
الذكاء الاصطناعي يهدد الإنسان في مسرحية "ضيق تنفس"
ماذا لو سيطر الذكاء الاصطناعي على البشر جراء التطور المذهل والمتسارع، الذي يشهده الآن؟
كثر تنتابهم المخاوف تجاه الطفرات التي يشهدها الذكاء الاصطناعي كل يوم، أقلها استخدامه في إنشاء محتوى مزيف يصل حد تشويه التاريخ وقلب الحقائق، أو استبداله بالبشر في كثير من الوظائف، وهو ما يحدث الآن وإن بصورة نسبية، أو استخدامه في إنتاج أسلحة بيولوجية تهدد بفناء ملايين البشر، أما أخطرها فيتمثل في سيطرته على البشر وتهديد وجودهم.
ولأن الفن والإبداع عموماً يستجيب دائماً للقضايا التي تشغل الناس، ولأن واجبه أيضاً أن يبحث في قضايا جديدة بعيداً من تلك المستهلكة والتي قتلت معالجة، أو هكذا يفترض، فاستجاب طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية في مصر لهذا المعطى، أو الهم الجديد، الذي بقدر ما أفاد الإنسان كغيره من الطفرات التكنولوجية التي شهدها العالم خلال الأعوام الأخيرة، بقدر ما أثار مخاوفهم من أن ينقلب السحر على الساحر.
تدخل الذكاء الاصطناعي في كل شيء تقريباً في حياتنا، حتى إن بعضاً يستخدمه الآن في الإبداع الفني والأدبي والتشكيلي وغيرها من المجالات، فما الذي سيحدث في المستقبل لو واصل تطوره وطفراته، وواصل الإنسان الاعتماد عليه كأنه أمه وأبوه؟
الحد الأقصى من المخاوف
"ضيق تنفس" عنوان العرض الذي كتبه محمد السوري وأخرجه محمود عبدالرازق، وشارك في مهرجان زكي طليمات الذي يقيمه المعهد لطلابه سنوياً. العرض ذهب بالمخاوف إلى حدها الأقصى، وهو قيام الذكاء الاصطناعي بالسيطرة التامة على البشر والتحكم حتى في كمية الهواء الذي يستنشقونه.
حتى كمية الهواء هنا متاحة وفق اشتراطات مرعبة، ففضلاً عن أنها بمقابل مادي لا يستطيعه سوى الميسورين، فإنها كذلك تجرد البشر من إنسانيتهم، فكمية الأوكسجين المتاحة لا تنفد بالاستنشاق فحسب بل تنفد أيضاً وفقاً لأية مشاعر أو ممارسات تصدر عن البشر، مثل الضحك أو البكاء أو الحزن أو سماع الموسيقى أو مشاهدة الأفلام والمسرحيات، أو أي سلوك طبيعي يمكن للإنسان القيام به.
إن على الإنسان هنا أن يتحول إلى مجرد آلة من دون أية مشاعر أو حاجات طبيعية، وهو بالتأكيد أمر يستحيل تحقيقه، مما سيؤدي بالضرورة إلى فناء الجنس البشري لمصلحة الذكاء الاصطناعي، وفق ما يرى العرض.
مسائل شائكة
بعيداً من صحة هذا التصور علمياً من عدمها، فتجنب العرض الخوض في مسائل علمية شائكة وغير محسومة. واكتفى، في ذكاء يُحسب لصناعه، بطرح قضيته في صيغة مسرحية من خلال اللعبة التي أدارها بين مجموعة من البشر وأخرى من الروبوتات.
يبدأ العرض في مكان أشبه بقاعدة للتحكم في ضخ كميات الأوكسجين للبشر بها أربعة من العاملين، يرتدون جميعاً أزياء أشبه برواد الفضاء (تصميم هبة الليبي)، المدير (أمير عبدالواحد) يتحدث عن موت زوجته بعد نفاد كميتها من الأوكسجين نظراً إلى إفراطها في مشاعرها، وفي المقابل هناك شاب يعمل معلماً (محمود عبدالرازق) يرعى أمه (نورا عصمت) التي تصارع الموت بعد اقتراب رصيدها من النفاد هي الأخرى، ويحاول أن يمنحها بعضاً من رصيده لكنها تموت في النهاية.
