
الأوركسترا الفلهارمونية تحيي الذكرى الـ 150 لولادة عبقري الموسيقى موريس رافيل
إحياءً للذكرى الخمسين بعد المئة لولادة المؤلف الموسيقي الفرنسي الكبير موريس رافيل، واحتفاء بإرث وعبقرية فريدريك شوبان، أقام المعهد الوطني العالي للموسيقى – الكونسرفتوار، حفلة موسيقية بعنوان "أصداء رافيل وشوبان" أحيتها الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية بقيادة قائد الأوركسترا البريطاني العالمي كريستوفر ستارك، وعازفة البيانو الروسية البريطانية الشهيرة إفيلين بيريزوفسكي، في كنيسة القديس يوسف للآباء اليسوعيين، الأشرفية.
استعادة للمشهد الحضاري نفسه في الكنيسة التي احتضنت تاريخيًّا حفلات الكونسرفتوار الموسيقية: عشاق الموسيقى الكلاسيكية ومتابعو الأوركسترا وأصدقاؤها الأوفياء، والجمهور الراقي المتعطش دومًا للموسيقى العالية المستوى، ولهذا المناخ الساحر الذي ينشده اللبنانيون الباحثون عن الثقافة والرقيّ.
ولاسيّما بعد انتظام الحفلات الموسيقية وعودة الأوركسترا بعد غياب قسري فرضته الظروف الأمنية في لبنان، فكانت العودة بحجم الانتظار. فقد شهدت كنيسة القديس يوسف والكنيسة الأرمنية الإنجيلية الأولى في بيروت، حيث تقام حفلات للأوركسترا أيضًا، حفلات عديدة وبصورة كثيفة في الفترة الأخيرة، احتفت بالموسيقى العالمية وأهم مؤلفيها مثل موزارت (Requiem)، وبيتهوفن في أمسية شهدت عملين تحفتَين له في عرض واحد، ولأول مرة في لبنان، هما الكونشرتو الأول والثالث للبيانو والأوركسترا، وغيرهما من عباقرة العالم في أعمالهم الخالدة، حيث تقاطر الجمهور بأعداد كبيرة غصّت فيها الكنيستان.
إلى جانب الجمهور الكبير، حضر الأمسية رسميون ودبلوماسيون ومديرون عامون وإعلاميون ومثقفون، تقدّمهم السيدة منى الهراوي، السيدة ماري غسان سلامة، النائبان غسان سكاف وعلي عسيران، سفير إسبانيا لدى لبنان خيسوس سانتوس أغوادو، مديرة مكتب الأونيسكو الإقليمي السيدة كونستانزا فارينا، والوزيران السابقان جوني القرم ومحمد المشنوق.
رحبت رئيسة الكونسرفتوار بالحضور والموسيقيين والضيوف وتحدثت في كلمتها عن "الأمسية الاستثنائية من الموسيقى والشغف، احتفالية "أصداء رافيل وشوبان"، تحية لاثنين من أكثر الموسيقيين المؤثرين والملهمين في التاريخ، اللذَين لم تتوقف موسيقاهما عن عبور الزمن والحدود"، وأضافت:
"نحتفل الليلة ليس بعبقريتهما فحسب، ولكن أيضًا بالذكرى الـ 150 لميلاد موريس رافيل، المؤلف الذي أعادت موسيقاه تعريف مشهد الموسيقى الكلاسيكية. رافيل المعروف بألوانه الأوركسترالية الفريدة، وابتكاراته التناغمية. تحمل موسيقى رافيل توازنًا دقيقًا بين الدقة والشعر، العقل والعاطفة. وغالبًا ما توصف أوركستراه بأنها مشعة وكريستالية، وقد أثرت في أجيال من المؤلفين الموسيقيين ولا تزال تعتبر من بين الأكثر رقيًّا في السجل الموسيقي الكلاسيكي".
وتابعت القواس: "وإلى جانبه، نكرم إرث فريدريك شوبان، شاعر البيانو، الذي ترددت أصداء مؤلفاته العميقة والمعبرة في قلوب الأجيال. موسيقاه، المليئة بالشعر العميق والبراعة التقنية، هي شهادة على عمق عاطفة البيانو وقدرته التحويلية .لإحياء هذه الروائع، يسرنا أن نكون معكم الليلة من خلال الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية، بقيادة المايسترو الشهير كريستوفر ستارك، الذي يُعرف فنّه بالدقة والعمق والأداءات الرؤيوية. على البيانو، نرحب بعازفة البيانو الرائعة إيفلين بيريزوفسكي، ذات الحساسية النادرة والبراعة التقنية، التي سيفتح عزفها الليلة أبعادًا جديدة في أعمال شوبان ورافيل. تتمتع الموسيقى بقدرة غير محدودة على توحيدنا، لتستحضر العواطف التي تبقى في أرواحنا، ولتذكيرنا بإنسانيتنا المشتركة. ونحن في المعهد الوطني الموسيقي، نلتزم بتعزيز الحوار الثقافي من خلال الموسيقى، مع الحفاظ على تراثنا الفني الغني واحتضان التأثيرات العالمية. هذه الفعاليات تؤكد مكانة لبنان كمنارة للفن والموسيقى والإبداع، حيث تستمر اللغة العالمية للموسيقى في إلهام الجميع. وجودكم هنا هو شهادة على القوة المستمرة للموسيقى وقدرتها على جمعنا معًا."
