
ما أحوجنا إلى أسمائنا الحقيقية، لا إلى الألقاب!
فلماذا نعيش في عالم يموج بالمظاهر والألقاب، إلى درجة أصبح الاسم الحقيقي للشخص أحيانًا مجرد ظل لا يكاد يُرى خلف الألقاب ما هم إن تكون حقيقية أم غير حقيقية؛ تلك التي تُمنح أو تُكتسب أمران سيان، أسواء كانت ألقابًا علمية، اجتماعية، مهنية، أم قد تكون حتى قبليةوعائلية..! وحين نتدبر حقيقة هذه الألقاب، من يدري، قد تحمل أحيانًا دلالات من الاحترام أو الإنجاز؛ إلا أنها قد تتحول مع الأسف الشديد إلى حاجز ومتاريس لا يمكن تصورها بين الإنسان وحقيقته وربما بية الحقيقة والإنسانعلى حد سواء، وربما بين الفرد وجوهره، ليصل به الأمر إلى طمس ملامحه الحقيقية واستبدالها بقوالب صنعتها البيئة والمجتمع إلى أصبح المجاز حقيقة والحقيقة إلى مجاز والبلاغة في حل من هذا المسخ الذي لا يمكن قبوله البتة.
ترى ألم يعلمونا في مدارسنا: أن الهوية في الاسم لا في اللقب وعدا هذه الحقيقة المطلقة نصير كمن يبحث عن قطة سوداء في حجرة مظلمة ولا وجود للقطة..!
أكيد أن الاسم هو أول ما يحمله الإنسان في حياته، وهو العلامة التي تميزه عن غيره، إلا أن اصبح في مجتمعاتنا مع الأسف الشديد، كثيرًا ما يُطمس خلف الألقاب التي تُستخدم وتوظف من أجل إضفاء نوع من الهيبة أو التفوق الاجتماعي فما الفرق رباه لكائن من كان من ولدان آدم وهو يخالف حكمة ' أن تضيء شمعة صغيرة خير لك أيها الإنسان من أن تنفق عمرك تلعن الظلام، علما أن الله كرمك أيها الانسان عن العالمين، ومع ذلك لا تتواضع، فتصير مع حب الالقاب نيرون زمانه؛ حين ساس قومه برفق ثم جفا ثم عتا ثم اقمطر..'. وفي زمننا الموبوء هذا، كثيرا ما نجد أشخاصًا يُنادَون بألقابهم فقط، متناسين أن الاسم الحقيقي يحمل هوية الإنسان، شخصيته، ووجوده المستقل، الانتظبر حقيقة عمر الفاروق الذي كان يتوسد يديه وينام بعين واحدة في أقصى ركن المسجد؛ ليجعل رسول كسرى يبوح قائلا:' لقد عدلت ونمت يا خليفة رسول الله'.
وليس من الغرابة بمكان ونحن نحاول تحليل بعضا من المظاهر الاجتماعية في زمننا هذا بما فيها ظاهرة التعالي ونخوة النياشين وفي المجتمعات العربية نكاد نجزم أنها ظاهرة تختلف عن المجتمعات الغربية عدا وعدة حيث تستغرب أيها المتلقي وأنت تركب الحافلات والطائرات ووسائل التنقل صورة رئيس أو وزير او حاكم يركب بجانبك وفي كثير من الأحيان نلقي عليك التحية كسائر البشر؟ وهكذا وفي مجتمعاتنا العربية تنتشر ثقافة التفاخر بالألقاب، سواء كانت 'دكتور'، 'مهندس'، 'أستاذ'، أو حتى 'شيخ'، 'سيد'، و'باشا'؛ بل ونحن في الاسواق أصبح الجميع ينادونك بلقب ' الأستاذ' وأنت لا تمت بصلة للأستاذية فقط لأن في عرف الناس ومنهم المرسل والمتلقي على حد سواء يمارسون ثقافة التعالي خيث تجعل من الطاووس ينفخ ريشه وحقيقته في رجليه' ورحم الله من تواضع لله
' بعيدا عن هذه الألقاب التي لا نحملها معنا إلى المقابر، رغم أنها قد تكون مستحقة في بعض الأحيان، إلا أنها لا تعبر عن الإنسان بقدر ما تعبر عن وضعه الاجتماعي أو العلمي؛ وهنا نستسمح لكل متواضع لا تغنيه الالقاب شيئا لأنه اولا وأخيرا يبقى انسانا يأكل ويمشي في الأسواق او كما يقال عند من يعرفون حقيقة الإنسان على أنه أسواء حمل هذه الألقاب أم هو في حل منها تذكره حقيقة مفادها أنه ' هو الآخر يزور كما يزور جميع الاناس بست النظافة يوميا..' والأسوأ من ذلك، فالألقاب قد تصبح وسيلة للتمييز والتفرقة، فتُستخدم لفرض الهيمنة أو الإيهام بالتفوق على الآخرين وهذه الحقيقة تذكرني مجازا حين يسأل الممكن المستحيل أين يقيم؟ علما أن جميعنا نعلم أنه يقيم فينا ومع ذلك يصنع فينا العجائب والغرائب..
