logo
أهمية الثقافة المالية

أهمية الثقافة المالية

جريدة الرؤية١٩-٠٤-٢٠٢٥

خلفان الطوقي
كتبت عدة مقالات في بداية جائحة كورونا وتحديداً بعد أسبوعين من بدايتها، ومن هذه المقالات مقال بعنوان "كورونا وما بعد كورونا"، ومقال آخر بعنوان "دروس كورونا.. لا بُد أن نستفيد منها"، كما كنت أردد جملة في وسائل التواصل الاجتماعي أقول فيها "عُمان قبل كورونا ليست كما بعدها"، والواقع هو أنَّ العالم كله قبل كورونا ليس كما بعد الجائحة، وهذه المقالة أيضاً كانت الحافز لاستذكار التاريخ، واستعراض عدة دروس وأهمها: أهمية الثقافة المالية أو الوعي المالي.
الثقافة المالية دائمًا مُهمة، ولكن تكمن وتتضح أهميتها بعد كل أزمة مالية عالمية أو محلية، وهذه الأزمات لا تتوقف، وخاصة مع الأجواء الجيوسياسية المحيطة والتي تؤثر على حياتنا كأفراد ومجتمعات، ومدى التأثير يكون نسبيا، فكلما كان الاستعداد لأي أزمة قادمة مبكرا وبوعي ونضج، فإنَّ الأثر يكون بسيطاً وأخف ألما ووجعا، والعكس بالعكس.
ما حدث للعالم بعد جائحة كورونا من تسريحات من الوظائف أو تعثر وارتباك في الأعمال التجارية أو تأثر في الملاءة المالية لا بُد أن يبقى حاضرًا في الذاكرة، لأنه يمكن أن يتكرر بصورة أخرى، خاصةً وأن العالم مليء بالعناصر المحفزة للأزمات التي سوف تؤثر علينا بطريقة أو بأخرى. والأحرى القول إنها تؤثر على مجتمعاتنا ودولنا، وبالتالي فإن التأثير سوف يصل إلينا، والحقيقة المحزنة أنَّ أكثر الدول أو المجتمعات أو الأفراد غير المستعدة للعواصف والأزمات بكل أشكالها تعتبر هشة وسوف تتألم وتكون أكثر المتضررين جراء ما يحدث.
وعليه، فإنه من الضروري الاستعداد المبكر، ويكون ذلك من خلال التثقيف الشخصي، ويكون على مستوى الأفراد؛ فالقادم لن يكون سهلًا؛ حيث إنَّ نمط الحياة العصرية أصبح مُختلفًا، والمغريات كثيرة، والأولويات لم تَعُد كالماضي، وطرق التسويق للاستهلاك أصبحت ذكية وممنهجة، ووسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في الاستهلاك المبالغ فيه، كل ذلك يستدعي الوعي والنضج وتحديد الأولويات الاستهلاكية، والتثقيف الشخصي لمعنى الادخار والاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكيم والمخطط له، وبالرغم من صعوبته للبعض، إلا أنه ضرورة ملحة لقادم الأيام.
من ناحية أخرى، هناك دور آخر على الحكومة ألا تتوقف عن القيام به، فبالرغم من جهود الحكومة في نشر الوعي والثقافة المالية وخاصة في عام 2024، وبعض المبادرات من هنا وهناك، إلّا أن الجهود وحملات التوعية العصرية لابُد أن تتضاعف في قادم الأيام المصاحبة لموجات التضخم والأجواء الجيوسياسية المحيطة، وتقليل الدعم الحكومي في بعض الخدمات الحكومية، وانتشار الاستثمارات الوهمية والاستغلالية والتلاعب بمشاعر وعواطف البسطاء من الناس، وأولئك الذين يبيعون أحلام الثراء السريع. لذلك لا بُد ألا تقل البرامج التوعوية بالثقافة المالية ولا يخفت بريقها، ويمكن لوزارة المالية ووزارة الاقتصاد والبنك المركزي العُماني ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وهيئة الخدمات المالية ووزارة الإعلام وغرفة تجارة وصناعة عُمان ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووحدة تنفيذ ومتابعة رؤية عُمان 2040 وبرنامج استدامة، تصميم وتنفيذ برامج توعوية جاذبة وعصرية تصل لكل أفراد المجتمع، وخاصةً فئة الشباب.
وأخيرًا.. إنَّ استعدادنا المبكر والمُمنهَج سوف يزيد من صلابتنا الفكرية ونضجنا ووعينا وثقافتنا المالية، ويُقلِّل من الصدمات المالية والنفسية غير المُتوقَّعة، ويُقلِّل من أي هدر مالي أو استثمارات وهمية خارج نطاق حلقة الاقتصاد الوطني.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"عُمان شل" تستعرض إمكانيات الهيدروجين في تعزيز مستقبل مستدام
"عُمان شل" تستعرض إمكانيات الهيدروجين في تعزيز مستقبل مستدام