الأمسية الاحتفالية بروائع "رافيل" (Maurice Ravel 1875 – 1937) في ذكراه وتحف "فريدريك شوبان" (Fryderyk Chopin1810 –1849) ، كانت بمثابة احتفال بالموسيقى الكلاسيكية في أبهى صورها، محققةً التناغم بين الأداء الفردي والجماعي، بقيادة المايسترو ستارك والأوركسترا، وعزف البيانو المدهش لإيفلين بيريزوفسكي. فإلى جانب "رافيل" الذي وصفته رئيسة الكونسرفتوار في كلمتها بـ "المهندس العبقري للصوت، الذي حوّل الأوركسترا إلى لوحة حيّة تتنفس الألوان وتفيض بالسحر"، حضر "شاعر البيانو "فريدريك شوبان بفيض شاعريته وإلهامه الرومنطيقي، في "كونشيرتو رقم 2 للبيانو والأوركسترا" العمل الذي يملك قدرة مذهلة على جذب المستمعين إلى أعماق الحس الموسيقي.
تسرّب هذا الحس إلى أنامل بيريزوفسكي المترقّبة لكل نغمة، فحملت النغمات في أدائها الماهر، وحلقت تعبيرًا عن قوة العاطفة التي أبدعها شوبان. أضافت العازفة لمستها الخاصة، وما تضمنته من مزيج الرقة والقوة في آن واحد، مما جعلها تتنقل بسلاسة بين الحركات المختلفة للكونشيرتو، من الهدوء إلى الاندفاع، محققة التوازن المثالي بين التعبير العاطفي والتقنية البارعة. أداء إيفلين بيريزوفسكي لم يتوقف عند حدود الإتقان الفني فحسب، بل قدمت أبعادًا فنية جديدة تتناغم مع صوت الأوركسترا، فكان أداؤها بمثابة الإبحار في عالم موسيقي آخر، عالم يعكس التفاعل بين البيانو وبين ما يحيط به من آلات، مما جعل العرض يتسم بالتناغم الكامل.
لم يقتصر التناغم على الأداء فقط، إنما تجلى في التقاء "شوبان" و "رافيل" على انتصار الشعرية الهائمة في روح الموسيقى، عبر جنوح كليهما إلى الموسيقى الشاعرة، مثل استلهام رافيل لخالدته "حارس الظلام Gaspard De La Nuit، من قصائد "Aloysius Bertrand".
هذا التلاقي الذي حوّل الأمسية إلى مشهدية حيّة بألوانها وصورها وأخيلتها، بدأه القائد ستارك بأشهر المقطوعات وأشدها تعبيراً عن شخصية مؤلفها موريس رافيل وهي "بافان" رقصة بطيئة لأميرة فقيدة" (Pavane Pour Une Infante Defunte) التي كتبها في البدء لآلة بيانو وحيدة، ثُم أعاد إصدارها بنسخة موزّعة للأوركسترا. نجح المايسترو ستارك في رؤيته الموسيقية المعاصرة في الولوج إلى عمق المشاعر بأداء الأوركسترا المتناغم، حيث قدم كل موسيقي في الأوركسترا صوتًا يعكس الحلم والحنين للماضي، الذي يعبر عن صورة ملكية غائرة في الزمان البعيد. وتمكن المايسترو من تجسيد اللحن الرقيق والمترنح على عظمة الجمال والشجن، في فضاء من الرومانسية الحالمة والفخمة.
واختتم الأداء الموسيقي المذهل برائعة "قبر كوبرين (Le Tombeau de Couperin) لـ"رافيل" أيضًا، التحفة التي تدمج بين التقليد الفرنسي والتقنيات الحديثة، وتحمل في طياتها صدى من الرثاء والوفاء. واستكمالًا لانخطافه في السفر الموسيقي، تابع المايسترو ستارك توجيه الأوركسترا بأعلى درجات الحس الفني، حيث قدم كل جزء من العمل بدقة واحتراف، متآلفًا مع كل سمفونيات رافيل. وتمكّنت عصاه المبهرة من إبراز الأبعاد المختلفة للموسيقى مع الحفاظ على التوازن الدقيق بين الأجزاء الفردية للأوركسترا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطنية للإعلام
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- الوطنية للإعلام
امسية من موسيقى الحجرة في المتحف الوطني بدعوة من الكونسرفتوار
وطنية - استضافت القاعات الأثرية للمتحف الوطني في بيروت، أمسية استثنائية من موسيقى الحجرة، برعاية وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة وبدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس. وشهد الحفل حضورا لافتا من محبي الموسيقى والوجوه السياسية والدبلوماسية والإعلامية والثقافية، الذين غصت بهم باحات المتحف التاريخي. في مستهل الأمسية تحدثت القواس مرحبةً بالحضور والموسيقيين، وتضمنت كلمتها إعلانًا تعليمياً مهماً عن انطلاق الفيديوهات الموسيقية التعليمية. وجاء في كلمتها: "أهلاً بكم في هذا اللقاء الموسيقي العائلي والحميم مع موسيقيين استثنائيين من روسيا الى العالم كله، لأن الموسيقى تنطلق من بلد وتسافر في الكون من دون حدود. أمسية موسيقى الحجرة مع فلاديمير سلوفاتشيفسكي وهو عازف التشيلو الأول في الأوركسترات، وفي الوقت نفسه يأتي ليعطي لبنان من وقته وشهرته مع والده سيرغي عازف مسرح المارينسكي وريناتا