
فيينا.. تغادرها ولا تغادرك -2
فيينا.. تغادرها ولا تغادرك -2
تجوس في فيينا.. وفي صباحاتها الخالية من الكدر، والمتلفحة بالندى، وبشيء من السحر، تتوقف تعد تفاصيل يومها بكسل وبمهل، تناظر بائعة الخبز المستعجلة، والتي كان يجدر بها أن تصبح ممرضة في يوم ما، بتلك النظارة الطبية الدائرية ذات الإطار الأسود الخفيف، نقاء مسامات الوجه، والمعطف الأبيض يضفيان عليها شيئاً من رونق المستشفيات ذات الرائحة المطهرة، والإخلاص الملائكي لعاملات الرحمة.
ما الذي يجعل مشاركاً مثلك في مؤتمر يخص اليونسكو أو مبعوثاً جاهزاً تختاره تلك الهيئات الثقافية المتكلسة، والتي تعد كثيراً من كلام المثقفين «خريطاً في خريط»، وأن مؤتمراتهم مصدر للضجر، وللكلام الذي يتعب الرأس، ويثقل القلب، أن يدلف إلى المخبز الذي يحتل خاصرة الشارع؟ أهو الفضول الصباحي؛ لترى يقظته على الوجوه الناشرة مبكراً، أم البحث عن الضحكة المخلصة لمنظر العجين الخارج للتو من تلك الحجرة النارية؟! تلك الرائحة البرّية التي حملتها معك منذ كنت طفلاً يتدثر بخاصرة أمه، ويراقب خبزها، وحركة يدها، ونشيجها من دخان «الطرافة، وسعف النخل»، ليس أجمل من خبزة ساخنة في أي بقعة، خاصة من امرأة لا تعرف إلا بيتها ميداناً، لقد ركضت خلف تلك العجينة المخمرة، والخبزة الساخنة في بلاد الله ومدنه، اشتهيتها مرة ككسرة في إثيوبيا، وكخبز الدار في المغرب، والقصبة العليا في الجزائر، كرغيف «وقّافي» لمخبز إيراني لن يغادر ركنه حتى يشيب ذاك الشاب الذي جاء مرة من الساحل الآخر، وبقي هنا يعد السنين وراءه، «العيش المصري البلدي»، الهند وشهوات الخبز الكثيرة، لأنواع كثيرة، تركيا، وجورجيا، العراق، ولبنان، وفرنسا، شهوات متعددة لا تنقطع، وكل موضع يهديك شيئاً منه، يوجب الشكر، ودوام النعمة، وأنه يكفي للحياة، ثمة فرحة مبعثها السخونة، والطزاجة، والرائحة التي تصل أنفك قبل نشوة قضم تلك الكسرة، حتى أنك تفضلها شخصياً على بوليصة تأمين لشركة إنجليزية موقعها جزر بريطانيا العذراء.
يتقاطر على الذاكرة حين تصل النمسا أربعة من عظماء الموسيقى، ولدوا هنا، وأضافوا لشوارعها تلك الهيبة، والحضور الذي لا ينسى: «موزارت، شتراوس، هايدن، شوبيرت»، ويبقى شيء من موسيقاهم يضيء مسلكك في تلك الطرق شبه المتعرجة، وتعنّ عليك مثل شيء من الحنين موسيقى «الدانوب الأزرق» التي يقال غسلت نوتتها زوجة لم تكن تحب أن تفتش جيوب زوجها فغدت تلك الورقة زرقاء من الحبر أشبه بلون نهر الدانوب.
صباح فيينا الذي كان حاضراً في الذاكرة دوماً، منذ أن غامرت باتجاه معرفة «بنت العم» التاريخي، تلك النمساوية التي كانت تدرس التاريخ، لكنها تؤمن بالتقاطع، ومساحات من العيش السوي في الجغرافيا الممكنة، مثلما تؤمن بتلك الجذور الموغلة في سواد حروف الألواح، والوصايا العشر، وأحبت مرة أن ترشدك إلى صباح جميل، ومختلف في مدينة، عادة لا يمكث فيها الغرباء كثيراً، والتي تعنّ على الرأس بين الحين والحين، متذكراً لحظات الخصام التاريخي، والتوحد الجغرافي لأجساد كانت تخبّ في براري الرعي الأولى، حيث كل الأرض مشاع، والإنسان يركض خلف أسئلة وجودية هاربة منه، ما أجمل فيينا بذلك الغسق الأنثوي الذي عرفته مرة، ولا تريد أن تنساه، مثلما لا تغادرك فيينا وإن غادرتها!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 2 ساعات
- البوابة
رانيا محمود ياسين تحيي ذكرى ميلاد والدها: "لا أشعر بالأمان من بعدك"
حرصت الفنانة رانيا محمود ياسين على إحياء ذكرى ميلاد والدها، عبر حسابها الرسمي بموقع 'إنستجرام'. رانيا محمود ياسين عبر إنستجرام كتبت رانيا محمود ياسين: 'أبي الغالي، اليوم عيد ميلادك، كم أفتقدك كثيرًا، ولا أشعر بالأمان من بعدك، كل شيء أصبح بلا طعم من غيرك، وكل ما هو جميل كان يكتمل بوجودك'. وأضافت رانيا محمود ياسين: 'هذا اليوم كان دائمًا مميزًا ونحن نحتفل بك، لكنك الآن في مكان أفضل، عيدك في الجنة ونعيمها يا رب، حبيبي، ألف رحمة ونور عليك'. واختتمت منشورها، قائلة: "أسأل الله أن يجعلك في منزلة المكرمين في الفردوس الأعلى، في صحبة الأنبياء والصديقين، وحسن أولئك رفيقًا".


