وهو ما يجعل من الصعب برأي بعض الخبراء النظر إلى تأثير عامل واحد بمعزل عن باقي العوامل. كما أن هناك من يرى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يغير الطريقة التي نفكر بها، ولكن ليس بالضرورة إلى الأسوأ. يقول دكتور كارلوس زدنيك مدير مركز فلسفة الذكاء الاصطناعي بجامعة إيندهوفين في هولندا لـ بي. بي. سي. عربي إن من بين الآثار التي قد تترتب على ذلك هو "أن تفكيرنا، أو الطريقة التي نعبر بها عن تفكيرنا، على الأرجح سوف تتغير. ففي حين كنا في السابق نعبر عما نفكر فيه بالكلام أو الكتابة أو الرسم أو عزف الموسيقى مثلا، في المستقبل قد نعبر عنه بطرق تعتمد على التفاعل مع أدوات الذكاء الاصطناعي أو استخدامها لمساعدتنا على القيام بكافة تلك الأنشطة وغيرها. وبالطبع هذه ليست ظاهرة جديدة، ففان غوخ أظهر عبقريته بالطريقة التي كان يستخدم بها فرشاة الرسم، وروجر فيدرر بطريقة استخدامه لمضرب التنس...الجيل القادم من المفكرين ربما سيظهر مواهبه بالطريقة التي يستخدم بها الذكاء الاصطناعي". Getty Images تزايد استخدام روبوتات الدردشة التي تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل كبير في الأعوام القليلة الماضية، بما في ذلك بين الشباب والأطفال كيف نستفيد من دون أن نصبح "أكثر غباء"؟ الدراسة التي أجرتها مايكروسوفت أظهرت أن الأشخاص الذين لديهم ثقة بالنفس كانوا أكثر نزوعا لاستخدام التفكير النقدي للتحقق من مخرجات الذكاء الاصطناعي. وخلصت إلى أن ثمة حاجة إلى أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مصممة بحيث تعزز التفكير النقدي لدى العاملين في مجالات تتطلب استخدام المعلومات. وإلى أن يتحقق ذلك، يتعين على المستخدم التعاطي مع الذكاء الاصطناعي بطريقة تجعله يتفادى خطر أن يؤدي ذلك إلى إضعاف قدراته على اتخاذ القرارات وعلى مهاراته الإدراكية والمعرفية. يقول البروفيسور غرليتش: "كلما تعاملنا مع الذكاء الاصطناعي التوليدي على أنه مساعد قائد الطائرة وليس طيارا آليا، كلما حافظنا على قدراتنا الإدراكية والمعرفية بل وعززناها". ويضيف أنه ينبغي أن "نتعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس بوصفه بديلا للتفكير، ولكن كشريك نتناقش معه، كشيء يتحدانا وينقح أفكارنا ويساعدنا على استكشاف وجهات نظر مختلفة. ولتفادي البلادة الفكرية، يجب أن نتفاعل بشكل واعٍ مع مخرجات الذكاء الاصطناعي، ونطرح أسئلة وننتقد الافتراضات ونتحقق من صحة المزاعم". أما الدكتور زدنيك فيشدد على أهمية "محو الأمية" في مجال الذكاء الاصطناعي، ويشمل ذلك التعريف بما تعنيه تلك التقنية، وكيف تعمل، وما تستطيع وما لا تستطيع تحقيقه، ومتى ينبغي استخدامها، ومتى لا ينبغي استخدامها. ويضيف: "أتوقع أن تنتشر تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد، ولذا من المهم أن يتم هذا النوع من محو الأمية مبكرا وعلى نطاق موسع. الأطفال ينبغي أن يتعلموه، والمعلمون ينبغي أن يدرسّوه. لا يجب أن نحظر على الأطفال استخدام الذكاء الاصطناعي، ولكن يجب أن نعلمهم كيف يستخدمونه بحكمة". ويشير زدنيك كذلك إلى أهمية تحمل الحكومات مسؤولية إدارة تقنية الذكاء الاصطناعي "بما يحقق توازنا بين سلامة المجتمع من جهة، والنمو الاقتصادي والابتكار من جهة أخرى". خلاصة القول: الذكاء الاصطناعي التوليدي مثله مثل أي تقنية أخرى يمكن أن تكون له منافع هائلة للأفراد والمجتمعات، ويمكن أن يعود علينا بالضرر، والأمر يتوقف إلى حد كبير على طريقة استخدامنا له. ومن خلال التوعية بإمكانياته وطريقة عمله ومواطن ضعفه، والتشجيع على التفاعل معه بشكل لا يلغي تفكيرنا، يمكننا استثمار إمكاناته الهائلة من دون أن نصبح أقل ذكاء.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store