والدته، العائلة الموسيقية العظيمة التي تقدم للبنان في مرحلة كان فيها صعوبة كبيرة للتواصل مع الموسيقيين بسبب الحظر الذي كان معمماً على مجيء الأوروبيين. وعازفة البيانو العالمية إيفيلين بيريزوفسكي التي أصبحنا نعتبرها جزءاً من الكونسرفتوار والتي قدمت منذ العام الماضي عدة حفلات مع الأروركسترا وأعطت العديد من الماستر كلاسز هي وفلاديمير أيضاً". أضافت: "في هذه المناسبة أود أن أعلن أننا سنبدأ هذا الأسبوع مع إيفيلين بيريزوفسكي بإطلاق أول تسجيل لفيديوهات تعليمية ((Tutorials videos لآلة البيانو بدءاً بالمراحل التحضيرية الأولى وصولاً إلى الدرجات العليا. سنبدأ بالتسجيل والتصوير لطلابنا في الكونسرفتوار الذين بالإضافة لما يتعلمونه مع أساتذتهم، سيتم إدخال الOnline Learning أو التعليم عن بعد ولكن بالمعنى التفاعلي وصولاً إلىAugmented Reality (الواقع المعزّز) الذي تحدثت عنه سابقًا. ليصبح لدينا الفيديوهات التعليمية المسجلة (Tutorials videos) التي ستكون دليلاً للطالب عندما يعود إلى منزله وليس فقط على المستوى المحلي وإنما على أعلى مستوى تقني. في معظم الأحيان يعود الطالب إلى منزله من دون أن يتذكر الكثير من التفاصيل، ونحن نعلم أن تنوع الأساتذة وكل منهم يعلم بطريقة مختلفة ومدرسة مختلفة وخبرة مختلفة. لا أقول أننا بهذه الطريقة نوحّد، ولكننا نعطي إمكانية الوصول إلى أعلى مستوى للجميع. لقد أقمنا هذا الشهر أكثر من خمسين ماستر كلاسز لطلاب الكونسرفتوار مع أهم الموسيقيين الذين قدموا من العالم، فطلاب البيانو فقط هم 1200 من بين 4000 طالب بشكل عام. وسنفتح الاشتراك في الدروس التعليمية لكل اللبنانيين". وبحسب بيان، أحيا الأمسية عازف التشيلو القدير فلاديمير سلوفاتشيفسكي، وهو موسيقي عالمي مرموق تعاون مع كبار قادة الأوركسترا مثل يوري تيميركانوف وثيودور كورنتزيس، وقد أذهل الجمهور بأدائه العميق والمتقن، حيث انطلقت من آلته نغمات تجسد روح المؤلفين الموسيقيين. وشاركت في هذه الأمسية الثنائية عازفة البيانو المتألقة إيفلين بيريزوفسكي، التي وصفها النقاد بأنها "عازفة بيانو ذات مزاج عظيم وتقنية مبهرة وقلب يضاهي موهبتها" كما ذكرت صحيفة "لوموند". وقد أضافت بيريزوفسكي ببراعتها وحساسيتها الموسيقية بعدا آخر للأمسية، حيث تناغم عزفها مع تشيلو سلوفاتشيفسكي في حوار موسيقي بديع. في أمسية موسيقية ساحرة، تراقصت الأنامل على أوتار التشيلو والبيانو بتناغم يخطف الأنفاس، ليقدما لنا أداءً يتسم بالـ virtuosity والشفافية الفنية. العازف فلاديمير سلوفاتشيفسكي، الذي يمتلك براعة استثنائية في العزف، أضاف عمقًا وثراءً لكل قطعة عزفها. في كل نغمة، كان صوت التشيلو ينساب كالنهر الهادئ. إلى جانبه، عزفت إيفلين بيريزوفسكي على البيانو بخفة وأناقة، حيث كانت أناملها تلامس مفاتيح البيانو بحذر، لتخلق خلفية موسيقية تأسر الألباب وتنسجم بشكل كامل مع صوت التشيلو. فسادت بين العازفين علاقة تناغمية مذهلة، عكست التعاون الفائق بينهما، وأظهرت تفاعلهما السلس في كل لحظة موسيقية، سواء في القطع الحالمة أو المفعمة بالتوتر والدراما. تنوع البرنامج الموسيقي ليشمل مختارات خالدة من مؤلفات كبار الموسيقيين، مما أتاح للحضور فرصة الاستمتاع بتجربة موسيقية غنية بالمشاعر والتعبير. ففي Adagio لشوستاكوفيتش، التي بدأ بها الحفل، كانت لحظة سحرية تضاف إلى سجل الأداءات الاستثنائية. عزف سلوفاتشيفسكي بمهارة تفوق التصور، مستغلاً كل مقياس لخلق تباين في الديناميكيات، متخللاً القطعة بلحظات من الصمت الكامل، ليعكس مشاعر الهدوء العميق في لحظات أظهرت براعة فائقة وإتقانًا مدهشًا حيث تميز بتقنيات رائعة أضفت على العزف طابعًا عاطفيًا وحسّاسًا، ليأخذنا في رحلة موسيقية داخل النفس البشرية، من خلال الغوص في نفسه والدخول إلى عمقها بهدوء شديد العذوبة، وخفوت تدريجي حتى يخيّل للسامع أنه يوقف ال pianissimo ويلقيه على القوس والوتر. بينما أضاف البيانو لمسات رقيقة عمقت من إحساس التأمل. أما في 3 Fantasy Pieces لشومان، فقد أضاف كل من العازفين لمسات من الإبداع والفن المرهف، حيث تبادل التشيلو والبيانو الأدوار في سرد حكايات موسيقية آسرة. وفي Vocalise لراخمانينوف، تجلت قدرة التشيلو على نقل الألحان بصوته الحالم، بينما واكبه البيانو برقة غير مسبوقة، ليلامسا شغاف قلوب الحاضرين. وفي ختام