جريدة الرؤية

timeمنذ 5 أيام

  • جريدة الرؤية

"عُمان شل" تستعرض إمكانيات الهيدروجين في تعزيز مستقبل مستدام

مسقط- الرؤية ساهمت شركة عُمان شل في الحوار حول مستقبل الطاقة في سلطنة عُمان بدءًا من تعزيز البُنى الأساسية المتطورة وصولاً إلى تمكين الشباب العُماني؛ إذ إنها كانت شريكًا إستراتيجيًّا لأسبوع عُمان للاستدامة، وراعيًا فضيًّا لمعرض ومؤتمر عُمان للبترول والطاقة، وعكستْ مشاركة الشركة التزامها الراسخ بالابتكار والشراكة وبناء مستقبل مستدام. وطوال فترة انعقاد الحدث -الذي استمر ثلاثة أيام- كانتْ شركة عُمان شل مشاركًا نشطًا في معرض أسبوع عُمان للاستدامة، كما شاركتْ في جلسات مناقشة العروض بمعرض ومؤتمر عُمان للبترول والطاقة، إضافة لتنظيمها العديد من الفعاليات الواعدة؛ والتي كان من أبرزها حفل تخرُّج الدفعة الرابعة من برنامج "شل نوافذ"، وزيارات ميدانية لأول محطة هيدروجين أخضر في البلاد. ومن أبرز محطات عُمان شل خلال مشاركتها بهذا الحدث، تتويجها بجائزتين للتنقل البيئي خلال أسبوع عُمان للاستدامة. وقال وليد هادي رئيس شركات شل في عُمان: "مثَّلت هذه النسخة محطةً محورية في مسيرتي المهنية؛ فمن مشاركتي في النسخة الأولى لأسبوع عُمان للاستدامة إلى حضور النسخة الأخيرة لي في هذا المنصب، كُنت شاهدًا على الزخم المتصاعد الذي تمضي به سلطنة عُمان نحو مستقبل مستدام بكل معنى الكلمة، فبدءًا من الابتكارات التي يقُودها الشباب العُماني، وصولاً إلى الإنجازات الرائدة في مجال البنية الأساسية -مثل: محطة الهيدروجين التي نطورها- تُثبت عُمان أنها لا تقف عند حدود التخطيط لمستقبل أفضل فحسب، بل تعمل بجد لتحقيقه على أرض الواقع. أشعُر باعتزاز كبير لما حققناه معًا، وبرؤيةٍ واضحةٍ للطموحات التي نعمل على بلورتها في رحلتنا نحو الاستدامة". وضمن أسبوع عُمان للاستدامة، تمَّ تكريم شركة عُمان شل بحصولها على جائزتين مرموقتين في جوائز التنقل البيئي: الجائزة الذهبية في فئة خدمات السيارات الكهربائية والأثر الاجتماعي، والجائزة البلاتينية لمشروع الهيدروجين الأخضر للتنقل. وتعكسُ الجائزة البلاتينية الاحتفاء بإطلاق أول محطة هيدروجين في سلطنة عُمان، وهي محطة متكاملة تمامًا تُدار محليًّا وتعمل بالطاقة المتجددة؛ مما يُعد خطوة مهمَّة نحو تحقيق التنقل المستدام. وتؤكد هذه الجوائز ريادة شركة شل في تعزيز مستقبل النقل منخفض الكربون في سلطنة عُمان. وألقت نجوى الكندية مديرة القيمة المحلية المضافة في عُمان شل، كلمة خلال جلسات معرض ومؤتمر عُمان للبترول والطاقة؛ استعرضتْ خلالها أهمية الاستثمار في المواهب المحلية والتنويع الاقتصادي كركيزتيْن أساسيتين لبناء اقتصاد مرن