logo
مثل مهندس بارع.. كيف تنظم الخلايا الحية عملياتها الداخلية؟

مثل مهندس بارع.. كيف تنظم الخلايا الحية عملياتها الداخلية؟

الجزيرةمنذ 16 ساعات

تخيل الخلية الحية كأنها مدينة نابضة، وفي قلب هذه المدينة، تعمل العضيات المختلفة كالمناطق الصناعية والسكنية، ولكل منها وظيفة محددة، بدءًا من توليد الطاقة، مرورًا بمعالجة البروتينات، وصولا إلى التخلص من الفضلات.
لكن كيف تقرر الخلية الحيّة ما يستحق التوسع فيه أولا؟ وهل تنمو هذه العضيات بالتوازي مع نمو المدينة، أم أن هناك أولويات؟ هذا هو السؤال المركزي الذي سعى للإجابة عليه فريق بحثي بقيادة شانكار موخيرجي، الأستاذ المساعد في قسم الفيزياء في جامعة واشنطن في سانت لويس الأميركية، عبر دراسة حديثة نشرت في دورية "سيل سيستمز" في يونيو/حزيران 2025.
يقول موخيرجي: "السؤال الأساسي في علم الأحياء الخلوية هو، هل تنفق الخلية ميزانيتها على جميع العضيات بالتساوي، أم تعطي الأولوية للبعض لتلبية مطالب النمو؟ نعتقد أن الجواب هو الخيار الثاني، وأن هذه الأنماط الجماعية تمثل الطريقة التي تنسق بها الخلية بين العضيات خلال النمو".
نمو جماعي لا فردي
استخدم الفريق خلايا الخميرة البرعمية نموذجا للدراسة، حيث أُضيفت علامة بروتينية فلورية تشع بلون مميز عند تعرضها للضوء لكل عضية رئيسية في خلية الخميرة مثل الميتوكوندريا، والفجوة العصارية، وجهاز جولجي، وغيرها. هذه البروتينات تُصدر ألوانًا مثل الأزرق والأخضر والأصفر والأحمر، كما في ألوان قوس قزح.
سميت التقنية باسم "خميرة قوس قزح" لأن الخلية تبدو تحت المجهر وكأنها تتوهج بألوان قوس قزح، فيمثل كل منها عضية مختلفة. في التصوير التقليدي، تتداخل الألوان المختلفة، مما يصعب تمييز العضيات عن بعضها. ولحل هذه المشكلة، استخدم الباحثون تقنية التصوير الطيفي الفائق.
يقول موخيرجي: "أعتقد أن الابتكار الحقيقي هنا هو استخدامنا لتقنية التصوير الطيفي الفائق لرؤية منظومة العضيات الـ6 بينما نغيّر من خصائص نمو وحجم الخلية"، ويضيف: "هذا سمح لنا برؤية شاملة لكيفية عمل مستويات التنظيم الخلوي المختلفة معًا لتنظيم الوظيفة الخلوية".
طُورت تقنية التصوير الفائق في الأصل لاستكشاف الأرض من الطائرات والأقمار الصناعية، وتسمح بتمييز الفروق الدقيقة بين أطياف الألوان، وبالتالي تحديد كل عضية بدقة حتى لو كانت تصدر لونًا مشابهًا لعضية أخرى.
صُوّرت آلاف الخلايا، وجُمعت بيانات حجم العضيات وعددها وتوزيعها. ثم استُخدمت أساليب تحليل رياضية متقدمة لفهم كيف تنظم الخلية عضياتها وتعيد توزيعها مع تغير الحجم أو الظروف البيئية.
وبالتحليل، تبيّن أن استجابات العضيات للتغيرات البيئية، كتوفر الجلوكوز، تتبع أنماطًا منسقة تتيح للخلية تعديل نموها دون انهيار وظائفها، ويشرح موخيرجي ذلك قائلا: "عملنا يكشف أن الخلية قد تستعين بمقاربة جماعية لتعديل مجموعات كاملة من العمليات الخلوية بطريقة منظمة، أشبه بتغيير محرك السيارة كله بدلا من تبديل كل جزء على حدة".
لاعب غير متوقع
سمحت تقنية خميرة قوس قزح برؤية 6 عضيات رئيسية في الوقت نفسه داخل الخلية الحية، بدلًا من فحص كل عضية على حدة. ووجد الباحثون أن الخلايا لا تُنفق مواردها بشكل متساوٍ على جميع العضيات خلال النمو، بل توزع هذه الموارد وفق نمط جماعي يسمى "أنماط العضيات".
