logo
البحوث الإسلامية: لا يغيب عن أذهاننا أن هدف الحضارة الإنسان قبل أي شيء

البحوث الإسلامية: لا يغيب عن أذهاننا أن هدف الحضارة الإنسان قبل أي شيء

صدى البلد٠٨-٠٢-٢٠٢٥

شارك الدكتور حسن يحيى أمين اللجنة العليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلامية في فعاليات مؤتمر (الحضارة الإنسانيَّة في التراث العربي والإسلامي.. أصالة الأثر وعالمية التأثير) والذي عقد بكلية البنات الإسلاميَّة بجامعة الأزهر بأسيوط.
وقال يحيى خلال كلمته، إنه لم يكن غريبًا أن تصدر دعوة لمؤتمر دولي عن الحضارة من صعيد مصر، ذلكم أن صعيد مصر مهد الحضارات، ولم يكن غريبًا أيضًا أن تتزعم هذه الدعوة جامعة الأزهر الشريف، تكلم الجامعة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ حاملة لواء الدين، ومعطياته الحضاريَة، ولم يكن غريبًا أن تتولى كلية البنات الإسلاميَّة بأسيوط تنظيم هذا المؤتمر؛ إذ هي الصرح العلمي المؤتمن على تشكيل عقل المرأة الحاضنة للحضارة الصانعة لها، الراعية لمستقبلها.
وأضاف أن عنوان المؤتمر (الحضارة الإنسانيَّة في التراث العربي والإسلامي.. أصالة الأثر وعالمية التأثير)، نتيجةُ قرائح علميَّة متقدة، وفهوم صائبة، ومناهج رصينة استوعبت حركة التاريخ الإنساني، واستخلصت من التراث الإسلامي ملامح الحضارة، واتخذت من القرآن الكريم وتطبيقات السنة النبويَّة مناهج الاستقراء الدقيق لسير الحضارات، وعواملَ ازدهارها، وعللِ اندثارها.
وأجاب يحيى خلال عرضه لبحثه الذي شارك به في هذا المؤتمر تحت عنوان: «أسس صناعة الحضارة في الإسلام»، عن سؤال مفاده: ما أسس صناعة الحضارة في الإسلام؟، ولماذا أدبرت حضارتنا بعد إقبال، وتحجرت بعد طول نمو وازدهار؟، موضحًا أنه للإجابة عن هذا التساؤل يجب علينا مراجعةُ الأسسِ التي بُنيت عليها الحضارةُ الإسلاميَّة، والبحثُ في الجذور والأصولِ التي كانت سببًا في ازدهار الحضارة الإسلاميَّة، وذلك لتكوين وصناعة حضارة إسلاميَّة ممثالة بروح معاصرة، فنظرة سريعة على العرب قبل الإسلام، وما كان لديهم من عادات وتقاليد، لا تمت للحضارة بصلة، وحالهم بعد الإسلام وما وصلوا إليه من رقي معرفي، أثمر حضارة كانوا هم أساتذتَها وروَّادَها، ومن ثَمَّ نبحث في المعطيات الإسلاميَّة التي انبثقت منها ينابيع الحضارة؛ لنصل إلى نتيجة مفادها أنَّ الحضارة المنبتة الصلة عن الإسلام؛ عقيدة وشريعة وأخلاقًا، لا تُعَدُّ حضارة، وأن سبب اندثار الحضارة الإسلاميَّة تخلي أبنائها عن الأسس والقيم التي جاء بها الإسلام.
أوضح أمين اللجنة العليا للدعوة أنه تكمن أهميَّة هذا الموضوع في أنَّه يمثِّل خارطة طريق لإعادة إنتاج الحضارة الإسلاميَّة من جديد، ويكشف القيم الحضاريَّة التي اشتمل عليها التراثُ الإسلامي، ويرشِّد الحضارةَ لخدمة الإنسان، ويحرِّر الإنسانيَّة من الأنانيَّة الماديَّة، وفق الرؤية الإسلاميَّة، مقررا أن العقيدة« فكرة مركزيَّة أوجدت عند صاحبها من الثبوت واليقين ما جعلها تستقرُّ في القلب، وما جعل القلبَ ينعقد عليها، فلا ينفك عنها، وهي بهذا تتمكن في القلب وتتملَّكُه وتتحكمُ في جميع ما يردُ عليه أو يصدرُ عنه من أفكار وأحاسيسَ، و مشاعرَ وعواطف، أو رغباتٍ وميولٍ، أو نزعاتٍ واتجاهاتْ، ومن ثَمَّ فإنَّ العقيدة تفرض على معتنقيها التزامات خاصة وعامَّة، وهذه الالتزامات توجِّه وتصرِّف حركة الإنسان في الكون، وتضبط إنتاجَه الحضاريَّ الماديَّ بمقوماتها الروحيَّة، فإذا كانت الحضارة من وجهة نظر البعض تعني البناء وتشييد المصانع وإنشاء الدواوين، فإن من ورائها قلب ينظر إلى مراد الله من هذه الصنائع والمنجزات، فيطوِّعُها لمرضاة الله، ومن َثمَّ تحقق له السعادةُ في الدنيا والثوابُ في الآخرة، وهكذا نجد ارتباطًا وثيقًا بين العقيدة والحضارة، بما يؤكِّد أنَّ ارتباط العقيدة بالحضارة ليس مجرد دعوى أو فلسفة، بل إنها أساسٌ ضروريٌّ لإنتاج حضارة تسعد بها البشريَّة،
