
«المنسيون بين ماءين» لليلى المطوع
تتدفق في رواية «المنسيون بين ماءين» للكاتبة البحرينية ليلى المطوع (دار «رشم للنشر والتوزيع» - 2024) محفزات تثير مشاعر مختلطة لدى المتلقي، خصوصاً في أبرز عنصرين من عناصر البيئة المحلية: البحر والنخيل. وهي رواية تعيد الشعور بنشوة ارتطام الماء بالأقدام على السواحل، وتعود بنا إلى مباهج الطفولة من التقاط الأصداف. إنها تذكرنا بطعم «الخلال» اللاذع، وبأصوات العصافير وهي تلتقط الرطب الجني. وترجعنا إلى مواسم الاصطياف في بِرَك الماء الارتوازية وسط مزارع النخيل.
لقد نسجت الكاتبة بلغة رشيقة بساطاً سردياً تداخلت فيه الأزمنة وتقاطعت. وحبكت خيوطه من حكايات تربط سيرة النساء في صراعهن المرير لعيش مشاعر الأمومة، مع غموض وكرم الماء والنخيل سواء بسواء، في معالجة سردية تستمد نسغها من الفانتازيا. فتارة تقدم النذور للبحر، وأحياناً يتم الاستعانة به لقضاء الحوائج.
وتنجح المؤلفة في إصدارها الثاني هذا على إيجاد صيغة فنية وإبداعية تؤكد من خلالها الارتباط المصيري بين عنصري النخلة والبحر في هذه الرقعة الجغرافية وانعكاسهما على الإنسان، تكويناً وحياة. ورسمت داخل هذا الإطار تاريخاً مفصلاً ضارباً في القدم منذ أرض الخلود: «دلمون» ذات المياه العذبة، في شكل ينابيع وعيون فوارة بعد مباركة الإله أنكي - كما تقول الأسطورة.
تشكل الرواية جهداً لافتاً أفصح عن امتلاك الكاتبة للأدوات اللازمة لتقديم رؤية جديدة ومن منظور مختلف لحكايات البحر الكثيرة، التي قال عنها الشاعر علي عبد الله خليفة: «مَلَّها الليل ومَجَّتها الظهيرة»، النخلة، كما يقول الناقد الدكتور علوي الهاشمي للنخلة هي الأم الحقيقة، والبحر هو الأب الشرعي مانح الخير والرزق، رغم قسوته وتجهمه وغدره من ناحية أخرى.
تتحرك أحداث «المنسيون»، وفق توجيه من البطلة «ناديا»، التي تعيش في جزيرة اصطناعية، نتيجة دفن البحر وتطويقه، وإثر القضاء على الينابيع الطبيعية. وذلك بين الماضي والحاضر، في صورة قصص مستلَّة من مذكرات جدتها نجوى عاشقة البحر والنخل، التي كشف عنها زميلها (آدم)، بعد أن كانت مجهولة.
تبدأ الرواية بقصة «سليمة»، المرأة التي تمّت التضحية بابنتها الوحيدة قرباناً حتى تتدفق المياه في عيون الماء من جديد، وتصف من ثم شقاءها. وتعود بعدها إلى الماضي السحيق في حكاية «إيا ناصر» فتصور مشاهد وطقوس عبادة إله الماء، بدراما حسية، لترسيخ فكرة ارتباط النوع البشري بمصدري الحياة على الجزيرة المتمثل في الماء والنخيل.
ومع تقدم أحداث الرواية، تحيك في قصة «درويش» مسار العادات القديمة بين أهالي الجزيرة وانتقالها إلى مَن استوطنها لاحقاً. فتصور مشاهد نقل الأحجار من بناء المعابد إلى بناء المساجد لحظة دخول أهالي الجزيرة في الإسلام. وتضيف إلى ذلك بعض العادات والتقاليد مع لمسة خاصة منها، مثل إلقاء الأطفال النبتات الصغيرات التي تُزرع في سلال الخوص في البحر، للترفق بحالهم وإعادة آبائهم. وملاقاة النساء للبحر بغرض ترويضه، زجراً ورقصاً.