أحد أكثر الاكتشافات إثارة كان متعلقًا بعضية تُعرف باسم الفجوة العصارية، وهي عضية خلوية محاطة بغشاء، توجد في خلايا النبات والفطريات والخميرة وبعض الكائنات الأخرى، وهي مساحة مملوءة بسائل. تشمل وظائفها الأساسية تخزين الماء والمواد الغذائية، وتنظيم ضغط الامتلاء ودعم الخلية، والنقل النشط، وتخزين النفايات. بينما تحتوي الخلايا النباتية عادة على فجوة عصارية كبيرة واحدة، قد تحتوي الخلايا الحيوانية على عدة فجوات أصغر.
يقول موخيرجي: "أنا سعيد بالتكهن حول دور الفجوة، لطالما اعتبرت مكب نفايات للخلية، لكننا نعتقد أن لها دورًا أكثر تعقيدًا. حجم الفجوة يبدو مؤثرًا بشدة على توزيع المساحة في الخلية، وبالتالي على قدرة الخلية على النمو".
بينت الدراسة أن حجم الفجوة لا يرتبط بمعدل النمو بنفس الطريقة التي يرتبط بها حجم النواة أو السيتوبلازم، وهو ما أطلق عليه الباحثون مصطلح كسر التماثل. الفجوة، حسب تصورهم، تعمل كمنظم مرن للنمو، أي تكبر لمعادلة التغيرات العشوائية في الحجم، وتصغر إذا تغيرت الظروف واحتاجت الخلية لتغيير نمط النمو.
يشرح موخيرجي: "تخيل خلية تعيش في بيئة مستقرة. إذا كبرت فجأة بفعل عوامل عشوائية، سينمو السيتوبلازم وقد يزداد معدل النمو رغم عدم وجود مغذيات كافية. في هذا السيناريو، تنمو الفجوة للحد من نمو السيتوبلازم، وتحافظ على معدل النمو ثابتًا. لكن إذا طرأ تغيير بيئي حقيقي، كزيادة مفاجئة في الجلوكوز، فإن الفجوة تسمح بتوسعة السيتوبلازم لدعم النمو المطلوب. إنها عضية تنظيمية فعالة ومرنة في الوقت نفسه".
فهم أعمق للخلايا البشرية
نموذج الخلية المعتمد في الدراسة هو الخميرة لأنها بسيطة نسبيًا، ورغم بساطتها، فهي تحتوي على عضيات مشابهة لتلك الموجودة في الخلايا البشرية، ولها أدوات جينية متطورة تسمح بالتعديل الدقيق.
ويقول موخيرجي: "أعتقد أن هذه هي النقطة التي قد يكون فيها مفهوم أنماط العضيات ذا أهمية قصوى، فخلايا الكائنات متعددة الخلايا تواجه معضلة، فهي تحتاج إلى وظائف خلوية عامة مثل إنتاج الطاقة، وفي الوقت نفسه لديها وظائف نوعية ضمن جسم الكائن الحي. وعملنا يشير إلى وجود إستراتيجية عامة تسمح للخلية بالتوفيق بين هذين الدورين".
لكن تصوير 6 عضيات في الوقت نفسه لم يكن أمرًا سهلًا، فالألوان الفلورية المستخدمة عادةً في تصوير الخلايا تتداخل بصريًا، مما يجعل تمييز العضيات صعبًا.
يشرح موخيرجي: "أكبر التحديات التقنية التي واجهناها كان ضعف الإشارة مقارنة بالضوضاء. خميرة قوس قزح مليئة بالألوان، لكنها ليست شديدة السطوع." ويستطرد: "اضطررنا لتقليل الدقة المكانية للصور حتى نجمع ضوءًا كافيًا من كل خلية. صحيح أن تقنيات مثل التصوير الإلكتروني تتفوق علينا في الدقة، لكن ما يميز طريقتنا هو القدرة على تصوير عشرات الآلاف من الخلايا الحية وتحليلها، مما يسمح لنا بمتابعة الخلايا الفردية عبر الزمن".
لم يكن الهدف من الدراسة فهم خلايا الخميرة فقط، بل التمهيد لفهم خلايا الإنسان، وخاصة في الحالات المرضية. يختتم موخيرجي: "من الممكن أن نجد أن العلاقة الطبيعية بين حجم العضيات والنمو في الخلايا تصبح غير طبيعية في الأمراض التي تتضمن اضطرابات في التمثيل الغذائي، مثل السرطان والسكري والأمراض المناعية. وإذا كانت هذه الأنماط علامات للمرض، أو إذا كانت تشارك فعليًا في حدوثها، فهو سؤال متحمسون للعمل عليه".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"أمورفوس" نظام آلي لقيادة جيوش المسيّرات في حروب المستقبل
"أمورفوس" نظام آلي لقيادة جيوش المسيّرات في حروب المستقبل