وأوضح يحيى أنه في ضوء هذه المعطيات نستطيع أن نفسر وفرة النتاج العلمي للحضارة الإسلاميَّة في باب العقيدة، وتحديد علاقة الإنسان بخالقة، والتركيز اللافت للانتباه في ثراء المكتبة الإسلاميَّة بكتب العقيدة، وعلاقة هذه الكتب بالحضارة الإسلاميَّة التي ما كادت شمسها تغيب عن بقعة من بقاع العالم الإسلامي حتى تشرق في بقعة أخرى، وأنَّ الشريعة أساس في بناء الحضارة، وبغير الشريعة تكون المنجزات الحضاريَّة أمراضًا اجتماعيَّة تحتاج لعلاج، وليست حضارة، «ولا يجوز أن يغيب عن أذهاننا أنَّ هدف الحضارة هو الإنسان قبل أي شيء آخر، وفي تأكيدنا على معنى الإنسان وكرامته وحريته لا نعدو قول الحقِّ إذا قلنا: إنَّ الحضارة –أي حضارة- تنتهي عندما تفقد في شعورها معنى الإنسان»،وبما أنَّ الإنسان هو هدف الحضارة وموضوعها، اعتنت الشريعة بحفظ الإنسان، فنتج عن ذلك ما عُرف «بالْمُحَافَظَةِ عَلَى الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ -وَهِيَ: الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، والعِرْضُ، وَالْمَالُ، وَالْعَقْلُ- وَعِلْمُهَا عِنْدَ الْأُمَّةِ كَالضَّرُورِيِّ.
وهنا نؤكِّد مرة ثانيَّة أنَّ الشريعة وَفْقَ هذا التصور ركن أصيل في بناء الحضارة، فإذا ما رجعنا إلى تراثنا الإسلاميِّ خاصة في كتب الفقه، ومذاهبه الأربعة الكبرى- الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة والحنبليَّة- وتتبعنا هذا التراث وجدناه محمَّلًا بحصيلة ضخمة جاءت لتحقيق المبادئ الحضاريَّة.
وأكد د. حسن يحيى أن الأخلاق هي الحافة للمكتسبات الحضاريَّة، والمنجزات، وأن الحضارة بدون أخلاق منبثقة عن شريعة نابعة من عقيدة سليمة هي وبال على البشرية، ودمار للخصائص الإنسانيَّة، والواقع خير شاهد على ذلك، وهنا تتمايز الحضارة الإسلاميَّة، وتصبح الأخلاق أساسًا راسخًا فيها، في وقت تجردت غيرها، وتعرت عن الأخلاق، وفي ضوء هذه الأفكار نستطيع أن نفهم وفرة الموروث الأخلاقي في التراث الإسلامي، وهو موروث ضخم يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبويَّة، ويؤسس لحضارة تحترم الإنسان، مختتما بعدة توصيات منها: بناء تصور حضاري، تشترك فيه المؤسسات الأكاديميَّة البحثيَّة، يعمل على إحياء الحضارة الإسلاميَّة، ترسيخ الفكرة الحضاريَّة في المقررات الدراسيَّة لدى طلاب المدارس والجامعات من خلال مقررات دراسيَّة، تجمع بين المقومات الماديَّة والروحيَّة للحضارة وفق الرؤية الإسلاميَّة؟، تقويم المفهوم الحضاري كما تقرره الرؤية الإسلاميَّة، وتفنيد الشبهات التي تلحق به من أنصار الحضارة الماديَّة الغربيَّة، وذلك عبر المنتديات الشبابيَّة، والتجمعات الطلابيَّة، والندوات التثقيفيَّة، قراءة التراث الإسلامي قراءة حضاريَّة، وذلك باستخلاص المظاهر الحضاريَّة في كل فن من فنون التراث الإسلامي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نزعة البقاء: ما هي أوجه التبرير لها؟
نزعة البقاء: ما هي أوجه التبرير لها؟

