كرامة عقبة بن نافع التي مهدت الطريق لفتح الأندلس
الكرامات هي الأمور الخارقة التي يجريها الله تعالى لعباده الأولياء الصالحين، وهي أن يحدث أمراً خارجاً عن المألوف والمنطق.أولياء الله هم المؤمنون الذين أيدهم الله بالكرامات تكريماً لهم، منها إجابة دعائهم عند الحاجة، أو تأييدهم بإقامة الحجة لهم، أو خلق الطعام لهم في غير وقته، أو خلق الفاكهة لهم في غير وقتها بغير سبب واضح، أو رفع الكرب عنهم بغير سبب واضح، أو إهلاك عدوهم بغير سبب واضح، أو نحو ذلك.وقد يجري الله تعالى كرامة عامة تخص الأمة كلها على يد أحد أولياءه، كما حدث مع التابعي القائد المجاهد عقبة بن نافع رضي الله عنه عندما فتح إفريقيا.فقد رُويَ أن عقبة بن نافع - رضي الله عنه - لما شرع في بناء مدينة القيروان قال له بعض أتباعه: "إنك أمرتنا ببنائها في شعاري وغياض لا ترام (وهي غابات كثيفة الشجر) ونحن نخاف من السباع والحيّات وغير ذلك".
وكان في عسكره ثمانية عشر رجلًا من أصحاب رسول الله ﷺ وسائرهم من التابعين. فدعا الله سبحانه وأصحابه يؤمنون على دعائه ونادى: "أيتها الحيات والسباع نحن أصحاب رسول الله ﷺ فارحلوا عنا فأنا نازلون ومن وجدناه بعد هذا قتلناه"، فنظر الناس بعد ذلك إلى أمر عجيب من أن السباع تخرج من الشعاري وهي تحمل أشبالها سمعًا وطاعة، والذئب يحمل جروه، والحية تحمل أولادها. ونادى في الناس: "كفوا عنهم حتى يرحلوا عنها"، فلما خرج ما فيها من الوحوش والسباع والهوام والناس ينظرون إليها حتى أوجعهم حر الشمس، فلما لم يروا منها شيئًا دخلوا الشعاري مطمئنين، فأمرهم أن يقطعوا الشجر تمهيدًا للبناء، فأقام أهل أفريقية بعد ذلك أربعين عامًا لا يرون فيها حيةً أو عقربًا ولا سبعًا، فبنى عقبة أولاً دار الإمارة، ثم أتى إلى موضع المسجد الأعظم، وكان على بنيانه القديم، لم يُجدد في بنيانه، فصلى فيه وهو كذلك. فاختلف الناس في موضع القبلة الدقيق، وقالوا: (إن جميع أهل المغرب يضعون قبلتهم على قبلة هذا المسجد فأجهد نفسك في تقويمها)، فأقاموا أياماً ينظرون إلى مطالع الشتاء والصيف من النجوم ومشارق الشمس لعلهم يستطيعون تحديد موقع القبلة بدقة، فلما رأى أمرهم قد اختلف بات مغمومًا فدعا الله - عز وجل – أن يفرج عنهم، فأتاه آت في منامه فقال له: "إذا أصبحت فخذ اللواء في يدك واجعله على عنقك فإنك تسمع بين يديك تكبيراً ولا يسمعه أحد من المسلمين غيرك فانظر الموضع الذي ينقطع عنك فيه التكبير: فهو قبلتك ومحرابك وقد رضي الله لك أمر هذا العسكر وهذا المسجد وهذه المدينة، وسوف يعز الله بها دينه ويذل بها من كفر به"، فاستيقظ من منامه وهو جزع فتوضأ للصلاة وأخذ يصلي وهو في المسجد ومعه أشراف الناس، فلما طلع الصبح وصلى ركعتي الصبح بالمسلمين، إذا به يسمع تكبيراً، فقال لمن حوله (أتسمعون ما أسمع؟) فقالوا (لا) فعلم أن الأمر من عند الله، فحمل اللواء فوضعه على عنقه وأخذ يتبع صوت التكبير حتى وصل إلى موضع المحراب فانقطع التكبير، فركز لواءه وقال: (هذا محرابكم) فاقتدى به سائر مساجد المدينة، ثم أخذ الناس في بناء الدور والمساكن والمساجد، وعمرت المدينة وشد الناس إليها المطايا من كل أفق، وعظم قدرها وكان دورها ثلاثة عشر ألف ذراع وستمائة ذراع حتى كمل أمرها. وكان عقبة خير والٍ لبني أمية، خير أمير مستجاب الدعوة [١]. فكانت هذه كرامة عظيمة أنعم الله سبحانه وتعالى بها على عبده عقبة بن نافع رضي الله عنه، دفعت كثيراً من بربر إفريقيا إلى الدخول في الإسلام أفواجاً بعد أن كانوا وثنيين، فكانوا شركاء العرب في فتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد رضي الله عنه، ولولا إسلامهم لما عبر العرب البحر إلى الأندلس لفتحها. بقلم الباحث في التاريخ الأندلسي فادي مشاري. __________[١] البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب / الجزء ١ / ص ٢٠ – ٢١.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