وفي منعطف آخر من الرواية، تتم في قصة «مهنا» إعادة رسم مشاهد المعاناة في مهنة الغوص على اللؤلؤ، وما يصاحبها من شظف، وإعياء.
لقد ضفَّرت الكاتبة روايتها بعناية من مادة التاريخ، ومواد التراث، فضلاً عن طاقة خيالية وأسطرة أسبغت على العمل أبعاداً إضافية وكأنها تسطر سفر تكوين جديد خاص بهذه اليابسة المحاطة بالماء. وتمكنت في المحصلة النهائية من تقديم رؤية بدأت مع نقطة الصفر في التاريخ حتى وصلت بحركة دائرية إلى خلق أسطورة جديدة تمثلت في انتقام الماء لنفسه، وذلك بعد الاعتداء على البحر ومحاصرته في مكانه «بحيث لا سبيل له حتى يجزر بمائه فيفرّ، ولا سبيل ليمد موجه فينتقم، أو تعود فيه الحياة» صفحة 195.
تعيد الرواية الماضي المعيش في كنف البحر والنخل، والحكايات والميثولوجيا الموثَّقة التي تداولتها ألسنة الآباء والأجداد: بودرياه، وأم السعف والليف، وأم حمار، والحوتة التي ابتلعت القمر. وتبسط الأناشيد التي لازمت مرحلة الطفولة. ولكنها لم تكتفِ بذلك، بل جعلت البطلة تأخذ بزمام الحكي وتوجهه إلى أقصى نقطة في التاريخ حتى اللحظة الراهنة، من خلال تتبع سيرة البحر والنخلة، وما يحملانه من قيمة رمزية ومادية. لتتداخل ما حملته الأجيال من عادات وتقاليد موروثة.
واختارت أن تتكئ على أساطير دلمون، من خلال ناديا البطلة والشاهدة التي سجلت على صفحة الماء، بفراته وأجاجه، حيوات متعددة لأجدادها على مر العصور. شريط ذكريات سطرها الأسلاف في علاقتهم بالبحر والعيون العذبة وحب النخيل، لتدون ذاكرة الماء وذكريات لا يمكن قراءتها إلا حين يكون دمها «نخلاوياً». دم ورثته من جدتها «نجوى» وجدها «مهنا» الذي امتهن الغوص على اللؤلؤ. لتعرض بشكل مفصّل أهوال ما يتعرض له الغاصة في رحلة «الهولو واليامال»، ولتسطر تلك المشاهد من وسط «الهيرات»، حيث تتدفق المياه العذبة والمالحة. وتدخل، من ثم، فيما يسمى في علم النفس بـ«الديجافو»، مشيرة إلى أهمية هذه الينابيع العذبة ودورها المهم لمهنة الغوص على مر العصور: «هناك ينابيع عذبة متدفقة تقع على مقربة من الجزيرة الطاهرة، هناك سر الخلود، ومكامن القوة، فامنح البحر آلهتك»، صفحة 116.
تتنقل الكاتبة إذن في روايتها بين أزمنة متفرقة، وتتلمس في هذا التجوال الإسهام المهم لينابيع المياه العذبة ودورها في استيطان الجزيرة بوصفها مقصداً مغرياً. وهو ما حدث من قبل جميع الحضارات التي تركت أثراً، كاشفة عن طقوس كل حضارة، مستعينة بخيال ميثولوجي وآخر مستمَد من ذخيرة الثقافة الشعبية «كانت الجزيرة تحوي نساء دُفِنّ تحت الرمال، وتحولن إلى عُيُون، وحين تشرب من كل عين، ستجد طعمها مختلفاً كطعم صاحبتها» صفحة 56.