شبكة النبأ

timeمنذ 2 أيام

  • شبكة النبأ

نزعة البقاء: ما هي أوجه التبرير لها؟

ان الإنسان البدائي اكسبته حاجته للبقاء إلى النزعة الاجتماعية وإلى الحرص على العيش ضمن مجموعات كان يربطها التعاون والتكافل في مواجهة الأخطار المحيطة، حدث ذلك حتى قبل أن يتاح له تعلم الكلام، فتعود كل مظاهر التطور التي شهدتها البشرية من تقويم السلوك واكتساب المعارف إلى تلك العلاقات الاجتماعية المترابطة بصيغتها البدائية... الحقيقة المفروضة على الانسان ان له نقطة بداية ونقطة نهاية، ومابين النقطتين فرضت عليه رسالة يتوجب عليه إنجازها وايصالها وهذا المسلم به، لكن بجانب هذه الحقيقة ثمة حقيقة تقول ان الانسان يمتلك نزعة للتشبث بالحياة والرغبة في عدم مغادرتها رغم المها وضيقها وكل ما فيها من القباحة والعسر، فكي تفسر نزعة الانسان للبقاء؟ في الواقع لم تجد انساناً يريد مغادر الحياة وان سمعت عبارة تدل على ذلك فهي من باب الجزع عند المصيبة او عندما يشتد به ضيق الحياة وحصارها عليه، وحين تهدئ موجة الغضب ستجده يعود ثانية محباً للحياة ولاهثاً خلف تفصيلاتها ومنافعها، ولا اعرف هل هذه هي سنة الحياة ام هناك خللاً في تفكير الانسان تجعله متمسكاً بالحياة بأسنانه قبل كفيه. من الواقع انا شخصياً رأيت أحدهم الذي قد وصل به السن الى قرابة الثمانون عاماً او ربما أكثر بقليل، فقد كان حين يذكروه بالموت ولو على طريقة المزاح تراه يصفر وجهه وكأنه لازال ينتظر امر يتحقق له لكي يغادر الحياة فكان يرفض هذه الفكرة ولو كانت مزحة، هذا المثال هو نموذج للإنسان الذي يحب الحياة حباً جما ويريد البقاء فيها ما استطاع تلبية لرغباته النفسية وبدوافع محتملة سنمر على ذكرها. في دراسة للباحثة في الأصول البشرية (بيني سبايكنس) قالت" أن الإنسان البدائي اكسبته حاجته للبقاء إلى النزعة الاجتماعية وإلى الحرص على العيش ضمن مجموعات كان يربطها التعاون والتكافل في مواجهة الأخطار المحيطة، حدث ذلك حتى قبل أن يتاح له تعلم الكلام، فتعود كل مظاهر التطور التي شهدتها البشرية من تقويم السلوك واكتساب المعارف إلى تلك العلاقات الاجتماعية المترابطة بصيغتها البدائية"، يعني لو البقاء لما استطاع الانسان من تطوير نفسه والوصول بها الى ماهي عليه الآن. ماهي مبررات نزعة الانسان للبقاء؟ يرى الانسان ان له الحق في البحث عن البقاء قدر الممكن من وجهات نظر مختلفة من أهمها: من وجهة نظر نفسية كما يرى فرويد ان غريزة الحياة وغريزة الموت هم من يشعلان الصراع في الحياة الإنسانية، ولو هذا الصراع لما كان للإنسان قوة تدفعه للعيش والاستمرار رغم كل المتاعب، اذ ان الطبعي ان يستسلم للمرض للفقر وحتى للمشكلات الأخرى التي تعترضه في كل مرة. فالإنسان يجب عليه أن يرغب في البقاء لا بل أن يدافع عن ذلك حتى لو كان في أسفل المنازل الإنسانية، لذلك فالبحث في غريزة البقاء هو محرك انجاز الانسان وقوته النفسية الخفية التي تحفزه للعيش بمستوى معيشي جيد او مقبول على اقل تقدير والعكس بالعكس. اما من وجهة نظر دينية فأن الرغبة بالبقاء يبررها الانسان بكون الله سبحانه وتعالى هو من فطر الإنسان على حب الحياة، ولولا ذلك لما كان الإنسان قابلاً لإعمار الأرض والسعي فيها والتكاثر عليها، ولولا تلك المعجزة النفسية التي تقوى بالإنسان على تجاهل فكرة الموت لما استطاع أن يعيش يوماً واحدا، يعني ان فكرة التمسك بالبقاء هي لأداء ما يفرض على الانسان وليس استأثراً بما فيها من منافع مادية رخيصة. ومن وجهة نظر تطورية يمكن تفسير الأمر ببساطة ان الانسان لم يكن كذلك لما كان موجوداً اليوم، فحرص الانسان على البقاء يعني الرغبة في الاستمرار بالنسبة للنوع الإنساني الذي سينقرض لو لم ينجب اطفالاً، فالأنجاب هو صورة من صور نزعة الانسان للبقاء في الحياة رغم كل ما فيها، ومن هذه الوجهات الثلاث يبرر الانسان لنفسه حقه بالعمل على البقاء، فهل يحق للإنسان التشبث بالحياة كما هو عليه الآن؟.

