logo
بقايا بصر ونور في القلب.. هاشم عبيدات يُتم حفظ القرآن...

بقايا بصر ونور في القلب.. هاشم عبيدات يُتم حفظ القرآن...

الوكيل١٣-٠٤-٢٠٢٥

الوكيل الإخباري-
اضافة اعلان
روى والد الطفل هاشم عبدالباسط عبيدات، لموقع "الوكيل الإخباري"، تفاصيل قصة ابنه الملهمة في حفظ القرآن الكريم، والتي بدأت منذ سن الطفولة المبكرة، رغم معاناته من ضعف شديد بالبصر لم يمنعه من إتمام حفظ القرآن وهو بعمر العشر سنوات.وقال والد هاشم إنهم اكتشفوا حبه لحفظ القرآن الكريم منذ أن كان في عمر 4 سنوات، حيث أوصى الأطباء باستخدامه لنظام "بريل" للقراءة، حفاظًا على ما تبقى من بصره.وبعمر خمس سنوات، التحق هاشم بمركز ابن عباس القرآني في إربد، وبدأ رحلته المباركة في حفظ كتاب الله، ضمن برنامج "السراج المنير" المتخصص بتحفيظ القرآن خلال خمس سنوات. وبفضل عزيمته وإصراره، تمكن من إتمام حفظ القرآن الكريم كاملاً قبل انتهاء البرنامج، ليُنجز ذلك وهو في العاشرة من عمره.وأشار إلى أن الأستاذة انتصار، وهي من كوادر المركز، كانت أول من احتضن موهبة هاشم، ولفتت الانتباه إلى موهبته القوية نحو حفظ القرآن، فكانت داعمة له منذ البدايات.وأشرف على تحفيظه الشيخ مروان الخربيطي، وكان هاشم شغوفًا بتلاوات الشيخ ماهر المعيقلي، التي ألهمته وأثرت فيه بشكل كبير خلال مسيرته الحفظية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الذاكرة: مفتاح لسيرة هاشم غرايبة
الذاكرة: مفتاح لسيرة هاشم غرايبة

