ما الذي يفعله الزوجان إذا دبّ الخلاف بينهما؟
وصفة قرآنية يبيّنها الشيخ الشعراوي
ما الذي يفعله الزوجان إذا دبّ الخلاف بينهما؟
يقول العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي:
قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا..} [النساء: 35] يعني أن الشقاق لم يقع بعد إنما تخافون أن يقع الشقاق وما هو الشقاق ؟ الشقاق مادته من الشق وشق: أي أبعد شيئاً عن شيء شققت اللوح: أي أبعدت نصفيه عن بعضهما إذن فكلمة {شِقَاقَ بَيْنِهِمَا..} [النساء: 35] تدل على أنهما التحما بالزواج وصارا شيئاً واحداً فأي شيء يبعد بين الاثنين يكون شقاقاً إذ بالزواج والمعاشرة يكون الرجل قد التحم بزوجه هذا ما قاله الله: {{وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْض وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} النساء: 21.
*ستر متبادل بين الرجل والمرأة
ويتأكد هذا المعنى في آية أخرى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ..} البقرة: 187.
وهذا يعني أن المرأة مظروفة في الرجل والرجل مظروف فيها. فالرجل ساتر عليها وهي ساترة عليه فإذا تعدّاهما الأمر يقول الحق: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا..} [النساء: 35] مَنْ الذين يخافون؟ أهو وليّ الأمر أم القرابة القريبة من أولياء أمورها وأموره؟ أي الناس الذين يهمهم هذه المسألة.
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ.. [النساء: 35] إنهم البيئة والمجال العائلي إذن فلا ندع المسائل إلى أن يحدث الشقاق كأن الإسلام والقرآن ينبهنا إلى أن كل أناس في محيط الأسرة يجب أن يكونوا يقظين إلى الحالات النفسية التي تعترض هذه الأسرة سواء أكان أباً أم أخاً أم قريباً عليه أن يكون متنبهاً لأحوال الأسرة ولا يترك الأمور حتى يحدث الشقاق بدليل أنه قال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا..} [النساء: 35] فالشقاق لم يحدث ويجب ألا تترك المسألة إلى أن يحدث الشقاق {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ..} [النساء: 35] وهذا القول هو لوليّ الأمر العام أيضاً إذا كانت عيونه يقظة إلى أنه يشرف على علاقات كل البيوت ولكن هذا أمر غير وارد في ضوء مسئوليات ولي الأمر في العصر الحديث. إذن فلا بد أن الذي سيتيسر له تطبيق هذا الأمر هم البارزون من الأهل هنا وهناك وعلى كل من لهم وجاهة في الأسرة أن يلاحظوا الخط البياني للأسرة يقولون: نرى كذا وكذا.
*التوسط للصلح بين الزوجين
ونأخذ حَكَماً من هنا وحكماً من هناك وننظر المسألة التي ستؤدي إلى عاصفة قبل أن تحدث العاصفة فالمصلحة انتقلت من الزوجين إلى واحد من أهل الزوج وواحد من أهل الزوجة فهؤلاء ليس بينهما مسألة ظاهرة بأدلتها ولم تتبلور المشكلة بعد وليس في صدر أي منهما حُكْمٌ مسبق ويجوز أن يكون بين الزوجين أشياء إنما الحكَم من أهل الزوج والحكَم من أهل الزوجة ليس في صدر أي منهما شيء وما دام الاثنان ستوكل إليهما مهمة الحكم. فلا بد أن يتفقا على ما يحدث بحيث إذا رأى الاثنان أنه لا صلح إلا بأن تطلق فهما يحكمان بالطلاق والناس قد تفهم أن الحكم هم أناس يُصْلِحُون بين الزوجين فإن لم يعجبهم الحكم بقي الزوجان على الشقاق لا فنحن نختار حكماً من هنا وحكماً من هناك.
إن ما يقوله الحكمان لابد أن ننفذه فقد حصرت هذه المسألة في الحكمين فقال: {إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ..} [النساء: 35] فكأن المهمة الأساسية هي الإصلاح وعلى الحكمين أن يدخلا بنية الإصلاح فإن لم يوفق الله بينهما فكأن الحكمين قد دخلا بألا يصلحا.