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

"أمورفوس" نظام آلي لقيادة جيوش المسيّرات في حروب المستقبل

ألقى موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي الضوء على مشروع "أمورفوس" الأميركي الذي يهدف إلى التحكم في "جيوش من المسيرات" ذاتية التنظيم، ويفتح الباب أمام نمط جديد من الحروب. وقال الكاتب دافيدي بارتوتشيني في التقرير إن حروب المستقبل ستدور على 5 ميادين، وهي الجو والأرض والبحر والفضاء والفضاء السيبراني، وسوف تُدار بالإشارات الفورية التي توجّه الأسلحة الذاتية التشغيل، سواء كانت مسيرات تعمل بالذكاء الاصطناعي، أو يتم التحكم بها عن بُعد عبر فرق من المشغّلين ذوي الكفاءة العالية. وتشكّل هذه الرؤية أساس خطط معقدة تهدف إلى إطلاق المعارك ليس عبر نظام واحد كما هو الحال مع المسيرات الحالية، أو عبر تشكيلات جوية مستقبلية تضم مساعدين للطائرات المقاتلة من الجيل السادس، بل عبر جيوش كاملة من الطائرات المسيّرة التي تعمل بتنسيق كامل فيما بينها. تقدم كبير وأوضح الكاتب أن الولايات المتحدة التي تخلّفت في سباقات تسلّح أخرى -مثل الأسلحة الفائقة السرعة- أحرزت تقدما كبيرا في أنظمة التحكم بأسراب المسيّرات. يعتقد البنتاغون أن التكنولوجيات الجديدة التي ستدير "أسراب الطائرات المسيّرة ذات النطاق الترددي المنخفض والاستقلالية العالية" قد تصبح قريبا واقعا فعليا. وهذا من شأنه أن يتيح للجيش الأميركي تنفيذ عمليات بواسطة فرق صغيرة قادرة على إدارة مئات أو آلاف المسيرات بشكل متزامن وبأقصى قدر من الكفاءة. وتشمل هذه العمليات المسيرات التقليدية من الجيل الأول التي غيّرت قواعد العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، أو الزوارق المسيّرة عن بُعد، مثل تلك التي استخدمتها وحدات الكوماندوز الأوكرانية على نطاق واسع في البحر الأسود، أو الدبابات الروبوتية الصغيرة التي نشرها الكرملين على الجبهة الأوكرانية. جيوش من المسيّرات وذكر الكاتب أن البرنامج الجديد لتوجيه أسراب الطائرات المسيّرة، الذي أطلقته شركة "إل ثري هاريس" الأميركية بداية العام الجاري، وسلسلة العمليات التي تم تنفيذها ميدانيا عبر أنظمة تسليح جديدة تُدار عن بُعد في الجو والبر والبحر، تفتح نافذة على حروب المستقبل. إعلان