بين العقل البشري والذكاء الاصطناعي … د. خالد جمال
بين العقل البشري والذكاء الاصطناعي … د. خالد جمال

التحري

timeمنذ 3 أيام

  • التحري

بين العقل البشري والذكاء الاصطناعي … د. خالد جمال

منذ فجر الحضارات، شغل بال الإنسان سؤالٌ مركزي: هل يمكن التنبؤ بما سيحدث؟ ومتى وأين سيقع الحدث؟ وهل يمكن التعامل معه قبل أن يحدث؟ من هنا انطلقت فكرة 'نظرية الاحتمالات'، كوسيلة لفهم المجهول والتقليل من أثر الصدفة. وقد ظهرت أهمية هذا السؤال في أعمق صوره في ميداني الأمن والاقتصاد، حيث يسعى الإنسان إلى حماية نفسه من المخاطر التي تهدد أمنه ومعاشه. هذا السعي لم يكن مجرد ترف معرفي. منذ أن سعى ملك مصر في قصة النبي يوسف إلى تفسير حلمه عن البقرات السمان والعجاف، كان التفسير من وحي إلهي، لا يعلمه إلا الله. وقد فشل الإنسان، رغم محاولاته، في تقديم إجابات يقينية. فالاشتراكيون، الذين حاولوا تنظيم الاقتصاد، اصطدموا بواقع معقد أفشل مشاريعهم. وحدها البورصة اليوم، على فوضاها، تطرح احتمالات السوق، لكنها لا تنظمها. وهنا تبرز الأسئلة الجوهرية: هل سيملك الإنسان يومًا القدرة على تنظيم الاحتمالات وتحجيمها بحيث يتمكن من التنبؤ بالزمان والمكان للحدث قبل وقوعه؟ هل يمكن تجاوز 'الاحتمال' نحو 'اليقين'؟ المجالات التي تتوق لمثل هذه القدرة لا تُحصى: من الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات والعواصف والحرائق، إلى الأزمات الاقتصادية من انهيارات أسعار ونقص إمدادات وأزمات في النقل وسلاسل الإنتاج، إلى القلاقل السياسية من احتجاجات إلى حروب، فإلى تغيرات اجتماعية عميقة مثل موجات الهجرة والتحولات في نمط الحياة والتعليم والعمل والعلاقات الاجتماعية. ثم يطلّ سؤال العصر: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي، الذي يتغذى على كمٍّ هائل من البيانات ويتعلم من التفاعلات، أن يختصر كل هذه الاحتمالات؟ هل يمكن أن 'يعلم' ما لا يعلمه إلا الله؟ هل ينجح حيث فشل الإنسان؟ هل نبني بأيدينا 'إلهًا صغيرًا' من السيليكون والشفرة؟ أم أن المسافة بيننا وبين هذا الخيال لا تزال بعيدة جدًا؟ صحيح أن الذكاء الاصطناعي قادر اليوم على توقع بعض الاتجاهات الاقتصادية أو الطبيعية بدقة نسبية، لكنه لا يزال محكومًا بالاحتمال، لا باليقين. فالعالم متغير، معقد، تحكمه مفاجآت تتجاوز النماذج والمعادلات. الاحتمال سيبقى جزءًا من وعينا، لأنه يعكس طبيعة الوجود نفسه: لا يقين فيه إلا ندر. هل يكون الذكاء الاصطناعي خلاصنا من عشوائية الاحتمال؟ أم مجرد أداة جديدة نحاول بها مواجهة المجهول؟ ذلك هو التحدي، وتلك هي معركة الفكر القادمة.