*بذل الجهد للإصلاح
إن على كل حكم أن يخاف على نفسه ويحاول أن يخلص في سبيل الوصول إلى الإصلاح لأنه إن لم يخلص فستنتقل المسألة إلى فضيحة له. الذي خلق الجميع: الزوج والزوجة والحكم من أهل الزوج والحكم من أهل الزوجة قال: {إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ..} [النساء: 35] فليذهب الاثنان تحت هذه القضية ويصرّا بإخلاص على التوفيق بينهما لأن الله حين يطلق قضية كونية فكل واحد يسوس نفسه وحركته في دائرة هذه القضية. وحين يطلق الله قضية عامة فهو العليم الخبير ومثال ذلك قوله: {{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ} الصافات: 173.
إنه سبحانه قال ذلك فليحرص كل جندي على أن يكون جندياً لله لأنه إن انهزم فسنقول له: أنت لم تكن جندياً لله فيخاف من هذه. إذن فوضع القضية الكونية في إطار عقدي كي يجند الإنسان كل ملكاته في إنجاح المهمة وعندما يقول الله: {إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ..} [النساء: 35] فإياك أن تغتر بحزم الحكمين وبذكاء الحكمين فهذه أسباب. ونؤكد دائماً: إياك أن تغتر بالأسباب لأن كل شيء من المسبب الأعلى ولنلحظ دقة القول الحكيم: {يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ..} [النساء: 35] فسبحانه لم يقل: إن يريدا إصلاحاً يوفقا بينهما. بل احتفظ سبحانه لنفسه بفضل التوفيق بين الزوجين.
*الفرق بين عليم وخبير
ويذيل سبحانه الآية: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} [النساء: 35] أي بأحوال الزوج وبأحوال الزوجة وبأحوال الحكم من أهله وبأحوال الحكم من أهلها فهم محوطون بعلمه. وعلى كل واحد أن يحرص على تصرفه لأنه مسئول عن كل حركة من الحركات التي تكتنف هذه القضية فربنا عليم وخبير.
وما الفرق بين عليم و خبير ؟ فالعلم قد تأخذه من علم غيرك إنما الخبرة فهي لذاتك.
حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
حياتي عنوانها إنتكاسات وخيبات أمل.. أحلام مؤجلة إلى إشعار أخر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سيدتي أنا فتاة في الـ24 من عمري، أتواصل معك عبر منبر قلوب حائرة لأنني أرى فيك صدر الأم الحنون الذي يحتوي الألم فيبددها. وهذا ما جعلني سيدتي أقصدك اليوم حتى أرمي بين يديك ما يؤرقني. سيدتي، صدقيني أنني أرى نفسي سيئة الحظ في هذه الحياة، فأينما وليت وجهي أجد الأبواب موصدة، الإحباط لفني وكبّل كل شعور إيجابي في قلبي. فاخترت أن أدخل في كسوف عن العالم خوفا من الوقوع في خيبة تجعلني قاب قوسين أو أدنى من أن أؤذي نفسي. أتدركين سيدتي أنني خسرت علاقاتي بإرادتي، فكلما وثق بشخص ورأيت معه بصيص سعادة استنزفني وتركني وحيدة أكابد الأحزان، فقررت أن ألتزم غرفتي وأستسلم متنازلة عن أحلامي وكل طموحي. فحتى علاقاتي الشخصية كلما وثقت في أحدهم ورأيت معه بصيصا من السعادة يصدمني بما لا أتوقع منه، فقلت في قرارة نفسي ان العزلة قد يكون فيها بعض مفاتيح السعادة. بالمختصر المفيد سيدتي شعور الخيبة أصبح يدمرني، فهل مخطأة في وجهة نظري..؟ أختكم ف.