الدستور

timeمنذ 12 ساعات

  • الدستور

الذاكرة: مفتاح لسيرة هاشم غرايبة

دعاء صفوريما الذي جعل أيام السجن لدى هاشم، حدثاً راسخاً أعاده للحياة عبر تذكره في سيرةٍ معنونة «سنة واحدة تكفي»؟ وقبل الشروع بهذه السيرة، هل حقاً أعاده للحياة؛ أم أنه يقتله كما تقتل مستغانمي أبطالها عبر تصييرهم روايات؟ ربما بتعبير الدكتور قطّوس: لمحاولة الخروج من محدودية الجسد (الطين) إلى بهاء (الرّوح) ورمزها الإبداعي؛ الكتابة.(1) أو سعياً للتخفف من ثقله الوجودي في ذاكرته وحده، ليخطه حبراً وكلمات تتناثر في فضاءات القُرّاء!تكمن أهمية الذاكرة عند الكاتب أن متعلقها شتاء تشرين 1977 (السنة التي سجن بها هاشم)، وفي عام 2011 طبعت تجربته للمرة الأولى بتصنيف الرواية، ليعاد نشرها عام 2019 سيرة ذاتية، وعن الآن ناشرون وموزعون 2023 صدرت الطبعة الثانية من الرواية أيضاً. وخلف التصنيف واختلاف العنوان (في الرواية: القط الذي علمني الطيران، في السيرة الذاتية: سنة واحدة تكفي)؛ تبقى الذاكرة هي المرتكز الأول في عملية النقل والتدوين. وفي ضوء علم النفس «تعزى ذاكرة السيرة الذاتية إلى تذكر الأحداث التي يخبرها الشخص ويعيشها مباشرة، وليست التي يسمعها... فتضمن الذكريات أو الأحداث الشخصية الفريدة والمميزة، الخاصة بالفرد نفسه، والتي عاشها في مرحلة ما من حياته، وأصبحت في تاريخه الشخصي، والمرتبطة بذات الشخص ومخططاته الذاتية»(2) ورغم ما تتعرض له من نسيان أو تحريف؛ يسعى صاحبها من خلاله جعلها مرغوبة، فإن ملكيته لها تبقى محط اهتمام وجذب.عند قراءة السيرة للمرة الأولى؛ تجنبتُ حديثاً مُعلناً عما عايشته، وأخفيت كتابي كالأطفال يحشرون الحلوى في جيبهم المُرقّع، ظناً منهم أن فرحة الحصول عليها تمحو آلاماً ستنخرُ العظام وتتوغل عُمراً. وبعد القراءة الثانية، أدركتُ أن القراءتين أحلاهما مُرُّ! ولاحظتُ أن أول ورودٍ للفعل «تذكرت» ارتبط بصورة طفوليّة محببة، «تذكرت السيرك الذي أقيمت خيمته على الملعب البلدي في إربد قبل عشر سنوات، وألهمني رسوماً زاهية نالت إعجاب معلّمي».(3) جعلتني هذه الصورة أعود إلى ذاكرة إبراهيم عبد المجيد فهي دائما ما تحتفظ له بالأسى والحزن ولا تحتفظ للأسف بالفرح! بينما ما استوقفني أكثر هو حيلة التذكر التي نزعت غرايبة من دهشته الأولى في السجن، وأحالته إلى دهشته الأولى في السيرك. ولم تجري السنين فعلها المعتاد؛ بل اكتفت بكونها شاهد عيان على رغبة الهروب التي اعترته، وإن كان هنا، هروباً مؤقتاً أدى غرضه من المؤانسة، بالاستعانة بأحلام اليقظة وزهرة ياسمين، لتعيده هذه الزهرة إلى السجن مجدداً، أو بتعبير الكاتب نفسه: «أنا الراوي هاشم غرايبة، كنت أقلّب أوراق كُنّاشٍ مُصْفرّة كتبتها في سجن إربد (دار السرايا) قبل أربعين عاماً، فطارت من بينها زهرة ياسمين مثل فراشة بلون التبن لتحطّ على كفّي، وتصل روحي بخيط من زهو الشباب، وزمن الإلهام، ودفء الحلم، وقدسية الكرامة الشخصية. فسطع حبر الكوبياء موقظاً الذكريات الغافية في كفّ الزمن».