ومُستدام؛ وذلك في إطار مناقشات الندوة حول "القيادة المحلية والتنويع الاقتصادي". ومن جهة أخرى، وفي إطار جلسات أسبوع عُمان للاستدامة، تناول الأحنف الزبيدي مدير الاستثمار الاجتماعي والعلاقات المجتمعية في عُمان شل، موضوع تمكين الشباب، مؤكدًا على أهمية دعم الابتكار من خلال برامج رائدة؛ مثل: "شل إنكسبلوررز" و"شل نوافذ"، ومشيرًا في الوقت نفسه إلى الدور الحيوي الذي يلعبه الجيل القادم من قادة الطاقة في تشكيل المستقبل. وجسَّد إطلاق محطة الهيدروجين الأخضر للتنقل في مارس الماضي نقطة محورية في مشاركة عُمان شل خلال أسبوع الاستدامة في عُمان. حيث تمَّ تطوير المحطة بالتعاون مع شركة "مواصلات"، وشركة "نماء لشراء الطاقة والمياه"، ووزارة الطاقة والمعادن. ويتم إنتاج الهيدروجين في الموقع باستخدام الطاقة المتجددة، مع الاعتماد على الشهادات الدولية لذلك؛ بما يضمن أن المحطة تعمل بنسبة 100% بالطاقة الخضراء. وتعدُّ هذه المحطة الهدية السادسة التي تقدمها عُمان شل للبلاد، وهي خطوة واعدة نحو تحقيق نظام مواصلات خالٍ من الانبعاثات الكربونية. وإضافة إلى ذلك، عرضتْ عُمان شل في جناحها خلال المعرض أبعادَ عملها الأوسع في مجالات الغاز الطبيعي، والغاز الطبيعي المسال، واحتجاز الكربون وتخزينه، مُقدمةً بذلك رؤية شاملة لانتقال الطاقة نحو المستقبل المستدام. وخلال فعاليات أسبوع عُمان للاستدامة، استقبلتْ عُمان شل طلاب كلية الشرق الأوسط وزوار المعرض في محطة الهيدروجين الأخضر؛ حيث قدَّمت نموذجًا حيًّا للاستدامة من خلال جولات تفاعلية وتجارب عملية تطبيقية. وقد جاءت هذه المبادرة لتؤكِّد التزام عُمان شل بجعل المجتمع المحلي والكوادر الشابة شركاء أساسيين في رحلة تحول الطاقة، وإبراز دور العنصر البشري كحجر أساس في تحقيق الرؤية المستدامة. واحتفتْ عُمان شل، ضمن فعاليات أسبوع عُمان للاستدامة، بتخريج الدفعة الرابعة من برنامج "شل نوافذ"، الذي تنفذه بالشراكة مع الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عُمان (جيوتك)، و"أوتورد باوند عُمان"؛ بهدف تمكين الشباب العُماني، وتطوير المهارات القيادية وتعزيز روح الابتكار وريادة الأعمال في قطاع الطاقة.

مسارات واضحة لتنفيذ الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية ورفع مكانة عُمان إقليميًا ودوليًا
مسارات واضحة لتنفيذ الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية ورفع مكانة عُمان إقليميًا ودوليًا

جريدة الرؤية

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

مسارات واضحة لتنفيذ الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية ورفع مكانة عُمان إقليميًا ودوليًا

