
رؤية عبر الجدران.. هل يمكن لجهاز الواي فاي أن يصبح عينا سرية؟
في الوقت الحالي، لدى جميع المنازل أجهزة استقبال وإعادة توجيه إشارات الإنترنت المنزلية عبر الشبكات اللاسلكية "واي فاي" (Wi-Fi)، إذ تعد الآلية الأفضل لاستقبال إشارات الإنترنت ومشاركتها عبر المنزل أو منطقة محددة، ورغم التطور الكبير الذي وصلت له أجهزة الاستقبال هذه وقدرتها على استقبال وإرسال إشارات مختلفة، فإنها تظل في النهاية، مجرد أجهزة لإرسال واستقبال إشارات شبكات الإنترنت، ولا يوجد لها أي ميزة أو استخدام إضافي.
على الأقل، كان هكذا الوضع قبل أن تعمل مجموعة من الباحثين في جامعة كارنيغي ميلون من أجل تطوير تقنية تتيح استخدام أجهزة "الواي فاي" المنزلية لتتبع ومراقبة حركة البشر في الغرف عبر الحوائط، وذلك دون تركيب أي معدات إضافية باستخدام أجهزة توجيه متوفرة في كل منزل، ولكن كيف ذلك؟
الرؤية دون التقاط الصور
تضافرت جهود العلماء في السنوات الأخيرة من أجل تحقيق مفهوم رؤية البشر ومراقبتهم دون استخدام كاميرات أو معدات باهظة، وذلك لأنها آلية تتيح للجهات المختلفة مراقبة الأفراد دون التطفل على خصوصيتهم بشكل مباشر، إذ يهدف هذا المفهوم في النهاية لمراقبة الأفعال دون مراقبة الشخص الذي يقوم بها أو حتى تصويره أثناء فعلها.
وبينما تصبح مثل هذه التقنيات متاحة عبر استخدام مستشعرات "ليدار" (LiDAR) الباهظة، فإنها غير عملية، كونها تتطلب تثبيت المستشعرات وأجهزة استقبالها في المكان الذي ترغب في مراقبته، وهو الأمر الذي يصعب تنفيذه بشكل واسع فضلا عن تكلفته.
لذا، سعى العلماء لتسخير إشارات الهواتف المحمولة من أجل هذا الغرض، وقد نجح فريق من جامعة "إم آي تي" (MIT) في ذلك عام 2013، إذ استخدام إشارات الهواتف المحمولة لمراقبة الأفراد عبر الحوائط، وفي عام 2018، تمكن فريق آخر من الجامعة ذاتها من استخدام إشارات "الواي فاي" لالتقاط حركة البشر ووضعهم على أشكال عصيّ متحركة لا تماثل الشخصيات البشرية.
وأخيرا جاء فريق جامعة كارنيغي ميلون بمشروعها الجديد، الذي تمكن من توليد أشكال بشرية تحاكي أشكال الأشخاص الموجودة خلف الحوائط والتقاط حركاتهم وتسجيلها عبر استخدام أجهزة التوجيه المنزلية، وهو ما يمثل قفزة عن آخر ما وصلت إليه فريق جامعة "إم آي تي" في السنوات الماضية.
تقنيات متعددة لتحقيق غرض واحد
كانت الجهود السابقة لتحقيق هذه الغاية تعتمد بشكل مباشر على تقنية بمفردها، أي أن التقاط الإشارات وإعادة ترجمتها يعتمد على تقنية واحدة، ولكن ما قام به فريق جامعة كارنيغي ميلون كان معتمدا بشكل أساسي على المزج بين عدة تقنيات من بينها الذكاء الاصطناعي للوصول إلى النتيجة النهائية الدقيقة.
في البدء، اعتمد الفريق على نظام يدعى "دينيسي بوز" (DensePose)، وهو نظام طوره فريق بحثي في لندن بالتعاون مع باحثي "فيسبوك" للذكاء الاصطناعي، ويهدف هذا النظام إلى تحويل كل نقطة في جسم الإنسان إلى "بيكسل" في صورة يمكن أن تتعرف عليها الحواسيب، وذلك من أجل تحسين دقة التعرف على أجزاء الجسم بشكل أساسي.