(4)في وقفة عند الصفحات الأولى من السيرة، نلحظ أن الذاكرة وردت بإثباتٍ فنفي، ثم إثبات يتبعه نفي، بتتابع يشغل القارئ الحصيف، يقول: «تذكرت السيرك الذي أقيمت خيمته على الملعب البلدي في إربد قبل عشر سنوات، وألهمني رسوماً زاهية نالت إعجاب معلمي»(5) صورة ودودة كما أوردنا سابقاً، ولا بد أن نشير إلى أنها كانت على العتبة، أي عندما رأى المساجين على شبك الساحة الداخلية وتم تسجيله موقوفاً على ذمة المخابرات. ثم بأربعة أسطر «لم أعد أذكر كيف توصل عساف إلى صفقة مع متعهد السيرك الذي اشترى الحمار طعاماً للنمور مقابل دخولنا الخيمة»(6) حيث مازلنا في جو السيرك إلا أنه تجاوز عتبة السجن مصافحاً عسّاف: «الحمد لله ع السلامة ابن عمي».(7) وندخل مع هاشم إلى السجن ليستعيد ذاكرة الثلاثة شهور من العناء والفلقة والضرب في زنازين المخابرات، لتغدو ذاكرة قصيرة يحدثنا من خلالها عن آليات الدفاع المتمثلة بثلاثية: أحلام اليقظة والأمير الصغير و»أستحلب رائحة الياسمين من ذاكرتي»(8) لكنه سرعان ما فقد تحصيناته وذاكرته «لم أتذكر شيئا من حكاية الأمير الصغير، ولم أستطع التفكير بالياسمين. فقد داهمني ألمٌ لا يطاق... حاولت استحضار أحلام اليقظة التي برعت فيها فلم أفلح»(9) في مواجهة الخصم ووسائل تعذيبه المبتكرة. وفي ملاحظة وجبت الإشارة إليها، أن مواطن نفي الذاكرة في السيرة لم ترد إلا في هذين الموضعين بأداة الجزم لم، وعند تأمل النفي الأول، يمكن عده تشويشاً أراد به الكاتب التغلب على مخاوف المرحلة المقبلة من السجن، أما النفي الثاني جاء بعد التعذيب، الذي ما لبث أن توقف حتى «تمنّى جولة من الجَلدِ تؤنس وحشته، وتعيد إليه ذاكرة الياسمين»(10) ويمكن عد أمنيته إثبات لنفي؛ إذ أضحى التعذيب مطلباً لإثبات الذاكرة، بعد أن كان سبباً لنفيها!ولاحقاً من خلال السيرة، يأتي النفي في موضعه الثالث والأخير في وصف «منظر باهر حظي به الرفيق، منظر لن يزول من ذاكرته أبداً. كانت الشمس طبقاً أحمر واسعاً يغوص ببطء خلف تله القصيلة الموشاة بالعشب وظلال الغروب. شعاعٌ ناعمٌ مُغبر ينفذ من خضرة شجرة التوت...»(11) وكأنما استخدام «لن» لنفي زوال المشهد مستقبلاً، هو إقرارٌ أن للذاكرة كفٌ تمحو، وللذاكرة كفٌ تخط! كما أن هذا الاستخدام إثبات نفي زوال المشهد بعينه بإزاء كل السيرة القائمة على إثبات الذاكرة في مواجهة النفي؛ أعني النسيان.أما فيما يخص ثبات المنظر الباهر في ذاكرة غرايبة، فلا شك أن لتوقيته ذاك الأثر العظيم، وحاجته إليه، وأن سعيد القط صاحب الفضل في خلوده. ومن اللطيف أن السيرة تخلو من الحديث عن الذاكرة منسوبة إلى آخر (غير الكاتب)، إلا في موطن واحد على لسان القط أيضاً! يقول: «اللذة المزبوطة يا رفيق لما أتذكّر اللي صار. كأنّي هناك كنت مِشْ فاضي. كلّ حالي كانت غرقانة باللذة. أمّا... مِشْ عارف أشرح لك. اللذة المزبوطة بتصير بعدين. لما تعيد الفلم».