وفي القاعدة تنشأ قصة حب بين العامل (محمد يسري) والعاملة (نيللي الشرقاوي) ثم نكتشف أن العاملة ليست أكثر من روبوت وإن بدت متعاطفة مع البشر، لكن مهندس القاعدة (محمود بكر) الذي نكتشف أنه روبوت هو الآخر ينزع عنها مشاعرها، نظراً إلى أن نسخته أكثر تفوقاً من نسختها، ويدخل في صراع مع مديره البشري ليتمكن في النهاية من السيطرة على كل شيء، وتصبح سيطرة الروبوتات على البشر وتحكمها فيهم كاملة وتامة.
باب الأمل
ثمة طفلة في العرض لم تكن تعرف شيئاً عن الموسيقى والغناء، وبعد أن مات كثر نظراً إلى نفاد رصيدهم، تأتي النهاية والطفلة تردد إحدى الأغاني، وكأن العرض بعد أن أطلق تحذيراته أراد أن يترك باب الأمل مفتوحاً، متمثلاً في الجيل الجديد الذي يمكنه استيعاب مدى الخطورة التي قد يسببها سوء الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، ومن ثم العمل على تجنبها.
نهاية أظنها أضرت ولو قليلاً بالعرض وخففت كثيراً من صرخته الحادة، وهي تتسق والنهايات السعيدة أو المتفائلة وكذلك التقليدية التي درجت عليها الأعمال الفنية العربية في غالبيتها، إذ ينتصر الخير على الشر في النهاية مع أن الأمر ليس كذلك دائماً.
أياً كان الخلاف حول النهاية وحتى لو بدا تفاؤلها حذراً ومشروطاً، فإننا أمام عرض فكر صناعة في صيغة مسرحية مبتكرة تجدد طاقة المسرح، وتأخذه بعيداً من الأفكار المكررة وتفتح قوساً على موضوعات جديدة لم يتطرق إليها من قبل، يستجيب فيها لما يشهده العالم من تطورات وينقل الصراع بين البشر وبعضهم بعضاً، إلى الصراع بينهم وما صنعت أياديهم من مخترعات جديدة، إذا لم تُرشد يمكن أن تنقلب وبالاً عليهم. لعب العرض في المنطقة الآمنة ولم ينشغل بالغوص في مسائل علمية لا يملك يقيناً في شأنها، وبخاصة أن هذه ليست مهمته، واختار موضوعاً إنسانياً بسيطاً ليطرح من خلاله أسئلته ومخاوفه.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أفرط العرض في مخاوفه وإن كان اقتصد في عناصره الأخرى معتمداً بصورة أساس على قوة موضوعه، حريصاً على أن تكون البطولة المطلقة له، واكتفى بديكور تعبيري مقتصد (نورهان حسام) يشير إلى أماكن الأحداث، مستغلاً جانبي المسرح وعمقه بمنظر واحد ثابت، تاركاً أمر النقلات الزمانية والمكانية للإضاءة (عبدالله صابر) والتي لعبت دوراً واضحاً في إثراء صورة العرض، وعكست مع الديكور أجواءه الباردة والغريبة.
وإذا كانت المخاوف في شأن مستقبل الذكاء الاصطناعي مثارة بشدة في الأوساط العلمية، فاكتفى العرض وهذا جيد بهذه الحكاية التي تبدو غير متصورة الحدوث، لكنها تبقى محتملة في كل الأحوال.
لقد تنبأ عديد الأعمال الفنية بحدوث أشياء لم يكن أحد يتصور حدوثها، منها على سبيل المثال "رحلة إلى القمر" وهو فيلم قصير أُنتج عام 1902 وتوقع غزو الإنسان للفضاء، وفيلم "متروبوليس" إنتاج عام 1927 والذي قدم الصورة الأولى للروبوت، وفيلم "فهرنهايت 451" إنتاج عام 1966 الذي تحدث عن سماعات الرأس، وكذلك مسلسل "ستار تريك" إنتاج عام 1966 الذي تنبأ بالهواتف المحمولة، وغيرها من الأعمال. فمن يدري ما الذي يخبئه الغد لنا؟
عرض "ضيق تنفس" ربما يكون بداية للاهتمام بقضايا وجودية مهمة فرضتها التطورات العلمية المتسارعة، تتطلب صيغاً مسرحية مختلفة سواء من حيث الكتابة أو الأداء التمثيلي أو عناصر السينوغرافيا من ديكور وأزياء وموسيقى وإضاءة وحركة، وهو ما حققه العرض بدرجة طيبة تناسب موضوعه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- عكاظ
«لا يستجيب للعلاج».. تدهور حالة الفنان نعيم عيسى.. ونجله يكشف لـ «عكاظ» التفاصيل
