
"معرض الشارقة الدولي للكتاب" يستقطب آلاف الكتّاب والناشرين حول العالم لتعزيز الحوار الثقافي وتبادل الأفكار
◄ العامري: نسعى لتعزيز التعاون الثقافي والمعرفي مع سلطنة عمان
الشارقة- فيصل السعدي
شهدت الدورة الـ43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب إطلاق أكثر من 1500 كتاب جديد، وسط مشاركة واسعة من أكثر من 300 دار نشر إماراتية.
وقال سعادة أحمد بن ركاض العامري الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب: "نحن دائما في تحدٍ مع ذاتنا، حيث يعد معرض الشارقة الدولي للكتاب هو الأول على مستوى العالم في بيع وشراء حقوق النشر لأربع سنوات متتالية، وهذا ما يلزمنا بمواكبة كل متغيرات عالم سوق النشر".
وأضاف: "يشارك في معرض الشارقة 112 دولة و2500 دار نشر، ونجاح المعرض ليس نجاحًا للإمارات وحدها بل هو نجاح لجميع الدول العربية، إذ يضم المعرض 1000 ضيف من المغرب وأكثر من 20 دار نشر مغربية، باعتبارها ضيف شرف المعرض لهذا العام، كما يقدم المعرض أكثر من 1300 فعالية، بمشاركة أكثر من 250 ضيفًا".
وتابع العامري قائلا: "نسعد ونفخر بزيارة الأشقاء من سلطنة عمان لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث تعكس الزيارات مدى العلاقات الأخوية المتينة بين البلدين، كما نسعى إلى تعزيز التعاون الثقافي والمعرفي بين البلدين الشقيقين".
وأعلنت هيئة الشارقة للكتاب إعفاء دور النشر في فلسطين ولبنان والسودان من رسوم المشاركة لهذه الدورة من المعرض.
ومن أبرز إنجازات هذه الدورة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب إطلاق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المعجم التاريخي للغة العربية، والذي يتألف من 127 مجلدًا ليضيف نحو مليوني مفردة جديدة. ويمثل هذا المشروع الضخم خطوة مهمة في توثيق وتطوير اللغة العربية، ويقدم مرجعًا شاملًا لتاريخ الكلمات وتطورها عبر العصور. وقد تم العمل على هذا المعجم بدقة وعناية من قبل فريق من اللغويين والباحثين المتخصصين.
وشهد المعرض مشاركة واسعة من دور النشر حول العالم، مما يعكس النمو المستمر في صناعة النشر في المنطقة وتُظهر التنوع الكبير في الأعمال المقدمة، من الروايات والكتب الأدبية إلى الأعمال العلمية والتقنية، كما قدمت دور النشر العديد من الفعاليات الثقافية والندوات التي جذبت الزوار من مختلف الأعمار والاهتمامات.
وتشارك سلطنة عمان في محفل معرض الشارقة الدولي للكتاب متمثلة في وزارة الإعلام ووزارة الثقافة والرياضة والشباب، حيث تعرض مجموعة واسعة من الإصدارات الثقافية والأدبية التي تعكس غنى التراث العماني وتاريخه العريق، وتأتي هذه المشاركة في إطار تعزيز التواصل الثقافي العربي والدولي، وتوطيد العلاقات الأدبية بين الكتاب والمثقفين من مختلف أنحاء العالم.
وشارك ما يزيد عن 12 دار نشر ومكتبة عمانية بعرض كتب في الأدب والتاريخ والفنون والعلوم، لتسلط الضوء على الجهود المبذولة في دعم الحركة الأدبية في السلطنة، من خلال تقديم إصدارات جديدة لكتّاب عمانيين معروفين ومواهب شابة واعدة.
وتضمن جدول الفعاليات المصاحبة للمعرض مشاركة العديد من الأسماء العمانية في تقديمها، منها الأمسية الشعرية التي نظمتها مؤسسة دارة الشعر العربي بمشاركة الشاعر يوسف الكمالي، والتي تنوعت قصائده بين الغزلية والاجتماعية والوطنية مقتطفًا من ديوانه الأول "الصادق المفضوح" وديوانه الآخر "مسائيون"، كما شاركت الدكتورة وفاء الشامسي بتقديم ورشة في أدب الطفل استمرت عدة أيام خلال المعرض.