◄ الخطة تشمل التركيز على دعم شركات التجارة الإلكترونية بتوفير الخدمات الأساسية ◄ 9232 ترخيصًا لمزاولة التجارة الإلكترونية.. وتوثيق 204 متاجر إلكترونية مسقط- العُمانية عقدت اللجنة الإشرافية للخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية أمس اجتماعها الأول بديوان عام وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، بهدف متابعة تنفيذ مبادرات الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية والوقوف على ما تم إنجازه. وترأس الاجتماع معالي قيس بن محمد اليوسف، وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وبحضور عدد من أصحاب السعادة ممثلي الجهات الحكومية الأعضاء في اللجنة من جهاز الاستثمار العُماني، وشرطة عُمان السلطانية، ووزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات والبنك المركزي العُماني، وهيئة تنظيم الاتصالات وهيئة حماية المستهلك. وأكد سعادة الدكتور صالح بن سعيد مسن، وكيل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للتجارة والصناعة، أن الاجتماع يأتي في إطار التقييم المستمر لمسار تنفيذ الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية، واعتماد أعمال الفريق الفني للخطة، وأوضح أن هذه الاجتماعات تعكس التزام الوزارة، بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، بدعم وتيسير التجارة الإلكترونية، مشيرًا إلى أن الخطة الوطنية رسمت من خلال محاورها ومبادراتها خارطة طريق واضحة لتطوير القطاع ورفع مكانة سلطنة عُمان إقليميًّا وعالميًّا كوجهة رائدة في هذا المجال. وأضاف سعادته أن تنفيذ الخطة منذ انطلاقها أسفر عن تحقيق العديد من الإنجازات، حيث بلغت نسبة الإنجاز حتى نهاية عام 2024م نحو 73%، من خلال إتمام 22 مبادرة من أصل 30 مبادرة مدرجة في الخطة. وأشار سعادته إلى أن محاور الخطة شملت التركيز على دعم شركات التجارة الإلكترونية بتوفير الخدمات الأساسية، من ضمنها تسهيل الوصول إلى خدمات الاتصالات في المناطق المأهولة بأسعار تنافسية، وتيسير الإجراءات التجارية والمشتريات الإلكترونية، بالإضافة إلى تطوير منظومة النقل والخدمات اللوجستية، وتعزيز المهارات والوعي بالتجارة الإلكترونية، وتحسين منظومة المدفوعات، إلى جانب تحديث الإطار القانوني والتنظيمي للقطاع. وأكد سعادته أن هذه الجهود ساهمت بشكل ملحوظ في تطوير منظومة التجارة الإلكترونية محليًّا، وزيادة الوعي لدى التجار والمستهلكين بأهمية استغلال الفرص التي توفرها التجارة الإلكترونية، والتي تُعد من أسرع القطاعات نموًّا عالميًّا؛ حيث بلغت قيمة مبيعات التجزئة الإلكترونية العالمية مع نهاية عام 2024 حوالي 6 تريليونات دولار أمريكي. من جانبها، أوضحت عزاء بنت إبراهيم الكندية، مدير دائرة الشؤون التجارية والتجارة الإلكترونية بالوزارة، أن الاجتماع استعرض الخطط المستقبلية لتنمية القطاع، وسبل تعزيز ثقافة التسوق الإلكتروني الآمن محليًّا، مشيرةً إلى النتائج الإيجابية التي حققتها الخطة الوطنية حتى الآن، والتي تظهر في عدد التراخيص الصادرة لمزاولة أنشطة التجارة الإلكترونية، والتي بلغت 9232 ترخيصًا، إلى جانب توثيق 204 متاجر إلكترونية عبر منصة "معروف عُمان"، وهي منصة توفر خاصية التوثيق للمتاجر العاملة والمرخصة في سلطنة عُمان. وأكدت أن هذه الأرقام تُظهر النمو المتسارع للقطاع، وارتفاع مستوى وعي التجار والمستهلكين بالمتطلبات القانونية والتنظيمية، لا سيما بعد إصدار اللائحة التنظيمية للتجارة الإلكترونية بالقرار الوزاري رقم (499/2023)، والتي تُعد إحدى المبادرات الداعمة لتنفيذ الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية. وتسير الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤيتها الرامية إلى تحويل سلطنة عُمان إلى مركز إقليمي للتجارة الإلكترونية بحلول عام 2027م، عبر تنفيذ برامج ومبادرات استراتيجية بدأت منذ عام 2022 بالشراكة مع منظمة "الأونكتاد" وعدد من الجهات الداعمة. فيما تواصل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار جهودها في تحويل التجارة الإلكترونية إلى أداة فعالة للنمو الاقتصادي والاجتماعي في سلطنة عُمان، بما يتماشى مع أهداف رؤية "عُمان 2040"، من خلال استثمار الفرص الرقمية وتهيئة بيئة أعمال مستدامة ومحفزة للابتكار.