كشف سامي، نجل الفنان المصري القدير نعيم عيسى، البالغ من العمر 92 عاماً، أن حالة والدة لا تزال خطرة وتدهورت بشكل كبير خلال الساعات الماضية. وأضاف سامي في تصريح خاص لـ«عكاظ»، أنه جرى نقل نعيم عيسى على جهاز «تنفس اختراقي» متصل بأنبوبة أنفية لتوصيل الأوكسجين إلى الرئتين، مشيراً إلى أنه لا يستجب للعلاج بشكل نهائي. وتابع نجل نعيم عيسى، أنه يعاني من التهاب شديد في الشعب الهوائية وتوقفت عضلة القلب أربع دقائق أمس، إضافة إلى أنه يمر بمضاعفات شديدة نتج عنها حدوث تشنجات، لافتاً إلى أن الأطباء سيحددون موقف حالته الصحية بشكل نهائي بعد معرفة نتائج تحليل صورة الدم كاملة. وطالب نجل نعيم عيسى متابعيه وجمهوره بالدعاء لوالده بالشفاء العاجل، وأن يتجاوز هذه المحنة بسلام. أخبار ذات صلة يُذكر أن الفنان نعيم بدأ مشواره الفني من خلال المسرح، وشارك في عدد من المسرحيات الشهيرة، من أبرزها: «ناس كده وكده»، و«ريا وسكينة»، والمأذون في «الواد سيد الشغال»، كما قدّم العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية. يشار إلى أن آخر أعمال نعيم عيسى هو فيلم «حسن دليفري»، الذي عُرض في 2016، وضم عدداً من الفنانين منهم ريكو، وإنجي عبد الله، وحسن عبدالفتاح، وأحمد راتب، ونهال عنبر وآخرون، والعمل من تأليف جمال ربيع، وإخراج فكري عبدالعزيز.


مجلة سيدتي
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- مجلة سيدتي
اكتشاف نظام بيئي فريد من نوعه في أعماق شعاب البحر الأحمر المرجانية
أعلن فريق من علماء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست" والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطريه، عن وجود نظام بيئي فريد من نوعه في أعماق ضفة فرسان، جنوب البحر الاحمر، قُرب الحدود السعوديه اليمنيه. وجاء ذلك في دراسة بحثية كشفت كائنات بحرية متنوعة مثل: المرجان والأسماك وغيرها من الكائنات في أعماق مياه ضفة فرسان، حيث وجدت هذه الكائنات في بيئة منخفضة الأوكسجين ومرتفعة الحموضة، وهي ظروف كان يُعتقد سابقًا أنها غير صالحة للحياة. اكتشاف علمي مدهش وقد أظهرت الدراسة البحثية بعض هذه الكائنات إستراتيجيات تكيف غير متوقعة مكنتها من التعايش مع هذه البيئة القاسية، ولوحظ أن حركة الأسماك كانت أبطأ، في حين حافظ المرجان على صحته في ظروف عادةً ما تعيق عملية التكلس الضرورية لنمو المرجان وبقائه. أهمية الاكتشاف بدورها، أبانت الباحثة في " كاوست" وقائدة الدراسة الدكتورة شانون كلاين، أنه تم التعرف على قدرة هذه الكائنات على العيش في بيئات دافئة منخفضة الأوكسجين امتلاكها آليات فريدة تقلل من حاجتها إلى الأوكسجين للبقاء على قيد الحياة؛ فيما يبرز هذا الاكتشاف أهمية استكشاف الطبقات العميقة في المناطق الساحلية الاستوائية؛ مما قد تكشف عن أنظمة بيئية غير متوقعة. وأوضحت، أنه على الرغم من كون هذه الكائنات تعيش تحت الماء، إلا أن الأسماك و الشعاب المرجانية والعديد من الكائنات البحرية الأخرى تحتاج إلى الأوكسجين للبقاء، وعلى غرار الكائنات البرية، فإن هذه الكائنات تخنقها المياه عندما تنخفض مستويات الأوكسجين إلى مستويات خطيرة، وبالرغم من ذلك، تكشف مياه البحر الأحمر عن أنظمة بيئية مقاومة فبالنظر إلى أن نقص الأوكسجين في البحار هو أحد تداعيات ارتفاع درجات الحرارة، فإن فهم كيفية صمود هذه الكائنات البحرية. كشف سبل تكيف الحياة البحرية مع التغير المناخي وأفادت الدكتورة كلاين، أن هذا الاكتشاف المدهش قد يساعد على كشف سبل تكيف الحياة البحرية مع التغير المناخي، إلى جانب أن الشعاب المرجانية تعد من الأنظمة البيئية التي تنمو عادةً في المياه الضحلة، إلا أن هذه الدراسة رصدت وجودها في انخفاضات تصل إلى أكثر من 200 متر عمقًا في مناطق متعددة من منظومة شعاب فرسان الضحلة. منصة لدراسة مرونة النظم البيئية البحرية من جانبه، أوضح الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية وأحد المشاركين في الدراسة الدكتور محمد قربان، أن هذه الدراسة تبرز أهمية البحر الأحمر كمنصة طبيعية لدراسة مرونة النظم البيئية البحرية، لافتاً، إلى أن اكتشاف أنظمة بيئية مزدهرة في ظروف بيئية متطرفة يساعد على توسيع الفهم العلمي لكيفية تكيف الحياة البحرية، ويؤكد ضرورة مواصلة الاستكشاف والحفاظ على هذه الموائل الفريدة.