وحرص معرض الشارقة الدولي للكتاب هذا العام على دمج التكنولوجيا الحديثة في فعالياته، حيث تم تقديم تطبيقات ذكية تسهل على الزوار استكشاف الكتب والتعرف على مواعيد الفعاليات، كما تم استخدام تقنيات الواقع المعزز في بعض الأجنحة لعرض تجارب قراءة مبتكرة.
ومن أهداف المعرض دعم المواهب الأدبية الشابة، حيث تم تخصيص مساحة لعرض أعمال الكتّاب الناشئين، بالإضافة إلى تنظيم مسابقات أدبية تهدف إلى اكتشاف وتشجيع الجيل الجديد من المبدعين.
ويستضيف معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ43 لاعب كرة القدم العالمي محمد صلاح اليوم الأحد 17 نوفمبر وذلك بقاعة الاحتفالات. وسيشارك صلاح الجمهور تفاصيل رحلته إلى العالمية، ويكشف عن علاقته بالكتب ودورها في مسيرته الرياضية.
وفي أمسية تجمع بين الرياضة والمعرفة، يتحدث صلاح عن مسيرته، بدءًا من بداياته حتى النجومية العالمية، ويلقي الضوء على التحديات التي واجهها والدروس المستفادة، كما يشارك الكتب التي ألهمته وأثرت في رؤيته للحياة، ليكشف للجمهور جوانب جديدة من شخصيته تتجاوز حدود الملاعب.
ويُعتبر معرض الشارقة الدولي للكتاب منبرًا لتعزيز الثقافة العربية ودعم صناعة النشر في المنطقة، ومن خلال استقطابه للكتاب والناشرين من مختلف أنحاء العالم، يساهم المعرض في تعزيز الحوار الثقافي وتبادل الأفكار، مما يدعم الجهود نحو بناء مجتمع معرفي متكامل.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 2 أيام
- جريدة الرؤية
في داخلي مقعد شاغر لا يُملأ
سلطان بن محمد القاسمي في داخل كل إنسان، مهما بدا مكتملًا، هناك مقعد شاغر لا يُملأ؛ ذلك المقعد ليس محجوزًا لحبيب راحل، ولا لصديقٍ غائب؛ بل لنسخة لم تُولد بعد. نسخة لم يلتقِ بها صاحبها، ولم يمنحها فرصة أن تتنفس بصدق، أو تحيا كما خُلقت أن تكون. إنها النسخة التي لم تُنجز، ولم تفشل، ولم تُحب، ولم تكره. لم تُكسر، ولم تنتصر. كانت دائمًا هناك، في الزاوية الهادئة من الروح، تراقب من بعيد، تكتفي بالصمت، وتنتظر أن يُصغي إليها أحد. ليست نسخة مثالية، ولا خارقة، ولا مصنوعة من نور؛ بل هي ببساطة الإنسان كما يستحق أن يكون، لو أنه لم ينشغل طويلًا بما يجب، ولو أنه لم يُساوم على ما يحب، ولو أنه لم يُطِل البقاء في الأماكن التي لا تُشبهه. فكم من البشر أمضوا حياتهم وهم يملؤون مقاعد الخارج، متناسين المقعد الأهم، ذاك الذي ينتظرهم في دواخلهم، وكم من الأرواح انشغلت بالبحث عن هوية خارجية، ونسيت أن جلّ ما تفتقده… يقبع في الداخل، بانتظار لحظة وعي نادرة. "الذي يبحث عن ذاته في عيون الآخرين، لن يجدها أبدًا"، كما كتب المفكر الإيطالي نيكولو ماكيافيلي؛ فالهوية الحقيقية لا تُبنى من الخارج، ولا تُمنح كوسام؛ بل تُستخرج من باطن الإنسان، حين يختار أن يُنصت لصوته الداخلي دون رتوش أو مجاملات. ذلك المقعد لا يُفرَغ لأن أحدهم رحل؛ بل لأن الإنسان لم يقترب من ذاته بعد. لم يسأل: "من أنا حين لا أُمثّل أحدًا؟ من أنا إذا نزعتُ عني كل ما اعتدتُه، وتجرّدت من الأدوار، والتوقعات، والامتثال الدائم؟". في تلك الزاوية الهادئة من النفس، حيث لا صوت إلا صوت الصدق، تجلس النسخة الصبورة من كل إنسان، تلك التي لم تطرق بابًا، ولم تُطالب، فقط انتظرت أن تأتيها يدٌ صادقة تقول: "آن أوانك." ويا للغرابة، فبينما ينشغل الناس بالمظهر، والمكانة، والقبول الاجتماعي، تظل النسخة الأصدق فيهم حبيسة التأجيل. حبيسة الخوف. حبيسة تلك العبارات التي تُقال مرارًا: "ليس الآن"، "حين أرتاح"، "حين أفهم نفسي أكثر"… وهي لا تدري أن الفهم لا يسبق اللقاء؛ بل يبدأ منه. وقد لا يأتي هذا الوعي دفعة واحدة، لكنه ينمو في اللحظة التي يتوقف فيها الإنسان عن الجري، ويتأمل. وقد لا يُولد من فراغ؛ بل من مراجعة صادقة، من جرأة في الاعتراف بأن ما كُنا عليه قد لا يكون ما نحن مدعوون أن نكونه. تمامًا كما حدث مع الإمام الشافعي، رحمه الله، الذي لم يكن مجرد فقيه مجتهد؛ بل كان إنسانًا يدرك أن للروح مراحل، وللفكر طبقات، وأن ما يراه المرء اليوم يقينًا قد يراه غدًا اجتهادًا قاصرًا، حين انتقل من العراق إلى مصر، تغيّر السياق، وتغيّر الناس، فتغيّر هو أيضًا. لا لأنه تقلّب؛ بل لأنه جلس إلى نفسه، وأعاد الإنصات إلى النسخة الأعمق منه. كتب يقول: "قلبتُ رأيي في المسائل ليلًا… فأصبح رأيي غير ما كنت أقول." لم يكن ذلك تراجعًا؛ بل نضجًا. ولم يكن تحوّلًا خارجيًا؛ بل ولادة داخلية. الشافعي في مصر لم يكن نُسخة أضعف من الشافعي في العراق؛ بل نسخة التقت بذاتها بعد سفر طويل. جلس على المقعد الذي طالما أرجأ الجلوس فيه، فتجلّت له رؤى لم يكن ليبصرها وهو يركض بين المسائل والردود والمناظرات. وهكذا كلّ منّا، لا يكتمل بصوتٍ عالٍ أو بانتصارٍ علني؛ بل حين يجلس مع ذاته في صمت، ويقول لها بهدوء: "ماذا بقي منّي لم أعرفه بعد؟" إن ذلك المقعد في الداخل ليس نهاية؛ بل بوابة. لا يُراد منه الاعتزال عن الحياة؛ بل العودة إليها بنسخة أصلية. نسخة لا تسعى للإعجاب، ولا تركض خلف رضا الآخرين؛ بل تنمو بهدوء، وتُثمر برفق، وتعيش في انسجام نادر بين ما تعتقده وما تفعله. ولأن المعرفة الحقيقية تبدأ من الداخل، فإن أصعب المصالحات هي تلك التي تتم بين الإنسان ونفسه. حين يعترف لنفسه: "نعم، خذلتك كثيرًا، أجلتُك كثيرًا، استبدلتك مرارًا، لكنني اليوم… أعود إليك." وليس في الأمر رومانسية مفرطة؛ بل نضج هادئ. فأن يعيش الإنسان صادقًا مع نفسه، هو أقرب ما يكون إلى النجاة. أن يجلس على المقعد الذي خُلِق له، دون أن ينتظر إذنًا، أو تصفيقًا، أو موافقة من أحد… هو القرار الذي يحرره من كل ما كبّله يومًا. وقد قال الله تعالى: ﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾؛ فربّما البصيرة لا تُكتسب من كثرة التجارب؛ بل من لحظة صدق واحدة، يجلس فيها الإنسان إلى ذاته كما لو أنه يراها لأول مرة، ويُسلّم لها زمام الرحلة، لا خوفًا؛ بل احترامًا. وفي نهاية المطاف، لن يُجيد العبور سوى من عرف وجهته، ولا طريق أصدق من ذاك الذي يبدأ من الداخل… إلى الداخل.