وحول هذه المسألة، نلحظ التفنُّن في استنبات هذه الأساطير، مثل تقديم قرابين البنات الصغيرات كي تبتل الأرض بدموعهن ويرتوي التراب بمائهن، فتتدفق المياه ويهلل الناس فرحاً في مواسم القحط. وتعرض لوحة لفتيات يغنين لإله المطر كي تبتلّ أرضهن، ويصاحب الغناء رقص تتحرك فيها شعورهن يميناً وشمالاً. وتستحضر في سياقات أخرى الحكايات المخيفة الخاصة بالبحر، من خرافة «بودرياه» خاطف الصيادين الذي كان يعيش في العالم السفلي، إلى حكاية البحر الغدار في صورة ملك متربع على عرشه، ومن حوله ترقص النسوة ويلفحن شعورهن أمامه، لعله يعيد الغائبين، وإلى عين سمّتها «حوز»، دمجت فيها عدة أساطير معاً، فهي امرأة تخرج حين يسود الليل، تختطف الرجال والأطفال، ذات جلد يشبه الحراشف، وعين حمراء مرعبة، وشعر ذي أفاعٍ صغيرة، وقدم حيوان، دمجاً لأسطورة «ميدوزا» التي تحوِّل مَن يقع نظره عليها إلى حجر، وخرافة أم حمار، وهي من أشهر الخرافات المرتبطة بذاكرة أهل البحرين.
وسلَّطت المطوع الأضواء على الوجود المهم للنخلة بشكل موازٍ مع الماء/ البحر. فقد سنّت القوانين لحمايتها على مدى عصور، فالأرض طُوّعت لتغرس فيها جذورها، لدرجة من يقطع نخلة أو يمس سعفها يُلعن وتطارده الآلهة، لتمنحهن بذلك خلال السرد ذاكرة، ذاكرة وقوفهن على الساحل ورؤيتهن جميع الوقائع التي حدثت على هذه الأرض؛ فهن شواهد، وعمرهن يتجاوز آلاف السنوات، ولهن ذاكرة واحدة، ووجع واحد، وكل نخلة تشعر بالأخرى، وينقلن ذاكرة بعضهن إلى بعض من خلال الماء، ويُوصى سابقاً بعدم النوم على أرض لا نخلة فيها، فهن حارسات الجزيرة. «حين لم تكن الطبيعة تعترف بالتقسيمات التي وضع حدودها البشر، تتمدد الأشجار في كل الاتجاهات، جذورها في قرية وثمرها يسقط في قرية أخرى» صفحة 74.
تتقاطع «المنسيون بين ماءين» إذن بين المستقبل والماضي. وناديا البطلة تعيش حاضراً ومستقبلاً فقد اتصاله بالماء، وتعوض ذلك بحالة ولادة وانبعاث لحيوات متعددة وتجارب سابقة وذكريات بتفاصيلها، كتذكر تلك الجزيرة الصغيرة في شرق الجزيرة الأم (النبيه صالح)، التي يحذرون الجميع من مد يدهم إلى أي فاكهة تُزرَع فيها، مهما كانت رغبتهم بها كبيرة، فالبحر سيعلم وسيطالب بها، وسيقلب أي قارب يخرج من الجزيرة والفاكهة على متنه. ولترى ذاكرة الماء، تنقيباً وبحثاً، ولتسطر سيرة البحر الذي أتت الحضارة الجديدة على موجه. إلا أنه غدر بجميع من يحبونه رافضاً التوبة حتى عندما تردد له النسوة: «توب توب يا بحر». تقول الكاتبة: «عليك قراءة البحر، فلكل شيء ملامح تختلف عن ملامح البشر، ولكن عليك إجادة قراءتها، كل شيء على وجه البحر من الممكن قراءته» صفحة 26.
«المنسيون بين ماءين» رواية كُتِبت لتسطر من جديد علاقة جميع من استوطن هذه الأرض بمائه وترابه، لتعيد أمجاد اسمها المرتبط بالماءين، وتدوّن ذاكرة أديان انطلقت من معابدها، وتعيد صياغة قصة المليون نخلة على أراضيها.