وأضاف أن الحروب المقبلة قد تتواجه فيها جيوش حقيقية من المسيرات في ساحات قتال تمتد من حدود أوروبا إلى القطب الشمالي، ومن الصحراء إلى أعماق المحيطات، وهو ما من شأنه تقليل الخسائر البشرية، لكن دون أن يمحو التأثيرات والأضرار. وأفاد مسؤولو شركة "إل ثري هاريس" أنه في المستقبل غير البعيد، قد يتمكّن فريق من القوات الخاصة، أو حتى مشغّل واحد، من التحكم بعشرات الطائرات المسيّرة من أنواع مختلفة -برّية وبحرية وجوية- لتنفيذ عمليات حربية معقدة أو بسيطة. وأكدت الشركة أنها أجرت بالفعل اختبارات مموّلة من الحكومة الأميركية. ويقول الكاتب إن هذا التطور المثير يأتي في وقت يواجه فيه البنتاغون صعوبة في إدارة أسراب المسيرات خلال الصراعات الحالية التي تتسم بهجمات كهرومغناطيسية تستهدف التشويش على الاتصالات. وينقل الكاتب عن موقع "ديفينس وان" أن شركة "إل ثري هاريس" تسلك نهجا يهدف إلى تقليل تبادل البيانات بين المشغّل والسرب إلى الحد الأدنى، مما يزيد العبء على قدرات الذكاء الاصطناعي الموجودة على متن الطائرة المسيّرة نفسها. ويؤكد مسؤولو الشركة أن نظام "أمورفوس" الذي يعملون على تطويره يقوم على مبدأ أن "الطائرات المسيّرة عالية الاستقلالية" يجب أن تفهم عملها بشكل جماعي، وأن تتعاون فيما بينها بأقل قدر ممكن من التدخل البشري. وحسب المطوّرين، يجب على المسيرات أن تفهم كيفية تنفيذ مختلف جوانب المهمة باستخدام تعليمات محدودة واتصالات ضئيلة، دون أن يحتاج المشغّل إلى إصدار أوامر مفصّلة، ويمكن له في المقابل مراقبة حالة السرب وتتبع تحركاته وتعديل المهام الموكلة إلى كل وحدة بشكل فوري. تحوّل جوهري يقول المطوّرون إن النهج الذي يتّبعه نظام "أمورفوس" يُمثّل تغييرا جوهريا بالمقارنة مع مستوى "التحكّم" الذي كان يميّز عمليات المسيرات خلال المهمات الأميركية في الشرق الأوسط، حيث كان المحلّلون والمشغّلون يجلسون ساعات طويلة يراقبون مئات الساعات من البث الحي القادم من الطائرات المسيّرة. ويختم الكاتب بأن العنصر الأهم في منظومة التحكم المستقبلية هو "القدرة على إيقاف العمليات الآلية التي لا تتوافق مع خطط القادة"، ما يعني أن القرار النهائي يعود للإنسان وليس للآلات، وهي مسألة تشغل كل من يراقب في مخاطر الذكاء الاصطناعي وقراراته الذاتية.