بكل تأكيد أن بين الألقاب والتواضع مسافة تشبه مسافة المد والجز،ففي الوقت الذي يسعى فيه البعض لاكتساب الألقاب، هناك أشخاص يبتعدون عنها عمدًا، مفضلين في اعتقادهم الاحتفاظ بهويتهم الحقيقية، بعيدًا عن التكلف الاجتماعي وهنا بالضبط على علم الاجتماع دراسة هذه الظاهرة التي غالبا ما تجرف أخلاقنا وميزتنا باعتبارنا من البشر ولهذا وكما يدعي العدل وفي قوانين تشريعية عدة على أننا سواسية أمام القانون بينما الحقيقة غالبا ما تبقى ثكلى ليس إلا… فالتواضع يكمن في أن ينادى الإنسان باسمه، دون الحاجة إلى ألقاب قد لا تضيف إلى قيمته الحقيقية شيئًا وفي العرف والعلم حتى يعد هذا نشازا لا يليق بالإنسان.
وقد نرى في تاريخ العظماء كيف أنهم لم يكونوا بحاجة إلى الألقاب ليحظوا بالاحترام، والحكمة عندهم تعانق حقيقة حتمية لا يتنابز عنها اثنان مفادها في العبر والحكم:
' ليس القوي من يكسب الحرب دائما، وإنما الضعيف من يخسر السلام، علما أننا كم نردد يوميا جملة: السلام عليكم ونحن للسلام منافقون'. فالأنبياء، والفلاسفة، والعلماء الكبار، عُرفوا بأسمائهم قبل أي لقب. فسقراط لم يكن في حاجة إلى لقب ليكون فيلسوفًا وهذا ما شهد به تلميذه أفلاطون في 'محاورة أوطيفرون'، ولم يكن ابن سينا بحاجة إلى أن يُنادى بـ'الدكتور' ليكون طبيبًا وهو الذي نهل من جميع العلوم ليصبح كونيا وهو في قمة التواضع..إلخ. فأسماء هؤلاء ظلت خالدة لأنها ارتبطت بأعمالهم لا بألقابهم؛ ويا ليتنا اقتفينا آثارهم خدمة لمجتمعاتنا بل خدمة إنسانية الإنسان عامة.!
أما حين تصبح الألقاب عبئًا في بعض المجتمعات عامة والمجتمع العربي والإسلامي خاصة، والمجتمع المغربي والمغاربي تخصيصا، يصبح اللقب عبئًا ثقيلًا يحمله صاحبه أينما ذهب وارتحل، مما يجعله يُطالَب دائمًا بأن يتصرف وفقًا لمتطلبات هذا اللقب، ولعل هذا ما يجعلنا نتساءل في استغراب مقارنين واقعنا بواقع غيرنا، ونعلن على أن ' الألقاب ليست أوسمة للحمقى، أما الرجال العظام ليسوا بحاجة لغير أسمائهم'!