بوصلتك نحو قيادة الأعمال في السوق العُماني (2)
بوصلتك نحو قيادة الأعمال في السوق العُماني (2)

جريدة الرؤية

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

بوصلتك نحو قيادة الأعمال في السوق العُماني (2)

د. سلام محمد سفاف ** ماذا ستفعل لو انخفضت مبيعاتك 40% فجأةً؟ كيف ستواجه أزمة غير متوقعة كجائحة كورونا؟ في سوق عُمان الذي يشهد تحولات متسارعة - من تقلبات أسعار النفط إلى التغيرات الديموغرافية - لم يعد السؤال هل ستواجه أزمة؟ بل متى؟ وكيف ستكون استجابتك؟ في المقالة الأولى، ناقشنا كيف نبني تخطيطاً استراتيجياً فعالاً أما اليوم سنكتشف كيف نجعل هذه الخطة قادرة على النجاة حتى في أسوأ الظروف، ولابد من الاعتراف بأنَّ الشركات التي تزدهر في الأزمات لا تعتمد على الحظ فقط، بل تبني ما يُسمى بـ "الصمود الاستراتيجي" (Resilience)، فكيف تحول مؤسستك إلى منظمة لا تنجو من الأزمات فحسب، بل تخرج منها أقوى؟" وبداية دعنا نجيب عن الإشكالية التالية: لماذا تفشل معظم الاستراتيجيات أثناء الأزمات؟ باختصار لأنها تعتمد على التخطيط للاستقرار وتمتلك بنية تنظيمية جامدة بشكل يُعارض السمة الرئيسية للأسواق العالمية والمحلية المتغيرة باستمرار، لذلك تجدها تعتمد ثقافة "إطفاء الحرائق" في مواجهة المتغيرات أو الأزمات كبرت أم صغرت، والحقيقة الصادمة أن الأزمات لا تعرف سوى قانونين: 1- الاستعداد للأسوأ ليس تشاؤمًا، بل استراتيجية. 2- الشركات التي تنتظر الأزمة لتتغير.. تنقرض. ونحن نميز بين ثلاثة أنواع من المنظمات في إطار استجابتها للأزمات، وهي: المنظمة الهشة (Fragile)، وهي تتفكك عند مواجهة الصدمات، وتفشل في التكيف بسبب عدم وجود خطط طوارئ، وهيكل صلب غير مرن، واعتماد كلي على ظروف السوق المستقرة، ولنا مثال في ذلك بعض شركات السياحة في صلالة خلال جائحة كورونا، لم يكن لديها سيناريوهات لمُواجهة تراجع معدلات الحجوزات الفندقية بطريقة مفاجئة، وكانت النتيجة أن عددًا منها واجه خطر الإغلاق بحلول عام 2021. المنظمة المقاومة (Resilient)، وهي تنجو من الأزمات لكن دون تحسن أدائها عبر خطط طوارئ تفاعلية، وهيكل تنظيمي قابل للتعديل المؤقت، وقدرة على العودة للحالة الأصلية بعد انقضاء الأزمة، وتقع غالبية المصارف المحلية ضمن هذه المنطقة، خفضت تكاليف التشغيل بنسب محددة بشكل مؤقت وحافظت على الاستقرار خلال جائحة كورونا لكنها لم تطور خدمات رقمية جذرية. أما النوع الثالث فهو محط اهتمامنا اليوم وهي المنظمة المضادة للكسر (Antifragile)، وهو مصطلح يُستخدم لوصف المنظمات التي لا تصمد أمام الصدمات والتقلبات وعدم اليقين فحسب، بل تستفيد منها بالفعل وتتحسن نتيجةً لذلك، وتتمتع بالقدرة على التكيف والتعلم والنمو بقوة استجابةً للضغوط، فمثلًا تعرضت المطاعم لخسائر كبيرة خلال جائحة كورونا بسبب إغلاقها غير أن بعضها استجاب للأزمة بطريقة مغايرة حيث خصصت 20% من مساحتها لإنشاء مطابخ الظل (Cloud Kitchens)، وأطلقت تطبيق توصيل خاص بها، مما زاد مبيعاتها 25% عن فترة ما قبل الجائحة، ودخلت أسواقًا جديدة (التوصيل للمنازل)، وحافظت على هذه الخدمة حتى بعد انتهاء الجائحة. في عالم معقد وغير متوقع، لا يكفي أن تكون المنظمة متينةً ومرنةً، بل يجب أن تسعى جادةً لتكون منظمة مضادة للكسر من خلال تقبل حالة عدم اليقين وتطوير الأنظمة والأدوات للتعامل معها كفرصة للنمو والتطور. والآن، كيف تبني منظمة مضادة للكسر؟ أنشئ "فِرَق الأزمات" الدائمة بحيث تعقد اجتماعًا شهريًا لاختبار سيناريوهات الأزمات. استخدم مبدأ الحد الأدنى من التكيف القابل للتطبيق (Minimum Viable Adaptation) من خلال تخصيص 10% من ميزانيتك لمشاريع تجريبية خلال الأزمات. حوّل الموظفين إلى "كاشفي فرص" وقدم مكافأة للموظفين الذين يقدمون أفكارًا للاستفادة من الأزمات. نفذ اختبارات الضغط الاستراتيجي (Stress Testing) من خلال بناء ثلاثة سيناريوهات لأزمات محتملة، واختبر استجابة كل قسم لها، ثم عدل استراتيجيتك بناءً على النتائج. صمم نموذج "الهوية المرنة" (Flexible Core) من خلال الاحتفاظ بـ 80% من هويتك الأساسية مثل الجودة وتغيير 20% منها لتتلاءم مع الأزمات مثل قنوات التوزيع. مؤسسة الزبير: نموذج عُماني للريادة الاستراتيجية في الأزمات نمت من شركة عائلية عام 1967 لمؤسسة عالمية تضم اليوم أكثر من 30 شركة في قطاعات الصناعة والطاقة والخدمات، وتصنف ضمن أكبر 5 مجموعات أعمال في عُمان حسب تصنيف فوربس الشرق الأوسط. وخلال نموها المضطرد واجهت أزمات كبيرة استجابت لها بذكاء وصمود استراتيجي، فأمام أزمة انخفاض أسعار النفط (2014-2016) عملت على زيادة الاستثمار في الصناعة التحويلية ودخول مشاريع الطاقة المتجددة، وكانت النتيجة نمو إيرادات القطاع الصناعي بنسبة 18% رغم الأزمة. "الميزة التنافسية لمجموعة الزبير لم تكن في حجمها، بل في قدرتها على رؤية الفرص حيث يرى الآخرون مخاطر." أخيرًا.. في عالمٍ مزدحم؛ حيث الأزمات ليست استثناءً؛ بل قاعدةً، تظهر الشركات الحقيقية ليس عندما تكون الرياح مواتية؛ بل عندما تَعصفُ العواصف. مؤسسة الزبير وغيرها من النماذج العُمانية الناجحة علمتنا أن المرونة الاستراتيجية ليست خيارًا؛ بل ضرورة وجودية، وأنها لم تصل إلى القمة بمحض الصدفة فالأزمات تصنع الفرص لمن يستعد لها. "لا تنتظر العاصفة لتتعلم كيف تبني سفينة.. الأذكياء يبنونها أثناء الشمس". ************* ** سلسلة مقالات تحوّل المفاهيم النظرية إلى أدوات عملية، تنقلك من أساسيات التخطيط الذكي إلى فنون الصمود أمام العواصف الاقتصادية، وصولًا إلى استشراف المستقبل بجرأة، نقدم لك خلاصة الخبرة الاستراتيجية لتحول التحديات إلى فرص نمو واعدة . نأمل أن تكون هذه المقالات دليلًا عمليًا لكل قائد يُريد أن يصنع مستقبله بيده في السوق العُماني الواعد . ** أستاذ زائر في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم ** وزيرة التنمية الإدارية سابقًا بسوريا

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store