الحفل، مع سوناتا شوستاكوفيتش، وخاصة في الحركة الأولى والثانية، بدا عزفهما كحوار موسيقي حقيقي يتراوح بين الهدوء والتصعيد الدرامي. وقد وصل الحفل إلى ذروته في السوناتا الثالثة لراخمانينوف، حيث أظهر العازفان تناغمًا مذهلاً، تكلل بإبداع متكامل بين التشيلو والبيانو، وتدفقت الألحان بتناغم نادر ليتركا أثراً عميقاً في الوجدان. لقد كان أداء فلاديمير سلوفاتشيفسكي وإيفيلين بيريزوفسكي في هذه الأمسية بمثابة شهادة على إتقانهما العميق لآلتي التشيلو والبيانو وحساسيتهما الموسيقية الاستثنائية. هذا التنوع في الحقبة الزمنية والأسلوب الموسيقي للمؤلفين، بالإضافة إلى التفاعل الغني والحوار الاستثنائي بين الآلتين، كرسا أمسية موسيقية ثرية بالتعبير والتناغم الصوتي، مما أتاح للجمهور الاستمتاع بتجربة استماع متكاملة وممتعة. نجح فيها الموسيقيان في خلق جو حميمي وأسر قلوب الحاضرين، تاركين لديهم انطباعاً عميقاً بالجمال والقوة الكامنة في موسيقى الحجرة. خصوصًا في تنوع اختيارات البرنامج وثرائه، حيث قدما للجمهور بانوراما مميزة لموسيقى الحجرة. وقد أظهر الثنائي سلوفاتشيفسكي وبيريزوفسكي انسجاماً فنياً رفيعاً، تجلى في قدرتهما على الغوص في أعماق المؤلفات وتقديم تفسيرات دقيقة وحساسة. فعكست الأمسية المستوى الرفيع لنجوم الموسيقى العالمية الذين يستضيفهم المعهد الوطني، وأكدت على أهمية الموسيقى في إثراء المشهد الثقافي وتقديمه بأبهى صورة وتعزيز التواصل الإنساني. كما أبرزت جمالية المتحف الوطني كفضاء فريد يجمع بين عبق التاريخ وسحر الفنون. =============ر.إ


LBCI
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- LBCI
ليلة ساحرة من موسيقى الحجرة في المتحف الوطني بدعوة من الكونسرفتوار
استضافت القاعات الأثرية للمتحف الوطني في بيروت أمسية استثنائية من موسيقى الحجرة، تحت رعاية معالي وزير الثقافة الدكتور غسان سلامة وبدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس. وشهد الحفل حضورًا لافتًا من محبّي الموسيقى والوجوه السياسية والدبلوماسية والإعلامية والثقافية، الذين غصت بهم باحات المتحف التاريخي. في مستهل الأمسية تحدثت رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى هبة القواس مرحبةً بالحضور والموسيقيين، وتضمنت كلمتها إعلانًا تعليمياً مهماً عن انطلاق الفيديوهات الموسيقية التعليمية. وجاء في كلمتها: "أهلاً بكم في هذا اللقاء الموسيقي العائلي والحميم مع موسيقيين استثنائيين من روسيا الى العالم كله، لأن الموسيقى تنطلق من بلد وتسافر في الكون من دون حدود. أمسية موسيقى الحجرة مع فلاديمير سلوفاتشيفسكي وهو عازف التشيلو الأول في الأوركسترات، وفي الوقت نفسه يأتي ليعطي لبنان من وقته وشهرته مع والده سيرغي عازف مسرح المارينسكي وريناتا والدته، العائلة الموسيقية العظيمة التي تقدم للبنان في مرحلة كان فيها صعوبة كبيرة للتواصل مع الموسيقيين بسبب الحظر الذي كان معمماً على مجيء الأوروبيين. وعازفة البيانو العالمية إيفيلين بيريزوفسكي التي أصبحنا نعتبرها جزءاً من الكونسرفتوار والتي قدمت منذ العام الماضي عدة حفلات مع الأروركسترا وأعطت العديد من الماستر كلاسز هي وفلاديمير أيضاً". وقالت هبة القواس: "في هذه المناسبة أود أن أعلن أننا سنبدأ هذا الأسبوع مع إيفيلين بيريزوفسكي بإطلاق أول تسجيل لفيديوهات تعليمية أو "Tutorials videos" لآلة البيانو بدءاً بالمراحل التحضيرية الأولى وصولاً إلى الدرجات العليا. سنبدأ بالتسجيل والتصوير لطلابنا في الكونسرفتوار الذين بالإضافة لما يتعلمونه مع أساتذتهم، سيتم إدخال التعليم عن بعد ولكن بالمعنى التفاعلي وصولاً إلى "الواقع المعزّز" الذي تحدثت عنه سابقًا. ليصبح لدينا الفيديوهات التعليمية المسجلة التي ستكون دليلاً للطالب عندما يعود إلى منزله وليس فقط على المستوى المحلي وإنما على أعلى مستوى تقني. في معظم الأحيان يعود الطالب إلى منزله من دون أن يتذكر الكثير من التفاصيل، ونحن نعلم أن تنوع الأساتذة وكل منهم يعلم بطريقة مختلفة ومدرسة مختلفة وخبرة مختلفة. لا أقول أننا بهذه الطريقة نوحّد، ولكننا نعطي إمكانية الوصول إلى أعلى مستوى للجميع. لقد أقمنا هذا الشهر أكثر من خمسين ماستر كلاسز لطلاب الكونسرفتوار مع أهم الموسيقيين الذين قدموا من العالم، فطلاب البيانو فقط هم 1200 