وهكذا وبدءا على عود، فالدكتور يُنتظر منه أن يكون مثقفًا في كل شيء، والمهندس بدوره يُتوقع منه الإبداع في كل المجالات، وهذا لا يمنع في الحقيقة، قد يكون اللقب مجرد شهادة قد يحصل عليها الكثيرون أو عبارة عن منصب، لا يعكس بالضرورة قدرات الفرد الحقيقية أو أخلاقه أو فكره، ما دامت الأمور تحسم بمعايير شتى بعيدا عن حقيقة؛ لعمري صدق الشاعر حين أفحمنا بحقيقة مطلقة قائلا:
'كن من شت واكتسب أدبا
يغنيك محموده عن النسب
وعند الوقوف عند هذه الإشكالية أو قد يصطلح عليها بالمشكل الأكبر تتجلى لنا حين نستخدم ونوظف هذه الألقاب كأداة لفرض السلطة والاستعلاء. علما أن هناك من يرفض أن يُنادى باسمه مجردًا، معتقدًا في الوقت ذاته أن ذلك قد ينتقص من مكانته بينا النقص كل النقص في التمسك بهذه الألقاب تمسكا أعمى. وبكل تأكيد تجعلنا هذه الحقيقة نتساءل:
ترى هل اللقب في حد ذاته هو الذي يمنح الإنسان قيمته، أم أن القيمة الحقيقية تكمن في شخصيته وإنجازاته؟ حقيقة لا يمكن أن يختلف عنها عاقلان؛ ولعل العودة إلى الذات تجعلنا البحث عن التخلص من هيمنة الألقاب الذي لا يعني التقليل من شأن الإنجازات، بل هو دعوة للعودة إلى البساطة والصدق مع الذات أو بعابرة ثاقبة تجعلنا في تصالح مطلق مع الذات. معترفين في الآن ذاته أن الإنسان يُعرَف باسمه، لا بلقبه، وهذه دعوة لكل إنسان يتوخى حكمة أعز ما يطلب، أن يكون حقيقيًا، وأن يتحدث ويفكر ويتصرف من منطلق شخصيته لا من منطلق ما يُفرض عليه من توقعات اجتماعية واهية قد لا تستعمل إلا في الضرورة الأكاديمية لاعتبارات إدارية يرفها الكثيرون طبعا ويقبلونها استجابة شرطية علمية. ويبقى مع كل ما قلناه وحللناه أن مجتمعاتنا بحاجة إلى أن تتحرر من هذا الهوس بالألقاب، وأن تعود إلى تقدير الأشخاص لأفعالهم وليس لمظاهرهم. ونظرا لتجربتنا الأكاديمية الطويلة نبدي هذه الحقيقة التي تتطلب منا أكثر من وقفة؛ وأكثر من محاضرة بل أكثر من متابة؛فكم يا ترى من شخص يحمل ألقابًا رنانة ولكنه فارغ المحتوى، وكم من إنسان بلا ألقاب لكنه ذو فكر وقيمة حقيقية ولنا في هذا المقام أسماء كثيرة نذكر منها على حد الحصر:' محمود عباس العقاد عند العرب؛ وفي الغرب نعوم شومسكي..إلخ'.
خاتمة
فعلنا في نهاية هذا المقال الذي يتطلب منا أكثر من تفسير وتشريح، يبقى في اعتقادنا، الاسم هو العنوان الحقيقي لكل فرد. هو ما يختصره، وما يظل معه حتى بعد رحيله وليس الاسم الذي يخلد نفسه كالاسم الذي لم يخلد ذاته. أما الألقاب، فهي مجرد إضافات قد تتلاشى وتنسى مع مر الزمن، ولا تعكس بالضرورة الحقيقة. فما أحوجنا كما علمنا أساتذتنا العظام لأن نُنادى بأسمائنا، مجردة من كل الألقاب، لنتذكر أننا بشر قبل أن نكون أصحاب مناصب أو شهادات أو مكانات اجتماعية؛ وهذا لا يبخس من علمونا في شيء بل هم القدوة في كل شيء، فسوسور لولا تلامذته لما نال شرف التعريف بقوة؛ وما الفلاسفة والعلماء والفقهاء لولا توارث ما حققوا للبشرية ولولا ما قدمه لما تلامذتهم، تخليدا، وتدوينا، وتشذيبا ونقلا، وتناولا أكاديميا من خلال الأطاريح الجامعية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


هبة بريس
منذ ساعة واحدة
- هبة بريس
عمر الحريري من ثانوية "الملاك الأزرق" بالجديدة يتصدر نتائج الباكالوريا وطنياً بمعدل 19.61
هبة بريس – الرباط أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن نتائج امتحانات الباكالوريا للموسم الدراسي 2024-2025، حيث تصدّر التلميذ عمر الحريري من الثانوية التأهيلية الملاك الأزرق التابعة للمديرية الإقليمية بالجديدة – جهة الدار البيضاء سطات، قائمة الناجحين على الصعيد الوطني مناصفة مع التلميذة هبة بناني بمعدل استثنائي بلغ 19.61 في شعبة العلوم الرياضية 'أ' – خيار فرنسية. ويأتي هذا الإنجاز المتميز ليؤكد مرة أخرى ريادة مؤسسة 'الملاك الأزرق' في مشهد التميز التعليمي، وهو ثمرة انسجام وجهد متواصل بين الأطر التربوية والإدارية، ودعم جمعيات الآباء والأمهات، وتنسيق محكم مع المصالح التربوية