حين يخذلك هرم ماسلو، تصعد بروحك لا بحاجاتك
بقلم - نيڨين العياصرة
لم أكتب منذ زمن طويل،
ولكن جملة قالتها صديقة لي فجرت في داخلي سلسلة من الأسئلة التي لم تهدأ منذ تلك اللحظة، كنا نتحدث عن مشروع قد لا يكتمل، عن فكرة تحاول بها أن تخدم مجتمعا تثقله الأعباء وتقيده الإعاقات، هنا بدأت:"وما الغاية من أن نكتب أو نبني شيئا في هذا الوطن الذي يبدو وكأن كل أسباب النجاح فيه منهكة أو غائبة؟".
وجدتها تجيب بعفوية: "الغاية هي أن نصل إلى قمة هرم ماسلو!".
لكن ما إن نطقت بالجملة حتى ارتد صداها داخلي كطرق على باب لم أفتحه من قبل،
هل التقدير والإنجاز وتحقيق الذات مشروط بأن نكمل قاعدة هذا الهرم؟
هل لا يمكن أن نحلق نحو القمة إلا إذا ضمنا الطعام، والأمان والحب والانتماء؟
بل كيف يحدث أن نجد أنفسنا مندفعين إلى الإبداع ونحن في لحظة ربما نفتقد فيها أدنى درجات الأمان؟
حينها بدأت أفتش في سيرة ماسلو نفسه، الرجل الذي أعطانا هذا التصور الأنيق عن تسلسل الحاجات، وجدت أنه نشأ في بيئة فقيرة مضطربة عاطفيا، عانى غياب الحب والأمان الذي يضعه في قاعدة هرمه، ومع ذلك صعد وكتب و أنتج وأحدث أثرا.
هنا انفتح في ذهني باب آخر،
أليس هذا في ذاته نقضا ضمنيا للنموذج الذي ابتكره؟،
كيف يمكن لإنسان أن يخلق ويبدع ويسعى إلى قمة تحقيق الذات فيما لا يزال قلبه مكسورًا من حب مفقود، وجيبه خاو من المال، وسريره باردا من الأمان؟
وبدأت تتكشف لي حقيقة أبسط وأعمق، النفس البشرية ليست آلة تتدرج وفق جدول مرسوم، ليست قطعة هندسية تجمع وفق معادلة هرمية،
الحياة لايمكن أن تعطيك رفاهية هذا الترتيب.
كثيرون يبدأون من القمة قبل القاعدة، وكثيرون حين تخذلهم القاعدة يصعدون لا لأنهم في مأمن بل لأنهم لا يملكون خيارا آخر سوى أن يصنعوا لأنفسهم معنى يبرر استمرارهم.
حين نتأمل قصص الذين غيروا العالم نجدهم غالبا صعدوا من قعر الحاجة،
ديكنز كتب عن فقر العائلات لأنه عاشه صغيرًا في بؤس المصانع، وفان جوخ رسم لوحات خالدة في لحظات قسوة وحرمان وعزلة، ومانديلا خرج من سجون القمع ليحمل شعلة الحرية، و
غاندي وسط محن الفقر والاستعمار صاغ فلسفة المقاومة السلمية التي هزت أقوى الإمبراطوريات، و
لينكون ابن الكوخ الخشبي صار ضمير أمة.
ولابد ان اتوقف عند الأسير الاديب الفلسطيني كميل ابو حنيش الذي شاركني رواية حب في زمن كورونا، ورأى الكورونا في العالم من خلف قضبان المؤبد، كيف ابدع وحرر الحروف من جسد مقيد وعقل لا يمكن تقييده.
ما الرابط بين كل هؤلاء؟
ليس أنهم انتظروا أن تكتمل حاجاتهم الأساسية بل لأنهم حين عجزوا عن سد تلك الحاجات اخترقوا عتمتها بنور المعنى، ولأن الإبداع في جوهره ليس ترفا لمن اكتملت لديه القاعدة، بل صرخة من أعماق من فقد لديه كل شيء عدا الإصرار على أن يكون.
لهذا حين أعيد التفكير في هرم ماسلو أراه تصويرا محتملا لا قدرا مكتوبا،
نعم حين نملك الطعام والحب والأمان نصعد بهدوء، ولكن حين تخذلنا هذه الحاجات، نصعد بقوة أشد!، لأن
الصعود حينها ليس رغبة، بل ضرورة وجودية.
حين نفتقد الحب، نخلق أثرا يُحبه العالم، وحين يغيب الأمان، نبتكر معاني تمنحنا سندا داخليا، وحين لا نجد مكانا ننتمي إليه، نصنع عالما ننتمي إليه عبر العمل والفن والكتابة والتغيير.
ولهذا أقول: لا تنتظر أن تكتمل ظروفك كي تحلم و
لا تصغ لمن يقول إن الإبداع رفاهية تأتي بعد الإمتلاء،
فالحياة لا ترتب كهرم، بل تتكسر ثم يعاد بناؤها بأيدينا.
لذلك حين تخذل القاعدة لا تهبط، اصعد وحين يقال لك ليس الآن اجعل اللحظة وقودك، وحين يقال لك لا يمكن اصنع الممكن بيديك.
لله درك يا صديقتي، فلقد حملت حروفك معنى عميقًا داخلي، فالإنسان حين يريد يمكنه ان يصعد لأعلى مراتب تحقيق الذات، بل أن يحمل شعبًا بأكمله إلى القمه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