من بين 4000 طالب بشكل عام. وسنفتح الاشتراك في الدروس التعليمية لكل اللبنانيين". أحيا الأمسية عازف التشيلو القدير فلاديمير سلوفاتشيفسكي، وهو موسيقي عالمي مرموق تعاون مع كبار قادة الأوركسترا مثل يوري تيميركانوف وثيودور كورنتزيس، وقد أذهل الجمهور بأدائه العميق والمتقن، حيث انطلقت من آلته نغمات تجسد روح المؤلفين الموسيقيين. وشاركت في هذه الأمسية الثنائية عازفة البيانو المتألقة إيفلين بيريزوفسكي، التي وصفها النقاد بأنها "عازفة بيانو ذات مزاج عظيم وتقنية مبهرة وقلب يضاهي موهبتها" كما ذكرت صحيفة "لوموند". وقد أضافت بيريزوفسكي ببراعتها وحساسيتها الموسيقية بعدًا آخر للأمسية، حيث تناغم عزفها مع تشيلو سلوفاتشيفسكي في حوار موسيقي بديع. في أمسية موسيقية ساحرة، تراقصت الأنامل على أوتار التشيلو والبيانو بتناغم يخطف الأنفاس، ليقدما لنا أداءً يتسم بالـ virtuosity والشفافية الفنية. العازف فلاديمير سلوفاتشيفسكي، الذي يمتلك براعة استثنائية في العزف، أضاف عمقًا وثراءً لكل قطعة عزفها. في كل نغمة، كان صوت التشيلو ينساب كالنهر الهادئ. إلى جانبه، عزفت إيفلين بيريزوفسكي على البيانو بخفة وأناقة، حيث كانت أناملها تلامس مفاتيح البيانو بحذر، لتخلق خلفية موسيقية تأسر الألباب وتنسجم بشكل كامل مع صوت التشيلو. فسادت بين العازفين علاقة تناغمية مذهلة، عكست التعاون الفائق بينهما، وأظهرت تفاعلهما السلس في كل لحظة موسيقية، سواء في القطع الحالمة أو المفعمة بالتوتر والدراما. تنوع البرنامج الموسيقي ليشمل مختارات خالدة من مؤلفات كبار الموسيقيين، مما أتاح للحضور فرصة الاستمتاع بتجربة موسيقية غنية بالمشاعر والتعبير. ففي Adagio لشوستاكوفيتش، التي بدأ بها الحفل، كانت لحظة سحرية تضاف إلى سجل الأداءات الاستثنائية. عزف سلوفاتشيفسكي بمهارة تفوق التصور، مستغلاً كل مقياس لخلق تباين في الديناميكيات، متخللاً القطعة بلحظات من الصمت الكامل، ليعكس مشاعر الهدوء العميق في لحظات أظهرت براعة فائقة وإتقانًا مدهشًا حيث تميز بتقنيات رائعة أضفت على العزف طابعًا عاطفيًا وحسّاسًا، ليأخذنا في رحلة موسيقية داخل النفس البشرية، من خلال الغوص في نفسه والدخول إلى عمقها بهدوء شديد العذوبة، وخفوت تدريجي حتى يخيّل للسامع أنه يوقف الـ pianissimo ويلقيه على القوس والوتر. بينما أضاف البيانو لمسات رقيقة عمقت من إحساس التأمل. أما في 3 Fantasy Pieces لشومان، فقد أضاف كل من العازفين لمسات من الإبداع والفن المرهف، حيث تبادل التشيلو والبيانو الأدوار في سرد حكايات موسيقية آسرة. وفي Vocalise لراخمانينوف، تجلت قدرة التشيلو على نقل الألحان بصوته الحالم، بينما واكبه البيانو برقة غير مسبوقة، ليلامسا شغاف قلوب الحاضرين. وفي ختام الحفل، مع سوناتا شوستاكوفيتش، وخاصة في الحركة الأولى والثانية، بدا عزفهما كحوار موسيقي حقيقي يتراوح بين الهدوء والتصعيد الدرامي. وقد وصل الحفل إلى ذروته في السوناتا الثالثة لراخمانينوف، حيث أظهر العازفان تناغمًا مذهلاً، تكلل بإبداع متكامل بين التشيلو والبيانو، وتدفقت الألحان بتناغم نادر ليتركا أثراً عميقاً في الوجدان. لقد كان أداء فلاديمير سلوفاتشيفسكي وإيفيلين بيريزوفسكي في هذه الأمسية بمثابة شهادة على إتقانهما العميق لآلتي التشيلو والبيانو وحساسيتهما الموسيقية الاستثنائية. هذا التنوع في الحقبة الزمنية والأسلوب الموسيقي للمؤلفين، بالإضافة إلى التفاعل الغني والحوار الاستثنائي بين الآلتين، كرسا أمسية موسيقية ثرية بالتعبير والتناغم الصوتي، مما أتاح للجمهور الاستمتاع بتجربة استماع متكاملة وممتعة. نجح فيها الموسيقيان في خلق جو حميمي وأسر قلوب الحاضرين، تاركين لديهم انطباعاً عميقاً بالجمال والقوة الكامنة في موسيقى الحجرة. خصوصًا في تنوع اختيارات البرنامج وثرائه، حيث قدما للجمهور بانوراما مميزة لموسيقى الحجرة. وقد أظهر الثنائي سلوفاتشيفسكي وبيريزوفسكي انسجاماً فنياً رفيعاً، تجلى في قدرتهما على الغوص في أعماق المؤلفات وتقديم تفسيرات دقيقة وحساسة. فعكست الأمسية المستوى الرفيع لنجوم الموسيقى العالمية الذين يستضيفهم المعهد الوطني، وأكدت على أهمية الموسيقى في إثراء المشهد الثقافي وتقديمه بأبهى صورة وتعزيز التواصل الإنساني. كما أبرزت جمالية المتحف الوطني كفضاء فريد يجمع بين عبق التاريخ وسحر الفنون.