البوابة
منذ 3 ساعات
- البوابة
بالفيديو.. أستاذ تاريخ إسلامي: مظاهر عيد الأضحى لم تتغير منذ دخول الإسلام مصر
أكدت الدكتورة ولاء محمد، المحاضر الدولي وأستاذ التاريخ الإسلامي، أن مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى لم تتغير جوهرياً منذ دخول الإسلام مصر، مشيرة إلى أن الطقوس الدينية والاجتماعية ظلت متوارثة ومتجذرة بين المصريين عبر التاريخ. عيد الأضحى يصاحبه روحانيات خاصة وأوضحت وقالت خلال لقائها مع الإعلامية رشا مجدي، والإعلامية عبيدة أمير، في برنامج «صباح البلد» المذاع على قناة «صدى البلد»، أن عيد الأضحى يمثل روحانية خاصة تتجسد في أداء فريضة الحج أو التضحية، إضافة إلى صيام التسعة أيام الأولى من ذي الحجة، وهي ممارسة يمنحها الله سبحانه وتعالى في ميزان الحسنات. وقالت إن المصري بطبيعته محب للبهجة والاحتفال، وأن هذا التقليد العريق يعود إلى عصور مصر القديمة، حيث كان لديهم 54 عيداً في عهد تحتمس الثالث، ثم ارتفع العدد إلى 60 عيداً في عهد رمسيس الثاني، مما يعكس حب المصريين للاحتفال وتكثيف الأعياد. عادات وتقاليد فرعونية مرتبطة بعيد الأضحى وأشارت إلى أن العادات والتقاليد المرتبطة بعيد الأضحى ما زالت متواصلة، ومن أشهرها تناول "الرقاق" وهو نوع من المخبوزات يعود تاريخه إلى العصور الفرعونية، حيث اشتهر المصري القديم بصناعة أكثر من 100 نوع خبز، وهو ما تؤكده القطع الأثرية في المتحف الزراعي. أصول المطبخ المصري في عيد الأضحى وأضافت أن المطبخ المصري في عيد الأضحى يحمل أيضاً أصولاً قديمة مثل "الفتة" التي يعود أصل اسمها إلى "الفتات" أو الخبز المقطع، ويتم تحضيرها بأنواع مختلفة في بلاد العالم الإسلامي، حيث تختلف مكوناتها حسب القدرة على تقديم اللحم.


العين الإخبارية
منذ 3 ساعات
- العين الإخبارية
«تبت إلى الله».. فصل جديد في حياة أحمد سعد يبدأ من المسجد النبوي
شارك المغني المصري أحمد سعد جمهوره مجموعة من الصور من زيارته إلى المدينة المنورة، ظهر خلالها بالمسجد النبوي يتلو آيات من القرآن الكريم. وخلال الزيارة، التقى سعد عددًا من الشخصيات الدينية، حيث نشر الشيخ أسامة قابيل صورة جمعته بالفنان أحمد سعد إلى جانب كل من الشيخ سعد الدين الهلالي والشيخ خالد الجندي، وعلق عليها بكلمات منقولة عن الفنان تقول: "تبت إلى الله فجمعني الحب بأهل الحب في رحاب نبي الحب صلى الله عليه وسلم"، في إشارة واضحة إلى التحول الذي يعيشه سعد ونيته فتح صفحة جديدة في حياته. ولم يتوقف البُعد الروحي لزيارة المدينة المنورة عند المسجد النبوي، بل امتد إلى غار السجدة في كهف بني حرام، حيث شارك سعد صورًا وهو ساجد مرتديًا جلبابًا أبيض، ما عكس حالة من التأمل والخشوع. وعبّر جمهوره عن إعجابهم بهذه الصور، مشيدين بما وصفوه بـ"التحول الإيجابي" في حياته. أحمد سعد يزيل التاتو وفي خطوة رمزية على طريق التغيير، أعلن أحمد سعد عن بدء إزالة الوشوم التي لطالما ارتبطت بإطلالته الفنية، ونشر مقطع فيديو يوثق أولى جلسات الإزالة، مرفقًا بتعليق: "بدأت مرحلة إزالة التاتو.. وده من أحسن القرارات اللي أخدتها"، وهو ما اعتبره المتابعون استكمالًا لمسار جديد يتجه فيه نحو الصفاء والصفحة البيضاء. على الصعيد الفني، لم تغب المفاجآت؛ فقد أعلن أحمد سعد عن توقيع عقد تعاون جديد مع شركة روتانا للصوتيات والمرئيات، في حفل حضره كل من سالم الهندي الرئيس التنفيذي للشركة، وأسامة رشدي المدير الفني، معربًا عن سعادته بهذه الشراكة قائلًا: "أنا بحب روتانا جدًا، وواثق إن التعاون ده هيقدم حاجات تسعد الجمهور". وفي نهاية ظهوره، وجه سعد رسالة مؤثرة إلى محبيه قال فيها: "أكتر حاجة بتفرحني هي تقدير الناس لتعبّي. الحمد لله على اللي وصلت له، وإن شاء الله دايمًا أكون عند حسن ظنكم وأقدملكم فن يليق بيكم". aXA6IDgyLjI5LjIxOC4yMzcg جزيرة ام اند امز GB