الغد
منذ ساعة واحدة
- الغد
ربحي محمد كامل الجنيدي
بسم اللّهِ الرحمن الرَّحيم يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي انتقل الى رحمة الله تعالى فقيد ال الجنيدي ربحي محمد كامل الجنيدي ( أبو رامي ) وسيتم تشييع جثمانه اليوم الاثنين الموافق 9-6-2025 بعد صلاة الظهر من مسجد الكالوتي في الرابية الى مقبرة سحاب وتقبل التعازي في بيت المرحوم الكائن في الرابية عماره ٣٨ شارع محمد عبدالله الصادق من الساعة الخامسة وحتى العاشرة مساء إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون قد يكون تحديد الموقع لاقرب نقطة وصول فقط ، وذلك بحسب معطيات خرائط جوجل ولا علاقة للتطبيق بهذا الامر اضافة اعلان


الوكيل
منذ 2 ساعات
- الوكيل
الخيرية الأردنية الهاشمية تواصل توزيع الوجبات الساخنة في...
الوكيل الإخباري- واصلت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، وضمن جهودها المستمرة للتخفيف عن الأهل في قطاع غزة، توزيع الوجبات الساخنة على عدد من الأسر المتضررة في ثالث أيام عيد الأضحى المبارك. اضافة اعلان وأفادت الهيئة في بيان لها اليوم الأحد، أرفقته بفيديو، أن فرقها قامت بتوزيع الوجبات في مناطق متفرقة من القطاع. وجاء في البيان: "من أحياء خانيونس التي ما زالت تنبض بالحياة رغم كل الألم، استقبلنا العيد ببصيص أمل بأن الغد سيكون أفضل".


خبرني
منذ 2 ساعات
- خبرني
الخيرية الهاشمية توزع الوجبات الساخنة بغزة في ثالث أيام العيد
خبرني - واصلت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، وضمن جهودها المستمرة للتخفيف عن الأهل في قطاع غزة، توزيع الوجبات الساخنة على عدد من الأسر المتضررة في ثالث أيام عيد الأضحى المبارك. وأفادت الهيئة في بيان لها الأحد، بأنّ فرقها وزعت الوجبات في مناطق متفرقة من القطاع. وجاء في البيان: "من أحياء خانيونس التي ما زالت تنبض بالحياة رغم كل الألم، استقبلنا العيد ببصيص أمل بأن الغد سيكون أفضل". ويأتي هذا التوزيع في إطار الدور الإنساني الذي تضطلع به الهيئة للتخفيف من معاناة أهلنا في قطاع غزة.