أشرف عباس يكتب: من الميكروفون إلى المائدة.. من أسكت صوت مصر؟
صوت المباراة لم يكن غريبًا فقط بل كان دليلًا على أن ما هو مصري لم يعد حاضرًا، حتى في ملعبه.
كان الزميل محمود كامل عضو مجلس نقابة الصحفيين، يتابع نهائي كأس مصر، مباراة محلية خالصة، تُبث على قناة مصرية، فإذا بالصوت القادم من الشاشة لا يحمل نبرة مصرية، بل يأتي من المعلّق التونسي الكبير رؤوف خليف.لم يكن في الأمر انتقاص من قدر المعلّق، بل تساؤلًا صادقًا وموجعًا: أين المعلّق المصري الذي كنا ننتظره، لا ليصف ما نراه، بل ليمنح المباراة روحها ولهجتها وحرارتها؟ما كتبه محمود كامل لم يكن مجرّد حنين إلى نغمة اختفت، بل كان مرآة لواقع أوسع: تآكل القوة الناعمة المصرية.. من الصوت إلى الصورة، ومن الذوق إلى التأثير.في عام 2004، حين أعدّ محمود مشروع تخرّجه عن أزمة التعليق الرياضي، التقى بكبار المعلقين علي زيوار وميمي الشربيني، وسألهم عن غياب "الصوت النجم"، واليوم، بعد عقدين، لا يتعلق السؤال فقط بالمعلق، بل بكل ما كان يومًا يعبّر عن مصر في محيطها العربي: إعلامها، درامتها، غناؤها، طعامها، وحتى نكتتها.في منتصف القرن العشرين، كانت القاهرة تُشعّ صوتًا وثقة: أحمد سعيد في الميكروفون، أم كلثوم على المسرح، يوسف شاهين في الكادر، صوت عبدالحليم في الشارع، وعامل الميكروفيلم في مجلات بيروت يكتب: "صُنع في مصر"، أما اليوم، فالصوت يتراجع، والتأثير يتناقص، والذائقة العامة تُعاد صناعتها من خارج الحدود.لم يعد الإعلام المصري يصيغ الرأي العام العربي، بل بات مذيعه ضيفًا في منصات الآخرين، نشرة الأخبار التي كانت تُؤخذ عنها العناوين، لم تعد تُذكر، والبرامج التي كانت تُنتَظر، لم تعد تُبث، والأصوات التي كانت تُبجل، تُنسى في الزحام.الدراما، التي كانت القوة الناعمة الأعنف، تراجعت في سنوات قليلة أمام إنتاجات خليجية ولبنانية وتركية؛ فوفقًا لتقارير مشاهدة عربية في مواسم رمضان بين 2020 و2023، لم تحجز أي دراما مصرية مقعدًا دائمًا في المراكز الثلاثة الأولى، بينما قفزت أعمال من الخليج وبلاد الشام إلى صدارة الاهتمام، ليس فقط في التوزيع، بل في التأثير الرمزي.الغناء لم يكن أوفر حظًا؛ فبعد جيل عبد الحليم ووردة ومنير ودياب، لم تخرج من مصر موجة غنائية حديثة قادرة على عبور الحدود، الموهبة موجودة، لكن البيئة غائبة، والإنتاج ضحل، والرسائل سطحية، والجمهور مُحاصر بين النوستالجيا والضجيج.ثم يأتي المطبخ، في بلد يُعرّف طعمه برائحة الكشري والطعمية والطواجن، لم تستطع مصر أن تؤسس سلسلة غذائية محترفة واحدة، تنقل هويتها إلى العالم أو حتى إلى محيطها، في المقابل، المطبخ السوري رسّخ حضوره بقوة: في مدينة 6 أكتوبر وحدها، التي تضم ما يقرب من 200 ألف لاجئ سوري، تنتشر المطاعم السورية بكثافة لدرجة أن بعض الأحياء باتت تُعرف ب "دمشق الصغيرة".لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة، لكن التقديرات الصحفية تشير إلى وجود مئات، وربما آلاف، من المطاعم والمخابز والمشروعات الغذائية السورية، ما جعلها مكوّنًا رئيسيًا في المشهد الغذائي المصري، خاصةً في المدن الكُبرى، وتحوّلت الشاورما من وجبة سريعة إلى علامة ثقافية كاملة، تُقدَّم في مطاعم تحمل أسماء جذّابة، وديكورات مدروسة، وتجارب طعام موحّدة، تسوّق نفسها بلغة بصرية حديثة لا تخطئها العين، مقابل ذلك، بقي المطبخ المصري – بكل ثرائه وتاريخه – بلا تطوير حقيقي، بلا علامة تجارية موحدة، بلا تجربة تخرج من الحي الشعبي لتنافس في السوق الواسع.