السوسنة
منذ 5 ساعات
- السوسنة
عريس من سوق الجمعة
-أيها الأب الكريم... إنّ ابنتك أمانة في عنقك، ومسؤوليتك أمام الله والخلق.ليست ابنتك حملًا ثقيلًا تسارع في التخلص منه، ولا ظلًّا يُزاح مع أوّل طارق باب.فلا تُلزمها بزواجٍ لمجرد أنّه قد أتاها نصيب، ولا تدفعها إلى مصيرٍ مجهول خشية أن يقال: "فاتها القطار".إنّ زواجها قرار مصيري، إمّا أن يكون نعيمًا وسكينة، أو يكون شقاءً لا يُحتمل.فكم من فتاةٍ نُقلت من بيت أهلها إلى سجنٍ مغطّى بستائر الستر، وكم من أبٍ قال بعد فوات الأوان: "ليتني سألت... ليتني تمهّلت."أيها الأب، لا تخدعك المظاهر، ولا تُعجبك الأموال ولا الأنساب، ولا تُغرّك الألقاب.فليس كل غنيٍّ يُسعد، وليس كل متعلّمٍ يفهم، وليس كل من تزيّن بالكلام أهلٌ لأن يُؤتمن على ابنتك.انظر في دينه وخلقه، في طباعه ونشأته، في بيئته وأسرته.افحص ماضيه، واستقصِ عنه، واسأل من يعرفه جيدًا.فمن لم يكن حسن السيرة، نقيّ السريرة، لن يكون لك نسيبًا يُطمأن إليه.لا تقل: "هو رجل وماله كثير"، ولا تستسهل قولك: "سيعوّضها بالماديات".فما قيمة المال إن غاب الاحترام؟ وما نفع الثراء إن فُقد الأمن والأمان؟التقارب في العمر، والتعليم، والطبقة الاجتماعية، والالتزام الديني والأخلاقي، أساسٌ لاستقرار البيوت.والتفاوت الحاد في هذه الجوانب، سبب للنفور والتباعد وسوء الفهم.فلا تفرّط بتزويج ابنتك من رجل يكبرها بعشرين عامًا، فتقول: "سيعقلها ويسترها"،ولا تُزوجها لرجل مجهول، وتقول: "الناس شهدوا له بالخير"، دون أن تتحقّق بنفسك وتسأل وتسبر ما وراء الأبواب.وإياك أن تستخفّ بعواقب الطلاق.فالمرأة حين تنهار حياتها الزوجية، لا تخرج سليمة، وإن خرجت حرة.تُكسر كرامتها، وتُثقل روحها، وتُلاحقها نظرات المجتمع القاسية، ولو كانت مظلومة.ذيل الكلب لا يُعتدل، وإن ظننت ذلك، والخصال الذميمة لا تُخفى، وإن غُطِّيت.ومن نشأ على التهاون والخيانة والكسل والتسلّط، فلن يُصبح فجأة زوجًا رحيمًا كريمًا.ابنتك ليست تجربة لأحد، ولا مشروع إصلاح لأحد، ولا ضحية لخوفك من كلام الناس.ابنتك إنسانة، روح، حياة، قلب يحقّ له أن يُسعد، ويحقّ لك أن تصون أمانتك فيها.كمشة أخلاق، خير من جبل ذهب.ورجل يخاف الله فيها، أحقّ بها من صاحب جاهٍ لا يخشى في الله أحدًا.فلا تجعل الزواج صفقة، ولا تتعامل مع ابنتك كرقم في دفتر المناسبات.بل اختر لها من تستأمنه على قلبها ودينها وسعادتها، لا من تظن أنه "يكفي".أيها الأب... لا تُسلّم ابنتك إلا لمن يستحقها،فأنت اليوم تختار لها طريقًا، فإما أن تُنير دربها، أو تكون أول من دفعها نحو الظلام.وليس في كل مرة تسلم الجرّة، فلعلّ الكارثة القادمة تُهين كرامة ابنتك، وتُسقطها في قبضة رجلٍ لا يُشترى إلا في سوق الجمعة، لا خُلق له ولا مروءة، رجلٌ بالاسم، لا وزن له ولا مقام، يسرق منها أنوثتها ويُطفئ نورها، فلا ترى منه رجولة، ولا تشعر معه بأمان، فيكون وبالًا على قلبها، ووصمةً في عمرها.