جريدة الرؤية
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
سطرٌ أخير لم يُكتب
سلطان بن محمد القاسمي بين كل بداية ونهاية، هناك حكاية تروى، وأخرى تُكتم، ولكن ما لا يُقال في العلن غالبًا ما يكون هو الأصدق؛ فنحن نعيش، نُحب، نتألم، ونمضي، ولكن قلّما نمنح أنفسنا فرصة للانفصال الواعي عن شيء قد انتهى في دواخلنا، وذاك القرار لا يُختصر في كلمة وداع، ولا في علامة نقطة؛ بل في لحظة وعي تختار فيها أن تغلق صفحة لا لأنها انتهت، بل لأنك اخترت أن تواصل. وقد قيل في الأثر: "ما كان لك سيأتيك ولو بين جبلين، وما لم يكن لك لن تناله ولو كان بين شفتيك"، ولذلك ربما علينا أن ندرك أن التعلق بما فات هو إنكار لحكمة القدر. إننا نُجيد البدء، ونعرف كيف نُقرّب الأرواح، ونلتصق بالذكريات، ونُراكم اللحظات، ولكن حين تحين لحظة التوقف، نرتبك، ونصمت، ونؤجل، ونختفي. وغالبًا ما نساوي بين الإنهاء والخسارة، وبين الحسم والخذلان. ولا أحد يحب أن يكون هو من ينهي شيئًا، حتى لو كان ذلك الشيء يؤذيه، ولذلك تُترك تفاصيل كثيرة في حياتنا عالقة، وكأنها تنتظر معجزة لتُحسم. لكن الحقيقة التي لا مهرب منها هي أن ترك الأمور مفتوحة على مصراعيها، هو ما يجعلنا ندور في حلقات متكررة، في علاقات مهددة، وفي مشاريع مترددة، وفي قرارات مؤجلة، وفي ذكريات تتكرر بلا توقف. فنحن نظن أن تأجيل المواجهة يمنحنا راحة، لكنه في الواقع يمدّ الألم بخيطٍ أطول. الله عز وجل يقول: ﴿ وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم ﴾، ولذلك ربما ما نُصِرّ على استمراره هو ذاته ما يُعيق أرواحنا عن النضج والتحرر. وإن الأهم من لحظة الإنهاء ذاتها، هو أن نعرف متى نتخذها، وكيف، ولمصلحة من. فليس كل توقف نهاية، بقدر ما هو بداية أخرى. ومن يجرؤ على الاعتراف بأن ما لديه قد اكتمل، يمتلك الشجاعة ليبدأ من جديد، ومن يُغلق بابًا، يكون قد رأى ما يكفي ليختار غيره. وفي هذا العالم المزدحم بالأحاديث المكسورة، وبالمواقف المعلقة، وبالعلاقات التي تتنفس على أجهزة الانتظار، يصبح القرار الحاسم نوعًا من التحرر. فأن تقول ما يجب أن يُقال، دون خوف أو خجل أو تردد، وأن تعترف أنك تعبت، وأنك لا تستطيع الاستمرار بنفس الطريقة، وأن تمنح نفسك الحق في اختيار مسار لا يشبه ما اعتدته، فذلك ليس ضعفًا؛ بل وعي. وقد ورد في الحديث الشريف: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، ولذلك فالبقاء في منطقة رمادية لا يُنبت فيك يقينًا، بل يهدر وقتك وحياتك. وقد يبدو ذلك قاسيًا، خصوصًا إن جاء بعد سنوات من المراهنة، أو بعد خسارة ثقيلة، ولكنه غالبًا ما يكون ضروريًا لبقائنا في وضع نفسي متوازن. فالنفس البشرية لا تطيق الاستنزاف المستمر، وإن لم نحسم ما يؤذينا، تحولنا إلى نسخ شاحبة من ذواتنا. بل الأعجب من ذلك، أننا أحيانًا نُبقي قرار الخروج معلقًا بيد غيرنا، فننتظرهم ليأذنوا، أو ليعتذروا، أو ليفسحوا لنا الطريق. وهكذا نُسقط إرادتنا في أيديهم، فنظل محبوسين في انتظار شيء لن يحدث، أو لن يحدث كما نرجو. لكن متى كان الخارج أكثر وفاءً منا لداخلنا؟ ومتى قرّر أحدهم بالنيابة عنا قرارًا ينصف أرواحنا؟ فإننا حين نُرجئ اتخاذ ما نعلم أنه الصواب، نطيل أمد التيه، ونمنح الحزن فرصة أكبر ليتمدد. وقد قال أحد الحكماء: "ما دام القلب ينزف فليس ثمة جدوى من تضميد السطح"، ولذلك كثيرًا ما يكون الحسم الداخلي هو السبيل الأصدق للشفاء. فلا إعلان، ولا ضجيج، ولا مواجهات متأخرة… بل فقط إدراك داخلي أن الحكاية وصلت إلى منتهاها، لا لأنها فشلت، بل لأنها قالت كل ما عندها. وليس الأمر مقصورًا على الجانب العاطفي وحده، فهناك محاولات لا تجد طريقًا للنجاح، ونعلم أنها أنهكتنا، ومع ذلك نُبقيها حيّة شكليًا. وهناك تصورات قديمة عن أنفسنا، لم تعد تعبّر عنا، ولكننا نستمر في تمثيلها لأننا لا نعرف غيرها. وقد ذكر ابن القيم أن من علامات الصدق ألا تتعلق النفس بما مضى، بل تنشغل بتحقيق ما هو خيرٌ لها في القادم، وهذا المعنى جوهري حين نُفكّر فيما يستنزفنا ويُعيق ذواتنا. فالتحوّل لا يتطلب خطابًا دراميًا، بل لحظة صدق مع الذات، وقرار يُتخذ في عمق النفس، لا يعوّل على رأي أحد، ولا يحتاج إلى موافقة الجماهير، وإنما هو لحظة نقاء نمنحها لأنفسنا. وكم من أناس رحلوا دون أن يتصالحوا مع الماضي، وغادروا وفي قلوبهم كلمات لم تُقال، ومواقف لم تُفسّر، وأخطاء لم تُغتفر. فقد ماتوا وهم يحملون ثقلاً كان يمكن لهم أن يضعوه لو امتلكوا الشجاعة في لحظة مبكرة. فامتن لنفسك إن استطعت أن تُنهي ما يرهقك، واعترف بما في داخلك دون تأخير، وسامِح أو ابتعد أو وضّح… فالمهم ألا تترك ما يجب إنهاؤه متعثرًا في المنتصف، لأن ما لا يُحسم، يعود إلينا بوجوه أخرى. وتلك الرسالة التي ترددت في إرسالها، وتلك الكلمة التي كان يجب أن تُقال، وذلك اللقاء الذي لم يتم… فكل هذه مواقف لا تتعلق بالزمن بل بالإرادة. لأن الانتظار الطويل لا يصنع نهاية مختلفة، بل يضيف تعقيدًا إضافيًا على ما كان بسيطًا. ولا تنتظر أن تتناغم الظروف مع مزاجك لتتخذ موقفًا واضحًا، فأحيانًا لا يأتي الوقت المثالي، ولكننا نصنعه حين نتصرف بما يتوافق مع قيمنا وقناعاتنا. ومن اللافت أن بعض القرارات لا تُتخذ لإغلاق باب، بل لفتح مساحة في الروح. فأنْ تعترف بالحب إنْ كنت صادقًا، وأن تقول "أحتاجك" لمن تفتقده، وأن تعتذر لمن آذيته… فليست كل الخطوات الصادقة نهاية، بل أحيانًا تكون تصحيحًا لمسار مائل. وقد يكون أجمل ما نفعله في حياتنا هو أن نتصالح مع فكرة الاكتمال، وأن نفهم أن ما مضى كان ضروريًا، ولكنه لا يصلح للاستمرار، وأن نأخذ ما تعلمناه ونمضي دون شحنات غضب أو لوم أو حنين أعمى. فنحن لا نُبنى مما حدث فقط، بل مما اخترنا فعله بعد ذلك، وتلك الاختيارات الصغيرة، المتزنة، الهادئة، هي ما يشكّل جوهرنا الحقيقي. ولا ننسى أن من توكل على الله كفاه، ومن سلّم قلبه لله