لبنى من الشرق الجزائري. الرد: عزيزتي أنت مخطئة إلى حد بعيد بإرسدال ستارة النهاية على احلامك وكل حياتك. وأي إنسان لديه الحق في الحياة لا يمكنك أبدا الإنسحاب من هذه المعركة التي قد تكلفك خسارة أفدح مما تتصورين. عزيزتي، لا بد لي ان أصارحك بهذه الطريقة، فأبدا لم تكن السعادة يوما في العزلة. بل هي في السعي وفي السقوط والنهوض من جديد، واعلمي جيدا فإن التعامل مع الآخرين يعطي الإنسان الحب والحنان والشعور بالبقاء مع الإنسانية التي خلقها الله. ولكن حتى ننعم بهذه المشاعر علينا معرفة مبادئ التعامل مع الآخرين. لا أن نعتزلهم ونحكم على الجميع بأنهم غير صالحين للتعامل . إن محبة الناس لك نعمة من نعم الله عليك، فمن منا لا يحب أن يكون محبوباً بين الناس. ومن منا لا يرغب في أن يحترمه الناس وأن يذكروه بالخير دائماً. لكن هناك من الصفات الجميلة التي عليك أن تتحلي بها حتى يحبك الناس، أنا لا أطلب منك أن تتنازلي عن أخلاقك ومبادئك، لا، بل أطلب منك أن تحاسبي نفسك. ما هي سلبياتك وما هي إيجابياتك؟ حتى تتخلصي من السلبيات، التي ربما هي السبب في العزلة التي اخترتها نمط عيش لك. لهذا أعيدي ترتيب حساباتك من جديد وفكري مليا ثم اعملي بالأسباب لتنالي المطلوب. حاولي مرة أخرى بإيمان بالله أنك ستنجحين، وبهمة وإرادة نابعة من روحك المتقدة والمتفائلة، لا تتنازلي عن حقوقك ولا أحلامك. فأنت مسؤولة عنهم وسوف تسألين يوما ما وقتك وشبابك فيما أفنيتهم.. فكري مليا في الأمر وكل التوفيق أتمناه لك.


النهار
منذ ساعة واحدة
- النهار
هل أنا من عليه أن يتغير.. فالجميع مني ينفر
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، سيدتي يعتبر حضن العائلة مرفأ مكان لأفرادها، خاصة البنت منهم. ففي ضعفها تسند نفسها بهم وتأوي إليهم، فيتبدد الخوف، وتتزود بالقوة التي واجه بها العالم. لكن هذا الشعور وهذا الإحساس أفتقده تماما وسط عائلتي، أشعر بأني غير محبوبة وسطهم. لا قيمة لي والجميع يتحاشى التعامل معي، وما زاد من مخاوفي هو أني مقبلة على الزواج، فهل سألقى نفس المعاملة حينها..؟ سيدتي صدقيني أنا أعاني كثيرا من جفائهم، وحتى أكون صريحة أنا أيضا أحمل بعض الصفات التي تجعل من حولي ينفرون مني. لكنني دوما أرى أن الكبير هو من عليه أن يعطف على الصغير. فهل أنا محقة أم مخطئة؟ وماذا أفعل كي أغير موقفهم اتجاهي؟ ساعديني من فضلك. أختكم م.ملك من منطقة القبائل. الرد: وعليكم السلام ورحمة الله تعاىل وبركاته عزيزتي، أظن أن الرد على مشكلتك جاء في رسالتك. فما عليك سوى تغيير الصفات التي ترينها غير طيبة فيك. وأعلمي من جهة أخرى أن العطف والحنان والمعاملة بالحسنى ليس بالضروري أن تأتي من الكبير فقط. بل هي عملة تطبع طريقتنا في الحياة مع أي كان، ومحبة الآخرين حبيبتي تُعتبر عمليّةً مُتبادلةً وثقافةً تدور حول مبادئ عظيمة وساميّة أبرزها العطاء والمبادرة. والتي تتزامن بدورها مع حب النفس واحترامها، فأنت بحاجة لبناء علاقات صحيّة وطيبة مع نفسك أولا ومع من حولك للوصول إلى الراحة والسعادة والاستقرار مع المحيطين بك. ولأن العلاقات الاجتماعية سواء مع العائلة أو غيرهم تقوم على الاحترام والمودّة، فلا بد من تقبّل مشاعر الآخرين والرد عليها بشكل لطيف. حتى يتحقق الترابط والألفة التي تقرب القلوب لبعضها البعص، وتعزز علاقاتهم، خاصة أنك مقبلة على حياة جديدة، وأناس لا تعرفين عنهم سوى أمور سطحية، لهذا وجب عليك حبيبتي أمر بسيط للغاية، وهو أن تكون أنت المبادرة بالحب والمودة والابتسامة الجميلة والكلمة الطيبة، ومن المؤكد ستكسبين ود الآخرين بإذن الله. واعلمي أنه لا يوجد أهل لا يحبون ابنتهم، بل بعض الصفات فيك التي عليك تغيرها وبحول الله سوف تلاحظين الفرق، أتمنى لك الهناء والكثير من السعادة عن شاء الله.