(12) لعل هذا الموطن ظاهراً لا يحمل في طياته الكثير، لكنه في الواقع يخدم البحث من حيث ربطه مع ذاكرة غرايبة التي -كما أشرنا- اتكأت في أولى خطواتها على السيرك وذاكرة الطفولة المحببة. وعلى الرغم من أن التجربة بذاتها واقعاً تحيل إلى الأسى، إلا أنه آثر إغداقها بالأمل والفرح عبر حكاية الأمير الصغير تارة، والياسمين تارة أخرى، وخشخشة مفاتيح السجن «لتذكر السجين بأنه سجين. ومفتاح فرجي ورقة تذكرني دائماً بأني حر»...(13) وعبر خفة القط المضحكة التي جعلت «ذاكرة الألم قصيرة»(14) فكان القط المعادل الموضوعي للفرح الذي سعى هاشم إلى تتويجه على منصة ذاكرة السجن.وفي ملاحظة أخرى، تغيب الذاكرة في حدثين جوهريين؛ الأول عند حديثه عن العيد وطقوسه: «يسمع خرير ماء. هل قام أبي إلى وضوئه؟ يشمّ رائحة خبز. هل هي أقراص العيد تخبزها أمّي؟ خرير ماء بعيد، وعبق قهوة محمّصة. رائحة خبز طازج، وشذى الياسمين»(15) والثاني عند الحديث عن حادثة الحمام وكناري وكهف الأخيار: «حاولت أن أخرج شجيرة الياسمين إلى الورق فاستعصت عليّ... حاولت رسم الغرفة البيضا. اكتشفت أنّها لا توحي إلّا بمربّع قاتم».(16) ويظهر عبرهما الضعف الذي انتابه، سواء أكان الدافع هو الحنين الذي اعتراه في الحدث الأول، فأخذ يسرد الطقوس بفعلها الحاضر كأنها موجودة دونما وساطة الذكريات. والخجل في الثاني مما أحاله إلى الكبت(17) لاستبعاد الذكريات المؤلمة ونقلها إلى حيز اللاوعي، إلى أن تصالح مع وعيه وأحالها سيرة.ختاماً تقول الدكتورة نادية هناوي: «أن الكتابة الذاكراتية نوعاً من المعركة ضد النسيان»(18) وبذا كان النصر حليف هاشم في كتابة سيرته، وقيض للياسمين أن يزهر بلون الفرح، في ذاكرته وذاكرتنا. وأذكر حين أخبرته أني التفتُ إلى الذاكرة في «سنة واحدة تكفي»، قال لي: جميعهم دخلوا إلى سيرتي من الشباك، أما أنتِ فاهتديتِ إلى المفتاح.المراجع:1- قطّوس، بسام، الخروج من الطّين، التأويل والتأويل المضاعف، وزارة الثقافة الأردنية،2022، ص7.2- عبدالله، د. محمد قاسم، سيكولوجية الذاكرة، قضايا واتجاهات حديثة، فصل الذكريات الشخصية: ذاكرة السيرة الذاتية، عالم المعرفة، العدد 290، 2003، ص91.3- غرايبة، هاشم، سنة واحدة تكفي، سيرة ذاتية، هاشيت أنطوان، 2019، ص5.4- غرايبة، المرجع السابق، ص93.5- غرايبة، المرجع السابق، ص5.6- غرايبة، المرجع السابق، ص6.7- غرايبة، المرجع السابق، ص6.8- غرايبة، المرجع السابق، ص7.9- غرايبة، المرجع السابق، ص7.10- غرايبة، المرجع السابق، ص8.11- غرايبة، المرجع السابق، ص58.12- غرايبة، المرجع السابق، ص51.13- غرايبة، المرجع السابق، ص34.14- غرايبة، المرجع السابق، ص22.15- غرايبة، المرجع السابق، ص95.16- غرايبة، المرجع السابق، ص118.17- الكبت، بوصفه آلية دفاعية تلجأ إليها «الأنا» عندما تعجز أمام المواجهة، لتتحول المشاعر المكبوتة من: توتر، ضيق، الإحباط... إلى اعتلالات نفسية.18- رجب، أحمد، مقال على الشابكة، معجزة الذاكرة الأدبية في قدرتها على المحو، صحيفة العرب، 2018.