LBCI
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- LBCI
الأوركسترا الفلهارمونيّة وكورال سيدة اللويزة يحتفيان بزمن الفصح (صور)
برعاية رئيس مجلس الوزراء الدكتور نواف سلام، وبدعوة من رئيسة المعهد الوطني العالي للموسيقى المؤلفة الموسيقية هبة القواس، احتضن السراي الحكومي، في زمن القيامة والفصح المجيد، رائعة موتزارت الخالدة (ريكويم- (Requiem التي أحيتها، بوقار، الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية، بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي، ومشاركة كورال جامعة سيدة اللويزة بإدارة الأب خليل رحمة، وأداء: السوبرانو ماري جوزيه مطر، الميزو سوبرانو ميلاني أشقر، التينور بشارة مفرّج والباريتون برونو خوري. ومثّل الحدث رمزية مميزة ولا سيّما أنه الاحتفال الموسيقي الأول الذي يقام في القصر الحكومي في العهد الجديد، وبعَيد ترميمٍ أُحدِث على تقنيات الصوت في القاعة المخصصة للاحتفال. وافتتاحًا للتحديث، صدح صوت السوبرانو هبة القواس في أرجاء القصر الحكومي قبيل الحفلة بناءً على طلب من الرئيس سلام، لتستقبل أغنياتها الحضور الكبير الذي لبى الدعوة، وفي مقدمته: عقيلة رئيس الحكومة السيدة سحر بعاصيري سلام والرئيس فؤاد السنيورة وعقيلته، والرئيس سعد الحريري ممثلاً بأحمد الحريري، ونائب رئيس الحكومة طارق متري، ووزراء: السياحة لوري الخازن لحود، والاقتصاد والتجارة عامر البساط، والثقافة غسان سلامة، والدفاع اللواء ميشال منسى، والشؤون الاجتماعية حنين السيد، والعمل الدكتور محمد حيدر، والصناعة جو عيسى الخوري، والاتصالات شارل الحاج، والداخلية والبلديات أحمد الحجار، والشباب والرياضة نوره بايراقداريان، والتنمية الإدارية فادي مكي، والإعلام بول مرقص، والسيدة منى الهراوي، والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، والسفير البابوي المونسنيور باولو بورجيا، وعدد من النواب والسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي وشخصيات ثقافية واجتماعية وإعلامية وفنية. وبعد النشيد الوطني الذي أدتهالأوركسترا الفلهارمونية الوطنية اللبنانية، تحدثت رئيسة الكونسرفتوار هبة القواس مشبّهةً احتضان السراي الكبير للحدث بإعلان "عن بدايةٍ جديدةٍ للبنان الذي يتجاوز السياسيّ نحو الإنساني، ويجعلُ من الثقافةِ رافعةً للبناءِ والتقدم." وأضافت: من قلبِ السراي الكبير، من هذا المعلمِ التاريخيّ والسياسيّ والوطنيّ، نُطلُّ على لحظةٍ تُشبهُ القيامةَ في تاريخِ لبنان... لحظةِ ولادةٍ جديدة. من هنا، حيثُ تُصنَع القراراتُ وتُرسمُ ملامحُ الدولة، نلتقي اليومَ لا في حدثٍ سياسيٍّ أو احتفالٍ بروتوكوليّ، بل في لقاءٍ ثقافيّ – روحيّ – إنسانيّ، يَعبُر بالوطن من مفهومِ الدولة إلى معنى الرسالة. نفتتحُ هذا الحفلَ اليوم، في أسبوعِ آلامِ المسيح، بموسيقى "الريكويم" لموزارت، من مقرِّ رئاسةِ الحكومة، في دعوةٍ نادرةٍ، مميزة تُعلنُ عن "لبنانَ الرسالة"، لبنانُ الذي يتسع ويحتضن مختلف الطوائفِ والمذاهبِ ويعالج الانقسامات، لِيعلنَ بصوتِ الموسيقى أننا مُوحَّدون في الجمالِ، في الإبداعِ، في الإيمانِ بقوّةِ الإنسان. تصدحُ موسيقى الريكويم موزارت اليوم، لا كَمَرثاةٍ للحزن، بل كنشيدٍ للقيامة، لِنعلنَ عن لبنانَ جديد، يُبعثُ للعالمِ بصوتِه الحقيقي وتوقيعِه الحضاريّ الأزليّ. لبنانُ اليومَ يقفُ على عتبةِ التَحوُّل". وتابعت: "بعد سنواتٍ من الفراغِ، ها نحن أمام حكومةٍ جديدة، أمام بدايةِ مرحلةٍ استثنائيةٍ يقودُها رئيسٌ للجمهورية آمنَ به شعبُه ووثِقَ به العالم، وأعادَ الاعتبارَ لهيبةِ الدولة. هو رئيسُ المرحلةِ المفصليةِ، والضامنُ لحوارٍ وطنيِ عابرٍ للضجيج؛ ودولةُ رئيسِ مجلسِ وزراء يشكّلُ بحدّ ذاتِه قيمةً وطنيةً وفكريةً عالية: الدكتور نواف سلام، رجلُ الفكر والقانون، الذي ارتفعتْ به الثقةُ الدوليةُ قبل أن تضطّلع به الإرادةُ المحلية، يقودُ اليومَ لحظةً مفصليةً في عمر لبنان". وتابعت بالإنكليزية: "Tonight, as the first notes of Mozart's Requiem rise from this