الخبر
منذ 5 ساعات
- الخبر
ولا تلبسوا الحقّ بالباطل!!
إن معرفة الحق من أعظم الفضائل والنعم التي يسعى لها الإنسان، ومثلها في العظمة التمسك بالحق والاستماتة في نصرته والدفاع عنه، والذي لا يعرف الحق يعيش في ضلال وتذهب حياته في باطل، كما أن من عرف الحق وكتمه وخالفه وخذله وخذل أهله هو حتما من الأخسرين أعمالا {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. وفي الدعاء المأثور 'اللهم أرنا الحق حقا وألهمنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وألهمنا اجتنابه'، وهو دعاء حكيم، إذ لم يكتف بالتضرع إلى الله أن يريه الحق، بل أن يريه الحق حقا والباطل باطلا؛ لأن أشد الفتن تكون عند التباس الحق بالباطل، فيرى بعض الناس أو يصورون الحق باطلا أو الباطل حقا، وقد يتداخل الباطل مع قليل من الحق فيرونه حقا أو يشوب الحق شيء من الباطل فيحسبونه باطلا، وهذا أعظم مداخل شياطين الإنس والجن لإضلال الناس. ثم زاد الداعي الحكيم بأن سأل الله أن يلهمه اتباع الحق بعد معرفته واجتناب الباطل بعد العلم به، ذلك أنه لا فائدة من معرفة الحق والباطل والعلم بهما إذا لم تؤد تلك المعرفة إلى سلوك سبيل الحق وتنكّب طريق الباطل، بل إن من يعرف الحق ولا يتبعه ويعرف الباطل ولا يجتنبه قد جنى على نفسه، وكانت تلك المعرفة حجة عليه! وهو أسوأ حالا ممن لا يعرف الحق أصلا. وللأسف أننا في زمن غلب عليه الباطل، وضعف فيه أهل الحق، وشاع فيه التدليس والتلبيس، ووجد فيه من يستغل الحق لنصرة الباطل، ومن يستغل الدين لتسويغ المعاصي، ومن يحمل لافتة السلام وهو مِسْعَر حرب، ومن يرفع شعار الشرف ليمرر مشاريع الخيانة!! والأسوأ أن يكثر فيه من أكرمه الله بشيء من العلم بشرع الله تعالى ودينه، فصار يُذكر به ويُذكر في أهله، فيسخر علمه للتدليس على الناس، وتلبيس الحق بالباطل خدمة لنفسه أو خدمة لأسياده!! مع أنه بلا ريب يحفظ قول الله تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}. إن قضية تلبيس الحق بالباطل والتدليس على الخلق قضية جوهرية مصيرية في حياة الإنسان؛ ولهذا نبّه عليها القرآن العظيم باللفظ الصريح. ومن المهم أن نعلم أن القرآن الكريم حين يتكلم على ظاهرة إنسانية ما فهو يتكلم على نماذج تتكرر في واقع الناس وحياتهم على مر الدهور وفي مختلف العصور، وهو حين يستفيض في وصف انحراف بني إسرائيل عن الصراط المستقيم، والتواءاتهم وحيلهم وخبثهم في التعامل مع دين الله تعالى ورسله، فهو يحدثنا عن ظواهر لا تخلو منها أمة من الأمم ولا أصحاب دين من الأديان، لا جرم أن وُجد في المسلمين وفي علمائهم من يعمل عمل اليهود ويسير على طريقتهم المنحرفة الضالة، وفي الحديث الشهير: «لتتبعُنَّ سنن من كان قبلكم شبرا شبرا وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جُحر ضب تبعتموهم». قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟!» رواه البخاري. وقد تبع -للأسف الشديد- بعض علماء المسلمين وبعض أدعياء العلم منهم سنن من قبلنا ودلّسوا ولبّسوا الحق بالباطل وكتموا الحق وهم يعلمون! بقصد بلبلة الأفكار في المجتمع المسلم، وإشاعة الشك والاضطراب فيه خدمة (لأجندات) داخلية أو خارجية!، قال الإمام الأستاذ الطاهر بن عاشور رحمه الله: 'فلبس الحق بالباطل ترويجا لباطل في صورة الحق.. وأكثر أنواع الضلال الذي أُدخل في الإسلام هو من قبيل لبس الحق بالباطل'. ثم لا شك أن انحرافات اليهود التي عرض لها القرآن العظيم كثيرة، لكن يبقى موقفهم من الحق من أعجب العجب!