ثم طور الفريق شبكة عصبية حاسوبية عميقة قادرة على استشعار إشارات "الواي فاي" والأشياء التي تحجبها ومعدل الارتداد من الإشارات، فضلا عن معدل اختراقها للأسطح، لتعمل هذه التقنيات معا في النهاية وتتمكن من توليد صورة ثلاثية الأبعاد للجسد البشري دون عرض أي تفاصيل للشكل والوجه والجنس واللون وغيرها من الخصائص الفريدة لكل إنسان.
استطاع الفريق الوصول إلى هذه النتيجة عبر استخدام أجهزة توجيه "واي فاي" تعمل بهوائيات "1 دي" (1D)، وهي نوع بدائي من هوائيات توجيه "واي فاي"، وتحديدا اعتمد الفريق على زوج من أجهزة التوجيه الخاصة بشركة "تي بي لينك" (TP-Link) يكلف كلاهما 30 دولارا فقط، وذلك مقارنة مع أجهزة ومستشعرات "إل إي دي آر" (LiDAR) التي تبدأ تكلفتها من 700 دولار تقريبا.
ومن الجدير بالذكر أن الاعتماد على تقنية "دينسي بوز" أتاح للفريق التقاط حركات المستخدمين والبشر بشكل مكثف داخل الغرفة، بدلا من الاكتفاء فقط بتحديد أماكن الأشخاص والأشياء داخل الغرفة كما كان يحدث مع التقنيات السابقة.
استخدامات متعددة
وضح الفريق في الورقة البحثية المنشورة في موقع الجامعة أن هذه التقنية لها استخدامات عديدة ومتنوعة، بدءا من مراقبة كبار السن والمرضى دون اقتحام خصوصيتهم في غرف المستشفيات وحتى تتبع واكتشاف الأنشطة المريبة والعنف المنزلي.
وأضاف الفريق أيضا أن هذه التقنية تحمي خصوصية الأفراد بشكل غير مسبوق، كونها لا تحتاج إلى التقاط صورة أو مقطع فيديو من أجل مراقبة الأفراد، مؤكدا أن هذه التقنية تحل محل تقنية "آر جي بي" (RGB) المنتشرة في العدسات والمستشعرات المختلفة.
وأشار الفريق أيضا إلى أن المعدات المستخدمة في التقنية رخيصة نسبيا ومنتشرة في كل منزل ولا تحتاج إلى تثبيت أي معدات أو مستشعرات خاصة، وهو ما يؤكد تفردها وسهولة استخدامها في مختلف الأماكن حول العالم.
مخاوف أمنية
رغم أن الفريق يرى مزايا عديدة في التقنية، فإن انتشارها يقوض من حرية وخصوصية الأفراد والمستخدمين، إذ يمكن الآن عبر هذه التقنية تتبع وجود أي شخص وتصرفاته داخل منزله وفي أكثر الأماكن حميمية، وذلك دون الحاجة لاختراق المنزل وتثبيت معدات أو أدوات مراقبة خاصة.
ويعني ذلك أن الشخص قد يكون مراقبا من قبل جهات خارجية أو شركات أخرى دون أن يدرك ذلك، ومع الحماية الضعيفة التي يتمتع بها أغلب أجهزة توجيه "واي فاي"، فضلا عن السلوكيات الأمنية الضعيفة للعديد من المستخدمين، يصبح كل جهاز "واي فاي" آلة مراقبة وتجسس مزروعة في كل منزل دون أن يشعر أحد بها.