stage, they do so not only as a musical masterpiece but as a profound testament to resilience, rebirth, and renewal. This performance is not only a cultural celebration, but a symbolic affirmation that Lebanon is reemerging—with dignity, clarity, and creative force—into the international fold. Your presence honors our transition." وأضافت القواس: "دولة الرئيس، حضوركُم اليوم ليس سياسياً فقط، بل رمزياً أيضاً. لقد رآكم اللبنانيون والعالم على مدى سنواتٍ، رجلَ الموقف، ورجلَ الفكرة، ورجلَ المبادرة. واليوم، يرَوْن فيكم، ومعكم، مستقبلَ دولةٍ تحكمُها القيمُ وتُبنى على المعرفة، على القانون، وعلى الجمال أيضاً. من هنا، من هذا المقام، وفي حضورِ معالي وزيرِ الثقافة، نعلنُ التزامَنا ببناءِ منظومةٍ موسيقيةٍ متكاملةٍ في لبنان، لا تكتفي بالإنتاجِ الثقافيّ، بل تضعُ الموسيقى في قلبِ الاقتصادِ الوطني. ومع معالي وزيرِ الثقافة، صاحبِ الرؤيةِ العميقة والعقلِ البنّاء، نعملُ على تطويرِ منظومةٍ متكاملة لصناعةِ الموسيقى في لبنان، لا كفعالياتٍ موسميةٍ بل كقطاعٍ وطنيٍّ قابلٍ للتصديرِ والاستثمار، يرتكزُ على التقاليدِ ويستشرفُ المستقبلَ، من الذكاءِ الاصطناعيّ إلى التعليمِ الموسيقيّ، وصولًا إلى التبادلِ الثقافيّ والدبلوماسيةِ الموسيقية". وتابعت القواس: "وفي هذا المسار، الموسيقى ليست فقط أداةً جماليةً، بل ركيزةً من ركائزِ ما يمكنُ أن يُسمى "دبلوماسيةَ لبنانَ الثقافية" – لغةٌ تفتحُ أبواباً حيث تُغلِقُ السياسة، وتبني جسوراً بين الشعوب حيث تفشلُ الاتفاقات.اسمحوا لي أن أحيّي الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية، هذا الصرح الوطنيّ الذي أعدْنا بَعثَه العامَ الماضي بعد توقفٍ دامَ أكثرَ من أربعِ سنوات. لقد عادوا، لأنهم يؤمنونَ أن الموسيقى هي الحياة.أشكرُ كلَّ موسيقيّ وموسيقية على عطائهم، وعلى حضورِهم الثابت رغم كل الصعوبات". وقالت القواس: "وإلى قائدِهم في هذه الليلة المايسترو لبنان بعلبكي، أقول: اسمُك اسمُه، كما سمّاه الأزل، فتذكّر أنك كلما تلوّحُ بالعصا، ترسم بموسيقاك معالمَ وطنٍ جديد…ونُحيّي أيضًا جوقة جامعة سيدة اللويزة الحبيبة بقيادة الأب خليل رحمة، والصوليست الرائعين :ماري- جوزيه مطر – سوبرانو، ميلاني أشقر – ميزو سوبرانو، بشارة مفرّج – تينور، وبرونو خوري – باريتون، أنتم رُسُلُ جَمالٍ في زمنِ التحوّل. والشكرُ الكبير لدولةِ الرئيس ولحَرَمِه الكريمة، على فتح أبواب هذا المعلم التاريخيّ ليكونَ بيتاً للفن والثقافة. الشكرُ للأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية ولطاقَم السراي الكبير، لفريقِ عملِنا التقْني والإداري، وللرعاة والداعمين، ولشاشاتِ الوطن الذين يرافقوننا بشكلٍ دائم LBCI وتلفزيون لبنان على النقلِ المباشر. والشكرُ الأسمى لكم أنتم – الوزراء، النواب، السفراء، الشخصيات الرسمية، الفكرية، الثقافية – على حضورِكُم ودعمِكم". وختمت: "من السراي الكبير، حيث قراراتُ الدولة، تصدحُ اليومَ نغماتِ الحياة. من الريكويم إلى الرجاء. من الألمِ إلى الأمل. من الصمتِ إلى السمفونيا. أهلاً بكم في "رائعة موزارت الخالدة. أهلاً بكم في لبنانَ الجديد. وأخيرًا، أيها الحضورُ الكريم، نقفُ الآن في حضرتِه، هو صوتُ العقل حين يغيبُ المنطق، هو توازنٌ في زمنِ الانفعال، وهو نهجٌ يريد للبنانَ أن يستعيدَ مكانتَه، لا بالصوتِ العالي بل بالرؤيةِ العميقة.