القرآن والشعر مقاربات جمالية في الصورة
القرآن والشعر مقاربات جمالية في الصورة

وطنا نيوز

timeمنذ 14 ساعات

  • وطنا نيوز

القرآن والشعر مقاربات جمالية في الصورة

بقلم أ.د. خليل الرفوع الجامعة القاسمية تنزَّل القرآن الكريم على العرب أهل البيان فصاحةً وبلاغةً ولم يألوا جهدا في فهمه على الوجه الذي أنزل فيه، ولم يسألوا عن دلالات مفرداته لأنه جاء على سَنَنهم في التعبير اللغوي حقيقةً ومجازًا، بل كانوا من دهشة شعورهم بجمال بيانه أن اضطربوا في وصفه مترددين بين قوة السبك وجمالية القول وشعرية الدلالة، فتقوَّلوا في ذلك بعض الأقاويل، ومنها الدعوة إلى عملينِ اثنين أثناء استماع أي امرئ منهم أو من غيرهم له للخروج من جاذبية العبارة وغرابتها وسحرها: ألَّا يسمعوا للقرآن وأن يشوشوا على من يريد سماعه 'وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ'(فصلت، 26). فقد تحول الصراع من جدلية الفكر والحِجاج إلى ضجيج الخُصومة وإغلاق منافذ الاستقبال، ولم نسمع أن أحدًا من العرب استصعب كلمة أو آية منه، بل كان بعضهم يقف بجدار دار الأرقم بن أبي الأرقم يسترقُ السمع إليه في غلَس الظلم. ومن المؤكد لغويًّا أن من تُوجَّه إليه الدعوة ليأتي بمثل القرآن أو بشيء منه إنما هم خبراء فن القول من شعراء ونقاد وخطباء، فلم تك دعوة لجمهور العرب عامة من الذين لم تختبرهم فنون اللغة، فالشعر سابق للقرآن وجودًا بشريًّا واستعمالا لسانيًّا، ثم إن أي مقاربة أو مقارنة تكون بين القرآن والشعر الجاهلي الذي كان حاضرًا في الألسنة وأسهم في نضج اللغة معجميًّا وبيانًا. الشعر الجاهلي والقرآن الكريم كانا المؤسسين للسان العربي أسلوبًا وتصويرًا وإيقاعًا؛ بل هما مؤسسا العقل العربي ومنتجه الفكري. إن مصطلحَ الصورةِ حديثُ النشأةِ في الدراسات النقدية، وتكمن قيمتها في أن كلَّ أدواتِ الشعر تعملُ على إبرازها في نسقٍ مشحونٍ بالتخَيُّلِ، فهي وليدةُ تخيل الشاعر، وهي في الوقت ذاتهِ ماثلةٌ أمامَ تصوُّرِ المتلقي، مصادرها: الخيال وتجربة السلوك الإنساني واللغة والبيئة، فالشاعر ليس جامعَ تلفيقات تهدف إلى أن يقول: إن هذا يشبه ذاك فالصورة في رأيي شكلٌ لغوي تصوري يتضمنُ شعورًا أو فكرةً أو موقفًا في آن معًا تعبر عن رؤية متآلفةٍ، فلم يكن الشعر الجاهلي يصف المحسوسات المشاهدة في الصحراء ليعبرَ عن موقف بدوي ساذج، فهو ليس انعكاسًا بسيطًا لعقل رَعوي مغلق قاصر، فحينما يتحدث الشعراء عن صورة الحرب مثلا إنما يصورون رؤيةً متكاملة متعاضدة وتأملًا عميقًا يتآلفان ليشكلا موقفًا رافضًا لها من خلال ما اقتنصوه من صور بشرية وحيوانية وشيئية ومتخيلات مطلقة تتضافر لترِّكبَ وتكون مشهدًا كاملا ينبئُ عن بشاعتها وكراهيتها واقعا مُعَاينًا وتصورًا متخيلا، وتلك هي قيمة الشعر ببعده الإنساني الفني. وأعود إلى قيمة الشعر فنيا، إنه شبكة من العلاقات الجدلية: لغةً وإيقاعًا وتصويرًا وفكرًا متجددًا مستفيدًا مما سبقه ومضيفا إليه، يقول