من غير المعلوم إن كانت التقنية مطروحة للبيع أم لا، فضلا عن إمكانية استخدامها بشكل تجاري، ولكن من الأكيد أن السلطات الدولية والجهات الحقوقية الدولية لن تتركها تمر دون تشريعات وقوانين تنظمها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
ماذا يحدث لو نسخ الإنسان ذاكرته قبل الموت؟
لم يعد التفكير في "تحميل الوعي" أو "العيش الرقمي" حكرًا على الخيال العلمي، بل أصبح موضوعًا يحظى باهتمام متزايد في الأوساط الأكاديمية والتقنية. فمع التقدم الهائل في علوم الأعصاب الحاسوبية، وواجهات الدماغ-الحاسوب، والذكاء الاصطناعي، باتت الفكرة تُناقش بوصفها أحد المسارات الممكنة لتطوّر العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. تتعمق اليوم فرضية أن العقل البشري ليس سوى شبكة من الأنماط العصبية القابلة للتحليل والمحاكاة، وأن الإدراك والذاكرة والشعور بالذات يمكن – نظريًا – إعادة إنتاجها رقميًا داخل بيئات اصطناعية. في هذا الأفق، تلوح إمكانات غير مسبوقة: أن تنتقل الحياة من الجسد إلى السحابة، وأن يعيش الإنسان، بشكل أو بآخر، بعد الموت البيولوجي في عالم رقمي محوسب. بعيدًا عن أطروحات نظرية المحاكاة، يكتسب هذا التوجّه العلمي زخمًا متزايدًا، مدفوعًا بتقدم تكنولوجيا واجهات الدماغ- الحاسوب التي تسمح بقراءة الإشارات العصبية وربما إعادة إنتاجها. في مختبرات مثل "مختبر التجسيد الافتراضي" بجامعة ساسكس، يعمل الباحثون على بناء بيئات غامرة تُحاكي التجربة الإدراكية البشرية بكل تعقيدها، محاولةً محاكاة الشعور بالهوية الذاتية والذاكرة والانفعالات داخل فضاء رقمي. وفي مراكز مرموقة مثل مركز العقول والآلات التابع لمعهد MIT، تتواصل الجهود لفهم البنية العصبية للذكاء البشري تمهيدًا لمحاكاتها خوارزميًا، الأمر الذي يغذي طموحات "العيش الرقمي" بوصفه مشروعًا علميًا قيد التشكّل. ورغم أن هذه التصورات لا تزال بعيدة عن التطبيق الكامل، فإنها تفرض تحديات فلسفية وأخلاقية عميقة حول معنى الوعي وحدوده، وحول ما إذا كان بالإمكان فعلًا نقله من بيئة عضوية إلى أخرى رقمية. هل الوعي مجرّد نشاط كهربائي يمكن ترميزه؟ أم أنه يتجاوز حدود ما يمكن للآلة إدراكه؟ ماذا يحدث للروح، للنية، للشعور بالزمن والانتماء؟ في قلب هذه الأسئلة يتداخل البعد العلمي بالميتافيزيقي، ويُطرح التوتر بين محاكاة التجربة الإنسانية من جهة، وتجسيدها الحقيقي من جهة أخرى. تظهر في هذا السياق نماذج تخيّلية مثل "دماغ ماتريوشكا" – بنية افتراضية تعتمد على طاقة نجمية هائلة لإدارة حضارات رقمية بالكامل داخل طبقات حوسبة متراكبة – لتجسّد أقصى ما يمكن أن تبلغه هذه التصورات من طموح: أن تصبح الحياة ذاتها مشروطة بالبقاء في الذاكرة الرقمية، لا في الجسد، وأن تصبح "الهوية" شيئًا قابلًا للنسخ والتعديل والحفظ. ولكن هذه الرؤى – رغم إبهارها – تثير أيضًا قلقًا وجوديًا مشروعًا: هل يكفي أن تُحاكى الذاكرة والسلوك لكي نقول إننا ما زلنا أحياء؟ أم أن الإنسان يتجاوز مجرّد أنماط يمكن تمثيلها رقميًا؟ هنا تبرز الرؤية الدينية كخطاب موازٍ يرفض اختزال الإنسان في بيانات قابلة للترميز. في التصور الديني، لا يُختزل الوعي في تفاعلات عصبية ولا في رموز خوارزمية، بل هو متّصل بنفخة إلهية، وبمصير يتجاوز الحياة المادية. الموت ليس مجرّد توقف للوظائف البيولوجيّة، بل هو انتقال إلى طور آخر من الوجود لا يمكن للتكنولوجيا إدراكه أو تمثيله. وعليه، فإنّ كل محاولات "تحميل الوعي" تبقى، في أفضل الأحوال، محاولات لمحاكاة القشرة الظاهرة من التجرِبة الإنسانية، دون النفاذ إلى جوهرها الروحي. ورغم كلّ التقدّم في أدوات المحاكاة، تظلّ هناك فجوة لا يمكن ردمها بسهولة بين ما يمكن للآلة أن تحققه، وما يجعل الإنسان إنسانًا حقًا: الشعور بالمعنى، القدرة على التأمل، الإيمان، الحَيرة، التوق إلى الخلود بمعناه الأخلاقي والروحي، لا الرقمي فقط. صحيح أنّ الخوارزميات قد تتمكن من إعادة إنتاج السلوك البشري، وربما المشاعر المصطنعة، لكن هذا لا يعني أننا نقلنا "الوعي" فعلًا، بل أننا بنينا "مرآة" رقمية له، بلا ذات ولا عمق. إنّ التقدّم الهائل في علوم الدماغ والواجهات الذكية والبيئات الافتراضية يفتح أمام البشرية أبوابًا جديدة لإعادة تعريف الذات والوجود، ليس فقط من منظور تكنولوجيّ، بل من منظور وجوديّ عميق. لم يعد الإنسان مجرّد كائن بيولوجيّ يخضع لقوانين الفناء، بل مشروعًا مفتوحًا لإعادة التّشكيل، يمكن له أن يتجاوز حدوده الجسديّة ويتجسّد في صور جديدة من الوجود الرقْمي. ومع ازدياد الحديث عن تحميل الوعي والعيش الرقمي، يدخل الإنسان مرحلة جديدة من الحوار مع ذاته، تتجاوز الأسئلة التقليدية حول الهوية والمصير، لتطرح إشكاليات أكثر جذرية: من نكون حين ننفصل عن أجسادنا؟ هل يمكن للهوية أن تظل متماسكة إذا ما انتُزعت من سياقها العضوي وزُرعت في بيئة اصطناعية؟ هل يكفي أن تبقى أنماط وعينا محفوظة في خوادم ذكية حتى نستحق أن نُسمى "أحياء"؟ وما الذي يجعل الوعي حيًّا أصلًا: استمرارية البيانات؟ أم الحضور الذاتي، والشعور الأخلاقي، والقدرة على المعاناة، وتطلّع الأمل؟ وفي موازاة هذه الأسئلة، يلوح احتمال آخر لا يقل إثارة للدهشة والأسى معًا، وهو إمكانية إطالة عمر الإنسان عبر تدخلات بيولوجية ورقمية، تطيل من فعالية الجسد أو تُحاكيه حين ينهار. لكن السؤال الأعمق يبقى: هل تطويل العمر يعني تطويل الحياة، أم مجرّد تمديد للزمن دون المعنى؟ وماذا يحدث للذات حين يُصبح الزمن نفسه مشروعًا تكنولوجيًا؟ في هذه اللحظة المفصلية، لا يواجه الإنسان فقط تحدي التكنولوجيا، بل تحدي المعنى. فالمسألة لا تتعلق بإمكانية العيش الرقمي أو إطالة العمر بوصفهما إنجازين علميين، بل بقدرتهما على احتواء عمق التجربة الإنسانية بكل ما تنطوي عليه من هشاشة وغموض وحنين إلى ما لا يُختزل في معادلات. قد تمنحنا هذه التقنيات امتدادات غير مسبوقة للوجود، وقد ننجح في محاكاة جوانب من وعينا داخل أنظمة رقمية فائقة الذكاء. بل قد نعيش أكثر، وأطول، وربما بأجساد أكثر قدرة، وذكريات محفوظة في سُحب ذكية. ومع ذلك، ما لا يجب أن نغفله هو أن الإنسان، في جوهره، ليس مجرد كائن معلوماتي. فالوعي ليس فقط ما نعرفه، بل أيضًا ما نجهله عن أنفسنا، وما نشعر به دون أن نستطيع ترجمته. وبينما تتسابق التقنيات لمحاكاة الإنسان وإطالة عمره، تذكّرنا الروح بأن هناك دائمًا ما يفلت من المحاكاة، وهو: المعنى.