باستخدام بكتيريا نافعة.. علماء يبتكرون بطاريات "قابلة للذوبان"
باستخدام بكتيريا نافعة.. علماء يبتكرون بطاريات "قابلة للذوبان"

الجزيرة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجزيرة

باستخدام بكتيريا نافعة.. علماء يبتكرون بطاريات "قابلة للذوبان"

نجح باحثون من جامعة ولاية نيويورك في بينغهامتون الأميركية في تصميم بطارية مؤقتة قابلة للتحلل بالكامل وتعمل بـ "البروبيوتيك"، أي البكتيريا النافعة التي نستهلكها في الأغذية والمكملات الصحية. ويهدف هذا الابتكار إلى تمكين جيل جديد من الأجهزة الإلكترونية، القابلة للاستخدام لمرة واحدة دون ترك أثر ضار على الجسم أو البيئة. هذا الابتكار العلمي جاء في إطار الجهود المتواصلة لتطوير ما يعرف بالإلكترونيات "المتحللة" أو "المؤقتة"، وهي أجهزة صُممت لتؤدي وظيفة محددة لفترة قصيرة، ثم تذوب تلقائيًا بطريقة آمنة بعد انتهاء مهمتها. وقد نُشرت الدراسة في دورية "سمول" المتخصصة في علوم وتقنيات النانو. يقول سيخوين تشوي، مدير مختبر الإلكترونيات الحيوية والأنظمة الدقيقة بجامعة ولاية نيويورك في بينغهامتون، والمشارك في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "كان دافعنا الأساسي هو تطوير مصدر طاقة آمن وصديق للبيئة للأجهزة الإلكترونية المؤقتة". التخلص من السمّية عبر تاريخ تقنيات البطاريات الحيوية، ظل استخدام البكتيريا كمصدر للطاقة مرهونًا بخطرين رئيسيين؛ السُمية والمخاطر البيئية. غالبًا ما تعتمد البطاريات الميكروبية على بكتيريا مُعدلة وراثيًا أو سلالات مسببة للأمراض، مما يثير تساؤلات حول السلامة، خاصة عند استخدامها داخل الجسم البشري أو في الطبيعة. لكن الدراسة الجديدة تتبنى توجهًا مختلفًا. يقول تشوي: "اتجهنا نحو البروبيوتيك، وهي بكتيريا مألوفة في النظام الغذائي البشري والميكروبيوم، مما أتاح لنا ابتكار بطارية غير سامة، ومتوافقة حيويًا، وقابلة للذوبان بالكامل". يمثل هذا النهج طفرة حقيقية، إذ يعالج بشكل مباشر القيود التنظيمية والصحية التي منعت استخدام البطاريات البيولوجية في التطبيقات الطبية والبيئية. المثير في الأمر أن البطارية لا تعتمد على نوع واحد من البروبيوتيك، بل على مزيج مأخوذ من مكملات غذائية معروفة. يوضح تشوي: "تم اختيار خليط من 15 سلالة من مكملات بروبيوتيك تجارية ليعكس تنوعًا وراثيًا واسعًا. نعتقد أن التفاعلات الأيضية المتبادلة بين هذه السلالات المتنوعة تعزز النشاط التأكسدي والاختزالي. رغم أن البكتيريا موجبة الجرام عادة ما تملك قدرات ضعيفة لنقل الإلكترونات خارج الخلية، فإن تآزرها في بيئتنا المصممة هندسيًا يبدو كافيًا لتوليد تيار كهربائي مفيد". تشير البيانات التجريبية إلى نجاح التعاون المعقد لمكونات هذا الخليط في توليد الكهرباء، إما عن طريق التخمير أو إفراز جزيئات ناقلة للإلكترونات. تقنية ذكية للاستجابة الحمضية تتغذى البكتيريا النافعة على مواد موضوعة داخل البطارية، وخلال عملية الهضم (أو التخمير)، تطلق البكتيريا إلكترونات وهي الجزيئات نفسها التي تنقل الكهرباء في الأسلاك. تمر الإلكترونات التي تطلقها البكتيريا عبر سلك صغير أو مادة موصلة، لتوليد تيار كهربائي يمكن استخدامه لتشغيل جهاز بسيط مثل مستشعر صغير داخل الجسم. في هذا السياق، فإن البطارية محمية بغشاء خاص لا يذوب إلا في