تعالى :' فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم')محمد،4) ففي قوله: حتى تضع الحرب أوزارها صورة فنية لم يتوقف عندها المفسرون، وأي تفسير للقرآن في سياقاته الفنية بعيدا عن الشعر الجاهلي هو تفسير مقطوع عن سياق الحالة الإبداعية العربية التي سبقته، وأقصدُ بها الشعرَ الجاهلي، يقول الشاعر الجاهلي الأعشى: وأعددْتُ للحربِ أوْزَارَها رِمَـاحًا طِوالًا وخَـيلًا ذُكُورا (الديوان، ص99) فأوزارُ الحرب في أبيات الأعشى الرماحُ التي أُتْـقِـنَ صنعُها، وطولُها ينبئ عن أن الذين سيستخدمونها فرسانٌ طِوالٌ، والخيل ذكور وليست إناثا وذلك أقوى، والدروع مصنوعة من عهد داود- عليه السلام- فالأسلحة هي من أجود الصناعات، والكتيبة كثيرة العدد متنوعة الأسلحة، فالأعشى يصور حالةً استعدادية محكمة وتخطيطا متقنا للحرب في سياق القوة والفخر، فكل أدوات الحرب هي أحمال عليها، لكن السؤال هو: لِـمَ أنثَ الحربَ وأنثَ أدواتِها؟ والإجابة هنا تتماهى مع الصورة العامة للحرب في الشعر الجاهلي وهي أنها وصورَها مؤنثة، وفي ضوء ذلك تفهم الآية القرآنية التي جاءت كذلك في سياق القوة وشدة البأس؛ حتى تضعَ الحربُ أوزارَها، فللحرب أحمالٌ كثيرةٌ ثقيلةٌ تدَّرِعُها هي وتلبسُها وتضعُها أنَّى تشاء، لقد نَقلتِ الآيةُ الحربَ من العالم المطلق إلى العالم الإنساني، إنها أنسنةُ المطلق، فهي تخطط وتفكر وتشعر وتعلم وتعرف وتتحرك كما يفكر البشر ويفعلون، إنها لا تشبه المرأة بل هي امرأة كاملة المشاعر، وفي ذلك قوة وتفاؤل بعد تحقيق النصر، ولم تقل الآية: حتى تضعوا أنتم أيها المحاربون عن الحربِ أحمالَها، كل ذلك يعزز فكرة أن القرآن جاء على سَنَنِ العرب في التعبير، ولا يمكن فهمُه فنيًّا إلا بفهم الشعر الجاهلي ضمن السياق التاريخي للدلالات اللغوية بيانًا وانزياحًا وجمالًا. إننا بذلك نخرج الفن الشعري من دوائر القواعد البلاغية المُقَوْلَـبَةِ مثل: التشبيهات والاستعارات إلى فضاءت عريضة من جمالية التعبير؛ ونخرجُ الشعرَ من الطِّلاء الخارجي والأصباغ اللونية للبحث في ما وراء المعنى كما يقول عبد القاهر الجرجاني، وبذلك يُسْتَطَاعُ استكناهُ الوجدانِ وسبرُ المشاعر التي توجِّهُ القولَ ليكونَ فنا إبداعيًّا يعيد تركيبَ الأشياء كما يريدها الشاعر لا كما تأخذها القواعد البلاغية الجامدة إلى سذاجة المعنى وشكلية اللفظ، وفي ذلك يفهم الشعر الجاهلي وإن شئت يتدبرُ القرآن الكريم، فهما المؤسسان للعقل العربي أسلوبا تركيبيًّا وبناء فكريا وإيقاعا مُمَوْسَقًا، والصور كثيرة في الشعر والقرآن، ففي الشعر: دِمْنَة أُمِّ أوفى لم تَكَلَّمِ (وليس لم تتكلم)، ويا دارَ عبلةَ بالجِواءِ تكلمي، وكان الرماحُ يختطفْنَ المحاميا، وفي القرآن: والليلِ إذا عَسْعَسَ، والصبح إذا تنفس، ولما سكتَ عن موسى الغضبُ، فأجاءَها المخاضُ، أضغاث أحلام، واشتعلَ الرأسُ شيبًا، إنها صور بيانية تستنفر الخيال، وتستنفر مكامن التأمل اللغوي وعلم الجمال.