تتنقل الكاتبة إذن في روايتها بين أزمنة متفرقة وتتلمس في هذا التجوال الإسهام المهم لينابيع المياه العذبة ودورها في استيطان الجزيرة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
استعانة الأهلي بـ«الليلة الكبيرة» تُعيد الجدل بشأن حقوق الأعمال التراثية
أعاد إعلان النادي الأهلي المصري، الذي استعان خلاله بأغنية من أوبريت «الليلة الكبيرة»، الجدلَ في حق استغلال الأغنيات القديمة، وذلك بعد إعلان «جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين» اتخاذَ الإجراءات القانونية ضد النادي، لعدم الحصول على الموافقات اللازمة من ورثة صُنّاع الأغنية. جاء ذلك عقب طرح إعلان «عودة الفتى الذهبي»، الذي ظهر فيه نجم فريق الأهلي محمود حسن تريزيجيه، بعد الإعلان عن عودته إلى صفوف النادي قادماً من فريق طرابزون سبور التركي، ضمن صفقات الموسم الصيفي. وأكدت الجمعية أن الإعلان استغل الأغنية من دون الحصول على إذن كتابي من الورثة، مما يُعد إخلالاً بحقوق الملكية الفكرية التي يكفلها القانون المصري والاتفاقيات الدولية، معربة في بيان، صدر الأربعاء، عن أسفها على صدور هذا التجاوز من مؤسسة عريقة مثل النادي الأهلي، وفق البيان. وليست هذه هي المرةَ الأولى التي تتصدى فيها الجمعية لإعادة استخدام بعض الأغنيات القديمة دون الحصول على موافقات من صُنّاعها، من بينها رفض استخدام أغانٍ وطنية في أعمال دعائية، بالإضافة إلى بعض أغنيات العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، التي استُغلت في أحد الإعلانات التجارية دون الحصول على الموافقات اللازمة. لقطة من الإعلان (حساب الأهلي على «فيسبوك») وقال رئيس الجمعية، السيناريست مدحت العدل، إن الأزمة ليست مرتبطة بالنادي الأهلي، كما أن الجمعية لا ترغب في وصول المشكلات القانونية إلى القضاء، مضيفاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «القانون ينصُّ على ضرورة الحصول على موافقة صُنّاع الأغنيات وورثتهم قبل الشروع في إعادة تقديمها، وهو أمر قد لا يحدث بسبب رفض الورثة استغلالها أو عدم رضاهم عن طريقة إعادة تقديمها». وأوضح أن الإعلان كان يتوجَّب، قبل إصداره، الحصول على موافقة ورثة الثلاثي: الشاعر صلاح جاهين، والموسيقار سيد مكاوي، بالإضافة إلى المخرج صلاح السقا، لكونهم استخدموا الديكور نفسه، مشيراً إلى أن القانون ينص على حقوق الورثة ما داموا على قيد الحياة. وأشار رئيس الجمعية إلى أن هذه الحقوق لا تسقط بالتقادم، وهو ما يُجرى تطبيقه قانوناً مع جميع الورثة الأحياء والمعلومين للجمعية والمسجلين فيها، لافتاً إلى أن أحفاد الموسيقار سيد درويش ما زالوا يتلقّون عوائد عند إعادة استخدام أغنياته، رغم وفاته قبل أكثر من مائة عام. وهنا يشير الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين إلى أن الأزمة الرئيسية في مسألة حقوق الأغنيات التراثية ترتبط غالباً بالبحث عن العوائد المالية للورثة، وهذا ما يحدث غالباً عند إثارة هذه القضايا