الحدث
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- الحدث
اكتشاف نظام بيئي غير متوقع في أعماق شعاب البحر الأحمر المرجانية
كشف علماء من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية عن نظام بيئي فريد وغير متوقع أسفل ثالث أكبر منظومة للشعاب المرجانية في العالم، والأكبر في البحر الأحمر، وذلك في دراسة نُشرت في مجلة PNAS NEXUS . فقد اكتُشفت كائنات بحرية متنوعة مثل المرجان والأسماك وغيرها من الكائنات في أعماق مياه ضفة فرسان الواقعة بالقرب من الحدود بين المملكة العربية السعودية واليمن، حيث وجدت هذه الكائنات في بيئة منخفضة الأوكسجين ومرتفعة الحموضة، وهي ظروف كان يُعتقد سابقًا أنها غير صالحة للحياة. وأظهرت بعض هذه الكائنات استراتيجيات تكيف غير متوقعة مكنتها من التعايش مع هذه البيئة القاسية؛ فقد لوحظ أن حركة الأسماك كانت أبطأ، في حين حافظ المرجان على صحته في ظروف عادةً ما تعيق عملية التكلس الضرورية لنمو المرجان وبقائه. وفي هذا السياق، صرّحت الدكتورة شانون كلاين، الباحثة في كاوست وقائدة الدراسة "تُظهر قدرة هذه الكائنات على العيش في بيئات دافئة منخفضة الأوكسجين امتلاكها آليات فريدة تقلل من حاجتها إلى الأوكسجين للبقاء على قيد الحياة. ويبرز هذا الاكتشاف أهمية استكشاف الطبقات العميقة في المناطق الساحلية الاستوائية، حيث قد تكشف عن أنظمة بيئية غير متوقعة". وعلى الرغم من كونها تعيش تحت الماء، إلا أن الأسماك والشعاب المرجانية والعديد من الكائنات البحرية الأخرى تحتاج إلى الأوكسجين للبقاء. وعلى غرار الكائنات البرية، فإن هذه الكائنات تخنقها المياه عندما تنخفض مستويات الأوكسجين إلى مستويات خطيرة. ومع ذلك، تكشف مياه البحر الأحمر عن أنظمة بيئية مقاومة. وبالنظر إلى أن نقص الأوكسجين في البحار هو أحد تداعيات ارتفاع درجات الحرارة، فإن فهم كيفية صمود هذه الكائنات البحرية قد يساعدنا على كشف سبل تكيف الحياة البحرية مع التغير المناخي. وتُعد الشعاب المرجانية من الأنظمة البيئية التي تنمو عادةً في المياه الضحلة، إلا أن هذه الدراسة رصدت وجودها في انخفاضات تصل إلى أكثر من 200 متر عمقًا في مناطق متعددة من منظومة شعاب فرسان الضحلة. وفي هذا الصدد، قال الدكتور محمد قربان، الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية وأحد المشاركين في الدراسة "تُبرز هذه الدراسة أهمية البحر الأحمر كمنصة طبيعية لدراسة مرونة النظم البيئية البحرية. ويساهم اكتشاف أنظمة بيئية مزدهرة في ظروف بيئية متطرفة في توسيع فهمنا لكيفية تكيف الحياة البحرية، ويؤكد ضرورة مواصلة الاستكشاف والحفاظ على هذه الموائل الفريدة". كما شارك في هذه الدراسة من كاوست كلٌ من الدكتورة فروكيه فان دير زوان، أستاذ مساعد، والدكتورة فرانشيسكا بينزوني، أستاذ مشارك، والبروفيسور كارلوس دوارتي، أستاذ ابن سينا المتميز.