القرآن والشعر مقاربات جمالية في الصورة
القرآن والشعر مقاربات جمالية في الصورة

سواليف احمد الزعبي

timeمنذ 18 ساعات

  • سواليف احمد الزعبي

القرآن والشعر مقاربات جمالية في الصورة

#القرآن و #الشعر مقاربات جمالية في الصورة أ.د. #خليل_الرفوع / الجامعة القاسمية تنزَّل القرآن الكريم على العرب أهل البيان فصاحةً وبلاغةً ولم يألوا جهدا في فهمه على الوجه الذي أنزل فيه، ولم يسألوا عن دلالات مفرداته لأنه جاء على سَنَنهم في التعبير اللغوي حقيقةً ومجازًا، بل كانوا من دهشة شعورهم بجمال بيانه أن اضطربوا في وصفه مترددين بين قوة السبك وجمالية القول وشعرية الدلالة، فتقوَّلوا في ذلك بعض الأقاويل، ومنها الدعوة إلى عملينِ اثنين أثناء استماع أي امرئ منهم أو من غيرهم له للخروج من جاذبية العبارة وغرابتها وسحرها: ألَّا يسمعوا للقرآن وأن يشوشوا على من يريد سماعه 'وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ'(فصلت، 26). فقد تحول الصراع من جدلية الفكر والحِجاج إلى ضجيج الخُصومة وإغلاق منافذ الاستقبال، ولم نسمع أن أحدًا من العرب استصعب كلمة أو آية منه، بل كان بعضهم يقف بجدار دار الأرقم بن أبي الأرقم يسترقُ السمع إليه في غلَس الظلم. ومن المؤكد لغويًّا أن من تُوجَّه إليه الدعوة ليأتي بمثل القرآن أو بشيء منه إنما هم خبراء فن القول من شعراء ونقاد وخطباء، فلم تك دعوة لجمهور العرب عامة من الذين لم تختبرهم فنون اللغة، فالشعر سابق للقرآن وجودًا بشريًّا واستعمالا لسانيًّا، ثم إن أي مقاربة أو مقارنة تكون بين القرآن والشعر الجاهلي الذي كان حاضرًا في الألسنة وأسهم في نضج اللغة معجميًّا وبيانًا. الشعر الجاهلي والقرآن الكريم كانا المؤسسين للسان العربي أسلوبًا وتصويرًا وإيقاعًا؛ بل هما مؤسسا العقل العربي ومنتجه الفكري. إن مصطلحَ الصورةِ حديثُ النشأةِ في الدراسات النقدية، وتكمن قيمتها في أن كلَّ أدواتِ الشعر تعملُ على إبرازها في نسقٍ مشحونٍ بالتخَيُّلِ، فهي وليدةُ تخيل الشاعر، وهي في الوقت ذاتهِ ماثلةٌ أمامَ تصوُّرِ المتلقي، مصادرها: الخيال وتجربة السلوك الإنساني واللغة والبيئة، فالشاعر ليس جامعَ تلفيقات تهدف إلى أن يقول: إن هذا يشبه ذاك فالصورة في رأيي شكلٌ لغوي تصوري يتضمنُ شعورًا أو فكرةً أو موقفًا في آن معًا تعبر عن رؤية متآلفةٍ، فلم يكن الشعر الجاهلي يصف المحسوسات المشاهدة في الصحراء ليعبرَ عن موقف بدوي ساذج، فهو ليس انعكاسًا بسيطًا لعقل رَعوي مغلق قاصر، فحينما يتحدث الشعراء عن صورة الحرب مثلا إنما يصورون رؤيةً متكاملة متعاضدة وتأملًا عميقًا يتآلفان ليشكلا موقفًا رافضًا لها من خلال ما اقتنصوه من صور بشرية وحيوانية وشيئية ومتخيلات مطلقة تتضافر لترِّكبَ وتكون مشهدًا كاملا ينبئُ عن بشاعتها وكراهيتها واقعا مُعَاينًا وتصورًا متخيلا، وتلك هي قيمة الشعر ببعده الإنساني الفني. وأعود إلى قيمة الشعر فنيا، إنه شبكة من العلاقات الجدلية: لغةً وإيقاعًا وتصويرًا وفكرًا متجددًا مستفيدًا مما سبقه ومضيفا إليه، يقول