إعلامياً. وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «جهود التسوية عادة ما تنجح في هذه الأمور مع الحصول على العائد المادي المناسب». نجم الأهلي في الإعلان الذي نشر عبر منصات النادي الرسمية (حساب النادي على «فيسبوك») وأضاف أن «أحد أسباب استعانة جهات عدّة بالأغنيات القديمة هو الجماهيرية الكبيرة التي تتمتّع بها، والعاطفة التي تثيرها لدى الجمهور الذي ارتبط بها وجدانياً، فضلاً عن سهولة تنفيذها نسبياً، وفرص نجاحها الأعلى مقارنةً بكتابة كلمات وألحان جديدة». ويسمح قانون جمعية المؤلفين والملحنين والناشرين المصرية بمنح حقوق استغلال المصنفات الفنية بطريقتين: الأولى من خلال تقديم طلب للجمعية في القاهرة لاستغلال حقوق مصنّفٍ ما، حيث يدفع صاحب الطلب النسبة المالية المقرّرة، على أن تحولها الجمعية إلى المؤلفين والملحنين أصحاب الحقوق. أما الطريقة الثانية، فهي أن يتواصل طالب الاستغلال مع المؤلفين والملحنين مباشرةً دون إخطار الجمعية، وفي هذه الحالة يتوجب على المؤلفين والملحنين الأعضاء دفع نسبة مالية للجمعية مقابل منح حق الاستغلال. ويُشير رئيس الجمعية إلى أنهم دخلوا في مرحلة تفاوض، عبر المحامي الخاص بهم، مع النادي الأهلي، «لكون الورثة من عائلات صُنّاع الأغنية لا يمانعون في الإعلان، ومن ثمّ سيكون التوجّه نحو تسوية الأمر عبر اتفاقٍ مادي يتناسب مع منصّات العرض وطريقة استخدام المحتوى الخاص بالأغنية»، حسب قوله. لافتاً إلى أن الاتفاقات تختلف بحسب ما إذا كان الإعلان سيُعرض عبر المنصات الإلكترونية فقط، أو أيضاً على الشاشات.


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
ماري سليمان... الصوت العائد من الزمن الجميل
أن تُصادفَ إعلاناً عن حفلٍ للمطربة ماري سليمان سيجعلك تظنّ أن الزمن عاد بك 20 سنة إلى الوراء. سرعان ما تنظر إلى تاريخ الحفل لتتأكد من ألّا التِباس في الأمر، فتجد أن الفنانة اللبنانية ضربت موعداً مع جمهورها في 5 يوليو (تموز) 2025. على خشبة مسرح «كازينو لبنان» تطلّ نجمة التسعينات الشهر المقبل، بعد قرابة عقدَين من الغياب عن الإصدارات والحفلات. «اشتقت للناس وهم اشتاقوا إليّ. سأغنّي لهم ما أحبّوا من أعمالي»، تخبر ماري سليمان «الشرق الأوسط» بعد صمتٍ إعلاميٍ طويل. A post shared by Casino du Liban (@casinoduliban) «لما الحب بتشعل نارو»، «ده مكاني مش مكانها»، «في عينيك بدوّر»، «نجوم الضهر»، «بكرا منشوف»... عودةٌ إلى الأغاني الرومانسية التي حفرت في الذاكرة الموسيقية العربية. ستنهل سليمان من أرشيفها المتنوّع لتغنّي في الليلة المنتظرة، لكن هذا لا يعني أن الشهية ليست مفتوحة على الأعمال الجديدة: «أنا في طور الاستماع إلى أكثر من أغنية لانتقاء واحدة أصدرها صيفاً، كما ستكون لي حفلاتٌ أخرى خلال الصيف أيضاً». لا رجعة إذن في قرار عودة ماري سليمان إلى الساحة الغنائية. لكن ما الذي دفعها إلى الانكفاء كل تلك السنوات، ولماذا قررت التواري وهي في عزّ توهّجها؟ لا تستفيض كثيراً في شرح الأسباب. تكتفي بالقول إن سبب الابتعاد لم يكن شخصياً، لكنه «كان أقوى من شغفي بالفن». توضح: «شعرتُ حينها بأنّ ثمة تنازلات كثيرة يجب تقديمها على المستويين الفني والشخصي. كما أن الاستمرار في المجال كان رهن شبكةٍ من العلاقات التي لم أتآلف معها، فأنا إنسانة تحب أن تصون كرامتها إلى أقصى حدود». أطفأت ماري سليمان الأضواء من حولها بملء إرادتها وهي تؤكد أنها لم تندم يوماً على قرارها ذاك. «أهم ما فعلت خلال سنوات الغياب أنني استثمرت في إرادتي القوية، وهي حصّنتني ضد ضعفي أمام الفن الذي يجري في عروقي». تؤكد أنها لم تتخبط في صراع الرغبة بالعودة إلى الضوء، فهي لم تُصَب يوماً بحروقه، حتى عندما كانت لصيقةً به. أدركت منذ البداية أن أضواء الشهرة مخادعة وزائلة، لذلك فهي أمضت السنوات الفائتة في تحقيق حلمها بأن تكون «تيتا» وتهتم بأحفادها. ماري سليمان في إطلالة نادرة خلال حفل تكريمي (صور الفنانة) إلى جانب اهتماماتها العائلية، لم تتوقف المطربة يوماً عن تدريب صوتها، وهي اليوم تكثّف التمارين قبيل الحفل الذي تتولّى إنتاجه شخصياً. تستعدّ للإطلالة المقبلة بمزيجٍ من الرهبة والفرح، أما اللمسات الجمالية والتقنية والتسويقية فيضعها ابنُها المخرج أنطوان سليمان. تبوح بأنّ الأخير كان أحد أهم المفاتيح في اتخاذها قرار العودة: «سؤال أنطوان الدائم لي عن سبب غيابي الطويل في وقتٍ ما زلت قادرة على الغناء، شجّعني على التفكير ملياً بالموضوع». تتابع: «شعرت بأنني قسوت على نفسي بهذا البُعد. والآن بلغت مرحلة من القوة والنضج والاستقلالية والوضوح الفكري تتيح لي دخول الساحة بثقة». إلى جانب تأثّرها بإلحاح ابنها، أصغت ماري سليمان إلى الناس الذين كلما التقتهم في الأماكن العامة عاتبوها على الغياب وطالبوها بالعودة. كان لجمهورها صوتٌ وازن: «أشعر بشوقهم لي وهذا ما شجّعني أكثر على العودة إلى الساحة الفنية وتقديم الأغاني الراقية التي اعتادوا عليها مني. فكّرت أنه طالما صحتي جيدة وصوتي ما زال بألف خير، ليس عدلاً أن أحرم جمهوري من هذه السعادة». صحيح أن الجيل الصاعد لم يتعرف على ماري سليمان ولم يحفظ أغانيها، غير أن ذلك لم يحُل دون تحوّل أغنية «بكرا منشوف» الصادرة عام 2006 إلى «ترند» على منصة «تيك توك» قبل مدّة. تنظر بإيجابية إلى وسائل التواصل الاجتماعي «التي تقرّب المسافات بين الفنان والمتلقّي، وتعرّف الجيل الجديد على ما فاتهم من أعمالٍ قديمة». في مفكّرة ماري سليمان انطلق العدّ العكسي للعودة الكبيرة. في 5 يوليو ستُعيد الفنانة عقارب الساعة إلى الوراء. على خشبة كازينو لبنان، ستتذكّر تلك الشابةَ التي وقفت على مسرح «ستوديو الفن» قبل 4 عقود مؤديةً «في يوم وليلة» وحاصدةً المرتبة الأولى عن فئة الأغنية الكلاسيكية. ونزولاً عند رغبة جمهورها المشتاق، ستستحضر الكبار الذين تعاونت معهم خلال مسيرتها فصنعت معهم نجاحاتها؛ من ملحم بركات، إلى مروان خوري، مروراً بفيلمون وهبي، وجورج جرداق، وشاكر الموجي، وبهاء الدين محمد، وحسن أبو السعود، وغيرهم من صنّاع الأغنية العربية الخالدة.