بالمديرية الإقليمية. كما تميزت التلميذة ريم الطوري، المنتمية لنفس المؤسسة، بحصولها على معدل 19.75 في مواد الامتحان الوطني، ومعدل عام بلغ 19.31 في شعبة العلوم الفيزيائية – خيار فرنسية. الملاك الأزرق: مسار حافل بالعطاء والتميز مؤسسة 'الملاك الأزرق'، التي تأسست سنة 1986، تُعد من بين أوائل المؤسسات الخاصة بإقليم الجديدة، حيث راكمت تجربة تعليمية رائدة تجمع بين جودة التكوين الأكاديمي وتنوع الأنشطة الموازية. وقد ساهمت هذه الدينامية في تخريج أجيال من التلاميذ الذين التحقوا بأرقى الجامعات والمعاهد داخل المغرب وخارجه. وسبق أن حظيت المؤسسة بشرف استقبال جلالة الملك محمد السادس نصره الله للتلميذة إيناس المعتز بالله بعد حصولها على أعلى معدل وطني سنة 2015. جوائز وشراكات وطنية ودولية حازت المؤسسة على الجائزة الوطنية للصحفيين الشباب سنة 2022 في صنف الروبورتاج المكتوب والمصور، كما حصلت حديثاً على شهادة الانتماء للمدارس الزرقاء الأوروبية، في إطار مشاركتها بمبادرة 'PROBLEU' التي يشرف عليها الاتحاد الأوروبي، من خلال مشروع بيئي حول 'استعمال الطحالب البحرية في تصفية وتدوير المياه بالجديدة'. وإيماناً منها بقيم التعايش والانفتاح على الثقافات، شارك تلاميذ المؤسسة في ملتقيات دولية مهمة، أبرزها مؤتمر المناخ 'كوب 22″ بمراكش و'كوب 23' ببون، كما شاركوا سنة 2015 في حدث دولي بواشنطن، حيث ترافعوا دفاعاً عن مغربية الصحراء داخل فضاء البيت الأبيض أمام مستشار الرئيس الأمريكي آنذاك. تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X مقالات ذات صلة


هبة بريس
منذ 2 ساعات
- هبة بريس
عمر الحريري من ثانوية 'الملاك الأزرق' بالجديدة يتصدر نتائج الباكالوريا وطنياً بمعدل 19.61
هبة بريس – الرباط أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن نتائج امتحانات الباكالوريا للموسم الدراسي 2024-2025، حيث تصدّر التلميذ عمر الحريري من الثانوية التأهيلية الملاك الأزرق التابعة للمديرية الإقليمية بالجديدة – جهة الدار البيضاء سطات، قائمة الناجحين على الصعيد الوطني مناصفة مع التلميذة هبة بناني بمعدل استثنائي بلغ 19.61 في شعبة العلوم الرياضية 'أ' – خيار فرنسية. ويأتي هذا الإنجاز المتميز ليؤكد مرة أخرى ريادة مؤسسة 'الملاك الأزرق' في مشهد التميز التعليمي، وهو ثمرة انسجام وجهد متواصل بين الأطر التربوية والإدارية، ودعم جمعيات الآباء والأمهات، وتنسيق محكم مع المصالح التربوية بالمديرية الإقليمية. كما تميزت التلميذة ريم الطوري، المنتمية لنفس المؤسسة، بحصولها على معدل 19.75 في مواد الامتحان الوطني، ومعدل عام بلغ 19.31 في شعبة العلوم الفيزيائية – خيار فرنسية. الملاك الأزرق: مسار حافل بالعطاء والتميز مؤسسة 'الملاك الأزرق'، التي تأسست سنة 1986، تُعد من بين أوائل المؤسسات الخاصة بإقليم الجديدة، حيث راكمت تجربة تعليمية رائدة تجمع بين جودة التكوين الأكاديمي وتنوع الأنشطة الموازية. وقد ساهمت هذه الدينامية في تخريج أجيال من التلاميذ الذين التحقوا بأرقى الجامعات والمعاهد داخل المغرب وخارجه. وسبق أن حظيت المؤسسة بشرف استقبال جلالة الملك محمد السادس نصره الله للتلميذة إيناس المعتز بالله بعد حصولها على أعلى معدل وطني سنة 2015. جوائز وشراكات وطنية ودولية حازت المؤسسة على الجائزة الوطنية للصحفيين الشباب سنة 2022 في صنف الروبورتاج المكتوب والمصور، كما حصلت حديثاً على شهادة الانتماء للمدارس الزرقاء الأوروبية، في إطار مشاركتها بمبادرة 'PROBLEU' التي يشرف عليها الاتحاد الأوروبي، من خلال مشروع بيئي حول 'استعمال الطحالب البحرية في تصفية وتدوير المياه بالجديدة'. وإيماناً منها بقيم التعايش والانفتاح على الثقافات، شارك تلاميذ المؤسسة في ملتقيات دولية مهمة، أبرزها مؤتمر المناخ 'كوب 22″ بمراكش و'كوب 23' ببون، كما شاركوا سنة 2015 في حدث دولي بواشنطن، حيث ترافعوا دفاعاً عن مغربية الصحراء داخل فضاء البيت الأبيض أمام مستشار الرئيس الأمريكي آنذاك.