أدعوكم الآن للاستماعِ إلى كلمتِه امتداداً لهذا المشهد الراقي الذي بدأناه بموزارت، ونُكملُه برؤيةِ دولةِ الرئيس". ثم كانت كلمة للرئيس سلام رحّب فيها بالأوركسترا والكونسرفتوار ورئيسته وبالكورال والمشاركين والحضور، وأعلن عن حفلة مقبلة في السراي بالتعاون مع الكونسرفتوار. واختلفت هذه الأمسية عن سابقاتها، بما تضمنته من نبض استثنائي أرسته هيبة المعلم الرئاسي التاريخي، فحلّق بها إلى شواهق المتعة الخالصة. توليفة مسكونة بالجمال والإبداع والإبهار، قدمها الكونسرفتوار الوطني في أمسية تجلّت فيها عناصر الإبداع مكتملةً، وفي صرح عريق، فاحتفت الأوركسترا بـ "القداس الجنائزي"-"Requiem"، أحد أعظم الأعمال الكلاسيكية للمؤلف النمساوي الشهير وولفغانغ أماديوس موازرت (1756 - 1791) العمل الموسيقي الملهِم وأحد روائع موزارت الخالدة، الذي يتجاوز الموسيقى إلى رحلة روحية قدسيّة نغميّة تجاور أعمق المشاعر الإنسانية، ولا سيما في أسبوع الآلام الذي يسبق القيامة المجيدة. وحضر جمهور الموسيقى ليشهد على هذه اللوحة الفنية المرصّعة بجميع أنماط الرّقي، كما تابع هذه الليلة الاستثنائية في تاريخ لبنان من القصر الحكومي الملايين من المشاهدين عبر النقل المباشر على شاشتي تلفزيون لبنان والمؤسسة اللبنانية للإرسال. فإلى جانب أوركسترانا الوطنية العظيمة، ضمّت التوليفة الساحرة لوحات مترفة بعبق الموسيقى والأصوات المبهرة: جماعيًّا، جوقة مترنّمة كسربٍ يخترق بأصواته المتناغمة سكون الروح، مع كورال سيدة اللويزة التي قادها وأدارها باحترافه المعتاد الأب خليل رحمة، لتنصهر بقداس موزارت كأنهما صرحٌ صوتيّ واحد يعجز السامع عن تسلّقه. فلم يكن مجرد جوقة، بل كياناً جماعيًا يحمل ثقل المعنى ويمنحه نَفَسًا بشريًا مضاعفًا. تعدّدت الأصوات وتماوجت بين طبقات السوبرانو والبايس، وبدا وكأنّ كل صوتٍ يحمل في داخله قصة فناء شخصي، وأنّ كلّ جملةٍ ليتورجية تُقال على لسان جماعةٍ من الأرواح التائبة. منفردةً، لمعت على أسوار هذا الصّرح الأصوات الدافقة: السوبرانو ماري جوزيه مطر، الميزو سوبرانو ميلاني أشقر، التينور بشارة مفرّج والباريتون برونو خوري، في لوحات صوتيّة تكاملت مع قداس موتزارت بانسياب والتزام وتماهٍ. وعبرت الفلهارمونيّة الوطنية بقيادة بعلبكي جمالية هذا المشهد، إلى تلك الأمكنة العميقة التي تتجسّد فيها تساؤلاتنا عن المصير، في كل جملة صوتية ولحنية حيث تلتقي الروح بالجمال الأبدي. وحيث، تربط عبقرية موزارت بين الوجود والتلاشي، بين الآلام والسلام، وتجمع بين الحزن والرجاء، في لحظات من السكون الصاخب، وكأنها دعوة للتأمل في الأبعاد الأعمق للروح البشرية. بعازفيها اللبنانيين والأجانب القادمين من روسيا ودول أخرى، جسّدت الأوركسترا، العاصفة الموسيقيّة المتوارية خلف أوتار كمنجاتها، موزّعةً برقّةٍ أحيانًا وعصف أحيانًا أخرى، في كريشندو يتنقّل على أقواس التشيلو والفيولا والكونترباص، مستجيبًا لعصا القائد. متسرّبًا بحنوّ وعنف كأنفاس متهدّجة، إلى آلات النفخ التي تستمدّ منه النسائم والرياح على حد سواء، لتلتقي بروح موزارت التائقة دومًا إلى ما خلف الموسيقى في قداسه الخالد. وبهذا التماسك بين الأوركسترا، القائد، والكورال، تحقّق ما هو أبعد من الأداء: حالة انخطاف جماعي نحو لحظة مطلقة. وعند الانتهاء، لم يكن التصفيق مجرّد شكر، بل عودة متردّدة إلى الأرض، بعد زيارة إلى ضفاف الماوراء. ولم تكن Requiem في هذه الأمسية مجرّد قطعة موسيقية تؤدّى، بل رحلة شعائرية حملت الجمهور عبر طقس جنائزي تقليدي، حيث اختلطت الموسيقى بالقداسة، والموت بالتأمل، والصوت بالصمت. انسحبت الأوركسترا تدريجيًا إلى فضاء يتجاوز المادي، وراحت تعبر، برفق وعمق، إلى تخوم الغياب. كلّ حركة في العمل حملت وزنًا لاهوتيًا ومعنًى وجوديًا، افتتاح الليتورجيا بنداءٍ كنسيّ مشحون بالخوف والرجاء، انسحاباً إلى حيث تداخلت الأصوات في استغاثةٍ موسيقية مركّبة. وبين هذه الثنائيات، العنف والسكون، الضوء والظلمة، الشكّ والإيمان، نسجت الأوركسترا سرديّة روحية تزداد حضورًا كلّما خفَتَت، وتكثُر معانيها كلّما قلّ الكلام. لم تكن الحركات منفصلة بل تنقّلت بسلاسة طقسية، كأنها خطوات في قدّاس حيّ، تشهد فيه الأرواح على مصيرها. ومع كلّ انتقال، كانت الأوركسترا تنسحب بنا إلى الأعماق، تاركة العالم الخارجي يتلاشى خلف جدارٍ من الأصوات المقدّسة. ومع تلاشي النغمة الأخيرة، لم يكن هناك تصفيق، بل صمتٌ طويل. صمتٌ بدا امتدادًا طبيعيًا للعمل، وكأنّ الجمهور لا يريد الخروج من تلك اللحظة. لحظة شعر فيها الجميع، ولو لبرهة، أنهم عبروا، بالموسيقى وحدها، إلى الضفة الأخرى من المعنى.