الشرق الأوسط
منذ 3 ساعات
- الشرق الأوسط
مواقع التواصل تكرِّس فضاءً «فضائحياً» للخلافات الأسرية
تحوَّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة للخلافات الأسرية بين عدد من المشاهير، مع تبادل الاتهامات والسجالات من خلال الحسابات المختلفة، في وقت تتصدر فيه هذه الأخبار عادة اهتمامات المتابعين، وتشهد زيادة في التفاعل. آخر هؤلاء المشاهير البلوغر، شيماء سعيد، زوجة المطرب إسماعيل الليثي، التي خرجت في بث مباشر عبر حسابها تستغيث بمتابعيها، معلنةً تعرُّضها للاعتداء بالضرب وسرقة ذهبها من زوجها، وهو الفيديو الذي انتشر بشكل لافت، وصعد في قوائم «التريند» على «غوغل» بمصر، السبت. وحرص الليثي بعد ساعات من الواقعة على نفي ما ذكرته زوجته، وأكد، على صفحاته بمواقع التواصل؛ أنه لم يطلقها كما زعمت، وأن ما حدث بينهما هو مجرد خلافات أسرية عادية، ولم يكن هناك ضرب أو سرقة ذهب، مطالباً بعدم التدخل فيما يحدث بينهما. وليست هذه المرة الأولى التي يبرز فيها خلاف بين المطرب الشعبي وزوجته خلال الشهور الماضية، فبعد وفاة طفلهما «ضاضا» على خلفية سقوطه من شرفة منزلهما، دخل الثنائي في خلاف شهير بسبب مشاركة الزوجة في حفل زفاف شقيقتها، وهو الخلاف الذي استمر لأسابيع عبر مواقع التواصل، وظهر الثنائي في حلقات تلفزيونية للحديث عن الصلح. وبرز اسم إسماعيل الليثي وزوجته بعد وفاة نجلهما ضاضا في سبتمبر (أيلول) الماضي؛ حيث كان يشارك والده في الغناء، ونشرت مقاطع عدة له عبر منصات مواقع التواصل وحققت تفاعلاً كبيراً قبل رحيله. إسماعيل الليثي وزوجته (حسابه على «فيسبوك») وكانت الأيام الماضية قد شهدت حديثاً عن الخلافات الأسرية بين الفنان أحمد السقا وطليقته ووالدة أبنائه الثلاثة مها الصغير، على خلفية نشر تدوينات عبر حساب منسوب للسقا، تضمنت انتقادات لها بشكل علني بعد إعلان الانفصال، وهي التدوينات التي حذفت بعد وقت قصير من نشرها. كما شهد حسابات الفنانين ياسمين عبد العزيز وأحمد العوضي سجالات غير مباشرة بعد طلاقهما مطلع العام الماضي. وفرّق الناقد أحمد سعد الدين بين بعض المطربين الشعبيين الذين انجذبوا للشهرة وأموال مواقع التواصل الاجتماعي من خلال، ما يحققونه من أرباح عبر الفيديوهات والصور، وفنانين آخرين يستخدمون هذه المواقع في محاولة لتحسين صورتهم وإبرازهم في موقف أقوى. وقال سعد الدين لـ«الشرق الأوسط» إن «الليثي على سبيل المثال لم يكن يُحقق من مواقع التواصل العوائد السابقة نفسها، ويبدو أن زيادة التفاعل وعائداته جذبته هو وزوجته إلى مزيد من الظهور»، لافتاً إلى وجود مطربين شعبيين شهرتهم الأساسية برزت على مواقع التواصل من خلال الخلافات وليس عبر أعمال فنية. وهنا يُشير المتخصص في علم الاجتماع بجامعة بني سويف، محمد ناصف، إلى أن التباين في المستوى التعليمي والاجتماعي لبعض الأفراد والشهرة المفاجئة التي يحققونها، سواء بأغنية أو عبر مناسبة خاصة، قد يكون لها تأثير سلبي على حياتهم، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «بعضهم لا يستطيع تحمل تبعات الشهرة، وبعضهم الآخر تكون لديه مخاوف من عدم استمرار الأضواء عليه، فيسعى إلى فعل كل شيء من أجل أن يكون في دائرة الضوء». وتابع: «هذا الأمر حدث بالفعل مع مجموعة من الشخصيات التي تُحاول بشكل مستمر الظهور في دائرة (التريند) حتى لو بأفعال لا يؤمنون بها، وتكون فقط بهدف الظهور تحت الأضواء»، كما لفت إلى أن «بعض المشاهير يندفعون في كثير من الأحيان لتوجيه رسائل إلى شركائهم السابقين، وهو أمر يشعرون بالندم عليه لاحقاً».