أكادير 24
منذ 10 ساعات
- أكادير 24
التوبة إلى الله: باب الرحمة والمغفرة في زمن الفتن
لقد خلق الله الإنسان وهو يعلم ضعفه وقابليته للخطأ والذنب. فكما جاء في الحديث الشريف: 'كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون'. وحتى لو لم نذنب، فإن الله بفضله ورحمته هو الذي جعل التوبة سبيلاً لغفران الذنوب وتقرب العبد إليه. إن رحمة الله تتسع لكل ذنب، وعفوه يشمل كل خطيئة، فلا يقنط عبد من رحمته مهما بلغ ذنبه. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. وهذا تأكيد على أن باب التوبة مفتوح دائمًا، وأن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، إلى أن تطلع الشمس من مغربها. التوبة في زمن الفتن: كيف تواجه التحديات؟ نعيش اليوم في زمن كثرت فيه الفتن وتيسرت أسبابها. لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصات سهلة لنشر الرذائل والفساد، وأصبحت الفواحش تنتشر بسرعة وتدخل إلى بيوتنا وحياتنا. ومع هذا الانتشار للفتن وتأثير إبليس وأتباعه على الناس لإضلالهم، يظل باب التوبة مفتوحًا من الله تعالى الذي يعلم ضعف عباده وعجزهم. إن الله سبحانه وتعالى أزال كل حاجز يحول دون توبة العبد، فباب التوبة مفتوح دائمًا، ولا يُغلق إلا إذا بلغت الروح الحلقوم، أو طلعت الشمس من مغربها. إنها دعوة إلهية مفتوحة للرحمة والعفو والتوبة، تدعوك للعودة إلى الله مهما كانت ظروفك. محبة الله للتائبين: الفرحة بعودتك من عظيم فضل الله أنه لا يكتفي بقبول التوبة، بل إنه يحب التوابين ويفرح بتوبتهم. يقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة:222]. وهذا الفرح أشد من فرحة الضال الذي وجد راحلته في الصحراء بعد أن فقدها. إنها محبة خاصة من الله لعبده الذي يعود إليه نادمًا مستغفرًا. عندما تتوب وتُقبل على الله، فإنه يفرح بعودتك ويحب توبتك. إياك والقنوط: لا تيأس من رحمة الله لقد حذرنا الله تعالى من القنوط من رحمته واليأس من مغفرته. بل إن القنوط من رحمة الله قد يكون أعظم من الذنب نفسه. يقول الله تعالى: {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ} [الحجر:56]، و {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]. هذه الآيات تؤكد أن رحمة الله أوسع من كل ذنب ارتكبته، وكل ما عليك هو أن ترجع إليه وتتوب، وهو سيقبل توبتك. مهما استكثرت ذنوبك أو استعظمتها، تذكر نداء الله لك: 'يا ابن آدم! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي'. إن الله يغفر الذنوب جميعًا إذا أشركت به شيئًا وتبت إليه بصدق. التوبة المتكررة: باب العودة مفتوح دائمًا قد يتوب العبد توبة صادقة ثم يعود للذنب مرة أخرى بسبب وسوسة الشيطان أو غلبة الهوى. في هذه الحالة، قد يوسوس الشيطان بأن هذه التوبة ليست مقبولة أو أنها استهزاء، لكي يمنع العبد من العودة إلى الله. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أوضح أن باب التوبة مفتوح دائمًا، مهما تكرر الذنب والعودة إليه. إن الله يقبل توبة العبد الذي يذنب ثم يستغفر ويعود إلى التوبة، حتى لو تكرر ذلك مرات عديدة. المهم أن تكون التوبة صادقة، والعزم على عدم العودة إلى الذنب حقيقيًا. فالله يغفر لعبده الذي يعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ويتقبل منه توبته المتكررة ما دام يجددها بصدق.