الاصلاح في الارض
الاصلاح في الارض

شبكة النبأ

timeمنذ 6 أيام

  • شبكة النبأ

الاصلاح في الارض

إن دعوة القرآن الكريم إلى عدم الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، هي نداء مستمر للمجتمعات أن تحافظ على نعمة الإصلاح والبناء، وأن تجعل من العلم والعمل وسيلتين للعمران لا للهدم. وبهذا المعنى، يكون بامكان الاقتصاد الحضاري استثمار القيم القرآنية في واقع الحياة المعاصرة، حيث يتحقق التوازن بين الإنسان والأرض، بين التنمية والاستدامة... ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾: رؤية قرآنية ضمن الاقتصاد الحضاري تُعد الآية الكريمة: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ (الأعراف: 56) من الركائز القرآنية التي تؤسس لفكرة متكاملة حول العمران البشري والنهضة الحضارية، وتسلط الضوء على أهمية الحفاظ على التوازن البيئي والاجتماعي والاقتصادي. وهي تُعتبر نموذجًا لقيم قرآنية ترتبط بالعنصر الثاني من عناصر المركب الحضاري: الإنسان والارض والزمن والعلم والعمل. ما معنى إصلاح الأرض؟ إصلاح الأرض في المفهوم القرآني لا يقتصر على الجوانب الروحية أو الأخلاقية فقط، بل يمتد إلى مختلف مناحي الحياة، ويمكن تلخيصه في النقاط التالية: - إقامة العدل الاجتماعي: كاحترام الحقوق، وإقامة القسط، ورفع الظلم عن الناس. - تحقيق العدالة الاقتصادية: من خلال الوفاء بالكيل والميزان، ومنع الاحتكار والتلاعب في الأسواق. - الاستقرار البيئي: عبر الحفاظ على الموارد الطبيعية، وحماية التوازن البيئي الذي هو أساس الاستدامة. - استثمار الأرض بالزراعة: وهو من أهم مظاهر الإصلاح، فالأرض خلقت للإنبات والعطاء. واستصلاح الأراضي وزراعتها يدخل ضمن مسؤولية الإنسان كخليفة في الأرض. - الاستفادة من العلم والتكنولوجيا: خصوصًا في مجال الزراعة الحديثة، مثل استخدام تقنيات الري الذكي، وتحسين البذور، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في إدارة المحاصيل، مما يزيد من الإنتاجية ويقلل الهدر، وهو ما يتفق مع مبدأ الإصلاح والتطوير المستمر. ما هو الإفساد في الأرض؟ الإفساد في الأرض يعني التعدي على القيم التي قامت عليها الحياة المستقرة، ويشمل: - الظلم والاستغلال: مثل استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، أو احتكار الثروات وتهميش الفقراء. - الفساد المالي والاقتصادي: كالغش، والربا، والتلاعب بالأسواق، مما يؤدي إلى تدهور الاقتصاد وانتشار الفقر. - الإضرار بالبيئة: من خلال التلوث، وقطع الأشجار، والإفراط في استخدام الموارد، مما يهدد الأجيال القادمة. - تعطيل الطاقات البشرية: بإهمال العلم، وإهمال استثمار الإمكانات في البناء لا الهدم. من خلال هذه الاية واشباهها يمكن ان نفهم ان الاقتصاد الحضاري، كمفهوم حديث، يتكامل مع الرؤية القرآنية التي تدعو إلى تنمية شاملة تجمع بين الروح والمادة، بين الأخلاق والتنمية. فمبدأ "إصلاح الأرض" يُعد دعامة أساسية لهذا الاقتصاد، إذ يدعو إلى: - تنمية بشرية عادلة. - استثمار الموارد بشكل مستدام. - توظيف العلم لخدمة الإنسان. - تحقيق توازن بين الإنتاج والاستهلاك. إن دعوة القرآن الكريم إلى عدم الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، هي نداء مستمر للمجتمعات أن تحافظ على نعمة الإصلاح والبناء، وأن تجعل من العلم والعمل وسيلتين للعمران لا للهدم. وبهذا المعنى، يكون بامكان الاقتصاد الحضاري استثمار القيم القرآنية في واقع الحياة المعاصرة، حيث يتحقق التوازن بين الإنسان والأرض، بين التنمية والاستدامة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store