، حيث أنهم بعد أن أكرمهم الله تبارك وتعالى بتعريفهم الحق تمام المعرفة وقامت عليهم الحجة التامة في ذلك، صاروا أعدى أعداء الحق تحريفا وكتما وتلبيسا وتدليسا وتشويشا، قال لهم ولنا الله العليم الخبير: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}، وقد جمع الأمر الرباني النهي عن الطريقين الذين لا يضل شخص إلا عن طريقهما: تشويش الدلائل والبراهين عليه (تلبيس الحق بالباطل)، أو منعه من الوصول إلى الدلائل والبراهين (كتم الحق)، ذلك أن الإنسان لا يخلو من حالين: إما أن يكون قد سمع الحق أو لا يكون قد سمعه، 'فإن كان قد سمع دلائل الحق فإضلاله لا يمكن إلا بتشويش تلك الدلائل عليه، وإن كان ما سمعها فإضلاله إنما يمكن بإخفاء تلك الدلائل عنه ومنعه من الوصول إليها'. وفي آية أخرى قال الحق سبحانه: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}. ومعلوم أنه لا يكتم الحق إلا من كان عالما به عارفا له، وإلا كيف يكتم ما لا يعرف ولا علم له به؟! وكذلك لا يلبس الحق بالباطل إلا من كان عالما بهما عارفا بحقيقتها، وإلا كيف يتسنى له الخلط بينهما ولبس هذا بذاك إن لم يكن عالما بهما؟!؛ ولهذا ختمت الآيتان بقوله عز شأنه: {وأنتم تعلمون}، فلا غَرْوَ أن كانت هذه المعصية الكبيرة الموبقة خاصة بالعلماء أكثر من غيرهم من عامة الناس!، وبعضهم ممن باع دينه بدنيا غيره هو من تولى كِبرها وأورى نارها وبثّ شرورها!. قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: '{ولا تلبسوا} أي: تخلطوا {الحق بالباطل وتكتموا الحق} فنهاهم عن شيئين، عن خلط الحق بالباطل، وكتمان الحق؛ لأن المقصود من أهل الكتب والعلم، تمييز الحق، وإظهار الحق؛ ليهتدي بذلك المهتدون، ويرجع الضالون، وتقوم الحجة على المعاندين؛ لأن الله فصّل آياته وأوضح بيناته؛ ليميز الحق من الباطل، ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم، فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم. ومن لبّس الحق بالباطل، فلم يميز هذا من هذا، مع علمه بذلك، وكتم الحق الذي يعلمه، وأمر بإظهاره، فهو من دعاة جهنم؛ لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين'. إن وجود هذا الصنف من العلماء الذين يلبّسون الحق بالباطل ويكتمون الحق عن علم وعمد، يوجب على كل واحد منا الحذر والحيطة فلا يصدّق بكل ما يسمع ويرى، ولا يسلّم عقله لأي كان يُحشّيه بما شاء، ولو كان عالما يشار له بالبنان!، ولو كان يخطب من منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم!. ولله در الإمام علي رضي الله تعالى عنه القائل: 'لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف فأهله'. وإنه من لطائف أسرار القدر أن يكون النهي عن لبس الحق بالباطل جاء في القرآن الحكيم في سياق الحديث عن بني إسرائيل، وأن يقوم في هذه الحقبة مجموعة ممن يُنسبون إلى العلم يلبسون الحق بالباطل بإثارة الشبهات حول المجاهدين الأشاوس من القسام والجهاد وباقي فصائل المقاومة الباسلة نصرة لإخوانهم الصهاينة، فيعملون عمل بني إسرائيل ويتبعون سننهم، وتكون بذلك أوضح وأفضح صورة للبس الحق والباطل ذات صلة باليهود والصهاينة قديما وحديثا.. فتأمّل!!.