تعالى :'فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم')محمد،4) ففي قوله: حتى تضع الحرب أوزارها صورة فنية لم يتوقف عندها المفسرون، وأي تفسير للقرآن في سياقاته الفنية بعيدا عن الشعر الجاهلي هو تفسير مقطوع عن سياق الحالة الإبداعية العربية التي سبقته، وأقصدُ بها الشعرَ الجاهلي، يقول الشاعر الجاهلي الأعشى: وأعددْتُ للحربِ أوْزَارَها رِمَـاحًا طِوالًا وخَـيلًا ذُكُورا (الديوان، ص99) فأوزارُ الحرب في أبيات الأعشى الرماحُ التي أُتْـقِـنَ صنعُها، وطولُها ينبئ عن أن الذين سيستخدمونها فرسانٌ طِوالٌ، والخيل ذكور وليست إناثا وذلك أقوى، والدروع مصنوعة من عهد داود- عليه السلام- فالأسلحة هي من أجود الصناعات، والكتيبة كثيرة العدد متنوعة الأسلحة، فالأعشى يصور حالةً استعدادية محكمة وتخطيطا متقنا للحرب في سياق القوة والفخر، فكل أدوات الحرب هي أحمال عليها، لكن السؤال هو: لِـمَ أنثَ الحربَ وأنثَ أدواتِها؟ والإجابة هنا تتماهى مع الصورة العامة للحرب في الشعر الجاهلي وهي أنها وصورَها مؤنثة، وفي ضوء ذلك تفهم الآية القرآنية التي جاءت كذلك في سياق القوة وشدة البأس؛ حتى تضعَ الحربُ أوزارَها، فللحرب أحمالٌ كثيرةٌ ثقيلةٌ تدَّرِعُها هي وتلبسُها وتضعُها أنَّى تشاء، لقد نَقلتِ الآيةُ الحربَ من العالم المطلق إلى العالم الإنساني، إنها أنسنةُ المطلق، فهي تخطط وتفكر وتشعر وتعلم وتعرف وتتحرك كما يفكر البشر ويفعلون، إنها لا تشبه المرأة بل هي امرأة كاملة المشاعر، وفي ذلك قوة وتفاؤل بعد تحقيق النصر، ولم تقل الآية: حتى تضعوا أنتم أيها المحاربون عن الحربِ أحمالَها، كل ذلك يعزز فكرة أن القرآن جاء على سَنَنِ العرب في التعبير، ولا يمكن فهمُه فنيًّا إلا بفهم الشعر الجاهلي ضمن السياق التاريخي للدلالات اللغوية بيانًا وانزياحًا وجمالًا. إننا بذلك نخرج الفن الشعري من دوائر القواعد البلاغية المُقَوْلَـبَةِ مثل: التشبيهات والاستعارات إلى فضاءت عريضة من جمالية التعبير؛ ونخرجُ الشعرَ من الطِّلاء الخارجي والأصباغ اللونية للبحث في ما وراء المعنى كما يقول عبد القاهر الجرجاني، وبذلك يُسْتَطَاعُ استكناهُ الوجدانِ وسبرُ المشاعر التي توجِّهُ القولَ ليكونَ فنا إبداعيًّا يعيد تركيبَ الأشياء كما يريدها الشاعر لا كما تأخذها القواعد البلاغية الجامدة إلى سذاجة المعنى وشكلية اللفظ، وفي ذلك يفهم الشعر الجاهلي وإن شئت يتدبرُ القرآن الكريم، فهما المؤسسان للعقل العربي أسلوبا تركيبيًّا وبناء فكريا وإيقاعا مُمَوْسَقًا، والصور كثيرة في الشعر والقرآن، ففي الشعر: دِمْنَة أُمِّ أوفى لم تَكَلَّمِ (وليس لم تتكلم)، ويا دارَ عبلةَ بالجِواءِ تكلمي، وكان الرماحُ يختطفْنَ المحاميا، وفي القرآن: والليلِ إذا عَسْعَسَ، والصبح إذا تنفس، ولما سكتَ عن موسى الغضبُ، فأجاءَها المخاضُ، أضغاث أحلام، واشتعلَ الرأسُ شيبًا، إنها صور بيانية تستنفر الخيال، وتستنفر مكامن التأمل اللغوي وعلم الجمال.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store