هداه، فبعض الطرق تحتاج إلى يقين أكثر من التفكير، وثقة أكثر من التخطيط. فلا تسمح لأحد أن يقرر متى تتوقف أو تستمر، وخذ قراراتك دون صراخ، وامضِ بها بقلبٍ مطمئن. وتلك اللحظة التي تعرف فيها أنك قلت كل ما عليك قوله، وفعلت كل ما عليك فعله… تكفي لتمنحك سلامًا يكفيك سنوات. فليس ضروريًا أن تُخلّدك الكتب، ولا أن تُصفق لك المنصات، وإنما يكفي أن تكون أمينًا على نفسك. وأن تعرف متى تغادر، ومتى تبقى، ومتى تتجاوز، ومتى تعود. لأن النهايات، في جوهرها، ليست نهاية للحياة، بل بداية لنُضج آخر… نُضج لا يحتاج شعارات، بل يحتاج قلبًا صادقًا يعرف أنه آن الأوان للمضي.


جريدة الرؤية
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
حاكم الشارقة يشهد افتتاح الدورة الثالثة من مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة
الشارقة - الرؤية شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وبحضور سمو الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي، نائب حاكم الشارقة، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، افتتاح الدورة الثالثة من مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة، الحدث الأول من نوعه في المنطقة، والذي تنظمه هيئة الشارقة للكتاب خلال الفترة من 1 إلى 4 مايو في مركز إكسبو الشارقة. واطلع صاحب السمو حاكم الشارقة خلال الافتتاح، على أجندة المؤتمر لهذا العام، والتي تضم سلسلة من الفعاليات المتخصصة، من بينها 26 ورشة عمل متخصصة، و21 جلسة نقاش تفاعلية، إضافة إلى عروض سينمائية ومعارض متخصصة، بمشاركة 72 متحدثاً من أبرز صناع الرسوم المتحركة في العالم، كما تفقد سموه قاعات المؤتمر ومنصات العارضين، واطلع على الأدوات الإبداعية التي تقدمها الجهات المشاركة من حول العالم. وتابع صاحب حاكم الشارقة خلال حفل الافتتاح، عرض الفيلم الإبداعي القصير من إنتاج هيئة الشارقة للكتاب، واستُعرض بأسلوب بصري وسردي مبتكر، محطات تاريخية من تطور الرسوم المتحركة في العالم العربي، منذ بداياتها الأولى في الخيام والأسواق وخلف الستائر، وصولاً إلى الأعمال الحديثة التي شكّلت ذاكرة أجيال مثل "بكار" و"فريج" و"شعبية الكرتون". وسلّط الفيلم الضوء على محاولات عربية مبكرة في مجال التحريك، وأبرز إنتاجات المنطقة في القرن العشرين، إلى جانب دور الدبلجة في إعادة تقديم الأعمال العالمية بصوت وهوية عربية، كما توقف عند تجربة "سبيس تون" التي شكّلت نقلة نوعية في صناعة المحتوى الموجه للأطفال في الوطن العربي. واختتم الفيلم برسالة ملهمة تؤكد أن الشارقة تمهّد الطريق أمام صنّاع المحتوى العرب لإنتاج أعمال بصرية تنبع من ثقافتهم وتخاطب العالم بلغة الإبداع العربي. وفي كلمتها الافتتاحية قالت خولة المجيني، المدير التنفيذي للمؤتمر // نفتتح مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة، هذا المشروع الذي يعد استراتيجية متكاملة