بيئة ذات حامضية محددة، وعندما تدخل البطارية هذه البيئة، يبدأ الغشاء بالذوبان، مما يفتح الطريق أمام الماء والبكتيريا لتبدأ في إنتاج الطاقة. بعد أن تنفذ الطاقة أو تنتهي المهمة، تذوب البطارية بالكامل، ولا تترك خلفها أي مواد سامة أو بقايا، لأن كل مكوناتها تقريبًا قابلة للتحلل. يشرح تشوي: "الإنجاز الأهم في بحثنا هو دمج الطاقة الحيوية المستندة إلى البروبيوتيك مع تصميم قابل للذوبان بالكامل. بطاريتنا هي الأولى التي تستخدم فقط مواد غذائية آمنة وبكتيريا غير ضارة في هيئة مدمجة وقابلة للذوبان بالكامل. الغشاء الحساس للحموضة يضيف طبقة من التحكم الذكي، مما يتيح تشغيل الجهاز فقط في بيئة حمضية مثل المعدة." هذه التقنية تفتح الباب أمام استخدام البطارية في أجهزة طبية قابلة للبلع، مثل أجهزة قياس درجة الحموضة أو توصيل الأدوية الذكية، التي تعمل فقط بعد دخولها المعدة دون الحاجة لاستخراجها مرة أخرى. يعلق تشوي: "بينما يستجيب غشاؤنا الحساس جيدًا لمستويات الحموضة في المعدة (1.5 إلى 3.5)، فإن التفاوت بين الأفراد قد يؤثر على الأداء. لذلك، نعمل على تطوير أغشية متعددة الطبقات أو مزج البوليمرات لتوفير تحلل متدرج وأكثر دقة. وفي التطبيقات البيئية، مثل مراقبة المياه الملوثة، قد نضيف محفزات مزدوجة مثل درجات الحموضة والحرارة لزيادة الانتقائية والموثوقية". تحديات تواجه البطارية القابلة للذوبان بحسب الباحثين، فالبطارية الجديدة ما زالت في مرحلة "إثبات المفهوم"، أي أن البطارية الحالية لا تزال تحتاج إلى تطوير قبل دخولها السوق. نحن أمام نموذج أولي من وحدة واحدة، في حين تحتاج التطبيقات الواقعية إلى بطاريات متعددة موصولة على التوالي أو التوازي لرفع الجهد والتيار. يوضح تشوي: "نرى تطبيقات واعدة في التغليف الذكي للأغذية، حيث يمكن استخدام البطارية لتشغيل مؤشرات نضارة تتحلل مع العبوة. وكذلك في الأجهزة المستخدمة ميدانيًا في الجيش أو أثناء الكوارث، إذ قد يحتاج الجنود أو عمال الإغاثة إلى أجهزة تشخيصية قابلة للبلع ولا تحتاج إلى استرجاع". رغم هذه الإمكانيات الواعدة، فإن الفريق يقر بأن هناك تحديات أمام تعميم هذه التقنية، على رأسها زيادة كثافة الطاقة، وتمديد وقت التشغيل، وخفض تكاليف التصنيع، والحصول على الموافقات التنظيمية. ورغم اعتماد الباحثين على مواد آمنة بيئيًا، فإن مشروعهم لم يخل من بعض نقاط الضعف، مثل استخدام شمع البرافين في تصنيع البطارية، والذي لا يعد قابلاً للهضم. ويعلق تشوي: "صحيح أننا استخدمنا شمع البرافين لما يتمتع به من سهولة التشكيل والاستقرار البنيوي، لكنه ليس قابلًا للهضم بشكل كامل. لذا، نبحث حاليًا عن بدائل مثل الكبسولات المصنوعة من الجيلاتين، أو الأغلفة متعددة السكريات، أو حتى أفلام الكيتوسان، التي توفر حماية ميكانيكية مماثلة وتذوب بأمان في البيئات المائية أو الحمضية". تتجسد أهمية هذا الابتكار في قدرته على الجمع بين السلامة البيئية، والفعالية الحيوية، والتحكم الذكي. بطارية تُصنع من مواد غذائية، تعمل بالبكتيريا النافعة، وتتحلل تلقائيًا بعد أداء وظيفتها، وكأنها لم تكن. وربما بعد سنوات قليلة، عندما تبتلع جهازًا صغيرًا لقياس السكر أو تحليل مستوى الالتهاب في معدتك، لن تفكر كثيرًا فيما يحدث له بعد ذلك. فبفضل البكتيريا النافعة، سينهي مهمته، ويذوب في صمت.