الجزيرة
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
كيفية منع "ميتا إيه آي" من التدريب بواسطة البيانات الشخصية
تخطط شركة ميتا لاستعمال المعلومات والمحتوى العام على شبكات التواصل الاجتماعي التابعة لها مثل فيسبوك و إنستغرام وتطبيق التواصل الفوري " واتساب" لتدريب الذكاء الاصطناعي "ميتا إيه آي" (Meta AI) بدءا من 27 آيار/مايو المقبل. ويمكن للمستخدم الاعتراض على هذا الإجراء بدون إبداء أسباب. وأوضحت شركة ميتا أنها توفر استمارات عبر الإنترنت للاعتراض على هذا الإجراء بشبكتي فيسبوك وإنستغرام، ولكن لا يمكن الوصول إلى هذه الاستمارات إلا بعد تسجيل الدخول في هذه الخدمات، ويلزم إدخال عنوان البريد الإلكتروني، الذي يستعمله المستخدم للوصول إلى الخدمة المعنية، ويمكن ترك خانة النص الأخرى خالية من البيانات؛ حيث لا يُشترط وجود أسباب للاعتراض على هذا الإجراء. آخر موعد للاعتراض وأوصى مركز حماية المستهلك بولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية بعدم الموافقة على استعمال البيانات الخاصة لتدريب الذكاء الاصطناعي حتى 26 آيار/مايو المقبل على أقصى تقدير؛ لأن البيانات الخاصة بعد هذا التاريخ ستصبح جزءا من الذكاء الاصطناعي، ولا يسري الاعتراض المقدم في يوم 27 آيار/مايو أو في أي تاريخ لاحق إلا على المحتويات المنشورة بدءا من وقت الاعتراض. وأشار الخبراء الألمان إلى أن شركة ميتا تريد استعمال "المحتوى العام في منتجات ميتا" إلى جانب البيانات المتاحة بشكل عام لتدريب نماذج الاصطناعي الخاصة بها وتحسينها بدرجة كبيرة، ويمكن للمستخدم الاطلاع على التفاصيل في شرح شركة ميتا لاستخدام المعلومات في الذكاء الاصطناعي التوليدي. وبحسب ما أوضحته الشركة الأميركية فإن المحادثات الشخصية على تطبيق التراسل الفوري "واتساب" لا تعتبر معلومات عامة، ويتم تشفير هذه المعلومات من النهاية إلى النهاية، ولكن بمجرد اتصال تطبيق التراسل الفوري "واتساب" بالذكاء الاصطناعي "ميتا إيه آي" أو ربط الذكاء الاصطناعي "ميتا إيه آي" في المحادثة الجماعية، فإن أجزاء الاتصال مع "ميتا إيه آي" لم تعد مشفرة من النهاية للنهاية، وبالتالي فإنها تصبح معلومات "عامة". وأوضح المركز الألماني أنه يتم استعمال جميع الاستفسارات والرسائل، التي يتم إرسالها إلى روبوت الدردشة بالذكاء الاصطناعي، لتدريب وظيفة الذكاء الاصطناعي "ميتا إيه آي"، وإذا لم يرغب المستخدم في ذلك فإنه يتعين عليه التخلي عن استعمال الذكاء الاصطناعي "ميتا إيه آي" في تطبيق التراسل الفوري "واتس آب" وعدم استعمال خانة الإدخال "ميتا إيه آي" أو النقر على الدائرة الزرقاء أو جلب مساعد الذكاء الاصطناعي إلى المحادثة الجماعية عن طريق "@MetaAI". التعامل بحذر مع البيانات الشخصية وأوصى الخبراء الألمان المستخدمين، الذين يستعملون الذكاء الاصطناعي في تطبيق التراسل الفوري "واتساب" وشبكات التواصل الاجتماعي فيسبوك وإنستغرام أو أي خدمات أخرى لشركة ميتا، بالتعامل بعناية وحذر مع البيانات الشخصية، ولا ينبغي أبدا إدخال البيانات الحساسة مثل الأسماء وتواريخ الميلاد أو المعلومات الصحية، سواء كان في وظيفة "ميتا إيه آي" أو آي مساعد ذكاء اصطناعي آخر. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن تعطيل وظيفة "ميتا إيه آي" أو الدائرة الزرقاء أو حتى إخفاؤها في خدمات شركة ميتا، ولذلك يتعين على المستخدم تجاهل هذه الوظيفة في حالة عدم الرغبة في استعمالها.