المخابز والمطاعم السودانية تنتشر بهدوء في الجيزة والمناطق الشعبية، تقدّم العصيدة والملاح والمندي برصانة وشخصية، والمطاعم الخليجية تقدّم الكبسة والمرقوق واللحم المدفون بوصفها تجارب رفاهية للطبقة الوسطى والعُليا، في حين بقيت وجباتنا نحن حبيسة البيوت أو عربات الشارع، بلا تسويق، بلا تطوير، بلا طموح.والأخطر أن المطاعم المصرية التقليدية – وعلى رأسها "الحاتي" الشعبي – بدأت تتراجع وتختفي من المشهد الحضري، لتحل مكانها مطاعم مستنسخة الشكل والطابع، بلا نكهة ولا روح؛ حيث كان الحاتي يمثّل ركنًا من أركان الحارة المصرية، بطابعه الخشن والحنون، برائحة الفحم والتوابل، بصوت الشيف والزبون، بطقوسه الجماعية وذاكرته الشعبية، واليوم، صارت تلك المساحة تُستبدل بسلاسل تجارية باردة، تُقدَّم فيها اللحوم في عبوات مغلقة وتُؤكل في صمت، بلا ود، بلا أصالة، بلا حكاية.في المقابل، دول مثل كوريا الجنوبية بنَت كامل حضورها الدولي على دراما K-Drama، وموسيقى K-pop، وأكلات الشوارع مثل الكيمتشي والنودلز، وتركيا، رغم صراعاتها الداخلية، تصدّر درامتها إلى أكثر من 100 دولة، وتدعم مؤسساتها الإنتاجية بوصفها أذرعًا دبلوماسية.ما حدث في مصر لا يمكن اختزاله في فشل إعلامي أو درامي أو تجاري فقط، بل هو انسحاب ثقافي من المجال العربي؛ فالصوت المصري الذي كان يُشكّل الذوق، تراجع ليُصبح مستهلكًا لما كان يصنعه، لا نقص في المواهب، بل في الإرادة السياسية، والرؤية الثقافية، وحرية التعبير، والشجاعة المؤسسية على الاستثمار في الصناعة الإبداعية، بوصفها أمنًا قوميًّا لا ديكورًا ناعمًا.في ملعب الكرة، كما في شاشة التلفاز، كما في المطبخ والشارع، هناك شيءٌ واحد غائب: الصوت المصري الذي يروي القصة بصوته هو، القصة التي كنا نكتبها، ثم أصبحنا نُروى فيها فقط.فهل نملك الشجاعة لنسأل: من أسكت صوت مصر؟ وهل لا يزال هناك مُتسع من الزمن لاستعادته؟ أم أننا بالفعل بدأنا نعيش زمنًا نكون فيه مجرد جمهور على قصة لم نعد أبطالها؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الدستور
منذ 4 ساعات
- الدستور
تحميل ومشاهدة أغنية يا ليلة العيد MP3 (فيديو)
تُعتبر أغنية "يا ليلة العيد" من أشهر الأغاني التي تعتبررمز للاحتفال بعيد الفطر وعيد الأضحى في العالم العربي، وقدمتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم بصوتها الرائع وأدائها المميز، لتصبح جزءًا من الطقوس الاحتفالية التي تُذاع في المنازل والمساجد والساحات في ليلة العيد. تحميل ومشاهدة أغنية يا ليلة العيد MP3 فيديو وبمناسبة العيد يبحث العديد من الأشخاص عن طريقة لتحميل أغنية "يا ليلة العيد" بصيغة MP3 للاستماع إليها أثناء أجواء العيد السعيدة، سواء عبر الهاتف المحمول أو الكمبيوتر. فأغنية يا ليلة العيد صدرت الأغنية لأول مرة في عام 1939، من كلمات أحمد رامي وألحان رياض السنباطي. حققت الأغنية شهرة واسعة وأصبحت جزءًا أساسيًا من احتفالات العيد في جميع أنحاء العالم العربي، إذ تبث الفرح والبهجة في قلوب المستمعين. وتعكس الأغنية من خلال كلماتها الجميلة وروحها الحماسية أجواء العيد، ومن أبرز أبياتها: "يا ليلة العيد أنستينا.. وجددتِ الأمل فينا، هلالك هلّ علينا.. فرحنا له وغنينا" تحميل ومشاهدة أغنية يا ليلة العيد MP3 فيديو تحميل الأغنية من مواقع الموسيقى الموثوقة: ساوند كلاود (SoundCloud): يحتوي على نسخ قديمة وجديدة من الأغنية. دندنها (Dandana) ونجومي (Nogomi): يمكن تحميل الأغنية من هذين الموقعين بسهولة. استخدام تطبيقات تحميل الموسيقى: YouTube Music: يمكن تحميل الأغنية وحفظها للاستماع دون الاتصال بالإنترنت. Snaptube وVidMate: من خلالهما يمكن تنزيل الأغاني من يوتيوب بصيغة MP3. تحميل الأغنية عبر يوتيوب بصيغة MP3: إذا كنت تفضل تحميل الأغنية من يوتيوب، يمكن استخدام مواقع تحويل الفيديو إلى MP3 مثل: لماذا تعتبر "يا ليلة العيد" أيقونة احتفالات العيد؟ مرتبطة بالتراث الثقافي العربي: تُذاع في كل ليلة عيد على التلفزيون والإذاعات. تحمل أجواء الفرح: تعكس كلماتها وألحانها فرحة قدوم العيد. بصوت أم كلثوم: التي أضفت سحرًا خاصًا على الأغنية بصوتها المؤثر والقوي. اقرأ أيضا تهنئة عيد الأضحى 2025 / 1446.. أجمل صور Eid Mubarak المتحركة والمضيئة للمعايدة عبارات تهاني لعيد الأضحى 2025.. كلمات مؤثرة للأحباب والأصدقاء رسائل عيد الأضحى 2025.. أجمل مسجات وصور متحركة لمشاركتها على واتساب وفيسبوك


اليوم السابع
منذ 9 ساعات
- اليوم السابع
شاهد نجمات الزمن الجميل خلال أداء مناسك الحج
يحرص عدد من نجوم الفن على أداء فريضة الحج، ومع كل عام لهذه المناسبة يتداول رواد مواقع التواصل صورا لعدد من نجمات الزمن الجميل أثناء أداء فريضة الحج ، واستعادة ذكرياتهم ومن النجمات كوكب الشرق أم كلثوم والنجم شادية وسامية جمال ودلال عبد العزيز، وهدى سلطان خلال أداء هذه الفريضة المقدسة. وعن ذكريات الحج ، كان هذا كلام الفنانة الراحلة هدى سلطان من قبل: "تحقق الحلم الذي كنت أتمنى تحقيقه منذ طفولتي، وهو الحج وزيارة بيت الله الحرام، ولا أستطيع أن أصف ما رأيت كان كأنه حلم جميل فعندما لمست الكعبة بيدي وطفت في المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وزرت روضة الرسول أدركت أن الواقع أجمل وأعظم من الخيال". أم كلثوم هدى سلطان يتوزع الحجاج في ساحات الحرم وأروقته، يتلون القرآن الكريم، ويؤدون النوافل، ويتنقلون بين الطواف والسعي، وكأنهم يسابقون الزمن في اغتنام كل لحظة في هذا المكان المقدس، وجوه متعددة من شتى بقاع الأرض، لغات ولهجات مختلفة، لكن ما يجمعهم هو مقصد واحد، وروح واحدة، وقلوب امتلأت بالإيمان والرجاء. تتكرر هذه المشاهد كل عام لكنها لا تفقد سحرها، بل تزداد رهبة وتأثيرًا مع كل موسم، لتظل صور الحرم المكي شاهدًا حيًا على واحدة من أعظم التجمعات الروحية في العالم، حيث تسمو الأرواح وتلتقي القلوب على طاعة واحدة ومقصد واحد.


بوابة ماسبيرو
منذ 10 ساعات
- بوابة ماسبيرو
" الحب كله " لثومة من دار سينما قصر النيل سهرة الجمعة
يستمع محبو إذاعة الأغانى الجمعة ٦ يونيو ، إلى حفل قديم ونادر من روائع كوكب الشرق أم كلثوم ، تشدو فيه بأغنية "الحب كله" ، التي أذيعت من دار سينما قصر النيل بتاريخ ٤ فبراير ١٩٧١. الجدير بالذكر أن أغنية "الحب كله" اقتبس الموسيقار بليغ حمدي مطلعها من لحن سعودي للملحن فوزي محسون، لأغنية "عشقته ولا لي في المقادير حيلة" ، التي غناها الفنان طلال مداح ، وسمعها الموسيقار بليغ حمدي خلال زيارته للسعودية ،وأشاد بها كثيرا، وبعد عودة بليغ حمدي للقاهرة طلبت منه أم كلثوم لحن لأغنية "الحب كله"، فاقتبس مطلعها من روح موسيقى محسون،وغنتها أم كلثوم ونالت الأغنية نجاحا باهرا وفجأة وصلتها تعليقات عن تشابه مطلع اللحنين ، فسألت بليغ حمدي عن القصة الذي أكد لها أنه اقتبسها من روح موسيقى فوزي محسون ، وأنه صديقه وسيعتذر منه إن غضب لذلك. سارعت ثومة بالاعتذار للملحن محسون وقدمت أسفها الشديد تجاه ما حدث ، إلا أنه عبر لها عن سعادته البالغة بلقياها أولا وأن تغني من روح موسيقاه ثانيا ،وأن بليغ حمدي صديقه ولا يرى أي مشكلة فى الأمر. يذاع الحفل في تمام الساعة الحادية عشر مساء.