بيانات لناسا: الظواهر الجوية المتطرفة تزداد وتشتد
بيانات لناسا: الظواهر الجوية المتطرفة تزداد وتشتد

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • الجزيرة

بيانات لناسا: الظواهر الجوية المتطرفة تزداد وتشتد

كشفت بيانات جديدة من وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) عن ارتفاع كبير في شدة الظواهر الجوية المتطرفة على الكوكب، مثل الجفاف والفيضانات وتواترها على مدى السنوات الخمس الماضية. وتظهر البيانات أن مثل هذه الأحداث المتطرفة أصبحت أكثر تواترا وأطول أمدا وأكثر شدة، حيث وصلت أرقام العام الماضي 2024 إلى ضعف متوسط الفترة بين 2003 و2020. ويقول الباحثون إنهم مندهشون وقلقون من أحدث الأرقام الصادرة عن قمر "غريس" التابع لناسا، والذي يرصد التغيرات البيئية في الكوكب. ويشيرون إلى أن تغير المناخ هو السبب الأرجح لهذا الاتجاه الظاهر على الرغم من أن شدة الظواهر المتطرفة يبدو أنها ارتفعت بشكل أسرع من درجات الحرارة العالمية. وقال خبير من مكتب الأرصاد الجوية في الوكالة إن ازدياد الظواهر الجوية المتطرفة كان متوقعا منذ فترة طويلة، ولكنه أصبح واقعا ملموسا الآن. وحذر من أن الناس غير مستعدين لمثل هذه الظواهر الجوية التي ستكون خارج نطاق التجارب السابقة. وقال الدكتور بايلينغ لي من مختبر العلوم الهيدرولوجية في مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا "من الصعب تحديد ما يحصل هنا بدقة، لكن أحداثا أخرى تشير إلى أن الاحتباس الحراري هو العامل المسبب، نشهد المزيد والمزيد من الأحداث المتطرفة حول العالم، وهذا أمر مثير للقلق بالتأكيد". وبناء على بيانات سابقة استخدم الباحثون صيغة رياضية لحساب التأثير الكلي لظاهرة مناخية من حيث شدتها مقيسة بإجمالي المساحة المتضررة، ومدة الظاهرة، ومدى جفافها أو رطوبتها، وحذرت الدراسة من أن اضطراب النظام المائي سيكون من أهم عواقب أزمة المناخ. وأشارت الدراسة إلى أن شدة الظواهر الجوية المتطرفة ترتبط ارتباطا وثيقا بمتوسط درجات الحرارة العالمية أكثر من ارتباطها بظاهرة النينيو أو التيار المحيطي المؤثر، أو غير ذلك من مؤشرات المناخ. ويشير ذلك -حسب الدراسة- إلى أن استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب سوف يتسبب في حدوث حالات جفاف وفيضانات أكثر تكرارا وأكثر شدة وأطول وأكبر حجما. وقال البروفيسور ريتشارد بيتس رئيس قسم تأثيرات تغير المناخ في مكتب الأرصاد الجوية وجامعة إكستر تعليقا على تقرير ناسا "هذا تذكير صارخ بأن ارتفاع درجة حرارة الكوكب يعني فيضانات وجفافا أشد، لطالما تنبأنا بهذا، ولكنه أصبح واقعا ملموسا الآن". ويشير بيتس إلى أن العالم غير مستعد للتغيرات في هطول الأمطار الغزيرة والجفاف التي تحدث حاليا، في جميع أنحاء العالم بنى الناس أساليب معيشتهم على الطقس الذي اعتادوا عليه هم وأسلافهم، مما يجعلهم عرضة لظواهر جوية متطرفة أكثر تواترا وقسوة، وهي ظواهر تتجاوز التجارب السابقة. وإلى جانب تكثيف الجهود بشكل عاجل لخفض الانبعاثات لوقف الاحتباس الحراري علينا مواكبة التغيرات التي تحدث بالفعل، لنتمكن من التكيف معها بشكل أفضل. وكان تقرير صدر مؤخرا عن منظمة "ووتر إيد" الخيرية قد أكد أن التقلبات الشديدة بين الفيضانات والجفاف تدمر حياة الملايين من البشر، حيث تشهد العديد من المدن الكبرى أحداثا متقلبة من الجفاف إلى الفيضانات أو من الحرارة إلى البرودة أو العكس. من جهتها، حذرت الجمعية الملكية للأرصاد الجوية في المملكة المتحدة من أن مثل هذه التحولات المفاجئة من طرف إلى آخر تسبب ضررا أكبر من الأحداث الفردية وحدها، حيث تؤثر على الزراعة والبنية الأساسية والتنوع البيولوجي والصحة البشرية. وأشار تقرير الجمعية إلى أن "ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى تعطيل العوامل الرئيسية مثل التيار النفاث والدوامة القطبية، مما يؤدي إلى تغيير أنماط الطقس لدينا". وقال آشر مينز من مركز تيندال لأبحاث تغير المناخ في جامعة إيست أنجليا بالمملكة المتحدة إن دراساتهم غير المنشورة التي أجريت أظهرت أيضا تكثيفا أكبر لكل من الجفاف والفيضانات، بالإضافة إلى التحولات المفاجئة بين الظروف الرطبة والجافة الشديدة. وفي الوقت نفسه، يشير أحدث تقرير صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى احتمال بنسبة 80% أن يتفوق عام واحد على الأقل من الأعوام الخمسة المقبلة على عام 2024 باعتباره العام الأكثر دفئا على الإطلاق. ويشدد التقرير على أن درجات الحرارة العالمية من المقرر أن تستمر في الارتفاع على مدى السنوات الخمس المقبلة، مما يزيد مخاطر المناخ وتأثيراته على المجتمعات والاقتصادات والتنمية المستدامة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store