الجزيرة
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- الجزيرة
محاولات رقمية لإطالة أعمارنا.. كيف ذلك؟
لم يعد التفكير في "تحميل الوعي" أو "العيش الرقمي" حكرًا على الخيال العلمي، بل أصبح موضوعًا يحظى باهتمام متزايد في الأوساط الأكاديمية والتقنية. فمع التقدم الهائل في علوم الأعصاب الحاسوبية، وواجهات الدماغ-الحاسوب، والذكاء الاصطناعي، باتت الفكرة تُناقش بوصفها أحد المسارات الممكنة لتطوّر العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. تتعمق اليوم فرضية أن العقل البشري ليس سوى شبكة من الأنماط العصبية القابلة للتحليل والمحاكاة، وأن الإدراك والذاكرة والشعور بالذات يمكن – نظريًا – إعادة إنتاجها رقميًا داخل بيئات اصطناعية. في هذا الأفق، تلوح إمكانات غير مسبوقة: أن تنتقل الحياة من الجسد إلى السحابة، وأن يعيش الإنسان، بشكل أو بآخر، بعد الموت البيولوجي في عالم رقمي محوسب. بعيدًا عن أطروحات نظرية المحاكاة، يكتسب هذا التوجّه العلمي زخمًا متزايدًا، مدفوعًا بتقدم تكنولوجيا واجهات الدماغ- الحاسوب التي تسمح بقراءة الإشارات العصبية وربما إعادة إنتاجها. في مختبرات مثل "مختبر التجسيد الافتراضي" بجامعة ساسكس، يعمل الباحثون على بناء بيئات غامرة تُحاكي التجربة الإدراكية البشرية بكل تعقيدها، محاولةً محاكاة الشعور بالهوية الذاتية والذاكرة والانفعالات داخل فضاء رقمي. وفي مراكز مرموقة مثل مركز العقول والآلات التابع لمعهد MIT، تتواصل الجهود لفهم البنية العصبية للذكاء البشري تمهيدًا لمحاكاتها خوارزميًا، الأمر الذي يغذي طموحات "العيش الرقمي" بوصفه مشروعًا علميًا قيد التشكّل. ورغم أن هذه التصورات لا تزال بعيدة عن التطبيق الكامل، فإنها تفرض تحديات فلسفية وأخلاقية عميقة حول معنى الوعي وحدوده، وحول ما إذا كان بالإمكان فعلًا نقله من بيئة عضوية إلى أخرى رقمية. هل الوعي مجرّد نشاط كهربائي يمكن ترميزه؟ أم أنه يتجاوز حدود ما يمكن للآلة إدراكه؟ ماذا يحدث للروح، للنية، للشعور بالزمن والانتماء؟ في قلب هذه الأسئلة يتداخل البعد العلمي بالميتافيزيقي، ويُطرح التوتر بين محاكاة التجربة الإنسانية من جهة، وتجسيدها الحقيقي من جهة أخرى. تظهر في هذا السياق نماذج تخيّلية مثل "دماغ ماتريوشكا" – بنية افتراضية تعتمد على طاقة نجمية هائلة لإدارة حضارات رقمية بالكامل داخل طبقات حوسبة متراكبة – لتجسّد أقصى ما يمكن أن تبلغه هذه التصورات من طموح: أن تصبح الحياة ذاتها مشروطة بالبقاء في الذاكرة الرقمية، لا في الجسد، وأن تصبح "الهوية" شيئًا قابلًا للنسخ والتعديل والحفظ. ولكن هذه الرؤى – رغم إبهارها – تثير أيضًا قلقًا وجوديًا مشروعًا: هل يكفي أن تُحاكى الذاكرة والسلوك لكي نقول إننا ما زلنا أحياء؟ أم أن الإنسان يتجاوز مجرّد أنماط يمكن تمثيلها رقميًا؟ هنا تبرز الرؤية الدينية كخطاب موازٍ يرفض اختزال الإنسان في بيانات قابلة للترميز. في التصور الديني، لا يُختزل الوعي في تفاعلات عصبية ولا في رموز خوارزمية، بل هو متّصل بنفخة إلهية، وبمصير يتجاوز الحياة المادية. الموت ليس مجرّد توقف للوظائف البيولوجيّة، بل هو انتقال إلى طور آخر من الوجود لا يمكن للتكنولوجيا إدراكه أو تمثيله. وعليه، فإنّ كل محاولات "تحميل الوعي" تبقى، في أفضل الأحوال، محاولات لمحاكاة القشرة الظاهرة من التجرِبة الإنسانية، دون النفاذ إلى جوهرها الروحي. ورغم كلّ التقدّم في أدوات المحاكاة، تظلّ هناك فجوة لا يمكن ردمها بسهولة بين ما يمكن للآلة أن تحققه، وما يجعل الإنسان إنسانًا حقًا: الشعور بالمعنى، القدرة على التأمل، الإيمان، الحَيرة، التوق إلى الخلود بمعناه الأخلاقي والروحي، لا الرقمي فقط. صحيح أنّ الخوارزميات قد تتمكن من إعادة إنتاج السلوك البشري، وربما المشاعر المصطنعة، لكن هذا لا يعني أننا نقلنا "الوعي" فعلًا، بل أننا بنينا "مرآة" رقمية له، بلا ذات ولا عمق. إنّ التقدّم الهائل في علوم الدماغ والواجهات الذكية والبيئات الافتراضية يفتح أمام البشرية أبوابًا جديدة لإعادة تعريف الذات والوجود، ليس فقط من منظور تكنولوجيّ، بل من منظور وجوديّ عميق. لم يعد الإنسان مجرّد كائن بيولوجيّ يخضع لقوانين الفناء، بل مشروعًا مفتوحًا لإعادة التّشكيل، يمكن له أن يتجاوز حدوده الجسديّة ويتجسّد في صور جديدة من الوجود الرقْمي. ومع ازدياد الحديث عن تحميل الوعي والعيش الرقمي، يدخل الإنسان مرحلة جديدة من الحوار مع ذاته، تتجاوز الأسئلة التقليدية حول الهوية والمصير، لتطرح إشكاليات أكثر جذرية: من نكون حين ننفصل عن أجسادنا؟ هل يمكن للهوية أن تظل متماسكة إذا ما انتُزعت من سياقها العضوي وزُرعت في بيئة اصطناعية؟ هل يكفي أن تبقى أنماط وعينا محفوظة في خوادم ذكية حتى نستحق أن نُسمى "أحياء"؟ وما الذي يجعل الوعي حيًّا أصلًا: استمرارية البيانات؟ أم الحضور الذاتي، والشعور الأخلاقي، والقدرة على المعاناة، وتطلّع الأمل؟ وفي موازاة هذه الأسئلة، يلوح احتمال آخر لا يقل إثارة للدهشة والأسى معًا، وهو إمكانية إطالة عمر الإنسان عبر تدخلات بيولوجية ورقمية، تطيل من فعالية الجسد أو تُحاكيه حين ينهار. لكن السؤال الأعمق يبقى: هل تطويل العمر يعني تطويل الحياة، أم مجرّد تمديد للزمن دون المعنى؟ وماذا يحدث للذات حين يُصبح الزمن نفسه مشروعًا تكنولوجيًا؟ في هذه اللحظة المفصلية، لا يواجه الإنسان فقط تحدي التكنولوجيا، بل تحدي المعنى. فالمسألة لا تتعلق بإمكانية العيش الرقمي أو إطالة العمر بوصفهما إنجازين علميين، بل بقدرتهما على احتواء عمق التجربة الإنسانية بكل ما تنطوي عليه من هشاشة وغموض وحنين إلى ما لا يُختزل في معادلات. قد تمنحنا هذه التقنيات امتدادات غير مسبوقة للوجود، وقد ننجح في محاكاة جوانب من وعينا داخل أنظمة رقمية فائقة الذكاء. بل قد نعيش أكثر، وأطول، وربما بأجساد أكثر قدرة، وذكريات محفوظة في سُحب ذكية. ومع ذلك، ما لا يجب أن نغفله هو أن الإنسان، في جوهره، ليس مجرد كائن معلوماتي. فالوعي ليس فقط ما نعرفه، بل أيضًا ما نجهله عن أنفسنا، وما نشعر به دون أن نستطيع ترجمته. وبينما تتسابق التقنيات لمحاكاة الإنسان وإطالة عمره، تذكّرنا الروح بأن هناك دائمًا ما يفلت من المحاكاة، وهو: المعنى.