أطلقتها هيئة الشارقة للكتاب، تحت رعاية صاحب السمو حاكم الشارقة، وبإشراف ومتابعة من رئيسة مجلس إدارة الهيئة، لتمكين صناعة المحتوى في العالم العربي، من خلال أدوات جديدة ومقاربات مبتكرة //. وأضافت المجيني أن المؤتمر يكرّس رؤية الشارقة في تأسيس بيئة مستدامة لصناعة المحتوى، وذلك من خلال منظومة عمل متكاملة تمتد على مدار العام، لاكتشاف المواهب، وتطويرها، وربطها بمنصات الإنتاج والنشر، حيث يمثل حلقة وصل بين النشر والإنتاج، وبين الكتاب والرسامين، وبين الخيال والتطبيق، وبين الجيل الذي يكتب الآن، والجيل الذي سيحلم بعد عشرين عاماً. واختتمت المجيني كلمتها قائلة // آن الأوان لنروي قصصنا بأنفسنا؛ فالوطن العربي يزخر بمواهب استثنائية لا ينقصها الإبداع، بل تحتاج فقط إلى المساحة والفرصة والدعم، وإننا اليوم في الشارقة، نحلُم ونخطط ونعمل ليشاهد العالم في المستقبل رسوماً متحركة بجودة عالمية لكن بهوية عربية تنبض بثقافتنا، وتتحدث لغتنا، وتحاكي قلوب أطفالنا، وتدهش جمهور العالم //. وألقى فهد الحساوي الرئيس التنفيذي لشركة "دو"، الراعي الرسمي للمؤتمر كلمة قال فيها // إن دعم ورعاية "دو" لهذا المؤتمر ينبع من إيماننا العميق بأهمية الاستثمار في الثقافة والإبداع كقوة دافعة للتغيير الإيجابي، وكمحفز أساسي لنمو اقتصاد المستقبل، ويُجسد مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة رؤيتنا المشتركة نحو تمكين جيل جديد من المُبدعين، ورواة القصص، وصانعي المحتوى، الذين يشكّلون ملامح المشهد الرقمي في منطقتنا //. وأضاف الحساوي // الإبداع أحد ركائز التحول الرقمي الذي نطمح إليه في دولة الإمارات العربية المتحدة تنفيذاً لرؤية قيادتنا الرشيدة، وتمنح هذه المؤتمرات والفعاليات الفرصة للمواهب الناشئة لصقل مهاراتهم وتوفير كافة الأدوات والمساحة للإبداع والمشاركة الفاعلة في بناء مستقبل أكثر تواصلاً وابتكاراً //. ويحتفي المؤتمر هذا العام بفنون "الأنيمي" اليابانية التي أثّرت في أجيال من عشاق الرسوم المتحركة حول العالم، ويستضيف نخبة من مبدعي اليابان في هذا المجال، من بينهم ماسايوكي مياجي وتاميا تيراشيما، اللذان شاركا في أبرز إنتاجات استديو "جيبلي"، مثل "سبيريتد أواي" و"ماي نيبور توتورو"، إلى جانب توم بانكروفت، مؤسس استديوهات "بنسيليش أنيميشن"، وطوني بانكروفت، المعروف بأعماله مع ديزني في أفلام "مولان" و"علاء الدين"، وساندرو كلوزو، مصمم شخصيات "أنستازيا" و"طرزان" و"شيبنديل". ويمضي "مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة" في دورته الثالثة نحو ترسيخ مكانته كمنصة دولية لاستكشاف أحدث التوجهات في هذا القطاع، حيث يناقش هذا العام تقاطعات الرسوم المتحركة مع الذكاء الاصطناعي، والسرد القصصي البصري، وتحويل الأعمال الأدبية إلى إنتاجات مرئية، مؤكداً أن الرسوم المتحركة اليوم تمثل لغة عالمية تتقاطع فيها الفنون والتكنولوجيا والثقافات.