عمون
منذ 8 ساعات
- عمون
الحاجة نوال سالم علي الخرابشة في ذمة الله
عمون - انتقلت إلى رحمة الله تعالى الحاجة نوال سالم علي إسماعيل الخرابشة زوجة الحاج أحمد عبد الله الزعبي . وسيشيع جثمانها الطاهر بمشيئة الله تعالى ظهر غد الأحد من مسجد غزة هاشم إلى مقبرة عين الباشا القديمة تقبل التعازي والمواساة في عين الباشا لمدة ثلاثة أيام. إنا لله وإنا إليه راجعون

الدستور
منذ 8 ساعات
- الدستور
في عيد الاستقلال... نحن أبناء هذا التراب
تلوّن رايات الأردن سماءنا، وتتعالى الزغاريد وتغمر الشوارع أصوات الفرح، فيتجدد في قلبي شعور لا يمكن اختزاله في كلمات. شعور بالانتماء، بالدفء، وبأنني لم أكن يومًا غريبة على هذه الأرض، بل كنت دومًا منها، ولها. أنا ابنة هذا الوطن. أردنية في القلب والعقل والانتماء. ومسيحية، نعم، لكن في الأردن لم تكن يوماً الطائفة حاجزًا ولا الاختلاف مدعاة للريبة، بل كانت الصلوات باختلاف معابدها ظلالًا لوحدة أعمق. في يوم استقلالنا، لا أحتفل بصفتي أقلية، بل كابنة لهذا البيت الكبير الذي اسمه الأردن. في ساحات الاحتفال، بجانب إخوتي وأحبتي، نرفع علمًا واحدًا وننشد نشيدًا واحدًا. ونحمل حبًا واحدًا لهذا التراب. نشأتُ على أن الوطن ليس مجرد حدود على الخريطة، بل هو دفء العلاقات، وصدق الألفة، وطمأنينة الانتماء. هو أن تمشي في أي شارع وتشعر أنك في بيتك. هو أن تعرف أن لك هنا مكانًا، ليس لأنك «مقبول» بل لأنك «أصيل». لم أسأل يومًا عن ديانة جاري، ولا عن مذهب صديقتي، ولم يسألني أحد. كنا نأكل معًا، نحتفل معًا، ونتقاسم الهمّ والفرح، لأن ما يجمعنا ببساطة أقوى من أي تصنيف. وفي كل عيد فطر أو ميلاد مجيد، كانت تتعانق التهاني كما تتعانق الأرواح. كانت زغاريد العيد تُطلق من النوافذ، لا لتميز بين مناسبة وأخرى، بل لتقول: هذا بيت، وهذه عائلة، وهذا وطن لا يفرّق بين أولاده. عيد الاستقلال بالنسبة لي، ليس يومًا وطنيًا فحسب، بل يوم نُعيد فيه تأكيد الحقيقة التي نشأنا عليها: أن هذا البلد يتسع لنا جميعًا، وأن الوفاء لا يُقاس بالكلمات بل بالفعل، بالمحبة، وبالإيمان العميق بأننا شعب واحد مهما اختلفت تفاصيلنا. اليوم، وأنا أرى وجوه الناس تضيء بالشعور بالفخر، أتذكر لحظات كثيرة شعرت فيها أنني في وطني بكل ما تحمله الكلمة من معنى. في المدرسة، في الكنيسة، في الشارع، في طقوس العيد، في طمأنينة الحياة اليومية... شعرت دومًا أن لي مكانًا لا يُنتزع. مكانًا اسمه الأردن. وفي هذا العيد، أردد مع كل صوت يرتفع بالدعاء: حفظك الله يا أردن، وطنًا ومثالًا. وأدعوه من القلب أن يعمّ السلام أرضك، ويمتد ليشمل كل أرض يعاني فيها إنسان من ألم أو ظلم. فالأردن، الذي هو نموذج في محبة أهله لبعضهم، هو أيضًا صوت محبة ونصرة للآخرين، لا ينكفئ على ذاته، بل يفتح قلبه لكل محتاج، ويمنح السلام من عمق معاناته وتجربته. عيد استقلالنا ليس فقط ذكرى حرية... بل هو مناسبة نستذكر فيها كيف أصبحنا هذا النموذج الفريد، وكيف سنحميه بالمحبة، وبالإيمان العميق بأننا وُجدنا هنا لا لنتجاور فقط، بل لنتكاتف.